أحببت الجزائر من اليوم الأول الذي سمعت باسمها في ثورة ضد الاحتلال الفرنسي حتى إني ما زلت أذكر أنهم طلبوا في المدرسة الابتدائية تبرعاً من الطلاب للثورة الجزائرية، ولم يكن معي مصروفاً فذهبت إلى متجر كان يتعامل معه والدي فتسلفت أو استدنت مبلغاً لأعود إلى المدرسة فأشترك في التبرع به. وظلت الجزائر في الذاكرة حين حققت الاستقلال أو استعادة الاستقلال كما يقولون هناك، ولم تغب الجزائر عن الأحداث في عهد هواري بومدين الذي سجن رفيق دربه أحمد بن بلا أكثر من ثلاثين سنة، أو مشروع التعريب الضخم الذي بدأه ولكن مازال لم يؤت ثماره لأسباب كثيرة أتمنى أن تزول ويعود الجزائريون إلى اللغة العربية فكم شعرت بالانزعاج وأنا أرى أساتذة كبار وشباباً يتحدثون بالفرنسية وكأنها لغتهم الأم.
نعم أحببت الجزائر لأنها كانت بركة في حياتي العلمية فقد كانت تجربتي الأولى في البحث العلمي وقد تعلمت منها الصبر والتحمل والصمود والطموح على الرغم من الصعاب. وصارت هذه المعاناة حباً تمثلت فيه بيت الشاعر أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا ففي أثناء بحثي في تاريخ الجزائر وبخاصة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية في عهد رئيسها الأول الشيخ عبد الحميد بن باديس ، وصلت إلى الجزائر في شوال 1403هـ وكانت أياماً عصيبة حين لم أكن أجد حجزاً في فندق الأوراسي فأضطر إلى فنادق أقل مستوى تنقطع المياه فيها أو لا يكون فيها ما يتوقعه الإنسان في فندق محترم. وبالإضافة إلى هذه الصعوبة فقد كانت هناك أزمة مزمنة في عدد سيارات الأجرة فيقول الجزائري الذي يريد أن ينتظر دوره في الركوب تعالي نُصلَب. وفي غياب المواصلات كان لا بد من السير على الأقدام حتى إني أحصيت صعود ألف درجة في يوم واحد. ومن طرائف تلك المرحلة أنني دعيت مع صديق للغداء فكانت الشقّة في الطابق التاسع، والبناية قديمة بنيت قبل أكثر من خمسين سنة وفيها مصعد أثري توقف عن العمل منذ سنوات طويلة. فاضطررنا للصعود مشياً ولكن فوجئنا أن الغذاء معكرونة (بدون لحم) فما أن نزلنا حتى كنّا قد هضمنا الطعام. وعدم إصلاح المصاعد في الجزائر ظاهرة حيث يتفق السكان على تركيب صحن فضائي ولا يتفقون على إصلاح المصعد. والبحث في تاريخ الجزائر وبخاصة جمعية العلماء كان بركة وأي بركة فهذه الجمعية كانت بركة على الجزائر نفسها حتى إن الشيخ محمد الحافظ رحمه الله أحد قضاة المدينة المنورة قال إني لأخالها أكثر بركة من المطر. أما إنها كانت بركة علي، فحين كنت أبحث في الناحية الوطنية كنت أقرأ المقالات المختلفة في العلوم الشرعية في التفسير والقرآن والفقه فأتعلم ما فاتني تعلمه في الأيام الخوالي. ومن البركة أنني حضرت ملتقى الفكر الإسلامي السابع عشر الذي كان يعقد في قسنطينة وكان حول الاجتهاد. وسبب حضوري هذا المؤتمر كأس ماء في مكتب الخطوط السعودية حيث دخلت مكتب الخطوط وكنت حينها موظف في الإدارة العامة في جدة فطلبت كأس ماء من الموظفة فرآني أستاذ مصري فقال ما دمت تعرفهم فهل لك أن تساعدني في الحصول على حجز من أجل الحج؟ فقلت له لست موظفاً هنا ولكن سأحاول. فسألني عن سبب قدومي إلى الجزائر فعرف أني أبحث في تاريخ الجمعية، فقال غداً تنطلق طائرة خاصة للمشاركة في ملتقى الفكر الإسلامي فتعال معي إلى وزارة الشؤون الدينية لتحصل على دعوة لحضور المؤتمر، وذهبنا بالفعل وعرضت عليهم موضوعي فأعطوني دعوة وأخبروني بموعد الطائرة في اليوم التالي ولكن أخبروني أنه ليس لي مكان في فنادق المدينة وإنما علي أن أنزل في سكن طلاب مدرسة الإدارة. فقبلت. وفي الطائرة كان هناك عدد من أعضاء الجمعية كبار السن وسمعتهم يتحدثون عن الجمعية فطلبت منهم أن أشترك معهم في الحديث وأن أتعرف إليهم. وعرفت عدداً منهم أجريت معهم لقاءات فيما بعد. أما في قسنطينة فكان المؤتمر حول الاجتهاد وكان يحضره من السعودية مدير جامعة الإمام عبد الله التركي ومعه عدد من مساعديه، وهو في العادة يحضر كثيراً من المؤتمرات في تخصصه في مجال الفقه أو غيره حتى لو كان المؤتمر حول الإعلام أو التاريخ فهو لا بد يفهم في الموضوع أو هناك من يكتب له (ليس هو بالذات ولكن غيره من المدراء لا يكتبون وإنما يقرؤون ما كتب غيرهم) وفي هذا المؤتمر تعرفت إلى الشاعر الجزائري المشهور الأخضر السائحي وإلى محمد شيوخ وإلى عبد القادر رباني (برهومي) وأمضيت أياماً ممتعة في قسنطينة مع بعض المشقة حيث كانت غرف الطلاب صغيرة وليس فيها تجهيزات الفنادق كما أن الماء ينقطع بعض الوقت فنضطر إلى حمل الماء من مكان إلى آخر. ولكنها كانت أياماً ممتعة وقد امتدت صلتي بعدد من الأشخاص سنوات وسنوات. وكان من بركات الجمعية أن جانباً من بحثي هو الصلة بين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وحركة الإخوان المسلمين فسعيت إلى لقاء عدد من الإخوان المسلمين ومنهم محمد فتحي شعير الذي أعد رسالة ماجستير حول صحافة الإخوان المسلمين وسافرت إلى الرياض لأقابله ولكن لم أجد بغيتي كما قابلت أحد رجال الإخوان من الرعيل الثاني في جدة وقد عاصر الشيخ حسن البنا رحمه الله وتتلمذ على يديه فاتصلت به واتفقت على لقائه ولم أجد عنده ما يشفي الغليل من صلة بين الجمعية والإخوان. وبعد أن كتبت قدراً من الرسالة إذ بالمشرف يوجهني إلى ما يأتي: 1-لا تكثر الهجوم على غيرك فلا يبقى رأي سليم إلاّ رأيك. 2-إذا هاجمت أو انتقدت شخصاً فكن ليناً ولا تصرح باسمه في صلب الرسالة بل قل هناك من قال كذا وكذا وفي الهامش أو الحاشية قل انظر فلان في كتاب أو مقالة أو سوى ذلك. وكان بحثي يتطلب السفر إلى فرنسا للاطلاع على مكتبة الوثائق الوطنية لما وراء البحر Archives Nationale D'Otre Mere وكانت رحلة الخطوط السعودية رقم 061 يوم 12 جمادى الآخر 1404هـ المتجهة إلى روما ثم باريس. ففي المطار جاء شاب إنجليزي ليأخذ أموال الصندوق من أحد الأكشاك أو بوفيه المطار فتعجبت لماذا إنجليزي هو المحاسب أليس في أبناء بلدي من يستطيع أن يقوم بهذا العمل؟ ثم رأيت عدداً من النساء يرتدين العباءة اللاعباءة ويضعن كل أنواع الزينة فحزنت على الحجاب المزيف. كما ركب الطائرة شخص يحمل عوداً فكأنه ذاهب إلى روما أو باريس لإحياء الليالي الملاح. وفي تلك الأيام الخوالي وكنت خالي البال تقريباً كان الملل يهاجمني في السفر فأنشغل بالقنوات السمعية والبصرية في الرحلة فأدون بعض الأبيات الشعرية التي تخطر لي أو أسجل مع قارئ القرآن ما يقرأ ومما دونته قوله تعالى : كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا، قال ربي إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أك بدعائك ربي شقيان وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقر فهب لي من لدنك صبيا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) أما الشعر فمن الأبيات التي دونتها إنا الرجل الذي تعرفونه خشاش كرأس الحية المتوقد ترى الرجل الطرير فتزدريه وفي أثوابه أسد هصور.
الجزائر شهر جمادى الآخرة 1405هـ مارس 1985 وزيارات أخرى
الجزائر شهر جمادى الآخرة 1405هـ مارس 1985 وزيارات أخرى
الجزائر شهر جمادى الآخرة 1405هـ (مارس 1985م)
وزيارات أخرى
زرت الجزائر مرات عديدة في أثناء إعداد بحث الماجستير بعضها كان ضرورياً وبعضها كان تعنتاً من المشرف الذي عرف أنني طالب مشاكس لا أريد أن أشتري الرسالة بطاعة الأستاذ الطاعة العمياء أو الخضوع لرغباته وشهواته. بل كانت إحدى الرحلات إلى باريس إلحاحاً من الأستاذ لأشتري له قطع غيار لغسالته في مصر، ولكن الله أنقذني حيث كان أحد زملائي (علمت أنه توفي رحمه الله) كان يعمل في الخطوط السعودية وكان يعرف كيف يتعامل مع الأستاذ، وما أعتقد أنه كان له تلك الهمة في البحث العلمي. وفي زيارتي لها المؤرخة وفقاً لدفتر مذكراتي في 12 جمادى الآخرة (يوم ميلاد ابنتي رؤى) عام 1405 لزيارة معهد العلوم الاجتماعية في الخروبة بالجزائر. وصلت الجزائر فكان في استقبالي الصديق عبد القادر ربّاني (برهومي) فأصر على استضافتي في منزله حيث كان يسكن في الطابق العلوي من مدرسة كانت زوجته مديرة لها في الحراش فيما أذكر. وصحيح أن الفندق أكثر راحة ولكن رفقة أخي عبد القادر أكثر فائدة. عندما زرت المعهد وجدت فصوله تطل على البحر وكم هو جميل أن يكون مثل هذا المنظر الجميل يحيط بالجامعة، ولكنه قد يكون في الوقت نفسه ملهياً عن الانتباه للمحاضرة، ولكن إن كانت المحاضرة مملة فالبحر وزرقته وأمواجه أولى. زرت أستاذاً جزائرياً متخصصاً في التاريخ وحاصل على الدكتوراه من إحدى الجامعات الأمريكية. وكانت كتب هذا الأستاذ من مراجعي الأساسية. وقد ابتليت بحس نقدي فقرأت كثيراً مما كتبه الأستاذ وعلمت أنه أخطأ في بعض القضايا التي تناولها في تاريخ الجمعية، وأدركت الآن أن مثل هذه الكتابة هي التي ترضي الأساتذة المستشرقين فهو يشك في أمور واضحات في تاريخ الجمعية وأسلوب الشك أو منهجية الشك هذه تقلل من شأن من تكتب عنه مع سهولة الحصول على المعلومات. بل إن هذا الأستاذ انتقدني في أنني حين أكتب أكون في الغالب واثقاً من نفسي ولا أستخدم أسلوب التشكيك. وقد يكون الأستاذ محقاً في بعض المواضع. كما لاحظت أنه تناول بعض أصحاب الفكر والعقائد المنحرفة بشيء من الاهتمام والعناية حتى إنه زعم أنه لا يمكن فهم الجمعية دون دراسة عقائد ابن عليوة. وابن عليوة صوفي منحرف عرفته دوائر الجمعية وناصبها العداء واحتمى بالفرنسيين وساندهم وساندوه. بل إن هذه الطريقة متهمة بمحاولة اغتيال الشيخ عبد الحميد بن باديس نفسه. فقد قال " لا يمكننا أن نفهم الإصلاح دون دراسة أحمد بن عليوه) وتساءلت: " هل اطلع على عقيدة بن عليوه أو كان من الجاهلين؟" عندما وصلت مطار هواري بومدين وجدته مزدحماً فقيل إن السياحة قد ازدادت في تلك السنة لاستخدام الحكومة سياسة الانفتاح، ويقال عن عهد الشاذلي بن جديد أنه شجّع القطاع الزراعي حتى إن الجزار في تلك السنة صدّرت منتوجات زراعية لأوروبا وقد كانت تستورد قبل ذلك. وفي يوم الثلاثاء الرابع عشر من جمادى الآخرة 1405هـ ذهبت إلى مقهى (نوفلتي)- لماذا نحن مغرمون بالأسماء الأجنبية؟- وكان الجو بارداً وغائم وكانت يداي ترتعشان. وقد قابلت في هذا اليوم كلاً من محمد الهادي الحسني أحد المسؤولين في المؤسسة الوطنية للكتاب التي تسمى (الإسناد) وهي الحروف اللاتينية الأولى لاسمها، وهو من المحبين لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كما قابلت الدكتور أبو القاسم سعد الله ومحمد الفضلاء مسؤول المكتبة في قصر الحكومة. وقد كان اللقاء بفضلاء ظريفاً فقد تحدث عن نفسه بكثير من المبالغة حتى لكأنّه الجمعية ونسب لنفسه أشياء كثيرة بالغ فيها. وهنا استدعيت قدراتي في المبالغات فأسندت ظهري إلى الكرسي وبدأت أتحدث عن نفسي بطريقته. استيقظت في اليوم التالي وقد رأيت رؤيا جميلة وهي أنني رأيت نفسي في المسجد النبوي الشريف أقف أمام الحجرة الشريفة وكان المكان شبه خال حتى من الجنود الذين يمنعون الناس من الاقتراب من القبر الشريف ويمنعون البعض من لمس القبر. ووقفت أسلّم على سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما رأيت هالة من النور، وكنت أغمض عيني وأفتحها لأتمتع بالنور. بعد أن عرضت الرسالة على الدكتور أبي القاسم سعد الله كتب خطاباً لمشرفي ولم يغلف الرسالة بل طلب منّي أن أقرأ الخطاب أمامه وكان مما جاء فيه: - إن الأخ مازن قد جمع مادة غزيرة لرسالته من وثائق وكتب ومطبوعات وصحف... إلخ كالمقابلات والرسائل والمراجع الفرنسية والإنجليزية - إن قدرته على الاستفادة من هذه المادة واضحة كما أن السيطرة على موضوعه تجعل منه باحثاً ناجحاً - إن أسلوبه ومنهجه يظهران بمظهر الباحث الذي تسلح بما يجب للبحث في المستقبل - في الرسالة بعض الضعف الذي يمكن تداركه طبعاً وإن لدى الطالب الاستعداد الواضح لتقبل النصائح والأخذ بالتوجيهات أما نقاط الضعف في الرسالة فهي: - غلبة روح السرد للأحداث التاريخية وقلة روح النقد والتحليل. - إعجاب الباحث بموضوعه جعله لا يرى كثيراً من العيوب سواءً الأشخاص أو الأشياء أو الأحداث. - إعجاب الباحث بنفسه بحيث لا يترك المجال لغيره ولا يستعمل طرق الحوار والتسامح مع الآراء المعارضة وعبارات التشكيك ونحو ذلك. وختم سعد الله بقوله:"هذا وإني لا أعتقد أن هذه الملاحظات ستعرقل مناقشة الرسالة عن قريب لأن في إمكان الطالب تداركها في وقت قصير ما دام الأساس سليماً" ومن الأمور التي قالها أبو القاسم سعد الله عندما رأى أسماء المراجع الأجنبية مكتوبة بخط جميل وسليم قال إن كتابتك للغة الإنجليزية أفضل من كتابتي وأنا الذي حصلت على الدكتوراه من جامعة أمريكية. وقد دار حوار مع أحد الأقارب حول خطه في اللغة الإنجليزية وكيف أن الكلمات تتداخل فقلت له المسألة تعود إلى وضوح الرؤية وفهم اللغة فهماً عميقاً وبعد معاناة لا أول لها ولا آخر جاء وقت طباعة الرسالة، فسأل المشرف من سيطبع لك الرسالة؟ (وهو أمر من المفروض أن لا يتدخل فيه المشرف) فقلت سأبحث عن ناسخ له خبرة في طباعة الرسائل الجامعية وليس ناسخاً خبيراً في الطباعة الإدارية، وهنا قال لماذا لا تتفق مع صلاح فقد طبع لديه مبارك فاتصل بمبارك وخذ موعداً مع صلاح (الأستاذ) فاتصلت وقابلت صلاح بعد أيام. وقد كتبت في دفتري إن ما يحدث معي يشبه أفلام العصابات والجريمة فهو في حاجة إلى إصلاح حقيقي. وعلى الرغم من وجود ناسخ آخر اسمه حسام ولكن المشرف أصر على صلاح. وأعطيت صلاح خمسين صفحة فقال هات عربوناً. فتعجبت أن يطلب الناسخ عربوناً فما لديه أغلى من أي مال، فلمّا أعطيته مائة ريال ،قال لماذا لا تعطيني أكثر فقلت له لم أكن أعتقد أنك تطلب عربوناً. ومن هنا بدأ مسلسل الاضطهاد من الناسخ فقد مرت أسبوعان ولم ينجز شيئاً وعندما أعطاني بعض الصفحات وجدت الطباعة سيئة ومطّ الصفحات وزيادة عدد الفقرات. إن ما يقوم به هؤلاء النساخ إنما هو جريمة كبرى يعينهم عليها مشرفون من أمثال مشرفي (العظيم) وجاء البحث في مائتين وستين صفحة وهو لا يزيد على مائتين وعشرين صفحة ويطالبني أن أدفع له مقابل مائتين وثمانين صفحة.وعرفت أن عمولة الأستاذ من الطباعة أن يطبع له بحوثه بالمجان، ولو أردت أن أكون سيئ النية لقلت ربما شاركه في الأجرة. وجاء دور من يكتب اللوحات في المناقشة فقال اشتر له أقلاماً وأعطه مقابل كتابة اللوحات فقلت له هذه مسؤولية الجامعة، فقال لا تكن بخيلاً.
