الحقيقة القرآنية والأحرف السبعة

إنضم
16/11/2009
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
العمر
72
الإقامة
تارودانت-المغرب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه
وبعد، فما زال كثير من الناس يناقشون قضية جمع القرآن بنوع من التردد واللمز هنا وهناك ، كأن في المسألة شيئا مما يبقى في الصدر ، وهذا السلوك يصدر حتى من الذين كان من المفروض فيهم أن يكونوا أول المدافعين عن براءة القرآن من كل تحريف أو تزوير أو زيادة أو نقص . ناسين الحقيقة القرآنية التي تؤكد حفظ القرآن التام والكامل .
يقول الله تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر:9]
إن الآية 9 من سورة الحجر يجب أن تكون قاعدة أساسية في علوم القرآن في كل ما يخص مراحل جمع القرآن وكتابته . وذلك اعتمادا على الحقيقة القرآنية أعلاه . وهذا ما لم يحدث حتى الآن . فما زلنا نسمع من يدعي تحريف القرآن بالزيادة والنقصان .
ومن الأمور التي مازالت تشغل بال المفكرين قضية الأحرف السبعة . لذلك ارتأيت أن أسوق نصا للطبري لأجل الاستئناس .
جاء في مقدمة الطبري (ت:310هـ) : " قال أبو جعفر: وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول باستيعاب جميعها الكتابُ، والآثار الدالة على أن إمامَ المسلمين وأميرَ المؤمنين عثمانَ بن عفان رحمة الله عليه، جمع المسلمين - نظرًا منه لهم، وإشفاقًا منه عليهم، ورأفة منه بهم، حِذارَ الردّةِ من بعضهم بعدَ الإسلامَ، والدّخولِ في الكفر بعد الإيمان، إذ ظهر من بعضهم بمحضَره وفي عصره التكذيبُ ببعض الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن، مع سماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم النهيَ عن التكذيب بشيء منها، وإخباره إياهم أنّ المِراء فيها كفر- فحملهم رحمةُ الله عليه، إذْ رأى ذلك ظاهرًا بينهم في عصره، ولحَدَاثة عهدهم بنزول القرآن، وفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بما أمِنَ عليهم معه عظيم البلاء في الدين من تلاوة القرآن - على حرف واحد . وجمعهم على مصحف واحد، وحرف واحد، وخَرَّق ما عدا المصحف الذي جمعهم عليه. وعزم على كل من كان عنده مُصحفٌ مخالفٌ المصحفَ الذي جمعهم عليه، أن يخرقه . فاستوسقتْ له الأمة على ذلك بالطاعة ، ورأت أنّ فيما فعلَ من ذلك الرشدَ والهداية ، فتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامُها العادلُ في تركها، طاعةً منها له، ونظرًا منها لأنفسها ولمن بعدَها من سائر أهل ملتها، حتى دَرَست من الأمة معرفتها، وتعفت آثارها، فلا سبيلَ لأحد اليوم إلى القراءة بها، لدثورها وعُفُوِّ آثارها، وتتابعِ المسلمين على رفض القراءة بها، من غير جحود منها صحتَها وصحةَ شيء منها ، ولكن نظرًا منها لأنفسها ولسائر أهل دينها. فلا قراءة للمسلمين اليوم إلا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم إمامهم الشفيقُ الناصحُ، دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية.
فإن قال بعضُ من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم تَركُ قراءة أقرأهموها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بقراءتها؟
قيل: إن أمرَه إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمرَ إباحة ورخصة. لأنّ القراءة بها لو كانت فرضًا عليهم، لوجب أن يكونَ العلمُ بكل حرف من تلك الأحرف السبعة، عند من تقوم بنقله الحجة، ويقطع خبرهُ العذر، ويزيل الشك من قَرَأةِ الأمة . وفي تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا في القراءة بها مخيرين، بعد أن يكون في نقلة القرآن من الأمة من تجبُ بنقله الحجة ببعض تلك الأحرف السبعة."
 
هل تقولون بقول الإمام أبي جعفر في معنى الأحرف السبعة؟
فإن، وإلاكان قوله باستغناء الأمة عن الأحرف السبعة يتعارض مع ما قررتموه في مطلع مشاركم من تكفل الله - تعالى - بحفظ كتابه الكريم.
 
