الحملة على الإسلام.. والحملة على العرب

إنضم
18/12/2011
المشاركات
1,302
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
الإقامة
أنتويرب
الحملة على الإسلام.. والحملة على العرب
بقلم د. رضوان السيد
جريدة الشرق الأوسط (العدد 12925. الجمعـة 17 جمـادى الثانى 1435 هـ الموافق لـ 18 ابريل 2014)


لا يكاد يمر أسبوع إلاّ ونشهد أحد احتفالين أو الاحتفالين معا: احتفال بالحملة على الإسلام المتشدد والتكفيري والإرهابي، واحتفالٌ آخر بمفكر «تنويري» عربي ما ترك على جسد الإسلام الظلامي والتكفيري لحما ولا شحما. وهذه التنويرية ما حدثت الآن، بل إنها مستمرةٌ منذ ثلاثين أو أربعين عاما! ولو تأملْنا دخائل هذه الحملات الإدانية للموروث أو الأُصولية الجديدة، والأخرى الثنائية على عظمة التنويرية والتنوير، لوجدْنا عجبا دون الاضطرار لانتظار حضور رجب!

لنبدأ بفحص الحملات على الإسلام، تحت عنوان مكافحة التشدد والإرهاب. إنّ معظم الحاملين عليهما لا يتعاطون مع تصرفات هؤلاء وأولئك إلاّ في خاتمة مقالاتهم أو بحوثهم العلمية العميقة جدا. أمّا جوهر هذه الأُطروحات الضخمة، فهو الحملةُ على إسلام العصر الوسيط، أو الأرثوذكسية السنية، أو التقليد الأسود والجامد، أو بصراحة الإسلام السني. وهذا الفنُّ أو الأدب الإداني يزدهر الآن. أمّا أبوه الشرعي فهو الراحل محمد أركون. فقد أراد أولا تحطيم كل الأرثوذكسيات لأنها حجبت عنا القرآن والإسلام الأول. ثم قرر أنّ المهمة التحريرية تنقضي أو تتحقق بضرب الأرثوذكسية السنية، كما قال. أما الأرثوذكسية أو الأرثوذكسيات الأخرى المسيحية أو الشيعية فيجب تحطيمها أيضا، لكنّ المهمة معها أسَهل، ثم إن فيها باطنية وفيها خيالات وأساطير زاهية تبعث على البهجة، وليست حروفيةً نصوصيةً قاتمة مثلما هي عند السنة. وفي النهاية فإنّ الأصوليات الإسلامية الحاضرة تستند إلى تلك الأرثوذكسية القديمة لا غير. وقد ذكرتُ له في أواسط الثمانينات أنه لا علاقة حقيقية بين التقليد الإسلامي القديم، والإحيائيات الحاضرة، وإنما هو انتماءٌ رمزي وتأويل تأصيلي. وهناك فرقٌ كبيرٌ بين الاستمرارية التي يقتضيها التقليد، وبين التأصيل الذي تلجأ إليه حركةٌ جديدةٌ للشرعنة والتسويغ: فكيف تقول يا رجل بالاستمرارية، وأنت من أتباع قطائع فوكو، وبنيويات فلان وعِلاّن؟ وبالفعل فقد سارع الرجل إلى وضع كتاب باسم: استحالة التأصيل! ثم ما لبث أن نسي كلَّ شيء، ولجأ هو وتلامذته حتى اليوم (توفي أركون عام 2010) إلى تصفية حساباتهم مع الإسلام السني القديم (من القرآن وإلى محمد عبده) بحجتين: التقليد المتجمد، والأُصوليات القائمة اليوم على ذلك التقليد. ومن هؤلاء على سبيل المثال عبد المجيد الشرفي، الذي نشر كتابا قبل ثلاثة شهور لمناقضة الإسلام السياسي، وإذا به يزعم أنّ الإسلام السياسي فاسد لأنه يستند إلى التقليد الفاسد، والتقليد (في الفقه والتفسير) فاسد في فهمه للقرآن، ففي النهاية: الكل فاسد! وظهر لدينا أيضا قبل الثورات وبعدها فريقٌ تنويري يريد اجتراح إصلاح ديني، يشبه تماما ما فعله الأوروبيون مع تراثهم الديني في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ولذلك انصرف عشراتٌ من هؤلاء لاصطناع قراءات تنويرية وتحريرية للقرآن والسنة، والتيارات الفكرية والدينية السلفية والأشعرية، والخروج بعد كتبٍ ممتدةٍ، إلى أنهم تمكنوا من تحطيم الإسلام السني. وكانوا في زمن العسكريين والأمنيين الطويل، يحصلون على جوائز منهم بسبب العقلانية التي اشتهر بها حافظ الأسد وبشار الأسد ومعمر القذافي. وهم يجدون اليوم وسط المخاضات الفظيعة التي دخل فيها الجهاديون الحزبيون فُرَصا جمةً للإشادة من جديد بالتنوير الذي عليه الأسد وصدّام قبله، وإيرانيو الخامنئي ونصر الله من بعد (!)


