علي هاني يوسف
New member
- إنضم
- 09/01/2008
- المشاركات
- 81
- مستوى التفاعل
- 2
- النقاط
- 8
[h=2]الدليل العاشر : قد بشرت جميع الكتب بالنبي صلى الله عليه وسلم وأمته[/h]وهددت من لم يؤمن به إذا جاء ، فبشارات الظهور وعلائم النّبي وصفاته مذكورة في هذه الكتب السماوية لا سيما التوراة والإنجيل، وهي تدعو أتباعهما إلى الإيمان بالنبي صلى الله عليه واتباع شرعه ، ثم يأتي هؤلاء ويقولون:يجوز لليهود والنصارى البقاء على دينهم المحرف، وهذا شيء عجيب!، فالصادقون من أهل الكتاب الذين يؤمنون فعلا بكتبهم يستجيبون لها ولرسلهم كما قال تعالى قال تعالى: { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ـ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ـ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (سورة البقرة : 121 ) "الذين آتيناهم" مبتدأ ، و جملة "يتلونه" حال ، والخبر هو {أولئك يؤمنون به }.
{ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) } (القصص (51ـ 54)
{ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)}
بعض البشارات التي وردت في التوراة والإنجيل:
1) جاء في التوراة في سفر التثنية الإصحاح الثامن عشر الفقرات 18و19 : " يا موسى أني سأقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك أجعل كلامي فيه، ويقول لهم ما أمره به والذي لا يقبل قول ذلك النبي الذي يتكلم باسمي أنا أنتقم منه ومن سبطه " ، وهذا النص موجود عندهم الآن ، فقوله :" من إخوانهم " ، لو كان منهم من بني إسرائيل لقال سأقيم لهم نبياً منهم ، لكنه قال من إخوتهم أي أبناء إسماعيل. .
2) جاء في إنجيل يوحنا الإصحاح السادس عشر الفقرات 16-17 : " إن خيراً لكم أن أنطلق لأني إن لم أذهب لم يأتكم الفارقليط فإذا انطلقت أرسلته إليكم فإذا جاء فهو يوبخ العالم على الخطيئة ، وان لي كلاماً كثيراً أريد قوله ولكنكم لا تستطيعون حمله لكن إذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي " ، وكلمة (المعزي) أصلها منقول عن الكلمة اليونانية باراكلي طوس المحرفة عن الكلمة بيركلوطوس التي تعني أحمد وهذا لا ينطبق إلا على النبي صلى الله عليه وسلم[1] .
" جاء في التوراة في السفر الخامس : " أقبل الله من سيناء (وفي رواية ربنا) ، وتجلى من ساعير ، وظهر من جبال فاران ، ومعه ربوات الإظهار عن يمينه " .
وهذه متضمنة للنبوات الثلاثة : نبوة موسى ، ونبوة عيسى ، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمجيئه من " سينا " : وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى ، ونبأه عليه إخبار عن نبوته ، وتجليه من ساعير هو مظهر المسيح من بيت المقدس، و " ساعير " : قرية معروفة هناك إلى اليوم ، وهذه بشارة بنبوة المسيح، "وفاران " : هي مكة ، وشبه سبحانه نبوة موسى بمجيء الصبح ، ونبوة المسيح بعدها بإشراقه وضيائه، ونبوة خاتم الأنبياء باستعلاء الشمس ، وظهور ضوئها في الآفاق ، ووقع الأمر كما أخبر به سواء، فإن الله سبحانه صدع بنبوة موسى ليل الكفر فأضاء فجره بنبوته ، وزاد الضياء والإشراق بنبوة المسيح ، وكمل الضياء واستعلن وطبق الأرض بنبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهم ، وذكر هذه النبوات الثلاثة التي اشتملت عليها هذه البشارة نظير ذكرها في أول سورة ( والتين والزيتون ، وطور سينين ، وهذا البلد الأمين " [2] .
قال البقاعي:" فأضاف الرب إليهم ، وجعل الإتيان من جبال فاران - التي هي مكة ، لا نزاع لهم في ذلك - تبدياً وظهوراً أي لاخفاء به بوجه ، ولا ظهور أتم منه"
ذكر الشيخ عبد المجيد الزنداني في كتابه : ( البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتب السماوية السابقة ) أن إنجيل برنابا في الباب 22 جاء فيه :
" وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله "
وجاء في سفر أشعيا : إني جعلت اسمك محمدا يا محمد ، يا قدوس الرب : اسمك موجود من الأبد .
وجاء في سفر أشعيا : " وما أعطيته لا أعطيه لغيره ، أحمد يحمد الله حمدا حديثا يأتي من أفضل الأرض ، فتفرح به البرية ، ويوحدون على كل شرف ، ويعظمونه على كل رابية " .
وجاء في سفر حبقوق:" إن الله جاء من التيمان والقدوس من جبل فاران، لقد أضاء السماء من بهاء محمد، وامتلأت الأرض من حمده. ".
يقول مطران الموصل السابق الذي هداه الله للإسلام، وهو البروفيسور عبد الأحد داود الآشوري في كتابه (محمد في الكتاب المقدس): إن العبارة الشائعة عن النصارى: المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة. لم تكن هكذا، بل كانت: المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض إسلام، وللناس أحمد.
[h=2]الدليل الحادي عشر:ترك ملايين النصارى واليهود دينهم عبر التاريخ[/h]والدخول في الإسلام دليل على وجوب الإيمان
لو كان البقاء على اليهودية والنصرانية ينجي من النار لما آمن الملايين من الذين آمنوا من اليهود والنصارى بل من أحبار اليهود ورهبان النصارى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده وتركوا دينهم .
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)}(الأحقاف:10).
{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85)}(المائدة :85).
{ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ(52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54)}(القصص 51ـ 54).
{ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)}( الإسراء 107ـ 109).
قال دروزة :" ولما كان قد دعا جميع الناس بما فيهم اليهود والنصارى والصابئين إلى الإيمان برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن والانتهاء عن ما هم عليه من انحراف عن الدين الحق والطريق القويم بآيات عديدة منها ما مرّ في سورة البقرة وفي السور السابقة، ومنها ما سوف يأتي بعد ، ولما كان طوائف مختلفة فيها يهود ونصارى وصابئون قد فهموا ذلك وآمنوا برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن على ما حكته آيات عديدة في سور مكية ومدنية مرّ بعضها ، وسيأتي بعضها بعد ، فلا يصح أن يوقف عند هذه الآية لحدتها وتؤخذ على ظاهرها ويتوهم متوهم أنها تنطوي على تقرير نجاة اليهود والنصارى والصابئين عند الله مع بقائهم على مللهم بعد البعثة النبوية إذا لم يؤمنوا بالنبي محمد والقرآن ويصبحوا من معتنقي الرسالة الإسلامية التي يمثلانها" [3].
[h=2]الدليل الثاني عشر:العمل بالتوراة أو الإنجيل عمل بشريعة منسوخة[/h] فكيف يكون عملا صالحا وكيف يكون مقبولا عند الله ، وقد قال تعالى { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)} (المائدة (48ـ 49).
قال أبو السعود: "{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب} أي الفردَ الكاملَ الحقيقيَّ بأن يسمى كتاباً على الإطلاق لحيازته جميعَ الأوصافِ الكمالية لجنس الكتابِ السماويِّ وتفوقِه على بقية أفراده وهو القرآنُ الكريم وقوله تعالى {بالحق} متعلقٌ بمحذوفٍ وقعَ حالاً مؤكّدة من الكتاب أي ملتبساً بالحق والصدق {مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} حال من الكتاب أي حالَ كونِه مصدقاً لما تقدَّمَه إما من حيث أنه نازل حسبما نعت فيه أو من حيث إنه موافقٌ له في القصص والمواعيد والدعوة إلى الحق والعدلِ بين الناس والنهي عن المعاصي والفواحش، وأما ما يتراءى من مخالفتِه له في بعض جزئياتِ الأحكام المتغيِّرة بسبب تغيُّرِ الأعصارِ فليست بمخالفةٍ في الحقيقة بل هي موافقة لها من حيثُ إنَّ كلاًّ من تلك الأحكام حقٌّ بالإضافة إلى عصره متضمِّنٌ للحكمة التي عليَها يدورُ أمرُ الشريعة ، وليس في المتقدم دلالةٌ على أبديةِ أحكامِه المنسوخة حتى يخالفه الناسخ المتأخرون وإنما يدل على مشروعيتها مُطلقاً من غيرِ تعرضٍ لبقائها وزوالها بل نقول هو ناطقٌ بزوالها لما أن النطقَ بصحة ما ينسخها نطق ينسخها وزوالِها وقوله تعالى {مّنَ الكتاب} بيانٌ لِما واللام للجنس إذ المراد هو الكتاب السماوي ، {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} أي رقيباً على سائر الكتبِ المحفوظة من التغيير لأنه يشهد لها بالصحة والثبات ويقررأصول شرائعها وما يتأبد من فروعها ويعيِّن أحكامَها المنسوخةَ ببيان انتهاءِ مشروعيتها المستفادة من تلك الكتاب وانقضاءِ وقت العمل بها ولا ريب في أن تمييزَ أحكامِها الباقيةِ على المشروعية أبداً عما انتهى وقتُ مشروعيتِه وخرج عنها من أحكام كونِه مهيمناً عليه والفاء في قوله تعالى {فاحكم بَيْنَهُمْ} لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن كونَ شأنِ القرآن العظيم حقاً مصدِّقاً لما قبله من الكتب المنزلة على الأمم مهيمناً عليه من مُوجباتِ الحكم المأمور به أي إذا كان القرآن كما ذُكِر فاحكمْ بين أهل الكتابين عند تحاكُمِهم إليك {بِمَا أنزَلَ الله} أي بما أنزله إليك فإنه مشتملٌ على جميع الأحكام الشرعية الباقيةِ في الكتب الإلهية وتقديم بينهم للاعتناء ببيانِ تعميمِ الحكم لهم ووضع الموصول موضعَ الضمير للتنبيه على عِلِّيَّةِ ما في حين الصلة للحكم والالتفات بإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة والإشعار بعِلَّة الحكم {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} الزائغة {عَمَّا جَاءكَ مِنَ الحق} الذي لا محيد عنه وعن متعلقة بلا تتَّبعْ على تضمين معنى العُدول ونحوِه