الحلقة الرابعة من سلسلة لقاء مع عالم ( أبو القاسم البغوي )

أدهم حسن

New member
إنضم
12/11/2010
المشاركات
16
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
6fch7a10.jpg


تحية طيبة إلى جميع أعضاء الملتقى وزائريه ........................................... وبعد:

يسرني أن أرحب بكم في حلقة جديدة من سلسلة لقاء مع عالم ..... التي نستضيف فيها اليوم أحد العلماء الذين خدموا الكتاب العزيز، والسنة النبوية، بالعكوف على دراستهما، وتدريسهما، وكشف كنوزهما، وأسرارهما، والتأليف فيهما ..... أرحب بنفسي وبالنيابة عنكم جميعا بضيفنا المبارك:..............................
فضيلة الإمام : أبو القاسم البغوي , فضيلة الإمام أهلا ومرحبا بكم

البغوي: أهلا بك وبجميع القراء الكرام .
أدهم حسن : بادئ ذي بدء نرجو منكم إعطاءنا الاسم الكامل لفضيلتكم .
البغوي : الاسم الكامل لي هو : أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد الفرَّاء البغوي الشافعي والبغوي نسبة إلى بلدة بخراسان بين مرو وهراة يقال لها "بغ" بالباء الموحدة والغين المعجمة والفراء نسبة إلى أبي الذي كان يصنع الفراء.
وأُلَقّب بمحي السنة وأيضاً بركن الدين وأسمى أيضا (ابن بنت منيع).
أدهم حسن : ومتى كان مولد فضيلتكم وأين كان ؟
البغوي : إن معظم المصادر التي ترجمت لي لم تشر إلى السنة التي ولدت فيها، غير أن ياقوت الحموي قال في معجم البلدان: أنني ولدت سنة (433 هـ) أما الزركلي فأشار في الأعلام إلى أنني ولدت سنة (436 هـ).
أدهم حسن :وما هو الراجح برأي فضيلتكم ؟!
البغوي : أما الراجح فهو مانقله الخطيب البغدادي حيث قال: قال أبو بكر بن شاذان: سمعت البغوي (أي سمعني) أقول: ولدت سنة ثلاث عشرة ومائتين (213هـ). وقال ابن شاهين: سمعته (أي سمعني ) أقول: ولدت سنة أربع عشرة، قال الخطيب: وابن شاهين أتقن.
أدهم حسن : لم تجبني فضيلتكم عن مكان ولادتكم !
البغوي : آسف لقد نسيت ... ولدت بين هراة ومرو الروز في بغشور أو (بغ)، فأنا بذلك أنسب إلى بلدتي .
أدهم حسن :وماذا عن نشأتكم فضيلة الإمام ؟
البغوي : نشأت في أسرة فقيرة وكما قلت من قبل في التعريف باسمي أنّ أبي كان فرَّاءً يصنع الفراء ويبيعها .... ولا يذكر التاريخ الكثير عن نشأتي وحياتي المبكرة، كما يجهل ما يتصل بأسرتي وعدد أفرادها وذلك كله لأن المصادر التي ترجمت لي لا تفصح عن ذلك !!!! ومع ذلك فقد ذكر أني نشأتُ شافعى المذهب بحكم البيئة التي عشت فيها، والعلماء الذين التقيت بهم وأخذت عنهم.
أدهم حسن: هل تستطيع رحمك الله أن تحدثنا عمن سمعت وأخذت من العلماء والشيوخ .
البغوي : حسناً, لي كثيرٌ من الشيوخ الأبرار الذين أخذت العلم عنهم، فلقد تفقهت على شيخ الشافعية القاضي حسين بن محمد المروزي، وسمعت من أبي عمر عبد الواحد بن أحمد الملــيحي، وأبي الحســن محمد بن محمد الشـيرازي، وجمال الإسلام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي، ويعقوب بن أحمد الصرفي، وأبي الحسن علي بن يوسف الجويني، وأبي الفضل زيــاد بــن محمد الحنفي، وأحمد بن أبي نصر الكوفاني، وحسان بن محمد المنيعي، وأبي بكر محمد الهيثم الترابي ورأيت أبا عبيد القاسم بن سلام ولم أسمع منه، وسمعت من أحمد وعلي بن المديني ويحيى بن معين وعلي بن الجعد وخلف ابن هشام بن البزار وخلق كثير، وكان معي جزء فيه سماعي من ابن معين، فأخذه موسى بن هارون الحافظ فرماه في دجلة، وقال: يريد أن يجمع بين الثلاثة؟! (غفر الله له)! وقد تفردت عن سبع وثمانين شيخًا.
أدهم حسن : اسمح لي أن أتجاوز حدودي وأسألك عن عقيدتك !!!!!!
البغوي : لا بأس يا بنَيّ ..... فسلامة العقيدة أمر مهم جداً ! وكيف مثلاً تقرأ كتابا لشخص ما ولم تعرف عقيدته! سأُجيبُكَ:
أعدُّ من أئمة السلف الصالح، الذين تقيدوا بالكتاب والسنة، في مفهوم الاعتقاد وبخاصة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، ولي على ذلك بعض الأدلة منها: تعليقي على الحديث الذي رواه مسلم في القدر: باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء (4\2654) وذلك في الجزء الأول من كتابي شرح السنة ص (168) "قلت : والإصبع المذكورة في الحديث صفة من صفات الله عز وجل ، وكذلك كل ما جاء به الكتاب أو السنة من هذا القبيل في صفات الله تعالى، كالنفس، والوجه، والعين، واليد، والرجل، والإتيان، والمجي، والنزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش، والضحك والفرح - إلى أن أقول في صفحة (170) فهذه ونظائرها صفات الله تعالى، ورد بها السمع يجب الإيمان بها، وإمرارها على ظاهرها معرضًا فيها عن التأويل، مجتنبًا عن التشبيه، معتقدًا أن الباري سبحانه وتعالى لا يشبه شيءٌ من صفاته صفاتِ الخلق، كما لا تشبه ذاتُه ذوات الخلق، قال الله سبحانه وتعالى:
b2.gif
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
b1.gif
الشورى .

