حكيم المنفي
New member
قد وجدت إن الذين كتبوا عن تاريخ تعدد الزوجات على اختلاف النظم الإنسانية بينوا أن التعدد كان معروفا في جميع البيئات قبل الإسلام ، يهودية ومسيحية عربية وغير عربية .
أن تعدد الزوجات ظاهرة عرفتها البشرية منذ أقدم العصور " كانت الظاهرة منتشرة بين الفراعنة " وأشهر الفراعنة على الإطلاق وهو رمسيس الثاني ، كان له ثماني زوجات وعشرات المحظيات و الجواري ، وأنجب أكثر من مائة وخمسين ولدا وبنتا وأسماء زوجاته و محظياتة وأولاده منقوش على جدران المعابد حتى اليوم ، وأشهر زوجات رمسيس الثاني هي الملكة الجميلة نفرتارى وتليها في المكانة و الترتيب الملكة - إيزيس نفر - وهى والدة ابنه الملك "مرنبتاح " الذي تولى الحكم بعد وفاة أبيه لأنه الأكبر سنا من إخوته.
ويروى أن فرعون موسى كانت له عدة زوجات منهن السيدة آسيا عليها السلام وكانت ابنة عمه ، ولم تنجب أولادا منه ، ولهذا احتضنت سيدنا موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – وقالت لفرعون عن الرضيع موسى الذي التقطته الخادمات من صندوق عائم في مياه نهر النيل: " قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا " سورة القصص آية 9 .
وكان تعدد الزوجات معروفا في عهد أبى الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم – صلى الله على نبينا وعليه وسلم ، وأنجبت له السيدة هاجر - الذبيح – إسماعيل ، جد العرب عليه السلام ، بينما رزقه الله من سارة بسيدنا إسحاق عليه السلام .
تعدد الزوجات أباحته اليهودية دون حد ، وكان ذلك شائعا في ملوكها وأنبيائها ولا توجد في أسفار العهد القديم نصوص تحرم التعدد أو تمنعه عن الآباء والأنبياء ولمن دونهم من الخاصة والعامة ، و لقد أباحت التوراة لليهودي الزواج بأكثر من واحدة ، ولم تحدد له عدداً ما إلا أن التلمود حدد العدد بأربعة على شرط أن يكون الزوج قادراً على إعالتهن إذ يقول إنه لا يجوز أن يزيد الذكر عن أربع زوجات ، كما فعل يعقوب إلا إذا كان قد أقسم بذلك عند زواجه الأول ، وإن كان قد اشترط لمثل هذا العدد القدرة على الإنفاق وفي سفر التكوين ، تزوج يعقوب عليه السلام ، ليئة و راحيل و بلهة جارية راحيل و زلفة جارية ليئة فكانت له أربع حلائل في وقت واحد : اختان هما ليئة ، و راحيل ، وجاريتان لهما هما بلهه و زلفة ، وقد رزق عليه السلام – اثنا عشر ولدا من أربع أزواج ، وهم على النحو التالي:
أول زوجاته " ليئة " وقد رزق منها : روبيل ، شمعون ، لأوى ، يهودا ايساخر، زابلون .
والثانية " راحيل " وقد رزق منها : يوسف ، بنيامين .
الثالثة " بلهة " وقد رزق منها : دان ، نفتالى .
الرابعة " زلفي" وقد رزق منها : جاد ، اشير .
وكانت لسيدنا داود عليه السلام عدة زوجات والعديد من الجواري وكذلك لابنه سليمان عليه السلام " 300 امرأة و700 جارية والله اعلم بصحة ذلك " ويقول عنه الله في التوراة فولدت له داود كما تزوج أبيا ملك يهود أربعة عشر زوجة " وكان لجدعون سبعون ولداً جميعهم من صلبه لأنه كان مزواجاً .