ولا يظنّنّ قارئٌ أنني أصطنع هذا النقاش للاستطراف والاستظراف. فبين يدي 17 كتابا كلّها صادرة بعد عام 2010 همُّها تحرير العرب والمسلمين من الإسلام السني على وجه الخصوص، بحجة صدور الجهاديين والإخوان منه وعنه. ويصارحك البعض الآخر بالانحياز إلى الأصولية الشيعية تارةً بحجة المقاومة، وطورا بأنّ الدين الشيعي متحرر أكثر من السني. وعندي أربعة كتب واحدٌ منها يربط آشور بانيبال بحسن نصر الله في معمعة القصير، والإسلام السياسي السني والعربي بجيفري فيلتمان، وثالث يركّز على العلائق الدينية الوثيقة بين الاثني عشرية والعلويين، ورابع يعتبر أنّ القومية العربية هي صناعة الأقليات الشيعية والعلوية والمسيحية، وعندما دخلتها الأكثرية فسدت؛ ولذلك لجأ القوميون السابقون واليساريون، ويلجأون، إلى «تحالف الأقليات» الذي يناضل باسمه اليوم حسن نصر الله والقوميون السوريون! أمّا الكتب الأُخرى (الأكثر جدية!) فتدخل في أبواب التحرير والتنوير والتطهير وضدَّ الإسلام السني فقط! ومن الفظائع التي روَّجها حسن نصر الله عندما أراده الخامنئي على الذهاب إلى سوريا لمقاتلة الشعب السوري لصالح بشار الأسد وإيران، زعمه أنّ خصومه هم التكفيريون، أي المسلمون السنة، إذ كيف سيفرّق مدفعُهُ بين من يكفّر الشيعة ومن لا يكفّرهم (!) ولستُ آخُذُ ذلك عليه فقد فعل دائما ما هو بهذه المثابة أو أفظع؛ بل الفظيع أنّ وسائل الإعلام العربية (والمصرية على وجه الخصوص) صارت تُسمّي كلَّ الداخلين في الأعمال الإرهابية: تكفيريين، في سيناء وغيرها! وهذا الأمر كمن يتهم نفسه ودينه. بل القتلة في سيناء وغير سيناء هم انتحاريون وإرهابيون ومُحاربون (كما سمّاهم القرآن)، ولا داعي لاستخدام مصطلحاتٍ ابتدعها غيرنا لإدانتنا. وها هو الخامنئي والمالكي والآخرون من ذاك المعسكر يعرضون على الأميركيين والدوليين القتال معهم ضد الإرهاب (السني بالطبع)، وهم يتقربون إليهم بأنهم يقومون بذلك في العراق وسوريا ولبنان واليمن وأفغانستان!