الندوة الدولية(الإسلام والتنمية) قسنطينة الجزائر 28 شعبان 1408هـ
الندوة الدولية(الإسلام والتنمية) قسنطينة الجزائر 28 شعبان 1408هـ
الندوة الدولية (الإسلام والتنمية)
قسنطينة – الجزائر 28 شعبان 1408ه (16 أبريل 1988م)
اتصل بي هاتفياً الدكتور أبو القاسم سعد الله يخبرني أن المجلس الشعبي البلدي بمدينة قسنطينة سيعقد مؤتمره السنوي بعنوان يوم العلم (16 أبريل 1988م، ذكرى وفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله، ويتناول جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وأعطاني أرقام الاتصال وكذلك العنوان البريدي وحثني على الاتصال بهم للمشاركة في المؤتمر. فأسرعت إلى كتابة ملخص بحث عن فكر عبد الحميد بن باديس رحمه الله حول التنمية للرد على من اتهم الشيخ عبد الحميد بأنه لم يهتم بالتنمية الاجتماعية والسياسية، والاتهام ليس موجهاً للشيخ بن باديس وحده ولكنه موجه للجمعية وللإسلام، ومصدر هذه الاتهامات بعض الكتاب العرب ذوي التوجه اليساري أو الذين يكتبون من فرنسا أو بتوجهات تغريبية متفرنسة. وما أن وصلهم اقتراحي حتى وصلتني رسالة بموافقتهم أو حتى وصلتني برقية (وقتها لم يكن ثمة فاكس أو بريد إلكتروني، وحتى الهاتف كان صعباً وصعباً جداً) وفي البرقية أنهم سوف يرسلون لي التذكرة. قمت بإعداد البحث وقدمته إلى عدد من الأساتذة في القسم حيث كنت محاضراً وهو قسم الاستشراق بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة المنورة (فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) وحصلت على بعض الملاحظات. ولا أخفيكم فقد كانت بعض الملاحظات مدمّرة، فترى من يقرأ الموضوع بعد مماطلة لا أول لها ولا آخر حتى إنه يرهقك بمطالبته بالقراءة والتصويب فيكثر من الشكوى أنه لا وقت لديه. وهؤلاء أقول لهم بصوت خافض لا يسمعونه وهل تظن أنك تصنع القنبلة الذرية ولا بد أن أشير إلى أستاذ عظيم فاضل لا تكاد تعطيه المقالة أو البحث حتى يقرأه في أيام قليلة ألا وهو الدكتور أحمد الخرّاط أستاذ اللغة العربية والنحو بالمعهد. ولمّا كان للقسم ندوة أسبوعية تتيح للأساتذة وطلاب الماجستير والدكتوراه أن يقدموا موضوعاً فطلبت أن يؤذن لي بتقديم موضوعي، وبالفعل قدّمت الموضوع، فلما عرف رئيس القسم أني أعددت الموضوع لتقديمه في مؤتمر في الجزائر قال لقد عملت بروفة علينا، قلت وما المانع أن أتدرب. أما العميد فقد قال (لا حول ولا قوة إلاّ بالله) وكأني أرتكب جريمة، ولكن قوله ذاك يعني أنه غير راض فهو يرى أن عليّ أن أغير موضوع بحثي بعيداً عن الجزائر وها أنا أسافر للجزائر فيرى فيه تحد لرأيه أو لاستبداده وديكتاتوريته. وقد عرفت حين بدأت أقدم دورة في تنمية مهارات المشاركة في المؤتمرات أنه من الطرق العملية في التدريب أن تقدم موضوعك أمام زملائك. وانتظرت التذكرة فلم تصل وهنا تدخل والدي رحمه الله وقال عليك أن تشتري التذكرة بنفسك حتى لو تدينت وبالفعل تدبرت الأمر وسافرت إلى الجزائر ومنها إلى قسنطينة و كان سفري من الجزائر إلى قسنطينة بالسيارة. وصلت الجزائر فكان في انتظاري الابن الدكتور (الآن) جمال عزون المتخصص في الحديث النبوي الشريف والمخطوطات الجزائرية في العلوم الاجتماعية. وذهبنا من المطار إلى منزل محمود أبو عبد الرحمن الطالب في كلية الشريعة في الجزائر في باب الزوراء. ومكثنا إلى ما بعد العشاء حيث بدأنا البحث عن فندق فلما لم نجد توجهنا إلى حي اسمه حي الجبل ويقال بالفرنسية لا مونتاLa Montagne عند أحد الشيوخ حيث تناولنا عشاء ً لذيذاً يتكون من الكسكسيه بالبازلاء والفول الأخضر ومعه لبن رايب. وتبادلنا الأحاديث الودية ثم نمنا حتى الأذان الأول للفجر وبعد صلاة الفجر بدأ درس القرآن الكريم وكان الطلاب يقرؤون والإمام يصحح وعلى الرغم من أني كنت نعساً لكني لم ارد أن أخسر بركة الجلوس مع القوم الذين تحفهم الملائكة وتغشاهم الرحمة ويذكرهم الله فيمن عنده. وعلى الساعة الثامنة صباحاً بحثنا مجدداً فوجدنا فندقاً لا فندق ومكاناً لا مكان، فندق لا يصلح أن يكون للفئران الميتة..فقلت إني ولدت في بيت متواضع وربما من الطين ولكنه نظيف فتركت حقيبتي وذهبت أتجول طوال النهار بحثاً عن الكتب واشتريت بعض الكتب. ذهبت إلى الصديق عبد القادر رباني في مكتبه وقابلت هناك الشاب مشاري بن خليفة وكان استقبالهما لي رائعة، فاصطحبني برهومي إلى منزل خاله لتناول الغداء وزرت بعد الغداء بقية المكتبات في ديدوش مراد- أحد أشهر شوارع العاصمة- ثم رجعت إلى الفندق لأخذ حقيبتي لأني لم أطق البقاء فيه. وعلى الساعة السابعة إلاّ ربعاً اصطحبنني برهومي للقاء الدكتور أبو القاسم سعد الله حيث وجدت عنده الحبيب اللمسي صاحب دار الغرب الإسلامي للنشر وقابلت أيضاً ميموني صاحب دار النهضة الجزائرية للنشر. أردت السفر من الجزائر إلى قسنطينة فأخبرتني الخطوط الجزائرية أن علي أن أدفع قيمة التذكرة بالعملة الصعبة وهذه لا تأتي إلاّ من البنك والأسعار في البنك لا تطاق بعيدة عن الحقيقة والواقع لقيمة الدينار. ولم أكن أملك ما يمكن أن أشتري به التذكرة فتحولت إلى السفر براً وكانت المسافة أربعمائة وخمسين كيلو متر ولكنها لضيق الطريق ولازدحام الطريق في الاتجاهين كانت تساوي سبعمائة كيلومتراً. وبالإضافة إلى ذلك فقد كان هناك عدد من رجال الدرك الذين يوقفون الركاب والسائقين ربما ليكسبوا قرشاً حراماً وأحياناً. مررت بكثير من المدن والأماكن التي كان لها نشاط سياسي في أثناء الاحتلال منها برج بوعريرج والنويرة والميلة وسطيف وأولاد إبراهيم وعين أرنات التي تبعد عن سطيف بسبعة كيلومتر. وبدأ المؤتمر بنشيد شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب والقصيدة للشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله وإليكم تتمتها: مَنْقَــالَ حَـادَ عَنْ أصْلِـهِ أَوْ قَــالَ مَـاتَ فَقَدْ كَـذبْ أَوْرَامَ إدمَــاجًــا لَــهُ رَامَ الـمُحَـال من الطَّـلَـبْ يَانَشءُأَنْـتَ رَجَــاؤُنَــا وَبِـكَ الصَّبـاحُ قَـدِ اقْـتَربْ خُـذْلِلحَـيـاةِ سِلاَحَـهـا وَخُـضِ الخْـطُـوبَ وَلاَ تَهبْ وَاْرفعْمَـنـارَ الْـعَـدْلِ وَالإ حْـسـانِ وَاصْـدُمْ مَـن غَصَبْ وَاقلَعْجُـذورَ الخَـــائـنينَ فَـمـنْـهُـم كُلُّ الْـعَـطَـبْ وَأَذِقْ نفُوسَالظَّــالـمِـينَ سُـمًّـا يُـمْـزَج بالـرَّهَـبْ وَاهْـزُزْ نـفـوسَالجَـامِدينَ فَرُبَّـمَـا حَـيّ الْـخَـشَـبْ مَنْ كَــان يَبْغـيوَدَّنَــا فَعَلَى الْكَــرَامَــةِ وَالـرّحبْ أوْ كَـــانَ يَبْغـيذُلَّـنـَا فَلَهُ الـمـَهَـانَـةُ والـحَـرَبْ هَـذَا نِـظـامُحَـيَـاتِـنَـا بالـنُّـورِ خُــطَّ وَبِاللَّـهَـبْ حتَّى يَعودَلـقَــومــنَـا من مَجِــدِهم مَــا قَدْ ذَهَبْ هَــذا لكُمْ عَـهْــدِيبِـهِ حَتَّى أوَسَّــدَ في الـتُّـرَبْ ثم كانت أنشودة أخرى السجن جنات ونار وأنا المغامر والغمار أنا والدجى والذكريات *** مريـرة والاصطبار ومطامح تصلى السعير *** ولا يحـرّقهـا السـعــارُ طلع النهار على الدنا *** وعلـيّ ما طـلع النهــارُ ليـل السـجـون يلفني *** وتضمنـي الهمم الكبــارُ والآه بعد الآهِ شعري *** والـمصـابــرة الشـعـــارُ ولـكـل آهٍ لسـعة، ولـظى *** وشــــوق، و انــتــظارُ وأنا الكبير _على أسى قلبي_*** ويجهلني الصغارُ ليل السجـــون يلفني *** وتضمنـي الهــمم الكبارُ روحي طليق في السماء *** والجسم يحكمه الإسـارُ ربــاه، عــفــوك *** إن هذا القلب بالشكوى يحارُ لا أشتكي لسواك لو *** شكتِ الصدى يوما بحارُ وبعد النشيدين كانت كلمة المحافظ محمد السعيدي من مكتب التنسيق الولائي، وبعد الافتتاحية كانت كلمة للدكتور محمود حمدي زقزوق –عميد كلية أصول الدين بالأزهر – أصبح وزير الشؤون الدينية فيما بعد في العهد البائد- وكانت المحاضرة بعنوان (القيم ماهيتها وأهميتها) وكان هناك ترتيب لزيارة قرية سيدي خليفة التي تبعد عن قسنطينية خمسين كيلاً وهي من الريف الجزائري وفيها مكتبة للمخطوطات وتناولنا فيها المرطبات والتمور واللبن المخيض وهو ألذ لبن شربته في الجزائر ولا ينافسه إلاّ اللبن في المغرب أو الذي كنت أصنعه عندما كان لوالدي بعض الأغنام فأقوم بترويب الحليب وصناعة الزبدة والسمن. وفي هذا الملتقى قابلت عدداً من الشخصيات من الجزائر ومن غيرها من البلاد الإسلامية ومن هؤلاء: - الدكتور إبراهيم عاتي من جامعة قسنطينة –معهد العلوم الاجتماعية دائرة الفلسفة - الأستاذ عبد الحق بن باديس - عبد الله قطاف مدير عام مؤسسة جريدة النصر - محمد بوزيد عضو المجلس الشعبي البلدي عضو اللجنة الثقافية - الشيخ محمد الغزالي رحمه الله وكان رقم هاتفة 89-93-93 - الدكتور الربيع ميمون ، وقد عقّب تعقيباً طويلاً على ورقتي أثبته في كتابي (المغرب العربي بين الاستعمار والاستشراق) - الدكتور المنصف عبد الجليل من مدرسة المعلمين العليا بتونس بعد أن قدمت ورقتي بعنوان (من آفاق التنمية عند ابن باديس) سمعت التعليقات الآتية - لقد حلّقت، رائع مبدع - قال الدكتور عبد السلام الهرّاس من المغرب العربي: جميل ورائع وأسلوبك سلس وقد أعجبني أسلوبك حتى لا أفرق بين كلامك وكلام سيد قطب.