كما كان تعدد الزوجات فاشيا في العالم المسيحي بين العامة ورجال الدين ، إذ أن أسفار العهد القديم وهي - مقدسة لدى النصارى - تبيحه ولا تمنعه ، ثم أنه لم يرد في النصوص الأولى للمسيحية التي تحكيها أناجيلهم المتداولة نص صريح يمنع تعدد الزوجات بل إنه يوجد في رسالة بولس إلى " تيموثأوس " ما يفيد أن التعدد جائز، فقد جاء فيها " يلزم أن يكون الأسقف بعل امرأة واحدة " وفي ذلك ما يدل على أن الزيادة على الواحدة لغير الأسقف جائزة ، وأن منع تعدد الزوجات قاصر على رجال الدين ، ومن يعدد منهم ينخرط في سلك العامة ، ويمنع من الانخراط في سلك الكهنوت .
كما ثبت تاريخيا أن بين المسيحيين الأقدمين من كان يتزوج أكثر من واحدة وفي أباء الكنيسة الأقدمين من كان له كثير من الزوجات ، يذكر الأستاذ عباس العقاد أن " وستر مارك " العالم في تاريخ الزواج قال : " إن تعدد الزوجات باعتراف الكنيسة بقي إلى القرن السابع عشر وكان يتكرر كثيرا في الحالات التي لا تحصيها الكنيسة والدولة " .
ويقول الشيخ رشيد رضا : وقد فشا التعدد في الرومان فعلا لا قانونا حتى حذره جوستنيان في قوانينه ، ولكنه ظل فاشيا بالفعل ، وأباحه بعض الباباوات لبعض الملوك بعد الإسلام كشارلمان ملك فرنسا الذي كان معاصرا للخليفتين المهدي والرشيد من العباسيين ويقول المستشرق الفرنسي " آتيين دينيه " الذي أسلم وسمى نفسه " ناصر الدين " هؤلاء ملوك فرنسا دع عنك الأفراد الذين كانت لهم الزوجات المتعددات والإناث الكثيرات وفي الوقت نفسه كان لهم من الكنيسة كل تعظيم وإكرام.
كان عند العرب في عصر الجاهلية يوجد تعدد للزوجات غير مشروط و كان مطلقاً بدون حد منطلقاً ودون قيد ، وكان مسموحا بالبغي وهو الزنا و مسموحا بالرهط وهو معاشرة مجموعة من الرجال امرأة واحدة أكثر من مرة ، وكان مسموحا بالاستبضاع وهو المرأة المتزوجة التي يرسلها زوجها لتحمل من رجل أخر ذي منصب أو مال وكان مسموحا بالشغار وهي المرأة التي تتزوج بدون مهر ، وكان مسموحا بالبدل وهو استبدال الزوجات والخدن وهو صديق المرأة يعاشرها سرا والمقت وهو نكاح ألابن امرأة أبيه بعد وفاته .
الزواج و التشريع الإلهي
وعند ما نزل القران على سيدنا محمد " صلى الله عليه وسلم " تضمن تشريع الزواج بما فيه من حلال وحرام وأن أقل أحكام الزواج أن يكون مستحبًا أما حين يكون في الزواج احتمال الإضرار بالطرف الأخر لأي سبب فهو حينئذ مكروه وحين يكون الضرر أكيدا فإنه حينئذ يكون حرامًا ، أن الزواج تشريع إلهي لتحقيق أهداف معينة وغايات سامية للفرد والمجتمع ، وقد يكون واجبا إذا خشي على نفسه من الزنا فهو ليس ترفا إنسانيًا لقضاء شهوة معينة والاستمتاع بلذة مؤقتة ، ولكنه تكليف إلهي لبنى أدم و آية من آيات الله عز وجل في خلقه وملكوته ، ونعمة من نعم الله الكبرى وهذه خاصية من خصائص الزواج الإنساني تميزه عن سائر التزاوج بين سائر الكائنات ، كما تميز الزواج الإسلامي عن سائر الزواج الإنساني كما تطرق لها أ.د محمد نبيل غنايم في الأعجاز التشريعي في قوله تعالى :
" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها …" الروم آية 21 .
ولقد وجدوا الرجال المسلمون إن الدين قيدهم بعفة الذكر قبل الزواج ، لعلنا نقول في بعض المجتمعات الإسلامية أن فلان عفيف .