هناك إذن مخاضٌ عظيم بداخل الإسلام. وقد دخلت فيه ضدَّ الدين فئتان: فئة باسم التنوير والتحرير، وفئة باسم الإسلام الشيعي ضد الإسلام السني. وإذا كان الإيرانيون وأتباعهم يفعلون ذلك من أجل مصالح عاجلة دونما تفكيرٍ بالعواقب، فلستُ أدري ما هي مصلحةُ الكاتبين العرب في الحملة على الدين بحجة الإصلاح، وقد كان بوسعهم إذا شاءوا أن يكافحوا الأصوليات والشموليات مباشرةً، ودونما حاجة لإثبات «سنية» هؤلاء أولا، ثم الحملة على أهل السنة منذ كانوا، وهم اليوم 90 في المائة من المسلمين في العالم!


ثم إنّ هؤلاء يقرنون تحرريتهم تجاه الإسلام السني، وإرادتهم الخلاص منه؛ بالانتصار للإيرانيين ولتنظيماتهم المسلَّحة، وحلفائهم الطائفيين في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين. ولستُ أدري ما العلاقة بين انزعاج جورج طرابيشي مثلا من الأرثوذكسية وأهل الحديث في القديم، وانزعاجه من فظائع الأصوليين، وعدم انزعاجه من بشار وفظائعه؛ وهو وأدونيس وعزيز العظمة وأشباههم! كل المعارضين الذين هم ضد مذابح بشار (بمن فيهم ميشيل كيلو المسيحي الماركسي) هم في نظر هؤلاء: طائفيون! أما الأسد ونصر الله فهم علمانيون تنويريون، وإلاّ فَلِمَ لم يحملوا عليهم كما حملوا على كل المعارضين لبشار بالداخل والخارج إمّا بحجة الإرهاب أو بحجة الطائفية!


لا أعرف – إلا فيما ندر- قوميا أو بعثيا أو يساريا إلاّ وهو اليوم مع بشار الأسد وخامنئي ونصر الله والمالكي. ويضاف لذلك المعسكر المصري الذي لا يمكن تصنيفه سابقا ولا لاحقا. وهذا المعسكر الكاره للعرب في مصر وسوريا ولبنان والأردن والعراق ما صار مع بشار وإيران عندما ظهر العنيفون في سوريا مثلا، بل هو منذ بداية الثورة في سوريا على هذا الموقف. وبعض هؤلاء طائفيون بالفعل - كما يحب طرابيشي أن يسمي كل خصومه الفكريين ومنهم محمد عابد الجابري - بمعنى أنهم من مجتمعات شيعية أو علوية أو مسيحية؛ لكن منهم أُناسا من أُصول عربية سنية، وهم يتشرفون بزيارة الأسد أو أحد مسؤولي حزب الله أو يذهبون إلى طهران، دوريا. وإذا دقّقت معهم ناحوا على صدام، كأنما إيران كانت أصدق أصدقائه، أو قالوا إنهم منزعجون لتفكيك جيش الممانعة السوري، كأنما هو يتفكك في مواجهة إسرائيل وليس في مواجهة شعبه!


هناك مخاضٌ عظيمٌ يمرُّ به العرب بشرا ودينا ومجتمعاتٍ ودُوَلا. وقد قال لنا رسولُ الله صلواتُ الله وسلامُهُ عليه إنه يأتي على الناس زمانٌ يكونُ فيه القابضُ على دينه كالقابض على الجمر. إنه زمانُ القبض على جمر الدين وجمر العربية والعروبة. نعم، نحن مسؤولون ولسنا مسؤولين وحدنا: «وإنه لذكرٌ لك ولقومك وسوف تُسألون».
 
