الحق لا يخرج عن أقوال السلف

إنضم
26/02/2009
المشاركات
1,878
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
"فَمَنْ اتَّبَعَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ كَانَ مِنْهُمْ وَهُمْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَأُولَئِكَ خَيْرُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْت فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ } . وَلِهَذَا كَانَ مَعْرِفَةُ أَقْوَالِهِمْ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَأَعْمَالِهِمْ خَيْرًا وَأَنْفَعَ مِنْ مَعْرِفَةِ أَقْوَالِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَعْمَالِهِمْ فِي جَمِيعِ عُلُومِ الدِّينِ وَأَعْمَالِهِ كَالتَّفْسِيرِ وَأُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ وَالزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ خَيْرٌ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ بَعْدَهُمْ وَمَعْرِفَةُ إجْمَاعِهِمْ وَنِزَاعِهِمْ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ خَيْرٌ وَأَنْفَعُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا يُذْكَرُ مِنْ إجْمَاعِ غَيْرِهِمْ وَنِزَاعِهِمْ . وَذَلِكَ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ لَا يَكُونُ إلَّا مَعْصُومًا وَإِذَا تَنَازَعُوا فَالْحَقُّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ فَيُمْكِنُ طَلَبُ الْحَقِّ فِي بَعْضِ أَقَاوِيلِهِمْ وَلَا يُحْكَمُ بِخَطَأِ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ دَلَالَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى خِلَافِهِ قَالَ تَعَالَى : { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } . "مقدمة النفسير - الفتاوى ج13 ص 24

وأقول:
هل يمنع قول شيخ الإسلام من نقد أقوال السلف ؟
هل ينطبق كلام شيخ الإسلام رحمه الله على اجتهادات التابعين في مسائل استجدت بعد زمن الصحابة ولا يعرف لهم فيها قول؟
هل يمنع قول شيخ الإسلام من إعمال العقل في فهم النص القرآني واستخراج قواعد وأحكام تتناسب مع مستجدات كل عصر؟
 
أولا : أشكرك أخي الكريم على هذا النقل الرائع .
ثانيا : أهدي هذا النقل لأصحاب الإعجاز ، وخاصة الأخ الكريم : أبو عمرو البيراوي.
وإجابة على أسئلتك أقول :
1 - لا يقصد شيخ الإسلام رحمه الله تعالى المنع من نقد أقوال السلف رحمهم الله تعالى ؛ ولكن ليكن نقدا بعلم لا بجهل ، وليكن حافظا للسلف قدرهم وما خصهم الله تعالى به من العلم والحفظ والفهم .
2 - لا ينطبق قول شيخ الإسلام على المستجدات في عصر التابعين أو غيرهم ، ولكن لا بد قبل الاجتهاد من معرفة مواطن الإجماع ومواطن الخلاف ، ودراسة العلوم الشرعية التي توصل إلى فهم النصوص من الكتاب والسنة .
فقد تكون المسألة محل الاجتهاد مما أجمع عليه الصحابة ، أو أجمعوا فيها على قولين أو ثلاثة عند من يرى ذلك إجماعا ، ونحو ذلك .
3 - لا يقصد شيخ الإسلام عدم إعمال العقل ، ولكن العقل ليست له حرية الفكر وأن يجول كما يحب ؛ بل هو مقيد بالشرع ، وبما سبق بيانه من قواعد لو تركت لأصبح الدين مرتعا لكل من هب ودب ، كما هو مشاهد اليوم ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
والله تعالى أعلم .
 
الأخ الفاضل إبراهيم
شكر الله لك مداخلتك
وأريد أن تتأمل معي أنت وبقية الأخوة الأفاضل قول شيخ الإسلام بن تيمة رحمه الله التالي:
يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
" وَإِذَا تَنَازَعُوا{أي: الصحابة} فَالْحَقُّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ فَيُمْكِنُ طَلَبُ الْحَقِّ فِي بَعْضِ أَقَاوِيلِهِمْ وَلَا يُحْكَمُ بِخَطَأِ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ دَلَالَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى خِلَافِهِ قَالَ تَعَالَى : { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } . "مقدمة النفسير - الفتاوى ج13 ص 24

ثم تحاكمه إلى قوله :
"وَأَمَّا أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ ؛ فَإِنْ انْتَشَرَتْ وَلَمْ تُنْكَرْ فِي زَمَانِهِمْ فَهِيَ حُجَّةٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ تَنَازَعُوا رُدَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ . وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ حُجَّةً مَعَ مُخَالَفَةِ بَعْضِهِمْ لَهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ "أصول الفقه ، الفتاوى: ج20 ص14

