الخصم الأكـبر، منقول

إنضم
06/09/2005
المشاركات
960
مستوى التفاعل
18
النقاط
18
الإقامة
القصيم، بريدة.
الخصم الأكـبر!
فهد بن صالح العجلان
مقال منشور في مجلة البيان العدد : 284 شهر ربيع الثاني عام 1432



لطالما طرق أذني هذا المعنى، وكثيراً ما يعاد ترداده في مناسبات عديدة، هذا المعنى يتلخَّص في العبارة التالية: (ضرورة تقديم خطاب عقلاني وبرهاني وعلمي لدعوة الناس إلى الإسلام، وأنَّ سبب جفولهم عن الإسلام راجع إلى ضعف الخطاب الموجَّه إليهم).
ليس لي تحفُّظ كبيـر يمسُّ صحَّة هذا المعنى، لكنني كلما سمعتُ هذه العبارة قفز إلى ذهني المناظرات العلمية والإعجاز العلمي فأجد أن دورها في دعوة الناس إلى الإسلام، وأثرها على أعداد الداخلين في الإسلام أضعفُ وأبعدُ بمراحل كثيرة من دور الموعظة الحسنة أو التعامل اللطيف أو الخطاب العقلي الميسَّر، وهو ما جعلني أشك في حقيقة هذه الضرورة التي تكرَّر علينا في كل حين، ليس انتقاصاً لأهمية الحديث العقلاني والعلمي أو شكاً فيه؛ وإنما أشعر أنه يتضخَّم أمام ناظرينا فيتشكل بأكبرَ من صورته الحقيقية.
عدتُ إلى كتاب الله - تعالى - وبدأت في قراءته من فاتحته لأتلمَّس الطريق الصحيح في التعامل مع هذه الأمر، ولم أكد أنهي بعض أجزاء منه حتى ذهلت من الحقيقة التي ظهرت لي بجلاء، لم تكن جديدة عليَّ ولا أظنُّها تخفى على أحد؛ لكن ميزة النظر في القرآن أنه يرتِّب الأولويات في عقل المسلم ويعيد تشكيل نظرته إلى الأمور لتبدوَ في وضعها الصحيح.
الحقيقة الأولــــى
بدت لي حقائق شرعية ناصعة البيان يجب أن تكون أمام أنظارنا في قضية الإيمان: أن الهداية إلى الإسلام نعمة ومنَّة من الله على أهل الإسلام{كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النساء: 94]، يختار الله لها و {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ} [البقرة: 105] وأمرها إلى الله فـ {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} [البقرة: ٢٧٢]؛ فلن يدخل أحد في الإسلام إلا بعد أن يشرح الله صدره لذلك {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ} [الأنعام: 125]، وهذا ما يجعل من ثناء أهل الإيمان قولهم {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43]، حتى من دخل في الإسلام فلن يستقيم على أحكام الشريعة إلا بفضلٍ من الله{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 83].
الحقيقة الثانية
وهذه الحقيقة توصلنا إلى أن الله يحول دون وصول بعض الناس إلى الإسلام؛ فلا يتمكن مِن فهم الحقِّ ولا ينشرح صدره له {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة: ٧]،{وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} [الإسراء:46]،{الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} [الكهف: ١٠١]. وجاء في ذلك التحذير المخيف {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْـمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24].​
فإذا لم يُرِد الله هداية إنسانٍ إلى الإسلام فلن يملك أحد له شيئاً {أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} [النساء: ٨٨]، وقال نوح مخاطباً قومه:{وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34]؛ لأن القاعدة الشرعية الراسخة في نفوس المسلمين جميعاً أنه {وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [المائدة: 41]؛ فهم محجوبون عن الهداية، بل يصرفهم الله عنها لِـمَا علم من حالهم {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْـحَقِّ وَإن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} [الأعراف: 146].
هاتان الحقيقتان تزيحان الستار عن ناظرَي المسلم بأنَّ فهمَ الإسلام والاقتناعَ به لا يعني الدخول فيه، وأن من يرفض الدخول في الإسلام فليس لأنه لم يفهم الدليل ولم يقتنع به، لكن ثمَّ أمر آخر فوق هذا كلِّه، هو إرادة الله ومشيئته؛ فالهداية ليست مرتبطة آلياً بالدليل العقلي؛ فإذا رفض شخصٌ الإسلام بحثنا عن المزيد من الدلائل العقلية واجتهدنا في الإقناع تلو الإقناع، بل هي هداية وانشراح قبل ذلك وبعده، وهذا يضع (الدليل العقلي) في مكانه الصحيح فلا يطغى ويتضخَّم ليُرْبك المفاهيم والأولويات الشرعية.
الحقيقة الثالثة
أن الدلائل العقلية ليست على الوجه الذي يريده الكفار؛ فإنهم يقترحون دلائل معيَّنة فلا تُحقَّق لهم {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ} [هود: 12]، وطالَبُوا {وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا 90 أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا} [الإسراء: 90 - 91]؛ فهذه دلائل طلبوها حتى يقتنعوا بالإسلام فلم تحصل لهم، وهو ما يعني أن الدلائل العقلية لا يجب أن تكون بحسب ما يريد الكافر.