لم أقرأ المقال المتقدم لكن هذا مقال كتبه شخص رد على رضوان السيد وأنا لا أميل لرضوان هذا ولا لصاحب الرد الذي لاأعرفه أصلا


إلى السيّد رضوان السّيّد : الخليج لا يحتاج إلى قرضاوي آخر

محمد عبد المطلب الهوني أبريل 28, 2014
طالعتنا جريدة الشـــــرق الأوسط في عددها الصادر يوم 18 أبريل 2014 بمقالة للأستاذ رضوان السيّد تحت عنوان “الحملة على الإسلام.. والحملة على العرب”، يهاجم فيها كوكبة من المفكرين العرب، وهم الأساتذة جورج طرابيشي و عزيز العظمة وعبد المجيد الشرفي والمرحوم محمد أركون.



ورغم عدم التمـــاسك الداخلـــي للمقالة، وهــــي سمة مشتركة لأكثر كتّاب المقـــالة اليوميّة، فإنّ الاتهامات الّتي وردت فيها ضدّ هؤلاء المفكرين كانت صـادمة بسبب فبركتهـــا لوقائع مجافية للواقع. وهذا ما أدهش القرّاء الّذين كانوا يأخذون مقالات المناضل السياسي رضوان السيّد على مأخذ الجدّ.



ولنتنــاول هذه التّهم الّتـــي ساقها من هذا المقـــال دون أن يكلف نفسه عنـــاء الإتيان بقرينة واحدة للبرهنة على حدوثها وإثبات صحّتها تهمة تهمة، حتّى لا نقول فرية فرية.

يتهم الكاتب الصحفي رضـــــــوان السيّد هؤلاء المفكـــرين بأنّهم جندوا أنفسهم لهدم الإسلام السنّي التكفيريّ لمصلحة الإسلام الشيعي والانتصار للإيرانيّين وحلفائهم وتنظيماتهم المسلحة فــــي كل من العراق وسوريــا واليمن والبحرين. إنّ إطلاق هذه التّهم في حقيقتها جريمة قذف وتشهير مكتملة الأركان من الناحية الجنائية. أمّا من الناحية الفكرية فهي تدل، بافتراض حسن النّوايا، إمّا علــى عدم القدرة على فهم ما كتبه هؤلاء، أو تدلّ على محاولة ليّ عنق الحقيقة لمصلحة عاجلة، القصد منها التقرب إلى هيكل العجل الذهبي للسيـاسة بقرابينِ أسماءٍ فذّة امتنعت عن أن تشرك بوحدانية الحقيقة من أجل مغريات الأباطيل.



أمّا من الناحية الواقعية، فإنّني أتحدّى الكاتب، وعلـى رؤوس الأشهاد، أن يثبت ما يقوله عن “عزيز العظمة” و “جـورج طرابيشي” و“عبد المجيد الشرفـــي”، من أنّهم انتصروا لأي طائفة ضدّ طائفة أخرى أو كتبوا أو حاضروا فـي تمجيد الطوائف سواء أكـانت شيعيّة أم سنيّة أم خارجيّة، أو حتّــى أدلوا بحديث صحفي أو مقابلة تلفزيونية يُشتمّ منها ولوغهم في مثل هذه الفعلة.

أمّا اتهام الرّاحل الكبير “محمد أركون” بأنّه سخّر قلمه لتحطيم الإسلام السنّي فهذا ما لم يستطع قوله حتّى القرضــــاوي. وإنّ قراءة محمد أركــــون تحتاج إلــــى جدّ وصبر لا يمكن أن يتحققا بمجرد الاطــلاع على عناوين فصول كتبه خلال فترات الاستراحة القصيرة للمؤتمرات.

إنّ محمد أركــــــون كان يريد تفكيك التراث، لا تحطيمه، من أجل إســــلام أجمل ومن أجل مسلمين متصالحين مع عصرهم ومع تاريخهم. إنّه كـــان ينادي بالخروج عن الوثنية المتمثلة في عبادة الأسلاف، وبالرجوع إلى النّص القرآني وينابيعه الصافية لاستنطاقه وتأويله حتّى يكون لدينا فقه عصري جديد ينقذ المسلم من وضعيته التعيسة الّتي يعيش فيها، بحيث يُدرَّس فقه الفقهــاء العمالقة الأوّلين باعتباره تاريخا للفقه، لا باعتباره “الفقه” بألف ولام التعريف كما يحدث الآن.