يقول الله تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر:9]
1 ـ نزل القرآن إلى بيت العزة كاملا
"فالقرآن الكريم أنزل جملة واحدة إلى بيت العزة وضعَ في بيتِ العزَّةِ القرآنُ في السَّماءِ الدُّنيا فجعلَ جبريلُ ينزلُ به على النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ"
2 ـ في البداية طلب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون القرآن على أحرف متعددة تيسيرا على الأمة .
"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم فقال إن الله عز وجل يأمرك أن تقرئ أمتك على حرف قال أسأل الله معافاته ومغفرته إن أمتي لا تطيق ذلك ثم أتاه ثانية فذكر نحو هذا حتى بلغ سبعة أحرف قال إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على سبعة أحرف فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا "
3 ـ والصحابة رضوان الله عليهم يعرفون ذلك ويؤكدونه .
" سمعتُ عمرَ بنَ الخطابِ رضي الله عنه يقول : سمعتُ هشامَ بنَ حكيمٍ ابنِ حزامٍ : يقرأ سورة الفرقانِ على غير ما أقرؤها، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أقرنيها، وكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلتُه حتى انصرف، ثم لببتُه بردائِه، فجئتُ به رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقلتُ : إني سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتنيها، فقال لي : أرسِله . ثم قال له : اقرأ . فقرأ، قال : هكذا أنزلتْ . ثم قال لي : اقرأ . فقرأتُ، فقال : هكذا أنزلتْ، إنَّ القرآنَ أنزل على سبعةِ أحرفٍ، فاقرؤوا منه ما تيسَّر ".
"أن عثمان رضي الله عنه قال يوما وهو على المنبر أذكر الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف لما قام فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف فقال عثمان رضي الله عنه وأنا أشهد معهم "
4 ـ إن الخليفة عثمان رضي الله عنه أمر بأن يكتب المصحف بحرف واحد ، وأن تُقصَى الأحرف الباقية ، تيسيرا على الأمة
" أن عثمان دعا زيد بن ثابت ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن ، فاكتبوه بلسان قريش ، فإنما نزل بلسانهم . ففعلوا ذلك ".
خلاصة :
من خلال مسيرة القرآن الكريم منذ نزوله لأول مرة كاملا إلى بيت العزة ثم تنزيله منجماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة 23 سنة ، حيث واجه به عليه السلام جميع العرب على تعدد لهجاتهم ، وكانت الأحرف السبعة قد ساعدت على تيسير القرآن وتقريبه إلى كل القبائل العربية آنذاك . إلا أن قراءة القرآن بالأحرف السبعة أصبح فيما بعد خطرا على تلقي القرآن الكريم في الأمصار الإسلامية المختلفة مما جعل الصحابة رضوان الله عليهم يتفطنون لذلك وعلى رأسهم الخلفية الراشد عثمان رضي الله عنه ، فيضعون حدا لهذا العامل الذي انتهت مهمته . فكان المصحف العثماني الذي وحد الناس على حرف واحد إلا ما تقبله القراءة القرآنية بالرسم العثماني لأنه كان دون تشكيل ولا تنقيط . فاحتمل القراءات المتعددة داخل الرسم العثماني .
لذلك نقول للذين ما يزالون يبحثون عن الأحرف السبعة هنا وهناك ، إنها حذفت وبقيت القراءات أثرا لها .
وهذا الحذف كان بمرأى ومسمع من الصحابة رضوان الله عليهم ، وهو بتوفيق من الله تعالى . ألم يقل أبو بكر رضي الله عنه لزيد بن ثابت عندما أمره بجمع القرآن : " قلتُ لعُمَرَ : كيف تفعَلُ شيئًا لم يَفعَلْه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ قال عُمَرُ : هذا واللهِ خيرٌ ، فلم يزَلْ عُمَرُ يُراجِعُني حتى شرَح اللهُ صدري لذلك ، ورأيتُ في ذلك الذي رأى عُمَرَ ".
استنتاج :
إذا كانت مشيئة الإنسان ضمن مشيئة الله : { وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }[التكوير:29]
وأن الله تكفل بحفظ القرآن الكريم : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر:9]
فالقرآن الكريم الذي نزل كاملا إلى بيت العزة هو القرآن الكريم الذي بين دفتي المصحف العثماني الذي تتداوله الأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
والحمد لله رب العالمين
 
ما اعتقده في الاحرف السبعه ان المقصود بها هو طرق الرسم العثمانيه ولذلك جمعت في كافة المصاحف العثمانيه التي ارسلت للامصار فهل هذه صحيح
 
الفاضلة مى الدمراش
روى البخاري عن أنس بن مالك : " أنَّ حُذَيفَةَ بنَ اليَمانِ قدِم على عُثمانَ ، وكان يُغازي أهلَ الشامِ في فتحِ أرمينِيَّةَ وأذرَبيجانَ معَ أهلِ العراقِ ، فأفزَع حُذَيفَةَ اختلافُهم في القراءةِ ، فقال حُذَيفَةُ لعُثمانَ : يا أميرَ المؤمنينَ ، أدرِكْ هذه الأُمَّةَ قبلَ أن يَختَلِفوا في الكتابِ ، اختِلافَ اليهودِ والنصارى . فأرسَل عُثمانُ إلى حفصةَ : أن أرسِلي إلينا بالصحُفِ ننسَخُها في المصاحفِ ثم نَرُدُّها إليكِ ، فأرسَلَتْ بها حفصةُ إلى عُثمانَ ، فأمَر زيدَ بنَ ثابتٍ ، وعبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيرِ ، وسعيدَ بنَ العاصِ ، وعبدَ الرحمنِ بنَ الحارثِ بنِ هشامٍ ، فنسَخوها في المصاحفِ ، وقال عُثمانُ للرَّهطِ القُرَيشِيينَ الثلاثةِ : إذا اختَلَفتُم أنتم وزيدُ بنُ ثابتٍ في شيءٍ منَ القرآنِ فاكتُبوه بلسانِ قريشٍ ، فإنما نزَل بلسانِهم ، ففعَلوا ، حتى إذا نسَخوا الصحُفَ في المصاحفِ ردَّ عُثمانُ الصحُفَ إلى حفصةَ ، وأرسَل إلى كلِّ أُفُقٍ بمصحفٍ مما نسَخوا ، وأمَر بما سواه منَ القرآنِ في كلِّ صحيفةٍ أو مصحفٍ أن يُحرَقَ ".
بكتابة المصاحف العثمانية استقر القرآن في حرف واحد ، كما نزل أول مرة إلى بيت العزة . والدليل على ذلك هو الحقيقة القرآنية التي تقررها الآية 9 من سورة الحجر : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر:9]
وما بقي مع المصاحف العثمانية إلا القراءات القرآنية المتعددة التي هي أثر للأحرف السبعة التي توافق الرسم العثماني .
 