وعلى هذا مضى سلف الأمة، وعلماء السنة، تلقوها جميعًا بالإيمان والقبول، وتجنبوا فيها عن التمثيل والتأويل، ووكلوا العلم فيها إلى الله عز وجل،" اهـ ثم ذكرت مدلِّلا على ذلك أقوال السلف وقد جاءت شهادات العلماء الذين ترجموا لي تؤكد ذلك:
قال ابن شهبة( عني) في طبقات الشافعية (1\310): (وكان دينًا، عالمًا، عاملًا على طريقة السلف).
وقال طاش كبرى زاده ( عني) في مفتاح السعادة (2\102): (كان ثبتًا حجة، صحيح العقيدة في الدين).

أدهم حسن : جزاك الله خيرا ياشيخ على سعة صدرك وتقبلك هذا السؤال وإجابتك عنه! ونرجوا منك التكرم بذكر بعض تلامذة فضيلتكم .
البغوي : لا بأس .... منهم: الشيخ العلامة مجد الدين أبو منصور محمد بن أسعد بن محمد المتوفى سنة (571) وهو الذى روى شرح السنة عني،ثم أخذ عنه غير واحد من أهل العلم والفضل. وأيضا
أبو الفتوح محمد بن محمد بن على الطائى الهمذانى، المحمدث الواعظ المتوفى سنة 555 منا لهجرة الذي من تأليفه ((الأربعين قي إرشاد السالكين إلى منازل المتقين))جمعه عن مسموعاته أربعين شخصا. وأيضاً
أبو المكارم فضل الله بن محمد بالنوقانى، وهو اّخر من روى عني وبقى إلى سنة ستمائة، وأجزت للفخر على بن البخارى شيخ الإمام الحافظ الذهبي وأخذ عني الكثير من علماء أهل مرو .
أدهم حسن : كرما منك حدثنا عن مؤلفاتك .


