الجزء الرابع والأخير من الآيات والعبر في يوسف وإخوته

إنضم
28/10/2011
المشاركات
18
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
الرياض
في هذا الجزء الأخير بقية الآيات والعبر في يوسف عليه السلام , ويليه الآيات والعبر في إخوة يوسف



الآية الحادية التسعون :
قال الله تعالى ( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شئ , ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون .)
والآية أن الهداية للتوحيد وعدم أشراك الله تعالى في العبادة هو فضل من الله تعالى وأن قمة الشكر لله تعالى هو عبادة الله وحده دون شريك . قال الله تعالى على لسان إبليس عندما أخرج من الجنة ( .... ولا تجد أكثرهم شاكرين ) الفضل هو التوحيد , والمتفضل هو الله تعالى , وتوحيد الله تعالى هو قمة الشكر إخلافا لتوعد إبليس لعنه الله .

الآية الثانية والتسعون :
قال الله تعالى ( وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا , كذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالبا على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . ) والله غالب على أمره . فمثلما آتى يوسف عليه السلام حكما وعلما في البيئة الفرعونية الكافرة فإن الله تعالى غالب على أمره بأن أجرى هذا القدر بأن يكون عبدا في بيت عزيز مصر . وذلك تهيئة له لما وعده الله تعالى به من الملك فلولا دربته في بيت العزيز واكتساب الخبرات والعيش في الأجواء الملكية لصار عسيرا عليه تولي مهمة عزيز مصر ثم ملكها لو بقي في حضانة والدية في بادية كنعان . فسبحان الله الغالب على أمره .

الآية الثالثة والتسعون :
قال الله تعالى ( فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم , يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين .
العبرة أنه رغم أن النفور من جريمة الزنا كانت فطرية في الإنسان تأنفها النفوس السوية حتى لو كانت كافرة . إلا أن أجواء القصور وحواشي الملوك تتراجع لديهم الغيرة بحكم الرفاهية . وهو ما جعل عزيز مصر يتقبل فعل زوجته كأمر واقع . فلم يتجاوز رد فعله التعجب من كيد زوجته ثم دعوته لها بالاستغفار ولا أكثر من ذلك . وهكذا الرفاهية وما تحدثه من إفساد في النفوس . وحيث روي أن هذا الزوج عنينا فقد جعله هذا الأمر مهيض الجناح من هذه الناحية , وهو ما حمله على غظ النظر عن تجاوزات زوجته .

الآية الرابعة والتسعون :
أراد يوسف عليه السلام أن يستعين بالبشر في خروجه من السجن , فطلب من الذي ظن أنه ناج منهما أن يذكره عند ربه فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين .- على رأي من ذهب من المفسرين أن الذي انسي هو يوسف عليه السلام- . فلما أتاه الغلام وسأله عن رؤيا الملك لم يكرر الخطأ فيطلب العون من البشر . فقد أيقن أن فرجه لن يأتي إلا من الله تعالى فأسلم أمره له تعالى . وهكذا جاء الفرج من السجن مصحوبا بالبراءة والعزة والمكانة الرفيعة .

