الخلاصة في تفسير آية الجلابيب وآية الزينة

إنضم
13/05/2025
المشاركات
6
مستوى التفاعل
1
النقاط
3
الإقامة
صنعاء - اليمن
الخلاصة في تفسير آية الجلابيب وآية الزينة

د. محمد بن جميل المطري

سورة الأحزاب قبل سورة النور في ترتيب النزول، فأنزل الله سبحانه أولًا آية الجلابيب في سورة الأحزاب، وفيها أمر النساء بالحجاب الساتر لجميع أبدانهن حال خروجهن من بيوتهن، ثم أنزل آية زينة المرأة في سورة النور، وفيها بيان ما تُظهِره المرأة من زينتها لأرحامها وللنساء، ذكر العلماء أن سورة الأحزاب نزلت في السنة الخامسة من الهجرة بعد غزوة الخندق، وسورة النور نزلت في السنة السادسة من الهجرة بعد غزوة بني المصطَلِق.

آية الجلابيب​

قال الله تعالى: ﱩيَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًاﱨ [الأحزاب: 59]، هذه الآية تسمى آية الجلابيب، وفيها أمر الله سبحانه النساء بإدناء الجلابيب الساترة لجميع أبدانهن عند خروجهن من البيوت وعند الرجال الأجانب، قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (15/ 448): "آية الجلابيب في الأردية عند البروز من المساكن"، والجِلباب هو اللباس الذي يغطي جميع بدن المرأة، قال القرطبي في تفسيره (14/ 243): "الجلابيب جمع جلباب، وهو ثوب أكبر من الخِمار، والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن"، وإدناء الجلباب يشمل تغطية الرأس والوجه حتى يُعرَفن بالعِفَّة فلا يؤذيهن الفَسَقة.

روى ابن جرير في تفسيره (19/ 181) بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يُغطِّين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب)، وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: (تُسْدِلُ المرأةُ جلبابَها من فوقِ رأسِها على وجهِها) يُنظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 406).

قال الجَصَّاص في أحكام القرآن (3/ 486): "في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين، وإظهار السِّتر والعفاف عند الخروج؛ لئلا يطمع أهل الرِّيَب فيهن"، وقال البيضاوي في تفسيره (4/ 238): "ﱩ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّﱨ: يغطين وجوههن وأبدانهن بملاحِفهن إذا برزن لحاجة".

فهذه الآية تدل دلالة واضحة على وجوب لُبسِ المرأة اللباس السابغ الساتر لجميع بدنها، ومن ذلك ستر وجهها وكفيها وقدميها، فالحجاب الشرعي هو الساتر لجميع بدن المرأة وزينتها بما يمنع الأجانب عنها من رؤية شيء من بدنها أو زينتها التي تتزين بها، ويكون الحجاب باللباس ويكون أيضًا بالبيوت كما قال الله تعالى في آية الحجاب: ﱩوَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّﱨ [الأحزاب: 53]، والحجاب عبادةٌ وفِطرة، فهو عبادة تؤجر عليه المسلمة، وهو من الفِطْرة التي فطر الله الناس عليها، والشيطان حريص على تغييرِ الفطرة بكشف العورات ونزع الحياء من العباد ونشر الفساد كما قال الله تعالى: ﱩ يَابَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَاﱨ [الأعراف:27]، فعلى المرأة المسلمة أن تحذر من وساوس الشيطان، وأن تحرص على الحجاب الكامل الذي يستر جميع بدنها عن أعين الرجال الأجانب، ويُرخَّص لها في لبس النقاب ونحوه مما يستر الوجه ما عدا العينين بشرط عدم توسيع فتحة النقاب أكثر من الحاجة، وعدم إظهار شيءٍ من الزينة، فلا تُظهِر الخدين أو الجبهة، ولا تُظهِر زينةً في العينين بالكحل ونحوه، ولا يكون غطاء الوجه شفَّافًا، فآية الجلابيب تبين وجوب ستر المرأة لجميع بدنها حال خروجها من بيتها أو عند الرجال الأجانب، فلا تُظهِر شيئًا من بدنها إلا للحاجة المعتبرة أو الضرورة التي تُقدَّر بقدْرها.