الحقيقة الرابعة
أنَّ الكفار يعتقدون أنهم على حقٍّ {إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الأعراف:30]،{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104]، ولديهم قدرة على المحاججة والمجادلة عن باطلهم {وَإنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام: ١٢١]، {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْـحَقَّ} [الكهف: 56].
فبقاء الكافر معتقداً أنه على حق ويسير في طريق صحيح، سنَّةٌ كونية أرادها الله ولا مبدِّل لما أراد؛ فالإنسان ليس بقادر على أن يقدِّم دليلاً عقلياً يكون قاطعاً لأي أحد ولكل مجادل ويكون حالُ منكره كحال من ينكر الأرض التي يمشي عليها، بل سُنة الله أن يبقى أكثر الناس على ضلال {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103].
الحقيقة الخامسة
أن سبب ضلال كثيرٍ من الناس ليس لعدم فهمهم لدلائل الإيمان والتوحيد، بل لما في نفوسهم من أهواء وأدواء: وفي (القرآن) ذِكْر لكثير من هذه الأهواء: المال {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً} [البقرة: 41], والتلبيس {وَلا تَلْبِسُوا الْـحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْـحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42], والإعراض{ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ} [البقرة: 83], والحسد {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم} [البقرة: 109], والتعصُّب للآباء{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [يونس: 78]، وحب الدنيا {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْـحَيَاةُ الدُّنْيَا} [البقرة: ٢١٢]... وغيرها كثير.