من ذكريات (ملتقى الفكر الإسلامي الواحد والعشرين – بوحنيفية بالجزائر) عام 1408هـ
من ذكريات (ملتقى الفكر الإسلامي الواحد والعشرين – بوحنيفية بالجزائر) عام 1408هـ
علمت عن المؤتمر فأسرعت إلى كتابة رسالة لمسؤول الملتقيات بوزارة الشؤون الدينية في الجزائر فجاءت الموافقة على حضوري الملتقى على أن أحضر إلى الجزائر على حسابي ويكون تنقلي وإعاشتي في الجزائر على حساب الوزارة. وافقت ولم يكن أمامي سوى الموافقة فما أنا سوى محاضر بجامعة سعودية ليس لي حق في طلب نفقات حضور مؤتمر في أي مكان. وقد حصل أمامي أن شجعت الابن الدكتور فهد السنيدي على حضور مؤتمر حول الاستشراق في جامعة المنيا وكان محاضراً ويعد رسالة الدكتوراه، فجاء الجواب أن "صاحب الصلاحية" (من هو؟) لا يوافق على سفره وكان هذا عام 1427هـ فما بالكم في عام 1407هـ وفي تلك الأجواء العدائية التي كنت أعيشها لأنني أظهرت اختلافاً في الرأي مع العميد العتيد. وسافرت بالفعل لحضور المؤتمر في بلد أصبحت أعرف كثيراً من الأشخاص، وهذا المؤتمر عن الحياة الروحية في الإسلام جذب العديد من المسلمين الأوروبيين الذين وجهت إليهم الدعوة للحديث عن تجربتهم، فكان منهم مسلم فرنسي شاب وله لحية جميلة ونور يضيء وجهه وقد أسلم وجهه لله وتعلم العربية تعلماً لا أقول جيداً فحسب بل كان رائعاً ومتميزاً وقد قرأ بعض الآيات وقرأ بعض الأحاديث الشريفة فكان يتقن اللغة العربية حتى الحروف الصعبة التي لا توجد في اللغات الأوروبية كالحاء والخاء والعين والغين والضاد ، وكان يتقن التجويد. وبدأ المؤتمر بكلمة للأستاذ مولود قاسم نايت بلقاسم، وكان متحدثاً عنيفاً وغير منضبط وثوري، حديثه طويل ولا يلتزم بالوقت، المهم أنه يخاصم فرنسا وما أسماه الاستدمار بدلاً من الاستعمار. وعندما سئل عن تربية المرأة روحياً فأشار إلى أن المسألة تقع في مسؤولية الأسرة ثم الأسرة ثم الأسرة ثم المؤسسات والهيئات الحكومية كل فيما يخصها، وأما الأسرة فقد قال عن أمه أنها لا تقرأ ولا تكتب وتهتم بإيقاظ أولادها فجراً لحفظ ربع الحزب ثم الذهاب إلى المدرسة. وهاجم في حديثه الصوفية هجوماً عنيفاً وقال لا داعي لاختلاف الآراء والبلبلة حول التصوف أو عدم التصوف وقال لنعد إلى القرون الأولى قبل أن تظهر هذه الفئة وتحدث مولود بلقاسم عن مكانة المرأة في الثورة الجزائرية وأنها قامت بعمل كبير في الثورة وقال إن منطقة جرجرة وبالذات مدينة تيزي ووزو كتب في شوارعها أيام الملتقى السابع عام 1393هـ (1973م)(فاطمة انسومر رجل وكم رجل امرأة) وقد أيّد محمد أبو زهرة العالم المصري رحمه الله هذه الفكرة كما قال مولود قاسم. تناول مولود قاسم عن أحد أبرز المستشرقين حديثاً غاضباً وبخاصة اهتمام ماسنيون بالحلاج وانتقد انتساب المستشرق لعدد من المجامع اللغوية العربية وذكر أنه يعرف ماسنيون شخصياً وأنه زاره في بتيه، وأنه يقدر للمستشرق إخلاصه لأمته، ولكنه لم يكن يعمل حقيقة على تطوير اللغة العربية ونحت ألفاظ جديدة لتعود اللغة العربية إلى ما كانت عليه في عهودها الزاهرة في عهد المأمون حينما كانت هي اللغة اللغة. The Language ، وكان من الذين تحدثوا عن اللغة العربية أنها كانت قادرة على التعبير عن التجربة الصوفية فيقول عن اللغة تعجز أحياناً عن التعبير عن عواطفنا وأحاسيسنا العادية اليومية فما بالك بالتجارب الوطنية وللسادة الصوفية تعابير خاصة عجيبة منها: الوجد، والباطن، والظاهر، والكشف، وأهل الحقيقة والمحجوب والتجلي والانجذاب وأشياء أخرى كثيرة لا داعي لها. ومن الأشياء التي تحدث بها انتقاده للطريقة التي أصبح الجزائريون والمغاربة يكتبون بها أسماءهم رضوخاً لما فرضه الفرنسيون المحتلون وقال نحن نقول : عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، وحتى الغربيون ينادون أنفسهم بالاسم الشخصي ثم اللقب فتقول شارل ديقول، فاليري جيسكار ديستان، ونابليون بونابرت فلماذا أدخلتم علينا هذه الطريقة؟ وحرصت على الحديث مع الأستاذ مولود قاسم وعرّفته بنفسي وقلت له إنني كتبت رسالة ماجستير عن جمعية العلماء وكتب لها د. أبو القاسم سعد الله مقدمة، فأعطاني موعداً للقائه في اليوم التالي بعد العصر. وقد لاحظت أنه ما زال منفعلاً من الحديث من على المنصة، ولم يهتم بي كثيراً، ولعل له عذر وأنت تلوم. وكان من بين الأسماء التي وردت في قوائم الضيوف الدكتور محمد عبده يماني، ود. محمد العلوي المالكي (رحمهما الله) قلت لا أدري ولكن ربما لم يؤذن لهما غير أني لا أجزم بذلك. وحتى الدكتور عبد الله التركي المتخصص في السفر إلى جميع المؤتمرات العالمية لم يحضر والسبب أن المؤتمر سيكون فرصة لكثير من الطرق الصوفية أن تحضر فاختفى هو وأتباعه. وأسمح لنفسي أن أشكك في نياتهم في حضور المؤتمرات هو الوجاهة وانتدابات السفر والهدايا وإلاّ إن تحدث أصحاب الطرق عن طرقهم وتربيتهم الروحية ألم يكن من الممكن أن يحضر ليقدم للناس وللجمهور التربية الروحية وفقاً لأهل السنّة والجماعة حيث حضر الشيخ يوسف القرضاوي ومحمد سعيد رمضان البوطي، ومحمد الغزالي وكثير من علماء السنّة والجماعة. وكنت أتمنى أن يتحدث أحد رجالات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وقد كانوا كثر عن التربية الروحية لدى الجمعية. ولذلك فكّرت في أن أطلب الكلمة. وكنت متردداً فالقاعة تغص بالحضور من كبار العلماء والمسؤولين من الجزائر وأنحاء العالم الإسلامي. وقدمت رجلاً وأخرت أخرى وكان هناك من أصدقائي الجزائريين من يشجعني أن أتحدث. وأخيراً قدمت ورقة أطلب التعليق، وخرجت من القاعة ونودي على اسمي ولم أكن موجوداً ولكن قيل لي عد إلى القاعة فسوف يعطونك الفرصة للحديث. وبالفعل رجعت إلى القاعة ونودي علي مرة أخرى ووقفت أمام الجمهور الضخم الذي لم أقف أمام جمهور مثله، وكنت أخشى أن لا أستطيع أتحدث أمام هذا العدد الضخم، وكما يقال استجمعت شجاعتي وبدأت حديثي بتقديم الشكر لوزارة الشؤون الدينية في الجزائر على هذه السنّة العظيمة وهي دعوة نفر من علماء الأمة الإسلامية ودعاته إلى مؤتمرها السنوي الذي يعد فريداً ممن نوعه، فليس هناك أي دولة إسلامية تقوم بمثل هذا العمل المبارك. وبحكم تخصصي في التاريخ الجزائري الحديث فكم كان بودي أن أرى بحثاً من إعداد أحد علماء الجزائر عن التربية الروحية التي قامت بها جمعية العلماء منذ تأسيسها أو قبل تأسيسها بعد عودة ابن باديس رحمه الله من تونس. إن الحياة المادية التي نعيشها الآن واجهها ابن باديس بعمل جبار في تربية تلاميذه، فسؤالي موجه إلى مشايخ جمعية العلماء عن ماذا كان يفعله الشيخ وزملاؤه في تحبيب الناشئة إلى العبادات المختلفة من قراءة القرآن (وهي قمة الذكر) والصيام التطوعي وقيام الليل والنوافل. إننا نعلم عن بعض الحركات السلفية المعاصرة أنهم ألّفوا كتباً في الأذكار والأدعية وأعدوا لأتباعهم أوراداً لتقوية الصلة الروحية بينهم، ومع اعتزازنا بأقطاب التصوف الذين التزموا الكتاب والسنّة، ولكن لماذا نذهب بعيداً ونترك المثل القريب. وفق الله الجزائر في الاستمرار في هذا المؤتمر المبارك وخدمة الإسلام. وما أن خرجت من القاعة قال لي أحدهم وأعتقد أنه الأستاذ محمد بن سمينة أحد علماء الجزائر لقد جئت من المدينة المنورة لتتحدث عن العلماء الجزائريين الذين سكتوا، وينطبق عليك وعليهم (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) وفي الصفحات القادمة إن شاء الله أقدم تفاصيل المؤتمر.
موافق وذكريات طريقة يا أبا غيث وفقك الله ، ولا شك أنَّك مثال جيد لما يثمره حضور مثل هذه المؤتمرات مع طول الوقت . وأراك تكرر الشكوى من أنظمة حضور المؤتمرات في الجامعات، وأتفق معك في أنه يوجد بها ثغرات جديرة بالمراجعة مثل إتاحة حضور المؤتمرات للمعيدين والمحاضرين وطلاب الدراسات العليا بما يعينهم على الاستفادة منها ، وهناك اليوم مراجعات كثيرة لمثل هذه الأنظمة وأرجو أن يكون في مثل هذه اللفتات ما يساعد على إصلاح هذه الأنظمة .
مع أطيب التحيات لكم ولجهودكم .
يا أبا عبد الله أنت محب، وعين الرضا عن كل عيب...والمسألة ليست شكوى ولكن توصيف للحال، أما أنا والحمد لله فقد كنت لا آبه بالعقبات ولذلك سافرت وسافرت، ولو رأيت كيف اعتنى بي الجزائريون لعرفت أن مِنَنِ الله كثيرة لا تعد ولا تحصى. إن غيروا الأنظمة أو لم يغيروها فالأمر سيان، لكن انظر كيف يحرمون الأساتذة من الإجازة بحجج واهية وكأن الأستاذ عبد رقيق ذليل، وما يُنتِجُ العبدُ الذليل إلاّ مزيداً من الاستبداد والطغيان. حسدوا الأساتذة على أسبوع.