كأنه قيل ولا تعدِلْ عما جاءك من الحق متبعاً أهواءهم وقولِه تعالى {لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا} كلام مستأنَفٌ جيءَ به لحمل أهل الكتابين من معاصريه صلى الله عليه وسلم على الانقياد لحُكمه بما أُنزل إليه من القرآن الكريم ببيان أنه هو الذي كُلِّفوا العملَ به دون غيره من الكتابين وإنما الذين كلفوا العملَ بهما مَنْ مَضَى قبل نسخهما من الأمم السالفة والخطابُ بطريق التلوين والالتفات للناس كافة لكن لا للموجودين خاصة بل للماضين أيضاً بطريق التغليب واللام متعلقة بجعلنا المتعدي لواحد وهو إخبارٌ بجَعَلَ ماضٍ لا إنشاءٌ وتقديمها عليه للتخصيص ومنكم متعلق بمحذوف وقع صفة لِما عُوِّض عنه تنوينُ كلَ ولا ضيرَ في توسط جعلنا بين الصفة والموصوف كما في قوله تعالى أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السموات الخ والمعنى لكل أمة كائنةٍ منكم أيها الأمم الباقية والخالية جعلنا أي عيّنّا ووضعنا شرعةً ومنهاجاً خاصَّين بتلك الأمة لا تكاد أمةٌ تتخطى شرعتها التي عُيِّنت لها ، فالأمةُ التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى عليهما السلام شرعتهم التوارة ، والتي كانت من مَبعثِ عيسى إلى مبعثِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم شرعتهم الإنجيل، وأما أنتم أيها الموجودون فشِرْعتُكم القرآنُ ليس إلا فآمنوا به واعملوا بما فيه والشِّرْعةُ والشريعة هي الطريقة إلى الماء شُبِّه بها الدينُ لكونه سبيلاً موصولاً إلى ما هو سببٌ للحياة الأبدية كما أن سببٌ للحياة الأبدية كما أن الماء سببٌ للحياة الفانية والمنهاجُ الطريق الواضح في الدين من نهَجَ الأمر إذا وضح المائدة
{وَلَوْ شَاء الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحدة} متفقة على دين واحد في جميع الأعصار من غير اختلاف بينكم وبين من قبلكم من الأممِ في شيء من الأحكام الدينية ولا نسخَ ولا تحويل ومفعول المشيئة محذوفٌ تعويلاً على دِلالة الجزاء عليه أي ولو شاء الله أن يجعلكم أمة واحدة لجعلكم الخ {ولكن لّيَبْلُوَكُمْ} متعلِّقٌ بمحذوف يستدعيه النظام أي ولكن لم يشأ ذلك أي لأن يجعلكم أمةً واحدة بل شاء ما عليه السنةُ الإلهية الجاريةُ فيما بين الأمم ليعامِلَكم معاملةَ من يبتليكم {في ما آتاكم} من الشرائع المختلفة المناسبة لأعصارها وقرونِها هل تعملون بها مذعِنين لها معتقدين أن اختلافَها بمقتضى المشيئةِ الإلهيةِ المبنيةِ على أساس الحِكَم البالغةِ والمصالحِ النافعة لكم في معاشكم ومعادِكم أو تزيغون عن الحق وتتبعون الهوَى وتستبدلون المضَرَّة بالجدوى وتشترون الضلالة بالهدى وبهذا اتَّضحَ أنَّ مدارَ عدمِ المشيئةِ المذكورة ليس مجرد الابتلاء بل العمدةُ في ذلك ما أشيرَ إليهِ من انطواءِ الاختلاف على ما فيه مصلحتُهم معاشاً ومعاداً كما ينبئ عنه قوله عز وجل {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} أي إذا كان الأمر كما ذكر فسارعوا إلى ما هو خيرٌ لكم في الدارين من العقائد الحَقَّة والأعمالِ الصالحة المندرجة في القرآن الكريم وابتدروها انتهاز للفرصة وإحرازاً لسابقةِ الفَضْل والتقدم ففيه من تأكيد الترغيبِ في الإذعان للحق وتشديدِ التحذير عن الزيغ ما لا يخفى ووقوله تعالى {إلى الله مَرْجِعُكُمْ} استئنافٌ مَسوقٌ مَساقَ التعليل لاستباق الخيرات بما فيهِ من الوعدِ والوعيدِ وقوله تعالى {جَمِيعاً} حالٌ من ضمير الخطاب والعامل فيه إما المصدرُ المنحلُّ إلى حرفٍ مصدريَ وفعل مبني للفاعل أو مبني للمفعول وإما الاستقرارُ المقدَّر في الجار {فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} أي فيفعل بكم من الجزاء الفاصل بين المُحِقّ والمُبطل ما لا يبقى لكم معه شائبةُ شكٍ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ في الدنيا وإنما عبر عن ذلك بما ذكر لوقوعه موقع إزالة الاختلاف التي هي وظيفة الإخبار "[4] بتصرف
قال الشيرازي في الأمثل :" فتَوَجَّب العملُ بآخر شريعة إِلهية ، لأنّ العمل بقوانين منسوخة ليس من العمل الصالح ، بل العمل الصالح هو العمل بالشرائع الموجودة وبآخرها ".
و عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "والذي نفسُ محمدٍ بيده، لا يَسْمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديٌ ولا نصرانيٌ، ثم يموتُ ولم يؤمِنْ بالذي أُرسِلتُ بهِ إلا كانَ من أصحابِ النَّار".[5]
قال أبو الحسن المباركفوري في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح[6] :
(من هذه الأمة) أي أمة الدعوة وهم الخلق جميعاً ، (يهودي ولا نصراني) صفتان لأحد، وحكم المعطلة وعبدة الأوثان يعلم بالطريق الأولى؛ لأن اليهود والنصارى لهم كتاب، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتاباً فغيرهم ممن لا كتاب له أولى وخصا بالذكر لأن كفرهما أقبح لكونهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، قال تعالى: {يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل} [7: 157] (ثم يموت): ثم للاستبعاد كما في قوله تعالى: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها} [32: 22] ، أي ليس أحد أظلم ممن بينت له آيات الله الظاهرة والباطنة ودلائله القاهرة فعرفها ثم أنكرها أي بعيد عن العاقل، قاله الطيبي ، وذلك لأن معجزته القرآن المستمر إلى يوم القيامة مع خرقه العادة في أسلوبه وأخباره بالمغيبات، وعجز الجن والإنس عن أن يأتوا بسورة مثله يوجب الإيمان برسالته، ويوجب الدخول على الكل في طاعته، فمن لم يؤمن بما أرسل به كان من أصحاب النار. قال النووي: في الحديث نسخ الملل كلها برسالة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وفي مفهومه دلالة على أن من لم يبلغه دعوة الإسلام فهو معذور.
يقول علي هاني: فإن قيل كيف يقال : إن شريعتهم منسوخة مع أن الله تعالى قال"
{ قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)} { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)} { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)}
وهذه الآيات تفسر تفسيرا غير صحيح ويفهمها كثير من الناس خطأ ، فهم يفهمون أن القرآن يسوغ لليهود والنصارى أن يستمروا على العمل بكتابهم ، وهذا فهم لا يصح ، والعجب أن الآيات التي يخطئون في فهمها أو يلبسون على الناس بها تقع في سياقات لا يمكن تدفع هذا الفهم تماما ولا يمكن أن يفهم منه اطلاقا ، فقد تقدم أن آية { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) } وقعت في سورة البقرة المليئة بالرد على اليهود ، وكذلك الآية الثانية التي يستدلون بها { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) } وقعت في سورة آل عمران التي كلها دعوة للتوحيد والرد على النصارى كما تقدم ، وهذه الآيات الثلاثة هنا وقعت في سورة المائدة التي هي أشد السور على اليهود والنصارى، فقد نصت صراحة على كفرهم ودعتهم إلى التوحيد والإيمان بالقرآن ، واقتطاع النص من سياقه ليفهم فهما سقيما ،مألوف عند أعداء الإسلام فهم الآن يقولون : لا تقتل الشخص ولكن اقتل سمعته وصيته ، فيقتطعون بعض الجمل لبعض الشيوخ الأجلاء يقتطعونها من سياقها لتفهم على غير ما أرادوا ثم يقولون انظر لهذا الشيخ ما يقول: وهذا ليس ببدع منهم ، ولنعد إلى موضوعنا ، فهذا الفهم يؤدي إلى تعارض النصوص ، لا أقول يؤدي إلى تعارض الآيات في القرآن كله فقط بل يؤدي إلى تعارض النصوص المتجاورة في سورة واحدة في آيات قريبة جدا، فهذه الآيات الثلاث وردت في سورة المائدة التي ورد فيها الآية السابقة التي تقرر أن الله سبحانه جعل لكل أمة شرعة ومنهاجا { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) } فهذه الآية التي تقرر أنه لكل منكم شرعة ومنهاجا هي الآية الثامنة والأربعون ، والآيات السابقة التي يفسرونها أنها تأمر النصارى واليهود أن يستمروا على العمل بالتوراة والإنجيل مع عدم وجوب العمل بالقرآن ترتيبها (47، 66، 68) السابعة والأربعون، والسادسة والستون ، والثامنة والستون فهي آيات قريبة جدا ، فعلى هذا التفسير تكون آية تقول:" لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا "، وآية أخرى تقول: عليكم يا أهل الكتاب أن تعملوا بكتابكم وهذا ينجيكم ويدخلكم الجنة ، فليس الأمر أنه لكل جعلنا شرعة ومنهاجا ، بل المنهاج القديم جائز للكل العمل به فهو عام وليس خاصا بقوم ووقت ، وهذا عين التعارض الذي ينافيه سياق الآيات ،و ينزه عنه كلام أحكم الحاكمين ، ولو نحن تأملنا مقاصد القرآن ولم ننظر النظرة السطحية الحمقاء لسلم فهمنا ، ولارتقى إلى بيان القرآن السامي العالي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والمتأمل في سورة المائدة يقطع جازما باستبعاد هذا التفسير:
1) فقد ذكرت سورة المائدة : أنه أنزل التوراة فيها هدى ونور وأمر النبيين والربانيين والأحبار أن يحكموا بها ، ثم بينت أن الله سبحانه آتى عيسى عليه السلام الإنجيل وأمر أهل الإنجيل في ذلك الوقت أن يحكموا بما أنزل الله فيه ، ثم أنزل القرآن مهيمنا وحاكما على الكتب السابقة، وأمر أهل الإسلام أمة النبي صلى الله عليه وسلم أن تحكم به وحذرها من اتباع أهواءأهل الكتاب .
2) وأيضا في السورة نفسها بين أن النصارى ضيعوا حظا وافرا مما ذكروا به وأنهم حرفوا وبدلوا ، ودعاهم لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم .
3) وحكم بكفر النصارى الذين يقولون بالتثليث في السورة نفسها
فكيف بعد ذلك يقول:" اليهودي والنصراني الذي يكفر بالله ويقول بالتثليث عمله مقبول وليس واجبا عليه أن يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم" هذا لعمري عين الضلال والتحريف ولننظر في الآيات لنرى هذا الأمر رؤية واضحة :
{ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) } وقال لهم في السورة نفسها { يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) } ونحن إذا أردنا استقصاء هذا في سورة المائدة يطول الأمر ، فأرجو من القارئ الكريم أن يقرأ السورة قراءة متأنية وينظر في هذا الأمر ليرى رؤية يقينٍ الحقَّ في هذه المسألة واستبعاد َهذا التفسير المذكور .
ولتزول الشبهة زوالا تاما ويظهر بطلان هذا الرأي ألخص للقارئ الكريم تفسير علمائنا رحمهم الله الذين يفهمون النصوص كما ينبغي أن تفهم ، كما وصفهم الله سبحانه بقوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}وكما قال ابن مالك: ما كان أصحَّ علمَ من تقدما، ليتضح المعنى الصحيح اللائق بخطاب القرآن الكريم وما يريده سبحانه
أولا : تفسير قوله تعالى :
{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)}
[h=3]علاقة الآية بما قبلها : [7][/h] لما بالغ في ذم أهل الكتاب ذكر قبائحهم ومعايبهم وأقوالهم الباطلة، وهجن طريقتهم ، لا سيما اليهود ، وذكر انحرافهم عن دين الله ؛ وأكلهم السحت ؛ وتحريفهم الكلم من بعد مواضعه لينالوا عرضا من أعراض هذه الأرض ، وبين أنهم لا يؤمنون بكتابهم حقيقة بل ادعاء، وختمها بقوله سبحانه { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} { وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} ، عقب ذلك بفتح باب الخير لجميع أهل الكتاب اليهود والنصارى متى آمنوا واتقوا ببيان أنهم لو آمنوا واتقوا لوجدوا سعادات الآخرة والدنيا ، ولكان أجدى عليهم في الدنيا والآخرة من أكلهم السحت والسعي وراء أعراض الدنيا بالحرام ، لو أنهم اختاروا الطريق ، وهذا من كرمه وجوده ، حيث دعاهم إلى التوبة والدخول في الإسلام واستدعاهم ورغبهم في التوبة و الإيمان والتقوى ، ببيان أنه يحصل لهم في الآخرة تكفير السيئات وجنات النعيم في عاجل الدنيا ، مقابل ما يسعون لتحصيل الدنيا بالحرام والكفر .
وأيضا لما تكلموا على التضييق عليهم والعسر الذي عبروا عنه بتلك الكلمة البذيئة في حق الله بقولهم{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} وما ذلك التضييق عليهم إلا بسبب انحرافهم واعوجاجهم ، بين لهم طريق التوسعة عليهم بأنهم لو أنهم آمنوا بما يجب الإيمان به ويدخل دخولا أوليا الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ، كما آمن الناس واتقوا لاتسع عليهم الرزق ودرت عليهم الخيرات فضلا عما ينالونه من غفران الله لسيئاتهم وحسن جزائه الأخروي ، وهذه الآية تشمل معاصري الرسول صلى الله عليه وسلم ثم جميع أهل الكتاب في كل وقت .
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ
من اليهود والنصارى على أن المراد بالكتاب الجنس الشامل للتوراة والإنجيل .
وذكروا بهذا العنوان تأكيداً للتشنيع عليهم ؛ فإنّ أهليةَ الكتاب توجب إيمانهم به ، وإقامتَهم له لا محالة ، فكفرُهم به وعدمُ إقامتهم له وهم أهلُه أقبحُ من كل قبيح وأشنعُ من كل شنيع ،
أي لو أنهم مع ما عددنا من سيئاتهم ، وصدور ما صدر منهم من فنون الجنايات قولاً وفعلاً
آمنوا بما يجب الإيمان به كما طلبه الله منهم وآمنوا بما نفيَ عنهم الإيمان به في هذه السورة فيندرج فيه إيمانهم بالله وحده و إيمانهم برسول الله وبما جاء به من حق ونور، فصدّقوه واتبعوه، والإِيمان بالأَنبياء والكتب كلها { لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ }، وفي الحديث : « اثنان يُؤتَوْن أجرهم مرّتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه ثُمّ آمن بي ( أي عندما بلغته الدّعوة المحمّديّة ) فله أجران ، ورجل كانت له جارية فأدّبها فأحْسَن تأديبها وعلَّمها ثمّ أعْتَقَها فتزوّجها فله أجران »[8] .
نص على خلاصة ما تقدم :
الطبري و السمرقندي والواحدي و السمعاني و البغوي والزمخشري و ابن عطية و ابن الجوزي والفخر الرازي و القرطبي و البيضاوي و الخازن و أبو حيان و ابن كثير و البقاعي وأبو السعود والشوكاني و مقاتل و ابن الجوزي و التفسير الميسر المنتخب وغيرهم .
قال اطفيش – التيسير:" { آمَنُوا } بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاءَ به وهو يتضمن الإِيمان بالأَنبياء والكتب كلها ، فأَهل الكتاب مشركون إِذا لم يؤمنوا به ".
قال البقاعي:"ولما كان الإيمان أساس جميع الأعمال ، قدمه إعلاماً بأنه لا نجاة لأحد إلا بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم . هذا مع أنه حقيق باشتداد العناية به لمبالغتهم في كتمان ما عندهم منه صلى الله عليه وسلم فقال : { آمنوا } أي بهذا النبي الكريم وما أنزل إليه من هذا الهدى"[9].
وَاتَّقَوْا:وخافوا الله تعالى وعذابه بأن جعلوا بينهم وبين الشرك والمعاصي و الباطل والمعاصي وقاية ، بترك ما كانوا يتعاطون مما عدد في هذه السورة من الشرك بالله وعبادة الطاغوت ومخالفة كتابهم و إِيقاد الحرب والسعي في الأرض فساداً ، والإِلحاد في صفات الله وأَفعاله، وأَكل السحت وسائر الكبائر الموبقة والمآثم والمحارم والمعاصي .
وجمع - سبحانه - بين الإِيمان والتقوى ، للإِيذان بأن الإِيمان الذي ينجى صاحبه ، ويرفع درجاته ، هو ما كان نابعا عن يقين وإخلاص وخشية من الله ، لا إيمان المنافقين الذين يدعون الإِيمان وهو منهم برئ
لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ
لو فعلوا ذلك لكفرنا أي سترنا عليهم معاصيهم فلم نحاسبهم عليها عنهم ورفعنا عنهم عقاب سيئاتهم التي اقترفوها وسارعوا فيها وإن كانت في غاية العظمة ولم نؤاخذهم بها ولم نفضحهم بها ، { لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سيئاتهم } .
واللام في قوله : { لكفّرنا عنهم } وقوله { ولأدخلناها }واقعة في جواب الشرط ، يكثر وقوعها في جواب ( لَو ) إذا كان فعلاً ماضياً مثبتاً وهي تفيد التأكيد تأكيد تحقيق التلازم بين شرط ( لو ) وجوابها ، ويكثر أن يجرّد جواب لو عن اللام ، نحو قوله تعالى : { لو نشاء جعلناه أجاجاً } في سورة الواقعة ( 70 ) .
وفيه إعلام بعظم معاصي اليهود والنصارى وكثرة سيئاتهم ، ودلالة على سعة رحمة الله تعالى وفتحه باب التوبة على كل عاص ، وإن عظمت معاصيه وبلغت مبالغ سيئات اليهود والنصارى ، وأن الإسلام يجُب ما قبله وإن جل ، وأن الكتابي لا يدخل الجنة ما لم يسلم .
التكفير : تغطية تامة كثيفة لا يظهر معها شيء من المغطى ، ومن مصاديق هذا ظلمة الليل يقال لها كفْر بسكون الفاء وكفَر الليلُ الشيءَ: غطاه ، وكفارات الذنوب من صدقة أو نحوها تستر الذنوب وتغطيها فلا ترى ولا يؤاخذ عليها .
وتكفير السيئات : سترها وتغطيتها تغطية تامة حتى تصير بمنزلة ما لم يعمل ، وفيها التغطية للأمن من الفضيحة، وفيها معنى الإذهاب والإزالة لأثر السيئات ولهذا يعدى بعن، قال ابن رجب : ولفظ التكفير يتضمن الستر والإزالة.
سَيِّئَاتِهِمْ:
قبائحهم التي عملوها قبل الإسلام، وإن كانت في غاية العظم ونهاية الكثرة ؛ لأن الاسلام يجُبُّ ما قبله ، ومنها القبائح التي عددناها .
والسيئات : جميع سيئة فَيْعلة من السوء، أصلها : سَيْوِئةَ ، صيغت على وزن فَيْعَلَة للمبالغة في قيام الوصف بالموصوف مثل قيّم وسيّد وصيقل و هيّن ،ففيها الدلالة على قوة وشدة القبح ، ويقابلها الحسنة، مِنْ سَاءَ يَسُوءُ إذَا قَبُحَ، فسيئات: فيعلات، أي: قبيحات جدا ،التي يشتد تنكر النفس لها أو تكرّهها.
{ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65)}
في الآخرة مع ذلك جنات النعيم التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ينعمون فيها ، فلا تذهب السيئات عنهم فقط بل إنه سبحانه يثيبهم في الآخرة فيدخلهم جنات النعيم مع المسلمين في الاَخرة، وتكرير اللام لتأكيد الوعد .
وَإِضَافَةُ جَنَّاتِ إِلَى النَّعِيمِ تُفِيدُ مُلَازَمَةِ النَّعِيمِ لَهَا، فليس فيها إلا النعيم الخالص عن شائبة ما ينغصه من الكدورات وخوف الزوال؛ ، فَلَا يَكُونُ فِيهَا مَا يكون فِي جَنَّاتِ الدُّنْيَا مِنَ الْمَتَاعِبِ مِثْلُ الْحَرِّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَوْ شِدَّةِ الْبَرْدِ أَوْ مثل الحشرات ، أَوْ مَا يُؤْذِي مِثْلُ شَوْكِ الْأَزْهَارِ وَالْأَشْجَارِ ، وأيضا في إضافة الجنات إلى النعيم تنبيه على ما يستحقونه من العذاب لو لم يؤمنوا ويتقوا .