إنّ سوريا اليوم ولبنان معرضتان للتشظي والانقسام إلى دويلات طائفية بسبب عدم القدرة على ولوج الحداثة وعلى نبذ الطائفية الّتي يغذّيها الفقه القديم فـــي كلّ المذاهب. إنّ أركون قد رأى كلّ ذلك تنبؤاً. أمّا صاحب المقال فلا يرى ذلك الواقع رغم أنّه يعايشه.



ثمّ يقول الكاتب: “خرج علينــا قبل الثورات وبعدها فريقٌ تنويري يريد اجتراح إصلاح ديني، يشبه تماما ما فعله الأوروبيون مــع تراثهم الدينــي في القرنين الثــامن عشر والتاسع عشر. ولذلك انصرف عشراتٌ من هؤلاء لاصطناع قــراءات تنويرية وتحريرية للقرآن والســـنة، والتيارات الفكرية والدينية السلفية والأشعرية، والخروج، بعد كتبٍ ممتدةٍ، إلى أنهم تمكنوا من تحطيم الإسلام السني. وكــــانوا، في زمن العسكريين والأمنيين الطويل، يحصلون على جوائز منهم بسبب العقــــلانية التي اشتهر بها حافظ الأسد و بشــــار الأسد ومعمر القذافي. وهم يجدون اليوم وسط المخاضـــات الفظيعة التــــي دخل فيها الجهـــاديون الحزبيون فُرَصا جمةً للإشادة من جديد بالتنويــــر الذي عليه الأسد وصدّام قبله، وإيرانيو الخميني ونصر الله من بعد”.

إنّني آسف لكاتب في حجم رضــوان السيّد كيف يطلق كلاما على عواهنه بهذه الخفّة المرسلة. فهذه الفقرة من مقاله لا تصلح حتّى أن تكون جزءا من تقرير لمخبر نزق تدفعه الغيرة أو الكراهية إلى الوشاية أملا في أن يرى رأس غريمه يتدحرج من منصة مقصلة.



إنّني أرد على الكـــاتب بمجموعة من الأسئلة يجب أن يجيب عنها بالوقائع والبراهين الدامغة حتّى يدافع عمّا تبقى من مصداقيته :

1- متى ذهب أيٌ من هؤلاء المفكرين إلى إيران ومتى اجتمعوا بالمرشد الأعلى؟

2- متى التقى أحد هؤلاء المفكّرين بمعمّر القذافي أو ببشّار الأسد أو صدام حسين أو حافظ الأسد؟

3- متى حصل أيّ من هؤلاء على جوائز من أولئك الحكّام؟ وأين؟ وفي أيّ تـــــــــاريخ؟

4- في أيّ مطبوعة قرأت أنّ هؤلاء المفكرين أشادوا بحسن نصر الله أو حزب الله، حتى عندما كان في أعلى درجات شعبيته، وعندما كنتم تطلقون عليه لقب “سيد المقاومة”؟

5- متى وأين قرأت أن أحد هؤلاء الكتّاب أيّد مذابح بشّار في سوريا أو مدح فظائع نظامه؟

أمّا قولك إنّ هؤلاء المفكّرين قد كوّنوا فريقاً يهدف إلى اجتراح إصلاح دينيّ كالذي حدث في أوروبّا، فهو صحيح ولك كلّ الحقّ في أن تنتقد هذا المسلك ما دمت ترى أنّه ليس في الامكان أبدع مما كان، أي أبدع من الفكر التكفيري الّذي تدافع عنه في مقالك باعتباره جوهر العقيدة السنّية والأس الأساس للنهضة في العالميـن العربي والاسلامي، وما دمت ترى أنّ التراث الموروث من العصر الوسيط يحمل في أضابيره كافة الحلول الناجعة لإكراهــــات الحياة المعاصرة ومشاكلها.