أخي الأستاذ عبدالكريم عزيز حفظك الله،/
حجة التيسير على الأمة يمكن أن تنطبق أيضا على ("القراءات") وهذه الحجة، إن أردنا أن نفرق بين القراءة والحرف، تقتضي أن يكون الرسم الواحد لقراءة واحدة. وليس هذا ما أفهمه أنا ولا ما إستنتجه مما قرأت في هذا (الموضوع). أنا لا أفرق بين القراءة و الحرف وهذا هو المشهور. ثم لا أعتقد أن عثمان رضي الله عنه أراد بجمعه للمصحف وحرقه للمصاحف ووضعه للرسم أن ييسر على جميع المسلمين بل المجموعة المستهدفة من هذا العمل هم المسلمين الذين لم تتوفر لهم إمكانية التلقي المباشر كتلك التي كانت متوفرة للصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم القراء والعلماء من التابعين عن الصحابة ومن بعدهم تابعي التابعين من القراء عن التابعين إلى آخره. عليه أنا أعتقد أن [القرآن الذكر] محفوظ في اللوح المحفوظ، و [القرآن الكتاب] محفوظ بالتلقي ثم بالتدوين ثم بالجمع والإجماع والمصحف والرسم مع التلقي ثم بمراحل الضبط من التنقيط الدؤلي إلى التسجيل الصوتي.

وأنا أميز بين الذكر والكتاب على أساس ما أفهمه من تفسير القرآن بعضه لبعض حيث أن الآية {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٌ} تفسر {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وهذا كل القرآن الذي نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منه المنسوخ المرفوع والمنسي الخ. ثم {إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} تتعلق بما نزل من القرآن وأمر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته بتدوينه.

وإذا أردنا أن نضع قاعدة قرآنية في الدراسات المتعلقة بجمع القرآن وحفظه فإنها الآية {إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}.

ملاحظة: كتبتُ بعض الأخطاء متعمّدا لأرى كيف سيتعامل المتخصص معها..
 
الفاضل شايب :
1 ـ كتابة المصحف العثماني كانت ضرورة ملحة حتى لا تختلف الأمة في القرآن الكريم ، وهذه الضرورة تؤكدها قولة الصحابي الجليل حُذَيفَةَ بنِ اليمان لعُثمانَ : " يا أميرَ المؤمنينَ ، أدرِكْ هذه الأُمَّةَ قبلَ أن يَختَلِفوا في الكتابِ ، اختِلافَ اليهودِ والنصارى ."
إن دلالة هذه العبارة تؤكد أن معضلة هذا الاختلاف هي في المكتوب وليس في المقروء . المشكلة هي في الأحرف المتعددة للمعنى الواحد باختلاف القراء . لذلك سارع عثمان رضي الله عنه بتكوين لجنة تسهر على كتابة القرآن بالحرف الواحد . وهذا كان كفيلا لتوحيد الأمة على كتاب الله العزيز .
2 ـ ذكر الله تعالى للقرآن أسماء منها : القرآن والكتاب والذكر والتنزيل والفرقان وهي أسماء لمسمى واحد، إلا أن كل اسم منها يتصف بصفة زائدة يتميز بها كلام الله المعجز.
ففي المرحلة الأولى لتنزيل القرآن الكريم وعد الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله في سورة القيامة : [لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ{16} إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ{17} فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ{18} ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ{19}] .
يقول ابن كثير (ت:774هـ) في تفسيره : " هذا تعليم من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في كيفية تلقيه الوحي من الملك، فإنه كان يبادر إلى أخذه، ويسابق الملك في قراءته، فأمره الله عز وجل إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له، وتكفل الله له أن يجمعه في صدره، وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه، وأن يبينه له، ويفسره ويوضحه. فالحالة الأولى جمعه في صدره، والثانية تلاوته، والثالثة تفسيره وإيضاح معناه."
فهي مراحل تكفل الله تعالى بها منذ الوهلة الأولى للوحي . والآية الجامعة : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر:9] هذه الآية العظيمة المؤكدة بأنواع من أدوات التوكيد ، لهي الحرز القوي الذي يؤكد أن القرآن محفوظ {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }[فصلت:42] .
لهذا أشير إلى أن علوم القرآن وخصوصا كل ما يتعلق بالمراحل التي قطعها القرآن منذ مرحلة التنزيل إلى أن جمع في المصاحف العثمانية وما تبع ذلك من عناية المسلمين به قراءة وكتابة وتجويدا وترتيلا . علينا أن ندرسها تبعا للبعد الإيماني الواجب توفره في الباحث المسلم .
إن بعض المسلمين مازال يتعرض في دراسته لهذه المباحث بنوع من الريب والشك ، حتى إن من المسلمين من يعتقد إلى الآن أن القرآن طالته الزيادة والنقصان ، ويتهم جهات من هنا وهناك ويحملهم المسئولية في ذلك . وهذا لا يصح اعتمادا على كون القرآن تكفل الله بحفظه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
من أجل ذلك ، فنحن في أشد الحاجة إلى دراسة علوم القرآن اعتمادا على الحقيقة القرآنية التي تتمثل في الآية 9 من سورة الحجر .
والله أعلم وأحكم
 