الآية الخامسة والتسعون :
سلك يوسف عليه السلام في دعوته مرحلية نبوية حكيمة تمثلت في البدء بالاستقامة اللافتة في البيئات المختلفة . فهاهو لزم الاستقامة في بيت العزيز حتى صار من المحسنين . وهاهو لزمها في السجن حتى شهد له صاحباه بأنه من المحسنين . بعد ذلك لزم أسلوب تقديم المنفعة للآخرين ماحضة لا منة فيها ولا تعالي . فقد خدم في بيت العزيز بكل جد وإخلاص وأمانة أكسبته خبرة ومعرفة نفعته عندما صار عزيزا لمصر . كما قدم الخدمة في السجن فكان لا يأتيهما طعام يرزقانه إلا نبأهما به قبل أن يأتيهما . ثم هو ذا بعد ذلك يقدم الخدمة للناس بتأويله الرؤيا للملك مصحوبة بالخطة الاقتصادية المنقذة من كارثة المجاعة دون أن يطلب مقابلا , حتى لو كان هذا المقابل رفع الظلم عنه . ثم هو ذا يقدم الخدمة للملك بعد أن مكنه من الأرض فيحكم بالعدل ويضبط الاقتصاد ويخدم الناس بإقامة ميزان العدل .
المرحلة الثالثة تمثلت في أنه لم ينسب ما أوتي من علم لقدرات خارقة لديه يستحيل التأسي بها . بل أعادها لأنه فقط ترك ملة قوم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر واتبع ملة أبيه إبراهيم وإسحاق ويعقوب بأن لا يشرك بالله شيئا . وهذا فضل من الله تعالى عليه بأن هداه وهدى أباءة والناس الى التوحيد .
المرحلة الرابعة دعوته المباشرة إلى التوحيد والبدء بدحض الشرك وبيان فساده وتهافته , فليس أكثر من أسماء سموها لأنفسهم وما أنزل الله بها من سلطان . وهذه المرحلة من الدعوة رآها مناسبة لصاحبيه في السجن . ولم يرها مناسبة لدعوة العزيز وزوجته وهو في خدمتهم . كما لم يرها مناسبة لدعوة الملك بعد أن اتخذه وزيرا . فبالحكمة النبوية أعطى كل بيئة عاش فيها ما يناسبها من الأسلوب الدعوي مراعيا المحافظة على أصل الدعوة ونبراسها مضيئا فلا يعرضها للمهالك . بل يختار الأسلوب الأمثل لكل بيئة ينتقل لها .
بعد بيان فساد الشرك عمد عليه السلام بيان حقيقة التوحيد لصاحبيه في السجن , فقال إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون . والذي حصل أن من تأثر بالأساليب المرحلية الأولى كان أفضل من الغلامين . فقد نقلت لنا الآيات القرآنية اهتداء امرأة العزيز تأثرا بسلوك يوسف عليه السلام واستقامته . وأشار المفسرون لاهتداء الناس متأثرين بعدل يوسف وحسن إدارته للموارد . أما الغلامان فل يؤثر إسلامهما , والله اعلم .

الآية السادسة والتسعون :
قال الله تعالى : ( ورفع أبوية على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العزيز الحكيم .)
الآية أو العبرة هنا أن تأويل رؤيا الغلام يوسف عليه السلام لم تتحقق إلا بعد أن بلغ من العمر مبلغا صار فيه ملكا لمصر . ولن يتحقق ذلك إلا في عمر متقدم . الآية أو العبرة الأخرى أن ما يتعرض له الإنسان في أطوار حياته المختلفة لا يؤثر على ما قسم الله له تعالى في آخر حياته . وهذا مما يبعث الطمأنينة في قلب المؤمن خاصة من جعل له شيئا من البشرى . فليس عليه سوى إحسان الظن بالله واليقين بقدرته على زوال الكروب وانفراج الشدائد بقدرة الله ثم تحقق الموعود من القادر الكريم . كما حصل ليوسف عليه السلام . فلو نظر المتعجل لبداية معاناته وتحوله الى عبد يباع ويشترى لانقطع أمل من لا يثق بقدرة الله على تحول حال يوسف عليه السلام من غلام من البادية يباع بيع العبيد ثم يكون ملكا لمصر . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

الآية السابعة والتسعون :
الآية أو العبرة الأخرى في نفس الآية أن يوسف عليه السلام قد عدد محاسن الله تعالى عليه وخص منها إخراجه من السجن ومجئ أهله من البدو . كأن هذه هي أهم النعم لديه .
أما النعم الأخرى التي قد يراها البعض أكبر وأهم , وهي إيتاؤه الملك , وتعليمه تأويل الأحاديث . فلم يذكرها إلا على السبيل التشفع بفاطر السماوات والأرض ذكر ذلك مقدمة لطب أهم لديه من كل هذه النعم وهي أن يتوفاه الله تعالى مسلما ويلحقه بالصالحين .فقد كان عليه السلام يرى في اكتمال النعمة سببا لتذكر المصير بالعودة لله تعالى .وهو ما جعله يرفع الضراعة بأن يتوفاه الله مسلما , وأن يلحقه بالصالحين .

الآية الثامنة والتسعون :
قال الله تعالى ( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم . )
الآية او العبرة أن المحبة هي الأصل في علاقة الإخوة فيما بينهم بحكم الجبلة وما يعززها الجرعات التربوية وأن ما قد يحصل بينهم من عداوة أو كراهية مرجعه نزغ الشيطان . فإذا عرف أصل وأس الخلاف بين الإخوة ثم عرف أن نزغ الشيطان مدفوع بقدرة الله ( فإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ....الآية ) إذا عرف هذا صار نبراسا لعلاقة الإخوة فيما بينهم بالمحافظة على أصل المحبة والتعاطف والمبادرة بالاستعاذة من الشيطان الرجيم من أي نزغ ينزغه فيم بينهم .

