الحلقة 110 مع د.إبراهيم الحميضي -روابط، نص، أسئلة المشاهدين والإجابة عليها

إنضم
25/09/2008
المشاركات
225
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الرياض
التفسير المباشر - الرياض
ضيف البرنامج في حلقته رقم (110) يوم الخميس 16 رمضان 1431هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن صالح الحميضي، الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم .
وموضوع الحلقة هو :
- علوم سورة النحل .
- الإجابة عن أسئلة المشاهدين حول السورة وحول الجزء السادس عشر من القرآن الكريم .

نسأل الله التوفيق والسداد ،،



b.gif




الحلقة السادسة عشر
سورة النحل
***********









b.gif





رابط جودة عالية​









b.gif






b.gif








b.gif








b.gif


الروابط علي اليوتيوب







b.gif



روابط الحلقة كاملة علي موقع مشاهد









b.gif





Do3ae.gif



















 
بعض الوقفات مع السورة لنتأملها قبل الحلقة إن شاء الله​


سورة النحل


هدف السورة: الشكر على النعم

هي من السور المكية وهي سورة مليئة بنعم الله تعالى وبشكر النعم.
ونعم الله في الكون إما أن تكون نعم ظاهرة يراها الإنسان في حياته ويدركها بحواسه وهي صور حيّة مشاهدة دالة على وحدانية الله تعالى وناطقة بآثار قدرته التي أبدع بها الكائنات من البحار والجبال والسهول والوديان والسماوات والأرض والمطر والزرع والفلك التي تجري في البحر والنجوم التي يهتدي بها السالكون في ظلمات الليل والأنعام والخيل والبغال والحمير ونعمة خلق الإنسان ونعمة الغذاء ، وإما أن تكون نعم في الكون لا نراها ولا ندركها بأسماعنا وأبصارنا لكنها موجودة في الكون نستفيد منها بدون أن نلمسها مثل المخلوقات الموجودة في أعماق البحار وما تحويه الأرض من خيرات لا ندركها وقوانين الجاذبية وغيرها من القوانين التي يسير بها الكون أو تعمل بها أجسادنا أو ما حولنا من مخلوقات الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * ...* وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) الآيات من 3 إلى 16. وهناك نعمة أخرى هي نعمة كيف يخرج الله تعالى هذه النعم (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ)آية 66 و (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) آية 78. فنعم الله تعالى كثيرة جدًا مصداقًا لقوله تعالى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) آية 18. وأهم من هذه النعم كلها وهي ما ابتدأت به السورة هي نعمة الوحي (يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ) آية 2. وقد جاء ترتيب نعمة الوحي ثم نعمة نزول المطر لأن الوحي ينزل على القلوب فيحييها والمطر ينزل على الأرض فيحييها وهذا الربط بين سورة ابراهيم وسورة النحل، فسورة ابراهيم تحدثت عن نعمة الوحي والإيمان وسورة النحل تتحدث عن باقي نعم الله في الكون.
وتأتي في السورة آية محورية هي محور السورة (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) آية 18 وفيها تذكير بأن نعم الله على الخلق أكبر من أن تعد أو أن تحصى.
ثم تنتقل السورة إلى التحذير من سوء استخدام هذه النعم: فما أكثر ما يستخدم الإنسان نعم الله في معصيته أو فيما يعود عليه بالضر والإفساد له أو لغيره أو للكون (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ) آية 26 و (لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) آية 55 و(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) آية 58، 59 و(وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) آية 67 و(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) آية 83. وتأتي فواصل في السورة دائماً تذكر بأن النعم هذه هي من عند الله تعالى (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) آية 53. والنعمة قيدها الشكر لذا يجب أن يعرف الإنسان عظمة نعم الله عليه ثم يشكره عليها بأن يوجهها لطاعة الله ويحذر من استخدامها في معصيته كما في مثل القرية المطمئنة (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) آية 112.
سميت السورة بسورة النحل (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) آية 68 - 69 وهي نعمة من الله تعالى أيضاً فقد أمر الله تعالى النحل (إتخذي، اسلكي، كلي) فلمّا نفّذت النحل أوامر الله تعالى أخرج سبحانه من بطونها غذاءً نافعًا مفيدًا هو العسل. وهذا توجيه للعباد بأن عليهم أن ينفذوا أوامر الله تعالى ويتبعوا الوحي حتى يخرج الله تعالى للمجتمع خيرًا نافعًا مثلما أخرج العسل من النحل. ولهذا نزلت آية النحل في هذه السورة خاصة لأنها من نعم الله تعالى. فلو استعملنا نعم الله في مرضاته أخرج لنا من الخير كله ويزداد الخير في المجتمع.
 
