الحياة الثقافية للجن

إنضم
20/04/2003
المشاركات
567
مستوى التفاعل
24
النقاط
18
الحياة الثقافية للجن

1- الجن أمة بيانية تعتمد ترميزاللغة في التواصل والمعرفة ونقل المعرفة...لا يختلفون عن الإنس في هذا الشأن..

2- للجن اطلاع على لغات الإنس وخبرة بها..فهم يعرفون العربية قطعا :
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن : 1]
القرآن عربي وهم سمعوه واستمعوا إليه ، ولم يسمعوا به فقط...ولم يترجم لهم، لأن القرآن المترجم ليس بقرآن...فثبت اتقانهم للغة العرب...بل لقد اتقنوا العبرية أيضا :
قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ [الأحقاف : 30]
فإن كانوا على علم باللسان العربي واللسان العبري فلا مانع من أن يكونوا عالمين بكل ألسنة بني آدم ...وهاهنا احتمالان :
- أن يكون علمهم بها بالطبع والفطرة كعلمنا بالضحك والبكاء والتثاؤب والمشي مثلا،
- أن يكون علمهم بها بالاكتساب والتعلم والاحتكاك بالجماعات اللسانية البشرية...
لا سبيل إلى الترجيح....وإن كان الاحتمال الثاني يبدو أقرب.

3- الجن أمة بليغة تذوقا وأبداعا...
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء : 88]
إشراك الجن في التحدي دليل على تمكنهم من البلاغة...فلا يعقل أن يتحداهم بما لا يملكون...ومن هنا تعلم تهافت من ذهب إلى الصرفة لتفسير الإعجاز...فليس من الحكمة أن يتحدى الله الثقلين بشرط سلبهم القدرة ، فالمفهوم من هذا أن الله عاجز عن إنزال كلام لا يستطيع أن يأتي الثقلان بمثله ما دامت قدراتهم البيانية قائمة....فلا مناص من سلبهم تلك القدرات لتصح المعاجزة ...!!
تعالى الله عن لوازم ما يقول السفهاء علوا كبيرا!
وهذا مثال تطبيقي على حسهم البلاغي:
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ [الجن : 2] [الجن : 1]
تقييمهم للقرآن لم يتجاوز وصفين لكن الوصفين يستوعبان القرآن كله...ولقد علم أن الجمع بين ضيق العبارة واتساع المعنى لا يتأتى إلا للمتمكن من البلاغة:
صفة العجب تقييم لشكل القرآن ومبناه وأسلوبه،
صفة الهداية إلى الرشد تقييم لمضمون القرآن ومعناه ومقاصده..
فالتقييم شامل والعبارة مقتصدة...
وإنما قلنا إن صفة العجب تقييم للمبنى لا للمعنى لأن المعنى يحكم عليه بمعيار الحق والباطل لا بمعيار العجب والاعتياد، فقد يكون المعنى عجيبا وهو باطل كما قد يكون مبتذلا وهو حق...فلا يحمل وصف الجن للقرآن بأنه عجب إلا على النظم والعبارة.

4- الجن أمة في الأرض لا سلطان لها في السماء ،
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا [الجن : 12]
لو كان لهم سلطان علوي لذكروا السماء...خاصة وأن التحكم في السماء يتطلب أن تكون لهم مؤهلات وقدرات هائلة نظرا لاتساع السماء أفقيا وعموديا...والسياق يقتضي ذكر ذلك لأن معنى العبارة رغم كل قوانا فلن نعجز الله...فإذ لم يذكروا السماء فقد علم أن مجال قوتهم منحصر في عالم الأرض.
وقد تكرر هذا التعبير على لسان الجن في سورة الاحقاف:
وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الأحقاف : 32]
لم يذكروا السماء هنا أيضا...
فإن قيل لكنهم ذكروا السماء وتجسسهم عليها :
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا [الجن : 8]
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا [الجن : 9]
فإنا نقول هذه حجة لنا أيضا ، فالسماء ممنوعة عليهم فكيف يكون لهم ملكوت فيها !وقعودهم منها للاستماع شبيه بما يقع للناس اليوم من انشاء محطات فضائية للتجسس والاستخبار...وهذا الانجاز لا يخرج الناس عن كونهم مستخلفين في الارض فقط ، فيها يحيون وفيها يموتون ومنها يبعثون.