إذا كانت أقوالهم عند النزاع ليست حجة ويجب محاكمتها إلى الكتاب والسنة ألا يعني هذا أننا يمكن أن نخرج بقول ثالث أو رابع أو .....؟
 
أخي الكريم : بارك الله فيك .
هذه المسألة معروفة في علم الأصول في باب الإجماع .
وهي : إذا أجمع المجتهدون على قولين هل يجوز إحداث قول ثالث ؟
وما فهمته من كلام شيخ الإسلام السابق أنه يرى أنه لا يجوز إحداث قول ثالث ، ولا رابع إذا اختلفوا على ثلاثة أقوال .. وهكذا .
ولكن لا يعتبر قول بعضهم حجة على البعض الآخر .
والمقصود بأنه لا يحتج بقول بعضهم على بعض إنما هو في خارج المرجحات ؛ بمعنى أنه إذا اختلف مثلا ابن عمر وعائشة رضي الله عنها في مسألة متعلقة بما خفي من أعمال النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقول عائشة رضي الله تعالى عنها أرجح لملازمتها له صلى الله عليه وسلم في البيت بعكس ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
والذي أميل إليه أنهم إذا اختلفوا في مسألة ولم يكن هناك من المرجحات الظاهرة ما يرجح قول بعضهم أن ذلك يدل على أن في الأمر سعة ، ويجوز - والحالة هذه - أن يجتهد أهل العلم فيها .
والله تعالى أعلم.
 
أخي الكريم : بارك الله فيك .
هذه المسألة معروفة في علم الأصول في باب الإجماع .
وهي : إذا أجمع المجتهدون على قولين هل يجوز إحداث قول ثالث ؟
وما فهمته من كلام شيخ الإسلام السابق أنه يرى أنه لا يجوز إحداث قول ثالث ، ولا رابع إذا اختلفوا على ثلاثة أقوال .. وهكذا ..

هذا هو معنى قول شيخ الإسلام"وَإِذَا تَنَازَعُوا فَالْحَقُّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ فَيُمْكِنُ طَلَبُ الْحَقِّ فِي بَعْضِ أَقَاوِيلِهِمْ ".
وقد صرح بأنه لا يجوز إحداث قول ثالث بعد أن أشار إلى الخلاف في المسألة فقال:
"وَلِهَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ - كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ كالرَّازِي والآمدي وَابْنِ الْحَاجِبِ - إنَّ الْأُمَّةَ إذَا اخْتَلَفَتْ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ جَازَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَحْكَامِ عَلَى قَوْلَيْنِ . فَجَوَّزُوا أَنْ تَكُونَ الْأُمَّةُ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى الضَّلَالِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَنْزَلَ الْآيَةَ وَأَرَادَ بِهَا مَعْنًى لَمْ يَفْهَمْهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ ؛ وَلَكِنْ قَالُوا : إنَّ اللَّهَ أَرَادَ مَعْنًى آخَرَ وَهُمْ لَوْ تَصَوَّرُوا هَذِهِ " الْمَقَالَةَ " لَمْ يَقُولُوا هَذَا ؛ فَإِنَّ أَصْلَهُمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ وَلَا يَقُولُونَ قَوْلَيْنِ كِلَاهُمَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ يَقُولُوهُ" مقدمة التفسير ، مجموع الفتاوى: ج13 ص59

ولكن قوله هذا يتعارض مع قوله:
"وَأَمَّا أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ ؛ فَإِنْ انْتَشَرَتْ وَلَمْ تُنْكَرْ فِي زَمَانِهِمْ فَهِيَ حُجَّةٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ تَنَازَعُوا رُدَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ . وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ حُجَّةً مَعَ مُخَالَفَةِ بَعْضِهِمْ لَهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ "أصول الفقه ، الفتاوى: ج20 ص14

ووجه التعارض أنه لم يوجب الأخذ بأحد القولين لأنهم اختلفوا على هذا القولين وإنما ترك الحكم للمجتهد لينظر في مدى موافقة القولين للكتاب والسنة وهنا مكمن الإشكال في المسألة.