أرادت فرنسا في أثناء احتلالها البغيض للجزائر أن تضيّق على الجزائريين فأنشأت هيئة دينية للإشراف على المساجد وعلى الشؤون الدينية وعينت أشخاصاً يطيعونها ضد أمتهم وقومهم بل كانوا يعادون الحركة الإصلاحية ونجحوا في إغلاق هذه المساجد أمام العلماء لتعليم العلوم الشرعية ولتكون منطلقاً للمحافظة على اللغة العربية والهوية الإسلامية. بل كان من إبداعات هذه المؤسسات أن تحدد الخطب لخطباء الجمعة، وقد قلّهم الاحتلال البريطاني في مصر. وهنا ما كان من الجزائريين إلاّ بدؤوا بتأسيس ما أصبح يعرف بالمساجد الحرة. وقد نجحوا في ذلك نجاحاً كبيراً منقطع النظير. وقد لمست بعضاً من طرائقهم التي أصبحت شائعة في البلاد الإسلامية وفي غيرها حتى إنهم في مساجد بريطانيا يحثون المصلين على التبرع لأمر ما فيمر مجموعة من الشباب على الرجال وفتيات على النساء وبأيديهم وأيديهن أكياس من البلاستيك لجمع التبرعات، ويعلنون في الجمعة التالية المبلغ الذي تجمع لديهم. واستمرت هذه الروح والعزيمة حتى بعد عودة الاستقلال واتخاذ أول حكومة النهج الاشتراكي واستبعاد الإسلام وفرض الإقامة الجبرية على الشيخ البشير الإبراهيمي واستبعاد الإسلام من حياة الأمة. ونهض الجزائريون يبنون المساجد الحرة من جديد حتى لا تكون المساجد للخطب المنزوعة من كتب صفراء كتبت في عهد الدولة العثمانية وتخطب للسلطان العثماني سليم أو سليمان أو مراد أو غيره. ومن المساجد التي بناها الجزائريون بأموالهم وجهدهم وعرقهم وتبرعاتهم مسجد الأرقم بن أبي الأرقم في حي الخامس من يوليه (لاستمرار نزعة الاستعمار اللغوي يقول سانك جوييه) فلقد زرت المسجد الذي لا تقوم به كثير من الدول الثرية، فقد كان مسجداً فخماً راقياً في تجهيزاته وعند زيارتي الوحيدة له وجدت فيه من الرخام ما لم أره في مساجد بنتها دول بترولية كما يقولون. وقد علمت أن بناء المسجد قام على التبرعات فالبناؤون يعملون عدة أيام مجاناً وكذا عمال الكهرباء أو السباكة أو الرخام أو غير ذلك. وقد جئت المسجد قبل صلاة الجمعة حيث إن إخوتنا في المغرب لديهم درس ديني قبل صلاة الجمعة في حين يقوم مقرئ ذو صوت جميل بتلاوة القرآن قبل الصلاة وغير ذلك. وكان الدرس في ذلك اليوم للدكتور أحمد بوساق حول تطبيق الشريعة الإسلامية. والدكتور أحمد حصل على الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض في الفقه. وبدأ درسه بالقول: "أيها الناس إنكم لتألمون لفقد المال والمادة والدنيا ولكن من منكم الذي يألم ويحزن ويتأثر لفقدان وتطبيق الشريعة الإسلامية"، وأضاف:" من زعم بأنه يعدل بغير شريعة الله فهو كاذب كاذب وهو كذّاب كّذاب. ثم تحدث عن القضاء وقال إنه لا وجود للقضاء بغير الشريعة فالمسلمون حينما كانوا يحكمون شريعة الله كان عندهم لكل مشكلة قضاء فلو شتمك أحدهم بيا... عدو الله أو يا كلب لوجدوا له عقوبة، كان المسلم عزيزاً بين العالمين، ولكن انظر إليه كيف حاله الآن احتقروه فقتلوه واستصغروه فقتلوه. أما اليوم فإن أي قضية تأخذ عشرات السنين في محاكمنا لا تصل فيها إلى حل أو يكون الحل جائراً. وكأني بالدكتور يقول إنه ينطبق عليهم اليوم (قاضيان في النار وقاض في الجنة) وليست القضية نسبة مئوية فقد يكون الصنفان الأول والثاني أكثر من تسعين في المائة من القضاة. وبعد أن انتهى الدرس صعد الخطيب المنبر ليقدم خطبة مكتوبة وقصيرة عن بر الوالدين والحقيقة إنها كانت دسمة جداً أو غنية ثرية عظيمة الفائدة بليغة وقصيرة. وفي هذه الرحلة دعيت لدى الصديق عبد القادر رباني إلى وليمة عشاء على شرف كل من الدكتور مصطفى كامل الشيبي أستاذ الفلسفة بجامعة بغداد والأستاذ إبراهيم دموق من السنغال وصاحب مناصب هامة هناك أعجبني أن يمتلك ناصية الخطابة باللغة العربية.
جمعة أخرى في الجزائر في يوم الجمعة الخامس من شوال 1403هـ أو 4 شوال 1403هـ حسب الرؤية الجزائرية، صعدت الجبل إلى مسجد النور، وكانت على أحد جدرانه صحيفة حائطية تتحدث عن شهر رمضان من النواحي العقدية والفقهية والحديثية والأدبية. وما أكثر الصعود والنزول في الجزائر، فوجدت شاباً في مقتبل العمر لا يتجاوز الثامنة عشرة من عمره يفسر آيات من سورة البقرة هي (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }البقرة124 لقد كان الشاب واضح العبارة فصيحاً جيد الإلقاء ثم انتهى الدرس وصعد عجوز المنبر وأخرج من جيبه ورقة لا يحسن قراءتها وهي خطبة مسجوعة وكانت حول الأعياد وفيها تبرير لوجود أعياد وطنية ويقول هذا الخطيب إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبطل أعياد الجاهلية بل أبطل الممارسات التي كانت فيها والحقيقة حسبما أفهم لم يبطل الممارسات البريئة والتي لا تخالف الشرع بل أبطل الاحتفال بأيام جاهلية وقال لقد أبدلكم الله بيومين أو بعيدهم هما عيد الفطر وعيد الأضحى. وبعد الصلاة سلّمت على الشاب ووعدته بزيارة ثانية للمسجد، فإن الإيمان يزداد بالطاعة وينقص بالمعصية. نزلت الجبل فلم أعرج على الفندق (فندق الأوراسي، وهو تحفة معمارية في طريقة بنائه، ويتم إصلاحه وتجديده حالياً- جمادى الأولى 1432هـ) وكانت الساعة الثانية بعد الظهر أو بعدها بقليل وكنت في اليوم الأول (الخميس) نزلت الجبل وسرت إلى وسط المدينة وتجولت في شوارعها وفي هذا اليوم اتخذت اتجاهاً آخر قادني إلى القصبة حيث الجزائر القديمة. وقد سرت في شوارع العاصمة الرئيسة ومنها شارع الدكتور سعدان ثم شارع ديدوش مراد ووصلت إلى دوار صغير اسمه ساحة محمد مصطفى، كما سرت في شارع العربي بن مهيدي.. ومشيت حتى وصلت إلى ميدان الأمير عبد القادر وقد قرأت عبارة يقول فيها الأمير:"لو خيرتني فرنسا بين أموالها وكنوزها وأكون أسيراً وبين أن أكون فقيراً حرا لأخترت أن أكون حراً فقيراً" رحم الله الأمير. ومن الأمور التي شاهدتها في العاصمة ميدان صوفية وهو عبارة عن حديقة فيها زهور جميلة وفيها شجرة هرمة ملتفة السيقان والأغصان ولكثرة أغصانها يصعب لأشعة الشمس أن تقتحمها لتصل إلى الأرض. كما مررت ببعض المتاجر التي لقيت أصحابها يحضرون ملتقى الفكر الإسلامي في قسنطينة فتعجبت من اهتمام التجار بالعلم وحضور المؤتمرات ، ولكني هنا أتذكر كلمة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان عن عوام مكة إنهم علماؤها ذلك أنهم كانوا يحضرون الدروس العلمية في المسجد الحرام مما مكّنهم أن يصلوا إلى درجة عالية من العلم. وقد فعل الشيخ حسن البنا رحمه الله مما أزعج الاحتلال البريطاني أنه حوّل النجار والحداد والسباك والكهربائي إلى علماء لكثرة ما حضروا من دروس أو تلقوا دروساً منتظمة حتى أصبح لديهم القدرة على الخطابة والإفتاء. وعلى الرغم من أن نسبة النصارى في الجزائر أقل من واحد بالمائة (والتنصير يعمل بقوة وعنف في الجزائر من أيام الاحتلال حتى اليوم) فإن لهم مكتبات خاصة ومنها (دار الكتاب المقدس في أحد الشوارع الرئيسية في العاصمة.
لم تمض ثلاثة أشهر على زيارتي الأولى للجزائر حتى عزمت على زيارة الجزائر مرة أخرى وكان أبرز هدف هو لقاء الدكتور أبو القاسم سعد الله أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر والذي أصدر عدداً من الكتب عن الحركة الوطنية الجزائرية في ثلاثة أجزاء، ومقابلة عدد من رجالات الجمعية وزيارة مكتبة الوثائق الوطنية في قسنطينة وكذلك شراء مزيد من الكتب والمصادر والمراجع حول الجمعية. كان أول عمل قمت به في المطار أن اشتريت مجلة القدس بثمانية ريالات وهي مجلة فكرية عربية إسلامية جامعة تصدر في مصر ولها مجلس أمناء ما أكثرهم عدّاً ومنهم الندوي والصادق المهدي ووليد جنبلاط والشيخ محمد علي الحركان (رحمه الله) وقد اشتريت المجلة لأقرأ رداً على لويس عوض في مفترياته على جمال الدين الأفغاني فوجدت أن الرقابة قد مزقت ست صفحات وهي الصفحات التي اشتريت المجلة من أجلها، فقلت واحسرتاه على ريالاتي التي أضاعتها الرقابة في وزارة الإعلام. وصلت الفندق على الساعة الرابعة عصراً تقريباً وبدأت الاتصال بمن أريد مقابلته وكان أولهم الدكتور أبو القاسم سعد الله الذي أعطاني موعداً يوم الأربعاء على الساعة العاشرة صباحاً أمام المكتبة المركزية بكلية الآداب. كما اتصلت بالأستاذ عبد القادر رباني وبمحمد شيوخ. وفي هذه الأثناء حاولت أن أمدد إقامتي في الفندق حيث سمحوا لي بالإقامة يوماً واحداً وحاولت أن يتوسط لي مدير الخطوط السعودية لتمديد إقامتي مدة أطول فوافقوا على أن يسمحوا لي بأسبوع. استطعت أن أرتب مقابلات مع عدد ممن انتسبوا إلى الجمعية وهم: 1- الشيخ علي المغربي 2- الشيخ حمزة بوكوشة 3- محمد خير الدين –بير خادم الجزائر 4- الشيخ محمد الصالح رمضان 5- الشيخ عبد الرحمن شيبان وزير الشؤون الدينية 6- الأستاذ محمد طاهر فضلاء 7- الأستاذ محمد قنانش لقد مر وقت طويل منذ هذه الزيارات ولكني مازلت أتذكر أني استمتعت باللقاء مع هؤلاء العلماء جميعاً وبخاصة الشيخ عبد الرحمن شيبان وزير الشؤون الدينية الذي كان أشدهم حماسة للموضوع حتى إنه قال لي: "أنا أعطيك من المعلومات أكثر مما يعطيك أي شخص آخر أو أفيدك أكثر من أي أحد. وكان اللقاء به مفيداً فعلاً. أما الشيخ حمزة بوكوشة فقد أعجبتني لهجته الصادقة وصراحته حتى إنه أخبرني أنه كان عضواً في مجمع الفقه الإسلامي وطلبوا أن يقوم وفد من المجمع أن يزوروا السجون السعودية فلم يؤذن لهم. كما حدثني بتفاصيل كثيرة عن الجمعية. وقد حصلت من الشيخ محمد خير الدين على عدة أوراق من الجزء الأول من مذكراته، أما بقية العلماء فلم أحصل على مادة معتبرة عن الجمعية عدا بعض مقالات صحفية، ولكنهم كانوا كرماء في السماح لي بتسجيل لقاءاتي بهم. وقد حظيت باللقاء مع الدكتور محمد ناصر الذي كان له اهتمام خاص بالصحافة الجزائرية في تلك المرحلة على الرغم من اهتمامه بجماعته أهل ميزاب الإباضيين ولكن أعطى الجمعية حقها من الاهتمام. وكم تمنيت لو أن الجامعة التي أعددت الرسالة فيها رغبت في الحصول على نسخ من التسجيلات وأسهمت معي في تكاليف السفر، ولكن الجامعات عندنا ليس لديها أموال للإنفاق على البحث العلمي وإنما لديها الأموال لشراء الأثاث وتزيين بعض المباني، ومازلت أذكر البساط الأحمر في مكتب أحد مدراء الجامعات، وفي جامعة أخرى يتم تغيير الورود كل يوم كما أن له مكتب تشريفات للعصير الطازج والولائم، فهل هذا جزء من العملية الأكاديمية؟ وتطلب معالي المدير أن يأذن لك بمؤتمر ثالث فيرفض لأن النظام لا يسمح، ولو قلت له اسمح لي مقابل العدد الكبير من الأساتذة الذين لا يذهبون وإن سافروا لم يمثلوا الجامعة كما ينبغي لقال لك أنت تعترض على رؤسائك. أتعجب أحياناً من حرفية بعض الأكاديميين الكبار والذين يفترض أن لا يكونوا حرفيين مطلقاً. وسافرت إلى قسنطينة للاطلاع على وثائق الجمعية في مكتبة الوثائق الوطنية برئاسة الأستاذ عبد الكريم بجاجة. فكان أول أمر حين وصلت المكتبة أن المدير لم يحضر ولذلك إما أن تنتظر أو تعود في يوم آخر، فإن قلت له لقد جئت من بلاد بعيدة قالوا التعليمات أن لا تطلع على الوثائق قبل مقابلة المدير، وقد يأتي ذلك اليوم وقد لا يأتي. ولما قابلته كان اللقاء مفيداً من الناحية العملية والعلمية، وكان لي لقاء مع أحد الباحثين في المكتبة وهو الأستاذ وربما الآن الدكتور عبد الله بوفولة الذي كان يعد رسالة ماجستير عن أحد شعراء الجزائر وهو مبارك بن جلواح. وقد ساعدني في زيارة عدد من الأماكن المهمة في تاريخ الجمعية ومنها المطبعة ومدرسة التربية والتعليم والمسجد الأخضر وقد حوّلت المطبعة إلى متحف عام 1981 ثم أقفل وكان لا يزال مقفلاً حتى اليوم. وفي قسنطينة كان لي لقاء مع الدكتور أحمد الشرفي الرفاعي الذي كان مهتماً بكتابات الشيخ العربي التبسي رحمه الله أحد رجالات الجمعية البارزين والذي اغتاله الفرنسيون أثناء حرب التحرير. وقد كان الدكتور الرفاعي صريحاً معي حيث قال: الجمعية انتهت بموت عبد الحميد بن باديس وبقية الروح فيها جعلها تستمر حتى عام 1956م ولولا الثورة وقيامها لكانت فضيحة، انظر ماذا حدث بعد الاستقلال بن بلا يعلنها جمهورية اشتراكية ويصدر الإبراهيمي بياناً برفض ذلك ويوضع الإبراهيمي في السجن أو الإقامة الجبرية وهو رجل طاعن في السن، أما الآخرون الذين كانوا في الجمعية ألم يتهافتوا على الوظيف والمرتبات تركوا المساجد ودروس الوعظ حتى أقفرت المساجد أو كادت، والآن هناك صحوة في الجزائر وقريباً تعود الأمور إلى وضعها الصحيح بإذن الله. وأحب أن أضيف أنه ليس كل العلماء وقعوا في البحث عن الوظيفة والمرتبات ولكن ربما ظروف المعيشة أجبرتهم على السكوت مؤقتاً. أما مدينة قسنطينة فتنقسم إلى قسمين القسم الذي كان يعيش فيه العرب وهو القسم القديم والقسم الحديث الذي كان مخصص للفرنسيين المحتلين، فالأول تنقصه الخدمات والتطوير بينما ينعم القسم الجديد بكل مزايا التحديث والتطوير والمرافق. يوم من النشاط: أحببت الجزائر على الرغم من المشقات والتعب ففي أحد الأيام كان لدي عدد من المواعيد هي كالأتي: - الساعة التاسعة والنصف لقاء مع الدكتور أبو القاسم سعد الله عند الجامعة المركزية - الساعة العاشرة لقاء مع الدكتور محمد ناصر في المكتبة الوطنية وتصوير بعض المقالات والبحوث وكانت آلات التصوير لا تعمل فتركت مبلغاً وعنواني لإرسالها. - الساعة الحادية عشرة لقاء مع الشيخ محمد خير الدين في بير خادم في منزله الذي يطلق عليه دار الأمان وبير خادم على بعد عشرة كيلومترات من العاصمة. وكان البيت أشبه بالقصر والمكتبة من أربعة جوانب من الغرفة وتصل على حديقة جميلة. وأخبرني أنه كتب عريضة مع عدد من العلماء موجهة إلى رئيس الجمهورية يعترضون على تطبيق الاشتراكية والولاء لروسيا ففرضت عليه الإقامة الجبرية وربما كان مازال في الإقامة الجبرية ولكنه كان ينوي الحج ويقول إنها حجة الوداع. - الساعة الثالثة عصراً اللقاء مع الشيخ علي مرحوم في منزله. - الخامسة عصراً زيارة المركز الإسلامي وعلى الرغم من صعوبة المواصلات في الجزائر فقد تمت كل تلك المقابلات وحققت نجاحاً كبيراً. أبيات من الشعر ليس في الأرض سادة وعبيد كيف نرضى بأن نعيش عبيدا؟ أمن العدل، صاحب الدار يشقى ودخيل بها، يعيش سعيدا؟! أمن العدل، صاحبَ الداريَعرى، وغريبٌ يحتلُّ قصراً مشيدا؟ ويجوعُ ابنها، فيعْدمُ قوتاً وينالُالدخيل عيشاً رغيداً؟؟ (مفدي زكريا)
ومن أراد العلا عفوا بلا تعب قضى ولم يقض من إدراكها وطرا لا يبلغ السؤدد إلاّ بعد مؤلمة ولا يتم أنس إلاّ لمن صرا وأحزم الناس من لو مات من ظمئ لا يقرب الورد حتى يعرف الصدرا
كان أبي رحمه الله يحفظ كثيراً من الشعر ويتمثل به في المناسبات بل كان يستخدمه أسلوباً غير مباشر في التربية فهو حين كان يريد أن يتحدث عن علو الهمة والطموح والآمال الكبار فكان من الأبيات الشعرية التي سمعتها منه قول المتنبي يقولون لي ما أنت في كل بلدة وما تبتغي ما أبتغي جل أن يسمى وربما سمعت منه قصة الشاب الذي سأله أبوه من مثلك الأعلى؟ فقال الابن أنت يا أبي، فقال له لا يا بني، عندما كنت في سنّك كان مثلي الأعلى هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وانظر إلى المسافة التي بيني وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. تذكرت هذا القضية حين جاءني اتصال من القنصلية الأمريكية في جدة يخبرني فيها المتصل (علي الغضبان) عن مؤتمر يعقد في الجامعة الأردنية بعنوان (العلاقات العربية الأمريكية نحو مستقبل مشرق)ويحثني فيها على الحضور وأعطاني اسم رئيس اللجنة المنظمة الدكتور سامي الخصاونة وكيل الجامعة الأردنية. وتم الاتصال وحصلت على دعوة بعد استغرابهم وتأكيدهم أنني سأكون على حسابي من حيث تكاليف السفر والإقامة. ولما كانت إمكانات الأساتذة متواضعة في عالمنا العربي حتى إن بعض الأساتذة في بلدان عربية يعملون سائقي سيارات أجرة، وبعضهم ربما فتح محلاً لإصلاح الإطارات وسمعت عن دكتور لديه بائعي بليلة على ساحل جدة وهذا يذكرني ببيت الشعر تموت الأسد في الغابات جوعى ولحم الضأن تأكله الكلاب.
خرجت من بيتي على الساعة الحادية عشرة مساءً للسفر إلى تبوك (شمال المدينة على بعد 700كم) بالطائرة ووصلت تبوك قريباً من الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وبحثت عن سيارة أجرة تقلني إلى عمّن ولما كان الوقت متأخراً فكان من الصعب توفر الركاب وفجأة ظهر شابان يريدان الذهاب إلى سوريا، فتقدم سائق سوري فأخبرهما أنه سينقلهما إلى عمّان ومنها سيرتب سفرهما إلى دمشق، ودفعت أجرة مقعدين فوافق السائق، وانطلقت السيارة ووصلنا الحدود الأردنية قبل الفجر بقليل فتوقفنا للصلاة وتوقف السائق ليمارس عمله في التهريب بشراء السجائر وكمية من المشروبات الغازية لأنها أرخص في السعودية من الأردن، ويبدو أن السائقين يمارسون التهريب طوال حياتهم فيعرفهم رجال الجمارك . وعند الحدود السعودية رفضت الجوازات السماح لأحد الشابين بالسفر دون إذن والده لأنه أقل من واحد وعشرين عاماً فحاولوا الاتصال بوالده فلم يعثروا له على أثر وأعتقد أنها أسرة مفككة فالأم لا تعرف أين الأب ولا أحد يدري أين الأب فمنع من السفر واضطر رفيقه البقاء معه وسافرت وحدي بقية الطريق إلى عمّان فلم أصل عمّان حتى الحادية عشرة قبل الظهر مما يعني أنني قضيت في مشوار يستغرق في الحالة العادية ساعتين أو ثلاثة أربعة أضعاف الوقت، وقاتل الله الحاجة. ولو كان في الجامعات مرونة لما احتجت إلى كل ذلك لأذن لي العميد وصرف لي قيمة التذكرة ومكنني من السفر باحترام. وحضرت المؤتمر وكانت لي مشاركة فعّالة في معظم الجلسات، وكان رئيس اللجنة التنظيمية يلاحظ مشاركاتي فكم تمنيت لو أنه اعتذر عن عدم استضافتهم لي بل كان الأولى أن أكون ضيفاً فإن مشاركتي ومساهمتي كانت أكثر من معظم الذين حضروا ضيوفاً، ولكن متى كان للإبداع في بلادنا قيمة. ورجعت من عمّان إلى المدينة المنورة وكان علي أن أسافر بعد ذلك بأسبوع إلى الجزائر لحضور مؤتمر في وهران. وكانت خط سير الرحلة من جدة إلى تونس ومن تونس إلى الجزائر ثم أركب طائرة إلى وهران. وفي تونس علمنا أن موظفي المراقبة الجوية مضربون وأن مطار الجزائر مغلق أمام الملاحة الجوية فكان لا بد أن ننتظر في مطار تونس حتى تستطيع الحكومة الجزائرية تدبر الأمر. فكان علي أن أحاول قضاء الساعات الطوال بما يفيد فبدأت ألاحظ السيّاح الذين أتوا ليتفرجوا علينا لا ليتفاعلوا معنا فكان في أحد مطاعم المطار سائح وسائحة وكان في يد كل واحد منهما كتاب يقرأ منه، فتعجبت ألم يجدا سوى هذا الوقت للقراءة؟ أليس بإمكانهما أن يتحدثا معاً؟ ورأيت من مناظر العربان الذين يرتبطون بنساء أجنبيات فيسير الواحد إلى جانب امرأة وقد أبرزت كل مفاتنها وكأنها ذبيحة معلقة في متجر جزار. فأتعجب أين الغيرة والمروءة والشهامة والنخوة؟ ولم نتمكن من السفر حتى قبل منتصف الليل بقليل. ووصلت الجزائر فكانت أولى الصعوبات انتظار الحقائب وكان هناك رحلة أخرى من برشلونة وصلت الحقائب ولم يصل الركاب إلى الصالة ورحلة تونس ينتظر الركاب ولم تصل الحقائب. وبعد انتظار طويل ووصول الحقائب بالقطارة كما يقولون أخذت حقيبتي وتوجهت إلى باب المطار ثم كان عليّ الانتقال من الصالة الدولية إلى الصالة الداخلية وكانت رحلتي إلى وهران في صبيحة اليوم التالي ولم لدي أية ترتيبات للبيات في فندق في العاصمة أو في المطار فمكثت ست ساعات تقريباً جالساً في الصالة الداخلية وكان هناك العديد من الركاب الذين ينتظرون اليوم التالي ويخافون أن يذهبوا إلى داخل العاصمة في الليل حيث كانت الأوضاع الأمنية صعبة أو حتى مخيفة. وكان من هؤلاء الركاب مدير مدرسة ثانوية في تيزو ووزو وكان قادماً من مصر، والجزائريين والمغاربة يحبون مصر بطريقة خاصة، وإن كان بعض الجزائريين لديهم نظرة سلبية تجاه بعض المعلمين المصريين الذين درسوا في الجزائر، والمصريون أنواع فمنهم الرائع الذي كما يقال تضعه على الجرح فيبرأ ومنهم هو الداء الوبيل. ويا ويل الأستاذ حين يكون مصاباً بالطمع والجشع، وبعض الأساتذة المصريين ساهموا في محاربة هيبة الأستاذ. وعلى السادسة صباحاً انطلقت رحلتنا إلى وهران وبعد أن وصلت المطار كنت أظن أني أستطيع أن أركب سيارة أجرة إلى الجامعة ولكني حاولت الاتصال بالجامعة ولكن جامعة وهران كبيرة وفيها كليات كثيرة ولم أتذكر أن المؤتمر يعقد في معهد اللغة العربية والحضارة فباءت كل اتصالاتي بالجامعة بالفشل وهنا قررت أن أركب تاكسي وشاء الله أن أهتدي إلى المكان فلما وصلت مكتب العميد وقد كنت قد أصبحت بسبب السفر الطويل أشعث أغبر فوضى لا ترتيب ولا نظافة ولا هندام. ففوجئ الدكتور بكري عبد الكريم الذي ربما تذكر (أن تسمع بالمطبقاني خير من أن تراه أو المعيدي) وفي صبيحة يوم المؤتمر كنت في مطعم الفندق أتناول الفطور فإذ بفتاة سافرة الوجه وشعرها منسدل على ظهرها وترتدي ملابس غير محتشمة ففكرت في أمرها كيف أنها يمكن أن تكون في هذا الوقت في بيتها ترتدي ملابس النوم وتعد الإفطار لزوجها وأولادها بدلاً من أن تنتقل هنا في المطعم ينظر إليها كل من هبّ ودب. يمكن أن تكون ابتسامتها التي أجبرت عليها من حق رجل واحد فإذ بها تقدم للجميع بلا استثناء، يا لحياتنا التي تغربت قبلنا لبناتنا وزوجاتنا أن يكون في مثل هذه المواضع. وفي الوقت الذي تعمل فيه هذه الفتاة هناك العشرات أو المئات من الشباب الذين لا يجدون عملاً وهم الذين كلّفهم الشارع الحكيم بالإنفاق على الأسرة وعلى الأب والأم وغيرهما إن كانا في حاجة. ختام: جمعني مجلس مع الدكتور عبد الله أبو سيف الجهني من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة فذكر لي أربعة أبيات من الشعر كتبا في القرن الخامس الهجري فكيف أحوالنا اليوم والأبيات هي: متى تصل العِطاش إلى ارتواء إذا استقت البحار من الركايا (الآبار) ومن يثن الأصاغر عن مراد وقد جلس الأكابر في الزوايا وإن ترفع الوضعاء يوماً على الرفعاء من إحدى البلايا إذا استوت الأسافل والأعالي فقد طابت منادمة المنايا
أعتذر من أحبابي في الجزائر والمغرب فقد وجدت نفسي أكتب بانفعال "والله المغاربة والجزائريين ما يستحوا" ولمن لا يفهم هذا التعبير أقول المقصود منه العتب على شيء كان ينبغي أن يفعلوه ولم يفعلوه، فقد ذهلت للتشابه الكبير بين البلدين وبخاصة منطقة تلمسان التي جئتها بعد أن ارتبطت بالمغرب برابطة المصاهرة حوالي العشر سنوات وزرتها مرات ومرات. فالتضاريس متشابهة من ناحية الجبال والسهول والأشجار والنباتات. أما البشر فاللهجة متشابهة إلى درجة كبيرة فإني أسمع الناس في تلمسان وأظنني في فاس أو في الدار البيضاء أو مراكش. ويتشابهون في الأكل فليس الكسكسيه وحده هو الذي يجمع المغرب العربي من ليبيا حتى موريتانيا بل هناك أكلات خفيفة متماثلة. بل أكثر من ذلك فإن أستاذاً جامعي قال لدينا فكرة أن الرجل عندما يتقدم في السن لا يتمنى أن يعود شاباً إلاّ ليتزوج من مغربية، فقال له أحدهم حتى أنت؟ فقال حتى أنا ولكني تزوجت جزائرية وكان أول بلد نزوره هو المغرب وهي تحب المغرب مثلي.
فلماذا يتفرقون ولماذا تكون الحدود مغلقة والاتهامات متبادلة. وإن لاحظت الشحن في المغرب أقوى منه في الجزائر وإن كنت لم أستقصي الموضوع تماماً. يا لنا نحن العرب كيف تحولنا إلى أكثر من عشرين دويلة ودولة ولا دولة، وكيف تعددت الجنسيات والأعلام والأعياد وتنوعت الأحقاد والتعصبات والتحزبات. يقولون تجمعنا الجامعة العربية وهي جامعة جامدة لم تستطع أن تفعل شيئاً حقاً. صنع الاحتلال الأجنبي تلك الحدود المصطنعة فتمزقنا وازددنا بعد ما يسمى الاستقلال تمزقاً وتفرقاً. وكان الأولى أن يبدأ التعاون والتبادل بين العلماء والمثقفين. وعندما ينظر الإنسان إلى الاتحاد الأوروبي تجد أنهم صنعوا شعوباً متوافقة بالتبادل الثقافي، بل لدى الغرب والولايات المتحدة البعثات المتبادلة من المرحلة الثانوية حتى الجامعة. وقد لاحظت أن الأوضاع الأمنية في الشارع والحياة العامة عادية وبخاصة في تلمسان التي أمضيت فيها يومين فقط ولكن الإجراءات الأمنية في المطارات ما تزال صعبة فالتفتيش يتكرر أكثر من مرة، والسفر الداخلي تحول كأنه سفر للخارج فمن تعبئة النماذج والمرور بأكثر من نقطة تفتيش. ومما أزعجني كثيراً طول الانتظار في كل مكان حتى يتعجب الإنسان لماذا هذا البطء في إيصال العفش من الطائرة إلى الصالة؟ ولماذا التعرف على الحقائب قبل صعود الطائرات في الرحلات الداخلية؟ ولماذا الانتظار في مراجعة موظفي الخطوط الجزائرية لماذا لا يزيدون عدد الموظفين؟ وكذلك في الدخول إلى صالة المغادرة؟ وكذلك عند ركوب الطائرات فقد تقف الحافلة أمام باب الطائرة عشرة دقائق؟ كما لاحظت في الجزائر وفي غيرها محاولة البعض تجاوز الدور أو ما نسميه في الحجاز (السرا)، فلماذا يحدث هذا؟ إنها نوع من الأنانية وسوء الأدب مع الآخرين. فلست أفضل من غيرك يا من تجاوزت من سبقك؟ ولعل أسوأ أنواع تجاوز الدور هو ما يحصل من بعض من لهم وساطات أو معارف في المكان الذي يقف فيه الناس. وقد حاول أحدهم أن يسبقني أمام موظف الخطوط فسحبته وقلت له نريد أن نتساوى هنا على الأقل. بل فعل الشيء نفسه مع شخص أراد أن يدخل قبلي فدفعته بحقيبتي بشيء من القسوة. ومع كل هذا الانتظار فقد كانت معاملة الجمارك معي رائعة فقد مشيت ببطء أمام الجمارك فما كان من رجل الجمارك إلاّ أن قال لي اذهب. لم تتح لي الفرصة للاطلاع على الصحافة ولكن لاحظت أن المبالغة في مدح الرئيس لا تختلف فيه هذه الصحافة عن بقية الصحافة العربية في معظم البلاد العربية قبل ثورة مصر وتونس. كانت المياه المقوررة أو المعبأة بالقوارير الأكثر شهرة هي "سعيدة" ولكني وجدت الآن نوعاً آخر هو "أفري" مع وجود سعيدة. وعلى الرغم أنني من أنصار القديم لكن طعم المياه الجديدة مقبول، وربما يومين لم تكن كافية للحكم على المياه الجديدة. مدينة تلمسان مدينة ممتعة لسبب بسيط أنك ترى الجبال الخضراء من كل اتجاه فكأن المدينة تحتضنها الجبال فتضفي عليها جمالاً وبهاءً وروعة. والمدينة مبنية على عدد من التلال ففي بعض المواقع تستطيع أن تشرف على الوديان وعلى الأجزاء المختلفة من المدينة. سمعت قصيدة من الشعر الملحون لأستاذ جامعي قالها في الاعتراض على السماح للمغني اليهودي من أصل جزائري يعيش في فرنسا وقد أراد أن يزور الجزائر وحدث أن أجرت معه صحيفة فرنسية لقاءً أبدى فيها حبه لإسرائيل وإنه لا خلاف بين حب إسرائيل وزيارة الجزائر فقامت حملات شعبية كبيرة في الجزائر لمنعه من دخول البلاد. ولم أفهم القصة كاملة ولكن أحد الأساتذة الجامعيين قال قصيدة رائعة بالشعر الملحون ضد قدوم هذا اليهودي الصهيوني وأرجو أن يتاح لي فرصة توثيق القصة وإيراد القصيدة كاملة. لمحات من المؤتمر: لولا وجود بعض الذين تحدثوا بالفرنسية لزعمت أنني استمعت وسمعت كل المحاضرات ما عدا الوقت الذي طلب فيه مني أن أعطي حديثاً للإذاعة الجهوية أو التلفزيون. ولكن مع ذلك أستطيع أن أقول إن المؤتمر يكاد يكون قد انقسم إلى فريقين أو ربما ثلاثة: فريق محب للاستشراق وللغرب عموماً وبعضهم يعيش في الغرب وينهل من خيراته ويعيش في بحبوبة من العيش هناك حتى بدت واضحة على تكرشه وسِمَنِه. بل هذا الذي دافع عن الاستشراق بوعي وبلا وعي يقف أعنف من أسياده في شتم الطرف المنتقد للاستشراق حتى إن أحدهم وصف من يناقش سلبيات الاستشراق بأن فكرهم من عهد الحفريات أو أثري أو متجمد. وقد انبرى أحدهم لينقض ما قلت. وأحب أن أعيد هنا إحدى ملاحظاتي وهي أن أحد المستشرقين الفرنسيين قال لماذا لا تنظروا فقط إلى الجانب السلبي لماذا لا تنظروا الجوانب الإيجابية؟ فالمستشرقون أناس يبحثون عن المعرفة. فطلبت الكلمة وقلت ما ملخصه: إن قضية أن المستشرقين يبحثون عن المعرفة قالها لي برنارد لويس عام 1988 حين قابلته وقال إننا مثل التجار نسعى إلى زيادة رصيدنا المعرفي كما يسعى التاجر إلى زيادة رأسماله ومكاسبه. وقال الكلام نفسه في الرد على إدوارد سعيد عام 1982م ولكن هل صحيح أن ما يحرك الاستشراق هو المعرفة فلماذا تدعم الحكومة البريطانية على سبيل المثال هذه الدراسات في تكوين لجان لدراسة حاجة البلاد من المتخصصين في الدراسات العربية والإسلامية في 1903و1947 و1961 و1985 و1993 و2007. ولماذا حرصت جامعة ماقيل على توجيه طلابها المسلمين على دراسة مشكلات بلادهم؟ لقد وصف إدوارد سعيد هؤلاء والأساتذة العرب أنهم يعملون كمخبرين في تدريس صغار المستشرقين. وتساءلت لماذا يقدم معهد دراسات العالم الإسلامي في العصر الحديث خمسين منحة ثمانية عشرة منحة دكتوراه و32 منحة للماجستير لدراسة أحوال العالم الإسلامي؟ هل هذا من أجل العلم والمعرفة؟ نحن لا ننكر وجود جوانب إيجابية في دراسات المستشرقين لكن هذا المجال تحكمه الأجندات السياسية في الغالب الأعم.
عندما حضرت مؤتمر المجلس الشعبي البلدي بقسنطينة حول جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في التنمية لقيت إخوة من تونس وكان أحدهم هو الدكتور المنصف عبد الجليل الأستاذ بمدرسة المعلمين العليا بسوسة فأخبرني أن بحثي للدكتوراه حول منهج المستشرق برنارد لويس في دراسة الجوانب الفكرية في التاريخ الإسلامي أوحت له أن يرتب مع كليته وجامعته على الدعوة لمؤتمر عن المنهج في القديم والحديث. وسألني هل يمكنني أن أحضر لو وجهت إليّ الدعوة. فقلت في نفسي كيف أكون سبب المؤتمر ولا أحضر. نعم سأحضر سأحضر. فما أن عدت إلى المدينة المنورة حتى أعددت فكرة موضوع للمؤتمر كان جزءاً من بحثي للدكتوراه عن المستشرق الأمريكي الجنسية البريطاني الأصل اليهودي الملة والصهيوني النزعة واخترت منهجه في دراسة الفكر السياسي في الإسلام. وجاء موعد المؤتمر فركبت طائرة الخطوط السعودية الرحلة رقم 125 يوم الثامن والعشرين من شهر رجب الفرد لعام 1409هـ السادس من آذار (مارس) 1989م وفي مطار جدة شاهدت أحدهم يمسك بصحيفة محلية ويقضي وقتاً طويلاً في قراءتها فتعجبت أو تستحق صحيفة محلية كل هذا الوقت وقد مضى زمان صحافة الفكر والرأي والأدب، وإن كان الوضع مازال بخير إلى حد ما. وكنت في الليلة السابقة لسفري قد دعيت لدى الأستاذ نبيه الأنصاري رئيس تحرير مجلة المنهل وقد كان من بين الحضور غالب حمزة أبو الفرج (رئيس تحرير صحيفة المدينة المنورة سابقاً) وعبد الله فقيه وعبد الله عقيل ود. حمدون من كلية البنات بجدة (أستاذ أدب) وفوزي عقيل وغيرهم. وكانت أمسية جميلة تسلمت فيها العدد الخاص من مجلة المنهل الذي نشر لي بحثاً بعنوان (الحياة الاجتماعية في المغرب العربي بين الاستعمار والاستشراق) وكان العدد بالتعاون بين قسم الاستشراق وبين المجلة وقد أقمحت نفسي في العدد دون رضا القسم ولا موافقته، ولكن شاء الله أن يعجب موضوعي المجلة فتنشره مما أغضب بعض من في المعهد. ورحلتي هذه إلى تونس هي الثانية بعد أن زرتها بعد الخروج من مرض التهاب السحايا برفقة والدي رحمه الله وكانت للاستجمام حيث زرنا تونس العاصمة وقربص ذات الحمامات المعدنية التي لم أطق حرارة مياهها ولكن والدي استمتع بها. وفي أثناء الرحلة إلى تونس مررنا بطرابلس الغرب التي دوخت جرازياني وموسوليني وغيرهما طرابلس والجبل الأخضر ولكنها اليوم وهي تحت نير العقيد الأرعن ودعوت الله حينها أن يخلصها منه وينقذها من ويلاته وكانت تبدو لي من الطائرة أرضاً قاحلة مهملة. وصلت تونس فكان في استقبالي في المطار كل من الدكتور المنصف عبد الجليل وصديقه أو زميله الدكتور عبد الرزاق الحمامين وكان لقاءً دافئاً انطلقنا بعده إلى سوسة. وفي اليوم الأول من الزيارة زرت دار المعلمين العليا وقابلت المدير الدكتور فاروق عمّار وقابلت أستاذاً في التاريخ وأستاذاً في اللغة العربية. وسوسة من المناطق السياحية فلم يعجبني ما رأيت وكتبت حينها" يستغلون ما أنعم الله عليهم من أرض طيبة وكان شكرهم للنعمة جحوداً يقدمون الخمر والخنزير ليرضى عنهم السائحون ولا يشكرون المولى عز وجل وقد يتساهلون في الأعراض وبخاصة أعراض شبابهم مع السائحات الأجنبيات فتذكرت بعض الآيات الكريمة في هذا المقام ومنها: قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً ولو أن أهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا وكان لي حديث مع بعض أساتذة دار المعلمين العليا حول السياحة ومقدار ما تقدمه للدخل القومي وهل يستطيعون الاستغناء عن هذا الدخل؟ فعللوا وبرروا بما قيل في مجلس النواب، وقلت إنكم قد تجوعون بضع سنوات ولكنكم تنقذون أجيالكم القادمة، وقلت إن المسألة مسألة إيمان أو لا إيمان. تجولت في سوسة التي كان اسمها حضرموت فلماذا تغير الاسم لا أدري وتقول عنها موسوعة ويكيبيديا تقع سوسة في الوسط الشرقي للبلاد التونسية. وهي مركز منطقة الساحل التونسي. وتعرف بـ"جوهرة الساحل". سواحلها رملية ملائمة للنشاط التجاري البحري ولنشاط صيد الأسماك وللنشاط السياحي. وتقع سوسة على مسافات غير كبيرة من المدن التونسية الهامة: فتقع 140 كم جنوب تونس العاصمة و50 كم شرق القيروان 20 كم غرب المنستير وهي مدينة الحبيب بورقيبة التي أعطاها عناية خاصة وجعلها مدينة بعد أن كانت شبه قرية. و 120 كم شمال صفاقس. أسسها الفينيقيون في الألف الأولى قبل الميلاد وتغير اسمها مرات: فمن أسمائها حضرموت وهو الاسم الذي عرفت به قديما.ويبدو أن الفينيقيين قد أطلقوا عليها هذا الاسم لما لاحظوا التشابه بين سواحلها وسواحل منطقة حضرموت الموجودة في اليمن والتي لا زالت تحمل هذا الاسم إلى الآن." وفي هذه الرحلة كنت أحمل بعض نسخ من كتابي (باكورة إنتاجي العلمي) رسالة الماجستير بعنوان (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية) ولمّا أهديت نسخة منها للمستشرق الألماني هالم هاينز المتخصص في تاريخ الدولة الفاطمية وهو يشكك بنسبهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، قال لي اكتب لي ما أتذكرك به على الكتاب. وأهديت نسخة للدكتور عباس ارحيلة من جامعة القاضي عياض بمراكش وأهديت نسخة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في رقّادة بتونس. ومن طرائف المشاركة أن الطلاب قليلاً ما يشاهدون أستاذاً من السعودية في مؤتمر علمي فتجمعوا حولي وسألوني عن أشياء كثيرة وأعتقد أنني أجبتهم بالصراحة والصدق بقدر الاستطاعة. عندما قدمت بحثي جاء ذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد الخميلة تعس عبد الخميصة ) فأضفت ويمكنني أن ألحق بهذه الأصناف تعس عبد الدوفيس (العملة الصعبة باللغة الفرنسية) فغضب أحدهم فرددت عليه. كان المؤتمر مليئاً بالمتناقضات فهناك فئام تدعو إلى المناهج الأنثروبولوجية في دراسة التراث الإسلامي من قرآن وسنّة وتاريخ، وهناك من يرفض الإيمان بالحديث النبوي الشريف أخذاً بأقوال بعض المستشرقين في رفض الحديث الشريف ودعا بعضهم إلى القراءة النقدية للتراث وليس القراءة الإيديولوجية ولا بد من التخلص من هذا النوع من القراءة. ومما قاله أحدهم:"النصوص الدينية التراثية نسلم بها دون نقد بما جاء فيها وما جاء فيها ليس دائماً منسجماً فيما بينه وليس دائماً معبراً عن حقيقة تاريخية وليس مواتيا للنص القرآني، يجوز لنا أن نكشف ما في هذا النص من ثراء دون المرور بالمراحل نفسها التي مرّ بها القدماء لا يمكن أن نهمل ما تقوله الأحياء أو الفيزياء أو الفلسفة أو المعارف الحديثة فالقدماء لم يكن يخطر ببالهم كل هذه المعارف." وكما قلت لأحدهم في مؤتمر في اسبانيا أشم رائحة استشراق، وأنا في هذا النص أشعر بالأمر نفسه. فقد وجدت مجموعة من الباحثين من أمثال الطيب التيزيني وغيره ممن ينحون هذا المنحى الحداثي التدميري للتراث. ولكني كنت في وقتها طالب دكتوراه ولم تكن مثل هذه القضايا من وجدت من يرد عليها لكنت استعنت بردودهم وفهمهم. ومن الأفكار التي ذكرت في الملتقى أننا كثيراً ما نتحدث عن الغرب فالبعض يرى أن الغرب ليس غرباً واحداً وإنما هو الغرب الإمبريالي الاستعماري والغرب العالِم والغرب الحقود ويقول أحد المحاضرين "لا ينبغي أن يكون هاجسنا أن هذا الغرب يمر لنا عن طريق هذه المركزية الحداثية نموذجاً حديثا، لتكن لنا مركزيتنا مستفيدين من مركزية الغرب إن كان له مركزية، وما أنتجه الغرب إنما هو إنتاج إنساني وما أنتجه السيوطي هو أيضاً إنتاج إنساني ولنتخلص من هذه العقد." وطالب أحدهم بتقليص حجم المقدس. وهي فكرة سمعتها في تونس عام 1416هـ في ندوة في مؤسسة التميمي.
مقالات ممتعة وشائقة يادكتور مازن، ولو كانت في ملف واحد ليسهل متابعتها.
وكم أتمنى أن لا تنقطعوا عن تدوين سيرتكم وملاحظاتكم العلمية من خلال حضوركم لكثير من المؤتمرات.
أخي الدكتور مساعد من الصعب كتابة كل هذه الأمور دفعة واحدة لقد أخرجتها من دفاتر اصفرت أوراقها وقدمتها على دفعات حتى تسهل قراءتها، ولكن ليتك حين تجمعها في ملف (كلمة) تقرأها بعين الفاحص وتهدي لأخيك عيوباً لم يرها أو غفل عنها أو أصر عليها. وأكون لك من الشاكرين المقدرين.
دعواتك يا سي جمال أبو حسان، ودعواتك وإني سأفعل ولكن هذه الرحلات فيها اللمحات والقفشات وهي مسوّدة أولى لكتب قادمة في الرحلات ويوم السبت سأتسلم من العبيكان إن شاء الله كتابي (رحلاتي إلى مشرق الشمس) و(رحلاتي إلى بلاد الإنجليز) ويتبعها في التقديم للناشر رحلاتي إلى المغرب العربي ورحلاتي إلى الجزائر
معذرة حبيبنا:
أقصد تكون في مشاركة واحدة ، وتقومون بترقيم كل مشاركة ، حتى نقرأها بتسلسل ، ولا تضيع، وسأطلب من الإخوة في إدارة مركز تفسير القيام بذلك ، ثم يراسلونكم إن شاء الله.
وكم أتمنى لو تضعون فوائدكم العلمية القيمة في المناقشات التي تمت في هذه المؤتمرات، ففيها نفع كبير لمن سيحضر المؤتمرات المخالفة للمسلمين.
سيكون هذا جهد آخر في هذه الصفحات أفرغ ما في الجعبة مما تجمع لدي من رحلات وذكريات ومشاهدات، وأنت على حق فإن النقاش مع هؤلاء وحتى مع العربان المتغربين يحتاج إلى تقعيد وإن كنت أفتقد الكتابة العميقة النظرية ولكني سأحاول وإن وجدت أموراً فيما كتبت فيا ليت لو أهديتني إياها. ثم إليك مقالة طريفة عن مؤتمر لم أكمل بعد ما دار فيه.
قبل أن أنطلق في رحلتي إلى تونس دعيت من مركز حي الأزهري بالمدينة المنورة لأقدم محاضرة حول الاستشراق وكانت بعنوان (حوار مع مستشرق) يوم 19/11/1416هـ وانتشرت اللوحات الإعلانية في شوارع المدينة. ولكن أحد الإخوة الطرفاء وهو الدكتور خالد أبو الخير فقال لا تفاجأ بالحضور القليل فإني (الدكتور خالد) حضر لي خمسة عشر شخصاً أما فلان وهو أكثر شهرة وله شعبية فقد حضر محاضرته ثمانون ولكن كم تتوقع أن يحضر المحاضرة قلت لا يهم، وشاء الله وكان وقت المحاضرة فغصت القاعة بالحضور وجاءوا بكراس إضافية، وكانت محاضرة جميلة. وبعد المحاضرة بأيام كان لي عودة لحضور المؤتمرات وسبب الدعوة لحضور هذه المحاضرة أن الدكتور عبد الجليل التميمي دعي لإلقاء محاضرة عن الاستشراق في مهرجان الجنادرية (تلك الدورة التي مات فيها الشيخ محمد الغزالي رحمه الله) فطلبت المداخلة فانتقدت ما قاله التميمي ثم دار حديث بيني وبينه خارج المحاضرة فأخبرني أن لديهم مؤتمراً بعد عيد الأضحى وسألني هل يمكنني أن أحضر. وبالفعل تلقيت دعوة من مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بتونس لحضور مؤتمر علمي. ولما كانت الدعوة قد وصلتني في شهر ذي القعدة ولم يكن ثمة متسع من الوقت للحصول على إذن رسمي بالحضور كما لم أكن متأكداً من إمكانية إعداد بحث لإلقائه في المؤتمر وترتيب الأمور المالية للحضور.([1]) وأحمد الله عز وجل أن مكنني من السفر لأشارك في هذا المؤتمر الذي تشترك مؤسسة كونراد إديناور الألمانية في رعايته -وهي مؤسسة ترعى مؤتمرات علمية في إسرائيل، وللاطلاع على إحدى مـؤسسات البحث العلمي الفاعلة في العالم العربي وذلك لكثرة المؤتمرات والندوات التي تعقدها وما تنشره من بحوث ودراسات ودوريات علمية. وبعد ثلاثة أيام من المحاضرات والنقاشات اتضح لي أن هذه المؤسسة إنما هي امتداد للمؤسسات الاستشراقية من حيث النهج الفكري والميول. بل لعلها أكثر أهمية من كثير من المؤسسات الاستشراقية لأنها تستقطب عدداً كبيراً من قادة الفكر والرأي في العالم العربي وتركيا. ومما يؤكد أهمية دراسة هذه المؤسسة واتجاهاتها أن الباحث الغربي حين يطعن صورة الإسلام أو يشـوهها فإنه إنما يفعل ذلك عن جهل أو تعمد، ولكنه في اعتقاده يخدم مصالح قومه وأمته . ولكن عندما تصدر أراء مخالفة للنهج الإسلامي من أشخاص مسلمين فليس من السهل اكتشاف ذلك كما إنه مدعاة لقبول هذه الآراء. أما ورقتي التي قدمتها فكانت حول منهجية التعاون العلمي بين البلاد العربية وتركيا والعالم الغربي بين الواقع والمثال. وقد تناولت في هذه الورقة بعض الجوانب الإيجابية والسلبية في واقع هذا التعاون، وحاولت أن أقدم بعض المثاليات التي ينبغي التطلع إليها في هذا التعاون. وأوضحت أن من الصور الإيجابية للتعاون العلمي ما يقوم به الحرس الوطني في ندواته السنوية حيث يتيح الفرصة للعديد من علماء الغرب تقديم وجهات نظرهم في القضايا المطروحة ولعل مثال ندوة الإسلام والغرب يوضح هذا أجمل توضيح. أما الصورة السلبية في هذا التعاون فهو اهتمام الجامعات الغربية ومراكز البحوث بالباحثين العرب من ذوي الاتجاه العلماني أو اليساري. وذكرت نماذج لهؤلاء عرفوا من خلال آرائهم المنشـورة ونشاطاتهم العلمية ومن هؤلاء على سبيل المثال: صادق جلال العظم، وعبد القادر الزغل، ومحمد سعيد العشماوي، ونوال السعداوي، ونصر حامد أبو زيد، وعزيز العظمة، وبسام طيبي وفضل الرحمن وغيرهم. ومن السلبيات أيضاً أن كثيراً من الندوات والمؤتمرات التي تعقد في الغرب لا يدعى إليها المتخصصون أو يدعى لها أصحاب الاتجاه العلماني الذين لا يخرجون عن كونهم صدى للفكر الغربي العلماني. ومثال على ذلك أن جامعة نيويورك عقدت ندوة في 27 فبراير 1996م بعنوان" الرقابة الإعلامية وأثرها في المصالح القومية: الجزيرة العربية" ودعت إليها متخصصة في العلوم السياسية وبخاصة في اليمن حيث هي رئيسة المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية في جامعة ريتشموند وكان المدعو الثاني مراسل لبعض الصحف الخليجية عدة سنوات. وقد شاركت في هذه الندوة بناء على طلب مني لاهتمامي بالإعلام، وكانت مشاركتي هي المشاركة الوحيدة اللصيقة بالموضوع. أما المراسل الصحفي الفلسطيني فقد قدّم صورة سلبية جداً عن الرقابة الإعلامية في دول الجزيرة كلها وبخاصة دول الخليج. أما المؤتمر فاستمر ثلاثة أيام تناول قضايا كثيرة في المناهج العربية والمناهج الغربية في الدراسات الاجتماعية والإنسانية التي تخص العالم العربي وتركيا. وكان أحد البحوث يتحدث عن المقدس عند المسلمين ومن استطاع أن يتجاوز أو يهاجم المقدس وذكر أحد الخلفاء الأمويين وهو الوليد بن يزيد بزعمه أنه مزّق المصحف الشريف عندما فتحه وكانت آية (وخاب كل جبار عنيد) وهنا انبرى الدكتور عبد العظيم رمضان وكان شيوعياً فاعترض على هذا الأمر وقال لا يمكن أن يقوم خليفة أموي بتمزيق المصحف، وأن هذه الروايات غير صحيحة وقد لمحت أنه قال سيدنا محمد فقلت سبحان الله كيف تنتفض الفطرة أحياناً. وأشاد الباحث وهو أستاذ تاريخ إسلامي في جامعة الزيتونة وممن درس في السربون بعدد من المنحرفين في تاريخ الأمة الإسلامية الذين يحب هؤلاء أن يضفوا عليهم البطولة والتحرر مثل الجعد بن درهم وغيره. ولقيت هذا الباحث خارج قاعة الندوة فقلت له:دعك ممن المقدس الذي تزعمون أنكم تنتقدونه ألم يصبح في حياتنا المعاصرة مقدسات ومناطق محرمة ومحرمة جداً: رئيس القسم كلامه مقدس، وعميد الكلية كلامه مقدس ورئيس الجامعة كلامه مقدس ووزير التعليم العالي ورئيس الوزراء وبن علي كلامهم مقدس، لقد أضفينا القداسة أو أضفت القداسة نفسها على أشياء كثيرة ونزعنا القداسة من الأشياء التي تستحقها. ومما كتبته عن المؤتمر بعد نهايته أنه مؤتمر لتجمع العلمانيين المنحرفين الفاسدين، لقد كنت كما وصف الدكتور عباس ارحيلة نفسه أغرد خارج السرب. ولكن شاء الله عز وجل أن أسمعهم ما يكرهون، وأهزه هزاً بل لعلي ذبحتهم وألقيت عليهم قنابل وفجرتهم تفجيرا، وقد صاحوا بصوت واحد هذا الأصولي رجل الدين المتزمت الذي جاء إلى مؤتمرنا ونحن لا نعرف هذه الصور التي أتيت بها. وأحمد الله أنني شعرت بلذة الانتصار ونشوته لقد هزمتهم وسفهت آراءهم في عقر دارهم من هذا المنبر الذي يطعنون فيه بالإسلام وقيمه ومسلماته أعلنت هذه المسلمات وارتفعت أنوارها وإشعاعاتها. بدأت محاضرتي بالبسملة وكدت أقول الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ولني تراجعت فقلت لم يقل أحد بسم الله فيكفي قولها ولو قلت الحمد لله لأوقفوني ولمنعوني من إكمال محاضرتي، وانطلقت أتحدث عن موضوعي لا أقرأ الورقة بل أتحدث من رؤوس أقلام أعددتها وكنت أقرأ بعض الفقرات، وقد أدركت أن قراءة البحث كله سوف يثير غضباً علي ولست بحاجة لإغضابهم أكثر. وكنت أتحدث وحال بعضهم أن يشاغب ولكني لم آبه به ولعله أمر طبيعي ولكني أتممت موضوعي. وملخص الموضوع ولما بدأت المناقشة ارتفعت الأيدي من كل مكان فالجميع لديه ما يعترض على ورقتي فالجميع يريد التعقيب. وبعد أن أكملوا مداخلاتهم أعطيت خمس دقائق للرد عليهم، فبدأت بالقول: أشكر جميع المنتقدين وجميع المعترضين وجميع الذين أرادوا الانتقاد ولم يفعلوا فأنا جئت هنا لأتعلم ولأقول كلمتي كما أنا مقتنع وليس لكلامي قداسة ولا لكلام أي منكم قداسة. أما الأول فردي عليه كذا والثاني والثالث وفي الأخير قلت أشكركم على صبركم عليّ فقال رئيس الجلسة الدكتور علي محافظة نحن نشكرك على جوابك الجميل. فقد كنت هادئاً بعيداً عن الانفعال والغضب وهذا ما أزعجهم أكثر، وقد ذكر لي أحد الإخوة أنني نجحت في الانتصار عليهم. ولم تكن الورقة هي مشاركتي الوحيدة فقد داخلت في عدد من الجلسات ومنها التعقيب على ورقة عن البحوث الاجتماعية الميدانية وكيف أن الشعوب العربية الآن لا تتعاون أو لا تتجاوب مع الباحثين الاجتماعيين وبخاصة الذين ينتسبون للمؤسسات الرسمية أو حتى الأهلية أو الخاصة فبدأت حديثي أن دارس التاريخ يمر بقضايا اجتماعية بينما الباحث في الاجتماع فيهم في مجاله فقط، ثم أوضحت أن المسلمين عرفوا مثل هذا الأمر في حدود مجتمعهم ونجحوا فيه فقد كانت الثقة موجودة بين الحاكم والمحكوم أو بين الجمهور والسلطة ففي عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بعث من يسأل القبائل عن عدد أفرادها وعدد أغنامهم وعدد ضيوفهم أو من ينزل بهم من ضيوف ليحدد مقدار أعطياتهم ولم تورد المراجع أن أحداً كذب أو تلاعب وإذا كنّا نعد من المسح ما يقوم به عمر بن الخطاب من العس ليلاً للتعرف على أحوال الرعية، كما تساءلت لما لا نبحث عن أسباب عدم الثقة بين السلطة والجمهور مما يجعل الجمهور لا يتجاوب مع الباحثين الاجتماعيين. وهنا شكرني مقدم الورقة وقال بالفعل فهناك كتب جغرافيا البلدان التي تضم قضايا اجتماعية. مشاهدات في العاصمة وجئت تونس وكانت لي جولات في شارع الحبيب بورقيبة، فتساءلت هل اسمه الحبيب لأنه حبيب وهل هو حقاً حبيب؟ وحبيب لمن؟ وتساءلت لماذا تقبل الملايين من البشر هذه الأوضاع الاستبدادية والديكتاتورية. لماذا تصبر الشعوب العربية والإسلامية على هذا الضيم والذل؟ وكأني بنا ينطبق علينا قول الشاعر ولا يقيم على ضيم يراد به....إلّا الأذلان عير الحي والوتد أما في الغرب الذي لا يعرف ديناً عموماً فقد وضعوا أنظمة تنصف الفقير قبل الغني ولله در عمرو بن العاص رضي الله عنه حين وصفهم بقوله كما ورد في كتاب الفتن في صحيح مسلم (وخامسة لطيفة وهم أبعد عن ظلم الملوك) وفي هذا المعنى قال ابن تيمية رحمه الله (إن الله لينصر الدولة الكافرة إن هي عدلت ولا ينصر الدولة المسلمة إن هي ظلمت) وفي تلك الأيام كان أحد رؤساء فرنسا قد أهدى تونس إمكانية مشاهدة القناة الفرنسية الثانية مجاناً فما أكرمك أيها الرئيس كل هذا من أجل سواد عيون التونسيين وكانت تلك القناة تبث أفلاماً فاحشة وأفلاماً مخربة وأفلاما وبرامج مفسدة، ومن بين البرامج التي شاهدتها وفهمت مغزاهاً فيلما يحارب الحجاب ويصور حياة فتاة تتحجب ثم تخلع الحجاب وتعود إلى ما يسمونه الحياة الطبيعية من رقص واختلاط وخمور وصداقات وغير ذلك. وفيما أنا في شارع الحبيب إذ بي أمر من أمام وزارة الداخلية فكان العسكر والحراس يطردونني فلماذا تكون وزارات الداخلية أكثر الوزارات هيبة أو الوزارة التي من المفترض أن تبعث الأمن والطمأنينة في النفوس فإذا هي التي تشيع الخوف والرعب. وهل هذا الأمر مقتصر على تونس أو هذه هي حال البلاد العربية والإسلامية كلها؟
http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftnref11- تمكنت والحمد لله من الحضور، وكان الوقت بعد عيد الأضحى لتلك السنة فلمّا أخبرت العميد بصدق بسبب غيابي اليومين الأولين من بدء الدراسة بعد الإجازة استشار الجامعة فأمرته أن يخصم من راتبي أربعة أيام أي ضعف الأيام التي غبتها غير مقدرين أهمية حضور المؤتمر أو الصدق في إخبارهم بما حدث.