الحقيقة السادسة
قيام الدنيا على الابتلاء والتمحيص: فمِن سنَّة الله أن يُجري على أهل الإيمان الابتلاء والاختبار{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْـجَنَّةَ وَلَـمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} [البقرة: 214], وقد بيَّن الله حكمة هذه السنَّة الربَّانية {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْـمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْـخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179]، فقضية الإيمان ليست مسائل عقلية تُفهَم أو لا تُفهَم، بل تحتاج النفوس مع ذلك إلى اختبارٍ وامتحانٍ ليظهر الثبات والصبر وتقديم مراد الله، وهذه معانٍ شرعيةٌ عظيمةٌ هي أسمى بكثير من فَهْم الدليل أو عدم فهمه؛ ولذلك يتكرر في القرآن وَصْف المؤمنين بالتزكية والثبات والإخبات والانقياد، وهو ما يعني أن الإيمان ليس فَهْماً للدليل بل خضوع وانقياد وتسليم لله ربِّ العالمين، وهو ما تأنف عنه كثير من النفوس ولا يكفي فهمها للدليل لتصل إلى هذه المنزلة.
ما الذي نخلص إليه بعد استحضار هذه الحقائق القرآنية؟
نخلص إلى أنَّ موضوع الإيمان ليس قضية عقلية صِرفة، تتوقَّف على مدى قدرتنا على تقديم خطاب عقلاني مذهل، وأنَّ كثرة المعادين للإسلام وعلوَّ أصواتهم ليس ناتجاً بالضرورة عن ضعف الدليل العقلي الذي يسمعونه من المسلمين، بل وراء ذلك أسباب عدَّة تفتح لذهن الداعية فضاءً واسعاً للتفكير في كيفية الدعوة إلى الإسلام؛ فلا يغلق ذهنه على صورة واحدة تتضخَّم في الذهن بسبب عوامل خارجية. إن هذا - قطعاً - ليس تقليلاً من الدلائل العقلية أو تهويناً من قدرها، بل إن القرآن مليء بالبرهنة والاستدلال العقلي واستحثاث أهل العقول ونعيٌ على أهل الشرك تعطيلهم لعقولهم.
إن حضور هذه الحقائق يفتح أمام أنظارنا النتائج التالية:
1- أن الخصومة الحقيقية والمشكلة الأكبر التي تصدُّ الناس عن الإسلام ليست الدلائل العقلية بقدر ما هي (الأمراض) التي تسكن النفوسَ: من كِبْر وحسد وحبٍّ للمال والجاه، أو التعصُّب لِـمَا عليه المجتمع والإرث، أو الإعراض وحب الدنيا، ولعل هذا يفسِّر أن أكثر الداخلين في الإسلام ينقادون إليه من دون حاجة لخطاب ذي مواصفات عالية في البرهنة والعقلانية.
2- أهمية العناية بالوسائل التي تعالج أمراض النفوس وأدوائها: فالوعظ، والترغيب، والترهيب، والتذكير بالبعث والمصير له دور عظيم في دخول الناس في دين الله أفواجاً، وسيلفت نظرك حين تقرأ دلائل القرآن أن الخطاب الوعظي حاضر بقوَّة في مجادلة الكفَّار، فتأمل في الآيات التالية: {فَإن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْـحِجَارَةُ} [البقرة: 24]، وقوله - سبحانه -: {وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ} [النساء: ١٧١]، وقوله{وَإن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: ٣٧] بل إن من حكمة الله في إرسال الآيات {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إلاَّ تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]؛ فهذا خطاب الله الذي خلق هذه الأنفسَ ويعلم ما تحتاج إليه، وهو معنى يغفل عنه كثيراً مَنْ يغرق في العناية بالدلائل العقلية فيكون جلُّ تفكيره وحديثه في محاولة الإبداع في استخراج الدلائل التي تقنع المخالف - وهو مطلوب حسن - لكنه يغفل عن أثر الوعظ في هداية الناس.
3- الاعتدال في تقرير وتقديم الدلائل العقلية: فدورها أن تبيِّن الحق للشخص وليس أن تدخله في الإسـلام، وحينما لا ينشرح صدره للإسلام فإنه قادر على المجادلة وإثارة الملفات المختلفة إلى ما لا نهاية، وكثيراً ما تختفي الأهواء والأمراض والحظوظ الشخصية في قوالب الدلائل العقلية التي يقدِّمها المجادل، فتكون غلافاً لأهواء النفوس من حيث يشعر أو لا يشعر؛ ولهذا يكثر في خطاب القرآن تسمية حجج الكفار بالأهواء{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [البقرة: 145] بل كلُّ من يُعرِض عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فهو متَّبع لهواه {فَإن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص:50]، وحين يكون بعض الناس بحاجة للدلائل العقلية المعقَّدة والمركَّبة والدقيقة فيجب أن يكون ذلك بحسب الحاجة؛ لأن أكثر الناس في غنى عنها.
4- مراعاة النفوس التي يُعرَف من حالها الصدق والبذل وحبُّ الخير للناس أو الضعفة منهم: فمثل هؤلاء أقرب لأن تكون نفوسهم مهيَّأة لقبول الحق {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: 23]؛ لأن سوء بعض الناس يكون سبباً لأن يحرمه الله من الهداية، فكما قال - تعالى -:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: ٥]، حتى لو جاءتهم الدلائل العقلية الواضحة البينة فإنهم لا يستفيدون ولا ينتفعون، بل قد يزيدهم سماع الحقِّ ضلالاً وفساداً كما قال - تعالى -: {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا} [الإسراء:60]، وقال - سبحانه -: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إلاَّ نُفُورًا} [الإسراء: 41]، بل حتـى لــو أتاهـم الدليــل عيـاناً بيـاناً وتحقَّــق لهم حسـب ما يريدون فلن ينتفعـوا به {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ 14 لَقَالُوا إنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ}. [الحجر: 14 - 15]
 
الخصم الأكـبر!

فهد بن صالح العجلان
مقال منشور في مجلة البيان العدد : 284 شهر ربيع الثاني عام 1432



لطالما طرق أذني هذا المعنى، وكثيراً ما يعاد ترداده في مناسبات عديدة، هذا المعنى يتلخَّص في العبارة التالية: (ضرورة تقديم خطاب عقلاني وبرهاني وعلمي لدعوة الناس إلى الإسلام، وأنَّ سبب جفولهم عن الإسلام راجع إلى ضعف الخطاب الموجَّه إليهم).
ليس لي تحفُّظ كبيـر يمسُّ صحَّة هذا المعنى، لكنني كلما سمعتُ هذه العبارة قفز إلى ذهني المناظرات العلمية والإعجاز العلمي فأجد أن دورها في دعوة الناس إلى الإسلام، وأثرها على أعداد الداخلين في الإسلام أضعفُ وأبعدُ بمراحل كثيرة من دور الموعظة الحسنة أو التعامل اللطيف أو الخطاب العقلي الميسَّر، وهو ما جعلني أشك في حقيقة هذه الضرورة التي تكرَّر علينا في كل حين، ليس انتقاصاً لأهمية الحديث العقلاني والعلمي أو شكاً فيه؛ وإنما أشعر أنه يتضخَّم أمام ناظرينا فيتشكل بأكبرَ من صورته الحقيقية.