ولكن لا يعتبر قول بعضهم حجة على البعض الآخر .
والمقصود بأنه لا يحتج بقول بعضهم على بعض إنما هو في خارج المرجحات ؛ بمعنى أنه إذا اختلف مثلا ابن عمر وعائشة رضي الله عنها في مسألة متعلقة بما خفي من أعمال النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقول عائشة رضي الله تعالى عنها أرجح لملازمتها له صلى الله عليه وسلم في البيت بعكس ابن عمر رضي الله تعالى عنهما..

هذه المسألة أعتقد أنها خارجة عن الموضوع قليلا فنحن نتحدث عن الاختلاف في فهم نص ما من الكتاب والسنة.
ثم إذا كان قول بعضهم ليس حجة على البعض الآخر فلماذا يكون حجة على غيرهم؟
 
[align=justify]ومن المتقرِّرِ عقلاً وشرعاً أنَّ السلفَ هم أولى النَّـاسِ بالحقِّ والحقُّ أولى بهم من الخلفِ , أمَّـا العقلُ فلقربهم من عصر التنزيل وشهودهم وقائعَ تنزيله وفهمهم لما أحاطَ بالتشريعِ من وقائع وأحداثٍ يرتبطُ بها بيانُ الأحكامِ وتفصيلها وغيرُ ذلك.
وأمَّا الشرعُ فلأنَّ من سنةِ الله في هذا الكونِ أنَّهُ ما من زمنٍ إلا والذي بعدهُ شرٌّ منهُ حتى يفنى الناسُ كما صحَّ الخبرُ بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم , وفسَّرهُ بعضُ العلماء بنقصِ العلمِ وهو أوضحُ من أن يُمارى فيه.[/align]
 
[align=justify]ومن النقول المهمة في هذه المسألة:

قال الإمام النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ (2/ 328-329) معلقاً على أحد الأقوال : ( وهذا القول لا نعرف أحدا من المتقدمين قاله، وإذا تكلم أحد من المتأخرين في معنى آية من القرآن قد تقدم كلام المتقدمين فيها، فخرج عن قولهم لم يلتفت الى قوله، ولم يعد خلافا؛ فبطل هذا.)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ( ومن عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئاً في ذلك ، بل كان مبتدعاً وإن كان مجتهداً مغفوراً له خطؤه ، فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته ، وطرق الصواب ، ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم ، وأنهم أعلم بتفسيره ومعانيه ، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعاً ) ، ( مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج 13 / 361 ) .

وقال أيضاً : ( .. إن من فسر القرآن أو الحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله، ملحد في آيات الله، محرف للكلم عن مواضعه، وهذا فتح لباب الزنادقة والإلحاد، وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام). [ مجموع الفتاوى 13/243-244. ]

وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : منتقدا تأويلات أهل البدع لصفة الإستواء لله عز وجل ( . . إن هذا تفسير لكلام الله بالرأي المجرد الذي لم يذهب إليه صاحب ، ولا تابع ، ولا قاله إمام من أئمة المسلمين ، ولا أحد من أهل التفسير الذين يحكون أقوال السلف ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ) ، وإن إحداث القول في تفسير كتاب الله الذي كان السلف والأئمة على خلافه يستلزم أحد أمرين : إما أن يكون خطأ في نفسه أو تكون أقوال السلف المخالفة له خطأ، ولا يشك عاقل أنه أولى بالغلط والخطأ من قول السلف ) ، ( انظر مختصر الصواعق المرسلة 2/128).
[ حديث: ( من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ) ، ( أخرجه الترمذي في التفسير 5/ ح 2915 وقال حديث حسن صحيح ، والبغوي في مصابيح السنة 1/176 ) ، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي . ]


وقال الإمام ابن عبد الهادي – رحمه الله - : ( ولا يجوز إحداث تأويل في آية ، أو في سنة، لم يكن على عهد السلف، ولا عرفوه، ولا بينوه للأمة، فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا وضلوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر، فكيف إذا كان التأويل يخالف تأويلهم ويناقضه ، وبطلان هذا التأويل أظهر من أن يطنب في رده )، ( انظر الصارم المنكي في الرد على السبكي ص 427 ) .[/align]
 
[align=justify]
وقال أيضاً : ( .. إن من فسر القرآن أو الحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله، ملحد في آيات الله، محرف للكلم عن مواضعه، وهذا فتح لباب الزنادقة والإلحاد، وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام). [ مجموع الفتاوى 13/243-244. ][/align]

