[align=center][align=center]
الإخوة الأفاضل والأخوات الفاضلات في ملتقى " أهل التفسير "
لقد قمت بتحميل عدد بسيط من تفريغ حلقات برنامج " التفسير المباشر "
وبعد قراءة إحدى حلقاته وهي الحلقة الثالثة وتشمل على الجزء الثالث من القرآن الكريم قمت بقرائتها و تلخيص بل ليس تلخيصا وإنما شبيه بالتلخيص ووضع بعض العناوين لفقرات الحلقة لي . ورغبتاً مني حتى يستفيد منها أعضاء هذا الملتقى المبارك وضعتها في منتدى البرنامج عسى الله أن ينفع بها رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح .
* بداية الجزء الثالث من القرآن الكريم :
يبدأ من الآية 253 من سورة البقرة وينتهي بالآية 92 من سورة آل عمران .
أبرز الموضوعات التي اشتمل عليها الجزء الثالث من أجزاء القرآن الكريم هي:
1- تفضيل الله بعض الرسل على بعض.
2- ثناء الله على نفسه في أعظم آية في القرآن وهي آية الكرسي.
3- ذكر محاججة إبراهيم عليه الصلاة والسلام للملك.
4- الحث على الإنفاق في سبيل الله وفضل الإنفاق في أطول آيات عن الإنفاق في القرآن الكريم كله.
5- بيان خطر الربا وأنه كبيرة من الكبائر.
6- بيان أحكام المداينة وكتابة الدَيْن وأحكام الرهن.
7- بداية سورة آل عمران وما فيها من توحيد الله وتعظيمه ثم ذكر قصة مريم وزكريا عليهم الصلاة والسلام وطرف من مجادلة النصارى.
هذه أبرز الموضوعات التي اشتمل عليها هذا الجزء .
التفضيل بين الأنبياء :
د. عبد الرحمن: يبدأ الجزء الثالث بآية عظيمة وهي قول الله سبحانه وتعالى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)) وهذه الآية تشير إلى موضوع مهم جداً يسأل عنه كثير من الناس. هل يجوز التفضيل بين الأنبياء؟ فيقال أن مثلا موسى أفضل من عيسى أو أن محمداً أفضل من موسى فالله سبحانه وتعالى في هذه الآية ينص على أنه فضّل بعض الأنبياء على بعض فنود أن تنبّه على الأصل والتوجيه الشرعي في هذا الموضوع؟
الدكتور مساعد: نعم، بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. كما ذكرتم هذه الآية نصت على التفضيل وفي آخر البقرة ورد قوله سبحانه وتعالى:" لا نفرق بين أحد من رسله"، وقد يقع أيضاً لبس عند من يقرأ كيف يقع التفضيل هنا وعدم التفريق هناك؟ القاعدة في مثل هذا أننا نتبع النص فما وقع تفضيله بالنص فإننا نفضله وأما أن ندخل بالعقل فلا يجوز ولهذا الآية "لا نفرق بين أحد من رسله" بمعنى أنه لا يستطيع المسلم أن يفضل فلاناً من الرسل على فلان لاعتبارات من عنده وإنما الاعتبار هو تفضيل الله سبحانه وتعالى ولهذا الآية نصت على أن الذي فضّل هو الله سبحانه وتعالى" تلك الرسل فضلنا" أي فضل الله بعضهم على بعض. فإذا هذه القاعدة الكلية في هذا وقوله "منهم من كلّم الله" هذا إشارة إلى بعض أسباب التفضيل فمن هم الذين كلَّمهم الله من رسل فيما ثبت عندنا؟ موسى عليه السلام اختص بقول الله سبحانه وتعالى كلّمه بالنبوة وأما غيره من الأنبياء فكان يكلَّمون من طريق جبريل عليه السلام. ولكن أيضاً وقع تكليم الله لآدم عليه السلام ووقع تكليم الله لمحمد صلى الله عليه وسلم بل إن تكليم الله سبحانه وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم يعتبر من أشرف ما وقع لأنه كان فوق السموات السبع عند سدرة المنتهى بناء على هذا نقول إن تخصيص موسى عليه السلام لكي يفهم السامع تخصيص موسى بأنه كليم الله لأنه جاءته النبوة من كلام الله مباشرة دون واسطة.
مسألة ينبغي أن ينبه عليها :
د. عبد الرحمن: ( هناك مسألة ينبغي أن أنبه عليها وهي أن بعضهم لا يرى التفضيل ويحرّمه ويقول السبب في ذلك هو أنه يوهم الإساءة إلى المفضَّل عليه ولذلك النبي صلي الله عليه وسلم قد نهى وقال لا تفضلوني على يونس ابن متى أليس كذلك؟ لأنه كان سياق الموقف الذي نهى فيه النبي صلي الله عليه وسلم عن هذا التفضيل يوحي بتنقصّ يونس عليه الصلاة والسلام!! ولكن تفضيل الله سبحانه وتعالى وهو الذي فضّل في هذه الآية ) .
