الجواب على جواب الحازمي في تكفير من يعذر بالجهل وموقفه من قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

محمد براء

New member
إنضم
12/03/2006
المشاركات
375
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب على جواب الحازمي في تكفير من يعذر بالجهل وموقفه من قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله​

فقد كتبت تغريدة في موقع تويتر قلتُ فيها : " الحازمي ينصح بعدم الأخذ عمن يعذر بالجهل في العقيدة ، وينصح بالأخذ عن الشيخ ابن عثيمين فكيف يكون ذلك ؟! "
ثم نقلت جوابين أجاب بهما الشيخ أحمد بن عمر الحازمي عن سؤالين على صفحته على موقع الآسك ، وهذا نص السؤالين والجوابين :
السؤال الأول : " السلام عليكم شيخنا الكريم كثر الجدال في الاونة الاخيرة خاصة في امور العقيدة و اصل الدين فمن هم اهل العلم اليوم تنصحنا بقراءة كتبهم و سماع اشرطتهم خاصة في علم التوحيد و العقيدة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
نعم .. صحيح كثرت الفتن بكثرة المخالفين من أهل العلم في مسائل الإيمان والكفر .. ولا أستطيع أن أحدد لك أحدا من المعاصرين ولا أعني أنه لا يوجد أحد - حاشا وكلا - بل الخير موجود ولكني لست متابعا لهم .. والحكم على الشيء فرع عن تصوره .. وإن أردت من المسموعات فعليك بالشيخين ابن باز وابن عثيمين رحمها الله .. مع إدامة النظر في كتب أئمة الدعوة تجد فيها الدليل من الكتاب والسنة وكلام الشيخين ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله .. وتحرير المسائل ما لا تجده في غيرها لا سيما مسائل توحيد العبادة ، وبيان الشرك الأكبر وحقيقته، ومسألة العذر بالجهل ..
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .. " .
السؤال الثاني : " شيخنا بارك الله فيكم هل نأخذ العقيدة عن من يعذر بالجهل ؟
وفيك بارك ..
السلامة لا يعدلها شيء .. فالنصيحة عدم الجلوس معهم مطلقا .. وبالله التوفيق " .
وقد قام أحدهم بنقل تغريدتي إلى الحازمي فأجاب الحازمي بجواب نشره في صفحته على الفيس بوك ، وقد رأيت ضرورة التعليق على جواب الحازمي ، وذلك بالتعليق على أمرين :
الأمر الأول : التعليق على ما قاله في إبطال التعارض بين جوابيه آنفي الذكر .
الأمر الثاني : التعليق على فهمه لمذهب ابن عثيمين .
أما الأمر الأول : فبيانه من وجوه :
الوجه الأول : أنه قال في جوابه : " نعم يكون ذلك ، بناء على اختياري فيما ينسب إلى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله " ، فيقال : قد كنتَ تقول إن الشيخ ابن عثيمين يعذر بالجهل ، ولم تذكر أي قيد لمذهبه ، وقضية الإطلاق والتقييد هذه جديدة في كلامك ، وكلامك الأول موجود بصوتك .
واعتراضي إنما كان بناء على كلامك هذا الذي تنسب فيه القول بالإعذار لابن عثيمين بلا قيود ، فالصواب أن تقول في جوابك : بحسب اختياري الجديد فيما ينسب لابن عثيمين ، ولا ندري هل ستثبت على هذا الاختيار أم تغيُّره ، لكنني أرجو أن يكون التغيير القادم نحو الحق والصواب !
الوجه الثاني : قلتَ : " ودعوى أن الشيخ يعذر بالجهل مطلقًا ، لا تصحّ ، إذ له نصوص كثيرة صريحة في عدم تسمية من وقع في الشرك الأكبر مسلمًا ، بل جزم بأنه مشرك كما في بعض فتاويه " .