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ
· المناسبة : لما بيَّن سبحانه في الآية الأولى أنهم لو آمنوا لفازوا بسعادات الآخرة ، بين في هذه الآية أيضا أنهم لو آمنوا لفازوا بسعادات الدنيا ووجدوا طيباتها وخيراتها.
· والضمير في قوله : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل }: يعود إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين فتح الله لهم باب الإِيمان ليدخلوا فيه كي ينالوا رضاه .
· الأصل في مادة (ق، و،م) انتصاب الشيء إلى أعلى ثابتا ومنه قيام الإنسان نحو { الذين يذكرون الله قياما وقعودا} {جدارا يريد أن ينقض فأقامه} { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها} .
· فالقيام في اللغة هو: الانتصاب المضاد للجلوس والاضطجاع ، وللقيام لوازم عرفية مأخوذة من عوارضه اللازمة، فهي أكمل الأحوال وأحسنها وأتمها وأقدر حالات الإنسان على العمل، ولذلك أطلق مجازاً على الإتيان بالتوراة والإنجيل على أحسن أحوالهما وأكملهما من غير اعوجاج ولا تقصير وتوفية حقهما على أقوم الوجوه وأحسنها ، تشبيها بالقائم من الناس ، إذ هي أظهر هيئات المرء ، والإقامة إفعال منه ، والهمزة للتعدية .
وفي المراد بإقامة التوراة والإنجيل قولان:
· القول الأول:قالوا المراد بالإقامة بعد مجيء الإسلام : فالمراد بإقامتهما ، الاعتراف والإقرار بما فيهما من بشارات بصدق النبي صلى الله عليه وسلم و الإِيمان بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والعمل بشرعه، وإذاعة ما فيهما من نعت سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، والدعاء إِليه بلا كتم ولا تحريف شيء منها ولا تغيير ولا حذف لهذه البشارات والإيفاء بالعهود والمواثيق التي أخذت عليهم ، وكذلك إقامة الأمور التي اتفقت عليها هذه الكتب من أمور لا تنسخ: من الإيمان بالله الواحد وبجميع رسله وكتبهم، وبما دعت إليه من أصول الأخلاق ، وليس المراد مراعاة جميع ما فيهما من الأحكام منسوخة كانت أو غيرها ، فإن ذلك ليس من الإقامة في شيء[10]، ، بل هي تعطيل لهما وردٌّ لشهادتهما ، لأنهما شاهدان بنسخ هذه الأحكام وانتهاءِ وقت العمل بها ، لأن شهادتهما بصحة القرآن الذي ينسخها شهادةٌ بنسخ العمل بهذه الأحكام التي في التوراة والإنجيل وخروجها عن كونها من أحكامهما ، وأن الأحكام التي يعمل بها هي ما قرره النبي الذي بُشَّرَ في التوراة والإنجيل ببعثه ، وذُكر في تضاعيفهما نعُوتُه ، فإذن إقامتُهما بيانُ شواهدِ النبوة والعملُ بما قررته الشريعة الإسلامية من الأحكام كما يُفصح عنه قوله تعالى : { وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ من ربّكمْ }[11] فإن إقامة كل الكتب الثلاثة لا تتأتَّى بغير ذلك ..قال أبو السعود:" { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التوراة والإنجيل } بمراعاة ما فيهما من الأحكام التي من جملتها شواهدُ نبوةِ النبي صلى الله عليه وسلم ومبشراتُ بِعثتِه ، فإن إقامتهما إنما تكون بذلك لا بمراعاة جميع ما فيهما من الأحكام لانتساخِ بعضِها بنزول القرآن فليست مراعاةُ الكلِّ من إقامتهما في شيء"[12].
· وقال الطبري:"فإن قال قائل : وكيف يقيمون التوراة والإنجيل وما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، مع اختلاف هذه الكتب ونسخ بعضها بعضا ؟ قيل : وإن كانت كذلك في بعض أحكامها وشرائعها ، فهي متفقة في الأمر بالإيمان برسل الله والتصديق بما جاءت به من عند الله فمعنى إقامتهم التوراة والإنجيل وما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم تصديقهم بما فيها والعمل بما هي متفقة فيه وكلّ واحد منها في الخبر الذي فرض العمل به"[13].
اختار هذا القول : الطبري و أبو حيان و مكي و الزمخشري و البيضاوي و أبو السعود والآلوسي والخازن والفخر الرازي و الشعراوي والسعدي و القاسمي و اطفيش في الهميان والتيسير و مكي و الواحدي والجلال والشوكاني والسمرقندي ، وجمهور العلماء.
[h=3] القول الثاني:[/h] قالوا المراد بالإقامة ا قبل مجيء الرسول صلى الله وسلم بدين الإسلام ، قالوا لأنه لما تكلم اليهود على التضييق عليهم والعسر الذي عبروا عنه بتلك الكلمة البذيئة في حق الله تعالى بقولهم: { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}، وما ذلك التضييق عليهم إلا بسبب انحرافهم واعوجاجهم الماضي ، بين لهم أن هذا من عدم استقامتهم في الماضي : {ولو أنهم أقاموا التوراة} :أي قبل إنزال الإنجيل بالعمل بجميع ما دعت إليه من أصل وفرع وثبات عليها وانتقال عنها { والإنجيل } أي بعد إنزاله كذلك - لصلحت حياتهم الدنيا ، ونمت وفاضت عليهم الأرزاق ، ولأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم من فيض الرزق ، ووفرة النتاج ، وصلاح أمر الحياة . . ولكنهم لا يؤمنون ولا يتقون ولا يقيمون منهج الله - إلا قلة منهم في تاريخهم الطويل مقتصدة غير مسرفة على نفسها ، فمعنى إقامة التّوراة والإنجيل على هذا إقامة تشريعهما قبل الإسلام ، أي لو أطاعوا أوامر الله وعملوا بها سلموا من غَضَبه ولأغدق عليهم نعمَه ، فاليهود لم يقيموا أحكامها كما تقدّم آنفاً ، وكفروا بالإنجيل ورفضوه ، وذلك أشدّ في عدم إقامَته .
اختاره البقاعي و أبو زهرة وسيد قطب وأجازه ابن عاشور وبعض العلماء.
وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ
[h=3]القول الأول:[/h]المراد بما أنزل إليهم من ربهم القرآن الكريم الذي نزل على قلب هذا النبي الذي بشرت به كتبهم الذي أكمل به الدين ؛ لأنهم لما خوطبوا به ، كان نازلا إليهم وإنزال الكتاب إلى أحد مجرد وصوله إليه ، وإيجاب العمل به وإن لم يكن الوحي نازلاً عليه ، والتعبير عن القرآن بـ(أنزل إليهم من ربهم} :
اختاره ابن عباس وأبو السعود والآلوسي وسيد طنطاوي والسمعاني والطبراني والطبري والجبائي والصابوني ومكي والقرطبي والفارسي والميسر ومحمد رشيد رضا وأبوز هرة والميسر والماوردي و البغوي القرطبي و الطبرسي .
[h=3]القول الثاني:[/h]المراد سائر ما أوحاه الله تعالى إلى أنبيائهم كزبور داود وحِكَم سليمان أشعياء ، وكتاب أرمياء ، وكتاب حزقيل وكتاب حبقوق بقافين وكتب دنيال ، وفي هذا الاحتمالان الماضيان:
الشوكاني وابن عجيبة وهميان الزاد وأجازه الآلوسي.
الترجيح: الراجح هو القول الأول الذي عليه الجمهور وهو أن المراد بما أنزل إليهم من ربهم هو القرآن الكريم ، والتعبير عنه بذلك لما ذكر هناك من الأسرار البلاغية ، ولأنه هو المناسب لسياق سورة المائدة التي موضوعها الإيفاء بالعقود التي بين الله وبين عباده أو بين الناس ، وما ذكرناه في علاقة الآية بما قبلها أخذا من علمائنا ، فالذي يدعوا له التأمل يوضح أن هذا هو الأرجح ، وإليك الآيات السابقة على هذه الآية ليتضح الأمر كمال الاتضاح { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ـ ـ ـ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70)}
في دروزة في التفسير الحديث: "ومن المؤولين من صرف جملة : { وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ } إلى القرآن ومنهم من صرفها إلى كتب الله السابقة . والقول الأول معزو إلى ابن عباس . ونحن نراه الأوجه ؛ لأن ما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو منزل إلى الناس جميعا وأهل الكتاب من الجملة ، ويعضد هذا الآية الأولى من الآيتين التي تقرر بأنهم لو آمنوا لكفر الله عنهم سيئاتهم ؛ حيث إن المقصود إيمانهم برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن ويعضده ذكر التوراة والإنجيل قبل الجملة ، وتعضده أيضا الآيتان ( 15 ، 16 ) من هذه السورة ؛ حيث خوطب فيهما أهل الكتاب بأنه قد جاءهم من الله نور وكتاب مبين . وبهذا يزول ما يرد من إشكال في لوم أهل الكتاب على عدم إقامتهم التوراة والإنجيل وإيذانهم بأنهم لو أقاموا لحسنت حالتهم ، فالمطلوب منهم أو الواجب عليهم أن يقيموها ويقيموا في الوقت نفسه أحكام ما أنزل إليهم بواسطة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو القرآن .
وقد يرد إشكال آخر ، فما دام أن الدعوة الإسلامية موجهة إليهم ، وفي حال إيمانهم بها تكون الشريعة الإسلامية التي تقوم على القرآن والسنة النبوية القولية والفعلية هي شريعتهم ، فكيف يؤمرون والحالة هذه بإقامة التوراة والإنجيل ؟ وجوابا على هذا نقول : إن الآية قد جاءت في معرض التنديد لتقول لأهل الكتاب : إن ما أصابهم من ضيق وعسر إنما أصابهم لأنهم أيضا لم يقيموا أحكام كتبهم ويتبعوا وصاياها ، ومن جملة ذلك الإيمان برسالة النبي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم الواردة صفته في التوراة والإنجيل على ما شرحناه في سياق آية سورة الأعراف ( 157 ) التي تذكر ذلك" .
لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ
الجملة الكريمة استعارة عن سبوغ النعم عليهم ، وتوسعة الرزق عليهم ، { لأكلوا}: لوسع عليهم أرزاقهم بأن يفيض عليهم بركات من السماء والأرض و يكثر ثمرة الأشجار وغلة الزروع و يرزقهم الجنان اليانعة الثمار من كل جانب وإدخال (من) لبيان جهة المأكول أنه من جهة الفوق والتحت ، وأنه يعمهم من جميع جهاتهم بحيث جعلوا مغمورين فيه مع القرب وفيها التأكيد ، والأكل من جميع الجهات كناية عن سبوغ النعمة وكثرتها وأنها عمتهم .[14]
مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ:
بعد ذكر قبائح أهل الكتاب من التعدي عن حدود الله والكفر بآيات الله ونزول السخط واللعن على جماعتهم أن ذلك كله ، جاءت هذه الآية لتبين أنه إنما تلبس به أكثرهم وليسوا جميعهم ، وأن منهم أمة معتدلة ليست على هذا النعت وهذا من نصفة الكلام الإلهي حيث لا يضيع حقا من الحقوق ويراقب إحياء أمر الحق وإن كان قليلا .
فهذه الجملة مستأنَفةٌ مبنيّةٌ على سؤال نشأ من مضمون الجملتين المصدّرتين بحرف الامتناع (لو) الدالتين على انتفاء الإيمان والاتقاءِ وإقامةِ الكتب المُنْزلة من أهل الكتاب ، كأنه قيل : هل كلُّهم كذلك مصرّون على عدم الإيمان ؟ ، فقيل : ( منهم أمة مقتصدة )
[h=3]القول الأول:[/h]والأمة : الجماعة من الناس الذين يجمعهم دين واحد . أو جنس واحد . أو مكان واحد .
(مقتصدة ): أي طائفة معتدلة ، من الاقتصاد وهو الاعتدال في أمر الدين لا تغلو بالإفراط ولا تهمل بالتقصير، والمراد به هنا : السير على الطريق المستقيم الذي يوصل إلى الحق والخير ، وهو طريق الإِسلام ، والمعنى : منهم جماعة مستقيمة على طريق الحق ، وهم من دخل منهم في الإِسلام واتبع ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم وهم المؤمنون منهم كعبد الله بن سلام وأضرابه من اليهود وثمانية وأربعون من النصارى.
والاقتصاد من القصد وهو الاعتدال ، وهو افتعل بمعنى اعتمل واكتسب ففيها مبالغة أي مجتهدة في العدل لا غلو ولا تقصير .
{ وَكَثِيرٌ منهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ } أي مقولٌ في حقهم هذا القولُ ، وساء : أفادت الذم والتعجب أي بئسما يعملون وفيه معنى التعجب
{ وكثير منهم } أي بني إسرائيل { سآء ما يعملون } أي ما أسوأ عملهم الذي هم فيه مستمرون على تجديده ، من العِناد والمكابرةِ وتحريفِ الحق والإعراض عنه ، وهم الأجلافُ المتعصِّبون ككعبِ بن الأشرف وأشباهه والروم ففيه معنى التعجيب ، وهم الذين حرفوا الكلم عن مواضعه ، وارتكبوا العظائم في عداوة الله ورسوله [15]
مجاهد والسدي وابن زيد واختاره الجبائي أبو السعود وسيد طنطاوي ودروزة واطفيش وأبو زهرة و الجلال و الآلوسي والبقاعي والقاسمي و الزمخشري و الواحدي و مكي و ابن جزي والبيضاوي و ابن الجوزي و القرطبي و أبو علي الجبائي.
وهو الأصح ويدل عليه المضارع : يعملون: مستمرون على تجديده
[h=3]القول الثاني:[/h]والمقتصد يطلق على المطيع ، أي غيرُ مسرف بارتكاب الذنوب ، واقف عند حدود كتابهم ، لأنّه يقتصد في سَرف نفسه ، ودليل ذلك مقابلته بقوله في الشقّ الآخر { ساء ما يعملون } . وقد علم من اصطلاح القرآن التعبير بالإسراف عن الاسترسال في الذنوب ، قال تعالى : { قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } [ الزمر : 53 ] ، ولذلك يقابل بالاقتصاد ، أي الحذر من الذنوب ، واختير المقتصد لأنّ المطيعين منهم قبْل الإسلام كانوا غير بالغين غاية الطاعة ، كقوله تعالى : { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مُقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله } [ فاطر : 32 ] ، فالمراد هنا تقسيم أهل الكتاب قبل الإسلام لأنّهم بعد الإسلام قسمان سيّء العمل ، وهو من لم يسلم ؛ وسابق في الخيرات ، وهم الّذين أسلموا مثل عبد الله بن سَلاَم ومخيريق
[h=3]القول الثالث: جمع بين القولين :[/h]وقال مجاهد : المقتصدة مسلمة أهل الكتاب قديماً وحديثاً ، ونحوه قول ابن زيد : هم أهل طاعة الله من أهل الكتاب . وذكر الزجاج وغيره : أنها الطوائف التي لم تناصب الأنبياء مناصبة المتمرّدين المجاهدين قال ابن عطية وقال مجاهد : المقتصدة مسلمة أهل الكتاب قديماً وحديثاً . قال القاضي أبو محمد : وعلى هذا يتخرج قول الطبري : ولا يقول في عيسى إنه عبد رسول إلا مسلم ، وقال ابن زيد : هم أهل طاعة الله من أهل الكتاب ، وهذا هو المترجح ، وقد ذكر.
يقول علي هاني : للقارئ أن يأخذ بأي قول ورأي ذكره علماؤنا رحمهم الله للآية ، فكلها لا تؤدي إلى تعارض آيات القرآن الكريم ولا تعارض مسلمات وثوابت القرآن الكريم ، بل هي في الحقيقة على الأقوال التي عليها الجمهور دعوة وترغيب بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما يجب الإيمان به ودعوة للتقوى ، وللإيمان بالقرآن الذي أنزل إليهم ، فالآية عكس ما فسرها هؤلاء .
*************
الآية الثانية : { ( قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [المائدة : 68] يقال في هذه الآية ما يقال في سابقتها ، ولكي لا أطيل اكتفي نقل ما قاله أبو السعود رحمه في تفسير الآية : قال رحمه الله :
"{ قُلْ يا أهل الكتاب } مخاطِباً الفريقين { لَسْتُمْ على شَيء } أيْ دينٍ يُعتدّ به ويليق بأن يسمى شيئاً لظهور بُطلانه ووضوح فساده ، وفي هذا التعبير من التحقير والتصغير ما لا غايةَ وراءه { حتى تُقِيمُوا التوراة والإنجيل } أي تراعوهما وتحافظوا على ما فيهما من الأمور التي من جملتها دلائلُ رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وشواهدُ نبوته ، فإن إقامتهما إنما تكون بذلك ، وأما مراعاة أحكامهما المنسوخةِ فليست من إقامتهما في شيء ، بل هي تعطيل لهما وردٌّ لشهادتهما ، لأنهما شاهدان بنسخها وانتهاءِ وقت العمل بها ، لأن شهادتهما بصحة ما ينسخها شهادةٌ بنسخها وخروجها عن كونها من أحكامهما ، وأن أحكامهما ما قرره النبي الذي بشَّرَ فيهما ببعثه ، وذُكر في تضاعيفهما نعُوتُه ، فإذن إقامتُهما بيانُ شواهدِ النبوة والعملُ بما قررته الشريعة من الأحكام كما يُفصح عنه قوله تعالى : { وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ من ربّكمْ } أي القرآن المجيد بالإيمان به ، فإن إقامة الجميع لا تتأتَّى بغير ذلك ، وتقديمُ إقامةِ الكتابين على إقامته مع أنها المقصودةُ بالذات لرعاية حقِّ الشهادة واستنزالِهم عن رتبة الشِّقاق ، وإيرادُه بعنوان الإنزال إليهم لما مرّ من التصريح بأنهم مأمورون بإقامته والإيمان به لا كما يزعُمون من اختصاصه بالعرب ، وفي إضافة الربِّ إلى ضميرهم ما أشير إليه من اللطف في الدعوة ، وقيل : المراد بما أُنزل إليهم كتبُ أنبياءِ بني إسرائيلَ كما مر ، وقيل : الكتبُ الإلهية فإنها بأسرها آمرةٌ بالإيمان لمن صدَّقَتْه المعجزةُ ناطقةٌ بوجوب الطاعة له . رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن جماعةً من اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ألست تقرأ أن التوراة حقٌّ من عند الله تعالى ؟ فقال عليه السلام : «بلى » ، فقالوا : فإنا مؤمنون بها ولا نؤمنُ بغيرها فنزلت ، قوله تعالى : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً منهُم ما أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ طغيانا وَكُفْراً } جملة مستأنَفةٌ مبيِّنةٌ لشدة شكيمَتِهم وغُلوِّهم في المكابرة والعناد وعدمِ إفادة التبليغ نفعاً ، وتصديرُها بالقسم لتأكيد مضمونها وتحقيق مدلولِها ، والمرادُ بالكثير المذكور علماؤهم ورؤساؤهم ، ونسبةُ الإنزال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسبته فيما مر إليهم للإنباء عن انسلاخِهم عن تلك النسبة { فَلاَ تَأسَ عَلَى القوم الكافرين } أي لا تتأسف ولا تحزن عليهم لإفراطهم في الطغيان والكفر بما تُبلّغه إليهم ، فإن غائلتَه آيلةٌ إليهم وتبِعَتَه حائقةٌ لا تتخطاهم ، وفي المؤمنين مندوحةٌ 40 لك عنهم ، ووضعُ المُظْهر موضعَ المُضمَرِ للتسجيل عليهم بالرسوخ في الكفر "[16].
الآية الثالثة : { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) }في الآية الكريمة قولان مشهوران ، وأقوال [17]أقل شهرة وكلها يجوز للقارئ أن يأخذها قد قررها العلماء ، ولا تؤدي إلى تعارض آي القرآن:
القول الأول: وهو قول الجمهور: الطبري والواحدي والسمعاني والبغوي والزمخشري والطبرسي وابن الجوزي والقرطبي الثعالبي الجلالين والزمخشري و سيد طنطاوي وأبو زهرة وابن عاشور ورشيد رضا واطفيش .
قالوا: لما كان السياق في ذكر التوراة وأنها حكم بها فترة ثم نسخت ، ثم أنزل الله الإنجيل وأمر أهلها أن يحكموا بها ثم نسخت بإنزال القرآن ثم أمر جميع الناس أن يحكموا به، فالكلام ظاهر في تقدير محذوف تقديره "وقلنا":
{ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ} وهذا المحذوف من جملة ما أَنزل الله في الإِنجيل لا أَمر لهم بعد بعث سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم بالحكم بالإِنجيل ، والتقدير: وآتيناه الإنجيل وقلنا لهم في الإِنجيل وليحكم أَهل الإِنجيل بما أَنزل الله فيه من المواعظ والأَمثال ، فيكون هذا إخبارا عما فرض عليهم في ذلك الوقت من الحكم بما تضمنه الإنجيل ، ثم حذف القول لأن ما قبله من قوله { وكتبنا وقفينا } يدل عليه ، وحَذْفُ القولِ كثيرٌ كقوله تعالى : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم } أي يقولون سلام عليكم ، ويؤيد هذا التقدير القراءة الأخرى في الآية بكسر اللام على أنها لام تعليل (ولـِيَحكم) أي : وآتيناه الإنجيل لِيَحكم أهلُ الإنجيل بما فيه.، فأما بعد نزول القرآن فـ(الإنجيل) منسوخ.