و الأنثى في التشريع الإسلامي تتساوى مع الذكر في الخلق وتحقق معه هذا التكامل العظيم ، وتبنى معه هذه الأسرة الوليدة وليست تلك الأنثى المضطهدة المظلومة في الشرق والغرب على السواء إذ كانت عند العرب قبل الإسلام قليلة الشأن تقابل عند ولادتها بالغضب المكتوم ، وربما بالقسوة التي لا تليق بالإنسان ، فتدفن حية خشية العار المتوهم ، وكانت تورث كالمتاع ، فإذا توفى الرجل جاء وارثه الغاصب فوضع يده عليها أو يرمي ثوبه عليها فيحرم عليها الزواج إلا إذا رضي هو أو افتدت نفسها بمال .
ورتب التشريع الإسلامي للنسل حقوقًا كثيرة لا توجد في غيره من التشريعات مثل : النسب والرضاعة والحضانة والتربية والميراث والتحريم بين بعض الرجال والنساء في الزواج والمصاهرة .. إلى غير ذلك من الأحكام بين الأبوة و البنوة ، ومن الأهداف جماع هذه المنظومة من الذكر والأنثى والولد والمحبة والرحمة والجماع في إقامة الحياة الآمنة المطمئنة السعيدة الرغيدة التي لا تجتمع ولا تتحقق إلا بالزواج الشرعي كما شرعه الإسلام فقد يكون الإنسان ملكا لكنه لا يسعد بملكه ويظل يبحث عن الأنثى وقد تكون الأنثى أميرة ولكن ذلك لا يغنيها بل لا يحقق لها السكون والطمأنينة إلا بالزواج وقد يكون الزوجان فقيرين ، ولكنهما بالزواج في قمة السعادة وقد يتبنى الإنسان طفلا ولكنه لا يشعر نحوه بما يشعر به الأب الحقيقي وكذلك الأنثى فضلا عن سائر الحقوق الأخرى ، قد يقضي الإنسان شهوته بشكل ما ولكنه لا يحقق السكينة ولا يشعر بها وكذلك الأنثى ، كما قد يحصل على الولد بطريق غير مشروع ولكنه لا يشعر ولا يشبع غريزة الأبوة والأمومة ، ولن يكون بينهما من المحبة والولاء كما يكون بين الآباء والأبناء الشرعيين ، وهذا يحسه كل إنسان سوي ، مما يجعل الزواج الشرعي هو النموذج الصحيح والصالح لتحقيق تلك الأهداف السامية فيدركون حكمة الخالق في خلق كل من الجنسين على نحو يجعله موافقا للآخر ملبيًا لحاجته الفطرية ، نفسية وعقلية وجسدية ، بحيث تجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار ، ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء والمودة والرحمة ، لأن تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه تلبية غرائز كل منهما في الآخر وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لإنشاء حياة جديدة تتمثل في جيل جديد .
فإذا قارنا بين هذا الزواج الشرعي العظيم وبين العلاقات التي تمت بين الذكر والأنثى بشكل أو بآخر وجدنا الهوة كبيرة حيث لم تحقق هذه العلاقات شيئًا واحدًا مما يحققه الزواج الشرعي فمن ذلك أن البعض كان همه إشباع الغريزة الجنسية فقط وبأي شكل .
وقد شرع الله جل جلاله تعدد الزوجات في الآية الثالثة من سورة النساء {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النساء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أو مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } صدق الله العظيم .
وعند ما نزل القران نهي ومنع البغي أو الزنا و الرهط و الاستبضاع و الشغار والبدل و الخدن والمقت ، وعلى إثر نزول آية تعدد الزوجات في القران الكريم أمر الرسول " صلى الله عليه وسلم " من كان معه أكثر من أربع أن يمسك منهن أربعاً ويسرح الباقي ، فقد روى البخاري في الأدب المفرد أن غيلان بن سلمه الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي "صلى الله عليه وسلم"" اختر منهن أربعاً ، وروى أبو داود بإسناده أن عميرة ألأسدي قال : أسلمت وعندي ثماني نسوة ، فذكرت ذلك للنبي صلي الله عليه و سلم فقال : " اختر منهن أربعاً " وأخرج الشافعي في مسنده عن نوفل بن معاوية الديلمى قال : أسلمت وعندي خمسة نسوة فقال لي رسول الله "صلى الله عليه وسلم" " اختر أربعاً أيتهن شئت وفارق الأخرى" فعمدت إلى أقدمهن عندي ففارقتها .