سؤال: ذكر الله تعالى في سورة النحل عدداً من النعم التي أنعمها على الإنسان في عدة آيات لكن الملاحظ أن نهايات الآيات اختلفت فهل يمكن الوقوف عند دلالة نهايات الآيات وتناسبها مع النعم المذكورة في كل آية؟
يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)
وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)
وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)
وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)
وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)
أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17)
وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) - في هذه الآية المنظورة ما دلالة ذكر (يسمعون) بدل ينظرون؟
وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)
ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)
وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)
أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)
وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)
وما دلالة الاختلاف بين (إن في ذلك لآية) في أكثر الآيات وبين (إن في ذلك لآيات) في بعضها؟
شكر الله لكم
 
سؤال آخر : ما هو دلالة ورود آية وأد البنات في السورة ومناسبتها لمحور السورة؟ ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ (59))
وكذلك آية الاستعاذة بالله من الشيطان عند قرآءة القرآن (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98))؟
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تمت الاضافة للروابط في المشاركة الاولي
بارك الله فيكم
 
وهذا نص الحلقة بحمد الله تعالى:
سورة النحل
إسم السورة، دلالة هذا الإسم، وهل لها أسماء أخرى؟
د. إبراهيم: سورة النحل من السور المكية ذوات المئين وسميت سورة النحل لذكر النحل فيها ولم يرد ذكر النحل في القرآن الكريم إلا في هذه السورة ولذلك سميت سورة النحل وهذا إسم مجمع عليه ومتعارف عليه وهو إسم من الأسماء التوقيفية. ولها إسم آخر يورده بعض المفسرين وقد ورد عن بعض السلف أنه سماها سورة النعم وذلك لورود النعم في كثير من آياتها ولورود لفظ (نعمة) في عدد من آياتها.
هناك سؤال يطرح نفسه وهو هل هناك مناسبة بين إسم السورة ومضمونها؟ بعض أهل العلم يقول إن إسم السورة دالٌ على مضمونها وكان أول من قال ذلك – حسب علمي- الإمام البقاعي في نظم الدرر وقال إنه اكتشف ذلك بعد دراسة لما وصل سورة فاطر أو سبأ وأن كل إسم سورة مترجم عن معناها وتابعه بعد ذلك من ألّف في التفسير الموضوعي. ولكن عند التأمل نجد أن هذا غير منطبق على جميع السور، غير مضطرد والقواعد ينبغي أن تكون مضطردة ومنضبطة وإلا لا يصح. هناك سور سميت بأسماء الحروف مثل ن وق وص فهل يقال أن لفظ ص أو ن أو ق يدل على مضمون السورة؟ كذلك هناك سور لها أكثر من إسم فعلى أيها نبني؟ ولكن بعض السور قد يكون بعض الأسماء قد يكون فيه دلالة على أمر بارز في السورة كالنعم مثلًا فهذا موضوع ظاهر في السور وتكرر في أولها وآخرها
د. عبد الرحمن: تبقى هناك نقطة في هذا الموضوع وهو موضوع استخراج مقاصد السورة أو استخراج عمود السورة -إن صح التعبير- كما سماها عبد الرحمن الفراهي رحمه الله وهي أنها مسألة اجتهادية فتجد بعض العلماء دقيق النظر وعنده قدرة على استخراج الخيوط التي تربط آيات السور مع بعضها البعض مثل الفراهي وأنا أعتبره من العلماء الذين عندهم دقة في النظر والبقاعي نفسه يقول في مقدمته "البعض يظن أنني استخرجت هذه المقاصد أو هذه الموضوعات بسهولة مع أن بعضها قد استغرق مني سنوات حتى استطعت أن أتعرف على موضوعها" فلعل سبب إنكارك دكتور إبراهيم الآن اضطراد مثل هذا قد يكون لتفاوت النظر بين الذين ينظرون في الموضوعات ولذلك تجد بعض الباحثين اليوم يُخرج سورة النحل فيسميها سورة النعم ويأتي آخر ويقول سورة النحل ويصر على أن النحل أدل على المقصود من قضية النعم، تجد تفاوت بين الباحثين كثير في سورة واحدة أو النظر في موضوعها ومقصدها