إنّ المفكرين التنويريين الّذين قلت فيهم كل هذه الشتائم ودبّجت في حقّهم بقلمك كلّ هذه الأباطيل هم أكبر من أن ينخرطوا في حرب طائفية مقرفة لن تكون لها غير نهاية مدمرة للأوطان والمجتمعات. من حقّك أن تكون أحد الفرسان المغاوير في هذه الحرب، ولكن ليس من حقّك جرجرة الآخرين إلى خوض غمارهــا.

ويبقى سؤال قلق يحوم حول هذا الكمّ الهائل من الادعاءات الباطلة والأخبار الكاذبة ويبحث عن إجابة :



لماذا هذا الهجوم الشّرس على مفكرين يعرفهم الكـــــــاتب حقّ المعرفة، ويعرف أنّهم لم ولن يقوموا بما اتّهمهم به، ويعرف أنّهم ما كانوا في يوم من الأيّام أبواقا لأحد، ولم يبذلوا ما بذلوه من جهد خوفا من وعيد أو طمعا في وعد؛ وحتّى عندما تغيّرت آراؤهم ومواقفهم من الايديولوجيــــــــــات المختلفة كان ذلك بفعل نقد ذاتي استعملوا فيه العقول لا البطون؟

إنّ هؤلاء المفكرين ومن على شاكلتهم قد نَأَوْا بأنفسهم عن دوامة الحقد والكراهية، واعتبروا أنّ مسؤولياتهم التــــــــاريخية الجسيمة تحتّم عليهم تضميد الجراح ورسم خارطة طريق للمستقبل بعد أن تضع هذه الحروب الطائفية أوزارها ، فأمعنوا في نقد البنى الفكريّة والاجتماعيّة السّائدة من أجل بناء أوطان للأجيال القادمة الّتـــي لن تعرف دولة الإنسان المؤمن بل دولة الإنسان المواطن، وذلك إذا ما كتب لهذه الأوطان البقاء.



إنّ الفكر التكفيـري الّذي تدافع عنه هو المؤسس والمبرر العقدي للإرهاب. وإنّ التكفيريين السّنة لا يقتلون أهل الأديان والنحل والملل والمــــــــذاهب الأخرى فقط ، بل هم طائفة داخل الطائفة السّنية يقتلـــون السّنة الصوفية والسّنة الشعبية، وكلّ من اعتبروه فاسقا أو ملحدا أو كافرا.

فهنيأ لك أنت والقرضاوي بهذه الصحبة الجديدة الّتي تخلط بين الدّين والسياسة، وبين الدولة والطائفة ، وبين فكرة دولة المواطنة ودولة الإيمان.



وعندما قرأت المقال للمرّة الثانية استوقفتني كلماته الاستهلالية وأنقلها حرفيا : “لا يكاد يمر أسبوع إلاّ ونشهد أحد احتفالين أو الاحتفاليـــــن معا : احتفال بالحملة على الإســــلام المتشدد والتكفيري والإرهابـي، واحتفالٌ آخر بمفكر «تنويري» عربي ما ترك على جسد الإسلام الظلامي والتكفيري لحما ولا شحمــا”.

إذا علم القارئ أنّه، في يوم 5 من هذا الشهر ومن هذه السّنة، أقيم بتونس حفل تكريمــــي للمفكر العربــي جورج طرابيشي، بطُل العجب دون حاجة إلى استدعاء رجب كشهر أو رجب أردوغان.