قال ابن عاشور:" ولا شكّ أنّ هذا الأمر سابق على مجيء الإسلام ، فهو ممّا أمر الله به الّذين أرسل إليهم عيسى من اليهود والنّصارى ، فعلم أنّ في الجملة قولاً مقدّراً هو المعطوف على جملة { وآتيناه الإنجيل } ، أي وآتيناه الإنجيل الموصوف بتلك الصّفات العظيمة ، وقلنا : ليحكم أهل الإنجيل ، فيتمّ التّمهيد لقوله بعده { ومن لم يحكم بما أنزل الله } ، فقرائن تقدير القول مُتظافِرة من أمور عدّة" [18]. وقال سيد قطب :"وقد جعل الله في الإنجيل هدى ونورا وموعظة للمتقين ، وجعله منهج حياة وشريعة حكم لأهل الإنجيل .أي إنه خاص بهم ، فليس رسالة عامة للبشر - شأنه في هذا شأن التوراة وشأن كل كتاب وكل رسالة وكل رسول ، قبل هذا الدين الأخير - ولكن ما طابق من شريعته - التي هي شريعة التوراة - حكم القرآن فهو من شريعة القرآن . كما مر بنا في شريعة القصاص . وأهل الإنجيل كانوا إذن مطالبين أن يتحاكموا إلى الشريعة التي أقرها وصدقها الإنجيل من شريعة التوراة : ( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ) "[19].
وهناك أمر مهم نبه عليه أكثر من عالم أبي زهرة وهو أنه لو فرضنا عدم تقدير كلمة (قلنا) ، فإن الكلام لا يدل على بقاء شريعة الإنجيل للنصارى ، وذلك لأنه بعد بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صاروا هم أهل القرآن؛ لأنهم هم الذين يخاطبون برسالته ومعهم غيرهم من الخليقة ، فكل الذين يدركون نبيا هم أهل رسالته التي يخاطبون بها ، لا فرق بين قريب دان ، فـ"أهل الإنجيل" توحي أن العمل بالإنجيل محدود ، والسياق يدل على ذلك دلالة بينة ويدعم هذا الفهم ، فقد أخبرتنا الآيات أنه سبحانه أنزل التوراة للذين هادوا فهذا يدل على أنها محدودة المدة في العمل والعمل بها مقصور عليهم ، ثم قال سبحانه { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46)}ثم قال سبحانه { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} فالسياق بل النص الواضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه مأمورون بالحكم بالقرآن الكريم لأن الإنجيل مدته محدودة لأهل الإنجيل كما كانت مدة الذين هادوا كذلك فشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد نسخت ما يخالفها مما سبقها ، إذ شريعة القرآن هي المهيمنة على ما عداها ، كما قال تعالى : { وأنزلناك إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه } ، وهذه الهيمنة توجب العمل بما أقره القرآن ، وبطلان العمل بما نسخه منها، وأما أحكامُ الإنجيل المنسوخةُ فليس الحكمُ بهما حكماً بما أنزل الله فيه بل هو إبطالٌ وتعطيلٌ لما أنزل الله ، إذ الإنجيل شاهدٌ بنسخ هذه الأحكام وانتهاءِ وقت العمل بها ، لأن شهادة الإنجيل بصحة القرآن شهادة بنسخها ، وبأن الأحكام التي يرتضيها الله هي أحكام ما بشر به الإنجيل وهو القرآن الذي شهد الإنجيل بصحته.
[h=3]القول الثاني:[/h] قالوا هذا أمر لأهل الإنجيل بعد نزول القرآن الكريم أن يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم عملا بالبشرى التي في الإنجيل، { وَليَحْكُمْ أَهْلُ الإنجيل بِمَا أَنزَلَ الله فِيهِ } أمرٌ مبتدأٌ لهم بأن يحكموا ويعملوا بما فيه من الأمور التي من جملتها دلائلُ رسالتِه عليه الصلاة والسلام وشواهدُ نبوته وما قرَّرت الشريعة الشريفةُ من أحكامه ، وأما أحكامُه المنسوخةُ فليس الحكمُ بهما حكماً بما أنزل الله فيه بل هو إبطالٌ وتعطيلٌ له ، إذ هو شاهدٌ بنسخها وانتهاءِ وقت العمل بها ، لأن شهادته بصحة ما ينسَخُها من الشريعة شهادةٌ بنسخها ، وبأن أحكامَه ما قرَّرتْه تلك الشريعةُ التي شهد بصحتها كما سيأتي في قوله تعالى : { قُلْ يا أهل الكتاب لَسْتُمْ على شَيء حتى تُقِيمُوا التوراة والإنجيل } [ المائدة ، الآية 67 ] الآية .
أبو السعود وابن كثير والآلوسي والقاسمي
الراجح : هو الأول الذي عليه الجمهور ويعضده قراءة كسر اللام ، والسياق .
وعلى كل الأقوال ، يتضح أن ما استدل به الذين يجيزون لأهل التثليث من النصارى واليهود أن يعملوا بكتابهم بعد نزول القرآن ، وقالوا : لا يلزمهم العمل بالقرآن ـ يتضح أن هذا القول باطل عاطل لم يقل به أحد من علماء المسلمين قبل زماننا وليس عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا نقل عن أحد.
[h=2]الدليل الثالث عشر: أن النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَاتَلَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى،[/h] وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ، وَلَوْلَا أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ، و القرآن أمر بقتالهم[20] { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} التوبة
[h=2]الدليل الرابع عشر: أن هذه القول خارق لإجماع علماء المسلمين، [/h]لم يسبقهم إليه أحد إلا أحد روايتين عن العنبري[21] وهو محجوج بمخالفة إجماع من قبله ومن بعده[22]، وصحح كثير من العلماء أن كلامه ليس في ِتَصْدِيقِ الرُّسُلِ وَإِثْبَاتِ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ الصَّانِعِ، فَالْمُخْطِئُ فِيهِ غَيْرُ مَعْذُورٌ عنده أيضا .
[h=2]الدليل الخامس عشر:جميع الأنبياء أخذ عليهم وعلى أممهم الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم .[/h] جميع الأنبياء أخذ عليهم الميثاق الغليظ المشدد أنه إذا بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به وينصروه أو إذا بعث نبي بعدهم أن يؤمنوا به على اختلاف الرأيين في تفسير الآية الآتية ، وهذا في الحقيقة عهد لأتباع الأنبياء ، فالأنبياء وأتباعهم مأخوذ عليهم العهد بالإيمان بنبينا ، لأن الله سبحانه كان يرسل الأنبياء لأقوامهم ، فإذا جاء رسول آخر فالمتوقع أن يتمسك كل بدينه القديم ، فلأجل أن لا يحصل هذا ، أخذ الله الميثاق على كل نبي أنه إذا بعث الله نبيا آخر أن تتبعه أنت ومن معك ، والمراد الحقيقي أمته ، تأكيدا لوجوب اتباعه ، لأجل أن لا يعملوا كما عمل اليهود مع سيدنا عيسى وكما عمل اليهود والنصارى مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وليس المراد فقط أن يؤمنوا به بل أن يتبعوه اتباعا تاما وأعظم ذلك أن ينصروه .
{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)} آل عمران
وهذه الآية الكريمة لو لم يوجد غيرها في الرد على من يقول: يجوز أن يبقى اليهود والنصارى وغيرهم على دينهم أو أنه لا يجب عليهم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم بل يكفي الايمان به ـ أقول لو لم يوجد غير هذه الآية في الرد عليهم لكفت ولأخرست كل ناعق ، فهي نص صريح جدا لا يقبل مثل هذه الاحتمالات والترهات التي يقولها هؤلاء ويرد عليهم ردا مسكتا .
وزيادة في البيان أذكر تفسر الآية حتى تتضح اتضاحا تاما، تكون ختام الأدلة والقول الفصل في موضوعنا.
[h=3]علاقة الآية بما قبلها ومقصودها :[/h]بين سبحانه وتعالى فيما مضى من سورة آل عمران أن التولي عن الرسل كفر، و بين أحوال اليهود الذين عاصروا الرسالة المحمدية ،وكيف كانوا يتعصبون لما عندهم ، وينكرون رسالة النبي صلى الله عليه وسلم تشددا في التمسك بما عندهم ، فهم يقولون: نؤمن بما أنزل علينا ، فبين الله سبحانه خطأهم في هذا ، وأن الله تعالى أخذ الله الميثاق من جميع الأنبياء وأممهم أن يؤمنوا بكل نبي يأتيهم تأخر عنهم وينصروه([23])، وأشهدهم عليه، فمهما جاءهم رسول مصدق لما معهم ومهما أوتي من علم وحكمة ورسالة وإن عظم أمره وبلغ أن يؤمنوا به وينصروه ، وأخذ الميثاق منهم على ذلك ، وحكم تعالى بأن من تولى عن ذلك الميثاق ولم يعمل به كان من الفاسقين ، وهذا لكي لا يرفض أحد رسالة النبي الذي يأتي ناسخا لشرع من قبله لكن اليهود والنصارى لم يوفوا بهذا الميثاق وكفروا بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاءهم مصدقا لما معهم ، وهذا يدل على ظلمهم وعنادهم ، فبدل أن يؤمنوا به وينصروه كما أخذ الميثاق عليهم خالفوه وحاربوه وحرفوا ، وكانوا أول كافر به ، وما وفوا بالعهد والميثاق، الذي يصور حقيقة الترابط بين موكب الرسل والرسالات متصلا متساندا مستسلما ، ينتدب لها المختار من عباد الله ؛ ثم يسلمها إلى المختار بعده اللاحق به، و الوحدة في الرسالة الإلهية ينبني عليه فسوق من يتولى عن اتباع آخر الرسالات ،لقد أخذ الله - سبحانه - موثقا رهيبا جليلا كان هو شاهده وأشهد عليه رسله ، موثقا على كل رسول، والتعبير القرآني يطوي الأزمنة المتتابعة بين الرسل ؛ ويجمعهم كلهم في مشهد ، والله الجليل الكبير يخاطبهم جملة : هل أقروا هذا الميثاق وأخذوا عليه عهد الله الثقيل : هذا المشهد الهائل الجليل ، يرسمه التعبير ، فيجف له القلب ويجب لكن هؤلاء اليهود والنصارى كانوا على نقيض هذا الميثاق.