د. إبراهيم: ولذلك ينبغي للإنسان أن يتأدب في العبارة ويتلطف لا نجزم فنحن لا نقول هذا باطل ولكن نقول لا يظهر لنا أن هذه قاعدة يبنى عليها وقد يكون الله ألهم بعض الناس ما لم يلهمه غيره
د. عبد الرحمن: ننتقل إلى مناسبة السورة هل هناك مناسبة بين السورة مع سورة الحجر التي سبقتها؟
د. إبراهيم: أورد بعض المفسرين مناسبة بين السورتين ومنهم السيوطي رحمه الله وأيضاً قبله أبو الزبير الغرناطي الثقفي قال أنه في نهاية سورة الحجر قال (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)) يعني الموت ثم قال في بداية سورة النحل (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)) فكأن هناك تناسب بين نهاية سورة الحجر وبداية سورة النحل وعلم المناسبات هو اجتهادي.
موضوع سورة النحل الأساسي
د. إبراهيم: قبل أن نذكر الموضوع الأساسي يحسن بنا أن نؤكد ما يسمى بالمحور أو الوحدة الموضوعية في السورة هي أمر اجتهادي وليس متفق عليه بين أهل العلم فهناك من قال كل سورة لها محور واحد تدور جميع الآيات عليه وهناك من قال لا، ما نستطيع أن نقول هناك محور واحد ولا سيما السور الطويلة لها موضوعات متعددة وهناك قول وسط يجمع بين الأمرين وهو أنه إذا كانت السورة قصيرة كأواخر سور القرآن الكريم نستطيع أن نقول أن لها محور واحد وإذا كانت السور طويلة كالسبع الطوال والمئين فهذه من الصعب أن نقول أن لها محور واحد وآياتها كلها من أولها لآخرها تخدم وتدور وتفسر محورًا واحدًا لكن نقول أن هذا أمر ظاهر وموضوع أساس فيها وهناك آيات قد لا تكون مشتقة من هذا الموضوع الأساس.
د. إبراهيم: الأمر البارز في هذه السورة النعم. الله عز وجل من بداية السورة حينما ذكر الأنعام والخيل والبغال والحمير وإنزال الماء من السماء وتسخير البحار والفلك فيه وثم يذكر الأنعام والنحل إلى آخر السورة وعاقبة من يكفر بالنعم ثم في آخر السورة يذكر عن ابراهيم عليه السلام (شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121)) كلمة (نعمة) تكررت بضع مرات في السورة وأيضًا ذكر الله عز وجل صنوفًا من المطعومات والمشروبات والملبوسات فكأن أبرز موضوع في هذه السورة النعم نعم الله عز وجل سواء كانت النعم الظاهرة الحسية أو كانت النعم المعنوية نعمة الإيمان والإسلام.
د.عبد الرحمن: برأيك يا دكتور السورة مكية نزلت في مكة والحديث عن إبراز هذه النعم التي أنعم الله بها على خلقه عمومًا خاصة في قوله (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (4) وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)) كلها نِعَم يشترك فيها الجميع المؤمن والكافر ما علاقة مثل هذا بدعوة المشركين؟ لا سيما أن بحثك في الماجستير كان عن منهج القرآن الكريم في محاربة الشرك هل تدخل ضمن المنهجية التي درستها؟