وقد أجاز الله سبحانه للمرأة العجوز أن تكشف وجهها وكفيها، وتترك لُبْس الجلباب بشرط عدم إظهار زينتها، قال الله سبحانه: ﱩ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّﱨ [النور: 60]، ومعنى الآية: والنساء العجائز اللاتي لا يحِضْن ولا يطمعن في الزواج لكِبَر سِنِّهن لا إثم عليهن أن يتركن لبس الجِلباب واللثام غير مظهرات للزينة أمام الرجال الأجانب، ولُبْس العجائز الجِلباب واللثام ونحوها من الثياب الظاهرة الزائدة على ما يسترهن خيرٌ لهن وأفضل من خلعها، فرغَّب اللهُ العجائز في تغطية الوجوه ولُبس الجلابيب السابغة أمام الرجال الأجانب، وحرَّم عليهنَّ التبرج بالزينة، وأجاز لهن ترك اللثام وخلع الجِلباب من غير إظهار زينة عند الرجال الأجانب، وهذا يدل على تأكيد أمر الحجاب الكامل لغير العجائز، ويدل على تأكيد النهي عن إظهار المرأة زينتها لغير المحارم والنساء حتى ولو كانت عجوزًا، وجعل الله عدم خلع العجائز للثياب الظاهرة من الاستعفاف الذي تؤجر عليه العجوز، فكيف بالمرأة الشابة؟!

إنَّ المرأة الشابة التي تكشف وجهها وكفيها عند خروجها من بيتها هي في الحقيقة تتشبه بالإماء والعجائز، وقد ذكر العلماء أنه يتأكد وجوب السَّتر وحرمة التبرج على الحسناء الجميلة أكثر من تأكده على الشوهاء والعجوز والأَمَة، قال الجَصَّاص الحنفي في أحكام القرآن (3/ 486): "المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين وإظهار السِّتر والعفاف عند الخروج؛ لئلا يطمع أهل الرِّيَب فيهن، ... والأَمَة ليس عليها سترُ وجهها وشَعرها"، وقال برهان الدين الحنفي في المحيط البرهاني (2/ 494): "المرأة منهية عن إظهار وجهها للرجال من غير ضرورة"، وقال ابن قُدامة الحنبلي في المغني (7/ 102، 103): "العجوز التي لا يشتهى مثلها لا بأس بالنظر إلى ما يظهر منها غالبًا، وفي معنى ذلك الشوهاء التي لا تُشتهى"، وقال القرطبي المالكي في تفسيره (12/ 229): "قال ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: إن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر وجهها وكفيها، وإن كانت عجوزًا أو مُقبَّحةً جاز أن تكشف وجهها وكفيها"، وقال إمام الحرمين الجويني الشافعي في نهاية المطلب (12/ 31): "اتفاق المسلمين على منع النساء من التبرج والسفور وترك التنقب"، وقال أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين (2/ 47): "لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات"، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري بشرح صحيح البخاري (9/ 324): "لم تزل عادة النساء قديمًا وحديثًا يسترن وجوههن عن الأجانب"، وقال ابن رسلان في شرح سنن أبي داود (16/ 367): "اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، لا سيما عند كثرة الفساد وظهوره"، فستر المرأة وجهها خارج بيتها وعند الرجال الأجانب هو الأصل، وهو الواجب، ويُرخَّص لها في كشف وجهها وكفيها بلا زينة إذا كانت أَمَةً أو عجوزًا أو شوهاء أو للضرورة والحاجة المعتبرة.

آية زينة المرأة​

قال الله سبحانه: ﱩوَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونﱨ [النور: 31].

الزينة هي كل ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خِلْقتها كالثياب والحلي والكحل والخضاب، ومعنى الآية: وقل - يا أيها الرسول - للمؤمنات يكفُفن النظر إلى من يشتهين رؤيته من الرجال الأجانب حذرًا من الفتنة، ويحفظن فروجهن عن جميع الفواحش. ولا يُظهِرن زينتهن حال كونهن في البيوت إلا الزينة الظاهرة التي تَظْهَر منها من غير قصد إلى إظهارها مما لا يمكن إخفاؤه كالثياب الظاهرة أو الزينة التي تكون في الوجه والكفين كالكحل والخاتم والخِضاب. وليُلقين الخِمار الذي تُغطِّي به المرأة رأسها على فتحة القميص مما يلي الرقبة ويشددنه ليسترن شعورهن وآذانهن وأعناقهن ونحورهن وصدورهن، وهذا حال كونهن في بيوتهن، أما إذا خرجن من البيوت فقد تقدم في آية الجلابيب أن المرأة تستر بدنها كله.