حقيقة مقال موفق شكر الله لكاتبه ولناقله
ولكن هناك قضية يجب التنبه إليها وهي أن القرآن لا يفصل بين الموعظة الحسنة وخطاب العقل ، فالقرآن كله خطاب للعقل ولكنه مقدم في قالب يحرك الفطرة ويستثير كوامنها حتى يوصلها إلى الحقيقة العقلية.
ولكن الناس يتفاوتون في إدراك هذه الحقائق والتأثر بها من خلال الخطاب القرآني المباشر ،ولهذا يحتاج بعضهم إلى زيادة تدبر وتأمل وتفكير ، وأعتقد أن هذا هو السبب وراء الدعوة إلى تجديد الخطاب الدعوي والذي يجب أن نفرق بينه وبين خطاب القرآن ،
فالخطاب الدعوي جهد بشري يحتاج إلى مراجعة من وقت إلى آخر حتى يتوافق مع متغيرات الزمان والمكان وطريقة التفكير والمؤثرات التي تتجدد في حياة الناس بتجدد الأيام.
وأعطي مثالا على أسلوب القرآن في كونه خطابا عقلاني برهاني في قالب وعظي سورة الأنعام فهي من أروع الأمثلة في هذا الجانب.
 
حقيقة لقد أعجبت بهذا المقال من حيث إنه أشار إلى حقائق قرآنية يجب على الداعية أن تكون منه على بال ، لكنه في نفس الوقت لا أراه يؤيد ما ذهب إليه الكاتب وهو التقليل من صحة دعوى ضعف الخطاب الإسلامي ، وكذلك التقليل من أهمية الخطاب العقلاني البرهاني العلمي ، أو أنه تضخم في حس الدعاة أكثر مما ينبغي.
وهذه وقفات مع المقال تبين وجهة نظري في الموضوع فإن كانت صوابا فمن الله والحمد لله ، وإن كان فيها مجانبة للصواب فأرجو أني قد بذلت وسعي وأسأل لله أن يغفر لي ولصاحب المقال ولمن يقرأه.

يقول الكاتب:
"لطالما طرق أذني هذا المعنى، وكثيراً ما يعاد ترداده في مناسبات عديدة، هذا المعنى يتلخَّص في العبارة التالية: (ضرورة تقديم خطاب عقلاني وبرهاني وعلمي لدعوة الناس إلى الإسلام، وأنَّ سبب جفولهم عن الإسلام راجع إلى ضعف الخطاب الموجَّه إليهم).
ليس لي تحفُّظ كبيـر يمسُّ صحَّة هذا المعنى، لكنني كلما سمعتُ هذه العبارة قفز إلى ذهني المناظرات العلمية والإعجاز العلمي فأجد أن دورها في دعوة الناس إلى الإسلام، وأثرها على أعداد الداخلين في الإسلام أضعفُ وأبعدُ بمراحل كثيرة من دور الموعظة الحسنة أو التعامل اللطيف أو الخطاب العقلي الميسَّر، وهو ما جعلني أشك في حقيقة هذه الضرورة التي تكرَّر علينا في كل حين، ليس انتقاصاً لأهمية الحديث العقلاني والعلمي أو شكاً فيه؛ وإنما أشعر أنه يتضخَّم أمام ناظرينا فيتشكل بأكبرَ من صورته الحقيقية.
عدتُ إلى كتاب الله - تعالى - وبدأت في قراءته من فاتحته لأتلمَّس الطريق الصحيح في التعامل مع هذه الأمر، ولم أكد أنهي بعض أجزاء منه حتى ذهلت من الحقيقة التي ظهرت لي بجلاء، لم تكن جديدة عليَّ ولا أظنُّها تخفى على أحد؛ لكن ميزة النظر في القرآن أنه يرتِّب الأولويات في عقل المسلم ويعيد تشكيل نظرته إلى الأمور لتبدوَ في وضعها الصحيح."

أقول:
المناظرات العلمية
والإعجاز العلمي
هي وسيلة لبيان الحق مثلها مثل الموعظة الحسنة والتعامل اللطيف ، فالجميع يخاطب العقل ليقوده إلى الحقيقة ومعرفتها بشكل واضح.
وما أورده الكاتب من الحقائق - إذا سلمنا له في الجميع - فيجب أن تكون في الاعتبار عند الجميع على السواء : الذي يسلك مسلك المناظرات ، أو البحث في الإعجاز العلمي ، أو الموعظة الحسنة أو الدعوة من خلال التعامل الذي يعكس جمال الإسلام.
وهذه الحقائق لا تمنع من البحث عن الأسلوب الأمثل لإيصال الحقائق إلى عقول الناس وقلوبهم .
وأما تضخمها فإذا كان المقصود أن الجهود المبذولة فيها أكبر من المردود فهذا حكم أعتقد أنه لا يستند إلى دليل ، لأنه لا يوجد هناك إحصائية يمكن الحكم من خلالها ، فهناك ألوف من الناس الذين يحضرون المناظرات العلمية والندوات التي تتكلم في الإعجاز ويشاهدها ربما الملايين ، ولا أحد يعرف بالدقة مدى أثر هذه المناظرات والندوات على من حضرها وشاهدها.