وفي العصور الحديثة كان اكبر تأييد عالمي مطالبته بتعدد الزوجات من الغرب الحديث وخاصة بعد انتهاء الحربيين العالميتين ، ففي عام 1948 أوصى مؤتمر الشباب العالمي في ميونخ بألمانيا بإباحة تعدد الزوجات حلا لمشكلة تكاثر الإناث وقلة الذكور بعد الحرب العالمية الثانية ، وتقول إحدى الألمانيات " إن حل مشكلة المرأة الألمانية هو إباحة تعدد الزوجات " فالتعدد- على ما به - رحمة بالمرأة ، فحياة برجـل ، أفضل للمرأة من حياة بلا رجل وهي تعلم ذلك جيدا ومن يعرف نفسية المرأة يجد أنها - حتى في غير أوقـات الحروب - قد تختار التزوج برجل معه امرأة أخرى عن رضا واختيار ، تقول أستاذة ألمـانية : " إنني أفضل أن أكون زوجة مع عشر نساء لرجل ناجح على أن أكون الزوجة الوحيدة لرجل فاشل تافه ، إن هذا ليس رأيي وحدي ، بل هو رأي كل نساء ألمانيا " .
يقول " آتيين دينيه " إن نظرية التوحيد في الزوجة ، وهي النظرية الآخذة بها المسيحية ظاهرا تنطوي تحتها سيئات متعددة ظهرت على الأخص في ثلاث نتائج واقعية شديدة الخطر جسيمة البلاء ، تلك هي الدعارة والعوانس من الإناث والأبناء غير الشرعيين ، وأن هذه الأمراض الاجتماعية ذات السيئات الأخلاقية لم تكن تعرف في البلاد التي طبقت فيها الشريعة الإسلامية تمام التطبيق ، وإنما دخلتها وانتشرت فيها بعد الاحتكاك بالمدنية الغربية .
ولقد قال السيد جوستاف لوبون: " أن مبدأ تعدد الزوجات الشرقي نظام طيب يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تأخذ به ، ويزيد الأسرة ارتباطا ، ويمنح المرأة احتراما وسعادة لا تراهما في أوربا .
و قال الفيلسوف الألماني شوبنهور : " إنه من العبث الجدال في أمر تعدد الزوجات ما دام منتشرا بيننا لا ينقصه إلا قانون ونظام " وهو يقصد تعدد الزوجات بصورة غير مشروعة .
ويعني الزواج الجمع بين اثنين " ذكر وأنثى " ليجدد النسل و ليكونا أسرة ، أي ليستمر الإنسان في البقاء عندما ينجبان أطفال ، هكذا تستمر الحياة ، هذا الزواج مبني على أسس تفاهم ومحبة لإسعاد الطرفين ، أول جانب أساسي للسعادة "غريزي" هو المعاشرة و الاستقرار و الاطمئنان " السكينة " وثاني جانب أساسي للسعادة هو المعيشة " اقتصاد " و ثالث جانب أساسي للسعادة هو الإنجاب من اجل البقاء والجانب الرابع الطهارة والصحة ، والجانب الخامس هو التعارف والترابط و المسايرة والمجاملة والتباهي أمام الآخرين ، لعل هذه أهم جوانب ميزات الزواج المبنية على المودة والرحمة والسكينة ، والتي أسست قديما وحديثا أسرا بنت عقائد وعادات وتقاليد نظمت مسيرة البشرية بمساهمة البيئة المحيطة والأديان ، خلفت حضارات مختلفة ، هدفها إسعاد الإنسان كل حسب معتقداته و أهدافه ، الأمر الذي خلف تصادم بين الحضارات المختلفة على مر العصور الماضية ، لكن تقدم العلوم المختلفة وسهولة التنقل و الاتصال و معرفة لغات الآخرين وسبل إعلامية أكثر مواكبة للحدث ، تجعل هذا العصر أكثر اقترابا للآخرين ومراجعة دقيقة لكل شيء قد تكون مقترنة بالعلوم والمنطقية أكثر من الماضي ، وهو الطلب العصري لكل ألأمور .