وأقول : هذا التعليل لا يدل على تقييد ، لأنه إن كان ابن عثيمين لا يسمي من وقع في الشرك الأكبر مسلمًا ، وصح الاستدلالُ بذلك على عدم إعذارِه له ، فهذا يدل على أنه لا يعذر بالجهل في الشرك الأكبر مطلقًا ، وإن كان لا يسميه مسلمًا بقيد ، فكلام ابن عثيمين الذي نقلتَه - أعني النقل الأول المعزو إلى مجموع الفتاوى (2/160) - ليس فيه قيد للإعذار ، وأنت نفسك لم تستخرج منه قيدًا ، فهو إذًا لا يفيدك في مطلوبك الذي أبنْتَه بقولك : " ودعوى أن الشيخ يعذر بالجهل مطلقًا ، لا تصحّ " ، وجعلته حجة لك في عدم التعارض بين جوابيك المتقدمين .
الوجه الثالث : قلتَ : " كما أن له فتاوى كثيرة جدًا في تقييد العذر بالجهل بعدم إمكان العلم ، وأن التفريط يرفع العذر ، وأن المفرّط لا يكون معذورا .. " .. ونقلت عدة نقول في الدلالة على ذلك ..
ثم نقلت قول ابن عثيمين : " أن يكون – يعني : الجهل بالمكفر - من شخص يدين بالإسلام ولكنه عاش على هذا المكفر ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبهه أحد على ذلك فهذا تجري عليه أحكام الإسلام ظاهرًا، أما في الآخرة فأمره إلى الله عز وجل وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وأقوال أهل العلم " ، وقلتَ معلقًا : " فتأمل قوله رحمه الله: " فهذا تجري عليه أحكام الإسلام ظاهرًا، أما في الآخرة فأمره إلى الله عز وجل " ، فأجرى عليه أحكام الإسلام ظاهرا، ومعلوم أن هذا التركيب إنما يعبر به عمن لم تقم به حقيقة الإسلام " .
أقول : لا يخلو هذا القيد – أعني عدم التفريط – للإعذار بالجهل ، إما أن يكون قيدًا صحيحًا عندك ، وإما أن يكون قيدًا فاسدًا ، أي : إما أن يكون هذا الحكم الذي حكم به ابن عثيمين على الجاهل غير المفرط وهو أنه مسلم في أحكام الدنيا ، إما أن يكون حكمًا صحيحًا عندك أو حكمًا فاسدًا .
وإذا نظرنا في شرحك لمفيد المستفيد وجدنا أنك لا تعدُّ هذا الحكم صحيحًا بل تحكي الإجماع على ضده ؛ أي الإجماع على أن هذا الصنف يعامل معاملة الكفار في الدنيا .
فثبت إذًا أن هذا القيد فاسد لديك ، وإذا كان كذلك يقال لك : كيف تحتج بهذا القيد الفاسد عندك على أن ابن عثيمين لا يكفر بالجهل بإطلاق ؟ والقيد الفاسد بمنزلة العدم !
أم أن القيود في الإعذار بالجهل عندك نوعان قيود فاسدة يحكم بالكفر على من اعتبرها ولا يجوز تلقي علم الاعتقاد عنده وقيود فاسدة لا يحكم بالكفر على من اعتبرها ويجوز تلقي علم الاعتقاد عنده ؟! أم أنك لم تتفطن إلى فساد هذا القيد على أصلك ؟ أم أنك تفطنت وتريد التمويه والجدال عن نفسك فحسب ؟!
وقولك : " ومعلوم أن هذا التركيب إنما يعبر به عمن لم تقم به حقيقة الإسلام " ، يقال لك : هذا الذي تراه أنت " لم تقم به حقيقة الإسلام " يحكم له ابن عثيمين بأحكام أهل الإسلام في الدنيا ، فما أفادك تعقيبك هذا شيئًا .
الوجه الرابع : قلت : " فأين هذه الأقوال مع من لا يكفر أحدًا مطلقًا بحجة أنه معذور بالجهل! ويستدل بكلام الشيخ رحمه الله " .
أقول : إن كان نزاعك مع " من لا يكفر أحدًا مطلقًا " فسمه بهذا الاسم ، وقل : من لا يكفر أحدًا مطلقًا كافر ، أو لا يجوز أخذ العلم عنه ، أما إن كنت لا تحسن تسمية منازعك بالاسم الدال على حقيقة قوله ، ولا تحسن فهم أقوال الناس ودرجاتها ومراتبها ، فخير لك أن لا تخوض في هذه المسائل لا مجادلًا ولا مُقررًّا .