الفرق بين الختم والطبع :
سائل : يقول قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7)) وهناك آيات أخرى قال (طبع الله على قلوبهم) ما هو الفرق بين الختم والطبع؟
الدكتور مساعد: جيد، بالفعل كما ذكرتم أن التنبه لمثل هذه الدقائق الحقيقة يدل على تدبر وهذا يقود الحقيقة إلى تنبيه القارئ حينما يقرأ القرآن إلى الألفاظ التي يُظن أنها مترادفة أو متطابقة بالمعنى وبينها فروق مثل قوله سبحانه وتعالى (لا تبقي ولا تذر) قد يقول قائل ما الفرق بين تبقي وتذر؟ لا بد من وجود فارق دقيق فهنا إذا عندنا قاعدة أحب أن ينتبه لها السامع أن مثل هذه الألفاظ فيها جامع مشترك في المعنى بمعنى أنها تجتمع في معنى وهو معنى التغطية والتغشية والستر، طبع على الشيء أو ختم على الشيء بمعنى غطاه هذا هو المعنى الجامع ولكن يفترق الطبع في شيء لا يوجد في الختم قد يكون هناك معنى في الطبع لا يوجد في الختم وقد يكون في الختم معنى لا يوجد في الطبع وكيف نعرف هذا؟ طبعاً هناك طرق وأنا أنصح بقراءة مقدمة الفروق اللغوية لابي هلال العسكري أبان عن كيفية اكتشاف الفروق بين الألفاظ ومما أبان عنه قضية استعمال الأضداد أو كما ذكرت السياق أحد الطرق في معرفة الفروق. يعني هل نستطيع أن تستخدم لفظة الختم في كل مواطن الطبع؟ قطعاً لا فدل على أن هناك فرقاً وكذلك لا نستطيع أن نستخدم الطبع في كل مواطن الختم لأن في بعض المواطن يمكن أن نستخدم الختم أو الطبع فإذا هما يشتركان في معنى عام ثم يفترقان في خصوصيات. والطبع كما أشار إليه أبو هلال العسكري وكذلك رأيت عند ابن القيم وعند غيرهما من العلماء أنه أبلغ من الختم وأشد لأن الطبع كما يقول أبو هلال العسكري هو أثر يثبت في المطبوع فيكون يدل على اللزوم والثبوت أكثر من دلالة الختم. والطبع لا يتبع الختم فيأتي الختم (ختم الله على قلوبهم) كأنهم وصلوا إلى نهاية الأمر الذي لا يُفتح لهم بعده مجال خُتم ثم يأتي بعد ذلك الطبع فيكون مثل قُفِل قد قُفل عليهم قفلاً تاماً.
قضية كتمان الحق أو البيان أنواع وفيه درجات :
سائل : يقول وردت نصوص تبين عظم كتمان الحق في القرآن الكريم ومنها قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) البقرة) فيقول لو يكون هناك تنبيه حول مثل هذه الآيات ومعناها في القرآن الكريم؟
الدكتور مساعد: حقيقة قضية كتمان الحق أو البيان أنواع وفيه درجات فمثلاً لو كان هناك قضية أو مشكلة على الأمة ولها أثر في حياة الأمة وهناك من يعلم هذه القضية وكتم ولم يبين فإنه يصيبه هذا الوعيد الذي ذكرته الآية وهو وعيد شديد (أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) وهذا الوعيد أُلحق باليهود لأنهم كتموا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهم مرجع في هذا الأمر لأنهم أهل كتاب وهم يعلمونه كما قال سبحانه وتعالى (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ (20) الأنعام) وكذلك أريد أن أقول أنه إذا احتيج إلى معلومة ما ووقع الكتم بحيث أنه تتأثر مصالح الناس بها أو ديانتهم فلا شك أن هذا الذي يقع عليه الوعيد أما أحياناً قد يكون الأمر فيه سعة كأن تسألني سؤالاً وأنا أقول لك أني لا أعلم وأنا أستطيع أن أفتيك فهذا لا يدخل في هذا الباب لأنك تستطيع أن تسأل فيه غيري فيجيبك.
د. عبد الرحمن: أيضا في قوله (أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) والتعبير بالفعل المضارع فيه دلالة على أنهم يستحقون اللعن مرة بعد مرة كلما تجدد منهم الكتمان.