إلى اللقاء بأذن الله في الجزء رقم " 3 "
المؤلف
حكيم عبد الرحمن حماد المنفي
العنوان البريدي [email protected]
طبرق . ليبيا . نقال : 00218926843478
أن تعدد الزوجات ظاهرة عرفتها البشرية منذ أقدم العصور " كانت الظاهرة منتشرة بين الفراعنة " وأشهر الفراعنة على الإطلاق وهو رمسيس الثاني ، كان له ثماني زوجات وعشرات المحظيات و الجواري ، وأنجب أكثر من مائة وخمسين ولدا وبنتا وأسماء زوجاته و محظياتة وأولاده منقوش على جدران المعابد حتى اليوم ، وأشهر زوجات رمسيس الثاني هي الملكة الجميلة نفرتارى وتليها في المكانة و الترتيب الملكة - إيزيس نفر - وهى والدة ابنه الملك "مرنبتاح " الذي تولى الحكم بعد وفاة أبيه لأنه الأكبر سنا من إخوته.
ويروى أن فرعون موسى كانت له عدة زوجات منهن السيدة آسيا عليها السلام وكانت ابنة عمه ، ولم تنجب أولادا منه ، ولهذا احتضنت سيدنا موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – وقالت لفرعون عن الرضيع موسى الذي التقطته الخادمات من صندوق عائم في مياه نهر النيل: " قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا " سورة القصص آية 9 .
وكان تعدد الزوجات معروفا في عهد أبى الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم – صلى الله على نبينا وعليه وسلم ، وأنجبت له السيدة هاجر - الذبيح – إسماعيل ، جد العرب عليه السلام ، بينما رزقه الله من سارة بسيدنا إسحاق عليه السلام .
تعدد الزوجات أباحته اليهودية دون حد ، وكان ذلك شائعا في ملوكها وأنبيائها ولا توجد في أسفار العهد القديم نصوص تحرم التعدد أو تمنعه عن الآباء والأنبياء ولمن دونهم من الخاصة والعامة ، و لقد أباحت التوراة لليهودي الزواج بأكثر من واحدة ، ولم تحدد له عدداً ما إلا أن التلمود حدد العدد بأربعة على شرط أن يكون الزوج قادراً على إعالتهن إذ يقول إنه لا يجوز أن يزيد الذكر عن أربع زوجات ، كما فعل يعقوب إلا إذا كان قد أقسم بذلك عند زواجه الأول ، وإن كان قد اشترط لمثل هذا العدد القدرة على الإنفاق وفي سفر التكوين ، تزوج يعقوب عليه السلام ، ليئة و راحيل و بلهة جارية راحيل و زلفة جارية ليئة فكانت له أربع حلائل في وقت واحد : اختان هما ليئة ، و راحيل ، وجاريتان لهما هما بلهه و زلفة ، وقد رزق عليه السلام – اثنا عشر ولدا من أربع أزواج ، وهم على النحو التالي:
أول زوجاته " ليئة " وقد رزق منها : روبيل ، شمعون ، لأوى ، يهودا ايساخر، زابلون .
والثانية " راحيل " وقد رزق منها : يوسف ، بنيامين .
الثالثة " بلهة " وقد رزق منها : دان ، نفتالى .
الرابعة " زلفي" وقد رزق منها : جاد ، اشير .
وكانت لسيدنا داود عليه السلام عدة زوجات والعديد من الجواري وكذلك لابنه سليمان عليه السلام " 300 امرأة و700 جارية والله اعلم بصحة ذلك " ويقول عنه الله في التوراة فولدت له داود كما تزوج أبيا ملك يهود أربعة عشر زوجة " وكان لجدعون سبعون ولداً جميعهم من صلبه لأنه كان مزواجاً .
كما كان تعدد الزوجات فاشيا في العالم المسيحي بين العامة ورجال الدين ، إذ أن أسفار العهد القديم وهي - مقدسة لدى النصارى - تبيحه ولا تمنعه ، ثم أنه لم يرد في النصوص الأولى للمسيحية التي تحكيها أناجيلهم المتداولة نص صريح يمنع تعدد الزوجات بل إنه يوجد في رسالة بولس إلى " تيموثأوس " ما يفيد أن التعدد جائز، فقد جاء فيها " يلزم أن يكون الأسقف بعل امرأة واحدة " وفي ذلك ما يدل على أن الزيادة على الواحدة لغير الأسقف جائزة ، وأن منع تعدد الزوجات قاصر على رجال الدين ، ومن يعدد منهم ينخرط في سلك العامة ، ويمنع من الانخراط في سلك الكهنوت .