[h=3]إذ:[/h]الظرف منصوب بفعل مقدر مخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم أي : اذكر يا محمد وقت أن أخذ الله الميثاق من النبيين .
{ وَإذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِيّنَ }:
أخذ الله ميثاق جميع النبيين الذي أعطوه لله سبحانه في الإيمان بالرسول الذي يأتي من بعدهم ، أو بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فلما لزمهم ذلك فأولى أن يلزمهم بواسطتهم بل هم المقصودون أصالة إذ كل أمة يجب أن تصدق بما جاءها به نبيها ، بدليل قوله : { فمن تولّى بعد ذلك } إلخ إذ لا يجوز على الأنبياء التولّي والفسق وهذا الوصف لا يليق بالأنبياء عليهم السلام وإنما المقصود أممهم ، وإنما أخذ على الأنبياء أنفسهم تغليظا على أممهم وتأكيدا ليَكون هذا الميثاق محفوظاً لدى سائر الأجيال مراعى يشعر بعظمته كل أحد ، والعهد مع المتبوع عهد مع التابع ، فميثاق النبيين على ظاهره من أخذ الميثاق على النبيين بذلك والمقصود أصالة أممهم من باب أولى ، وأيضا هذا أعلى وأشرف لقدره صلى الله عليه وسلم من أخذه على أممهم وأقوامهم.
الميثاق: العقد المؤكد المحكم بيمين المؤكد تأكيدا كثيرا بحيث يربط ويوثق الذي يعطيه نفسه به ويجعل الذي أمامه يثق بما يقول ويعتمد عليه فيوجب أمنا شديدا ووثوقا واطمئنانا ، مأخوذ من الوثاق، وهو ما يشد به ويوثق.
لما آتيتكم :
في اللام قراءتان: بالفتح (لَمَا) وهي قراءة أكثر القراء، وبالكسر (لِما) وهي قراءة حمزة
أولا: توجيه قراءة الفتح:
في توجيه فتح اللام قولان:
[h=3]القول الأول:[/h] اللام في (لما) ابتدائية ، و(ما): اسم موصول مبتدأ ، و(آتيتكم) صلة الموصول، والعائد على الموصول محذوف والتقدير : لما آتيتكموه ، وخبره قوله: { لتؤمنن به }، والتقدير : للذي آتيتكموه من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم ـ لتؤمنن به ، وفي لتؤمنن به لام القسم لأنّ أخذ الميثاق في معنى اليمين ، والمجموع بيان للميثاق المأخوذ، والمعنى : للذي آتيتكموه من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم آمنتم به ونصرتموه البتة .
[h=3]القول الثاني:وهو الأصح[/h](ما): شرطية ، فتكون في محل نصب على المفعول به للفعل بعدها ، (آتيتكم )، و(آتيتكم): فعل الشرط في محل جزم ، وهذا الفعل مستقبل معنى لكونه في حيز الشرط ، و{ ثم جاءكم } في محل جزم بالعطف على { ءاتيتكم } ، اللام في (لما): موطئة للقسم تشعر بأن في الكلام قسما تضمنته سابقها ، وجملة القسم (لتؤمنن): سادة مسد سادّ مسد ّجواب القسم والشرط جميعاً ؛ واللام في قوله { لتؤمنن به } واقعة في جواب القسم لأن أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف وهو كما تقول في الكلام : أخذت ميثاقك لتفعلن كذا ، كأنك قلت استحلفك ، والمعنى لئن آتيتكم ومهما آتيتكم شيئا من كتاب وحكمة وإن عظم أمره وبلغ أيّ مبلَغ ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ، فالأساس في الموافقة أنه إن جاء كتاب الرسالة ،وشريعتها التي هي حكمتها الحاكمة هو أن تؤمنوا بكل رسول يجئ بعدكم مصدقا لما معكم كإيمانكم بكتابكم ، وجعل (ما) شرطية أحسن لأن دخول اللام الموطئة على الشرطية أشهر ، والمعنى عليه أسلس وأوضح ، والشرط في موارد المواثيق أعرف.
وهو اختيار سيبويه والمازني والزجاج الواحدي الزمخشري .
ثانيا : القراءة الثانية بكسر اللام :
اللام للتعليل علّل جواب القسم { لتؤمنن}، أي لتؤمنن لأجل كذا وهي حرف جر متعلق بقوله : { لتؤمننّ به }.
و(ما) عليه :
أ) إما موصولة: والتقدير عليه : أخذ الله سبحانه وتعالى الميثاق على النبيين لتؤمنن به ولتنصرنه لأجل الكتاب الذي نزل عليكم والحكمة التي علمكم إياها ، شكراً على ما آتيتُكم ، لأن من يؤتى الكتاب والحكمة فإن اختصاصه بهذه الفضيلة يوجب عليه تصديق سائر الأنبياء والرسل لأنهم الأفاضل ، وخيار الناس، { لتؤمنن} بأنه من شكر نعمة الإيتاء والتصديق .
ب) أو مصدرية : والتقدير عليه: أخذ الله ميثاقهم لتؤمنن بالرسول ولتنصرنه ، لأجل أني آتيتكم الحكمة ، وأن الرسول الذي آمركم بالإيمان به ونصرته موافق لكم غير مخالف أي لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب ، ثم مجيء رسول مصدق له أخذ الله الميثاق لتؤمنن به ولتنصرنه .
مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ
(مِن): بيان للموصول وصلتِه ، دخلت تبيينا (لما) كقولك : ما عندي من القمح رطل ، وهذا خاتم من فضة ، وهي تفيد فائدتين في مثل هذا السياق :البيان والتعميم ، مثل { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ}، ويكون على المعنى هذا تقديره : إن الله تعالى قال لهم : مهما أو إن أوتيتم كتابا وحكمة وإن عظم أمره وبلغ ما بلغ، ثم يجيئكم به رسول مصدق لما معكم من ذلك الكتاب والحكمة ، والله لتؤمنن به ، ولتنصرنه . فأقروا بذلك ، وأعطوا عليه مواثيقهم[SUP] ،، [/SUP]وعبارة ابن كثير والمنار والمراغي[24] تشير للسر البلاغي في التعبير بـ(ما) وتنكير كتاب وحكمة حيث قال ابن كثير :" يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم ، عليه السلام ، إلى عيسى ، عليه السلام ، لَمَهْمَا آتى الله أحدَهم من كتاب وحكمة ، وبلغ أيّ مبلَغ ، ثم جاءه رسول من بعده ، ليؤمنَنَّ به ولينصرَنَّه ، ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته"[25] ، وقال رشيد رضا :"وهي أن الله تعالى أخذ الميثاق على جميع النبيين وعلى أتباعهم بالتبع لهم بأن ما يعطونه من كتاب وحكمة وإن عظم أمره فالواجب عليهم أن يؤمنوا بمن يرسل من بعدهم مصدقا لما معهم منه وأن ينصروه"[26].
والحكمة: إتقان العلم ومعرفة الحقائق على ما هي عليه دون غلظ ولا اشتباه وإجراء الفعل على وفق ذلك العلم ، و الإصابة في القول والعمل ووضع كل شيء موضعه، بحيث يحفظهم في صراطي معاشهم ومعادهم من الزيغ ، ومن ذلك العِلم بالله ودقائق شرائعه ومعاني كتابه وتفصيل مقاصده ، وما تكمل به النفوس من المعارف والأحكام وأسرار الشريعة ومقاصدها ، مأخوذة من الحَكَمة – بالتحريك – وهي ما أحاط بحنكي الفرس من اللجام لمنعه من الانحراف والزيغ ، وفي ذلك معنى ما يضبط به الشيء ، و الحكمة تمنع صاحبها من الوقوع في الغلط والضلال.
فحاصل الكلام أنه - تعالى - أوجب على جميع الأنبياء الإيمان بكل رسول جاء مصدقا لما معهم ، ولا شك أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم قد جاء مصدقا لما معهم فوجب على الجميع أن يؤمنوا به " .
[h=3] ثُمَّ :[/h]للتراخي الزمني ، أي مهما تراخى مجيء الرسول لا بد من الإيمان به فلا يقال نحن من ألف سنة على هذا الشرع فكيف نغيره ، فـ(ثم) لدفع شبهتهم من أنهم على شرعهم من قديم .
[h=3]جَاءَكُمْ رَسُولٌ [27][/h]أي من عندي، ثم وصفه بما يعلم أنه من عنده (مصدق لما معكم)، وذلك بأن أتى بدين وكتاب موافق لما معكم في العقائد، والأخلاق ، والأصول.
وأضاف الرازي والخازن وجها آخر في التصديق وهو : أن الله وصفه في كتب الأنبياء المتقدمة وشرح فيها أحواله فإذا جاءت صفاته وأحواله مطابقة في كتبهم المنزلة فقد صار مصدقاً لها فيجب الإيمان به والانقياد
[h=3]وفي المراد بالرسول قولان :[/h]القول الأول: المراد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أخذ الله ميثاق النبيين أجمعين أن يؤمنوا بمحمد عليه السلام وينصروه إن أدركوه ، وينصره إن أدركه ، وتضمن ذلك أخذ هذا الميثاق على أمم الأنبياء ، فأمرهم أن يأخذوا بذلك الميثاق على أممهم ليؤمنن به ولئن بعث وهم أحياء لينصرنه ، وهذا احتجاج على اليهود ، قال عليّ كرّم الله وجهه :" ما بعث الله نبياً إلاَّ أخذ عليه العهد في محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمره بأخذ العهد على قومه فيه بأن يؤمنوا به وينصروه إن أدركوا زمانه[28]" وهذا غاية التشريف للرسول عليه السلام ، ، فهو أوحد الكافة في الرتبة ،
واللفظ وإن كان نكرة فالإشارة إلى معين، والتنكير للتعظيم والوحدة وليس للجنس ، كقوله تعالى : " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة " إلى قوله : " ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه "
اختاره : علي وابن عباس وقتادة والسدي و ابن جزي والقرطبي و الواحدي وأبو حيان ابن الجوزي. أبوا علي الجبائي الهواري ، وأبومسلم والطبرسي و القشيري .