إنّ هذا الحفل الّذي أقامه عدد من المثقفين من مختلف الأقطار العربيّة احتفـاء بجــــورج طرابيشـــي وعرفانا له لما بذله من جهد فكري وثقافي كتابة وترجمة ونقدا فـي تاريخ العرب الحديث، كان هو القادح على هذه الحملة. فربّما اعتملت الغيرة في صدر صاحبنا، فأخذ يخبط خبط عشواء، وطاشت أسهم حنقه غيظا، فأصابت الأحياء والأموات. وإلاّ فبم نفسّر كلّ هذا الهراء؟

إنّ رابطة العقلانيين العرب كرّمت جورج طرابيشي لا فقط لأنّه يحــارب الاسلام السّلفـي التكّفيري وله الفخر في ذلك، بل لأنّ له تاريخا في البحث والنقد والترجمة والتأليف يمتدّ على نحو مائتي كتاب. وكان من حقّك يا رضوان أن تهاجمنا لو أنّنا قمنا بتكريمه لأنّه حضر ألــــف مؤتمر أو أضاع عمره في المشافهة والنجومية الكاذبة أو انتفخت جيوبه و امتلأت حســــاباته من المقاصد الشيعية أو المسيحية أو السنيّة أو غير ذلك.



وأخيرا، نناشدك، إذا كانت لا تزال لديك مساحة للتّفكير لم يستغرقها التّكفير، أن تبتعد بحمولتك الطّائفيّة التّكفيريّة عن دول الخليج وعلى الأخصّ دولة الإمارات العربيّة المتّحدة التي أراك كثيرا ما تتردّد عليها، بعد أن أوشكتم على تدمير أرض الشّام، وساهمتم مع الأصوليّات الطّائفيّة الأخرى في تشظّيها. لسنا في حاجة إلى قرضاوي آخر يثير الفتن، ويحقّق وحدة الحقد والكراهية للأمّة السّنّيّة.
 
هو الدكتور السيد في مقالته تلك مع الناس، أستاذنا طارق. فالجو جو الناس وعندما ترى المفكر يتحرك وفق ما يقتضيه حال جو الناس فاعلم أن حاله كما ذكر بن كثير في تفسيره مثل الذي لا يعرف حال من يقوده ولا يدري أين يذهب وكما يقال في المثل للجاهل: أين تذهب؟ قال: معهم؛ قيل: فإلى أين يذهبون؟ فقال: لا أدري!. أما عندما يسير الإعلام في مسار تغذية ثنائية هذا الجو فكل شيء وجب إختزاله في تلك الثنائية، وهذه ظاهرة كونية تتسم بها كل العقليات الشعبوية وبالتالي كل مفكر وفنان وأديب وخطيب وعالم يندمج في إتجاهها وكما قالت المستشرقة الهولندية مختلد الن Machteld Allan (ليدن، تدكترت في موضوع فلسفة الفقه عند بن تيمية) في ردها على المؤرخ الفيلسوف الهولندي دي فريس وهو صاحب نظرة علمية معتدلة إلى الإسلام في جو تسيطر عليه ثنائية العنف الإسلامي والعقلانية الغربية: "كل شيء جميل في أوروبا لا يمكن إلا أن يكون إسلاميا في جذوره حتى الفارابي عندك هو كانط -تقصد الفيلسوف الألماني- الإسلام، وكل شيء سيء في الإسلام مثل العمليات الإنتحارية إما هو شيء لا يختص به الإسلام وحده وإما الغير مثل أمريكا هو المسؤول.." ( 18 مارس 2006 / trouw) وهكذا تختار هي الأسهل أن تمشي مع جو الناس أن لا تبحر ضد التيار.. وكما هو معروف الإعلام يغذي تلك الثنائية التي تحكم التفكير السياسي لليمين المتطرف.

أما صاحب الرد وهو رجل أعمال ليبي معروف بتمويله للتجمعات والجمعيات والمؤسسات الحداثوية العلمانية فمحق في رده وفي نفس الوقت تنطبق عليه مقولة صدقك وهو كذوب!
 
عودة
أعلى