حياك الله أستاذي عبد العزيز،/
أولا يجب أن نسأل هل الإختلاف وقع في المقروء أم في المكتوب.
نفترض أن ترسيم المصحف الإمام لـ (إدراك الأمة) فكيف تفسر التفريق بين الحرف والقراءة علما أن ترسيم المصحف أمر يقدر على إبعاد الصحف الأخرى لكنه لا يقدر على محو ما في قلوب الألوف من السلف ومنهم من يحفظ عن ظهر قلب بأحرف مختلفة. لحل هذه المعضلة يجب أن تفترض مسألتين: الـأولى أن إحراق الصحف يقتضي أيضا إحراق ما حفظ عن ظهر قلب، والثانية أن جيل الصحابة الذين قرأوا بأحرف أخرى غير الحرف القريشي إظطرّوا كلهم إلى القراءة عن المصحف الإمام لا بالتلقي. أو ربما كانت هناك لجنة أخرى كُلفت بتلقين كل الصحابة القرآن بالحرف المرسوم؟ حتى نفترض صحة هذا لابد من روايات تؤكد الأمر. أما و أن نفترض أن الأحرف الأخرى ضاعت بسبب الإتفاق على حرف واحد، فهذا ما لا يمكن تصديقه بسهولة، وهذا مشاهد في الواقع عندما تتفق مثلا السلطات المعنية على رواية رسمية في الإعلان عن حادثة من الحوادث فإن هذا الترسيم لا يمنع شيوع روايات أخرى صادرة عن شهود عيان.

أما الآية المقدسة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} هذه فلا نستطيع تقعيدها دوغمائيا (عقائديا) لأن الله سبحانه وتعالى هيّأ أسباب كثيرة لحفظ القرآن وما دامت هناك أسباب فإن الباب مفتوح أمام تعاطي علمي (approche scientifique) ذو بعد إيماني لمسألة حفظ القرآن {جَمْعَهُ} وتأليفه {قُرْآنَهُ}. والبعد الإيماني هذا يختلف عن الدوغمائية (=العقيدة) لأن الإيمان حركي dynamique يزداد بدرجات من الطمأنينة {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} وينقص بدرجات من الريبة { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}. وليس يزيد وينقص بالعمل فقط كما هو مشهور خاصة عند من جعل العقيدة مرادفة للإيمان.

ومسألة ترتيل، قراءة، جمع و ترسيم القرآن عندنا مسألة علمية وإيمانية وليست دوغمائية كما هو الحال مع المسيحيين الذين يقولون أن كتبة الأناجيل اصطفاهم الرب وألهمهم بروح القدس!!!

ومن ناحية أخرى وقبل أن نفكر في تقعيد هذه الآية الكريمة يجب أن نعود إلى التفاسير، خاصة المفسر بالمأثور، ونعمل مقارنات، ثم نفسر هذه الآية بآيات أخرى باحثين عن المشترك اللفظي والدلالي، أو تفسر الآية موضوعيا على أن (حفظ القرآن) موضوع قرآني، وننظر في السياق الذي جاءت فيه الآية ردّا على الذين {قَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} لنعرف كيف ردّ القرآن وما المقصود بالذكر، وعلى من تعود الهاء في {لَهُ} وأين يحفظ هذا الذكر هل عند الله أم يحفظ الله النبي صلى الله عليه وسلم مما يلقي الشيطان .. الخـ.
 
أخي شايب : جزاك الله خيرا وأحسن إليك
"أولا يجب أن نسأل هل الاختلاف وقع في المقروء أم في المكتوب.
نفترض أن ترسيم المصحف الإمام لـ (إدراك الأمة) فكيف تفسر التفريق بين الحرف والقراءة علما أن ترسيم المصحف أمر يقدر على إبعاد الصحف الأخرى لكنه لا يقدر على محو ما في قلوب الألوف من السلف ومنهم من يحفظ عن ظهر قلب بأحرف مختلفة."
قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حُسِم الأمر في قضية الأحرف حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد عرض القرآن على جبريل مرتين قبل وفاته . يقول الزركشي (ت:794هـ) في البرهان : " واختاره القاضي أبو بكر بن الطيب وابن عبد البر وابن العربي وغيرهم ورأوا أن ضرورة اختلاف لغات العرب ومشقة نطقهم بغير لغتهم اقتضت التوسعة عليهم في أول الأمر فأذن لكل منهم أن يقرأ على حرفه أي على طريقته في اللغة إلى أن انضبط الأمر في آخر العهد وتدربت الألسن وتمكن الناس من الاقتصار على الطريقة الواحدة فعارض جبريل النبي صلى الله عليه و سلم القرآن مرتين في السنة الآخرة واستقر على ما هو عليه الآن فنسخ الله سبحانه تلك القراءة المأذون فيها بما أوجبه من الاقتصار على هذه القراءة التي تلقاها الناس ويشهد لهذا الحديث الآتي من مراعاة التخفيف على العجوز والشيخ الكبير ومن التصريح في بعضها بأن ذلك مثل هلم وتعال "
فكان الأمر يقتضي أن يُجمع القرآن بين دفتي المصحف . فكان ذلك بأمر من الخليفة عثمان رضي الله عنه . يقول الزركشي : " وقد بين الطبري في كتاب البيان وغيره أن اختلاف القراء إنما هو كله حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن وهو الحرف الذي كتب عثمان عليه المصحف"
لحل هذه المعضلة يجب أن تفترض مسألتين: الـأولى أن إحراق الصحف يقتضي أيضا إحراق ما حفظ عن ظهر قلب، والثانية أن جيل الصحابة الذين قرأوا بأحرف أخرى غير الحرف القرشي اضطرّوا كلهم إلى القراءة عن المصحف الإمام لا بالتلقي. أو ربما كانت هناك لجنة أخرى كُلفت بتلقين كل الصحابة القرآن بالحرف المرسوم؟
لا مشكلة في ذلك لأن الحرف الواحد هو الحرف الذي استوعب كل القراءات الصحيحة و المختلفة للقرآن الكريم ، اعتمادا على ما حمله الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ في صدورهم من القرآن . وهذا الأمر هو الذي جعل بعض الحداثيين من المسلمين ـ بما تشابه عليهم من أمر الحرف والقراءة ـ أن يقارنوا بين القرآن وتعدد الأناجيل ، مدعين تعدد النص القرآني ليخلصوا إلى القول بتاريخيته .
أما الآية المقدسة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} هذه فلا نستطيع تقعيدها دوغمائيا (عقائديا) لأن الله سبحانه وتعالى هيّأ أسباب كثيرة لحفظ القرآن وما دامت هناك أسباب فإن الباب مفتوح أمام تعاطي علمي (approchescientifique) ذو بعد إيماني لمسألة حفظ القرآن .
إن جل المفكرين من المسلمين قديما وحديثا ، بدراستهم لعلوم القرآن وتحليلاتهم العلمية ، لا أحد ادعى الدغمائية في الدراسة القرآنية . لكن العكس هو الذي وقع مع أصحاب الأهواء والمذاهب الفاسدة تارة ، والحاقدين على الإسلام من المستشرقين وتلامذتهم من ادعاءات تقولوا فيها على القرآن الكريم ، وكلها تتسم بالدغمائية ، لأن ادعاءاتهم تلك كانت بدون أدلة علمية .
إن من بين شروط المفسر : صحة المعتقد والإيمان بما جاء في كتاب الله الذي قال الله في حقه : {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }[فصلت:42] .
والله سبحانه وتعالى حينما يؤكد أن الحفظ يشمل القرآن الكريم في الآية الكريمة الجامعة : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر:9] ، فهذا يدل على أن هذه الحقيقة القرآنية مهيمنة على كل الدراسات الإسلامية للقرآن الكريم في التفسير وعلومه وبالأدلة العلمية الصحيحة انطلاقا من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة .
يقول الطبري (ت:310هـ) في تفسيره : " يقول تعالـى ذكره: { إنَّا نَـحْنُ نَزَّلْنا الذّكْرَ } وهو القرآن، { وإنَّا لَهُ لـحَافِظُونَ } قال: وإنا للقرآن لـحافظون من أن يزاد فـيه بـاطل مَّا لـيس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه. والهاء فـي قوله: { لَهُ } من ذكر الذكر."
والحمد لله رب العالمين
 