البغوي : من أهم مؤلفاتي............:

1- تفسير البغوي "معالم التنزيل

2- كتاب السنن على مذاهب الفقهاء

3- ولي معجم الصحابة في مجلدين يدل على سعة حفظي ولله المنّة

4- كتاب الجعديات حديث علي بن الجعد الجوهري.


5- كتاب شرح السنة، الذي يعد من أعظم كتبي ، بل هو من أجل كتب السلف في ترتيب الحديث


أدهم حسن : بما أننا في ملتقى أهل التفسير فهل تستطيع أن تحدثنا عن كتابك في التفسير (معالم التنزيل )؟
البغوي : حبا وكرامة ....... هو كتاب متوسط، نقلت فيه عن مفسري الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وهو عارٍ عن الغموض والتكلف في توضيح النص القرآني، محلى بالأحاديث النبوية والآثار الغالب عليها الصحة.

أدهم حسن : حدثنا أكثر عن الكتاب يا فضيلة الشيخ .!

البغوي :لا بأس ....... سأعرض الكتاب :
أولا بدأته بمقدمة ابتدأت فيها بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم تبين مهمة إرسال الرسول وإنزال الكتاب المعجز عليه، ثم ذكر ما اشتمل عليه القرآن من الأمور عقيدة وفقهاً وقصصاً وحكماً.
ثم إنتقلت إلى دواعي تأليفي للكتاب فقلت : (سألني جماعة من أصحابي المخلصين وعلى اقتباس العلم مقبلون كتاباً في معالم التنزيل وتفسيره، فأجبتهم إليه معتمداً على فضل الله تعالى وتيسيره متمثلاً وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فيما يرويه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (إن رجالاً يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيراً).
ومن هذا النص نستفيد أن تفسيري جاء نزولاً عند رغبة طلابي وتلاميذي المخلصين والمقبلين على اقتباس العلم وتحقيقاً لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتداء بالماضين.
وقدمت بعد ذلك الطريقة التي اخترتها (أي منهجي ) وجعلت عليها تفسيري وهي التوسط والاعتدال فقلت: (فجمعت بعون الله تعالى وحسن توفيقه فيما سألوا كتاباً متوسطاً بين الطويل الممل والقصير المخل، أرجو أن يكون مفيداً لمن أقبل على تحصيله).
وانتقلت – رحمني الله – في مقدمتي فذكرت مصادري في تفسيري من كتب التفسير بالمأثور وكتب الأخبار والسير وكتب القراءات والحديث النبوي الشريف.
ثم عقدت ثلاثة فصول بين يدي التفسير وهي في فضائل القرآن وتعليمه وفي فضائل تلاوة القرآن، وفي وعيد من قال في القرآن برأيه.
ثم بينت معنى التفسير والتأويل والفرق بينهما ومعنى نزول القرآن على سبعة أحرف. ثم إنطلقت إلى تفسير كتاب الله تعالى سورة سورة من سورة الفاتحة حتى سورة الناس.



92_image002.jpg




أدهم حسن : لو تفضلت فضيلتكم ببيان بعض مزايا الكتاب.


البغوي :من أهم مزاياه:
1 – اعتمادي على الكتاب والسنة فكنت أفسر القرآن بالقرآن أو بالسنة النبوية مراعياً بذلك سياق السند وتحري الصحة والدقة.
2 – حرصي على المأثور من التفسير من أقوال الصحابة والتابعين ممن ذكرت طرق الأخذ عنهم في المقدمة مع أخذي من آخرين لم أذكرهم وقد برز طابع المأثور في تفسيري بصورة ظاهرة وكنت أميناً في نقلي – رحمني الله – لآراء هؤلاء السلف دون ترجيح وقد أرجح فيما أختاره وأجد الدليل عليه. ....... وغيرها من المزايا كعنايتي باللغة والنحو والقراءات وما يتعلق بالإسرائيليات والموضوعات، وما يتعلق بالعقيدة والمسائل الفقهية . نسأل الله القبول .