الآية التاسعة والتسعون :
قال الله تعالى ( قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين )
الآية أو العبرة أن الظلمة حين يملكون كل شيء حتى أخوهم الإنسان يظنون أنهم بذلك يملكون مشاعره وخياراته . لهذا فإن امرأة العزيز وقد عمل يوسف عليه السلام عندها عبدا مملوكا عمدت الى اسلوب التهديد والوعيد وفرض الإرادة . لم تجعل لنفسه أو لرغبته خيارا أن يقبل أو لا يقبل . فطالما أرادت فلا لا راد لإرادتها . وإن لم يقبل فالويل له بالسجن وجعله من الصاغرين .

الآية المائة :
قال الله تعالى ( ودخل معه السجن فتيان , قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين .)
الآية أن الإحسان الذي رأياه في يوسف والكفاءة التي رآها الملك , والاستقامة التي رأتها امرأة العزيز هي سلوك عملي ليوسف عليه السلام بنفعه الآخرين وخدمتهم والتزام السمت النبوي في كل الظروف مما جعلهم يجعلونه أو يصنفونه من المحسنين . وهكذا قدم العمل والاستقامة قبل الدعوة . بل كانت الاستقامة والعمل في خدمة الآخرين اسلوب دعوي ناجح , حيث أسلمت امرأة العزيز دون أن يقوم بدعوتها المباشرة كما عمل مع الغلامين في السجن . وهكذا صار العمل الجاد في خدمة الآخرين بأمانة وإخلاص , ثم التزام سمت المؤمن والسلوك المستقيم تعد مقدمة وضرورة للداعية . لأن كل الذين شهدوا انه من المحسنين لم تكن استقامته الدينية وعبادته هي ما أعجبهم فيه بل أعجبهم الجانب العملي .

الآية مائة وواحد :
قال الله تعالى ( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك ... ألاية )
العبرة في تحريم الخلوة , فقد كان يوسف يعمل في بيت العزيز مختلطا بامرأة العزيز . قد حرم الله تعالى الاختلاط وحرم أن يخلوا رجل بامرأة غير ذي محرم . لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ) . وما حصل ليوسف لامرأة العزيز برهان على ذلك .

الآية المائة واثنتان:
قال الله تعالى : ( فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم , ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين .)
الآية هنا هي آفة الهوى وما يحدثه في نفس المرء حتى يذله . فهاهي امرأة العزيز بمكانتها الاجتماعية العالية تهيم بخادم ومملوك .الأمر الذي صار محل تندر نساء المدينة بها شماتة . إذ كيف بامرأة بهذه المكانة أن تهيم بخادم مملوك . وما ذالك إلا من ذل المعصية نسأل الله العافيه .

الآية المائة وثلاث :
قال الله تعالى ( وغلقت الأبواب وقالت هيت لك .....الآية )
العبرة هنا أن جريمة الزنا في الأعم الأغلب لا تتم إلا بمبادرة من المرأة , سواء ابتداء كما حصل من امرأة العزيز . او موافقة ورضا . ولعل هذا من الحكمة في تقديم الزانية على الزاني في مطلع سورة النور ( والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ....الآية ) . قال بعض المفسرين أن السبب والله أعلم أن المرأة في الغالب هي السبب في حصول الزنا ابتداء كما في حالة امرأة العزيز أو موافقة وهوى في كثير من الحالات . وإن حصل حالة اغتصاب للمرأة فهو الاستثناء من القاعدة والله وأعلم .

الآية المائة وأربع :
قال الله تعالى : ( وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا نراها في ضلال مبين , فلما سمعت بمكرهن أرسلت لهن واعتدت لهن متكأ وقالت أخرج عليهن, فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاشا لله ما هذا بشرا , إن هذا إلا ملك كريم . )
الآية والعبرة هي أن التفسخ والانحلال الذي ينتشر في القصور قد يصل شيوعه بحيث لحد يصير أمرا واقعا , فلا يصير محل استهجان نسوة المدينة إلا من باب أن تعلقها كان بغلام مملوك يعمل لديها . كما لم تجد امرأة العزيز حرجا في البوح بهيامها بالغلام أمام نسوة المدينة .

الآية المائة وخمس :
قال الله تعالى : ( قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون , الآيات )
العبرة هنا أن مؤول الرؤى ينبغي له ن يكون كذلك . فطالما أن الرؤى بشارة أو نذارة صار من المتعين على المؤول أن يكون متمكنا علميا , عالما بأمور الحياة مجرب لها , بحيث يقدم التفسير متضمنا خطة العمل المناسبة لصاحب الرؤيا . فإن كانت بشارة صار الى حث الرائي على شكر النعم وحفظها ووضعها في مكانها .وإن كانت نذارة صار الى حث الرائي على التوبة والإنابة الى الله تعالى ما دام في العمر فسحة اغتناما لكرامة النذارة .