أخي الأستاذ عبدالكريم عزيز،/
بارك الله فيك، لنحاول إقتباس تفسير الطبري كاملا حتى تتضح الصورة بشكل أوسع فيتبين معها لماذا لا يمكن تقعيد الآية 9 من سورة الحجر عقديّا في مبحث (حفظ القرآن):

{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }

يقول تعالـى ذكره: { إنَّا نَـحْنُ نَزَّلْنا الذّكْرَ } وهو القرآن، { وإنَّا لَهُ لـحَافِظُونَ } قال: وإنا للقرآن لـحافظون من أن يزاد فـيه بـاطل مَّا لـيس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه. والهاء فـي قوله: { لَهُ } من ذكر الذكر.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا ورقاء؛ وحدثنـي الـحسن، قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا ورقاء؛ وحدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: { وإنَّا لَهُ لـحَافِظُونَ } قال: عندنا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { إنَّا نَـحْنُ نَزَّلْنا الذّكْرَ وإنَّا لَهُ لـحَافِظُونَ } قال فـي آية أخرى:
{ لا يَأْتِـيهِ البـاطِلُ }
والبـاطل: إبلـيس،
{ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَـلْفِهِ }
فأنزله الله ثم حفظه، فلا يستطيع إبلـيس أن يزيد فـيه بـاطلاً ولا ينتقص منه حقًّا، حفظه الله من ذلك.

حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { وإنَّا لَهُ لـحَافِظُونَ } قال: حفظه الله من أن يزيد فـيه الشيطان بـاطلاً أو ينقص منه حقًّا.

وقيل: الهاء فـي قوله: { وإنَّا لَهُ لـحَافِظُونَ } من ذكر مـحمد صلى الله عليه وسلم بـمعنى: وإنا لـمـحمد حافظون مـمن أراده بسوء من أعدائه.
ولهذا أرى أن الآية القرآنية الأصلح للتوظيف فيما تريده هي {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} لأن تجربة النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع تلقي الوحي و خاصة في الحرص على حفظه وتبليغه تلاوة هي تجربة متكررة تكررت عند الصحابة أيضا، وهذا واضح مثلا عندما نقرأ إختلاف أحدهم مع الآخر في القراءة تراه يهرع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ويتأكد، فإنما هذا تعبير عن حالة نفسية حريصة على حفظ القرآن وتلاوته بشكل صحيح، وكذلك في جمع الصحف و ترسيم المصحف الخـ.