د. إبراهيم: نعم، قد يكون من منهج القرآن ووسائله في محاربة الشرك ذكر مظاهر عظمة الله في الكون فإن من أبصر هذه المظاهر العظيمة فإنه لا يليق به أن يعبد غيره بل أن يتجه لهذا الخالق الرازق صاحب هذه النعم، كيف يعبد الإنسان إلى آلهة ضعيفة لا تملك لنفسها نفعًا ولا ضرًا ويعرض عن عبادة الخالق المنعم الرازق المدبر لا شك أن هذه الآيات في بداية سورة النحل تهز الإنسان هزًا وتجذبه إلى الإيمان جذبًا، كيف ينصرف الإنسان عن هذا الخلّاق العظيم الذي سخر الأنعام وأنزل المطر وسخر الليل والنهار والبحار هذا هو المستحق للعبادة سبحانه؟!.
د. عبد الرحمن: وجاءت بأسلوب (هو) (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)) الذي يشاهد الآن الأفلام الوثائقية عن الجبال والبحار والأنهار وما فيها من العظمة يوقن فعلًا بعظمة هذا الإله
د. إبراهيم: ثم إن الله تعالى نوّعها فإذا لم تؤثر فيه آية ينظر إلى غيرها، إذا لم تؤثر فيه آيات الكون والفضاء فلينظر إلى الأرض وما فيها من عجائب أو ينظر إلى المشروبات والأشجار والثمار
د. عبد الرحمن: سؤال سألته إحدى الأخوات في الملتقى يتعلق بالآيات التي في المقدمة في قوله (يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)) يختم كل آية وأنا أذكر قديماً أحد الإخوان نبّه إلى مسألة التعقيبات القرآنية وأنها تحتاج لجمع ودراسة وتدبر حتى يستطيع أن يخرج منها الباحث بشيء عام- (يتفكرون- يعقلون – يذكرون – تشكرون) لو لمحة حول أسرار الاختلاف في هذه التعقيبات؟
د. إبراهيم: بعد تأمل بسيط لم يظهر لي السر واضحًا في هذا ولكن لعله من باب التنويع وأيضًا رأيت كثيرًا من المفسرين لا يتوقف عند هذا خاصة من المتقدمين، بعض المتأخرين ربما يهتم بهذه الأسرار البيانية وهو أمر اجتهادي ليس قطعيًا يبدو أنه من باب التنويع
د. عبد الرحمن: والتنويع مقصد من مقاصد البلاغة
د. عبد الرحمن: في قوله سبحانه وتعالى (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا (18)) ما علاقة الآية بالموضوع الذي تحدثت عنه وأنها سورة النعم؟
د. إبراهيم: الله عز وجل ذكر صنوفًا من النعم في هذه السورة لكنه لم يذكر جميع النعم والإنسان إذا تأمل في نعم الله عز وجل عليه لا يمكن أن يحصيها فالله عز وجل يقول هذه جزء مما أنعمت عليكم وهناك نعم كثيرة في نفس الإنسان، في الكون في الطعام والشراب وفي الأورد لا يمكن لأحد من البشر أن يحصيها وكل نعمة من هذه النعم تستحق الشكر وتستحق أن تكون دليلا بنفسها على عظمة الله واستحقاقه للعبودية دونما سواه.
د. عبد الرحمن: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا (18)) هناك سؤال يتكرر دائماً كيف يقول (نعمة الله) فيفردها ثم يقول (لا تحصوها)، النعمة الواحدة تحصى
د. إبراهيم: هذه مضافة (نعمة الله) تشمل جميع النعم، المقصود بها نعم الله، الإضافة تقتضي هنا جميع النعم كل نعمة من نعم الله عز وجل داخلة في هذا.
د. عبد الرحمن: أذكر أبيات جميلة لمحمود الوراق يذكر هذا المعنى
إذا كان شكري نعمةَ الله نعمةٌ عليّ له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ولو طالت الأيام واتّصل العمر
حتى توفيق الإنسان إلى أن يشكر هذه النعمة في حد ذاته نعمة تستوجب الشكر والإنسان يتقلب في نعم الله ليل نهار نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا ويوزعنا جميعا أن نشكر نعمه.
د. عبد الرحمن: لفت نظري في أول السورة في قوله سبحانه وتعالى (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)) كيف يقول (أتى) وهو فعل ماضي ثم يقول (لا تستعجلوه) والاستعجال يكون لشيء مستقبل لا لشيء ماضي فما توجيه هذا؟
د. إبراهيم: قال المفسرون أنه عبّر بلفظ الماضي للدلالة على تحقق الموضوع وإلا هو مستقبل وهذا أسلوب بلاغي معروف وأيضًا ورد في القرآن (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1) القمر) أتى أمر الله معناه سيأتي أمر الله لكن للتأكيد على تحققه وقربه عبّر بالماضي