هذا الكلام لا يصح إلا إذا تبينت هذه الأمر:
1ـ أن يكون الصاحبة فسروا كل القرآن آية آية وكلمة كلمة.
2 ـ أن تكون تفسيراتهم قد وصلتنا عنهم بالتواتر المفيد للقطع بأنه كلامهم.
3 ـ أن تكون تفسيراتهم لكل آية أو كلمة الواصلة إلينا بالتواتر نصوصا قطعية الدلالة على المعنى الذي أرادوه كما هي قطعية الثبوت عنهم.
4 ـ أن يكون قد وردنا عن الشارع نص صريح بعدم العدول عن تفسيرهم القطعي الدلالة والقطعي الثبوت لأن أمر الشارع هو الملزم لا غير، أو يكون ذلك الأمر صادرا عنهم بإجماع مقترن بدليل شرعي.
فإذا علم العاقل استحالة توفر هذه الشروط، علم لماذا وجد في كل قرن مفسرون للقرآن العظيم استفادوا مما أثر عن الصحابة وزادوا عليه معاني جليلة لم تصلنا عنهم بوجه من الوجوه.

ونقول أيضا: كثير من كلام الصحابة ورد مجملا أو ظاهرا، وهو بحاجة للتفصيل والتبيين والتوجيه في ضوء قواعد إما عقلية أو نقلية، وهذا محل النزاع.
 
الأخ الكريم : أبو سعد .
خلاف الصحابة ينقسم إلى أقسام :
1 - اختلاف في مسألة فيها نص من كتاب أو سنة .
وهذا الاختلاف هو موطن كلام شيخ الإسلام الذي يعنيه بأنه لا يكون قول بعضهم حجة على بعض .
وإنما يرجح قول بعضهم على بعض بالمرجحات المعروفة.
2 - اختلافهم في مسألة اجتهادية لم يتوصل المجتهدون منهم إلى نص فيها .
والعمل في هذه أن يبين النص فيها ؛ ولا خلاف في وجوب اتباعه إن تبين .
3 - اجتهادهم في مسألة اجتهادية لم يمكن التوصل فيها إلى نص .
وهذه إن اختلفوا فيها ، فليس قول بعضهم حجة على البعض الآخر ، ولا على غيره من المسلمين ، إلا عند من يقول بعدم جواز إحداث قول ثالث ..إلخ .
ولكن لا شك أنه عند عدم وجود النص ؛ فإن اتباع اجتهاد صحابي أولى من اتباع غيره لما خصهم الله تعالى به من العلم والفضل الذي لم يصله جيل غيرهم .
وأعتذر عن عدم شرح كثير من الأمور ؛ لأن مستوى الملتقى يجب أن تكون الإشارة تكفيه ، وخاصة في هذه المسائل المعروفة.
ولا اجد في كلام شيخ الإسلام أي تعارض .
وهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار .
ولن ينتقده إلا مكابر أو جاهل بعلم أصول الفقه .
وهذا الملتقى ليس للتدريس والتعليم الابتدائي ، وإنما هو لكبار طلبة العلم ، وللعلماء ، لذلك لن تستطيع - أخي الكريم - أن تبين للذين ينتقدون شيخ الإسلام في بعض أقواله أنهم ليسوا على مستوى فهم كثير من أفكاره فضلا عن انتقادها .
ولا أدعي العصمة لأحد ؛ ولكن يحفظ للعالم قدره ، ولا يوضع لقمة سائغة للعوام الذين يريدون الظهور بسب أهل العلم ..
أما الذين يردون كلام شيخ الإسلام وغيره بالأدلة الشرعية التي تلمس من خلالها أن لهم علما شرعيا ؛ وأنهم يفهمون ما يكتبون ، ولهم دراية بما ينتقدون ؛ فأهلا وسهلا بهم ، ومنهم نستفيد.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
 
هذا الكلام لا يصح إلا إذا تبينت هذه الأمر:
1ـ أن يكون الصاحبة فسروا كل القرآن آية آية وكلمة كلمة.
.