وحديثك عن الأحرف السبعة و ترسيم الحرف القريشي حديث يكشف لي عن صورة ذهنية يمكن أن تتشكل بسبب أو بآخر وكأننا نتصور الصحابة وكل القراء كأنهم في مدرسة يستطيع المدير فيها أن يفرض مقررا موحدا على كل المعلمين ومنهم إلى التلاميذ، وهذا ما لا يمكن تبريره تاريخيا و لا منطقيا لأن الأحرف الأخرى سوف تتسرب بشكل أو بآخر قراءة من القراء الأوائل إلى غيرهم جيل عن جيل. هذا لا يمنع طبعا من هيمنة حرف معين كما نرى هيمنة قراءة حفص مثلا. نعرف عن كثير من التعاليم والنصوص لقدماء الصينيين تسربت إلى الأجيال المتتالية عبر تلاميذهم وتلاميذ تلاميذهم رغم كل المعاناة والإظطهادات التي واجهها "المعلمين"، فكيف والحال عند المسلمين السلف غير هذا الحال حيث أن الترسيم المصحفي لم يكن بالقوة و لم يكن ترسيما للقراءة؟

وإذا قلنا أن الحرف الواحد يستوعب كل القراءات المتواترة والصحيحة وهي بضع قراءات من 3 إلى 9 مثلا فإن مجموع القراءات في عصر السلف (ونفترض هذا قبل ترسيم الحرف الواحد لنسخ "التوسعة") هو بضع قراءات مضروبة في سبعة حرف أي من 21 إلى 63 قراءة، وعليه لا يمكن بجرة قلم أن نقول لا أثر ولا عين ولا خبر لكم هائل من الآيات بالقراءات المختلفة في الأحاديث و الروايات الأخرى و المؤلفات في علوم القرآن و المؤلفات في تاريخ وسير القراء و الخططاطين الخـ.

إن هذا النسخ وأقصد نسخ "التوسعة" ونسخ الصحف بالمصحف الرسمي جواب منطقي على من قد يظن أن وحدة القرآن تحريف له، لكن هذا النسخ لا يفسر مصير الأحرف الستة الأخرى في حالة إن لم تكن هذه الحروف قراءات أو إن لم تكن هذه الحروف موزعة بين القراءات المختلفة. أضف إلى ذلك أننا لسنا بحاجة لنسخ التوسعة و لا لتقعيد الآية 9 من سورة الحجر عقديا لنؤكد (حفظ القرآن) لأن نسخ الصحف بالمصحف وقبله جمع تلك الصحف وإهتمام السلف بقراءة القرآن ومدارسته والحرص الكبير على حفظه وتلاوته وتدبره بتطبيقه في فكرهم ومعاملاتهم والتوجس من الإختلاف فيه كلها أدلة علمية كافية شافية على حفظ القرآن.
 
الله تكفل بحفظ القرآن الكريم

الله تكفل بحفظ القرآن الكريم

يقول تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر:9]

يقول ابن كثير (ت:774هـ) في تفسيره : " ثم قرر تعالى أنه هو الذي أنزل عليه الذكر، وهو القرآن، وهو الحافظ له من التغيير والتبديل، ومنهم من أعاد الضمير في قوله تعالى: { لَهُ لَحَـٰفِظُونَ } على النبي صلى الله عليه وسلم كقوله: { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [المائدة: 67] والمعنى الأول أولى، وهو ظاهر السياق."
ويقول سيد قطب في تفسيره : " ولقد بذل أعداء هذا الدين ـ وفي مقدمتهم اليهود ـ رصيدهم من تجارب أربعة آلاف سنة أو تزيد في الكيد لدين الله. وقدروا على أشياء كثيرة.. قدروا على الدس في سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى تاريخ الأمة المسلمة. وقدروا على تزوير الأحداث ودس الأشخاص في جسم المجتمع المسلم ليؤدوا الأدوار التي يعجزون عن أدائها وهم سافرون. وقدروا على تحطيم الدول والمجتمعات والأنظمة والقوانين. وقدروا على تقديم عملائهم الخونة في صورة الأبطال الأمجاد ليقوموا لهم بأعمال الهدم والتدمير في أجسام المجتمعات الإسلامية على مدار القرون، وبخاصة في العصر الحديث.
ولكنهم لم يقدروا على شيء واحد ـ والظروف الظاهرية كلها مهيأة له ـ.. لم يقدروا على إحداث شيء في هذا الكتاب المحفوظ، الذي لا حماية له من أهله المنتسبين إليه؛ وهم بعد أن نبذوه وراء ظهورهم غثاء كغثاء السيل لا يدفع ولا يمنع؛ فدل هذا مرة أخرى على ربانية هذا الكتاب، وشهدت هذه المعجزة الباهرة بأنه حقاً تنزيل من عزيز حكيم."
 
سآخذ هذه الكلمة من تفسير الإمام الحافظ إبن كثير رضي الله عنه.
سآخذ أيضا كل التفاسير التي قرأتها في الآية 9 من سورة الحجر بعين الإعتبار.

وسنقرأ:
في سورة الشعراء {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ}. والمخالفين أنكروا هذا {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} وإن لم تكن مجنونا وتدعي حقّا أنْ {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ} فـ {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}. ويرد الله في القرآن على فرضيتهم {مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ} ثم قرّر تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} أي أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بمجنون بل يأتيه الروح الأمين بالتنزيل والله يحفظ نبيه الذي اصطفاه لتبليغ الحق من كل سوء ولو أرسل الله، [والكلام لإمام علماء التفسير الطبري]، إلى هؤلاء المخالفين على ما يسألون إرسالهم مع النبي آية فكفروا لم ينظروا فيؤخروا بالعذاب، بل عوجلوا به كما فعلنا ذلك بمن قبلهم من الأمم حين سألوا الآيات فكفروا حين آتتهم الآيات، فعاجلناهم بالعقوبة. وإن تعجيلهم بالعقوبة ليس المراد بالرسالة الخاتمة فحفظ الله نبيه حتى يبلغ ويؤدي الأمانة.