ثم ذكر الله في هذه الآية ما يجوز للمرأة تَعَمُّدُ إظهارِه من الزينة لأرحامها والنساء، وزينة المرأة نوعان:

  • زينة ظاهرة، وهي الثياب الظاهرة الساترة لبدن المرأة، والزينة التي تكون في الوجه والكفين كالكُحل والخاتم والخِضاب الذي يكون في كفيها.
  • زينة باطنة، وهي الزينة التي لا يجوز للمرأة كشفها في الصلاة، كالحلي الذي يكون في أذنيها وعنقها وذراعيها وساقيها أو الخضاب الذي يكون في ذراعيها وقدميها.
ومعنى الآية بالتفصيل: ولا يَتَعَمَّدْنَ أن يُظهِرن زينتهن الباطنة وزينتهن الظاهرة التي تكون في الوجه والكفين مما يجب إخفاؤه عن الرجال إلا لأزواجهن أو لآبائهن وأجدادهن أو لآباء أزواجهن وأجدادهم أو لأبنائهن وأحفادهن أو لأبناء أزواجهن من غيرهن وأحفادهم أو لإخوانهن الأشقاء أو لأب أو لأم أو لبني إخوانهن وأبنائهم أو لبني أخواتهن وأبنائهم أو للنساء المسلمات أو لمماليكهن أو للذين يتبعون القوم للخدمة والطعام ممن لا شهوة لهم في النساء كالرِّجال البُلْه وكبار السنِّ أو للأطفال الذين لم يطَّلِعوا على عورات النساء بالجِماع ولا يشتهونهن لصِغَر سنِّهِم. ولا تَضربِ النساءُ بأرجلهن الأرض أو بإحدى الرجلين على الأخرى فيسمع الرجال صوت الخلاخل المستورة من وراء الثياب. وتوبوا إلى الله - أيها المؤمنون والمؤمنات - بإخلاص في كل حال واتركوا ما نهاكم الله عنه وأطيعوه فيما أمركم به من غض الأبصار وحفظ الفروج وما أمر به النساء من تغطية المفاتن كأعالي الصدور وما نهى عنه النساء من إظهار الزينة إلا الزينة التي رخَّص للمرأة في إظهارها في بيتها لأرحامها وللنساء، وفي التوبة إلى الله الفوز بالخير والسعادة في الدنيا والآخرة.

وهذه الآية الكريمة ليست في بيان ما تُظهِره المرأة من زينة عند خروجها من البيت كما ظن ذلك بعض العلماء فأجازوا للمرأة الشابة كشف وجهها وكفيها، فهذا قول ضعيف، وأضعف منه وأشنع مما شذ به بعضهم فأجاز للمرأة إظهار الكحل والخاتم والخضاب ونحو ذلك من الزينة للرجال الأجانب، فآية الزينة في سورة النور هي في حال كون المرأة في بيتها، فتُظهِر وجهها وكفَّيها وزينتها لمحارمها وللنساء في البيوت، وقد ذكر الله قبل هذه الآية آيات الاستئذان عند دخول البيوت، وذكر اللهُ البيوت في سورة النور 14 مرة، وآية إدناء الجلابيب هي في بيان ما يجب على المرأة من الستر الكامل عند خروجها من البيت وعند الرجال الأجانب.

ويدل على أن آية الزينة في حجاب المرأة في بيتها سياق الآية لمن تأملها، ففيها أمرُ المرأة بتغطية صدرها من غير ذكر تغطية الوجه، وذلك يكون في البيوت، وفيها إباحة إبداء المرأة زينتها للآباء والأبناء والإخوة وغيرهم من الأرحام وللنساء، والمرأة إنما تُظهِر لهم زينتها غالبًا في البيوت لا خارجها، وفيها التفريق بين الزينة التي تُظهرها المرأة للمحارم والأطفال وبين العورات التي لا يظهَر عليها الأطفال، وفيها نهي المرأة عن الضرب برجلها لإظهار صوت الخَلخال، والمرأة تلبس الخَلخال في رجليها غالبًا في بيتها وليس عند خروجها، والنهي عن إظهار صوت الخَلخال للرجال الأجانب عام، سواء كانت المرأة في بيتها أو خارج بيتها، ويُقاس عليه إظهار صوت جميع حُلِيِّها؛ لأن إسماع صوته بمنزلة إبدائه.