تعليق قدمته على محاضرة للدكتور قاسم السامرائي حول الاستشراق
تعليق قدمته على محاضرة للدكتور قاسم السامرائي حول الاستشراق
التراث الإسلامي المخطوط و اهتمام المستشرقين به في جامعات هولندا المتحدث : سعادة الأستاذ الدكتور / قاسم السامرائي-أستاذ علم الاكتناه العربي الإسلامي و يدير اللقاء سعادة الأستاذ/ صالح الحجي -خبير المخطوطات الثلاثاء 1 ربيع أول 1428هـ الموافق 20 مارس 2007م المكان : فرع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بمركز الملك عبدالعزيز التاريخي بالمربع
أستاذنا الدكتور مازن مطبقاني يريد التعليق فليتفضل
الدكتور مازن مطبقاني:
شكرًا أخ صالح، السؤال: هل هناك مواجهة للاستشراق، أو دراسة للاستشراق؟ جامعة الإمام قبل أكثر من عشرين سنة، أنشأت وحدة الدراسات الاستشراقية والتنصيرية، وكان مؤسسها هو الأستاذ الدكتور قاسم السامرائي، وعمل فيها الدكتور محمد فتحي عثمان، والسيد محمد شاهد، وإبراهيم عكاشة، وغيرهم، وأيضًا أنشئ قسم للاستشراق في المدينة المنورة، ولكن كان الخطأ في إنشاء هذا القسم، أن الذين التحقوا بالقسم، لم يكونوا مؤهلين حقًا لدراسة الاستشراق من ناحية تمكنهم اللغوي، وقدراتهم العقلية، والنفسية، لأن الذي يدرس الاستشراق، أو يدرس الذي كتبه الغربيون عنا يجب أن يكون صاحب روح تحدي وروح مغامرة، وقدرة على السفر والارتحال، المستشرقون يذهلوننا بجهودهم، في الصيف الماضي كنت في القاهرة، ومعهد جوته استضاف سبعة أو ثمانية من الباحثين الألمان الذين يعيشون في أحياء القاهرة الفقيرة المعدمة، وفي أماكن مختلفة ليدرسوا أوضاعنا، أين نحن من دراستهم؟ القسم استمر أكثر من عشرين سنة ثم حورب حتى قضي عليه، ولا أعتقد أن سيكون له قائمة،المطلوب أن تكون وزارة التعليم العالي على مستوى الحدث في العالم، العالم كله يدرسنا ونحن لا نفكر في أن ندرس أحدًا.
أذكر أنني نشرت كتاب: الغرب من الداخل: دراسة للظواهر الاجتماعية، محاولة مبدئية لنعرف كيف يعيش الغرب؟ والدكتور محمد البشر نشر بعض الترجمات، لكن أين الجهد المؤسسي؟ فلا يمكن أن ننفي أن هناك بعض الجهود الفردية، لكن المطلوب جهد مؤسسي، وقرار من أعلى مستوى لنلتفت لدراسة الأمم والشعوب الأخرى، وشكرًا.
الدكتور قاسم السامرائي:
صدقت يا مازن، والصدق في الإنسان قليل، هذه محاولة التي حاولناها، وكنا نود ونرجو ونصلي لتكون لها ثمرة، وإذا هي الآن لا هي أنبتت ولا هي أثمرت، فذهبت أدراج الرياح وتراب الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم الأستاذ مازن حفضك الله ورعاك
قرأت بحثك في تاريخ الجزائر وبخاصة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية في عهد رئيسها الأول الشيخ عبد الحميد بن باديس وأعجبني جدآ وحببت أن أضيف لك نبذه مختصره عن أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية علماء المسلمين الجزائريين وهو الشيخ الشاعر محمد الأمين العمودي وإليك نبذه مختصرة عنه وعن تاريخه التي أتمنى أن تنال إستحسانكم ورضاكم وهي : الشيخ محمد الأمين العمودي ( 1308 - 1377 هـ)
( 1890 - 1957 م)
سيرة الشاعر:
محمد الأمين العمودي. ولد في وادي سوف (الجنوب الجزائري)، وتوفي شهيدًا في بلدة البويرة. عاش في الجزائر. تعلم في أحد كتاتيب وادي سوف، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية. انتقل إلى مدينة قسنطينة ليكمل تعليمه، فالتحق بالمدارس الفرنسية،
وأكمل دراسته حتى حصل على شهادة المحاماة والترجمة. عمل في وظيفة كاتب عام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين،
ثم وكيلاً شرعيًا بين مدينتي بسكرة والعاصمة،
كما عمل مترجمًا في محكمة «واد الماء» في مدينة باتنة. اختير عضوًا في وفد المؤتمر الإسلامي إلى فرنسا لتقديم مطالب الشعب الجزائري (1936). كان عضوًا مؤثرًا في جمعية العلماء المسلمين (فكان ثالثًا بعد ابن باديس، والإبراهيمي)،
وعضوًا في المؤتمر الإسلامي (1936)،
وأسس هيئة الشباب للدفاع عن مطالب المؤتمر،
كما أسس ناديًا للمهمة ذاتها. أسس جريدة الدفاع باللغة الفرنسية، وجعلها لسان حال جمعية العلماء المسلمين.
الإنتاج الشعري: - له قصائد في كتاب «شعراء الجزائر في العصر الحاضر»، وله قصائد في مجلد «آمال» - الجزائر (د.ت)، وله قصائد نشرتها صحف ومجلات عصره، منها: قصيدة «وخيرهم وأنت بهم خبير» - جريدة العصر الجديد - تونس - 13 من ديسمبر 1920، وقصيدة «الأمير خالد» - جريدة الإقدام - ع103 - 26 من نوفمبر 1922، وأرجوزة - نشرتها مجلة الثقافة - ع85 - الجزائر.
الأعمال الأخرى: - له خطب ومقالات باللغتين العربية والفرنسية، نشرت بعضها صحف عصره مثل خطبته في المؤتمر الإسلامي. شاعر مطبوع، يتناول شعره القضايا الوطنية والاجتماعية والإصلاحية في وطنه الجزائر في الفترة بين الحربين العالميتين. في شعره مسحة حزن وتشاؤم، جعلت معاصريه يطلقون عليه لقب «شاعر البؤس» لتعبيره عن موضوعات ذاتية ونفسية وتصوير آلام المجتمع. له قصائد تنحو نحو الدرامية والملحمية البطولية والحكايات الهزلية، ومنها قصائد تقترب من كتابات توفيق الحكيم في «يوميات نائب في الأرياف». قصيدة «رواية زوجين يتحاكمان أمام القاضي)، ولكن السمة الغالبة على شعره الشكوى من الحياة ومن أخلاق الناس، ووصف نفسه بسوء الحظ على فضله وما يتصف به من مواهب.
مصادر الدراسة: 1 - أبوالقاسم سعد الله: تاريخ الجزائر الثقافي - دار الغرب الإسلامي - بيروت 1999. 2 - عبدالله ركيبي: الشعر الديني الجزائري الحديث - الشركة الوطنية للنشر والتوزيع - الجزائر 1981. 3 - عبدالقادر السائحي: روحي لكم، تراجم ومختارات من الشعر الجزائري الحديث - المؤسسة الوطنية للكتاب - الجزائر 1986. 4 - صالح خرفي: الشعر الجزائري الحديث - المؤسسة الوطنية للكتاب - الجزائر 1984. 5 - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث، اتجاهاته وخصائصه الفنية (1925 - 1975) - دار الغرب الإسلامي - بيروت 1985. 6 - محمد صالح الجابري: النشاط العلمي والفكري للمهاجرين الجزائريين بتونس - الشركة العربية للكتاب - تونس 1983. 7 - محمد الهادي السنوسي الزاهري: شعراء الجزائر في العصر الحاضر (جـ2) - مطبعة النهضة - تونس 1927. 8 - الدوريات: - أحمد بن ذياب: جوانب نضالية من حياة الشهيد محمد الأمين العمودي - مجلة الثقافة ( ع 86) - الجزائر - مارس/ أبريل 1985. - حمرة بوكوشة: الأمين العمودي - مجلة الثقافة (ع 6) - الجزائر - يناير 1972. - Jean Dejeux, La Litterature Algerienne Conternporaine, Presse universitaires de France, 1975. - Memmi Albert, la puesie alqerienne, paris, 1863. - Ben Chencb, La Litterature Arabe contaporaine ALgerienne, ALges, 1944. - El amine El amoudi, La detense (algenie, 1934 - 1939).
محمد الأمين العمودي ولد محمد الأمين العمودي بمدينة وادي سوف سنة 1891م، نشأ وسط عائلة فقيرة تلقى تعليمه الأول بمسقط رأسه بالمدرسة القرآنية، ثم بالمدرسة الأهلية و بعد نجاحه انتقل إلى بسكرة لمواصلة دراسته الثانوية لكنه سرعان ما طرد من الثانوية كما طرد مرّة أخرى من المدرسة الرسمية بقسنطينة، لكن هذا لم يمنعه من الحصول على مستوى ثقافي جيد باللغتين العربية و الفرنسية أهّله ليستغل وظيفة وكيل شرعي بمدينة بسكرة، أين ربط علاقات متشعبة مع مثقفي المنطقة من أدباء وشعراء ..
النشاط والإصلاح :
كانت بداية نشاطه في مجال الدعوة الى إصلاح أوضاع المجتمع الجزائري من خلال الصحافة، حيث كان ينشر مقالاته في جريدة الإقدامالتي كان يصدرها الأمير خالد ، ثم بجريدة المنتقد التي كان يصدرها ابن باديسوجريدة الإصلاحالتي كان يصدرها الطيب العقبي، كما اظهر نشاطا سياسيا بمساندته للأمير خالد في حملته الانتخابية ثم مع الدكتور سعدان حين ترشح ببسكرة. ومع تأسيس جمعية العلماء المسلمين سنة 1931اتضح دوره الإصلاحي، إذ كان من المؤسسين للجمعية و عين أمينا عاما لها ، واستطاع بناء علاقه مع ابن باديس و الأمير خالد من قبل أن يوجه مطالب جمعية العلماء بعيدا عن تعنت الإدارة الاستعمارية و تحرشاتها ،و حتى يتمكن من تبليغ أهداف الجمعية أصدر جريدة "الدفاع "LA DEFENSE باللغة الفرنسية حتى تصل إلى المتعلمين بلغة الاستعمار . برز دور العمودي السياسي في الجهود التي بذلها لتنظيم المؤتمر الإسلامي ، وكان أحد الموفدين إلى باريس لتقديم مطالب المؤتمر الإسلامي إلى الحكومة الفرنسية كما قام بحملة شرح و توعية لنتائج المؤتمر بعد عودته من باريس، أنشأ عام 1937جمعية شباب المؤتمر الإسلامي. وظل العمودي على نشاطه إلى غاية الحرب العالمية الثانية أين فضل اعتزال السياسة إلى غاية اندلاع الثورة التحريرية و رغم أنه لم يظهر أي نشاط ثوري مباشر إلا أن السلطات الاستعمارية لم تغفله بل اختطفته يوم 10أكتوبر1957، وبعد عدة أيام وجدت جثته بنواحي العجيبة شرق مدينة البويرة ...