محمد القلذي
New member
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله وعلى آله .. ثم أما بعد :
إن المتأمل لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه واله وسلم - في وصف الجنة التي أعدها الله لعباده ،يجد وصفاً بحيث يعجز العقل عن معرفة مقدار سعة هذه الجنة وما هي أقسامها ؟ وما هي درجاتها ؟ وهل جنة الفردوس يدخلها فئة غير الذي يدخلون جنة النعيم ؟ غير الذين يدخلون جنة عدن ؟ من هنا جاء السؤال : هل جنة الفردوس وجنة النعيم وجنة عدن هي أسماء لشيء واحد ام ان كل جنة لها مختلفة عن الاخرى؟
يأتي الجواب من كتاب الله ان كل جنة تختلف عن الاخرى ولكل جنة خصائص وصفاتغير الاخرى ولبيان ذلك أبدأ بهذا السؤال :
هل كل ما في الجنة ينطبق عليه حديث الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الجنة أن فيها مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ؟
الجواب كلا !: فالجنة لا ينطبق عليها كلها هذا الحديث وذلك للأسباب التالية :
1- أن الله عندما يصف الجنة فهو أقدر من يستطيع وصفها وهي كما قال لا زيادة ولا نقصان ، وهو أقدر من يوصل المعلومات عنها لخلقه ولو خالفت ما وصف في القرآن لقلنا : أن الوصف الذي وصفت به غير دقيق وهذا غير صحيح ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )
2- والحديث يقول : ( ولا أذن سمعت ) ونحن قد سمعنا وصف الجنة عندما يتلى علينا كتاب الله او يصفها رسولنا الكريم .
2- الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( ما لا عين رأت ) وهو قد رآها ويقول : ( ولا خطر على قلب ) بشّرَ وهو - صلى الله عليه واله وسلم - من البشر وقد خطرت على قلبه .
إذاً نستنتج أن الذي ينطبق عليه الحديث هو ما أخفاه الله عنا ، ولم يصفه لنا ، وهذا الشيء المخفي هو الذي فيه : ( ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ) ، قال الله في كتابه ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) ، إذن فما أخفى هو الذي ينطبق عليه الوصف ما لاعين رات ولا اذن سمعت ولاخطر على قلب وايضا قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - (فيها ) وكلمه ( فيها ) لا يفيد العموم لقوله عز وجل : (فيها عين جارية ، فيها سرر مرفوعة …) فكلمة فيها تفيد البعض فليس كل ما فيها هو عين جاريه ولا سرر مرفوعة ، بل هناك الأنهار وهناك المساكن وهناك وهناك … إلخ . اذا ماخفي هو الذي ينطبق عليه الوصف ما عدا ذلك فقد علمنا بوصفه وله شبيه في الدنيا قال تعالى مخبرا عن عباده في الجنة عندما تقدم لهم فواكه اوما شابه ان هذاقد رزقنا مثله في الدنيا قال الله تعالى (قالوا هذا الذي رزقنا من قبل)
وهذا يقودنا إلى سؤال : هل يدخل الإنسان جنة واحدة ؟ أم يملك جنات عدة ؟ وهل يملك المؤمن جنة فردوس وجنة عدن وجنة نعيم ؟ أم جنة من نوع واحد ؟
الجواب : أن المؤمن يدخل جنات وليس جنة واحدة ، قال الله تعالى: ( ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار).
س: هل يمكن توضيح ما هي هذه الجنات التي سوف يدخلها المؤمن ؟
ج/ أولاً : المؤمن بالله سوف يدخل في مكانٍ يسمى الغرفة ، وهذه الغرفة تحتوى على عدة جنات ولا يملكها أو يشاركه فيها أحد غير خدمه وزوجاته وهذه الغرفة هي أرض من أراضي الجنة غير متصلة بباقي الغرف أي أنها كما يبدو مثل ( كوكب منفصل ) عن باقي الغرف كما سنرى ، والله أعلم ، وكل غرفة منفصلة عن الأخرى ، وبين الغرف مسافات شاسعة ، وتختلف كل غرفة عن الأخرى من حيث الحجم والجمال والعلو والمنزلة فأقل هذه الغرف يملكها آخر من يدخل الجنة وهي مثل الدنيا عشر مرات أي مثل حجم الأرض عشر مرات فما بالك بأرفعهم منزلة وقدراً ( فسبحان الله ) قال تعالى : ( لنبوئنهم من الجنة غرفاً ) وقال جل شأنه :( لكن الذين أتقو ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار ) وقال تعالى ( وهم في الغرفات آمنون) وقال تعالى : (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما)
وهذه الغرفة يبدوا أنها تحتوي على عدة جنات والجنات الرئيسية فيها هي :
أ- جنة الفردوس : فلكل مؤمن جنة فردوس قال تعالى : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نُزُلاً } ، إذن فالفردوس ليست جنة واحدة بل جنات فهناك فردوس أعلى وفردوس أدنى فقد قال الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وأله وسلم لأم حارثة ( إنها جنان كثيرة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى ) أي أنه أصاب الجنة أو الغرفة التي فئة الفردوس فيها الأعلى وهي أعلى مرتبه .
والفردوس تتوسط الغرفة وهي أرفع منطقة في الغرفة لأنها أعلى الجنة وأوسطها ومنها تنبع أنهار الجنة - أي الغرفة - فلو شبهنا الغرفة بالأرض فجبال إيفرست هي أعلى الأرض فلو توسطت هذه الجبال الأرض أي كانت في الوسط - مكان الكعبة - لأنها وسط الأرض فينطبق عندئذ الوصف لجبال الهملايا (الإيفرست) أنها أعلى الأرض وأوسطها ، ولأنها مرتفعة فإن الأنهار تنساب منها إلى أسفل وكذلك الفردوس فلكل مؤمن في غرفته جنة فردوس وهي أعلى الغرفة وأوسطها ومنها تنبع أنهار الغرفة ( الجنة ) وتختلف جنة الفردوس من غرفة لأخرى حسب منزلة المؤمن عند ربه .
ب- جنة النعيم : هي جنة خاصة بالفواكه واللحوم والقطوف الدانية والظلال لقول الله عز وجل { إلا عباد الله المخلصين * أولئك لهم رزق معلوم * فواكه وهم مكرمون * في جنات النعيم } إذن فقد حدد الرزق بالفواكه مع التكريم وحدد الجنة بأنها جنات النعيم وليس غيرها وهي ليست جنة واحدة بل جنات أي كل شخص له في غرفته جنة نعيم فيها الفواكه المتنوعة والظلال الوافر … الخ . وذكر القرآن في معرض السخرية من الكافرين قوله تعالى : { أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم } ووردت في الآية على سبيل التمكين مما يدل على أن لكل شخص جنته .
وتختلف هذه الجنة تبعاً لمنزلة الشخص عند ربه أي فهناك جنة نعيم أوسع وأجمل من جنة نعيم في منزله أقل وهكذا ونلاحظ أن كل شخص سوف يملك جنة نعيم قال تعالى : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم} فكما وعد الله - عز وجل - من يؤمن ويعمل صالحاً بأن له جنة فردوس وعده أيضاً بجنة النعيم لذلك كلما ارتفعت درجة الغرفة زادت جنة النعيم جمالاً وبهاءً ونوراً وأفضلها جنة النعيم التي في أعلى الدرجات قال تعالى : { والسابقون السابقون * أولئك المقربون * في جنات النعيم } وهذا يدل على أن السابقين المقربين وهم أرفع المؤمنين منزلة لهم في غرفهم جنات نعيم إضافة إلى جنات الفردوس وجنات عدن …
3- جنة عدن : وهي أيضاً ليست جنة واحدة بل جنات وهي الجنة الثالثة التي يملكها المؤمن في غرفته – جنته - قال تعالى { إن الذين آمنوا وعلموا الصالحات أولئك هم خير البرية * جزاؤهم عند ربهم جنات عدن } إذن هي كسابقتيها - جنة الفردوس وجنة النعيم - سيملكها من آمن وعمل الصالحات ، فلزم أن تضاف له جنة عدن ؛ لأن الله وعد من يؤمن ويعمل صالحاً بأنه له جنة فردوس ونعيم وكذلك جنة عدن إذن فهذه الجنات الثلاث تجتمع لكل مؤمن في الغرفة الواحدة غير ما أخفي له من قرة أعين وجنة عدن هذه مخصوصة بالمساكن وهي كذلك المكان الذي يحلى فيه المؤمن بالأساور من الذهب واللؤلؤ ولباس الحرير . وحددت بالسكن فقط مع الحلي والدليل قول الله - عز وجل - : { يغفر لكم من ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن } إذن فسوف يدخل المؤمن جنات الفردوس والنعيم ، إلى جانب ذلك سيكون له مسكن وحده في جنة عدن وليست عدن جنة واحدة بل عدة جنات فلكل مؤمن في غرفته جنة عدن خاصة فيها مساكنه وأهله لا يشاركه فيها مؤمن آخر ، وكلما ارتفعت درجة المؤمن زادت درجة جنة عدن جمالاً ونوراً وأفضلها جنات عدن التي في الدرجة العليا قال تعالى : { ومن يأته مؤمن قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى * جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى } إذاً فالغرفة التي في الدرجة العالية فيها جنة عدن وجنة نعيم وجنة فردوس وهذه الجنات من الفئة العالية ، وهي الأجمل والأكمل .
ولأن جنة عدن ليس فيها مزارع الفواكه المختلفة بل مساكن وقصور فعندما يريد فواكه فإنه يدعو خدمه بإحضار الفواكه والشراب قال تعالى : {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب * متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب* وعندهم قاصرات الطرف أتراب } إذاً يدعون بالفاكهة فتلبى طلباتهم في طرفة عين وقول الله عز وجل : { جنات عدن يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير }فقد قال الله : {جنات } وليست جنة أي لكل مؤمن جنة خاصة اسمها ( عدن ) جمعها جنات ، وحدد الحلي واللباس فيها ولم يقل في النعيم لكن ذلك لا يمنع أن يطلب الحلي في أي مكان في جنته فإن كان في النعيم يدعو بالحلي وما أراد وكذلك في أي جنة فله الخيار أن يتمشى في أي جنة ( فردوس ونعيم وعدن ) من غرفته أي أن له غرفة ( كوكباً ) خاصاٌ فيها جميع هذه الجنات لا يشاركه أحد ولا يسمع أي قول إلا السلام من الله { سلام قولاً من رب رحيم }، وكذلك قوله عز وج: {لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيما إلا قيلاً سلاماً سلاماً } أي لا يسمع إلا قولاً واحداً وهو السلام من الله ومن الملائكة قال تعالى : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم } ما عدا ذلك فهو يسمع كلام أهله وحاشيته في مملكته لذلك فهو ينتقل في هذه المملكة إينما شاء قال تعالى : { وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء … } أي ينتقل في غرفته - جناته - وليس في أي غرفة أخرى من الجنة ؛ لأنه لا يحق له ذلك .
ولكن كيف يتراءى أهل الغرف ؟
ج/ يأتي الجواب من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم ).
وكذلك قال رسولنا الكريم عليه وعلى اله صلاة الله ( إن أهل الجنة يتراءون في الجنة كما تراءون الكوكب الدري الغارب في الافق الطالع في تفاضل الدرجات ) .
، وهذا يقودونا إلى أن غرف الجنة تبدو مثل الكواكب فكل غرفة منفصلة عن الاخري كما الكواكب فلكل غرفة مكان محدد ودرجة محددة وحجم محدد حسب منزلة المؤمن عند ربه ، وهذه الغرفة بجانبها غرف وهذه الغرف فوقها غرف لا يعلم بعددها وكبر حجمها إلا خالقها ، قال تعالى : { لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار } ، وقوله عز وجل : { وهم في الغرفات آمنون } ، وقوله عز وجل : { لنبوئنهم من الجنة غرفاً } أي من الجنة بيان ، والغرفة جزء واحدة من الغرف والغرف من الجنة والجنة تتكون من غرف لكل مؤمن غرفه خاصة به( كوكب ) قال تعالى : { أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما } ، وهناك مائة درجة الدرجة مابين السماء والأرض فإذا رأيت مابين السماء والأرض لوجدت ملايين النجوم والكواكب .. ففي كل درجة من درجات الجنة غرف كثيرة والدرجة الأرفع منها فيها غرف كثيرة وهكذا فدرجة واحدة في الجنة بإمكانها أن تسع العالمين أجمع لكثرة غرفها ، ففي المسند من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – قال : ( إن في الجنة مائة درجة ولو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن وسعتهم ) .. فكل غرف الجنة غير متساوية حجماً وجمالاً وبهاء ، حسب الدرجة والمنزلة قال تعالى : { انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا } .
إذاً ما معنى قول الله تعالى وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ؟
إذا قلنا أن للأرض والسماوات عرضاً وطولاً انتفى المعنى لأن الأرض والسماء ليس لها عرض - العرض الذي هو خلاف الطول - ولا طول بل لها أقطار لأنها كروية أو شبه كروية ، وقد وضح ذلك قوله عز وجل : { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان } إذاً فالسماوات والأرض لها أقطار وليس لها طول ولا عرض كما أن الجنة –الغرف - تقع ضمن نطاق ثلاثة أبعاد او ربما اكثر( طول ، عرض ، ارتفاع) أي موجودة ضمن نطاق هذه الثلاثة الأبعاد ، مثلما تقع النجوم والكواكب في الفراغ الكوني ضمن نطاق هذه الثلاثة الأبعاد.
إذاً المقصود بالعرض أن الجنة ستعرض لنا كما هي السماء والأرض معروضة لنا كما قال تعالى : { يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية } أي ستعرض جهنم على الكافرين فيرونها عين اليقين ويشاهدون جميع أهوالها فالسماء نجوم وكواكب ومجرات فهذا هو عرضها أي نراها على هذه الهيئة ، والأرض جبال وأنهار وليل ونهار وذهب وفضة وظلال وفواكه وبساتين … الخ فهذا هو عرض الأرض أي نراها على هذه الهيئة ، كذلك سماء الجنة ستعرض لمن يراها على هيئة غرف منفصلة كالكواكب في بعدها ونورها فهي نور يتلألأ وريحانة تهتز فهكذا سيكون عرض سماء الجنة أما عرض أرض الجنة - أي الغرفة - أي ما يوجد على أرضها ففيها الأماكن المرتفعة ومنابع الأنهار … كالفردوس والفواكه واللحوم والظلال … الخ كجنة النعيم وفيها المساكن والخيام والأساور والثياب والذهب والنخل … الخ كجنة عدن ، فهذا هو عرض أرض الجنة قال تعالى : { وجنة عرضها كعرض السماء والأرض } .
بقي أن أذكر بأن هناك غرفاً - كواكب - يُرى باطنها من ظاهرها ، وهي لمن أفشى السلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام فهذه ليست كغرف الجنة بل مختلفة ومحدودة لمن عمل عملاً معيناً ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام )
إذاً كل منزلة في الجنة تتكون من مجموعة غرف لا يعلم عددها إلا خالقها لذلك فأقرب الناس منزلة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في - أحاسنهم أخلاقاً - وهذا لا يعني أنهم في غرفة واحدة بل في منزلة فيها الغرف قريبة من غرفة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الوسيلة كقرب المجموعة الشمسية من الشمس فهناك القريب من الشمس وهناك البعيد هذا ، والله أعلم
س: هل يمكن لأهل الجنة أن يتقابلوا أو يتزاوروا ؟
ج/ نعم ولكن في مكان لا يملكه إلا الله فلا ياتي احد الى غرفةغيره لانه لو كان احدهم منزلته عاليه فليس من قدره ان ينزل لمرتبة اقل وان كان ذو منزلة ادنى فلا يحق له ان يدخل منزلة اعلى من منزلته ولكن اذا اراد احد ان يلتقي بمن يريد فينطلق الجميع كل مؤمن من غرفته فيسير سرير هذا الى هذا ويسير سرير هذا الى هذا حتى يجتمعان جميعافاالانتقال بين الغرف على السرر(سفن فضائية) قال تعالى "وسرر مرفوعة" وقال تعالى " ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين "وقال عزمن قائل "على سرر موضونة متكئين عليه متقابلين "اي ان التقابل على هذه السرر التي من صفاتها انها ترتفع مثل الطائره او ما شابه وكذلك يكون الالتقاء في اماكن او غرف لايملكها غير الله تسمى أسواق الرحمن ففيها يتزاورون ويتحادثون ويعود كل منهم لجنته – غرفته –وقد ازدادوا جمالا ثم يعود الجميع الى غرفهم عن طريق السرر كما اخبرنا الله وفي الحديث النبوي ان صح للترمذي عن سعيد بن المسيب أنه لقي أبا هريرة ، فقال أبو هريرة : أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة فقال سعيد أفيها سوق ؟ قال نعم وذكر الحديث ، واجتماع أهل الجنة يوم الجمعة وفيه فتأتي سوقاً قد حفت به الملائكة فيه مالم تنظر العيون إلى مثله ولم تسمع الآذان ولم يخطر على القلوب فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع فيه ولا يشترى وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا .. وأخرجه ابن ماجه مكملاً .
وفيه بعد قوله : قال : نعم أخبرني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة نزلوا فيها بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيرون الله ويبرز لهم عرشه ويبدوا لهم في روضة من رياض الجنة فتوضع لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من ياقوت ... ويجلس أدناهم وما فيهم دنيء على كثبان المسك والكافور ما يرون بأن أصحاب الكرسي بأفضل منهم مجلساً .. ،
فإذا أراد مؤمن أن يزور مؤمناً أو عدد من المؤمنين فيحددون لذلك وقتاً ومكاناً فينطلق كل مؤمن من غرفته بسريره كل بإتجاه الأخر إلى ذلك المكان المحدد وعندئذ يجتمعون ، قال تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ إخواناً على سررٍ متقابلين } ، إذا فالتقابل هو على السرر ، أي فكل منهم يقبل بإتجاه الأخر لذلك قال تعالى : { وأقبل بعضهم على بعض } ولم يقل : { وأقبل بعضهم إلى بعض } ، لذلك فكل منهم يقبل بإتجاه الأخر ، وهذا هو التقابل وقد بين ذلك حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة فيشتاق الأخوان بعضهم إلى بعض قال فيسير سرير هذا إلى سرير هذا وسرير هذا إلى سرير هذا حتى يجتمعا جميعاً فيقول أحدهما لصاحبه : تعلم متى غفر الله لنا؟ فيقول صاحبه : يوم كنا في موضع كذا وكذا فدعونا الله فغفر لنا ) . حادي الأرواح ص189.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن أهل الجنة يتزاورون على النجائب ) نفس المرجع.
اذا فكل غرفه فيها جنة فردوس وجنة عدن وجنة نعيم
ولان جنة الفردوس هي اعلى الجنة(الغرفة)واوسطها ، فكلما ارتفعت درجة الغرفة زادت الفردوس جمالاً وبهاءا ، وأفضلها الفردوس الأعلى - فردوس الغرفة الواقعة في أعلى درجة - أي التي تقع في الغرفة والدرجة التي فئة الفردوس فيها الأعلى ولأن الأنهار تنبع من الفردوس فإن ذلك يؤثر في باقي الجنات - النعيم ، عدن …- ، لذلك أمرنا الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا سألنا الله أن نسأله الفردوس ؛ لأنه الجوهر المؤثر في الجنة – الغرفة -، قال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم : ( فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة ) .
س :هل في الجنة ليل ونهار ؟
ج/ نعم فيها ليل ونهار قال الله تعالى : { ولهم فيها رزقهم بكرة وعشياً } وهذا يستلزم أن يكون لها شمس( مصدر ضوء) وأن يكون شكلها كروي أو بيضاوي ليتميز الليل عن النهار والله أعلم .
س/ هل معنى ذلك أن في الجنة شمس ؟
: نعم فيها شمس(مصدر ضوء) ؛ لأن في الجنة ظلال والشمس دليل الظلال قال تعالى : { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلا } فلوجود الشمس ففي الجنة ظلال ، قال تعالى : { هم وأزواجهم ظلال على الأرائك متكئون } ، وقال تعالى : { وظل ممدود } ، وفي صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها وإن شئتم فأقرؤا : { وظل ممدود وماء مسكوب } ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله … الخ الحديث ) فهذا الظل بعد الحشر أي يوم العرض والحساب ، وهو في الدار الآخرة وتوجد فيه شمس تدنوا من الرؤوس سيتعرض لها ولحرها الجميع ، عدا السبعة الذين استثناهم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فربما تكون هذه الشمس من شموس الجنة أو أن في الجنة شموساً أخرى وهي غير مؤذية – حرارتها معتدلة ( لأن كل شيء في الجنة ستتغير خصائصه وقوانينه ) وقول الله تعالى (لا يرون فيها شمساً ولا زمهريرا ) أي لا يرون فيها حرارة عالية أو برد قارس فالجو معتدل ولطيف بصفة دائمة ، فقول الله تعالى : ( لا يرون فيها شمساً ) اي لايرون فيها حرارة مرتفعة كقولنا يوم مشمس ولم يقل : لا يرون فيها الشمس فمعنى شمساً كقولنا يوم مشمس أي شديد الحرارة ، وكذلك الزمهرير فهو شدة البرودة والزمهرير لا يرى بل نشعر به وكذلك اليوم المشمس لا نراه بل نشعر به .
س/ وهل معنى ذلك أن في الجنة زرع ( زراعة ) ؟
نعم في الجنة زرع ( زراعة ) فالمؤمن يستطيع أن يزرع ما يشاء على الرغم من وجود كل ما تشتهي نفسه وذلك يضاف إلى متع الجنة التي لا تحصى فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث يوماً وعنده رجل من أهل البادية أن ( رجل من أهل الجنة استأذن ربه عز وجل في الزرع وقال له أو لست فيما اشتهيت ؟ فقال بلى ولكني أحب أن أزرع ، فأسرع وبذر فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده وتكويره أمثال الجبال فيقول الله عز وجل : دون يا بن أدم فإنه لا يشبعك شيء ، فقال الأعرابي : يا رسول الله لا نجد هذا إلا قرشياً أو أنصارياً فإنهم أصحاب زرع فأما نحن فلسنا بأصحاب زرع ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . رواه البخاري في كتاب التوحيد
إذاً أمرنا الله أن نتفكر في السماوات والأرض وأنه لم يخلق السماوات والأرض باطلاً أو لهواً قال تعالى : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويلٌ للذين كفروا من النار } فعندما نتفكر في السماوات والأرض نجد عظمة ملك الله وقدرته وكما قال تعالى : ( فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) فعلى المؤمن أن يتفكر في كيفية خلق السماوات والأرض هل كل هذا باطلاً أو لهواً أو فيه عيب أو نقص الجواب : كلا قال تعالى : { ثم أرجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير } وكذلك الجنة فإنها أعظم وأوسع .. والله على كل شيء قدير .
أخيـراً : أريد أن أذكر أن على المؤمن أن يسأل الله الفردوس فكلما كان فردوسه من الدرجة العالية أثر ذلك في باقي جناته ؛ لأن منها تنبع الأنهار ولا أحد يعلم ما أعده الله لعباده في الفردوس فلروعة ما فيها لا يريد أن يتحول عنها : { خالدين فيها لا يبغون عنها حولاً } .
وهناك بعض التفصيل لقول الله تعالى : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } .
سأضع نقاطاً رئيسية وسأوضحها إن شاء الله لاحقاً ، فالجنتان الأوليان هما ضمن نطاق ( جنة النعيم ) لأن فيها عينان تجريان لتسقي أشجار الجنة وهما ذواتا أفنان ( التي فيها الأشجار الكثيرة الزاهرة المثمرة اليانعة ، والظلال الوافر ) ، وفيهما من كل فاكهة زوجان أي أن فيها من كل جميع أنواع الفواكه زوجان ، كل صنف له لذة ولون ليس للنوع الأخر .
وكذلك قوله تعالى : { وجنى الجنتين دان } أي قريب التناول على القائم والقاعد والمضطجع ، وهذا ينطبق على ( جنات النعيم ) مكان الفواكه والظلال … الخ ، وقوله تعالى: { متكئين على فرش … } والفرش وهي التي توضع على الأرض بين الأشجار وتحت الظلال ، وعندهم الحور قال تعالى : {هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون } أي كل مؤمن مع زوجاته وليس المؤمنين جميعاً في غرفة واحدة بل كل فرد في غرفته مشغول مع أزواجه في التفكّه والراحة.
أما الجنتان الأخريان فهما مدهامتان - سوداوان من شدة الخضرة - وفيهما عينان نضاختان –فوارتان - وهذا يشبه النافورة وهذا لا يكون إلا في - جنة عدن - حيث المساكن والخيام والسكن ولأنها جنة عدن قال فيهما فاكهة ونخل ورمان ولم يقل من كل فاكهة لأن الفواكه هناك حسب الطلب - في جنة عدن - وقد خص الله فيهما النخل والرمان لأن النخل والرمان يخرج منهما الملابس والحلي ، والملابس والحلي مخصصة في جنة عدن .
وكذلك النخل لأن جنة عدن هي المكان الذي يغرس للمؤمن بكل تسبيحه نخلة ويبني له بيوتاً فيها ويغرس له كذلك رماناً ، فغراس الجنة هي : ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ) ، ونحن نعلم أن النخل والرمان في الغالب تكون قريبة من السكن مثل ما في المدينة المنورة وغيرها … والله تعالى أعلم .
كذلك قال عز وجل أن فيها : { حور مقصورات في الخيام } والخيام والسكن قلنا في (جنة عدن ) وليس غيرها . ففي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة طولها ستون ميلاً في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون يطوف عليهم المؤمن … ) فلكل مؤمن خيمة من لؤلؤة طولها ستون ميلاً في السماء فيها زوايا يطوف المؤمن على أهل له في كل زاوية لا يرى الأهل بعضهم بعضاً ، فالزوجات لا يرى بعضهن بعضاً لسعة الأماكن في الخيمة ، والله على كل شيء قدير .
فهذه كلها لشخص واحد ( من خاف مقام ربه ) فما بالك بما أخفي للمؤمن عند ربه فلو تدبرنا القرآن الكريم والسنة النبوية لوجدنا ما يثلج صدورنا ويريح تفكيرنا ونسعد به في الدنيا والآخرة .
والله تعالى من وراء القصد ،،،
محمد محمد حميدالقلذي
.