سبب تعظيم آية الكرسي :
د. عبد الرحمن: آية الكرسي هي أعظم آية في القرآن العظيم . والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال أيّ آية في كتاب الله أعظم؟ فقال معاذ هي آية الكرسي، فقال ليهنك العلم أبا المنذر. فما هو سبب تعظيم هذه الآية وسبب هذا التفضيل لها من النبي صلى الله عليه وسلم لها وكونها أعظم آية في القرآن الكريم كله. القرآن الكريم 6236 آية تقريباً هذه أعظم آية فيها أفلا تستحق وقفه؟
الدكتور مساعد: صحيح. لا شك أن هذه الآية كما ذكرت وكما ذكر لها فضائل والذي يظهر والله أعلم أننا إذا تأملنا موضوع الآية نجد أنه في توحيد الله سبحانه وتعالى وكل ما يتعلق بتوحيد الله يكون أشرف وأعظم وأشرف ما تكلم عن التوحيد هو هذه الآية لأن من مبدئها إلى خاتمتها كلها في التوحيد وخصوصاً ما يتعلق بأسماء الله الحسنى وصفاته ولهذا بُدئت باسم الله الأعظم (الله) (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) فنلاحظ أن فيها مجموعة من الأسماء التي ذكرت في هذه الآية. وأيضاً ذكرت أوصاف بين الإثبات والنفي مثل قوله (لا تأخذه سنة ولا نوم) هذه دلالة على كمال القيومية لأنه قال الحيّ القيوم فدلالة على كمال الحياة والقيومية في قوله الحي والقيوم. وكذلك لو تأملت الحي والقيوم وما يندرج تحتهما من آثار في حفظ السموات والأرض، حفظ الإنسان أيضاً القيام على الإنسان سواء قياماً دنيوياً أو دينياً بإقامة الشرائع له فستجد أشياء كثيرة كلها مندرجة تحت قوله (الحي القيوم). ولهذا مثل ابن القيم وغيره من العلماء لما تكلموا عن الحي القيوم أعادوا إليه جميع الأسماء أن جميع الأسماء تعود إلى معنى الحي القيوم.
التفضيل بين الآيات :
د. عبد الرحمن: هذا يا دكتور لعله يفتح لنا فكرة أخرى، نحن نتحدث في أول الجزء عن قوله تعالى (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) تكلمنا عن التفضيل بين الأنبياء. آية الكرسي عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم إنها أعظم آية في كتاب الله أليس هذا أيضاً تفضيلاً بين آيات القرآن؟
دكتور مساعد: وهذا أيضاً من التفضيل ، والتفضيل أيضاً نرجع إليه من النص.
تفضيل بعض السور على بعض :
دكتور عبد الرحمن: أن النبي صلى الله عليه وسلم فضل بعض السور على بعض فسورة الفاتحة مفضلة على باقي السور وسورة الإخلاص (قل هو الله أحد) قال إنها تعدل ثلث القرآن.
_السيوطي رحمه الله ذكر مسألة لطيفة يعني ما هو المقياس أو الضابط الذي يضبط التفضيل بين الآيات أو بين السور؟ هل للمسلم أن يقول هذه السورة أفضل من هذه السورة أو هذه الآية أفضل من هذه الآية اجتهاداً دون أن يثبت النص في ذلك؟ فقال السيوطي إنني تأملت الآيات والسور التي جاء التفضيل لها سورة الفاتحة، آية الكرسي، سورة الإخلاص فوجدت أنها كلها تتكلم عن الله سبحانه وتعالى وعن تعظيمه (الله لا إله إلا هو) (قل هو الله أحد) (الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) فقال كل هذه المعاني تدور على تعظيم الله سبحانه وتعالى ولذلك يمكننا أن نقول أن الآيات التي تتكلم عن الله وعن تعظيمه أفضل من الآيات التي لا تشتمل على هذه الموضوعات مثل (تبت يدا أبي لهب وتب) وهذا مستنبط من النص أليس هذا ضابطاً جيداً؟
د. مساعد: وهذا مستنبط من النص وهذا لا شك أنه ضابط جيد ولكن أيضاً يبقى عندنا أن أصل القاعدة كما قلنا النص. ولهذا العلماء لما تكلموا عن لماذا (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن؟ أشاروا إلى قضية أن القرآن ثلاثة أقسام فالقسم الأول هو قسم التوحيد فكأن ثلث القرآن في التوحيد فجاءت هذه السورة (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن لأنها تعدل ثلث موضوعات القرآن الكريم، هذا أحد توجيهات العلماء في قوله تعدل ثلث القرآن.