والمفهوم من السياق هو أن الحديث هنا عن مصدر الوحي وهو الله، والذي نزل بالوحى وهو الروح الأمين وعلى من نزل وهو النبي صلى الله عليه وسلم سواء كان المراد بـ {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} الناموس، أو ذكر القرآن أو محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا المفهوم بعيد شيئا ما عن مراد المفسرين المتأخرين والذين يريدون تقعيد الآية لتصييغها مذهبيا دون مراعاة المشاكل التي يمكن أن تترتب عن هذا التمذهب: الإنغلاق والراحة من عناء البحث والجهد العلمي في الموضوع ثم التكفير، وعليه فإن كل من يختلف في صحيفة أو مصحف أو قراءة أو آية أو حرف فلن يخرج عن الحصر المنطقي بين قيمتين:
- المختلف فيه من القرآن فيكون زيادة.
- المختلف فيه ليس من القرآن فيكون نقص.
وإذا طبّقنا هذا على البسلمة مثلا أو على صحف ومصاحف الصحابة وما يسمى مصحف إبن مسعود رضي الله عنه والإختلاف، إما في الحرف أو في القراءة، بين القرّاء الذين كانوا منبع إستشعار أهمية جمع الصحف والمصاحف في عهد سيدنا أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، فسوف ترى أيضا خطورة الأمر.

المهم هو أن السبيل العلمي سيقف في طريق الإنغلاق والتكفير. من آدعى أن القرآن غير محفوظ طالبناه بالدليل وأوضحنا له ما تقرر عندنا من الأدلة على حفظه. هذا هو طريق الصحابة رضي الله عنهم في حالة إن صدقنا ما وصلنا من رويات حول موقف إبن مسعود رضي الله عنه من فعل اللجنة العثمانية التي كلفت بترسيم المصحف وكذا موقفه من تركه لمصحفه. إن موقفه هذا في حد ذاته دليل على حفظ القرآن وأنه رضي الله عنه ما كان ليتردد في البداية قبل أن يطلع علميا على العمل العلمي الذي قدمته اللجنة العثمانية لو لم يكن حريصا أشد الحرص على حفظ القرآن المقدس.

جزاك الله خيرا وأرجو أن توضح لي ما أخطأت فيه أو أخطأت في التعبير عنه، ونحن، باحثين وطلبة علم ومستشرقين، دائما عالة على المتخصصين من العلماء في هذه القضية المهمة.
 
الحقيقة القرآنية والأحرف السبعة

المهم هو أن السبيل العلمي سيقف في طريق الانغلاق والتكفير. من ادعى أن القرآن غير محفوظ طالبناه بالدليل ، وأوضحنا له ما تقرر عندنا من الأدلة على حفظه. هذا هو طريق الصحابة رضي الله عنهم . في حالة إن صدقنا ما وصَلَنا من رويات حول موقف ابن مسعود رضي الله عنه من فعل اللجنة العثمانية التي كلفت بترسيم المصحف ، وكذا موقفه من تركه لمصحفه. إن موقفه هذا في حد ذاته دليل على حفظ القرآن ، وأنه رضي الله عنه ما كان ليتردد في البداية قبل أن يطلع علميا على العمل العلمي الذي قدمته اللجنة العثمانية لو لم يكن حريصا أشد الحرص على حفظ القرآن المقدس.
جزاك الله خيرا وأحسن إليك .
نعم أخي شايب ، فالطريق العلمي الصحيح هو الكفيل بإظهار (حقيقة الحفظ) بدل (نظريات التحريف) المختلفة التي ما فتئت تتهاوى في كل وقت وحين . لأن الفرق بينهما يؤكده الاختلاف المطلق بين الحقيقة القرآنية والنظرية الإنسانية .
مع فائق التقدير والاحترام
 
جزاك الله خيرا وأحسن إليك .
نعم أخي شايب ، فالطريق العلمي الصحيح هو الكفيل بإظهار (حقيقة الحفظ) بدل (نظريات التحريف) المختلفة التي ما فتئت تتهاوى في كل وقت وحين . لأن الفرق بينهما يؤكده الاختلاف المطلق بين الحقيقة القرآنية والنظرية الإنسانية .
مع فائق التقدير والاحترام
وجود هذا التضاد بين (بيانيّة الحفظ) و (نظرية التحريف) صحيّة في حد ذاتها لدلالتها على وجود (قضية) يمكن إثباتها أو نقضها أو التشكيك فيها، ولذلك هي قضية علميّة. وكونها علمية لا ينفي إقترانها ببعد إيماني أو عقائدي أو فكراني أو مذهبي. وهذه الإزدواجية إنما تدل على أن البعض في دراسته لهذه القضية قد يفترضها بينما البعض الآخر قد يستنطقها عندما لا يهتم بدراستها إهتماما علميا قبل أن يهتم بما يقترن به التناول العلمي كالمذهبية مثلا، وعندها سوف يدرسها من خلال منظاره المذهبي والإنطباع الذي يخلفه، وفي هذه الحالة يتجاوز القضية من داخلها إلى ماوراءها كأن يفترض مثلا (الإمامة) أصل من أصول الدين ولهذا لابد وأن القرآن سينص على الأصل هذا بآي محكم وبما أن هذا غير منصوص عليه إذن ننظر للتحريف، وقل مثل هذا في القرينيات الأخريات كالمنطلق الفكراني ذو الأبعاد السياسية الذي ينطلق من التاريخانيّة أو حتمية العلمانية أو دوغمائية الأصول الكتابية للقرآن ..الخـ.