د. عبد الرحمن: لعلنا نتوقف في قوله (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8)) هذه آية ملفتة للنظر، هل يمكن أن ندخل تحت هذه الآية ما يكتبه الآن كثير من الباحثين في الإعجاز العلمي؟
د. إبراهيم: نعم، هذه الآية من أوضح الآيات الدالة على الإعجاز العلمي المعروف. فالله عز وجل لما ذكر الخيل والبغال والحمير والفلك لم يكتف بذلك بل قال (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) للدلالة على أن هناك أولا مخلوقات لا يعرفها العرب المخاطبون بالقرآن في مكة وفي جزيرة العرب ربما هناك في مشارق الأرض ومغاربها مركبات أخرى كالفيلة كما قال بعض المفسرين وهناك مركوبات ستأتي في المستقبل مثل السيارات والطائرات والقطارات فلا شك أن هذه الاية فيها دلالة واضحة على ما استجد من المركوبات وهذا من الاعجاز العلمي أو الاعجاز الغيبي في القرآن الكريم.
د. عبد الرحمن: عندما تقارن قوله تعالى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً (8)) الآن أصبحت هذه المركوبات لا تذكر الآن مقارنة بالطائرات والسيارات والقطارات والسفن مع أنه ذكر السفن في هذه الآيات أيضًا ومن اللطائف في هذه الآية في تفسير الألوسي في روح المعاني ذكر عند قوله (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) قصة طريفة، الألوسي متوفى 270 هجرية، فيقول وقد بلغني أن أناسًا في الغرب يحاولون تقليد الطير في طيرانه فارتفعت بهم عن الأرض قليلاً ثم سقطت بهم إلى حيث ألقت رحلها أم قشامة قال ولا أظنهم يفلحون في هذا. الآن لما تقرأ كلام الألوسي تضحك لأنه أصبحت الطائرات الآن تحمل أثقالا ضخمة
د. إبراهيم: وهذه المركوبات وإن صنعها البشر فإن الله هو الذي ألهمهم وعلّمهم فهي في الحقيقة من نعم الله، وكذلك لاحظ قوله (وَزِينَةً) وهكذا السيارات اليوم الناس لا يتخذونها فقط للركوب بل يتخذون شيئا فوق الركوب يتفاخرون بها ويتزينون بها
د. عبد الرحمن: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)) في هذه الآيات إشارة إلى وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم وهي وظيفة البيان
د. إبراهيم: أولًا الذكر المراد به القرآن الكريم (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ) وأنزلنا إليك يا محمد هذا القرآن الكريم لتبين للناس ولتوضحه للناس وتفسره للناس فهذه من وظائف النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه" فالنبي صلى الله عليه وسلم بيّن لأصحابه القرآن الكريم بيّن لهم ألفاظه ومعانيه اختلف العلماء هل بين جميع القرآن أو بعضه وهذه ليست قضيتنا لكننا نوقن أن النبي صلى الله عليه وسلم بين هذا القرآن الكريم الذي أنزل إليه وعلمه أصحابه وألفاظه ومعانيه فلم يتوفى عليه الصلاة والسلام وينتقل من هذه الدنيا إلا وقد بلّغ هذا القرآن الكريم الذكر الذي فيه تذكرة وموعظة لهم.
د. عبد الرحمن: هناك الآن ومن قديم أناس يخرجون الآن في الاعلام ويكتبون كتابات ويقولون نحن سنكتفي بالقرآن الكريم فقط ولسنا في حاجة إلى السنة النبوية لكي تبين لنا القرآن الكريم والقرآن بين بنفسه فلا حاجة إلى بيان النبي لهذا القرآن ولسنا بحاجة إلى مراجعة كلام المفسرين حول القرآن ويسمون أنفسهم بالقرآنيين رأيت من كتب عنهم بأنهم القرآنيون. أليس في كلام الله عز وجل (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (44)) لتبين لهم القرآن، أليس في هذا رد على هؤلاء الذين يدّعون هذه الدعوى؟