مالحكمة :
سائلة : أم عبد الله تقول ما الحكمة في أن الآية السابعة والعشرين من آل عمران ختمت بقوله تعالى (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)) فجاء الجواب هنا بالفعل المضارع دون تأكيد وجاء في الآية السابعة والثلاثين في قول مريم عليها الصلاة والسلام (قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37))
_ سؤال أم عبد الله سؤال بلاغي ودقيق، يعني هنا (وترزق من تشاء بغير حساب) هذا في دعاء (قل اللهم) والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم و(إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) جاء التأكيد بـ(إنّ) ومثل هذه الأسئلة تحتاح إلى مقدمات مثلاً المشاهد الكريم يجب أن يكون على معرفة بلغة القرآن ويعرف أن (إنّ) تأتي في لغة العرب للتأكيد فـ (إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) فيها تأكيد فما هو تعليقكم على هذا السؤال؟
الدكتور مساعد: الحقيقة أنا أقول إذا ضممت السؤال من الأخ نايف الذي سأل عن الفرق بين الختم والطبع وهذا السؤال من الأنواع الذي يستخرجه التدبر ولا شك أن ضبط مثل هذه القضايا ورصدها وتدوينها أقول أنه مهم جداً لمن أراد أن يتعلم أو أن يستفيد من تفسير القرآن. لو تأملنا السياق والسياق مهم جداً في ضبط هذه الأمور كما ذكرتم أنه خطاب من الله سبحانه وتعالى لمحمد (قل اللهم مالك الملك) نلاحظ كل السياق جاء بالفعل المضارع (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء) إلى أن ختمت بقوله في الآية بعدها (وترزق من تشاء بغير حساب) إذا هنا عندنا أفعال مضارعة متعاطفة فهي إخبارات بالأفعال عن الله سبحانه وتعالى يعني خطاب من العبد لله سبحانه وتعالى فلا تحتاج إلى تأكيد وإنما هو من باب الأخبار. أما لما جاء كلام مريم أمام زكريا عليه السلام وهناك حدث غريب لأنه لو تأملنا قال (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً) هو الآن مكفّل بها لذلك قال (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) إذا من الذي يستطيع أن يدخل عليها غير زكريا؟ لا أحد، فيستغرب زكريا لما يأتي إليها يجد عندها الرزق ولا أحد يدخل عليها غيره فأثار عنده استفساراً استغراباً (قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا) قالت (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ) واحتاج الأمر إلى تأكيد فقالت (إن الله يرزق من يشاء من غير حساب) يحتاج للتأكيد هنا لأن الحدث يحتاج إلى تأكيد ففيه غرابة كيف يأتيك الرزق ولا يدخل عليك إلا أنا؟! فنبهت على أنه من عند الله وأن الله يرزق من يشاء بغير حساب وهذا في الحقيقة نوع من الإرهاصات والتمهيدات لما سيحصل لمريم عليها السلام لاحقاً في ولادة عيسى عليه السلام فيما بعد.
دكتور عبد الرحمن: ولذلك من شدة تأثير التأكيد على زكريا عليه السلام أنه قال (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء (38))
دكتور مساعد: كأنها فتحت له باب الدعاء نبهته.
هل هذا نذرا فيكون واجبا علينا خدمة البيت :
سائلة : في الآية 35 من سورة آل عمران دعاء أم مريم عليها السلام (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) آل عمران) هل هذا يعتبر نذراً لأن كثير من الأمهات تدعو بهذا الدعاء (رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً) هل هذا نذر فيكون واجباً علينا خدمة البيت؟
الدكتور مساعد: أم مريم وهي امرأة عمران في قولها (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي) هناك فائدة أحب أن ينتبه لها قارئ القرآن حينما تأتي قضايا مرتبطة بالشرائع السابقة ينتبه هل يوجد في شرعنا ما يدل عليها أو لا؟ فالنذر عندنا باب النذر لا يوجد عندنا مثل ما كان موجوداً عندهم أنه يأتي الأب أو الأم وتنذر هذا الطفل الذي في بطنها لخدمة البيت لأنه الآن نذرته لخدمة المسجد الأقصى لخدمة البيت فكان هذا موجوداً عندهم في شريعتهم وليس موجوداً عندنا في شريعتنا.
د. عبد الرحمن: معنى الآية قوله هنا (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي)
د. مساعد: محرراً يعني خالصاً لك، لهذا الغرض، فهي لما وضعتها أنثى أشكل عليها لأن الأنثى لا تشتغل بهذا المقام فقالت (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى) كأنه من باب التحسّب وهناك قراءتان قراءة (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ) وقراءة أخرى (والله أعلم بما وضَعْتُ) وكلاهما قراءتان في النهاية معناهما واحد. (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ (37)) كأن الله سبحانه وتعالى قبِل مريم وهذا أيضاً من الارهاصات في قضية مريم عليها السلام في كون الله قدّر أن تنذر أمها هذا النذر لتكون هي في هذا المكان المنعزل الذي لا يأتيها أحد تخدم بهذا البيت مثل ما ذكرنا في قوله (وكفلها زكريا).