كما ثبت تاريخيا أن بين المسيحيين الأقدمين من كان يتزوج أكثر من واحدة وفي أباء الكنيسة الأقدمين من كان له كثير من الزوجات ، يذكر الأستاذ عباس العقاد أن " وستر مارك " العالم في تاريخ الزواج قال : " إن تعدد الزوجات باعتراف الكنيسة بقي إلى القرن السابع عشر وكان يتكرر كثيرا في الحالات التي لا تحصيها الكنيسة والدولة " .
ويقول الشيخ رشيد رضا : وقد فشا التعدد في الرومان فعلا لا قانونا حتى حذره جوستنيان في قوانينه ، ولكنه ظل فاشيا بالفعل ، وأباحه بعض الباباوات لبعض الملوك بعد الإسلام كشارلمان ملك فرنسا الذي كان معاصرا للخليفتين المهدي والرشيد من العباسيين ويقول المستشرق الفرنسي " آتيين دينيه " الذي أسلم وسمى نفسه " ناصر الدين " هؤلاء ملوك فرنسا دع عنك الأفراد الذين كانت لهم الزوجات المتعددات والإناث الكثيرات وفي الوقت نفسه كان لهم من الكنيسة كل تعظيم وإكرام.
كان عند العرب في عصر الجاهلية يوجد تعدد للزوجات غير مشروط و كان مطلقاً بدون حد منطلقاً ودون قيد ، وكان مسموحا بالبغي وهو الزنا و مسموحا بالرهط وهو معاشرة مجموعة من الرجال امرأة واحدة أكثر من مرة ، وكان مسموحا بالاستبضاع وهو المرأة المتزوجة التي يرسلها زوجها لتحمل من رجل أخر ذي منصب أو مال وكان مسموحا بالشغار وهي المرأة التي تتزوج بدون مهر ، وكان مسموحا بالبدل وهو استبدال الزوجات والخدن وهو صديق المرأة يعاشرها سرا والمقت وهو نكاح ألابن امرأة أبيه بعد وفاته .
الزواج و التشريع الإلهي
وعند ما نزل القران على سيدنا محمد " صلى الله عليه وسلم " تضمن تشريع الزواج بما فيه من حلال وحرام وأن أقل أحكام الزواج أن يكون مستحبًا أما حين يكون في الزواج احتمال الإضرار بالطرف الأخر لأي سبب فهو حينئذ مكروه وحين يكون الضرر أكيدا فإنه حينئذ يكون حرامًا ، أن الزواج تشريع إلهي لتحقيق أهداف معينة وغايات سامية للفرد والمجتمع ، وقد يكون واجبا إذا خشي على نفسه من الزنا فهو ليس ترفا إنسانيًا لقضاء شهوة معينة والاستمتاع بلذة مؤقتة ، ولكنه تكليف إلهي لبنى أدم و آية من آيات الله عز وجل في خلقه وملكوته ، ونعمة من نعم الله الكبرى وهذه خاصية من خصائص الزواج الإنساني تميزه عن سائر التزاوج بين سائر الكائنات ، كما تميز الزواج الإسلامي عن سائر الزواج الإنساني كما تطرق لها أ.د محمد نبيل غنايم في الأعجاز التشريعي في قوله تعالى :
" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها …" الروم آية 21 .
ولقد وجدوا الرجال المسلمون إن الدين قيدهم بعفة الذكر قبل الزواج ، لعلنا نقول في بعض المجتمعات الإسلامية أن فلان عفيف .
و الأنثى في التشريع الإسلامي تتساوى مع الذكر في الخلق وتحقق معه هذا التكامل العظيم ، وتبنى معه هذه الأسرة الوليدة وليست تلك الأنثى المضطهدة المظلومة في الشرق والغرب على السواء إذ كانت عند العرب قبل الإسلام قليلة الشأن تقابل عند ولادتها بالغضب المكتوم ، وربما بالقسوة التي لا تليق بالإنسان ، فتدفن حية خشية العار المتوهم ، وكانت تورث كالمتاع ، فإذا توفى الرجل جاء وارثه الغاصب فوضع يده عليها أو يرمي ثوبه عليها فيحرم عليها الزواج إلا إذا رضي هو أو افتدت نفسها بمال .