الآية المائة وست :
قال الله تعالى ( ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين )
العبرة أن العلم قرين الحكمة . فمن أوتي العلم تعين عليه التماس الحكمة , وكلاهما ضرورة للآخر . انظر الى يوسف عليه السلام عندما سؤل عن رؤيا الملك لم يؤل الرؤيا تأويلا مجردا , بل شفع العلم بالحكمة والخبرة والتجربة فقدم النصح كاملا لمواجهة ما هم فيه وما هم مقبلون عليه بالخطة الاقتصادية الكاملة .

الآية المائة وسبع :
قال الله تعالى ( ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما .......الآية ) قول الله تعالى ( كذلك نجزي المحسنين ) العبرة أن الله تعالى يجزي المحسنين وإن كان صغيرا قبل سن التكليف , فيجزيه على عمله الصالح وآتاه الحكمة والعلم لأنه أحسن في الصغر فأوتي العلم الحكمة .

الآية المائة وثمان :
قال الله تعالى :
قال الله تعالى ( وراودته التي هو بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك , قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون .)
العبرة هنا أن يوسف عليه السلام بعد أن استعاذ بالله تذكر أعظم ما في الأمر من جرم , وهو انتهاك حرمة سيده . خاصة أنه قد أحسن مثواه . فجريمة الزنا وإن كانت تنطوي على مفاسد عظيمة , إلا أن يوسف عليه السلام قد قدر أن خيانة سيده والرد على جميله بهذه الخيانة هو أكبر ما في هذا الأمر من سؤ . خاصة وأن هذا من الظلم , والظلم عاقبته وخيمة وقد تفوق جريمة الزنا ذاتها .لأنه لا يفلح الظالمون . ولأن الزنا من أعظم الظلم قرنه الله تعالى بقتل النفس في قوله تعالى ( والذين لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون , ومن يفعل ذلك يلق أثاما, يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد في مهانا , إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فؤلئك يبدل الله سيئات حسنات ...) الآية 68, 69 سورة الفرقان .

















الآيات في إخوة يوسف :




الآية الولى :
قال الله تعالى ( ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم , قالوا يا أبانا ما نبغي , هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير ) 65 كأنهم لم يصطحبوا مشيئة الله حين استعدوا أمام أبيهم بالحفاظ عليه . أما أبوهم عليه السلام فيعلم أنهم لن يستطيعوا أن يحفظوه في كل الأحوال فاحتاط بإعفائهم من تبعة فقد أخيهم في حال الإحاطة بهم , وقد منحهم والدهم هذه الفسحة دون طلب منهم .

الآية الثانية :
لقد أظهروا كذبهم من لهجتهم فقد قدموا بقولهم ( وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ) قبل أن يناقشهم أبوهم أو يظهر الشك في أمرهم . كما أن لهجة الدهم بعد ذلك أكدت أن حديثهم وحيلهم لم تلق عنده القبول , وأنه على يقين بأن نفوسهم قد سولت لهم أمر سؤ . وهكذا أظهر الله كذبهم . ولهذا لم يجد يعقوب عليه السلام بدا من التذرع بالصبر الجميل مستعينا بالله تعالى .

الآية الثالثة :
قال الله تعالى ( فلما ذهبوا به واجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب ....الآية ) هذا دليل على إجماعهم على هذه الفعلة . وهذا الإجماع جاء بعد الاختلاف مع أحدهم في اسلوب الخلاص من يوسف . فقد رأت الأغلبية قتله أو طرحه في مكان مهلكة بينما رأى أحدهم التخلص منه بوضعه في الجب لتأخذه السيارة . وهذا ما حصل عليه الإجماع بعد ذلك .

الآية الرابعة
توقع يعقوب عليه السلام حسد إخوة يوسف ليوسف لو علموا فحوى رؤياه وبشرى عزه وسجود والده ووالدته وإخوته له . وهذا التوقع لا بد أن يكون له مقدمات لمسها يعقوب عليه السلام من مشاعر سلبية منهم تجاه أخيهم . وقد كان كيدهم وضغينتهم عليه لمجرد أن ظنوا حظوته وأخيه عند أبيهم وتفضيله لهما عليهم وانصرافه عنهم .

