محمد محمود إبراهيم عطية
Member
هذه قضية شغلت الناس كثيرا بين محق ومبطل ؛ ومن استقرأ القرآن والسنة وكلام الأئمة يجد أنه لا يُستثنى أحد من أهل الكتاب من أصل هذا الحوار ، قال ابن تيمية - رحمه الله : والمجادلة قد تكون مع أهل الذمة ، والهدنة ، والأمان ، ومن لا يجوز قتاله بالسيف ؛ وقد تكون في ابتداء الدعوة كما كان النبي يجاهد الكفار بالقرآن ؛ وقد تكون لبيان الحق وشفاء القلوب من الشبه مع من يطلب الاستهداء والبيان .ا.هـ .
وفي هذا السياق يقول ابن القيم - رحمه الله : والمقصود أن رسول الله لم يزل في جدال الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم إلى أن توفي ؛ وكذلك أصحابه من بعده ، وقد أمره الله سبحانه بجدالهم بالتي هي أحسن في السورة المكية والمدنية ، وأمره أن يدعوهم بعد ظهور الحجة إلى المباهلة ؛ وبهذا قام الدين ، وإنما جعل السيف ناصرًا للحجة ، وأعدل السيوف سيف ينصر حجج الله وبيناته ، وهو سيف رسوله وأمته .ا.هـ .
إنما دعا رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب إلى التوحيد والإذعان والاستسلام لله تعالى ، فلما أبى يهود عقد معهم عقد أمان ، فلما خانوه ونقضوا عهده فمنهم من أجلاهم ومنهم من قتلهم .
وأما النصارى فدعاهم إلى توحيد الله تعالى والإيمان برسوله ، فلما أبوا دعاهم إلى المباهلة ، فلما أبوا ضرب عليهم الجزية ؛ ذلك لأن النفوس - كما جبلها الله تعالى - تختلف في قبول الحق ؛ فمنهم من يذعن ويقبل بمجرد ظهور الحجة ، ومنهم من يجحد مع معرفته للحق لحظوظ مكتسبة من الوضع الذي هو عليه ، فيخشى أن تذهب إذا أقر بالحق وأسلم ؛ ومنهم من يكذب ويعاند ، بل ويعتدي ويظلم ويمنع غيره من قبول الحق ، فكان لابد أن يكون لكل حوار ما يناسبه .
والأصل في الحوار مع أهل الكتاب قول الله تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [ آل عمران : 64 ] ، فهي دعوة لهم إلى توحيد الله تعالى ، وترك ما هم عليه من الشرك وعبادة غيره ؛ يقول سيد قطب - رحمه الله : إنها لدعوة منصفة من غير شك ؛ دعوة لا يريد بها النبي صلى الله عليه وسلم أن يتفضل عليهم هو ومن معه من المسلمين . . كلمة سواء يقف أمامها الجميع على مستوى واحد ، لا يعلو بعضهم على بعض ، ولا يتعبد بعضهم بعضًا ، دعوة لا يأباها إلا متعنت مفسد ، لا يريد أن يفيء إلى الحق القويم ... إنها دعوة إلى عبادة الله وحده لا يشركون به شيئًا ؛ لا بشرًا ولا حجرًا . ودعوة إلى ألا يتخذ بعضهم بعضًا من دون الله أربابًا ؛ لا نبيًا ولا رسولاً . فكلهم لله عبيد ، إنما اصطفاهم الله للتبليغ عنه ، لا لمشاركته في الألوهية والربوبية . { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } ، فإن أبوا عبادة الله وحده دون شريك ، والعبودية لله وحده دون شريك . وهما المظهران اللذان يقرران موقف العبيد من الألوهية .. { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } وهذه المقابلة بين المسلمين ومن يتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله ، تقرر بوضوح حاسم من هم المسلمون .
والمتأمل في القرآن يجد أنَّ معظم القضايا التي جادل القرآن فيها أهل الكتاب تدور على محورين :
1- توحيد الله وعبادته ؛ وهو أصل مبعث الرسل جميعا .
2- إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان به .
فأصل الحوار الديني هو الإقرار لله تعالى بالوحدانية ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة ؛ ثم بعد ذلك يأتي الإذعان والاستسلام والامتثال لله تعالى فيما أمر ونهى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عن الله تعالى ؛ فمن لم يقر بذلك فهو كافر مخلد في النار ؛ وإنما نقول ذلك لمحاورنا ليعي ما هي قضية الكفر وما هي عقوبتها ، حتى يعيد تفكيره على أساس سليم فينجو من عذاب الله تعالى ؛ هذا هو محور الحوار الديني أصلا ؛ فلسنا نملك مفاتيح الجنة والنار فندخل في الجنة من نشاء وندخل في النار من نشاء ؛ إنما نحن مبلغون رسالة الله إلى جميع البشر ؛ فمن استجاب فإنما يستجيب لله تعالى ، ومن لم يستجب فهو جاحد مكذب لأمر الله خالقه فاستحق لذلك العقوبة من الله تعالى لا من الذي دعاه ؛ وإنما أمرنا - أيضًا - أن نجاهد في سبيل الله تعالى لنفس الغاية ، وهي إبلاغ رسالة الله لمن لم تبلغه إلا بجهاد هؤلاء الظالمين المعتدين ؛ فكلا الأمرين امتثال لأمر الله تعالى وطاعة له ، والأمة عليها أن تكون على أهلية للأمرين معًا : حوار اللسان لله تعالى ، وحوار السنان لله تعالى .