والآن تعالوا لننظر إلى الحقائق التي أوردها الكاتب:

الحقيقة الأولــــى
بدت لي حقائق شرعية ناصعة البيان يجب أن تكون أمام أنظارنا في قضية الإيمان: أن الهداية إلى الإسلام نعمة ومنَّة من الله على أهل الإسلامكَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [النساء: 94]، يختار الله لها و يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ [البقرة: 105] وأمرها إلى الله فـ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ [البقرة: ٢٧٢]؛ فلن يدخل أحد في الإسلام إلا بعد أن يشرح الله صدره لذلك فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ [الأنعام: 125]، وهذا ما يجعل من ثناء أهل الإيمان قولهم وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف: 43]، حتى من دخل في الإسلام فلن يستقيم على أحكام الشريعة إلا بفضلٍ من الله وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلاَّ قَلِيلاً [النساء: 83]."

أقول:
كون الإسلام نعمة ومنة من الله تعالى لا يتعارض مع بذل الجهد في إيجاد أفضل الوسائل لدعوة الناس ، وضرورة تجديد الخطاب وتنوعه بطرق علمية رصينة تتوافق مع المتغيرات التي تحدث في حياة الناس.
وهذه الحقيقة يجب أن لا تنسينا أن القرآن الذي قرر هذه الحقيقة قد استخدام جميع ألوان الخطاب للوصول إلى قلوب الناس وعقولهم وأبدى في ذلك وأعاد.

الحقيقة الثانية
وهذه الحقيقة توصلنا إلى أن الله يحول دون وصول بعض الناس إلى الإسلام؛ فلا يتمكن مِن فهم الحقِّ ولا ينشرح صدره له خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ [البقرة: ٧]،وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا [الإسراء:46]،الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا [الكهف: ١٠١]. وجاء في ذلك التحذير المخيف وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْـمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال: 24].

فإذا لم يُرِد الله هداية إنسانٍ إلى الإسلام فلن يملك أحد له شيئاً أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ [النساء: ٨٨]، وقال نوح مخاطباً قومه:وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ [هود: 34]؛ لأن القاعدة الشرعية الراسخة في نفوس المسلمين جميعاً أنه وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [المائدة: 41]؛ فهم محجوبون عن الهداية، بل يصرفهم الله عنها لِـمَا علم من حالهم سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْـحَقِّ وَإن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً [الأعراف: 146].
هاتان الحقيقتان تزيحان الستار عن ناظرَي المسلم بأنَّ فهمَ الإسلام والاقتناعَ به لا يعني الدخول فيه، وأن من يرفض الدخول في الإسلام فليس لأنه لم يفهم الدليل ولم يقتنع به، لكن ثمَّ أمر آخر فوق هذا كلِّه، هو إرادة الله ومشيئته؛ فالهداية ليست مرتبطة آلياً بالدليل العقلي؛ فإذا رفض شخصٌ الإسلام بحثنا عن المزيد من الدلائل العقلية واجتهدنا في الإقناع تلو الإقناع، بل هي هداية وانشراح قبل ذلك وبعده، وهذا يضع (الدليل العقلي) في مكانه الصحيح فلا يطغى ويتضخَّم ليُرْبك المفاهيم والأولويات الشرعية."

أقول:
لا أرى أن هذه الحقيقة والتي سبقتها تمنع من بذل مزيد من الجهد في بيان الحق بأي وسيلة ممكنة وبأي دليل صحيح ممكن ، والدليل أن القرآن الكريم لم يكتف بدليل واحد ولا بسورة واحدة ولا بعشر سور بل خاطب البشرية بمئة وأربعة عشر سورة، ولم يكتف بقصة واحدة ولا بمثل واحد.
وعليه فلا أرى معنى لمقولة طغيان وتضخم الدليل العقلي وإرباكه للمفاهيم والأولويات الشرعية.
ثم إنه لا مجال للفصل في القرآن بين ما هو عقلي وما ليس بعقلي ، فليس هناك في القرآن إلا الخطاب العقلي المبرهن ، قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) النساء (174)
فالقرآن كله براهين ودلائل عقلية ، وإن صيغ في قوالب مختلفة من الوعظ والقصص والأمثال وغير ذلك.