وقد صح عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس أنه فسَّر آية سورة النور بما يدل على أنها لبيان ما تُظهِره المرأة من زينتها في بيتها للمحارم والنساء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﱩوَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَاﱨ [النور: 31] قال: (الزينة الظاهرة: الوجه وكحل العين وخضاب الكف والخاتم، فهذا تُظهِره في بيتها لمن دخل عليها، والزينة التي تُبديها لمحارمها: قرطاها وقلادتها وسواراها، فأما خلخالها ونحرها وشعرها فلا تبديه إلا لزوجها) رواه ابن جرير في تفسيره (17/ 259، 264) والبيهقي في السنن الكبير (7/ 152) بإسناد صحيح، قال البيهقي بعد رواية قول ابن عباس السابق: "هذا هو الأفضل ألا تبدي من زينتها الباطنة شيئًا لغير زوجها إلا ما يظهر منها في مهنتها، ... والصحيح أنها لا تبدي لذوي محارمها إلا ما يظهر منها في حال المهنة، وبالله التوفيق"، وقال ابن قدامة في المغني (7/ 98، 99): "يجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالبًا كالرَّقبة والرأس والكفين والقدمين ونحو ذلك، وليس له النظر إلى ما يستتر غالبًا، كالصدر والظهر ونحوهما، وما لا يظهر غالبًا لا يباح النظر إليه؛ لأن الحاجة لا تدعو إلى نظره، ولا تؤمن معه الشهوة ومواقعة المحظور"، فالصحيح عند الفقهاء جواز إظهار المرأة شعرها عند النساء والرجال المحارم كالأب والابن والأخ، وسترها شعر رأسها عند الرجال المحارم أفضل، والقول بأنَّ عورة المرأة أمام أرحامها الرجال هو ما بين السُّرَّة والرُّكْبة قولٌ مرجوح عند كثير من العلماء، قال الخَرْشي في شرح مختصر خليل المالكي (1/ 248): "عورة الحرة مع الرجل المحرَم مِن نسبٍ أو رضاعٍ أو صِهرٍ جميع بدنها إلا الوجه والأطراف، وهي ما فوق المنحر، وهو شاملٌ لشعر الرأس والقدمان والذراعان، فليس له أن يرى ثديها وصدرها وساقها"، وينبغي التنبه إلى أنَّ الفقهاء الذين حدَّدُوا عورة المرأة أمام المرأة بما بين السُّرَّة والرُّكْبة لا يقصدون جواز كشفها لذلك في بيتها على الدوام أمام النساء والرجال المحارم، بل عند العذر والحاجة المعتبرة، والأرجح عند العلماء المحققين أنه لا يجوز للمرأة كشف صدرها وبطنها وظهرها أمام النساء بلا عُذرٍ ولا حاجةٍ معتبرة، قال ابن القطَّان في إحكام النظر (ص: 284): "تُبدي المرأة للمرأة ما تُبديه لذوي محارمها، وهي ممنوعة مما زاد عليه".

وفي تفسير قوله تعالى: ﱩوَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَاﱨ [النور: 31] قولان مشهوران للعلماء:

القول الأول: أنه الثياب الظاهرة، صح عن ابن مسعود رضي الله عنه.

القول الثاني: أنه الوجه والكفان، صح عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وكلا القولين صواب، فمراد من قال: الوجه والكفان أي: داخل البيوت أمام النساء والمحارم، وقد صح عن الحسن البصري أنه فسَّر هذه الآية بالقولين، روى ابن جرير في تفسيره (17/ 261) عن الحسن البصري قال: (الوجه والثياب).

وتقدم ما رواه ابن جرير في تفسيره (19/ 181) بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يُغطِّين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب)، وصح عن ابن عباس في قوله تعالى: ﱩوَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَاﱨ قال: (هو الوجه والكُحْل والكفُّ والخِضاب والخاتم)، رواه عبد الرزاق الصنعاني تفسيره (2/ 435) ويحيى بن معين كما في الجزء الثاني من حديث يحيى بن معين رواية أبي بكر المروزي (ص: 88) والبيهقي في السنن الكبير (7/ 137) من عدة طرق عن ابن عباس، فما جاء عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: ﱩوَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَاﱨ أنه الوجه والكفان يقصد بذلك إظهار الوجه والكفين في البيوت، حيث لا يكون هناك أحد من الرجال الأجانب، أما إذا خرجت المرأة من بيتها فعليها أن تغطي وجهها بالجِلباب؛ لأنَّ الله سبحانه أمر النساء بإدناء الجلابيب الساترة لجميع أبدانهن عند خروجهن من البيوت وعند الرجال الأجانب، ولا يجوز للمرأة الشابة كشف وجهها وكفيها عند الرجال الأجانب لغير حاجة معتبرة أو ضرورة.
 

المرفقات

عودة
أعلى