أدهم حسن : سؤال صعب ...ولكن ماذا عن وفاتك رحمك الله ؟
البغوي :توفيت ليلة الفطر وكانت وفاتي ببغداد، ودفنت بمقبرة باب التبن..
أدهم حسن : أستميحك عذرا أن أذكر للقراء الكرام بعض ماقيل فيك :

قال ابن كثير: "كان ثقة حافظًا ضابطًا، روى عن الحفاظ وله مصنفات". وقال موسى بن هارون الحافظ: كان ابن بنت منيع ثقة صدوقًا. فقيل له: إن ههنا ناسًا يتكلمون فيه. فقال: يحسدونه، ابن بنت منيع لا يقول إلا الحق"

وقال الدارقطني: كان البغوي قلما يتكلم على الحديث، فإذا تكلم كان كلامه كالمسمار في الساج. وقد ذكره ابن عدي في كامله فتكلم فيه وقال: حدث بأشياء أنكرت عليه، وكان معه طرف من معرفة الحديث والتصانيف. وقد انتدب ابن الجوزي للرد على ابن عدي في هذا الكلام، وذكر أنه توفي ليلة عيد الفطر منها وقد استكمل مائة سنة وثلاث سنين وشهورًا، وهو مع ذلك صحيح السمع والبصر والأسنان، يطأ الإماء.

وقال أبو محمد الرامهرمزي: لا يعرف في الإسلام محدث وازَى البغوي في قدم السماع. قال الخطيب: كان ثقة ثبتًا فهمًا عارفًا.

وقال ابن خلكان : " كان بحراً في العلوم" ، ثم وصف زهده بقوله :" ماتت لــه زوجة ، فلم يأخذ من ميراثها شيئاً ، وكان يأكل الخبز البحت ، فهزل في ذلك، فصار يأكله بالزيت" .

وقال اليافعي : " عالم أهل خراسان ، كان سيداً ، زاهداً ، قانعاً" .

وأثنى عليه ابن السبكي في طبقات الشافعية بقوله :

"وكـــان إمامــاً جليلاً ، ورعاً ، زاهداً ، فقيهاً ، محدثاً ، مفسراً ، جامعاً بين العلم والعمل ، سالكاً سبيل السلف ، لـــه في الفقه اليد الباسطة" .

وقـــال عنه الداودي : "كان إماماً في الحديث ، إمامـــاً في الفقه، جليلاً، ورعاً، زاهداً" .

وذكـــره الــثعالبي بقوله : كان إماماً جليلاً ، فقيهاً ، محدّثاً ، مفسراً ، جامعاً بين العلم والعمل ، سالكاً سبيل السلف" .

وقـــال عــنه الذهبي في تذكرة الحفاظ : "كان من العلماء الربانيين ، كان ذا تعبد ونسك وقناعة باليسير"




أدهم حسن : فضيلة الإمام شكر الله لك .
البغوي : نسأل الله الإخلاص و القبول لنا ولكم . .......................





رحم الله الإمام البغوي وغفر له وأسكنه فسيح جناته, آمين







سؤال الحلقة :
في أي سنة توفي الإمام البغوي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟





هدية الحلقة :
كتاب معالم التنزيل للإمام البغوي
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=6&book=632






شكر وعرفان :
أشكر الأخت إشراقة أمل على تفاعلها وردها وأيضا إتيانها بالإجابة الصحيحة لسؤال الحلقة الماضية .



وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد


 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
وقفة مع ايات من تفسير ضيف الحلقة :
38-قال الله تعالى :"هنالك" أي عند ذلك "دعا زكريا ربه" فدخل المحراب (واغلق الباب) وناجى ربه"قال رب" أي يا رب"هب لي" اعطني"من لدنك" أي من عندك "ذرية طيبة" أي ولداً مباركاً تقياً صالحاً رضياً، والذرية تكون واحداً وجمعاً ، ذكراً وأنثى وهو ها هنا واحد ، بدليل قوله عز وجل " فهب لي من لدنك ولياً"(5-مريم) وانما قال : طيبة لتانيث لفظ الذرية " إنك سميع الدعاء"أي سامعه ، وقيل مجيبه ، كقوله تعالى :"إني آمنت بربكم فاسمعون " (25-يس )أي فأجيبوني.
39-" فنادته الملائكة " قرأ حمزة والكسائي فناداه بالياء ، والآخرون بالتاء ، فمن قرأ بالتاء فلتأنيث لفظ الملائكة وللجمع مع أن الذكور إذا تقدم فعلهم وهم جماعة كان التأنيث فيها احسن كقوله تعالى :"قالت الأعراب" (14-الحجرات) وعن إبراهيم قال: كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما يذكر الملائكة في القرآن قال :أبو عبيدة: انما نرى عبد الله اختار ذلك خلافاً للمشركين في قولهم الملائكة بنات الله تعالى ، وروى الشعبي إن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إذا اختلفتم في التاء والياء فاجعلوها ياء وذكروا القرآن. وأراد الملائكة ها هنا: جبريل عليه السلام وحده ، كقوله تعالى في سورة النحل " ينزل الملائكة" يعني جبريل "بالروح" بالوحي، ويجوز في العربية أن يخبر عن الواحد بلفظ الجمع كقولهم : سمعت هذا الخبر من لأناس ، وإنما سمع من واحد ، نظيره قوله تعالى :" الذين قال لهم الناس"(173- آل عمران) يعني نعيم بن مسعود"إن الناس" يعني أبا سفيان بن حرب وقال الفضل بن سلمة : إذا كان القاتل رئيساً يجوز الأخبار عنه بالجمع لاجتماع أصحابه معه ، وكان جبريل عليه السلام رئيس الملائكة وقل ما يبعث إلا ومعه جمع ، فجرى على ذلك. قوله تعالى:"وهو قائم يصلي في المحراب" أي في المسجد وذلك أن زكريا كان الحبر الكبير الذي يقرب القربان ، فيفتح باب المذبح فلا يدخلون حتى بأذن لهم في الدخول ، فبينما هو قائم يصلي في المحراب ، يعني في المسجد عنه المذبح يصلي، والناس ينتظرون إن يأذن لهم في الدخول فإذا هو برجل شاب عليه ثياب بيض ففزع منه فناداه ، وهو جبريل عليه السلام ، يا زكريا"إن الله يبشرك"قرأ ابن عامر وحمة (إن الله) بكسر الألف على إضمار القول تقديره : فنادته الملائكة فقالت " إن الله يبشرك" وقرأ الآخرون بالفتح بإيقاع النداء عليه ، كأنه قال : فنادته الملائكة بان الله يبشرك قرأ حمزة يبشرك وبابه بالتخفيف كل القرآن إلا قوله :" فبم تبشرون" (54-الحجر) فإنهم اتفقوا على تشديدها ووافقة الكسائي هاهنا في الموضعين وفي سبحان والكهف وعسق ووافق ابن كثير وأبو عمرو في "عسق" والباقون بالتشديد ، فمن قرا بالتشديد فهو من بشر يبشر تبشيراً ، وهو أعرب اللغات وأفصحها . دليل التشديد قوله تعالى " فبشر عباد " (الزمر -17)"وبشرناه بإسحاق" (112-الصافات) قالوا "بشرناك بالحق"(55-الحجر) وغيرها من الآيات ومن خفف فهو من بشر يبشر وهي لغة تهامة ، وقرأه ابن مسعود رضي الله عنه "بيحيى" هو اسم لايجر لمعرفته وللزائد في اوله مثل يزيد ويعمر، وجمعه يحيون مثل موسون وعيسون ، واختلفوا في أنه لم سمي يحيى ؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما : لأن الله احيا به عقر أمه ، قال قتادة :لأن الله تعالى أحيا قلبه بالإيمان وقيل: لأن الله تعالى أحياه بالطاعة حتى لم يعص ولم يهم بمعصية "مصدقاً" نصب على الحال "بكلمة من الله " يعني عيسى عليه السلام سمي عيسىكلمة الله لن الله تعالى قال له : كن من غير أب فكان ، فوقع عليه اسم الكلمة لأنه بها كان ، وقيل: سمي كلمة لأنه يهتدى به كما يهتدى بكلام الله تعالى اخبر الأنبياء بكلامه في كتبه انه يخلق نبياً بلا أب ، فمساه كلمة لحصوله بذلك الوعد . وكان يحيى عليه السلام اول من آمن بعيسى عليه السلام وصدقه ، وكان يحيى عليه السلام اكبر من عيسى بستة اشهر وكانا ابني الخالة ، ثم قتل يحيى قبل ان يرفع عيسى عليه السلام ، وقال ابو عبيدة "بكلمة من الله" أي بكتاب من الله وآياته ، تقو العرب: انشدني كلمة فلان أي قصيدته. قوله تعالى:"وسيداً" هو فعيل من ساد يسود وهو الرئيس الذي يتبع وينتهي الى قوله قال المفضل : أراد سيداً في الدين قال الضحاك : السيد / الحسن الخلق. قال سعيد بن جبير : السيد الذي يطيع ربه عز وجل .