ورتب التشريع الإسلامي للنسل حقوقًا كثيرة لا توجد في غيره من التشريعات مثل : النسب والرضاعة والحضانة والتربية والميراث والتحريم بين بعض الرجال والنساء في الزواج والمصاهرة .. إلى غير ذلك من الأحكام بين الأبوة و البنوة ، ومن الأهداف جماع هذه المنظومة من الذكر والأنثى والولد والمحبة والرحمة والجماع في إقامة الحياة الآمنة المطمئنة السعيدة الرغيدة التي لا تجتمع ولا تتحقق إلا بالزواج الشرعي كما شرعه الإسلام فقد يكون الإنسان ملكا لكنه لا يسعد بملكه ويظل يبحث عن الأنثى وقد تكون الأنثى أميرة ولكن ذلك لا يغنيها بل لا يحقق لها السكون والطمأنينة إلا بالزواج وقد يكون الزوجان فقيرين ، ولكنهما بالزواج في قمة السعادة وقد يتبنى الإنسان طفلا ولكنه لا يشعر نحوه بما يشعر به الأب الحقيقي وكذلك الأنثى فضلا عن سائر الحقوق الأخرى ، قد يقضي الإنسان شهوته بشكل ما ولكنه لا يحقق السكينة ولا يشعر بها وكذلك الأنثى ، كما قد يحصل على الولد بطريق غير مشروع ولكنه لا يشعر ولا يشبع غريزة الأبوة والأمومة ، ولن يكون بينهما من المحبة والولاء كما يكون بين الآباء والأبناء الشرعيين ، وهذا يحسه كل إنسان سوي ، مما يجعل الزواج الشرعي هو النموذج الصحيح والصالح لتحقيق تلك الأهداف السامية فيدركون حكمة الخالق في خلق كل من الجنسين على نحو يجعله موافقا للآخر ملبيًا لحاجته الفطرية ، نفسية وعقلية وجسدية ، بحيث تجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار ، ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء والمودة والرحمة ، لأن تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه تلبية غرائز كل منهما في الآخر وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لإنشاء حياة جديدة تتمثل في جيل جديد .
فإذا قارنا بين هذا الزواج الشرعي العظيم وبين العلاقات التي تمت بين الذكر والأنثى بشكل أو بآخر وجدنا الهوة كبيرة حيث لم تحقق هذه العلاقات شيئًا واحدًا مما يحققه الزواج الشرعي فمن ذلك أن البعض كان همه إشباع الغريزة الجنسية فقط وبأي شكل .
وقد شرع الله جل جلاله تعدد الزوجات في الآية الثالثة من سورة النساء {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النساء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أو مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } صدق الله العظيم .
وعند ما نزل القران نهي ومنع البغي أو الزنا و الرهط و الاستبضاع و الشغار والبدل و الخدن والمقت ، وعلى إثر نزول آية تعدد الزوجات في القران الكريم أمر الرسول " صلى الله عليه وسلم " من كان معه أكثر من أربع أن يمسك منهن أربعاً ويسرح الباقي ، فقد روى البخاري في الأدب المفرد أن غيلان بن سلمه الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي "صلى الله عليه وسلم"" اختر منهن أربعاً ، وروى أبو داود بإسناده أن عميرة ألأسدي قال : أسلمت وعندي ثماني نسوة ، فذكرت ذلك للنبي صلي الله عليه و سلم فقال : " اختر منهن أربعاً " وأخرج الشافعي في مسنده عن نوفل بن معاوية الديلمى قال : أسلمت وعندي خمسة نسوة فقال لي رسول الله "صلى الله عليه وسلم" " اختر أربعاً أيتهن شئت وفارق الأخرى" فعمدت إلى أقدمهن عندي ففارقتها .
