الحج في وقفات ..

إنضم
07/03/2012
المشاركات
71
مستوى التفاعل
1
النقاط
8
الإقامة
مكة المكرمة
الحج كما هي الأعمار هي أيامٌ قلائلٌ معدودات...
قال تعالى: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ} النور 44
من منة الله تعالى علينا أن جعل لنا هذه الأيام والأعمار التي لا يعتبر بمرورها وتقلبها إلا أولو الأبصار.
فما هي إلا أنفاسٌ وأيامٌ ما مضى منها لا يعود ثم تنقضي الأعمار، فابن آدم أيام إذا ذهب يومه ذهب بعضه ، وهو منذ وضع قدمه في هذه الدنيا هو سائر عنها وماض ، مقبل على آخرته لا مفر ولا محالة.
وعجباً لمن عمل لدار هو راحل عنها، وترك العمل لدار هو راحل إليها، وقد امتن الله علينا بأيام عشر ذي الحجة أيام معدودات {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} البقرة 203
يجتهد المرء فيهن فيعظم له - سبحانه – الأجر، ويغفر له الذنب والوزر، فصاحب البصيرة يستغل هذه الأيام حتى يستدرك ما قد فوت وأضاع.
وهذه الأيام هي من أحب وأعظم الأيام، والعمل الصالح فيها أفضل من العمل في غيرها قال الرسول- صلى الله عليه وسلم- (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ولا الجهاد في سبيل الله، فقال رسول الله - عليه الصلاة والسلام -: (ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء).أخرجه البخاري
وورد في فضل يوم عرفة حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: إن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وأنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء) أخرجه مسلم.
فهو يوم المغفرة والعتق وصيامه يكفر سنتين. فعن أبي قتادة- رضي الله عنه-، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- سئل عن صوم يوم عرفة، فقال: (قال يكفر السنة الماضية والباقية)، أخرجه مسلم.
ومن أفضل الأعمال في هذه العشر حج بيت الله الحرام، ففي الحج تجتمع صور العبادات المختلفة القلبية والبدنية والمالية، وقد قال- صلى الله عليه وسلم- حين سئل: أي العمل أفضل؟ قال: الإيمان بالله ورسوله: قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور. متفق عليه.
وأصل الأمر فيه تقوى الله قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} البقرة: (197) فتكرر ذكر التقوى في هذه الآية مراراً تأكيداً على الأمر به، والتقوى أمر عظيم وبه يكون القبول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} المائدة: (27) والحاج لابد أن يكون تقياً حتى يتحصل على عظيم الأجر الذي وعد به الله.
(الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) أخرجه البخاري، (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) أخرجه البخاري، ومتى ما استقام العبد ولزم الطاعة وترك المعصية، وحرص على سرعة الاستجابة زاده الله هدى وآتاه التقوى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} محمد: (17)، فلابد من إدراك العبد لحقيقة الحج، والحكم والغايات منه حتى يؤديه كما ينبغي لوجه الله - سبحانه وتعالى -، فالتقوى أصل الحج والأمر به.
والحج تذكرنا شعائره ومشاعره باليوم الآخر ،وراجع نفسك فهذا الطواف والسعي ،وتلك عرفة وما أدراك ما عرفة؟ ،وهناك مزدلفة ؟ ثم مبيت بمنى، يتبعها رمي الجمرات ،وهاك النحر...
الحج فيه تسكب العبرات ويتضرع بالدعوات.
الحج تهفو إليه القلوب ويفيض إليه الناس من كل بقعة ومكان .
الحج ذكرى لمن اهتدى، وتقوى لذي لب تزود للأخرى .
والمتأمل لآيات الحج في سورة البقرة يجد أوامر عدة :كإتمام الحج، الصيام ،الصدقة ،الهدي، النسك، التزود بالتقوى، الذكر ،الاستغفار، الدعاء..
ويجد منهيات عن أمور: كحلق الرأس حتى يحل، الرفث ،والفسوق ،والجدال ..
يلحظ كذلك كيف كانت خواتيم الآيات ..