هذا ، والعلم عند الله تعالى ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله .
وفي هذا السياق يقول ابن القيم - رحمه الله : والمقصود أن رسول الله لم يزل في جدال الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم إلى أن توفي ؛ وكذلك أصحابه من بعده ، وقد أمره الله سبحانه بجدالهم بالتي هي أحسن في السورة المكية والمدنية ، وأمره أن يدعوهم بعد ظهور الحجة إلى المباهلة ؛ وبهذا قام الدين ، وإنما جعل السيف ناصرًا للحجة ، وأعدل السيوف سيف ينصر حجج الله وبيناته ، وهو سيف رسوله وأمته .ا.هـ .
إنما دعا رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب إلى التوحيد والإذعان والاستسلام لله تعالى ، فلما أبى يهود عقد معهم عقد أمان ، فلما خانوه ونقضوا عهده فمنهم من أجلاهم ومنهم من قتلهم .
وأما النصارى فدعاهم إلى توحيد الله تعالى والإيمان برسوله ، فلما أبوا دعاهم إلى المباهلة ، فلما أبوا ضرب عليهم الجزية ؛ ذلك لأن النفوس - كما جبلها الله تعالى - تختلف في قبول الحق ؛ فمنهم من يذعن ويقبل بمجرد ظهور الحجة ، ومنهم من يجحد مع معرفته للحق لحظوظ مكتسبة من الوضع الذي هو عليه ، فيخشى أن تذهب إذا أقر بالحق وأسلم ؛ ومنهم من يكذب ويعاند ، بل ويعتدي ويظلم ويمنع غيره من قبول الحق ، فكان لابد أن يكون لكل حوار ما يناسبه .
والأصل في الحوار مع أهل الكتاب قول الله تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [ آل عمران : 64 ] ، فهي دعوة لهم إلى توحيد الله تعالى ، وترك ما هم عليه من الشرك وعبادة غيره ؛ يقول سيد قطب - رحمه الله : إنها لدعوة منصفة من غير شك ؛ دعوة لا يريد بها النبي صلى الله عليه وسلم أن يتفضل عليهم هو ومن معه من المسلمين . . كلمة سواء يقف أمامها الجميع على مستوى واحد ، لا يعلو بعضهم على بعض ، ولا يتعبد بعضهم بعضًا ، دعوة لا يأباها إلا متعنت مفسد ، لا يريد أن يفيء إلى الحق القويم ... إنها دعوة إلى عبادة الله وحده لا يشركون به شيئًا ؛ لا بشرًا ولا حجرًا . ودعوة إلى ألا يتخذ بعضهم بعضًا من دون الله أربابًا ؛ لا نبيًا ولا رسولاً . فكلهم لله عبيد ، إنما اصطفاهم الله للتبليغ عنه ، لا لمشاركته في الألوهية والربوبية . { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } ، فإن أبوا عبادة الله وحده دون شريك ، والعبودية لله وحده دون شريك . وهما المظهران اللذان يقرران موقف العبيد من الألوهية .. { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } وهذه المقابلة بين المسلمين ومن يتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله ، تقرر بوضوح حاسم من هم المسلمون .
والمتأمل في القرآن يجد أنَّ معظم القضايا التي جادل القرآن فيها أهل الكتاب تدور على محورين :
1- توحيد الله وعبادته ؛ وهو أصل مبعث الرسل جميعا .
2- إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان به .
فأصل الحوار الديني هو الإقرار لله تعالى بالوحدانية ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة ؛ ثم بعد ذلك يأتي الإذعان والاستسلام والامتثال لله تعالى فيما أمر ونهى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عن الله تعالى ؛ فمن لم يقر بذلك فهو كافر مخلد في النار ؛ وإنما نقول ذلك لمحاورنا ليعي ما هي قضية الكفر وما هي عقوبتها ، حتى يعيد تفكيره على أساس سليم فينجو من عذاب الله تعالى ؛ هذا هو محور الحوار الديني أصلا ؛ فلسنا نملك مفاتيح الجنة والنار فندخل في الجنة من نشاء وندخل في النار من نشاء ؛ إنما نحن مبلغون رسالة الله إلى جميع البشر ؛ فمن استجاب فإنما يستجيب لله تعالى ، ومن لم يستجب فهو جاحد مكذب لأمر الله خالقه فاستحق لذلك العقوبة من الله تعالى لا من الذي دعاه ؛ وإنما أمرنا - أيضًا - أن نجاهد في سبيل الله تعالى لنفس الغاية ، وهي إبلاغ رسالة الله لمن لم تبلغه إلا بجهاد هؤلاء الظالمين المعتدين ؛ فكلا الأمرين امتثال لأمر الله تعالى وطاعة له ، والأمة عليها أن تكون على أهلية للأمرين معًا : حوار اللسان لله تعالى ، وحوار السنان لله تعالى .
هذا ، والعلم عند الله تعالى ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله .