الحلقة الثامنة من ( المهمات في علوم القرآن)لفضيلة الشيخ خالد السبت

إنضم
03/04/2003
المشاركات
34
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الأحرف والقراءات

أولاً : معنى الأحرف
* الحرف في اللغة يطلق على الحد, فحد السيف يعني طرفه الذي يقطع به ، و منه الحد الذي هو الوجه , تقول: من الناس من يعبد الله على حرف ، يعني على وجه واحد ، أي إن كان في حال السراء والخير والرغد والنعمة فهو يلهج بحمد الله قائما وقاعدا, وإذا كانت الأمور في غير صالحه نكص على عقبيه , فهو يعبد الله عز وجل على حرف واحد ووجه واحد. هذا على بعض المعاني التي ذُكرت في قوله تعالى: ( ومن الناس من يعبد الله على حرف).
* أما معنى نزول القرآن على سبعة أحرف فقد سرد فيه بعضهم كالسيوطي في الإتقان أربعين قولاً ، وكثير من هذه الأقوال ساقطة بعيدة ، والذي أظنه أقرب هذه الأقوال أن يقال: معنى الأحرف السبعة: أي سبعة أوجه من وجوه التغاير..ـ وسيأتي بيان المراد بوجوه التغاير ـ وهذا قال به أئمة كبار من أشهرهم: خاتمة المقرئين ابن الجزري رحمه الله، وأبو الفضل الرازي، ومكي ابن أبي طالب، وجماعة كثيرة من المحققين يصعب حصرهم وسيأتي بيان ذلك .
ثانياً : معنى القراءات
* أما القراءات فهي جمع قراءة .. والمراد بها هنا بعض الأحرف السبعة ـ وسيأتي الفرق بين الأحرف والقراءات ـ ويمكن أن نعرفها فنقول: هي اختلاف ألفاظ الوحي ( القرآن ) في الحروف أو كيفيتها من تخفيف و تشديد وغيرهما. أو يُقال كما عرّفها ابن الجزري رحمه الله بقوله : هي علم بكيفيات آداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة. أو يقال : هي مذهب من مذاهب النطق في القرآن يذهب به إمام من الأئمة القراء مذهباً يخالف غيره.
فالأحرف السبعة: هي سبعة أوجه من وجوه التغاير. والعلماء الذين قالوا بهذا القول حاولوا أن يحددوا الأحرف السبعة عن طريق الاستقراء ، فنظروا في القراءات الموجودة ودققوا النظر في الفروقات التي بينها ، فكلما وجدوا فرقاً من الفروقات أخذوه وقالوا هذا واحد، وإذا وجدوا فرقاً ثانياً أخذوه ، وهكذا حتى جمعوا سبعة أوجه من وجوه التغاير.
وقد حاول كثير ممن قال بهذا القول أن يستقرئ القراءات الموجودة ويستخرج وجوه المغايرة فيها ثم يُعدد بعد ذلك سبعة أوجه من وجوه التغاير، ففعل ذلك عامتهم ولم أرَ أحداً تركه على سبيل الحصر والتحديد إلا أبو عمرو الداني رحمه الله في كتابة الأحرف السبعة، فإنه لما ذكر هذا المعنى . وهو أن معنى الأحرف هي سبعة أوجه من وجوه التغاير. قال مثل : كذا وكذا وكذا وكذا. أما بقية من رأيت فهم يذكرونها على سبيل الحصر، وهذا فيه إشكال وهو أن هذه الأوجه التي يذكرونها إنما يستنبطونها هم من خلال النظر إلى هذه القراءات، ونحن نعرف أن بقية الأحرف الستة استغنى الصحابة رضي الله عنهم عنها كما سيأتي .. فما عندنا إلا بعض الأحرف السبعة .. فالاستقراء غير تام.
ثم إن المشاهد أن هؤلاء العلماء الذين استقرؤا قد تفاوت استقراؤهم؛ ولذا لم يتفقوا على سبعة أوجه محددة.. ثم إذا نظرت إلى الأوجه التي يذكرون تجد أن بعضها يمكن أن يتداخل، ومن ثم فالأحسن إذا أردنا أن نذكر هذه الأوجه أن نذكرها على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر؛ لأن الحصر فيه شئ من التحكم، وهو استقراء غير تام ..ومن ثم يصعب فيه التحديد .. وإنما نمثل لهذه الأوجه، كأن نقول:
1- مثل اختلاف الأسماء في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث. مثاله قوله تعالى: ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) وفي القراءة الأخرى ( والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون ) فالأولى بالجمع ( لأماناتهم ) وفي القراء ة الثانية بالإفراد ( لأمانتهم ) فهذا وجه من وجوه التغاير، وهو أن الاسم الواحد قد يذكر في حرف مجموعاً، وقد يكون مفرداً في حرف آخر في نفس الآية فتقرأ على وجهين .
2- اختلاف تصريف الأفعال بين ماضي ومضارع وأمر، مثاله قوله تعالى: ( فقالوا ربنا باعِد بين أسفارنا ) هذا فعل طلب (باعِد) يطلبون الله أن يباعد بين أسفارهم لبطرهم، فهم ملّوا قرب الأسفار. وفي القراءة الأخرى ( ربُنا باعَدَ بين أسفارنا ) فهم جحدوا هذه النعمة وأخبروا بضدها بَاعَدَ – فعل ماضي. وفي القراءة الثالثة ( ربُنا بعَّد بين أسفارنا ) ما الفرق بين( بعَّدَ) و(بَاعَدَ) ؟ بعّد فيها تشديد، وزيادة المبنى لزيادة المعنى، كأنهم يقولون: بينها بعد كثير .

3- اختلاف وجوه الإعراب، و مثاله ( ذو العرش المجيدُ) وفي القراءة الثانية: ( ذو العرشِ المجيدِ) فالمجيد في القراءة الأولى تكون عائدة إلى الله تعالى، فهو موصوف بأنه مجيد، لأنها جاءت مرفوعة، وفي القراءة الأخرى: ( ذو العرش المجيدِ ) فالعرش مجرور لأنه مضاف إليهِ، وصار( المجيد ) بهذه القراءة صفة للعرش .. فهذا اختلاف وجوه الإعراب.ومن ذلك أيضا قوله تعالى : ( فتلقى آدمُ من ربه كلماتٍ ) فآدم هو المتلقي، والكلمات المُتلقَّى. وفي القراءة الثانية المتواترة : ( فتلقى آدمَ من ربه كلماتٌ ) فالكلمات هي التي تلقت آدم عليه الصلاة والسلام .
4- الاختلاف في النقص والزيادة، وكله من كلام الله الذي تكلم به وأنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم، فلم ينقصها ولم يزدها أحد من البشر، فكلُّه في المُنزّل، فهذا وجه، وهذا وجه. مثاله: الله عز و جل يقول في سورة براءة ( تجري من تحتها الأنهار) وفي القراءة الأخرى : ( تجري تحتها الأنهار) في نفس الآية .. ومن ذلك قوله تعالى ( وما خلق الذكر والأنثى ) وفي قراءة غير متواترة ( والذكر والأنثى ) فهذا فيه زيادة ونقص من هذا الوجه .
5- الاختلاف في التقديم والتأخير، ومثاله: ( وجاءت سكرة الموت بالحق ) وفي قراءة غير متواترة: (وجاءت سكرة الحق بالموت).
6- الاختلاف في الإبدال، فتُبدل كلمة مكان كلمة، كقول الله عز وجل: ( وانظر إلى العظام كيف ننشزها ) وفي القراءة الأخرى: ( كيف ننشرها ) بالراء ..ومن ذلك قوله تعالى : ( وطلح منضود ) و في غير المتواتر: ( وطلع منضود ) بالعين .
7- اختلاف اللهجات واللغات بالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والإظهار والإدغام.. فمثلاً الله عز وجل يقول : ( وهل أتاك حديث موسى ) وبالإمالة ( وهل أتيك حديث موسى ) ومن ذلك ( بلى قادرين على أن نسوي بنانه) بالإمالة وتركها، فهذا في الأداء.
ثالثاً : روايات حديث الأحرف السبعة :
النبي صلى الله عليه وسلم صحّ عنه أحاديث في أن القرآن أُنزل على سبعة أحرف، وهذه الأحاديث رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوٌ من عشرين صحابياً منهم :عمر، وعثمان ،وعلي، وأبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وأبو هريرة ، ومعاذ، وهشام بن حكيم ، وابن عباس ، وعمرو بن العاص ، وحذيفة ، وعبادة ، وسليمان بن صُرد ، وأبو بكرة ، وأبو طلحة الأنصاري ، وأنس بواسطة أُبي ، وسمرة بن جندب ، وأبو جهيم الأنصاري ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأم أيوب.
*الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف: هناك حكم كثيرة، منها:
1- التيسير على الأمة .. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل – عليه السلام - لما أقره على حرف: إن أمتى لا تطيق ذلك. فقال : اقرأ القرآن على حرفين – ثم استزاده النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ سبعة أحرف – فهذا تخفيف ... وتصور الآن الناس في ذلك الوقت بمختلف لهجاتهم وقد شاب الواحد منهم على لهجة معينة لا يستطيع أن ينطق بغيرها .. وأردت أن تصلح لسانه بنطق الكلمات على الوجه الذي لم يعهده!! ومن ثم فإن الأحرف الستة الباقية ما نزلت إلا في المدينة لكثرة الداخلين في الإسلام ، بينما في مكة كان النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش وهم أفصح العرب، فنزل القرآن بحرف قريش.
2- تنوع المعاني: فمثلاً قوله تعالى: ( وكأيّن من نبي قُتِلْ) هذه قراءة متواترة ( وكأين من نبي قُتِل معه ربيون كثير فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ) فإذا وقفت على (قُتِل) فالمعنى: قُتل نبيهم، وله أتباع كثير فما ضَعُفوا لقتل نبيهم، وما فتّ ذلك في أعضادهم، بل استمروا على نفس الطريق ، وماتوا عليه. وتحتمل معنى آخر على الوصل: ( وكأين من نبي قُتِلَ معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم) أي: أن جماعات كثيرة من أتباع هذا النبي قُتِلُوا، أما الأحياء فبقوا صامدين ثابتين لم يفت ذلك في أعضادهم .. لاحظ كيف اختلف المعنى. وعلى القراءة الأخرى المتواترة: ( وكأين من نبي قَاتَل معه ِربِّيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ) أي من الجراح والقتل والهزيمة وما إلى ذلك. وهناك مثال قد سبق معنا في قوله تعالى : ( وقالوا ربُنا باعَد بين أسفارنا ) على سبيل الإخبار ( وقالوا رَبَّنا باعِد ) على سبيل الدعاء .. ( وقالوا ربنا بعَّدَ بين أسفارنِا) فالمعاني اختلفت. وهكذا الله عز وجل يقول: ( فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) ( فبذلك فليفرحوا ) بمعنى أهل الإيمان ( هو خير مما يجمعون ) خير مما يجمع أهل الإشراك .. افرحوا بما أنعم الله عليكم من الإيمان وبفضل الله وبرحمته من بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وإنزال القرآن، وهدايتكم لهذا الدين. وفي القراءة الثانية: ( فبذلك فليفرحوا هو خير مما تجمعون ) يمكن أن يكون الخطاب لأهل الإيمان .. ( هو خير مما تجمعون ) فيكون المعنى:أي: خير مما تجمعون يا أهل الإيمان من الدنيا ، و يمكن أن يكون الخطاب لأهل الإشراك، فبذلك فليفرح أهل الإيمان، هو خير مما تجمعون أيها الكفار . وفي القراءة الثالثة: ( فبذلك فلتفرحوا - يا أهل الإيمان – هو خير مما تجمعون ) من الدنيا. فلاحظ المعاني كيف كثرت في هذه القراءات .
خذ مثالاً آخر في تكثير المعاني في قول الله عز وجل عن نوح صلى الله عليه وسلم لما دعا ربه أن ينجي ابنه الذي غرق ، قال الله له: ( إنه عَمَلٌ غَيرَ صالح ) ما هو العمل غير الصالح ؟ . كثير من المفسرين يقول : المعنى : السؤال يا نوح، أي دعاؤك بنجاة ابنك عمل غير صالح فكيف تطلب نجاة كافر (إنه عمل غير صالح )، والقراءة الثانية ( إنه عََمِل غَيرَ صالح ) أي أَشْرَكَ، فكيف تسألني نجاته وقد عمل غير صالح فلا يستحق النجاة. لاحظ المعنى كيف اختلف . ومن الأمثلة على تكثير المعاني قوله تعالى: ( ولا تقربوهن حتى يَطْهُرن) والقراءة الثانية المتواترة أيضاً: (حتى يطَّهَرن) يعني يتطهرن ، فهذا فيه زيادة ، وزيادة المبنى لزيادة المعنى ، ومعنى (حتى يَطْهُرن) أي بانقطاع الدم , وهل يكفي هذا حتى يأتيها زوجها؟ الجواب:لا ، فلابد من شيء آخر وهو الاغتسال من الحيض (حتى يَطَّهرن) فدل ذلك على وجوب الاغتسال من الحيض حتى تكون مباحة لزوجها .
ومن ذلك قول الله عز وجل: (وامسحوا برؤسِكم و أرجلِكمُ) ( اغسلوا وجوهكم ) منصوبة (وامسحوا برُؤُسِكُم) مجرورة بحرف الباء (وأرْجُلِِكُم) معطوفة على الرأس فالرجل تُغسل، فعلى قراءة الجر هذه يمكن أن يكون فيه إشارة إلى المسح على الخفين ؛ لأن الرجل لها حالتان : إما الغسل، أو المسح في حال الجوربين والخفين ، والغسل إذا كانت متجردة عنهما , فقراءة (وأرْجُلِِكُم) يمكن أن يستدل بها على المسح على الجوربين والخفين ، أما قراءة ( وأرْجُلَكُم) فهي معطوفة على المنصوبات التي قبلها ( اغسلوا وجوهََكم وأيديًَكم) يعني وأرَجُلَكُم، فجاء بالممسوح الذي هو الرأس بينها مما يدل على اشتراط الترتيب ولولا ذلك لذكر المغسولات سرداً ثم ذكر الممسوح بعدها .
3- ومن فوائد وحكم القراءات : أنها حفظت لغة العرب ؛ ولهذا نجد بعض المواضع في القرآن تأتي الكلمة مرفوعة وفي بعضها منصوبة في بعض الأوجه في القراءات، فهذه على لغة تميم ، وتلك على لغة الحجاز وهكذا...
4- ومن الفوائد أيضاً: بيان الأحكام، كقول الله عز وجل : ( وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) الرجل يورث كلاله يعني من تكلله النسب و أحاط به، فليس له أصل ولا فرع وارث، فمن يرثه؟! يرثه الحواشي , فهنا الله عز وجل يقول : ( إن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) والأخ أو الأخت لابد أن يكون لأم في مسألة الكلالة، فهذا الذي يرث السدس ؛ ولهذا جاء: (وله أخ أو أختٌِ من أم) في قراءة سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه - .
وإليك مثال آخر في كفارة اليمين وهو قوله تعالى: ( فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة) – فلم يذكر هل هي كافرة أو مؤمنة ؟! وفي قراءة ليست متواترة : ( أو تحرير رقبة مؤمنة ).
مثال آخر: من لم يستطع العتق أو الإطعام أو الكسوة في كفارة اليمين ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ) ففي قراءة غير متواترة لكنها صحيحة الإسناد: ( ثلاثة أيام متتابعات) فيجب التتابع بالصوم في كفارة اليمين.
وأحياناً يحصل الجمع بين حكمين مختلفين بمجموع القراءتين، مثل : ( فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يَطْهُرن) وفي القراءة الأخرى : ( حتى يَطَّهَرن) فصار لابد من الأمرين، وهما انقطاع الدم و الاغتسال.
5- ومن الفوائد أيضاً: دفع ما قد يتوهم من المعاني التي لم يردها الله كقول الله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) فالسعي يطلق على ما دون العدو، يعني السير السريع، كقوله تعالى : ( وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى) يعني يمشي بسرعة . مع أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى أ ن نسعى للصلاة ( لا تأتوهها وأنتم تسعون ) وأمرنا بأن نأتيها بحال من السكينة والوقار , فهل السعي - أي المشي بسرعة - لصلاة الجمعة هل هو مراد؟! الجواب:لا , يوضحه القراءة الأخرى غير المتواترة : ( فامضوا إلى ذكر الله ) فالمراد بالسعي إذاً هو العمل على حضورها وترك التشاغل عنها بالبيع وسائر العقود .
6- ومن الفوائد أيضاً: أن يتبين بذلك لفظ مبهم، كقول الله عز وجل ( وتكون الجبال كالعهن المنفوش) ما معنى العهن؟ في قراءة غير متواترة : ( وتكون الجبال كالصوف المنفوش) فالعهن فسرته القراءة الأخرى أنه الصوف.
7- ومن ذلك أيضاً: بيان أصل من الأصول أو عقيدة من العقائد لربما خالف فيها بعض المنحرفين كقول الله عز وجل ( وإذا رأيت ثَمَّ رأيت نعيماً ومُلكاً كبيرا) يعني في الجنة . وفي القراءة الأخرى: ( وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً ومَلِكاً كبيرا) وهذا فيه دليل على إثبات رؤية الله عز وجل لأهل الجنة ، وفيه رد على من أنكر ذلك.
8- ومن ذلك أيضا: أن القرآن معجز، فكل وجه من هذه الوجوه منزل ، فهو معجزة ، فتعددت وجوه الإعجاز، فكان ذلك من تعدد المعجزات .



منشأ القراءات
إذا عرفت بأن القراءات السبع ليست هي الأحرف السبعة فكيف وُجِدَت هذه القراءات؟! فنقول وبالله التوفيق: أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – تلقوا القرآن منه، وبرز منهم واشتهر بذلك طائفة ذكر الذهبي – رحمه الله- منهم في كتابه ( معرفة القراء الكبار ) سبعة: وهم ( عثمان ، وعلي ، وأُبيّ ، وزيد بن ثابت ، وأبو الدرداء ، وابن مسعود ، وأبو موسى) فهؤلاء من المشاهير، كما قرأ عليهم جماعة من الصحابة رضي الله عنهم كأبي هريرة ، و ابن عباس ، و عبد الله بن السائب ، كما أن زيداً أخذ عنه ابن عباس أيضاً, وهؤلاء الصحابة قرأ عليهم كثير من التابعين .
ولما كانت خلافة عثمان بن عفان – رضي الله عنه – بعث بعدد من المصاحف إلى عدد من الأمصار، وبعث بعدد من القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تلك الأمصار وقبل ذلك كان قد قدم إلى تلك الأمصار، جماعة من الصحابة فأقرؤوا الناس، فأرسل عثمان رضي الله عنه عبد الله بن السائب المخزومي إلى مكة فجلس يُقرئ فيها إلى سنة 70هـ ، وأرسل المغيرة بن شهاب إلى الشام فأقرأ فيها إلى سنة 91 هـ ، وأقرأ فيها أبو الدرداء حتى سنة 32 هـ ، وكان قد أقرأ فيها أيضاً عبادة بن الصامت، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم ، وكان قد بعث الثلاثة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل عثمان ، فأقرأ عبادة بحمص ، وأبو الدرداء بدمشق ، ومعاذ بفلسطين. كما أن عثمان رضي الله عنه أرسل أيضاً أحد تلامذته وهو أبو عبد الرحمن السلمي إلى الكوفة فأقرأ فيها حتى سنة 74 هـ ، وقبله أقرأ فيها ابن مسعود رضي الله عنهم حتى أوائل سنة 30 هـ ، وأقرأ أبو موسى الأشعري بالبصرة حتى سنة 44 هـ .
هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم كان الناس يتوافدون عليهم بأعداد كبيرة يقرؤون عليهم . خذ مثالاً واحداً على هذه الكثرة : فقد ذكر الذهبي في( معرفة القرّاء الكبار) - وهو كتاب مطبوع في مجلدين - بأن حلقة أبي الدرداء بدمشق بلغت 1600 تلميذ يتلقون من أبي الدرداء رضي الله عنه , فكثر القراء وانتشروا في جميع الأمصار ، وجاء أقوام وتلقوا عن هؤلاء أيضاً فصاروا كثرة كاثرة في ذلك الحين.
ومع كثرة القراء ما احتاجوا إلى تحديد عدد معين ينسبون القراءة إليهم ، أويحصرون الأخذ و التلقي بهم ، أو غير ذلك مما يتعلق بالتخصيص، فلما كثر تلامذتهم ، وضعفت الهمم ، وكثر القراء جداً ، واتسعت دائرة الرواية ، و تشعبت الأسانيد ، وكثر الرواة احتاج الناس إلى ضبط هذا الباب حتى لا يختلط على الناس ، فتفرغ عدد من كبار المحققين لتتبع الروايات والطرق والأخذ عن المتقنين وضبط القراءة. وَوُجِدَ من هؤلاء كثير، فهذا التتبع والاستقراء أبرز لنا عدداً من الأئمة تميزوا عن بقية القراء بكثرة الضبط والدقة والإتقان و الإمامة والأسانيد المتصلة، وهم في الأمصار المشهورة الحافلة بالعلم , وقد تقبّلهم الناس وتلقوا روايتهم بالقبول ؛ لأنهم عرفوا ضبطهم وإتقانهم، فجاء علماء حاولوا أن ينتقوا أبرز هؤلاء القراء وأكثرهم ضبطا ودقة وإمامة وشهرة أيضا مع موافقتهم على أن إخوانهم أيضاً من الضابطين المتقنين قد لا يقلون عنهم في هذه الأمصار : في الحرمين مكة والمدينة ، والكوفة ، والبصرة ، والشام . فمكة فيها أئمة كبار , كعبد الله بن كثير، ومحمد بن عبد الرحمن بن محيصن ، وحميد بن قيس الأعرج , وفي المدينة أبو جعفر يزيد بن القعقاع ، وشيبه بن نصاح ، ونافع ابن أبي نعيم ، وفي الكوفة يحيى بن وثاب ، وعاصم بن أبي النجود ، والأعمش ، وحمزة بن حبيب الزيات ،وعلي بن حمزة الكسائي ، وفي البصرة عبد الله بن أبي اسحاق الحضرمي، وأبوعمرو بن العلاء ، وعاصم الجحدري ، ويعقوب الحضرمي , وفي الشام عبد الله بن عامر اليحصبي ، وعطية بن قيس الكلابي ، ويحيى بن حارث الذماري، فكان الناس لا يترددون في إمامة هؤلاء وفي ضبطهم واتقانهم وقبول قراءتهم ، ويتلقون عنهم القراءة بالقبول ، ولهم شيوخ أعلام كالجبال يسندون إليهم ، وتواترت الأسانيد عندهم ، واستفاضت قراءتهم ، فكان هؤلاء من الأئمة المشاهير في هذه الأمصار الحافلة التي هي أشهر ممالك الإسلام في ذلك الوقت .
فماذا حدث بعد ذلك ؟ جاء بعض العلماء وقالوا : هؤلاء كثير أيضاً !! فلماذا لا نختار عدداً قليلاً محدوداً هم خلاصة وصفوة هؤلاء ، ونجمع قراءتهم في كتاب واحد ، وتُعرف هذه القراءة بنسبتها إليهم ؟ فجاء عالم من علماء القراءة يقال له أبو بكر بن مجاهد التميمي البغدادي ، وهو من أئمة القراء توفي سنة 324 أي في أوائل القرن الرابع . فجاء أبن مجاهد متأخرا ورأى الناس ينقلون عن هؤلاء الأئمة الكبار ويقرؤون بقراءتهم ، فاختار من هؤلاء أبرزهم ، فصنف كتاباً مطبوعاً موجوداً بين أيدينا الآن يسمى ( السبعة ) , فاقتصر فيه على سبعة من هؤلاء الكبار، هم نافع, وعبد الله بن كثير، وعبد الله بن عامر، وعاصم بن أبي النجود ، وأبو عمرو بن العلاء . وهؤلاء من الأمصار الخمسة التي هي مكة ، والمدينة ، والكوفة، والبصرة ، والشام, وزاد عليهم حمزة بن حبيب الزيات ، وعلي الكسائي من أهل الكوفة . فكان كتاب ابن مجاهد (السبعة) هو أول كتاب يقتصرعلى السبعة، فأول من سبّع السبعة أبو بكر بن مجاهد.
و لماذا اقتصر على السبعة؟! بعض العلماء رأوا أن الاقتصار على السبعة يوقع العامة في لبس، فيظنون أن هذه القراءات السبع التي عُرفت بعد ذلك أنها هي الأحرف السبعة .وبعض العلماء قالوا: وقع هذا صدفة !! ولا أظنه صدفة ، فقد يكون أراد أن يوافق لفظ الحديث أن القرآن أُنزل على سبعة أحرف ، وإن لم يقصد أن القراءات السبع هي الأحرف السبعة ؛ لكن من باب أن الشيء بالشيء يذكر.. أو أنه فعل ذلك لأنه جاء في بعض الروايات _ ولا تصح الرواية في عدد المصاحف _ أن عثمان كتب سبعة مصاحف.. فأراد أن يوافق ذلك ، لكن البحرين لم يكن فيها قراء ، مع أنه يقال إن عثمان أرسل مصحفاً إلى البحرين وآخر إلى مصر؛ مع أنه في ذلك الوقت لم يكن فيها قراء من المشاهير، فالمقصود أنه لربما قصد بهذا العدد موافقة الحديث، أو أنه أراد أن يوافق هذه الرواية بأن عثمان رضي الله عنه كتب سبعة مصاحف ، فلما لم يجد قارئاً على شرطه في البحرين ومصر .. ماذا صنع؟! أضاف من قراء الكوفة المشاهير قارئين. والله تعالى أعلم.

مع أن أبا بكر بن مجاهد بقي مدة وهو متردد بين علي الكسائي ويعقوب الحضرمي أيهما يقدم في كتابه؟-وكلاهما جبل - ثم قدَّم الكسائي لأن قراءته وقعت لابن مجاهد بعلو إسناد.…وكذلك في اختياره لحمزة دون شيخ حمزة وهو الأعمش، مع أن بعضهم يقدم الأعمش وهو الإمام الكبير- لهذه العلة وهي علوا الإسناد ، مع أن الناس في زمانه– أي ابن مجاهد-كانوا يقدمون أبا جعفر، وشيبة بن نصاح، وابن محيصن ، والأعرج ،والأعمش ،والحسن البصري ، وأبا رجاء العطاردي ، وعطاء بن أبي رباح ، ومسلم بن جندب ، ويعقوب الحضرمي ، وعاصم الجحدري ، ويقرؤون بقراءتهم ، والعلماء ما كانوا يتقيدون بالسبعة ؛ ولهذا فابن جرير الطبري رحمه الله له كتاب اسمه ( الجامع في القراءة ) وضع فيه عشرين إماماً من القراء… وبعضهم وضع ثمانية ، وبعضهم عشرة كابن مهران في كتابه( المبسوط) وهو قبل ابن مجاهد ، لأنه في أول المائة الثالثة ، وهكذا ( الموضح ) لابن أبي مريم جمع فيه ثمانية قراء، وهكذا أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله ، وإسماعيل القاضي المالكي.. فالحاصل أنهم لم يقتصروا على السبعة .
والعلماء بعد ابن مجاهد تلقوا هؤلاء السبعة بالقبول، ولم يتردد أحد في إمامتهم أصلاً لا قبل ابن مجاهد ولا بعده ، وقد اشتهر أن قراءة هؤلاء السبعة متواترة.. ثم بعد ذلك كاد يتفق رأي العلماء بعد ذلك على أن قراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع المدني ، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي ، وخلف أن هؤلاء في غاية الإتقان ، وأن قراءتهم متواترة ؛ ولهذا جاء الشاطبي رحمه الله في كتابه حرز الأماني المشهور- النظم المعروف - ووضع السبعة الذين وضعهم ابن مجاهد ، وجاء أبو عمرو الداني في كتابه التيسير، وكتاب جامع البيان ووضع هؤلاء السبعة… والواقع أن كتاب الشاطبي حرز الأماني نَظْم لكتاب أبي عمرو الداني … كما أن بعض العلماء اعتمد هؤلاء السبعة وزاد عليهم الثلاثة : وهم أبو جعفر، ويعقوب ، وخلف ، فصاروا العشرة الذين ألف فيهم ابن الجزري كتابه النشر في القراءات العشرة … وإذا قيل( القراءات العشر ) فالمقصود السبعة إضافة إلى هؤلاء الثلاثة. فهذه القراءات العشر المعدودة من قبيل التواتر .
*وهنا يرد سؤال ، وهو أنه قد يُقال : كيف وُجد هذا التفاوت في القراءات عند هؤلاء السبعة أو عند غيرهم من القراء الذين ذكرنا وغير من ذكرنا ؟ نقول : إن عثمان رضي الله عنه لما جمع الناس على مصحف واحد، وأرسل مع كل مصحف قارئاً يُقرئ الناس ، وطالب الناس أن يَقرؤوا بهذه المصاحف ، وأن يحرقوا ما عندهم من الصحف والمصاحف ليوحد القراءة، وقد كان الناس قبل ذلك أقرأهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بوجوه الأحرف السبعة ، وكانت المصاحف غير منقوطة ولا مشكولة، فصاروا يقرؤون بما يوافق الرسم العثماني مما ثبت عندهم مما تلقوه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل من الأحرف السبعة ما يحتمله الرسم العثماني كقوله( لأمانتهم) ، (لآماناتهم) ،( يعملون ) ، ( تعملون ) ، ( ملك يوم الدين ) ، ( مالك يوم الدين ) ( كأنه جِِمَالتٌ ) …( كأنه جِمالاتٌ ) فهذا كله من جملة الأحرف السبعة ، لكن مثل قراءة ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر ) … لا يحتملها الرسم العثماني فلا يُقرأ بها. فدخل إذا من الأحرف السبعة ما احتمله الرسم العثماني، فصار عندنا وجوه كثيرة احتملها الرسم العثماني، وصاروا يَقرؤون بهذه الوجوه ، وهي قرآن منزل ، وتُرِك ما لا يحتمله الرسم العثماني.
هذه الوجوه الكثيرة صاروا يَقرؤون بها فجاء هؤلاء الجبال الأئمة. وسافروا في طلب هذه الأوجه، وتنقلوا وتلقوها وضبطوها، وصاروا يُقرؤون بوجوه يختارونها بناء على أنه اتفق عليها أئمة ، وأيضاً لربما أقرأ الواحد منهم بأكثر من وجه. إما لأن هذا أسهل للأخذ عنه ، أو أن أهل بلد المتلقي يقرؤون بهذه القراءة.. فهي عند الإمام، فيقرئه بها حتى إذا سافر يقرأ بقراءة أهل بلده ، وهي قرآن منزل. ومن هنا تجدون أن الإمام الكبير كنافع يروي عنه رواة كقالون وورش, فهو يُقرئ هؤلاء التلاميذ بوجوه قد ضبطها وأتقنها لمعنى معين… كما سبق ، كما يقول الإمام نافع_ رحمه الله_ قرأت على سبعين من التابعين فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته ، وما تفرد به واحد تركته ، حتى ألَّفت هذه القراءة بهذه الحروف. فصارت له قراءة تنسب إليه مع أنه يضبط القراءة الأخرى, لكنه اختار ذلك لمعنى قام عنده. وهذا معنى الاختيار.
أنواع القراءة:
القسم الأول: المتواترة
القراءة التي يجتمع فيها ثلاثة أركان يُُحكم لها بالتواتر والقبول، فيقرأ بها في الصلاة ، ويحكم بقرآنيتها. وهذه الأركان الثلاثة هي التي عبر عنها الشاطبي – رحمه الله - بقوله :
فكل ما وافق وجه نحوي وكان للرسم احتمالاً يحوي
وصح إسناداً هو القرآن فهذه الثلاثة الأركان
وحيث ما يختل ركن أثبت شذوذه لو أنه في السبعة
فإذا اجتمعت هذه الشروط الثلاثة كانت القراءة مقبولة ، وقيل عنها متواترة ، فمثال ما اجتمعت فيه الشروط قراءة ( ملك يوم الدين ) و ( مالك يوم الدين ) فالأولى وافقت الرسم العثماني لأنها مكتوبة بدون الألف، و(مالك) وافقته احتمالاً. وكذلك أيضاً( قالوا اتخذ الله ولداً) ، ( وقالوا اتخذ الله ولداً) نفس الآية بالواو وبغير واو. فهذه توافق الرسم العثماني، فقد فرقها عثمان رضي الله عنه فجعل في مصحف ( وقالوا اتخذ الله ولدا) وفي المصحف الآخر (قالوا اتخذ الله ولداً ) فصارت إذاً موافقة للرسم في أحد المصاحف.
القسم الثاني : الآحاد وهو ما صح سنده وصح وجهه في العربية ، لكنه خالف الرسم العثماني ، مثل قراءة ابن مسعود وأبـي الدرداء – رضي الله عنهما - (والذكر والأنثى ) في قوله ( وما خلق الذكر والأنثى ). وهكذا ( وكان وراءهم ملك ) ، (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) فهذه تسمى القراءة الآحادية .
وما عدا ذلك فلا يلتفت إليه مما لا يصح إسناده، أو يخالف العربيـة أصلاً، كما يقـرأ بعضهم ( فاليوم ننحيك ببدنك ) فهذه لا تثبت ولا يلتفت إليها . وكذلك ( لتكون لمن خَلَفَك آية ) فهذه أيضاً لا يلتفت إليها . وهكذا ( إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ ) وحاشا الله أن يخشى أحداً من خلقه ، فهذه قراءة باطلة.
والمقصود أن بعض العلماء يقسمون القراءات إلى سبعة أقسام ، وبعضهم إلى ثلاثة أقسام ، لكن يكفيك أن تعرف أن المتواتر الآن عندنا هو العشر ، وما صح إسناده واختلّ موافقته العربية بوجه - وإن لم يكن أفصح - فهذا يسمى الآحـاد ، فهذا لا يقرأ بـه ولو صح سنده ، والراجح أنه ينـزل منـزله الحديث النبوي ، فيستفاد منه ثلاث فوائد :
1- الفائدة الأولى : يحتجّ به في الأحكام ، فنقول ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) يجب التتابع في صوم كفارة اليمن .
2- يفسّر به القراءة المتواترة .. ( حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى صلاة العصر) فهذه مفسرة للقراءة المتواترة .
3- ويحتج به في العربية.
وبذلك نعلم العلاقة بين الأحرف والقراءات : أن القراءات هي بعض الأحرف السبعة مما احتمله الرسم العثمانـي فدخل في القراءة التي أمر عثمان بالاقتصار عليها وهي حرف قريش.


*من الفوائد المهمة في هذا الباب
1_ أن القراءات إذا تعددت مع اختلاف معانيها فهذا يُنَـزَّل منـزلة تعدد الآيات ، فكأن كل قراءة آية مستقلّة . مثال ذلك : الله عز وجل يقول في قراءة : ( بل عجبتَ ويسخرون ) فالذي عجب هو النبي صلى الله عليه وسلم . وفي القراءة الثانية وهي متواترة : ( بل عجبتُ ويسخرون ) فالذي عجب هو الله تعالى، فهذا فيه إثبات صفة التعجب لله عز وجل من القرآن .. أما في الحديث فقوله صلى الله عليه وسلم: ( عجب ربنا من قنوط عباده ) . فالقراءتان بمنـزلة الآيتين ، وهكذا في أمثلة كثيرة.
2_ القراءتان إذا اختلف معناهما ولم يظهر تعارضهما وعادتا إلى ذات واحدة كان ذلك من الزيادة في الحكم لهذه الذات. مثاله: قوله عز وجل: ( حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمأة ) معنى حمأة : يعني منتنة متغيرة ، وفي القراءة الأخرى المتواترة أيضاً : ( وجدها تغرب في عين حامية ) يعني حارة . فهاتان قراءتان اختلف معناهما وليس بينهما تعارض، فهذا من باب الزيادة في الحكم أو الصفة لهذه الذات. فالعين صفتها أنـها منتنة متغـيرة وحارة. ومنه أيضاً قوله تعالى: ( حتى يَطْهُرن )، وفي القراءة الأخرى: ( حتى يَطََّهرن ) فيطلب في المرأة اجتماع الوصفين .

كتب مهمة في هذا الموضوع :
هناك كتب جيدة ومفيدة جداً في هذا الموضوع مثل كتاب منجد المقرئين لابن الجزري رحمه الله .. كتاب صغير في حجمه, إلا أنه نفيس في غاية النفاسة ، وهناك كتاب آخر اسمه ( الأحرف السبعة ) لأبـي عمرو الدانـي ، وهناك كتاب آخر صغير لكنه مفيد جداً اسمه ( الإبانة عن وجوه القراءات ) لمكي بن أبـي طالب .. وهناك كتاب كبير حافل عظيم وهو كتاب ( النشر في القراءات العشر) لابن الجزري مطبوع في مجلدين. فهذه الكتب كلها مطبوعة .. ومن الكتب المعاصرة في علوم القرآن ممن ناقش الموضوع مناقشة جيدة: الزرقانـي في مناهل العرفان ، وأيضاً من أراد أن يقرأ قراءة مبسّطة فهناك كتاب اسمه ( التعريف بالقرآن والحديث ) .. لمحمد الزفزاف . فكتابته في هذا الموضوع تعتبر جيدة وسهلة ، وأيضاً من الكتابات الجامعة في هذا الموضوع كتاب ( الأحرف السبعة ).. للدكتور عبد العزيز القاري.
أما القراءات فنقول: عندنا كتب كثيرة منها كتاب السبعة لابن مجاهد ، والإقناع في القراءات السبع مطبوع في مجلدين لابن البادش .
وفي توجيه القراءات السبع .. كتاب : ( الكشف عن وجوه القراءات السبع ) لمكي بن أبـي طالب، مطبوع مجلدين ، و( حجه القراءات ) لابن أبـي زنجله ، وهو كتاب جيد ونفيس في مجلد واحد وسهل التناول ، وهناك كتاب كبير الحجم اسمه( الحجة في القراءات ) لأبـي علي الفارسي.
أما بالنسبة للقراءات العشر فهناك كتاب المبسوط لابن مهران جيد وسهل التناول ويقع في مجلد .وأيضاً : النشر لابن الجزري في مجلدين.
أما في القراءات الشاذة مع توجيهها فمن ذلك : كتاب ( المحتسب ) لابن جني في مجلدين، وهو مطبوع ، أو ترجع إلى كتاب جَمَع القراءات العشر مع الأربع الزائدة عليها اسمه (إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر) لابن البنّا الدمياطي، وهذا الكتاب في مجلدين ..
 
جزاك الله خيراً , وأقترح وضع هذه الحلقات المتسلسلة تحت عنوان واحد فهو أنفع .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
وأنا أضم صوتي إلى الأخ أحمد جزاكم الله خيرا
 
اقترح وضع المصدر لكلام الشيخ خالد والكتاب المشروح ولك الشكر
 
عودة
أعلى