محمد محمود إبراهيم عطية
Member
في الصحيحين عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ ، لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ؛ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ ؛ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً ، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ " [1] .
قال النووي - رحمه الله : قَالَ الْعَلَماء : وَسَبَب عُظْم مَوْقِعه ( أي هذا الحديث ) أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - نَبَّهَ فِيهِ عَلَى إِصْلَاح الْمَطْعَم وَالْمَشْرَب وَالْمَلْبَس وَغَيْرهَا ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي تَرْك الْمُشْتَبِهَات ، فَإِنَّهُ سَبَب لِحِمَايَةِ دِينه وَعِرْضه ، وَحَذَّرَ مِنْ مُوَاقَعَة الشُّبُهَات ، وَأَوْضَحَ ذَلِكَ بِضَرْبِ الْمَثَل بِالْحِمَى ، ثُمَّ بَيَّنَ أَهَمَّ الْأُمُور ، وَهُوَ مُرَاعَاة الْقَلْب فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم : " أَلَّا وَإِنَّ فِي الْجَسَد مُضْغَة " ... إِلَى آخِره ؛ فَبَيَّنَ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ بِصَلَاحِ الْقَلْب يَصْلُح بَاقِي الْجَسَد ، وَبِفَسَادِهِ يَفْسُد بَاقِيه ؛ وَأَمَّا قَوْله - صلى الله عليه وسلم : " الْحَلَال بَيِّن وَالْحَرَام بَيِّن " فَمَعْنَاهُ : أَنَّ الْأَشْيَاء ثَلَاثَة أَقْسَام : حَلَال بَيِّنٌ وَاضِح لَا يَخْفَى حِلُّه ، كَالْخُبْزِ ، وَالْفَوَاكِه ، وَالزَّيْت ، وَالْعَسَل ، وَالسَّمْن ، وَلَبَن مَأْكُول اللَّحْم وَبَيْضه ، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَطْعُومَات ؛ وَكَذَلِكَ الْكَلَام وَالنَّظَر وَالْمَشْي وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَات ، فِيهَا حَلَال بَيِّن وَاضِح لَا شَكَّ فِي حِلِّهِ .
وَأَمَّا الْحَرَام الْبَيِّن فَكَالْخَمْرِ ، وَالْخِنْزِير ، وَالْمَيْتَة ، وَالْبَوْل ، وَالدَّم الْمَسْفُوح ، وَكَذَلِكَ الزِّنَا ، وَالْكَذِب ، وَالْغِيبَة ، وَالنَّمِيمَة ، وَالنَّظَر إِلَى الْأَجْنَبِيَّة ، وَأَشْبَاه ذَلِكَ .
وَأَمَّا الْمُشْتَبِهَات ، فَمَعْنَاهُ : أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاضِحَةِ الْحِلِّ وَلَا الْحُرْمَة ، فَلِهَذَا لَا يَعْرِفهَا كَثِير مِنْ النَّاس ، وَلَا يَعْلَمُونَ حُكْمهَا ؛ وَأَمَّا الْعُلَمَاء فَيَعْرِفُونَ حُكْمهَا بِنَصٍّ ، أَوْ قِيَاس ، أَوْ اِسْتِصْحَاب أَوْ غَيْر ذَلِكَ ؛ فَإِذَا تَرَدَّدَ الشَّيْء بَيْن الْحِلّ وَالْحُرْمَة ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصّ وَلَا إِجْمَاع ، اِجْتَهَدَ فِيهِ الْمُجْتَهِد ، فَأَلْحَقهُ بِأَحَدِهِمَا بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ ، فَإِذَا أَلْحَقَهُ بِهِ صَارَ حَلَالًا ، وَقَدْ يَكُون غَيْر خَال عَنْ الِاحْتِمَال الْبَيِّن ، فَيَكُون الْوَرَع تَرْكه ، وَيَكُون دَاخِلًا فِي قَوْله - صلى الله عليه وسلم : " فَمَنْ اِتَّقَى الشُّبُهَات فَقَدْ اِسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضه " .
وَمَا لَمْ يَظْهَر لِلْمُجْتَهِدِ فِيهِ شَيْء وَهُوَ مُشْتَبَهٌ ، فَهَلْ يُؤْخَذ بِحِلِّهِ أَمْ بِحُرْمَتِهِ أَمْ يُتَوَقَّف فِيهِ ؟ ثَلَاثَةُ مَذَاهِب ، حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره ، وَالظَّاهِر أَنَّهَا مُخَرَّجَة عَلَى الْخِلَاف الْمَذْكُور فِي الْأَشْيَاء قَبْل وُرُود الشَّرْعِ ، وَفِيهِ أَرْبَعَة مَذَاهِب : الْأَصَحُّ : أَنَّهُ لَا يُحْكَم بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَة وَلَا إِبَاحَة وَلَا غَيْرهَا ، لِأَنَّ التَّكْلِيف عِنْد أَهْل الْحَقّ لَا يَثْبُت إِلَّا بِالشَّرْعِ . وَالثَّانِي : أَنَّ حُكْمهَا التَّحْرِيم . وَالثَّالِث : الْإِبَاحَة . وَالرَّابِع : التَّوَقُّف ؛ وَاَللَّه أَعْلَم [2] .
( المؤمن وقَّاف ، والمنافق لقَّاف )
---------------------------------------------
[1] البخاري ( 52 ) ، ومسلم ( 1599 ) .