أما إختلاف الأساليب وتنوع المناهج في إثبات (بيانيّة الحفظ) فإنه يدل على وجود نظام صحي لأن الباحث عندها يتمكن من الوصول إلى نتيجة علمية لا عن طريق مسلك وحيد، بل يؤكد قضيته من خلال عدد كبير من "البيانات" المستقلة.
 
وجود هذا التضاد بين (بيانيّة الحفظ) و (نظرية التحريف) صحيّة في حد ذاتها لدلالتها على وجود (قضية) يمكن إثباتها أو نقضها أو التشكيك فيها، ولذلك هي قضية علميّة. وكونها علمية لا ينفي إقترانها ببعد إيماني..
هذا الإقتران الممكن، وهو أيضا واقعي يعمل به، إقتران سبق و أن نظرنا إليه من خلال الآيتين المقدّستين: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} و {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} وتغافلت أنا عن الآية المقدسة: {لا يَأْتِـيهِ البـاطِلُ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَـلْفِهِ} وهي آية يمكن من خلالها تبرير المنطلق الإيماني في قضية (بيانية الحفظ) شرط توسيع التفسير في المقصود بالباطل هنا وإلا إرتبطت هذه الآية إرتباطا وثيقا بآية الحفظ، فماذا قال العلماء فيها؟
 
[إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ{41} لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ{42}]
يقول الطباطبائي (ت:1412ه) في تفسيره : " فالآية تجري مجرى قوله : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } [الحجر:9 ] .
و قوله : { تنزيل من حكيم حميد } بمنزلة التعليل لكونه كتابا عزيزا لا يأتيه الباطل { إلخ } أي كيف لا يكون كذلك وهو منزل من حكيم متقن في فعله لا يشوب فعله وهن ، محمود على الإطلاق ."
 
جزاك الله خيرا أخي عبد الكريم.
في شريط مصور، أظن أن الأستاذ ايت عمران من وضع الرابط إليه في إحدى المشاركات لكن لم أعد أتذكر في أي موضوع بالضبط ولا من هو العالم الذي قال في الشريط أن الآية الكريمة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} لا يستدل بها في مقام حفظ القرآن، وأن الآية التي ينبغي الإستدلال بها هي {لا يَأْتِـيهِ البـاطِلُ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَـلْفِهِ}. إن عثرت على الشريط مرة أخرى سأطلعك عليه، بإذن الله.
 
الفاضل شايب :
1 ـ كتابة المصحف العثماني كانت ضرورة ملحة حتى لا تختلف الأمة في القرآن الكريم ، وهذه الضرورة تؤكدها قولة الصحابي الجليل حُذَيفَةَ بنِ اليمان لعُثمانَ : " يا أميرَ المؤمنينَ ، أدرِكْ هذه الأُمَّةَ قبلَ أن يَختَلِفوا في الكتابِ ، اختِلافَ اليهودِ والنصارى ."
إن دلالة هذه العبارة تؤكد أن معضلة هذا الاختلاف هي في المكتوب وليس في المقروء . المشكلة هي في الأحرف المتعددة للمعنى الواحد باختلاف القراء . لذلك سارع عثمان رضي الله عنه بتكوين لجنة تسهر على كتابة القرآن بالحرف الواحد . وهذا كان كفيلا لتوحيد الأمة على كتاب الله العزيز .
2 ـ ذكر الله تعالى للقرآن أسماء منها : القرآن والكتاب والذكر والتنزيل والفرقان وهي أسماء لمسمى واحد، إلا أن كل اسم منها يتصف بصفة زائدة يتميز بها كلام الله المعجز.
ففي المرحلة الأولى لتنزيل القرآن الكريم وعد الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله في سورة القيامة : [لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ{16} إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ{17} فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ{18} ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ{19}] .
يقول ابن كثير (ت:774هـ) في تفسيره : " هذا تعليم من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في كيفية تلقيه الوحي من الملك، فإنه كان يبادر إلى أخذه، ويسابق الملك في قراءته، فأمره الله عز وجل إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له، وتكفل الله له أن يجمعه في صدره، وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه، وأن يبينه له، ويفسره ويوضحه. فالحالة الأولى جمعه في صدره، والثانية تلاوته، والثالثة تفسيره وإيضاح معناه."
فهي مراحل تكفل الله تعالى بها منذ الوهلة الأولى للوحي . والآية الجامعة : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر:9] هذه الآية العظيمة المؤكدة بأنواع من أدوات التوكيد ، لهي الحرز القوي الذي يؤكد أن القرآن محفوظ {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }[فصلت:42] .
لهذا أشير إلى أن علوم القرآن وخصوصا كل ما يتعلق بالمراحل التي قطعها القرآن منذ مرحلة التنزيل إلى أن جمع في المصاحف العثمانية وما تبع ذلك من عناية المسلمين به قراءة وكتابة وتجويدا وترتيلا . علينا أن ندرسها تبعا للبعد الإيماني الواجب توفره في الباحث المسلم .
إن بعض المسلمين مازال يتعرض في دراسته لهذه المباحث بنوع من الريب والشك ، حتى إن من المسلمين من يعتقد إلى الآن أن القرآن طالته الزيادة والنقصان ، ويتهم جهات من هنا وهناك ويحملهم المسئولية في ذلك . وهذا لا يصح اعتمادا على كون القرآن تكفل الله بحفظه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
من أجل ذلك ، فنحن في أشد الحاجة إلى دراسة علوم القرآن اعتمادا على الحقيقة القرآنية التي تتمثل في الآية 9 من سورة الحجر .
والله أعلم وأحكم
بارك الله فيكم استاذ عبد الكريم علي هذا التوضيح المفيد
 
عودة
أعلى