قصة مريم عليها السلام فيها كثير من العبر والعظة :
د. عبد الرحمن: الحقيقة أن في قصة مريم في سورة آل عمران وفي سورة مريم أيضاً فيها عبر كثيرة وعظة خاصة للمرأة المسلمة وأيضاً فيها إيضاح لحقيقة عيسى عليه الصلاة والسلام التي اختلف فيها الأمم الآن يعني هؤلاء النصارى ضلّوا في معرفة حقيقة عيسى عليه الصلاة والسلام في حين التأمل في هذه الآيات يبين لك أنه عبد مخلوق لله سبحانه وتعالى.[/align][/align]
[align=center]يتبع [/align]

الإخوة الأفاضل والأخوات الفاضلات في ملتقى " أهل التفسير "
لقد قمت بتحميل عدد بسيط من تفريغ حلقات برنامج " التفسير المباشر "
وبعد قراءة إحدى حلقاته وهي الحلقة الثالثة وتشمل على الجزء الثالث من القرآن الكريم قمت بقرائتها و تلخيص بل ليس تلخيصا وإنما شبيه بالتلخيص ووضع بعض العناوين لفقرات الحلقة لي . ورغبتاً مني حتى يستفيد منها أعضاء هذا الملتقى المبارك وضعتها في منتدى البرنامج عسى الله أن ينفع بها رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح .
* بداية الجزء الثالث من القرآن الكريم :
يبدأ من الآية 253 من سورة البقرة وينتهي بالآية 92 من سورة آل عمران .
أبرز الموضوعات التي اشتمل عليها الجزء الثالث من أجزاء القرآن الكريم هي:
1- تفضيل الله بعض الرسل على بعض.
2- ثناء الله على نفسه في أعظم آية في القرآن وهي آية الكرسي.
3- ذكر محاججة إبراهيم عليه الصلاة والسلام للملك.
4- الحث على الإنفاق في سبيل الله وفضل الإنفاق في أطول آيات عن الإنفاق في القرآن الكريم كله.
5- بيان خطر الربا وأنه كبيرة من الكبائر.
6- بيان أحكام المداينة وكتابة الدَيْن وأحكام الرهن.
7- بداية سورة آل عمران وما فيها من توحيد الله وتعظيمه ثم ذكر قصة مريم وزكريا عليهم الصلاة والسلام وطرف من مجادلة النصارى.
هذه أبرز الموضوعات التي اشتمل عليها هذا الجزء .
التفضيل بين الأنبياء :
د. عبد الرحمن: يبدأ الجزء الثالث بآية عظيمة وهي قول الله سبحانه وتعالى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)) وهذه الآية تشير إلى موضوع مهم جداً يسأل عنه كثير من الناس. هل يجوز التفضيل بين الأنبياء؟ فيقال أن مثلا موسى أفضل من عيسى أو أن محمداً أفضل من موسى فالله سبحانه وتعالى في هذه الآية ينص على أنه فضّل بعض الأنبياء على بعض فنود أن تنبّه على الأصل والتوجيه الشرعي في هذا الموضوع؟
الدكتور مساعد: نعم، بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. كما ذكرتم هذه الآية نصت على التفضيل وفي آخر البقرة ورد قوله سبحانه وتعالى:" لا نفرق بين أحد من رسله"، وقد يقع أيضاً لبس عند من يقرأ كيف يقع التفضيل هنا وعدم التفريق هناك؟ القاعدة في مثل هذا أننا نتبع النص فما وقع تفضيله بالنص فإننا نفضله وأما أن ندخل بالعقل فلا يجوز ولهذا الآية "لا نفرق بين أحد من رسله" بمعنى أنه لا يستطيع المسلم أن يفضل فلاناً من الرسل على فلان لاعتبارات من عنده وإنما الاعتبار هو تفضيل الله سبحانه وتعالى ولهذا الآية نصت على أن الذي فضّل هو الله سبحانه وتعالى" تلك الرسل فضلنا" أي فضل الله بعضهم على بعض. فإذا هذه القاعدة الكلية في هذا وقوله "منهم من كلّم الله" هذا إشارة إلى بعض أسباب التفضيل فمن هم الذين كلَّمهم الله من رسل فيما ثبت عندنا؟ موسى عليه السلام اختص بقول الله سبحانه وتعالى كلّمه بالنبوة وأما غيره من الأنبياء فكان يكلَّمون من طريق جبريل عليه السلام. ولكن أيضاً وقع تكليم الله لآدم عليه السلام ووقع تكليم الله لمحمد صلى الله عليه وسلم بل إن تكليم الله سبحانه وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم يعتبر من أشرف ما وقع لأنه كان فوق السموات السبع عند سدرة المنتهى بناء على هذا نقول إن تخصيص موسى عليه السلام لكي يفهم السامع تخصيص موسى بأنه كليم الله لأنه جاءته النبوة من كلام الله مباشرة دون واسطة.
مسألة ينبغي أن ينبه عليها :
د. عبد الرحمن: ( هناك مسألة ينبغي أن أنبه عليها وهي أن بعضهم لا يرى التفضيل ويحرّمه ويقول السبب في ذلك هو أنه يوهم الإساءة إلى المفضَّل عليه ولذلك النبي صلي الله عليه وسلم قد نهى وقال لا تفضلوني على يونس ابن متى أليس كذلك؟ لأنه كان سياق الموقف الذي نهى فيه النبي صلي الله عليه وسلم عن هذا التفضيل يوحي بتنقصّ يونس عليه الصلاة والسلام!! ولكن تفضيل الله سبحانه وتعالى وهو الذي فضّل في هذه الآية ) .