[2] انظر شرح مسلم : 11 / 28 .
قال النووي - رحمه الله : قَالَ الْعَلَماء : وَسَبَب عُظْم مَوْقِعه ( أي هذا الحديث ) أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - نَبَّهَ فِيهِ عَلَى إِصْلَاح الْمَطْعَم وَالْمَشْرَب وَالْمَلْبَس وَغَيْرهَا ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي تَرْك الْمُشْتَبِهَات ، فَإِنَّهُ سَبَب لِحِمَايَةِ دِينه وَعِرْضه ، وَحَذَّرَ مِنْ مُوَاقَعَة الشُّبُهَات ، وَأَوْضَحَ ذَلِكَ بِضَرْبِ الْمَثَل بِالْحِمَى ، ثُمَّ بَيَّنَ أَهَمَّ الْأُمُور ، وَهُوَ مُرَاعَاة الْقَلْب فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم : " أَلَّا وَإِنَّ فِي الْجَسَد مُضْغَة " ... إِلَى آخِره ؛ فَبَيَّنَ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ بِصَلَاحِ الْقَلْب يَصْلُح بَاقِي الْجَسَد ، وَبِفَسَادِهِ يَفْسُد بَاقِيه ؛ وَأَمَّا قَوْله - صلى الله عليه وسلم : " الْحَلَال بَيِّن وَالْحَرَام بَيِّن " فَمَعْنَاهُ : أَنَّ الْأَشْيَاء ثَلَاثَة أَقْسَام : حَلَال بَيِّنٌ وَاضِح لَا يَخْفَى حِلُّه ، كَالْخُبْزِ ، وَالْفَوَاكِه ، وَالزَّيْت ، وَالْعَسَل ، وَالسَّمْن ، وَلَبَن مَأْكُول اللَّحْم وَبَيْضه ، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَطْعُومَات ؛ وَكَذَلِكَ الْكَلَام وَالنَّظَر وَالْمَشْي وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَات ، فِيهَا حَلَال بَيِّن وَاضِح لَا شَكَّ فِي حِلِّهِ .
وَأَمَّا الْحَرَام الْبَيِّن فَكَالْخَمْرِ ، وَالْخِنْزِير ، وَالْمَيْتَة ، وَالْبَوْل ، وَالدَّم الْمَسْفُوح ، وَكَذَلِكَ الزِّنَا ، وَالْكَذِب ، وَالْغِيبَة ، وَالنَّمِيمَة ، وَالنَّظَر إِلَى الْأَجْنَبِيَّة ، وَأَشْبَاه ذَلِكَ .
وَأَمَّا الْمُشْتَبِهَات ، فَمَعْنَاهُ : أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاضِحَةِ الْحِلِّ وَلَا الْحُرْمَة ، فَلِهَذَا لَا يَعْرِفهَا كَثِير مِنْ النَّاس ، وَلَا يَعْلَمُونَ حُكْمهَا ؛ وَأَمَّا الْعُلَمَاء فَيَعْرِفُونَ حُكْمهَا بِنَصٍّ ، أَوْ قِيَاس ، أَوْ اِسْتِصْحَاب أَوْ غَيْر ذَلِكَ ؛ فَإِذَا تَرَدَّدَ الشَّيْء بَيْن الْحِلّ وَالْحُرْمَة ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصّ وَلَا إِجْمَاع ، اِجْتَهَدَ فِيهِ الْمُجْتَهِد ، فَأَلْحَقهُ بِأَحَدِهِمَا بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ ، فَإِذَا أَلْحَقَهُ بِهِ صَارَ حَلَالًا ، وَقَدْ يَكُون غَيْر خَال عَنْ الِاحْتِمَال الْبَيِّن ، فَيَكُون الْوَرَع تَرْكه ، وَيَكُون دَاخِلًا فِي قَوْله - صلى الله عليه وسلم : " فَمَنْ اِتَّقَى الشُّبُهَات فَقَدْ اِسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضه " .
وَمَا لَمْ يَظْهَر لِلْمُجْتَهِدِ فِيهِ شَيْء وَهُوَ مُشْتَبَهٌ ، فَهَلْ يُؤْخَذ بِحِلِّهِ أَمْ بِحُرْمَتِهِ أَمْ يُتَوَقَّف فِيهِ ؟ ثَلَاثَةُ مَذَاهِب ، حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره ، وَالظَّاهِر أَنَّهَا مُخَرَّجَة عَلَى الْخِلَاف الْمَذْكُور فِي الْأَشْيَاء قَبْل وُرُود الشَّرْعِ ، وَفِيهِ أَرْبَعَة مَذَاهِب : الْأَصَحُّ : أَنَّهُ لَا يُحْكَم بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَة وَلَا إِبَاحَة وَلَا غَيْرهَا ، لِأَنَّ التَّكْلِيف عِنْد أَهْل الْحَقّ لَا يَثْبُت إِلَّا بِالشَّرْعِ . وَالثَّانِي : أَنَّ حُكْمهَا التَّحْرِيم . وَالثَّالِث : الْإِبَاحَة . وَالرَّابِع : التَّوَقُّف ؛ وَاَللَّه أَعْلَم [2] .
( المؤمن وقَّاف ، والمنافق لقَّاف )
---------------------------------------------
[1] البخاري ( 52 ) ، ومسلم ( 1599 ) .
[2] انظر شرح مسلم : 11 / 28 .