الحقيقة الثالثة
أن الدلائل العقلية ليست على الوجه الذي يريده الكفار؛ فإنهم يقترحون دلائل معيَّنة فلا تُحقَّق لهم فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ [هود: 12]، وطالَبُوا وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا 90 أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا [الإسراء: 90 - 91]؛ فهذه دلائل طلبوها حتى يقتنعوا بالإسلام فلم تحصل لهم، وهو ما يعني أن الدلائل العقلية لا يجب أن تكون بحسب ما يريد الكافر."

أقول:
والملاحظة على هذه الحقيقة هي أني لا أرى لها مناسبة لأن الداعية من خلال المناظرة أو الندوة العلمية في مقام بيان الحقائق الموجودة في القرآن ، فهو ليس نبي حتى يمكن أن يطالب بدلائل عقلية غير التي يتكلم فيها.
ثم إن الكفار لم يطلبوا هذه الدلائل من أجل أن يقتنعوا بالإسلام ، وإنما هي مطالب عبثية غير صادقة لمجرد تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم وتعجيزه ، وهناك فرق بين من يطلبها للحق وبين من يطلبها للتعنت والمشاغبة ، وحتى تتضح المسألة نذكر مثالا:
على الأول : مطلب الحواريين :
(إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113)) المائدة
وعلى الثاني: طلب قريش من النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية:
قال البخاري: حدثني عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك؛ أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم القمر شِقَّين، حتى رأوا حِرَاء بينهما.
ولما كان طلبهم طلب المتعنت لا طالب الحق كذبوا لما جاءتهم الآية:
(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)) القمر

الحقيقة الرابعة
أنَّ الكفار يعتقدون أنهم على حقٍّ إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ [الأعراف:30]،الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 104]، ولديهم قدرة على المحاججة والمجادلة عن باطلهم وَإنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ [الأنعام: ١٢١]، وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْـحَقَّ [الكهف: 56].
فبقاء الكافر معتقداً أنه على حق ويسير في طريق صحيح، سنَّةٌ كونية أرادها الله ولا مبدِّل لما أراد؛ فالإنسان ليس بقادر على أن يقدِّم دليلاً عقلياً يكون قاطعاً لأي أحد ولكل مجادل ويكون حالُ منكره كحال من ينكر الأرض التي يمشي عليها، بل سُنة الله أن يبقى أكثر الناس على ضلال وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف: 103].

أقول:
هذه محل نظر كبير من عدة أوجه :
الأول: أن هناك ما ينقض هذه الحقيقة وهي ، قول الله تعالى:
(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) الأنعام (33)
(وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13)وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14))النمل
إذا يجب أن نبحث عن معنى قوله تعالى: " ويحسبون أنهم مهتدون " وقوله" ويحسبون أنهم يحسنون صنعا"
ولهذا تعالوا نطرح أسئلة لعلنا نفهم المقصود:
ما هي الهداية التي يظنون أنهم عليها ؟
هل هي الهداية الموصلة إلى الله ؟
هل كانوا يؤمنون بلقاء الله ؟
هل ظنونهم مبنية على دليل ؟
الوجه الثاني: أن الجدال بالباطل من بعض الناس يدعو إلى مزيد بذل واجتهاد في بيان الحق بكل وسيلة ممكنة ، وهذه هي طريقة القرآن ، قال تعالى:
(وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) الفرقان (33)
الوجه الثالث: أن القول بأن الكافر يعتقد أنه على حق ، يتناقض مع القول بوضوح الأدلة وإقامة الحجة.

الحقيقة الخامسة
أن سبب ضلال كثيرٍ من الناس ليس لعدم فهمهم لدلائل الإيمان والتوحيد، بل لما في نفوسهم من أهواء وأدواء: وفي (القرآن) ذِكْر لكثير من هذه الأهواء: المال (وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً) [البقرة: 41], والتلبيس : ( وَلا تَلْبِسُوا الْـحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْـحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 42], والإعراض (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ [البقرة: 83], والحسد (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم) [البقرة: 109], والتعصُّب للآباء: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) [يونس: 78]، وحب الدنيا ( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْـحَيَاةُ الدُّنْيَا) [البقرة: ٢١٢]... وغيرها كثير.

أقول:
الأهواء والأدواء تكون حائلا بعد وضوح الدلائل ، وبهذا استحقوا العقوبة بسبب ذلك بعد الدعوة وإقامة الحجة عليهم .
إذا هذه الحقيقة لا يجوز أن تكون ذريعة لعدم البحث عن أفضل الأدلة وأفضل الأساليب لبيان الحق ، وبذل ما في الوسع لتفهيم المدعوين ، وهذا هو منهج القرآن الذي نراه بوضوح.