وقال سعيد بن المسيب : السيد الفقية العالم ، وقال قتادة سيد في العلم والعبادة والورع ، وقيل : الحليم الذي لا يغضه شئ . قال مجاهد: الكريم على الله تعالى ، وقال الضحاك : السيد التقي، قال سفيان الثوري : الذي لايحسد وقيل: الذي يفوق قومه في جميع خصال الخير ،وقيل: هو القانع بما قسم الله له وقيل: السخي ، "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سيدكم يابني سلمة ؟ قالوا: جد بن قيس على أنا نبخله قال: وأي داء أدوأ من البخل، لكن سيدكم عمرو بن الجموح". قوله تعالى :"وحصوراً ونبياً من الصالحين" الحصور أصله من لا حصر وهو الحبس و الحصور في قول ابن مسعود رضي الله عنه وابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة رضي الله عنهم وعطاء والحسن : الذي لا يأتي النساء ولا يقربهن، وهو على هذا القول فعول بمعنى فاعل يعني انه يحصر نفسه عن الشهوات (وقيل: هو الفقير الذي لا مال) له فيكون الحصور بمعنى المحصور يعني الممنوع من النساء قال سعيد بن المسيب:كان له مثل هدبة الثوب وقد تزوج مع ذلك ليكون أغض لبصره .وفيه قول آخر:أن الحصور هو الممتنع من الوطء مع القدرة عليه واختار قوم هذا القول لوجهين (أحدهما): لأن الكلام خرج مخرج الثناء ، وهذا أقرب إلى أستحقا الثناء، و(الثاني) :أنه أبعد من إلحاق الآفة بالأنبياء.
40-قوله تعالى:"قال رب" أي يا سيدي،قال لجبريل عليه السلام ، هذا قول الكلبي وجماعة وقيل: قال لله عز وجل " أنى يكون " من أين يكون"لي غلام" أي ابن " وقد بلغني الكبر" هذا من المقلوب أي وقد بلغت الكبر وشخت كما يقال بلغني الجهد وقيل: معناه وقد نالني الكبر و أدركني وأضعفني .قال الكلبي : كان زكريا يوم بشر بشر بالولد إبن ثنتين وتسعين سنة ، وقيل :ابن تسع وتسعين سنة . وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : كان ابن عشرين ومائة نسة ، وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة فذلك قوله تعالى :"وامرأتي عاقر" أي عقيم لا تلد يقال : رجل عاقر وامرأة عاقر، وقد عقر بضم القاف يعقر عقراً وعقارة قال :" ويفعل الله ما يشاء " فإن قيل لم قال زكريا بعدما وعده الله تعالى (أنى يكون لي غلام) أكان شاكاً في وعد الله وفي قدرته ؟قيل:إن زكريا لما سمع نداء الملائكة جاءه الشيطان فقال: يا زكريا ان الصوت الذي سمعت ليس هو من الله إنما هو من الشيطان ، ولو كان من الله لأوحاه إليك كما يوحي عليك في سائر الأمور ، فقال ذلك دفعاً للوسوسة ، قاله عكرمه والسدي وجواب آخر: وهو انه لم يشك في وعد الله إنما شك في كيفيته ، أي كيف ذلك؟
41-قوله تعالى:"قال : رب اجعل لي آية" أي علامة أعلم بها وقت حمل امرأتي فأزيد في العبادة شكراً لك " قال آيتك أن لا تكلم الناس " تكف عن الكلام"ثلاثة أيام" وتقبل بكليتك على عبادتي، لا أنه حبس لسانه عن الكلام ، ولكنه نهي عن الكلام وهو صحيح سوي ، كما قال في سورة مريم الآية (10) " أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا " يدل عليه قوله تعالى :" وسبح بالعشي والإبكار " فأمره بالذكر ونهاه عن كلام الناس. وقال أكثر المفسرين: عقل لسانه عن الكلام مع الناس ثلاثة أيام ، وقال قتادة : أمسك لسانه عن الكلام عقوبة له لسؤاله الآية بعد مشافهة الملائكة إياه فلم يقدر على الكلام ثلاثة أيام ، وقوله "إلا رمزاً" أي إشارة والإشارة قد تكون باللسان وبالعين وباليد ، وكانت إشارته بالإصبع المسبحة وقال الفراء: قد يكون الرمز باللسان من غير أن يبين وهو الصوت الخفي أشبه الهمس ، وقال عطاء:أراد به صوم ثلاثة أيام لأنهم كانوا اذا صاموا لم يتكلموا الا رمزاً" واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار" قيل: المراد بالتسبيح الصلاة، والعشي ما بين زوال الشمس إلى غروب الشمس ومنه سمى صلاة الظهر والعصر صلاتي العشي ، والإبكار ما بين صلاة الفجر إلى الضحى.