الفرق بين الختم والطبع :
سائل : يقول قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7)) وهناك آيات أخرى قال (طبع الله على قلوبهم) ما هو الفرق بين الختم والطبع؟
الدكتور مساعد: جيد، بالفعل كما ذكرتم أن التنبه لمثل هذه الدقائق الحقيقة يدل على تدبر وهذا يقود الحقيقة إلى تنبيه القارئ حينما يقرأ القرآن إلى الألفاظ التي يُظن أنها مترادفة أو متطابقة بالمعنى وبينها فروق مثل قوله سبحانه وتعالى (لا تبقي ولا تذر) قد يقول قائل ما الفرق بين تبقي وتذر؟ لا بد من وجود فارق دقيق فهنا إذا عندنا قاعدة أحب أن ينتبه لها السامع أن مثل هذه الألفاظ فيها جامع مشترك في المعنى بمعنى أنها تجتمع في معنى وهو معنى التغطية والتغشية والستر، طبع على الشيء أو ختم على الشيء بمعنى غطاه هذا هو المعنى الجامع ولكن يفترق الطبع في شيء لا يوجد في الختم قد يكون هناك معنى في الطبع لا يوجد في الختم وقد يكون في الختم معنى لا يوجد في الطبع وكيف نعرف هذا؟ طبعاً هناك طرق وأنا أنصح بقراءة مقدمة الفروق اللغوية لابي هلال العسكري أبان عن كيفية اكتشاف الفروق بين الألفاظ ومما أبان عنه قضية استعمال الأضداد أو كما ذكرت السياق أحد الطرق في معرفة الفروق. يعني هل نستطيع أن تستخدم لفظة الختم في كل مواطن الطبع؟ قطعاً لا فدل على أن هناك فرقاً وكذلك لا نستطيع أن نستخدم الطبع في كل مواطن الختم لأن في بعض المواطن يمكن أن نستخدم الختم أو الطبع فإذا هما يشتركان في معنى عام ثم يفترقان في خصوصيات. والطبع كما أشار إليه أبو هلال العسكري وكذلك رأيت عند ابن القيم وعند غيرهما من العلماء أنه أبلغ من الختم وأشد لأن الطبع كما يقول أبو هلال العسكري هو أثر يثبت في المطبوع فيكون يدل على اللزوم والثبوت أكثر من دلالة الختم. والطبع لا يتبع الختم فيأتي الختم (ختم الله على قلوبهم) كأنهم وصلوا إلى نهاية الأمر الذي لا يُفتح لهم بعده مجال خُتم ثم يأتي بعد ذلك الطبع فيكون مثل قُفِل قد قُفل عليهم قفلاً تاماً.
قضية كتمان الحق أو البيان أنواع وفيه درجات :
سائل : يقول وردت نصوص تبين عظم كتمان الحق في القرآن الكريم ومنها قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) البقرة) فيقول لو يكون هناك تنبيه حول مثل هذه الآيات ومعناها في القرآن الكريم؟
الدكتور مساعد: حقيقة قضية كتمان الحق أو البيان أنواع وفيه درجات فمثلاً لو كان هناك قضية أو مشكلة على الأمة ولها أثر في حياة الأمة وهناك من يعلم هذه القضية وكتم ولم يبين فإنه يصيبه هذا الوعيد الذي ذكرته الآية وهو وعيد شديد (أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) وهذا الوعيد أُلحق باليهود لأنهم كتموا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهم مرجع في هذا الأمر لأنهم أهل كتاب وهم يعلمونه كما قال سبحانه وتعالى (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ (20) الأنعام) وكذلك أريد أن أقول أنه إذا احتيج إلى معلومة ما ووقع الكتم بحيث أنه تتأثر مصالح الناس بها أو ديانتهم فلا شك أن هذا الذي يقع عليه الوعيد أما أحياناً قد يكون الأمر فيه سعة كأن تسألني سؤالاً وأنا أقول لك أني لا أعلم وأنا أستطيع أن أفتيك فهذا لا يدخل في هذا الباب لأنك تستطيع أن تسأل فيه غيري فيجيبك.
د. عبد الرحمن: أيضا في قوله (أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) والتعبير بالفعل المضارع فيه دلالة على أنهم يستحقون اللعن مرة بعد مرة كلما تجدد منهم الكتمان.