الحقيقة السادسة
قيام الدنيا على الابتلاء والتمحيص: فمِن سنَّة الله أن يُجري على أهل الإيمان الابتلاء والاختبار (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْـجَنَّةَ وَلَـمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ ) [البقرة: 214], وقد بيَّن الله حكمة هذه السنَّة الربَّانية ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْـمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْـخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) [آل عمران: 179]، فقضية الإيمان ليست مسائل عقلية تُفهَم أو لا تُفهَم، بل تحتاج النفوس مع ذلك إلى اختبارٍ وامتحانٍ ليظهر الثبات والصبر وتقديم مراد الله، وهذه معانٍ شرعيةٌ عظيمةٌ هي أسمى بكثير من فَهْم الدليل أو عدم فهمه؛ ولذلك يتكرر في القرآن وَصْف المؤمنين بالتزكية والثبات والإخبات والانقياد، وهو ما يعني أن الإيمان ليس فَهْماً للدليل بل خضوع وانقياد وتسليم لله ربِّ العالمين، وهو ما تأنف عنه كثير من النفوس ولا يكفي فهمها للدليل لتصل إلى هذه المنزلة.

أقول:
حقيقة التمحيص والابتلاء حتى يتميز الصادق من الكاذب ، لا علاقة لها بموضوع الاجتهاد في بيان الحق وتطوير الوسائل الدعوية بما يتوافق مع المتغيرات المؤثرة في حياة الناس.
والإيمان هو خطوة تالية لفهم الدليل ، والثبات على الإيمان والانقياد والتسليم مرحلة أخرى هي مقتضيات لذلك الإيمان.
وأما الأنفة عن الانقياد للدليل فهو الإصرار على الكفر ، ولا يكون هذا إلا بعد بيان الحق.

ومن هنا نخلص إلى خلاصة الكاتب حيث يقول:


"ما الذي نخلص إليه بعد استحضار هذه الحقائق القرآنية؟
نخلص إلى أنَّ موضوع الإيمان ليس قضية عقلية صِرفة، تتوقَّف على مدى قدرتنا على تقديم خطاب عقلاني مذهل، وأنَّ كثرة المعادين للإسلام وعلوَّ أصواتهم ليس ناتجاً بالضرورة عن ضعف الدليل العقلي الذي يسمعونه من المسلمين، بل وراء ذلك أسباب عدَّة تفتح لذهن الداعية فضاءً واسعاً للتفكير في كيفية الدعوة إلى الإسلام؛ فلا يغلق ذهنه على صورة واحدة تتضخَّم في الذهن بسبب عوامل خارجية. إن هذا - قطعاً - ليس تقليلاً من الدلائل العقلية أو تهويناً من قدرها، بل إن القرآن مليء بالبرهنة والاستدلال العقلي واستحثاث أهل العقول ونعيٌ على أهل الشرك تعطيلهم لعقولهم."

وأقول:
نعم الإيمان ليس قضية عقلية صرفة ، ولكن أدلة الإيمان عقلية ليس إلا ، مهما اختلف ذلك الدليل في القوة والضعف ، وإرادة الله لا نعرفها إلا في مرحلة تالية لقرار من أقيمت عليه الحجة من خلال إيمانه أو كفره.

ثم يقول الكاتب :
إن حضور هذه الحقائق يفتح أمام أنظارنا النتائج التالية:
1- أن الخصومة الحقيقية والمشكلة الأكبر التي تصدُّ الناس عن الإسلام ليست الدلائل العقلية بقدر ما هي (الأمراض) التي تسكن النفوسَ: من كِبْر وحسد وحبٍّ للمال والجاه، أو التعصُّب لِـمَا عليه المجتمع والإرث، أو الإعراض وحب الدنيا، ولعل هذا يفسِّر أن أكثر الداخلين في الإسلام ينقادون إليه من دون حاجة لخطاب ذي مواصفات عالية في البرهنة والعقلانية."

أقول:
قضية الأمراض تأتي بعد بيان الدليل العقلي ، فبعد أن نجتهد في بيان الدليل وإقامة الحجة ونعلم أنه لم يبق هناك ما يشير إلى أن المدعو لا يحتاج إلى مزيد بيان وأن الحق قد اتضح له بصورة جلية حينها نعلم أن هناك سببا منعه من قبول الحق وهو في الغالب لا يخفى فإن كان كبرا أو حسدا أو حب مال أو جاها أو تعصبا.
إذا واجبنا هو إقامة الحجة بأفضل ما يمكن من الأدلة العقلية وأما النتائج فلسنا مسئولين عنها.