42-قوله تعالى:"وإذ قالت الملائكة " يعني جبريل"يا مريم إن الله اصطفاك" اختارك " وطهرك" قيل من مسيس الرجال وقيل من الحيض والنفاس ، قال السدي : كانت مريم لا تحيض ، و قيل : من الذنوب "واصطفاك على نساء العالمين"قيل: على عالمي زمانها وقيل: على جميع نساء العالمين في إنها ولدت بلا أب ولم يكن ذلك لأحد من النساء، وقيل: بالتحرير في المسجد ولم تحرر أنثى . أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنااحمد بن عبد الله النعيمي، اخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنامحمد بن إسماعيل ،أخبرنااحمد بن رجاء ،أخبرنا النضر عن هشام ، أخبرنا ابي قال : سمعت عبد الله بن جعفر، قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة رضي الله عنهما" ورواه وكيع وابو معاوية عن هشام بن عروة وأشار وكيع إلى السماء والأرض. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا احمد بن عبد الله النعيمي ،،أخبرنامحمد بن يوسف ،أخبرنا محمد بن إسماعيل ،أخبرنا آدم ،أنا شعبة عنعمرو بن مرة عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ". أخبرنا ابو سعيد عبد الله بن احمد الطاهري ، أخبرنا جدي عبد الرحمن بن عبد الصمد البزار،أخبرنا محمد بن زكريا العذافري،أخبرنا إسحاق الديري ،أخبرنا عبد الرزاق ،أخبرنامعمر، عنقتادة عن انس رضي الله عنهما إن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وآسية امرأة فرعون".
43-قوله تعالى :"يا مريم اقنتي لربك" قالت لها الملائكة شفاها أي أطيعي ربك ، وقال مجاهد أطيلي القيام في الصلاة لربك ،(والقنوت الطاعة) وقيل: القنوت طول القيام قال الأوزاعي : لما قالت لها الملائكة ذلك ، قامت الصلات حتى ورمت قدماها وسالت دماً وقيحاً"واسجدي واركعي" قيل: إنما قدم السجود على الركوع لأنه كان كذلك في شريعتهم ، وقيل: بل كان الركوع قبل السجود في الشرائع كلها ، وليس الواو للترتيب بل للجمع ، ويجوز أن يقول الرجل: رأيت زيداً وعمراً ، وان كان قد رأى عمراً قبل زيد " مع الراكعين" ولم يقل/ مع الراكعات ليكون اعم واشمل فإنه يدخل فيه الرجال والنساء ، وقيل : معناه مع المصلين في الجماعة.
44-قوله تعالى:"ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك" يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم (ذلك) الذي ذكرت من حديث زكرياويحيى ومريم وعيسى( من أنباء الغيب) أي من أخبار الغيب (نوحيه إليك) رد الكناية إلى ذلك فلذلك ذكره "وما كنت" يا محمد" لديهم إذ يلقون أقلامهم" سهامهم في الماء للاقتراع" أيهم يكفل مريم" يحضنها ويربيها"وما كنت لديهم إذ يختصمون" في كفالتها.
45-قوله تعالى:" إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم " إنما قال: إسمه رد الكناية إلى عيسى ، واختلفوا في أنه لم يسمي مسيحاً ، منهم من قال: هو فعيل بمعنى المفعول يعني أنه مسح من الأقذار وطهر من الذنوب ، وقيل : لأنه مسح بالبركة، وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحاً بالدهن ، وقيل مسحه جبريل بجناحه حتى لم يكن للشيطان عليه سبيل، وقيل: لأنه كان مسيح القدم لا أخمص له ، وسمى الدجال مسيحاً لأنه كان ممسوح إحدى العينين ، وقال بعضهم هو فعيل بمعنى الفاعل ، مثل عليم وعالم . قال ابن عباس رضي الله عنهما سمي مسيحاً لأنه ما مسح ذا عاهة إلا برأ، وقيل : سمي بذلك لأنه كان يسيح في الأرض ولا يقيم في مكان ، وعلى هذا القول تكون الميم فيه زائدة. وقال ابراهيم النخعي: المسيح الصديق ويكون المسيح بمعنى الذاب وبه سمي الدجال والحرف من الأضداد "وجيهاً" أي شريفاً رفيعاً ذا جاه وقدر" في الدنيا والآخرة ومن المقربين" عند الله ( من تفسير البغوي)
 