سبب تعظيم آية الكرسي :
د. عبد الرحمن: آية الكرسي هي أعظم آية في القرآن العظيم . والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال أيّ آية في كتاب الله أعظم؟ فقال معاذ هي آية الكرسي، فقال ليهنك العلم أبا المنذر. فما هو سبب تعظيم هذه الآية وسبب هذا التفضيل لها من النبي صلى الله عليه وسلم لها وكونها أعظم آية في القرآن الكريم كله. القرآن الكريم 6236 آية تقريباً هذه أعظم آية فيها أفلا تستحق وقفه؟
الدكتور مساعد: صحيح. لا شك أن هذه الآية كما ذكرت وكما ذكر لها فضائل والذي يظهر والله أعلم أننا إذا تأملنا موضوع الآية نجد أنه في توحيد الله سبحانه وتعالى وكل ما يتعلق بتوحيد الله يكون أشرف وأعظم وأشرف ما تكلم عن التوحيد هو هذه الآية لأن من مبدئها إلى خاتمتها كلها في التوحيد وخصوصاً ما يتعلق بأسماء الله الحسنى وصفاته ولهذا بُدئت باسم الله الأعظم (الله) (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) فنلاحظ أن فيها مجموعة من الأسماء التي ذكرت في هذه الآية. وأيضاً ذكرت أوصاف بين الإثبات والنفي مثل قوله (لا تأخذه سنة ولا نوم) هذه دلالة على كمال القيومية لأنه قال الحيّ القيوم فدلالة على كمال الحياة والقيومية في قوله الحي والقيوم. وكذلك لو تأملت الحي والقيوم وما يندرج تحتهما من آثار في حفظ السموات والأرض، حفظ الإنسان أيضاً القيام على الإنسان سواء قياماً دنيوياً أو دينياً بإقامة الشرائع له فستجد أشياء كثيرة كلها مندرجة تحت قوله (الحي القيوم). ولهذا مثل ابن القيم وغيره من العلماء لما تكلموا عن الحي القيوم أعادوا إليه جميع الأسماء أن جميع الأسماء تعود إلى معنى الحي القيوم.
التفضيل بين الآيات :
د. عبد الرحمن: هذا يا دكتور لعله يفتح لنا فكرة أخرى، نحن نتحدث في أول الجزء عن قوله تعالى (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) تكلمنا عن التفضيل بين الأنبياء. آية الكرسي عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم إنها أعظم آية في كتاب الله أليس هذا أيضاً تفضيلاً بين آيات القرآن؟
دكتور مساعد: وهذا أيضاً من التفضيل ، والتفضيل أيضاً نرجع إليه من النص.
تفضيل بعض السور على بعض :
دكتور عبد الرحمن: أن النبي صلى الله عليه وسلم فضل بعض السور على بعض فسورة الفاتحة مفضلة على باقي السور وسورة الإخلاص (قل هو الله أحد) قال إنها تعدل ثلث القرآن.
_السيوطي رحمه الله ذكر مسألة لطيفة يعني ما هو المقياس أو الضابط الذي يضبط التفضيل بين الآيات أو بين السور؟ هل للمسلم أن يقول هذه السورة أفضل من هذه السورة أو هذه الآية أفضل من هذه الآية اجتهاداً دون أن يثبت النص في ذلك؟ فقال السيوطي إنني تأملت الآيات والسور التي جاء التفضيل لها سورة الفاتحة، آية الكرسي، سورة الإخلاص فوجدت أنها كلها تتكلم عن الله سبحانه وتعالى وعن تعظيمه (الله لا إله إلا هو) (قل هو الله أحد) (الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) فقال كل هذه المعاني تدور على تعظيم الله سبحانه وتعالى ولذلك يمكننا أن نقول أن الآيات التي تتكلم عن الله وعن تعظيمه أفضل من الآيات التي لا تشتمل على هذه الموضوعات مثل (تبت يدا أبي لهب وتب) وهذا مستنبط من النص أليس هذا ضابطاً جيداً؟
د. مساعد: وهذا مستنبط من النص وهذا لا شك أنه ضابط جيد ولكن أيضاً يبقى عندنا أن أصل القاعدة كما قلنا النص. ولهذا العلماء لما تكلموا عن لماذا (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن؟ أشاروا إلى قضية أن القرآن ثلاثة أقسام فالقسم الأول هو قسم التوحيد فكأن ثلث القرآن في التوحيد فجاءت هذه السورة (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن لأنها تعدل ثلث موضوعات القرآن الكريم، هذا أحد توجيهات العلماء في قوله تعدل ثلث القرآن.