الآية الخامسة :
غاية الضلال حين التمسوا صلاح الأمر من طريق الفساد . فقد وهموا إذ لبس عليهم إبليس أنهم حين يتخلصون من يوسف يخل لهم وجه أبيهم ويكونوا قوما صالحين . سبحان الله . هكذا يطلبون الصلاح بالإفساد .وأي إفساد قتل نفس بريئة . بل قتل أخ لوهمهم صلاح أمرهم مع أبيهم بهذا الفعلة الشنعاء .

الآية السادسة :
كيف أن الله تعالى قد جعل من هؤلاء الإخوة الجفاة من يحمل شيئا من العطف على يوسف . إذ اقترح أسلوبا أخف من القتل للتخلص من يوسف .

الآية السابعة :
كيف أن الله تعالى قد جعل هؤلاء الإخوة رغم تربيتهم في بيت النبوة في رعاية والدهم نبي الله يعقوب عليه السلام لم يمنعهم من اتهام والدهم النبي بانه في ضلال , بل في ضلال مبين أي بين ظاهر ثم إبرام المكائد والوقوع في الكذب والإقدام على ما كدر حياة والدهم بفقدانه لأعز أبنائه لديه وهو يوسف عليه السلام . وهكذا امتدت قسوة هؤلاء الإخوة من قسوتهم على أخيهم الصغير الى والدهم الشيخ الوقور فأذاقوه مرارة الحرمان من ولده وجرعوه كاس الهم والحزن لحد شارف به على الهلاك بل وعمى البصر من الكمد وكثرة البكاء . فلا حول ولا قوة إلا بالله من قسوة القلب والضلال الذي يحمل على ظلم أقرب الناس .

الآية الثامنة :
في قصر حبل الكذب . فرغم اجتهاد إخوة يوسف وحبكهم الحيلة للتخلص من يوسف وفرية أكل الذئب له . ورغم اجتهادهم في إقناع والدهم بصدقهم بتلطيخ القميص بالدم الكذب إلا أن ذلك لم يحمل يعقوب عليه السلام بتصديقهم . بل ظل على قناعة بأن هذه مكيدة من أبنائه ( بل سولت لكم أنفسكم أمرا ) .

الآية التاسعة :
إمعانهم في ظلم يوسف تبرير سرقة أخيهم بنيامين بان له أخ قد سرق ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) .

الآية العاشرة :
إن من كذب وعرف عنه الكذب لن يكون محل تصديق وإن صدق . فرغم اجتهادهم في إثبات براءتهم من التفريط في أخيهم بنيامين إلا أن والدهم قد عرف منهم الكذب ولم يصدقهم ( بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا ) .

الآية الحادية عشرة :
لم يذعنوا ويعترفوا بخطئهم وسؤال والدهم أن يستغفر لهم إلا بعد أن رأوا الآيات في كرامة يوسف عليه السلام وكرمه وتسامحه معهم وإكرام وفادتهم .

الآية الثانية عشرة :
قال الله تعالى ( قالوا تالله إنك لفي ظلالك القديم ) . وهكذا ظل الشطر الباقي مع يعقوب في أهله على قسوة قلوبهم . وذلك بتعنيفه واتهامه بالظلال لمجرد أنه حمل الهم والحزن على ابن فقده , وعلى نسمة أمل انبعثت في نفسه فشم رائحة يوسف عليه السلام بمجرد أن فصلت العير من مصر متوجهة اليه في كنعان .

الآية الثالثة عشرة :
تلك القسوة البالغة في إخوة يوسف .
لقد قابلوا صبر أبيهم الجميل رغم شكه في روايتهم برد فعل ليس بجميل . إذ لم يكن منهم إلا أن تعاملوا مع مشاعر أبيهم على فقد يوسف بالتجاهل وبالقسوة في مثل قولهم ( تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ) .

الآية الرابعة عشرة :
عندما أوصاهم أبوهم بالسؤال عن يوسف وأخيه . ( اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الخاسرون ) . لم يقابلوا هذا الرجاء إلا بالتجاهل . إذ كان همهم عند مقابلة عزيز مصر يوسف عليه السلام إلا أن سألوه زيادة المؤونة ومزيد الصدقة ( فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين ) . وهكذا كان همهم زيادة المؤنة وزيادة الصدقة , ولم يرفعوا رأسا برجاء أبيهم بالبحث والتحسس عن يوسف وأخيه , ولم يسألوا عن أخيهم الأصغر الذي تركوه عند عزيز مصر بعد قصة صواع الملك .
 
عودة
أعلى