أشكر أخي صاحب الموضوع على اجتهاده في عرض المادة العلمية، وأسأل الله تعالى أن يثيبه على قصده، لكن هذه الطريقة في العرض فيها مخالفات ومحاذير، ولذلك لو استبدلها بطريقة يحصل بها المقصود ويسلم بها من المحذور لكان في ذلك خير كثير بإذن الله.

وأنبه إلى أن أبا القاسم البغوي غير أبي محمد البغوي صاحب التفسير.
فأبو القاسم البغوي هو عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي (توفي سنة 317هـ) محدث مشهور، من أشراف الفرس، جد أبيه المرزبان بن سابور بن شاهنشاه.
وعمه أبو الحسن علي بن عبد العزيز البغوي(ت:286هـ) صاحب المسند الكبير، وهو راوية أبي عبيد القاسم بن سلام روى عنه بعض كتبه.
وأبو القاسم متقدم بنحو قرنين عن أبي محمد البغوي صاحب التفسير المتوفى سنة 516 هـ.
وقد حصل في عرض المؤلفات خلط بين الرجلين.
فأما الجعديات ومعجم الصحابة والسنن على مذاهب الفقهاء فهي لأبي القاسم البغوي.
وأما معالم التنزيل وشرح السنة فهما لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي .
وكلاهما مقرئ محدث فقيه، لكن اشتهر أبو محمد بالتفسير، واشتهر أبو القاسم بالحديث، وإذا أطلق البغوي عند المحدثين أريد به أبو القاسم، وإذا أطلق عند المفسرين أريد به أبو محمد.
 
عودة
أعلى