الوجه الخامس : قلتَ في نهاية جوابك : " فلا تعارض حينئذ بين أن أقول : بحرمة تلقي العقيدة عن أهل البدع الذين اختلط عليهم التوحيد بالشرك ، فلا تمييز عندهم بين توحيد وشرك ، ولا بين موحدين ومشركين ، وبين أن أنصح بالسماع للشيخ رحمه الله تعالى " .
أقول : نص السؤال الذي وجهه السائل إليك : " هل نأخذ العقيدة عن من يعذر بالجهل ؟ " ، ولم يقل : " ما حكم تلقي العقيدة عن أهل البدع الذين اختلط عليهم التوحيد بالشرك ، فلا تمييز عندهم بين توحيد وشرك ، ولا بين موحدين ومشركين " .
وأقول : إن كنت ترى كل من يعذر بالجهل كذلك فابن عثيمين منهم ، لأنه بإقرارك يعذر بالجهل لكن ليس مطلقًا ، وأما إن لم تكن تراهم كذلك وجب عليك التمييز والتفريق ، لا أن تطلق العبارات ثم إذا أُلجِئت بالمعارضات صرت تقول أقصد كذا ولا أقصد كذا ، ومن لا يحسن ضبط ألفاظه في هذه القضايا فليتركها يك خيرًا له .
وثبت مما تقدم أن التعارض ما زال قائمًا بين جوابي الحازمي ، وأنه لم يدفع الإشكال بجواب مستقيم .
أما الأمر الثاني الذي وعدتُ به : وهو التعليق على فهم الحازمي لمذهب ابن عثيمين .
فأقول : إن من نظر في كلام الشيخ ابن عثيمين وجده خاليًا تمامًا من استدلالات وأصول القائلين بعدم الإعذار بالجهل ، بل يجد فيه نقضًا لتلك الأصول .
أما أنه خالٍ تمامًا من استدلالات من يمنع الإعذار بالجهل ، فهذا أمر ظاهر ؛ فالذين يمنعون العذر بالجهل لهم استدلالات معروفة ، وطرق استدلالية معروفة ، هي علامات عليهم ، لا تجدها قط في كلامه .
وقد حاول الحازمي أن يفهم كلام ابن عثيمين بناء على قاعدة يعدها أصلا في مذهبه في منع العذر بالجهل وهي أن كل من تلبس بالشرك وصفناه بأنه مشرك ، وإذا ثبت اتصافه بهذا اللفظ فهو غير معذور ، فصار كلما وجد عالمًا يصف صاحب فعل بأنه مشرك استدل بذلك على أنه لا يعذر بالجهل ، ولهذا عد كلام ابن عثيمين في وصف فعل من دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه شرك عده دليلًا على أنه لا يعذر بالجهل ، وبنفس الطريقة ينسب مذهب عدم الإعذار لشيخ الإسلام ابن تيمية .
والجواب عن هذا أن الحازمي يخلط بين أمرين :
الأمر الأول : بين كون الصفة إذا قامت بمحل لا يجوز أن يتصف بها غيره ، ولا يشتق لغيره منها اسم ، فلا يجوز أن يتصف بالكلام من قام الكلام بغيره ، ولا أن يسمى متكلمًا وهذه من حجة السلف على من قال بخلق القرآن كما بُسط ذلك في موضعه .
والأمر الثاني : أن عدم جواز اتصاف غير هذا المحل بهذه الصفة القائمة به ، لا يلزم منه وجوب اشتقاق اسم لذلك المحل من هذه الصفة ، بل ولا جوازه ، فإنه لا يجوز أن يُشتق لله تعالى اسم من بعض الأفعال القائمة به ، مثل المكر والاستهزاء ، وقد نبه لذلك ابن القيم في بدائع الفوائد فقال : " لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيَّدًا أن يُشتق له منه اسم مطلق كما غلط فيه بعض المتأخرين فجعل من أسمائه الحسنى المضل الفاتن الماكر تعالى الله عن قوله فإن هذه الأسماء لم يطلق عليه سبحانه منها إلا أفعال مخصوصة معينة فلا يجوز أن يسمى بأسمائها المطلقة " .
وقد ظهر خلط الحازمي بين هاتين القضيتين في استدلاله بكلام الأصوليين في دروسه في شرح مفيد المستفيد ، فقد استدل بقول صاحب المراقي :
[poem=]وعند فقد الوصف لا يشتق = وأعوز المعتزلي الحق[/poem]
استدل به على أن من تلبس بوصف الشرك يجب أن يشتق له اسم المشرك ، ولم يفطن أن البيت لا يعطي هذا المعنى ، وإنما يعطي المعنى الأول ، وهو أن من فقد الوصف لا يجوز أن يتصف بما لم يقم به ، ولا أن يشتق له منه اسم ، وهي المسألة التي خالف فيها المعتزلة عندما سموا الله تعالى متكلمًّا بكلام مخلوق قائم بغيره ، ولا يعطي البيت المعنى الذي يريده الحازمي وهو أن كل من قام به وصف وجب اشتقاق اسم له منه .
فإذا تقرر هذا ، فإن وصف الشيخ ابن عثيمين - في جوابه عن السؤال المذكور - لفعل بأنه شرك أو أنه خروج من الإسلام لا يلزم منه أن يشتق لفاعل هذا الفعل اسم المشرك ، ولا أنه يعطيه أحكامه .
ولذلك لم يفهم شيخ الإسلام ابن تيمية من قول الشافعي لحفص الفرد : " كفرت بالله العظيم " أنه كفره بعينه ، قال : " وكذلك الشافعي لما قال لحفص الفرد حين قال: القرآن مخلوق: " كفرت بالله العظيم " ، بين له أن هذا القول كفر ولم يحكم بردة حفص بمجرد ذلك ، لأنه لم يتبين له الحجة التي يكفر بها ، ولو اعتقد أنه مرتد لسعى في قتله ، وقد صرح في كتبه بقبول شهادة أهل الأهواء والصلاة خلفهم " . مجموع الفتاوى (23 / 349) .
وأما كون كلام الشيخ ابن عثيمين يحوي تقريرات تنقض أصول مذهب عدم الإعذار بالجهل فيظهر ذلك في أمرين :
الأول : أن من أصول ذلك المذهب عدم التفريق بين حال المسلمين الواقعين في ناقض من نواقض الإسلام ، وبين حال الكفار الأصليين ، والشيخ ابن عثيمين ينص على الافتراق بينهما ، والنقل الذي نقله الحازمي عنه صريح في ذلك وهو قوله : " وذلك أن الجهل بالمكفر على نوعين :
الأول: أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام أو لا يدين بشيء ولم يكن يخطر بباله أن دينًا يخالف ما هو عليه فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله -تعالى -، والقول الراجح أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله عز وجل - والله أعلم بما كانوا عاملين، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب لقوله تعالى:(وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) وإنما قلنا: تجرى عليه أحكام الظاهر في الدنيا وهي أحكام الكفر؛ لأنه لا يدين بالإسلام فلا يمكن أن يعطى حكمه، وإنما قلنا بأن الراجح أنه يمتحن في الآخرة لأنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم - رحمه الله تعالى- في كتابه: طريق الهجرتين" عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة.
النوع الثاني: أن يكون – يعني الجهل بالمُكفِّر - من شخص يدين بالإسلام ولكنه عاش على هذا المكفر ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبهه أحد على ذلك فهذا تجري عليه أحكام الإسلام ظاهرًا، أما في الآخرة فأمره إلى الله عز وجل وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وأقوال أهل العلم " .
أما الحازمي فلا يعرف هذا التفريق ، ولذلك تجده في دروسه ينزل كلام ابن القيم في الكفار الأصليين الذين لم يؤمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، على من وقع في الشرك ممن ثبت له الإسلام قبل وقوعه .
الثاني : أن من أصول مذهب عدم الإعذار بالجهل التفريق بين المسائل الظاهرة والخفية ، والشيخ ابن عثيمين لا يرى صحة هذا الأصل ، وقد نقل الحازمي عنه نقلا صريحا في ذلك وهو قوله : " العذر بالجهل ثابت في كل ما يدين به العبد ربه " ، ويقول : " "تجب إقامة الحجة قبل التكفير، وذلك في كل المسائل التي يمكن أن يجهلها الناس، فلا نقسم المسائل إلى مسائل ظاهرة ومسائل خفية؛ لأن الظهور والخفاء أمر نسبي، قد تكون المسألة ظاهرة عندي وخفية عند غيري، فلابد إذاً من إقامة الحجة وعدم التسرع في التكفير؛ لأن إخراج رجل من ملة الإسلام ليس بالأمر الهين ".
وهذا النقل في لقاءات الباب المفتوح (48) ، ولم ينقله الحازمي في جوابه ، والله تعالى أعلم .

رابط جواب الحازمي
 
تتمة مهمة لما تقدم في مسألة تكفير من لم يسمِّ من وقع في الشرك جاهلًا باسم المشرك
مما يبين أن من مناطات التكفير في قضية تكفير من يعذر بالجهل لدى الحازمي ما هو متحقق في الشيخ ابن عثيمين ، قوله في الدرس الثامن من شرح رسالة تكفير المعين معقبًا على كلامٍ لابن جرير الطبري : " فسماهم مشركين ، وأثبت أنهم جهلة ، إذًا لا مانع أن يقال هم مشركون وهم جهلة .
عند جهمية العصر ماذا ؟ لا يسمون مشركين لوجود الجهل ، فجعلوا الجهل مانعًا من الاسم ، هذا كفر ، هذا كفر ، حتى ما نقول باستثنائه في [ من لم يكفر المشركين ، البعض ] ؛ قلنا : إذا استثنى البعض وكان الأصل المطرد عنده أنه يكفر يجب أن يعتقد ماذا ؟ يعتقد أنهم مشركون ، أنه لا يجتمع ماذا ؟ الإسلام والشرك ، فإذا اعتقد اجتماعهما معًا أو جوز أن يجتمعا هذا هو لم يكفر بالطاغوت ، لم يعرف حقيقة الإسلام ، فهو كافر ، العاذر نفسه كافر ، وكفره بالإجماع ، لا فرق بين الإجماع الأول والثاني " .
قلت : فكلامه هنا صريح في تكفير من لم يسم الجاهل الذي وقع في الشرك مشركًا ، وهذا المناط الذي ذكره في التكفير متحقق في الشيخ ابن عثيمين ، وهذا نص كلامه رحمه الله في القول المفيد (1 / 47) : " لا يجوز إطلاق الشرك أو الكفر أو اللعن على من فعل شيئا من ذلك لأن الحكم بذلك في هذه وغيرها له أسباب وله موانع، فلا نقول لمن أكل الربا: ملعون، لأنه قد يوجد مانع يمنع من حلول اللعنة عليه، كالجهل مثلا، أو الشبهة، وما أشبه ذلك، وكذا الشرك لا نطلقه على من فعل شركا، فقد تكون الحجة ما قامت عليه بسبب تفريط علمائهم، وكذا نقول: من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ولكن لا نحكم بهذا لشخص معين إذ إن الحكم المعلق على الأوصاف لا ينطبق على الأشخاص إلا بتحقق شروط انطباقه وانتفاء موانعه.
فإذا رأينا شخصا يتبرز في الطريق، فهل نقول له: لعنك الله؟
الجواب: لا، إلا إذا أريد باللعن في قوله: "اتقوا الملاعن" أن الناس أنفسهم يلعنون هذا الشخص ويكرهونه، ويرونه مخلا بالأدب مؤذيا للمسلمين، فهذا شيء آخر.
فدعاء القبر شرك، لكن لا يمكن أن نقول لشخص معين فعله: هذا مشرك، حتى نعرف قيام الحجة عليه، أو نقول: هذا مشرك باعتبار ظاهر حاله " .
فهنا منع الشيخ ابن عثيمين من إطلاق اسم الشرك عليه إلا بعد انتفاء الموانع ومنها الجهل ، ثم جوز في نهاية كلامه تسميته بذلك باعتبار ظاهر حاله ، والحازمي يوجب تسميته مشركًا ويجعل ضد ذلك كفرًا ، فثبت بذلك أن ابن عثيمين على أصل الحازمي كافر ، لأنه لا يوجب تلك التسمية بل يجعلها - في الأصل - ممنوعة قبل قيام الحجة .
 
عودة
أعلى