محمد محمود إبراهيم عطية
Member
الحياء في القرآن الكريم
وإني لأستحيي أخي أن أرى له علي من الحق الذي لا يرى ليا
وقال ابن حجر - رحمه الله : الحياء بالمد في اللغة : تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به وقد يطلق على مجرد ترك الشيء بسبب ، والترك إنما هو من لوازمه.ا.هـ ([2]).
وقال ابن القيم - رحمه الله: الحياء مشتق من الحياة ، ومنه الحياء للمطر لكن هو مقصور.ا.هـ ([3]).
وقال في موضع آخر : والحياء مشتق من الحياة ، والغيث يسمى حيا -بالقصر - لأن به حياة الأرض والنبات والدواب ، وكذلك سميت بالحياة حياة الدنيا والآخرة ، فمن لا حياء فيه ميت في الدنيا شقي في الآخرة ، وبين الذنوب وبين قلة الحياء وعدم الغيرة تلازم من الطرفين ، وكل منهما يستدعي الآخر ويطلبه حثيثا ؛ ومن استحيا من الله عند معصيته استحيا الله من عقوبته يوم يلقاه ، ومن لم يستح من الله تعالى عند معصيته لم يستح الله تعالى من عقوبته ([4]) .
وأما الحياء في الشرع فمعناه : خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق ([5]) . ولهذا جاء في الحديث : " الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ " ([6]).
وجاء الفعل (يستحيي) في القرآن الكريم لمعان :
الأول : في قوله تعالى: ] وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [ (الأحزاب: 53)، وقوله تعالى: ] إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [ (البقرة: 26) ، قال القرطبي - رحمه الله : واختلف المتأولون في معنى ] يستحيي [ فقيل : لا يخشى ، ورجحه الطبري ، وفي التنزيل : ] وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ [ (الأحزاب: 37) ، بمعنى تستحي ؛ وقال غيره : لا يترك ، وقيل : لا يمتنع .
وأصل الحياء الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفًا من مواقعة القبيح ، وهذا محال على الله تعالى ، وفي صحيح مسلم عن أم سلمة - رضي الله عنها – قالت : جاءت أم سليم إلى النبي e فقالت : يا رسول الله ، إن الله لا يستحيي من الحق ([7]) ؛ والمعنى : لا يأمر به ولا يمتنع عن ذكره ، ولما كان هذا يقع في حق البشر لعلة الاستحياء ، نُفي عن الله تعالى العلة الموجبة لذلك في البشر.ا.هـ ([8]) .
ولكن جاء في حديث الثلاثة : " أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ " متفق عليه ، فأثبت صفة الحياء لله تعالى ، على ما يليق به جل وعلا ، لا على الانقباض النفسي الذي في المخلوق .
الثاني في قول الله تعالى : ] يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ [ (القصص: 4) ، والمعنى : يستبقيهن أحياء ؛ وعلى هذا المعنى جاءت الآيات في سورة البقرة آية (49) ، والأعراف آية (141) ، وإبراهيم آية (6) ، وغافر آية (25) .
الثالث : في قوله تعالى: ] إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ [ (الأحزاب: 53) ، والمعنى : منعه حياؤه أن يقول لكم : انصرفوا ؛ وهو حياء الكرم .
الرابع : في قوله تعالى: ] فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ [ (القصص: 25)، وهو الحياء الذي يزين المرأة ويدل على عفافها وشرفها وفضلها .
هذا والعلم ، عند الله تعالى .
http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref11- انظر لسان العرب مادة ( ح ي ) باختصار وتقديم وتأخير.
http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref22- فتح الباري : 1 / 52 .
http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref33- مدارج السالكين: 2 / 270.
[4] - الجواب الكافي ص 46.
[5] - انظر شرح مسلم: 2 / 6، وفتح الباري: 1 / 52.
http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref66- متفق عليه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما ، وتقدم تخريجه .
http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref77 - مسلم (313)، ورواه البخاري (130)، ولفظ مسلم: جَاءَتْ أَمُّ سُلَيْمٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ " فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ ؟ فَقَالَ: " تَرِبَتْ يَدَاكِ فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا ".
http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref88 - الجامع لأحكام القرآن: 1 / 244.