مالحكمة :
سائلة : أم عبد الله تقول ما الحكمة في أن الآية السابعة والعشرين من آل عمران ختمت بقوله تعالى (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)) فجاء الجواب هنا بالفعل المضارع دون تأكيد وجاء في الآية السابعة والثلاثين في قول مريم عليها الصلاة والسلام (قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37))
_ سؤال أم عبد الله سؤال بلاغي ودقيق، يعني هنا (وترزق من تشاء بغير حساب) هذا في دعاء (قل اللهم) والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم و(إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) جاء التأكيد بـ(إنّ) ومثل هذه الأسئلة تحتاح إلى مقدمات مثلاً المشاهد الكريم يجب أن يكون على معرفة بلغة القرآن ويعرف أن (إنّ) تأتي في لغة العرب للتأكيد فـ (إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) فيها تأكيد فما هو تعليقكم على هذا السؤال؟
الدكتور مساعد: الحقيقة أنا أقول إذا ضممت السؤال من الأخ نايف الذي سأل عن الفرق بين الختم والطبع وهذا السؤال من الأنواع الذي يستخرجه التدبر ولا شك أن ضبط مثل هذه القضايا ورصدها وتدوينها أقول أنه مهم جداً لمن أراد أن يتعلم أو أن يستفيد من تفسير القرآن. لو تأملنا السياق والسياق مهم جداً في ضبط هذه الأمور كما ذكرتم أنه خطاب من الله سبحانه وتعالى لمحمد (قل اللهم مالك الملك) نلاحظ كل السياق جاء بالفعل المضارع (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء) إلى أن ختمت بقوله في الآية بعدها (وترزق من تشاء بغير حساب) إذا هنا عندنا أفعال مضارعة متعاطفة فهي إخبارات بالأفعال عن الله سبحانه وتعالى يعني خطاب من العبد لله سبحانه وتعالى فلا تحتاج إلى تأكيد وإنما هو من باب الأخبار. أما لما جاء كلام مريم أمام زكريا عليه السلام وهناك حدث غريب لأنه لو تأملنا قال (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً) هو الآن مكفّل بها لذلك قال (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) إذا من الذي يستطيع أن يدخل عليها غير زكريا؟ لا أحد، فيستغرب زكريا لما يأتي إليها يجد عندها الرزق ولا أحد يدخل عليها غيره فأثار عنده استفساراً استغراباً (قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا) قالت (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ) واحتاج الأمر إلى تأكيد فقالت (إن الله يرزق من يشاء من غير حساب) يحتاج للتأكيد هنا لأن الحدث يحتاج إلى تأكيد ففيه غرابة كيف يأتيك الرزق ولا يدخل عليك إلا أنا؟! فنبهت على أنه من عند الله وأن الله يرزق من يشاء بغير حساب وهذا في الحقيقة نوع من الإرهاصات والتمهيدات لما سيحصل لمريم عليها السلام لاحقاً في ولادة عيسى عليه السلام فيما بعد.
دكتور عبد الرحمن: ولذلك من شدة تأثير التأكيد على زكريا عليه السلام أنه قال (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء (38))
دكتور مساعد: كأنها فتحت له باب الدعاء نبهته.
هل هذا نذرا فيكون واجبا علينا خدمة البيت :
سائلة : في الآية 35 من سورة آل عمران دعاء أم مريم عليها السلام (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) آل عمران) هل هذا يعتبر نذراً لأن كثير من الأمهات تدعو بهذا الدعاء (رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً) هل هذا نذر فيكون واجباً علينا خدمة البيت؟
الدكتور مساعد: أم مريم وهي امرأة عمران في قولها (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي) هناك فائدة أحب أن ينتبه لها قارئ القرآن حينما تأتي قضايا مرتبطة بالشرائع السابقة ينتبه هل يوجد في شرعنا ما يدل عليها أو لا؟ فالنذر عندنا باب النذر لا يوجد عندنا مثل ما كان موجوداً عندهم أنه يأتي الأب أو الأم وتنذر هذا الطفل الذي في بطنها لخدمة البيت لأنه الآن نذرته لخدمة المسجد الأقصى لخدمة البيت فكان هذا موجوداً عندهم في شريعتهم وليس موجوداً عندنا في شريعتنا.
د. عبد الرحمن: معنى الآية قوله هنا (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي)
د. مساعد: محرراً يعني خالصاً لك، لهذا الغرض، فهي لما وضعتها أنثى أشكل عليها لأن الأنثى لا تشتغل بهذا المقام فقالت (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى) كأنه من باب التحسّب وهناك قراءتان قراءة (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ) وقراءة أخرى (والله أعلم بما وضَعْتُ) وكلاهما قراءتان في النهاية معناهما واحد. (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ (37)) كأن الله سبحانه وتعالى قبِل مريم وهذا أيضاً من الارهاصات في قضية مريم عليها السلام في كون الله قدّر أن تنذر أمها هذا النذر لتكون هي في هذا المكان المنعزل الذي لا يأتيها أحد تخدم بهذا البيت مثل ما ذكرنا في قوله (وكفلها زكريا).
قصة مريم عليها السلام فيها كثير من العبر والعظة :
د. عبد الرحمن: الحقيقة أن في قصة مريم في سورة آل عمران وفي سورة مريم أيضاً فيها عبر كثيرة وعظة خاصة للمرأة المسلمة وأيضاً فيها إيضاح لحقيقة عيسى عليه الصلاة والسلام التي اختلف فيها الأمم الآن يعني هؤلاء النصارى ضلّوا في معرفة حقيقة عيسى عليه الصلاة والسلام في حين التأمل في هذه الآيات يبين لك أنه عبد مخلوق لله سبحانه وتعالى.[/align][/align]
[align=center]يتبع [/align]