قال القرطبي رحمه الله تعالى في بيان معنى النهي عن القول في القرآن بالرأي:
"وقال بعض العلماء : إن التفسير موقوف على السماع ; لقوله تعالى : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول [ النساء : 59 ] . وهذا فاسد ; لأن النهي عن تفسير القرآن لا يخلو : إما أن يكون المراد به الاقتصار على النقل والمسموع وترك الاستنباط ، أو المراد به أمرا آخر . وباطل أن يكون المراد به ألا يتكلم أحد في القرآن إلا بما سمعه ; فإن الصحابة رضي الله عنهم قد قرءوا القرآن واختلفوا في تفسيره على وجوه ، وليس كل ما قالوه سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لابن عباس وقال : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل . فإن كان التأويل مسموعا كالتنزيل فما فائدة تخصيصه بذلك ! وهذا بين لا إشكال فيه"

هنا قرر أن التفسير ليس موقوفاً على السماع وأن الصحابة رضي الله عنهم ليس كل ما قالوه في التفسير سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال:

"قال ابن عطية : ( كان جلة من السلف كثير عددهم يفسرون القرآن وهم أبقوا على المسلمين في ذلك رضي الله عنهم ; فأما صدر المفسرين والمؤيد فيهم فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ويتلوه عبد الله بن عباس وهو تجرد للأمر وكمله ، وتبعه العلماء عليه كمجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما ، والمحفوظ عنه في ذلك أكثر من المحفوظ عن علي ) . وقال ابن عباس : ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب . وكان علي رضي الله عنه يثني على تفسير ابن عباس ويحض على الأخذ عنه ، وكان ابن مسعود يقول : نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس . وقال عنه علي رضي الله عنه : ابن عباس كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق . ويتلوه عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص . وكل ما أخذ عن الصحابة فحسن مقدم لشهودهم التنزيل ونزوله بلغتهم . وعن عامر بن واثلة قال : شهدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يخطب فسمعته يقول في خطبته : سلوني ، فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به ، سلوني عن كتاب الله ، فوالله ما من آية إلا أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل نزلت أم في جبل ; فقام إليه ابن الكواء فقال : يا أمير المؤمنين ، ما الذاريات ذروا ؟ وذكر الحديث . وعن المنهال بن عمرو قال : قال عبد الله بن مسعود لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه المطي لأتيته ; فقال له رجل : أما لقيت علي بن أبي طالب ؟ فقال : بلى ، قد لقيته . وعن مسروق قال : وجدت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - مثل الإخاذ يروي الواحد والإخاذ يروي الاثنين ، والإخاذ لو ورد عليه الناس أجمعون لأصدرهم ، وأن عبد الله بن مسعود من تلك الإخاذ . ذكر هذه المناقب أبو بكر الأنباري في كتاب الرد ، وقال : الإخاذ عند العرب : الموضع الذي يحبس الماء كالغدير . قال أبو بكر : حدثنا أحمد بن الهيثم بن خالد حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا سلام عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أرحم أمتي بها أبو بكر وأقواهم في دين الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقضاهم علي وأفرضهم زيد وأقرؤهم لكتاب الله عز وجل أبي بن كعب وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح وأبو هريرة وعاء من العلم وسلمان بحر من علم لا يدرك وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء - أو قال البطحاء - من ذي لهجة أصدق من أبي ذر " . "

وقال في موضع آخر:

"قال علماؤنا رحمة الله عليهم : وأما ما جاء في فضل التفسير عن الصحابة والتابعين ، فمن ذلك : أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذكر جابر بن عبد الله ووصفه بالعلم ; فقال له رجل : جعلت فداءك ! تصف جابرا بالعلم وأنت أنت ! فقال : إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى : إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد [ القصص : 85 ] . وقال مجاهد : أحب الخلق إلى الله تعالى أعلمهم بما أنزل . وقال الحسن : والله ما أنزل الله آية إلا أحب أن يعلم فيما أنزلت وما يعني بها . وقال الشعبي : رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية ، فقيل له : إن الذي يفسرها رحل إلى الشأم ; فتجهز ورحل إلى الشأم حتى علم تفسيرها . وقال عكرمة في قوله عز وجل : ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله [ النساء : 100 ] طلبت اسم هذا الرجل أربع عشرة سنة حتى وجدته . وقال ابن عبد البر : هو ضمرة بن حبيب ، وسيأتي . وقال ابن عباس : مكثت سنتين أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ما يمنعني إلا مهابته ، فسألته فقال : هي حفصة وعائشة . وقال إياس بن معاوية : مثل الذين يقرءون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره ، كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا وليس عندهم مصباح ، فتداخلتهم روعة ولا يدرون ما في الكتاب ; ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرءوا ما في الكتاب ."

وهذا الكلام للقرطبي رحمه الله تعالى يفهم منه أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين قد استوعبوا كتاب الله دراسة وفهما.

وهنا أقول هل واقع كتب التفسير يصدق هذا الفهم؟
 
عودة
أعلى