د. إبراهيم: بلى وهذه الدعوى باطلة وعند التطبيق العملي يستحيل أن تطبق إلا عند أناس لا يؤمنون بهذا الدين وهذا الشرع فمن المعلوم أن هناك من الآيات في القرآن ما لا يمكن أن تفهم إلا عن طريق السنة مثلًا صفة الصلاة وشروط الزكاة وكيف يصلي الإنسان وكيف يقيم أركان الصلاة وكيف يعرف أنصبة الزكاة إلا عن طريق السنة فلا بد من الرجوع إلى السنة ثم إلى فهم السلف رحمهم الله
د. عبد الرحمن: قرأت لأحدهم كتابًا بعنوان "القرآن وكفى" من أوله إلى آخره كلام فيه حق وفي باطل ملتبس وهذه مشكلة لأنهم عندما يقولون نحن القرآنيون نحن ندعو للإكتفاء بالقرآن هذا جميل ويروج على عامة المسلمين عندما يأتيك واحد ويقول أنا سأكتفي بالقرآن ولا حاجة إلى غيره من الكتب لأن فيها تحريف وفيها روايات لم يتثبت وروايات نسبة ثبوتها قليلة ومن هذا الكلام قد يروج على عامة الناس يقولون نحن عندما نكتفي بالقرآن نكتفي بالذي ثبت بدلالة قطعية، نكتفي بما اتفقت الأمة عليه لكن عندما تقرأ أدلته تجد أنه لا يورد دليلا صحيحا يحتج به أو قد يستدل بآية استدلالا خاطئا ويفهمها فهما خاطئا وهذه دعوى خطيرة ينبغي التصدي لها والدفاع عن القرآن وحتى يفهم الناس وقد ذكرت حديث مهم جدا "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله ، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ، ولا كل ذي ناب من السباع ، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه ، فإن لم يقروه ، فله أن يعقبهم بمثل قراه. الراوي: المقدام بن معد يكرب المحدث: الألباني - المصدر: الحديث حجة بنفسه - لصفحة أو الرقم: 28 - خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح "
د. عبد الرحمن: نأتي إلى الآية المفصلية وهي آية النحل والعسل في قوله سبحانه وتعالى (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)) الناس الآن في الآونة الأخيرة رجعوا للعسل وإلى الاستشفاء بالعسل وكل هذا انطلاقًا من هذه الآية في سورة النحل، فما تعليقكم؟
د. إبراهيم: لا شك أن العسل هو شفاء بنص الكتاب والسنة "الشفاء في ثلاثة : في شرطة محجم ، أو شربة عسل ، أو كية بنار ، وأنا أنهى أمتي عن الكي. الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - لصفحة أو الرقم: 5681 - خلاصة حكم المحدث: [صحيح] " فالعسل شفاء لكثير من الأمراض وهذا ثبت بالتجارب وثبت عند الأطباء ولذلك هذه تدرج ضمن آيات الاعجاز العلمي ويا ليت المشتغلون بالإعجاز العلمي يقفون عند مثل هذه الآية والآية التي أشرنا إليها سابقًا (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8)) ومراحل خلق الجنين من هذه الأمور الواضحة البينة التي يستطيع الإنسان أن يتوصل إلى الاعجاز العلمي مهما كانت تخصصه وبسهولة ويتركوا مثل بعض المظاهر التي فيها تكلّف وربما ليس هناك دلالة البتة في الآية عليها أو قد تكون نفس الحقيقة العلمية التي يريدون تطبيقها لم تصل أن درجة أن تكون حقيقة فيتكلفون وينصرفون عن معاني القرآن وهداياته وبلاغته بسبب الوقوف وبسبب هذه التكلفات. نعم هذا مظهر من مظاهر إعجاز القرآن الكريم فالعسل شفاء لكثير من الأمراض.
إتصال من الأخ فهد من السعودية: السؤال الأول هل إبليس كان من الملائكة؟ والسؤال الثاني الله سبحانه وتعالى خلقه من نار فما الحكمة من تعذيبه بالنار؟