أولا: قوله تعالى(واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب) هذا وعيد شديد وتهديد مما يستلزم مزيد عناية بالحج ومشاعره وأحكامه ..
ثانيا: (واتقون يا أولي الألباب) بيان لحقيقة جلية وهي أنه إنما يتقي صاحب اللب والعقل ..
ثالثا:(واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين) الحج واجتماع الناس فيه على مدى الزمان ومع اختلاف المكان لا بد أن يذكرنا بعظيم منة الرحمن علينا بالهداية مما يستلزم الشكر وكثرة الذكر..
ثم يذكر أصناف الناس فيما يحملونه من هم وغاية، فمريد للدنيا فحسب، ومريد للآخرة والدنيا فيكون ذلك هو مطلوبهم و دعاؤهم وسؤالهم ثم (والله سريع الحساب) فالحج تذكرة للعباد بيوم الحساب، ثم يختم بقوله (واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) الحج محشر في الدنيا لا بد أن يذكرنا بمحشر الآخرة حتى يتحقق التقوى.
ومن أهم الأمور التي ينبغي أن يحرص عليها الحاج مما يحدث فيه خلل كبير من قبل بعض الحجاج:
أولاً: تعظيم شعائر الله: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} الحج: (32) {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} الحج:(30)، وما يحدث في زماننا من البعض من تفريط في هذا الجانب هو من الخسران العظيم فلابد من مراعاة حرمة هذا الزمان وهذا المكان.
فلو كان هذا التعظيم جليا في النفوس، ومتمثلاً في الجوارح ،لما كان هناك ما يوجد من المفرطين من قول بذيء، وعمل سفيه، وتجاوز وفحش وزور.
ومن صور ذلك سوء الخلق، التهاون في الذنوب، أذية المسلمين، عدم حفظ السمع والبصر والجوارح عن الحرام، تبرج النساء، العبث بالأماكن المقدسة وإهمال العناية بنظافتها، ورمي القاذورات وغير ذلك مما تندى له الأنفس الأبية أن يكون هذا في البلد الحرام والزمن الحرام.
ولعل وجودنا هنا في هذه البلاد يستلزم منا زيادة اعتناء بهذا الجانب إذ أننا نصور أمام جموع الحجيج من أنحاء العالم منبر القدوة والأسوة.
ونجد في هذه السنين ظهرت جملة من الأخطاء بين الحجيج لا محالة أن منها ما كان بسبب من بعضنا ممن يعيش في هذه البلاد فهو يتحمل مسؤولية هذه الأخطاء بتقصيره وتفريطه وسوء خلقه وبظهوره كأسوأ قدوة وأسوة .
ثانياً: الاستكثار من الخير: {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} فما هي إلا أيام معدودات لابد من الاستكثار فيها من الخير، كما أمر - سبحانه - وحث عليه، ومن صور ذلك قراءة القرآن والذكر وكثرة الاستغفار والدعاء، وبذل المعروف وإطعام الطعام، وإفشاء السلام، وحسن الخلق، وإعانة المحتاج..
ثالثاً: التزود بالعلم: فلابد للحجيج من تعلم ما يتعلق بهذه العبادة أركاناً وواجبات وسنناً قبل أن يحج حتى لا يحدث ما يخل بها أو ينقصها، ولا يفرط في طلب العلم بعد حتى إذا أخلّ وأخطأ وجهل أخذ يسأل ويبحث عن مخرج وحل.
رابعا: الخضوع والتضرع والخشوع فالآيات في الحج تؤكد على هذه المعاني فاقرأها بتأمل وتدبر.
خامسا: الدعوة إلى الله فالحج موسم عظيم تجتمع فيه قلوب ونفوس هي مقبلة على الله طالبة مرضاته ، والدعوة حينها بإذن الله تؤتي ثمارا جلية، وتكون سببا لرجوع هذه الوفود إلى بلادها بصورة نقية .
هذه وقفات يسيرة في هذه الفريضة التي أسأل الله أن ينفع بها كل من حج وأن يتقبل من كل من طاف وسعى ودعا، وأن ينصر هذه الأمة بالتقوى .
 
عودة
أعلى