5- الجن أمة السرعة الفائقة:
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن : 1]
من بلاغة القرآن أنه استعمل كلمة نفر وليس جماعة أو رهط ليوحي بمعنى الحركة السريعة التي تميز الجن ..قال في المقاييس
(نَفَرَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالرَّاءُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَجَافٍ وَتَبَاعُدٍ. مِنْهُ نَفَرَ الدَّابَّةُ وَغَيْرُهُ نِفَارًا، وَذَلِكَ تَجَافِيهِ وَتَبَاعُدُهُ عَنْ مَكَانِهِ وَمَقَرِّهِ...... وَالنَّفَرُ أَيْضًا مِنْ قِيَاسِ الْبَابِ لِأَنَّهُمْ يَنْفِرُونَ لِلنُّصْرَةِ. وَالنَّفِيرُ: النَّفَرُ، وَكَذَا النَّفْرُ وَالنَّفْرَةُ: كُلُّ ذَلِكَ قِيَاسُهُ وَاحِدٌ.
وقد مر بنا من قبل آية
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا [الجن : 12]
دليلا على مجال حضارتهم...وفيها أيضا دليل على شدة سرعتهم فلم يذكروا الهرب ألا وهم متفوقون في الحركة السريعة ورغم ذلك فهم لا يعجزون ربهم.
وأوضح نص على هذا المعنى آية النمل:
قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ [النمل : 39]
فجمع لهم القوة والسرعة.

6- الجن أمة متفلسفة....وحيث دخلت الفلسفة خربت الفطرة
وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا [الجن ]
الآيات تقرير عن الحياة الثقافية والدينية للجن...نستنبط منها ما يلي:
- هناك تماثل بين الثقلين في المقالات والمعتقدات وجاء التنصيص عليه في موضعين بأسلوبين:
بأسلوب العطف:
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا
بأسلوب التشبيه:
وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا
قال السدي: الجنُّ أمثالكم، فيهم قدرية، ومرجئة ، ورافضة،
وعبارة (لن يبعث الله أحدا ) اختزال لمذهبين :
مذهب الدهرية إن قدرت : لن يبعث الله احدا من القبور.
ومذهب منكري النبوة إن قدرت : لن يبعث الله احدا من الرسل.
فيجوز أن نطول عبارة السدي قليلا:
الجنُّ أمثالكم، فيهم قدرية، ومرجئة ، ورافضة،ودهرية ومانوبة....

وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا [الجن : 4]
قال ابن عطية:
( قال جميع المفسرين هو إبليس لعنه الله. وقال آخرون هو اسم جنس لكل سفيه منهم. ولا محالة أن إبليس صدر في السفهاء وهذا القول أحسن.)
ومما يدعم استحسان ابن عطية لمفهوم العموم أن الجن نسبوا ابليس إليهم وهذا غلط ، فهم من جنس وهو من جنس آخر، فهم مكلفون وهو مسلط على المكلفين ، واندراج الكل تحت اسم الجن لا يعني الاتحاد في الماهية ، فالملائكة من الجن أيضا بالمعنى العام ولا يمكن أن يقول الجن عنهم "ملائكتنا"....
حاصل القول : الجن مفهوم ذو معنيين معنى خاص دال على أحد الثقلين المكلفين، ومعنى عام يدل على الكائنات غير المرئية فيشمل الجن بالمعنى الخاص والشياطين والملائكة وغيرهم...
ونحن نرى أن "سفيههم" الجني معادل ل"فيلسوفنا" البشري!
رحم الله ابن الصلاح إذ قال قولته الخالدة التي نراها فصل الخطاب:
( الفلسفة أس السفه والانحلال ومادة الحيرة والضلال ومثار الزيغ والزندقة!
ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالبراهين ومن تلبس بها قارنه الخذلان والحرمان واستحوذ عليه الشيطان وأظلم قلبه عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم) .
 
الفلسفة تدعي مناشدة الحكمة وتدعي إستعمال العلم والمنطق لكنها تبقى جدالاً عقيماً مالم تكن أسسها وأهدافها صحيحة ، فالحكمة الصحيحة يجب أن تنطلق من مسلمات صحيحة ويجب أن تهدف إلى الوصول إلى أفضل بصيرة ، فأفضل المسلمات التي ينطلق منها العاقل هي التصديق بكلام رب العالمين وبحكم ومواعض الأنبياء المرسلين وأفضل بصيرة يهدف إليها الإنسان هي التقوى ومخافة الله فلا خير يأتي من إتباع ما ينتهي بسخط الله ، لذالك عندما يضع الإنسان لنفسه الأسس والأهداف الصحيحة فليتفلسف كما يشاء طالما أنه لا يقول على الله ما لا يعلم وطالما هناك رجاء بالخير من وراء سؤاله وبحثه .
والله أعلم
 
عودة
أعلى