د. إبراهيم: السؤال الأول فالخلاف مشهور وقوي فيه قوة فمن أهل العلم من قال إنه كان من الملائكة فضلّ وأبى السجود فأبعده الله عز وجل وأخزاه ومنهم من قال لم يكن من الملائكة قط وإنما من الجن كما قال تعالى (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ (50) الكهف) وأخبر الله عز وجل بأنه خُلِق من نار بينما الملائكة خلقوا من نور كما في حديث عائشة رضي الله عنها الصحيح والراجح القول الثاني أن إبليس خلق من نار وأنه من الجن وليس من الملائكة لكن حضر مع الملائكة عندما أمرهم الله عز وجل بالسجود لآدم فسجد الملائكة إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه وآية سورة الكهف واضحة في أنه كان من الجن (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ (50) الكهف) ويصبح مثل قوله تعالى (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) البقرة) ففي الاستثناء هنا إشارة إلى أنه كان من الملائكة لكن يخرّجها المفسرون على أنها استثناء منقطع.
نعم، أما كونه خلق من نار ويعذب من نار فلا مانع منها كما أن الآدمي خلق من طين ويعذب بالطين ولذلك ورد عن بعض السلف عندما اعترض على هذا الأمر أخذ قطعة من طين وضرب به وجه المعترض فنقول أنه ليس هناك مانع أنه يخلق من النار ويعذب في النار.
د. عبد الرحمن: وأنبه الإخوة أن قضايا الجنة والنار والنعيم والعذاب في الآخرة قضايا لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى كيف يعذّب هذه أشياء فوق العقل
د. إبراهيم: وربما الدخول في هذه المسائل وإعمال العقل فيها يضل الإنسان ويحدث عنده شبهات يصعب التخلص منها.
د. عبد الرحمن: آية نريد أن نقف عندها وهو قوله تعالى (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (116)) قضية القول على الله بغير علم
د. إبراهيم: لا شك أن هذه قضية خطيرة والله عز وجل توعّد من قال عليه بغير علم أو حرم ما أحل الله سبحانه وتعالى أو حلل ما حرم الله هناك آيات في هذا الموضوع في سورة المائدة وغيرها، تلاحظ في هذه الآية وكذلك في سورة الأعراف قال في هذه الآية (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ) فكأن تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله هو كذب على الله (لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ)
د. عبد الرحمن: أن تقول هذا حلال وهو حرام وأن تقول هذا حرام وهو حلال لا شك أنه كذب
د. إبراهيم: ثم قال في الآية بعدها (مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)) هنا وعيد عليهم. وهنا نستفيد فائدة وهي أن الإنسان حينما يتكلم في الحلال والحرام أو في الفتوى ينبغي أن لا يلجأ إلى هذا اللفظ لفظ حلال أو حرام إلا حينما تكون المسألة ظاهرة والأدلة واضحة هذا حلال وهذا حرام أما إذا كانت المسألة غير واضحة أو أن الأدلة غير قطعية لم تنهض إلى الجزم بالتحريم والتحليل فهنا ينبغي أن يتجنب هذا اللفظ كما هي حال السلف رحمهم الله فيقول لا أرى في هذه المسألة بأسًا ويظهر لي الجواز وفي جانب الحرام قد يكون تركه أولى، قد يقول قائل نفس الشيء، نقول لا ليس نفس الشيء عندما تقول حرام فأنت نسبت هذا الحكم إلى الله عز وجل وأيضا رهبت المستفتي من عمل هذا الفعل مع أنه قد يكون في نفس الأمر ليس حراماً والعكس كذلك حينما تقول حلال لأمر فيه شبهة أو أن هناك أدلة تدل على التحريم فكأنك أوقعت نفسك في تحليل ما حرم الله فينبغي للإنسان أن يتورع في الفتوى في مثل المشتبهات أو ما لا علم له به.
سؤال الحلقة
دعا زكريا عليه السلام ربه وتوسل إلى الله بإنعامه عليه فسأل الذي أحسن سابقاً أن يتمم إحسانه لاحقاً بدعاء معناه: لم تكن يا رب تردني خائبًا ولا محرومًا من الإجابة فلم تزل ألطافك تتوالى علي وإحسانك يصل إليّ فما الدعاء الدالّ على هذا في سورة مريم؟
 