وفي العصور الحديثة كان اكبر تأييد عالمي مطالبته بتعدد الزوجات من الغرب الحديث وخاصة بعد انتهاء الحربيين العالميتين ، ففي عام 1948 أوصى مؤتمر الشباب العالمي في ميونخ بألمانيا بإباحة تعدد الزوجات حلا لمشكلة تكاثر الإناث وقلة الذكور بعد الحرب العالمية الثانية ، وتقول إحدى الألمانيات " إن حل مشكلة المرأة الألمانية هو إباحة تعدد الزوجات " فالتعدد- على ما به - رحمة بالمرأة ، فحياة برجـل ، أفضل للمرأة من حياة بلا رجل وهي تعلم ذلك جيدا ومن يعرف نفسية المرأة يجد أنها - حتى في غير أوقـات الحروب - قد تختار التزوج برجل معه امرأة أخرى عن رضا واختيار ، تقول أستاذة ألمـانية : " إنني أفضل أن أكون زوجة مع عشر نساء لرجل ناجح على أن أكون الزوجة الوحيدة لرجل فاشل تافه ، إن هذا ليس رأيي وحدي ، بل هو رأي كل نساء ألمانيا " .
يقول " آتيين دينيه " إن نظرية التوحيد في الزوجة ، وهي النظرية الآخذة بها المسيحية ظاهرا تنطوي تحتها سيئات متعددة ظهرت على الأخص في ثلاث نتائج واقعية شديدة الخطر جسيمة البلاء ، تلك هي الدعارة والعوانس من الإناث والأبناء غير الشرعيين ، وأن هذه الأمراض الاجتماعية ذات السيئات الأخلاقية لم تكن تعرف في البلاد التي طبقت فيها الشريعة الإسلامية تمام التطبيق ، وإنما دخلتها وانتشرت فيها بعد الاحتكاك بالمدنية الغربية .
ولقد قال السيد جوستاف لوبون: " أن مبدأ تعدد الزوجات الشرقي نظام طيب يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تأخذ به ، ويزيد الأسرة ارتباطا ، ويمنح المرأة احتراما وسعادة لا تراهما في أوربا .
و قال الفيلسوف الألماني شوبنهور : " إنه من العبث الجدال في أمر تعدد الزوجات ما دام منتشرا بيننا لا ينقصه إلا قانون ونظام " وهو يقصد تعدد الزوجات بصورة غير مشروعة .
ويعني الزواج الجمع بين اثنين " ذكر وأنثى " ليجدد النسل و ليكونا أسرة ، أي ليستمر الإنسان في البقاء عندما ينجبان أطفال ، هكذا تستمر الحياة ، هذا الزواج مبني على أسس تفاهم ومحبة لإسعاد الطرفين ، أول جانب أساسي للسعادة "غريزي" هو المعاشرة و الاستقرار و الاطمئنان " السكينة " وثاني جانب أساسي للسعادة هو المعيشة " اقتصاد " و ثالث جانب أساسي للسعادة هو الإنجاب من اجل البقاء والجانب الرابع الطهارة والصحة ، والجانب الخامس هو التعارف والترابط و المسايرة والمجاملة والتباهي أمام الآخرين ، لعل هذه أهم جوانب ميزات الزواج المبنية على المودة والرحمة والسكينة ، والتي أسست قديما وحديثا أسرا بنت عقائد وعادات وتقاليد نظمت مسيرة البشرية بمساهمة البيئة المحيطة والأديان ، خلفت حضارات مختلفة ، هدفها إسعاد الإنسان كل حسب معتقداته و أهدافه ، الأمر الذي خلف تصادم بين الحضارات المختلفة على مر العصور الماضية ، لكن تقدم العلوم المختلفة وسهولة التنقل و الاتصال و معرفة لغات الآخرين وسبل إعلامية أكثر مواكبة للحدث ، تجعل هذا العصر أكثر اقترابا للآخرين ومراجعة دقيقة لكل شيء قد تكون مقترنة بالعلوم والمنطقية أكثر من الماضي ، وهو الطلب العصري لكل ألأمور .
إلى اللقاء بأذن الله في الجزء رقم " 3 "
المؤلف
حكيم عبد الرحمن حماد المنفي
العنوان البريدي [email protected]
طبرق . ليبيا . نقال : 00218926843478