2- أهمية العناية بالوسائل التي تعالج أمراض النفوس وأدوائها: فالوعظ، والترغيب، والترهيب، والتذكير بالبعث والمصير له دور عظيم في دخول الناس في دين الله أفواجاً، وسيلفت نظرك حين تقرأ دلائل القرآن أن الخطاب الوعظي حاضر بقوَّة في مجادلة الكفَّار، فتأمل في الآيات التالية: (فَإن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْـحِجَارَةُ) [البقرة: 24]، وقوله - سبحانه -: وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ [النساء: ١٧١]، وقوله (َإن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة: ٣٧] بل إن من حكمة الله في إرسال الآيات وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إلاَّ تَخْوِيفًا [الإسراء: 59]؛ فهذا خطاب الله الذي خلق هذه الأنفسَ ويعلم ما تحتاج إليه، وهو معنى يغفل عنه كثيراً مَنْ يغرق في العناية بالدلائل العقلية فيكون جلُّ تفكيره وحديثه في محاولة الإبداع في استخراج الدلائل التي تقنع المخالف - وهو مطلوب حسن - لكنه يغفل عن أثر الوعظ في هداية الناس."

أقول :
إن هذا الأسلوب الوعظي جاء تاليا لإقامة الدليل العقلي وإقامة الحجة أو مقرونا به ، وتأملوا الآيات السابقة للمثال الأول الذي أورده الكاتب ، قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24))
وانظروا إل المثال الثاني حيث أتبع التهديد بالدليل العقلي مباشرة :
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76))

3- الاعتدال في تقرير وتقديم الدلائل العقلية: فدورها أن تبيِّن الحق للشخص وليس أن تدخله في الإسـلام، وحينما لا ينشرح صدره للإسلام فإنه قادر على المجادلة وإثارة الملفات المختلفة إلى ما لا نهاية، وكثيراً ما تختفي الأهواء والأمراض والحظوظ الشخصية في قوالب الدلائل العقلية التي يقدِّمها المجادل، فتكون غلافاً لأهواء النفوس من حيث يشعر أو لا يشعر؛ ولهذا يكثر في خطاب القرآن تسمية حجج الكفار بالأهواء (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [البقرة: 145] بل كلُّ من يُعرِض عن اتباع الرسول فهو متَّبع لهواه فَإن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50]، وحين يكون بعض الناس بحاجة للدلائل العقلية المعقَّدة والمركَّبة والدقيقة فيجب أن يكون ذلك بحسب الحاجة؛ لأن أكثر الناس في غنى عنها.

أقول:
لا أدري ما هو حد الاعتدال الذي يدعو له الكاتب الفاضل ؟
ثم أكرر مرة أخرى أن الأساليب الأخرى التي يقول الكاتب أنها أكثر تأثيرا في الناس هي كذلك لا تدخل أحدا الإسلام وإنما دورها هو بيان الحق.

4- مراعاة النفوس التي يُعرَف من حالها الصدق والبذل وحبُّ الخير للناس أو الضعفة منهم: فمثل هؤلاء أقرب لأن تكون نفوسهم مهيَّأة لقبول الحق ( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ )[الأنفال: 23]؛ لأن سوء بعض الناس يكون سبباً لأن يحرمه الله من الهداية، فكما قال - تعالى -:فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف: ٥]، حتى لو جاءتهم الدلائل العقلية الواضحة البينة فإنهم لا يستفيدون ولا ينتفعون، بل قد يزيدهم سماع الحقِّ ضلالاً وفساداً كما قال - تعالى -: ( وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا [الإسراء:60]، وقال - سبحانه -: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إلاَّ نُفُورًا [الإسراء: 41]، بل حتـى لــو أتاهـم الدليــل عيـاناً بيـاناً وتحقَّــق لهم حسـب ما يريدون فلن ينتفعـوا به ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ 14 لَقَالُوا إنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ. [الحجر: 14 - 15]

وأقول:
بيان الحق يجب أن يكون للجميع ، والتركيز على من يتوسم فيه قبول الحق مطلوب ، لكن هذه الأوصاف التي ذكرها الكاتب ليست بالضرورة دليل على أن صاحبها سيقبل الحق ، وانظروا إلى حال أبي طالب ، وحال الفاروق عمر رضي الله عنه قبل إسلامه.
وهذا الأدلة التي ساقها الكاتب هي دليل على عكس مراده لمن تأملها ، فهي تدعو إلى بذل الوسع والطاقة والاجتهاد بكل وسيلة لبيان الحق.
هذا والله أعلم
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.

 
عودة
أعلى