الآيات التي ورد فيها ذكر النعمة ومشتقاتها في سورة النحل:
وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (18)
وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)
وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (71)
وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)
وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)
وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112)
فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)
شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121)
 
بارك الله فيكم وتقبل منكم هذا الجهد في رفع الحلقة وتفريغها، ونحن لا ننفك ندعو لكما يا أم الحارث ويا دكتورة سمر.
نسأل الله القبول .
 
أحسن الله للأختين الفاضلتين ، وللشيخين الكريمين.
وقد لفتم نظري – حفظكم الله تعالى - إلى قوله تعالى: { ويخلق مالا تعلمون } وأخذت أتأمل كم في هذه الآية على وجازتها من المعاني البديعة.
ونحن الآن ندرك أشياء خلقها الله تعالى ولم يعلمها السابقون، وسيدرك الذين بعدنا أشياء لم ندركها نحن ، ولهذا جاءت صيغة الآية دالة على التجديد والاستمرار. وهذا من اللطائف في الآية، وهو أننا إذا تأملنا لفظ { ويخلق } نجده يشير إلى الاستمرار والتجدد ، وإلى هذا أشار أبو السعود في تفسيره، حيث قال :" والعدول إلى صيغة الاستقبال للدلالة على الاستمرار والتجدد أو لاستحضار الصورة أو يخلق لكم في الجنة غير ما ذكر من النعم الدنيوية مالا تعلمون أي ما ليس من شأنكم أن تعلموه وهو ما أشير إليه بقوله صلى الله عليه و سلم حكاية عن الله تعالى أعددت لعبادى الصالحين مالا عين رأت.." (ج 5 / ص 98).
، وقد ذكر قوم من المفسرين : أن المراد بهذه الآية عجائب المخلوقات في السموات والأرض التي لم يُطَّلع عليها ، مثل ما يروى : أن لله ملكاً من صفته كذا ، وتحت العرش نهر من صفته كذا . وقال قوم : هو ما أعد الله لأهل الجنة فيها ، ولأهل النار . وقال أبو سليمان الدمشقي : في الناس مَن كره تفسير هذا الحرف . وقال الشعبي : هذا الحرف من أسرار القرآن . زاد المسير (ج 4 / ص 83).
والصحيح أن الآية عامة كما قال كثير من المفسرين ، قال ابن عجيبة في البحر المديد (ج 3 / ص 247) :" يخلق مما لا يُحيط البشرُ بعلمه؛ من عجائب المخلوقات ، وضروب المصنوعات ، ومما يؤكل ومما لا يؤكل ، وما خلق في الجنة والنار ، مما لا يخطر على قلب بشر" .
وكذلك أشار الزمخشري في تفسيره حيث قال:" يجوز أن يريد به : ما يخلق فينا ولنا مما لا نعلم كنهه وتفاصيله ويمنّ علينا بذكره كما منّ بالأشياء المعلومة مع الدلالة على قدرته . ويجوز أن يخبرنا بأن له من الخلائق ما لا علم لنا به ، ليزيدنا دلالة على اقتداره بالإخبار بذلك ، وإن طوى عنا علمه لحكمة له في طيه ، وقد حمل على ما خلق في الجنة والنار ، مما لم يبلغه وهم أحد ، ولا خطر على قلبه". الكشاف (ج 3 / ص 336).
 
عودة
أعلى