ويرد على هذا القول إشكال بناء على أن الميثاق قد أخذ على النبيين أنفسهم وهو أن هذا الرسول ما جاء في عصر أحد منهم . وكان الله تعالى يعلم ذلك عند أخذ الميثاق عليهم لأن علمه أزلي أبدي . وأجيب عنه بأنه ميثاق مبني على الفرض أي إذا فرض إن جاءكم وجب عليكم الإيمان به ونصره .
ويكون المراد منه بيان مرتبته صلى الله عليه وسلم مع النبيين إذا فرض أن وجد في عصرهم ، وهو أنه يكون الرئيس المتبوع لهم ، فما قولك إذاًفي أتباعهم لاسيما بعد زمنهم ؟ وإنما كان له صلى الله عليه وسلم هذا الاختصاص ؛ لأن الله تعالى قضى في سابق علمه بأن يكون هو خاتم النبيين الذي يجيء بالهدى الأخير العام الذي لا يحتاج البشر بعده إلى شيء معه سوى استعمال عقولهم واستقلال أفكارهم ، وأن يكون ما قبله من الشرائع التي يجيئون بها هداية موقوتة خاصة بقوم دون قوم.
[h=3]القول الثاني:[/h]أخذ العهد على كل نبي أن يؤمن بمن يأتي بعده من الأنبياء وينصره إن أدركه ،فإن لم يدركه أن يأمر قومه بنصرته إن أدركوه، فأخذ الميثاق من موسى أن يؤمن بعيسى ، ومن عيسى أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، فأخذ ميثاق الأول من الأنبياء أن يؤمن بما جاء به الآخر وينصره ، وعلى هذا أيضا يجب عليهم أن يؤمنوا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه خاتمهم ، فكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لو أدركوه لوجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته ، وكان هو إمامهم ومقدمهم ومتبوعهم، فهذا لا يضاد القول الأول ولا ينفيه ، بل يستلزمه ويقتضيه .
وهذا قول سعيد بن جبير والحسن البصري وطاووس وقتادة والسعدي الشوكاني .
مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ:
المراد به حصول الموافقة في التوحيد ، والنبوات ، وأصول الشرائع .
وأيضا يدخل في هذا التصديق أن وصفه صلى الله عليه وسلم وكيفية أحواله مذكورة في التوراة والإنجيل ، فلما ظهر على أحوال مطابقة لما كان مذكورا في تلك الكتب ، كان نفس مجيئه تصديقا لما كان معهم .
لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ.
{ لتؤمنن به } أي أنتم وأممكم { ولتنصرنه } أي على من يخالفه .
قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ
الإقرار هنا مستعمل في معنى التحقيق بالوفاء مما أخذ من الميثاق ، { قال ءأقررتم } أي يا معشر النبيين أأقررتم بالإيمان به والنصرة له.
ومادة (ق، ر، ر): الإقرار والقرار والقرّ والقارورة ونحو ذلك : من السكون والثبوت ، يقال: قرَّ الشيءُ يقرُّ : إذا ثبت ولزم مكانه والمقر بالشيء يقره على نفسه أي يثبته ، وأقره غيره، زيدت عليه همزة التعدية ، فقيل أقر الشيءَ :إذا أثبته و نطق بما يدل على ثبوته .
وَأَخَذْتُمْ :
الأخذ التناول ، والمراد القبول وهو غايته؛ لأن آخذ الشيء يقبله ، وهو مستعمل كذلك في التنزيل قال تعالى : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) } [ البقرة : 48 ]
عَلَى ذَلِكُمْ: العهد المعظم بالإشارة بأداة البعد وميم الجمع.
إِصْرِي :
(الإصر): عقد الشيء وحبسه بقهره وبثقل ، واشتقاقه من الإصار بكسر الهمزة وهو: ما يعقد ويشدّ مع ثقل ،يقال أصرته فهو مأصور" والمأصَر: محبس السفينة ،(إصري) ميثاقي الشديد المؤكد الموثق الثقيل الذي يحبس صاحبه ويشده ويعقده ويمنعه من التهاون فيما التزمه وعاهد عليه ، سمي بذلك لما فيه من الثقل ، فإنه يشد في نفسه بالتوثيق ويشتد بعد كونه على النفوس لما لها من النزوع إلى الإطلاق عن عهد التقيد بنوع من القيود.
قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا
{ قالوا أقررنا } أي : قبلنا ما أمرتنا به على الرأس والعين.
{ قال } الله لهم : { فاشهدوا } على أنفسكم وعلى أممكم بذلك
· والشهادة على أنفسهم : بمعنى التوثق والتحقيق، أي: ليجعل كل أحد نفسه شاهدا على نفسه ، ونظيره قوله
{ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا } [ الأعراف : 172 ] وهذا من باب المبالغة .
· والشهادة على أممهم: بتبليغ ذلك الميثاق .
· {وأنا معكم من الشاهدين}: الله شاهد على الجميع كما شهد النبيون على الأمم، وهذا تأكيد للعهد بشهادة رب العزة جل جلاله وتقوية الإلزام ، وتحذير من الرجوع إذا علموا شهادة الله.
ثم إنه تعالى ضم إليه تأكيدا آخر فقال : { فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}.
فمن تولى بعد ذلك:
حذف (من) فلم يقل من بعد ذلك يدل على أمرين:
الأمر الأول: أن التهديد لمن تولى بعد تقرر الميثاق والتوكيد والإقرار بأن أعرض عن الإيمان بهذا الرسول وبنصرته .
الأمر الثاني: تعميم التهديد لكل من يتولى في جميع مدة ما بعد الميثاق فتشمل جميع الأمم التي تأتي بعد.
والكلام في الظاهر للأنبياء لكنه في الحقيقة لأتباعهم ، فكأن المعنى قوله : { فمن تولى بعد ذلك } أي من تولّى مِمن شهدتم عليهم ، وهم الأمم ، ولذلك لم يقل فمن تولّى بعد ذلك منكم كما قال في الآية التي خوطب فيها بنو إسرائيل في سورة [ المائدة : 12 ] : { فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضلّ سواء السبيل } -فلو أن أحداً بعد كلّ هذا التأكيد على أخذ المواثيق والعهود المؤكّدة أعرض عن الإيمان بنبيّ كنبيّ الإسلام محمد الذي بشرت به الكتب القديمة وذكرت علائمه ، فهذا المعرض فاسق وخارج على أمر الله تعالى، ونعلم أن الله لا يهدي الفاسقين المعاندين ، كما ، ومن لا يكون له نصيب من الهداية الإلهيّة ، فإن مصيره إلى النار .
قال الفخر الرازي:" { فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } يعني من أعرض عن الإيمان بهذا الرسول وبنصرته بعد ما تقدم من هذه الدلائل كان من الفاسقين ووعيد الفاسق معلوما " [29] .
قال سيد قطب:" وفي ظل هذه الحقيقة يبدو الذين يتخلفون من أهل الكتاب عن الإيمان بالرسول الأخير صلى الله عليه وسلم ومناصرته وتأييده ، تمسكا بدياناتهم - لا بحقيقتها فحقيقتها تدعوهم إلى الإيمان به ونصرته ، ولكن باسمها تعصبا لأنفسهم في صورة التعصب لها ! - مع أن رسلهم الذين حملوا إليهم هذه الديانات قد قطعوا على أنفسهم عهدا ثقيلا غليظا مع ربهم في مشهد مرهوب جليل . . في ظل هذه الحقيقة يبدو أولئك الذي يتخلفون فسقة عن تعليم أنبيائهم . فسقة عن عهد الله معهم . فسقة كذلك عن نظام الكون كله المستسلم لبارئه ، الخاضع لناموسه ، المدبر بأمره ومشيئته "[30].
[h=2]الدليل السادس عشر[31]: أن الله تعالى أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم[/h]و جعل المتولي عنه كافرا وعلق حب الله سبحانه على طاعته صلى الله عليه واتباعه
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)}آل عمران
قال أبو السعود: "{{قُلْ أَطِيعُواْ الله والرسول} أي في جميع الأوامرِ والنواهي فيدخلُ في ذلك الطاعة في اتباعِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ دخولاً أولياً ، وإيثارُ الإظهار على الإضمار بطريق الالتفات لتعيين حيثية الإطاعة ، والإشعارِ بعلّتها فإن الإطاعة المأمورَ بها إطاعته عليه الصلاة والسلام من حيث إنه رسولُ الله لا من حيث ذاتُه ولا ريبَ في أن عنوان الرسالة من موجبات الإطاعةِ ودواعيها.
{فَإِن تَوَلَّوْاْ} إما من تمام مقولِ القول فهي صيغة المضارعِ المخاطَب بحذف إحدى التاءين أي تتولوا وإما كلام متفرِّعٌ عليه مَسوقٌ من جهتِه تعالَى فهي صيغةُ الماضي الغائب وفي ترك ذكر احتمال الإطاعة كما في قوله تعالى فَإِنْ أَسْلَمُواْ تلويحٌ إلى أنه غيرُ محتمَلٍ منهم
{فَإِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الكافرين} نفي المحبة كنايةٌ عن بغضه تعالى لهم وسُخطِه عليهم أي لا يرضى عنهم ولا يثني عليهم وإيثارُ الإظهارِ على الإضمار لتعميم الحكمِ لكل الكفَرَة والإشعار بعلّته فإن سخطه تعالى عليهم بسبب كفرهم ، والإيذان بأن التولّيَ عن الطاعة كفرٌ وبأن محبته عز وجل مخصوصة بالمؤمنين"."[32]
[h=2]الدليل السابع عشر: القرآن نص على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل للناس جميعا [/h]لم يستثن أحدا بل أتى بألفاظ العموم (جميعا)، (كافة) وحصر الفلاح بمتبعه.
{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ([33] آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} الأعراف
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} سبأ
والحقيقة أن أدلة هذا الموضوع لا تنتهي ، ومن أراد استقصاءها لاحتاج إلى مجلدات كثيرة ، ففيما ذكرنا كفاية لمن طلب الحق منصفا .
*************
[h=2] مسألة مهمة: [/h]بقيت مسألة مهمة وهي أن علينا أن نفرق بين المسألة التي بحثناها وهي أنه يجب على اليهود والنصارى وجميع الفرق الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم والقرآن واتباعهما ، وأنه من يكفر به من الأحزاب فالنار موعده، وأنه لا يسمع يهودي ولا نصراني بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن إلا دخل النار، وبين مسألة أخرى تختلف عنها وهي حكم من لم تبلغه الدعوة ، وحكم أطفال المشركين والنصارى ، وهما مسألتان مختلفتان تماما ، وإليك قول العلماء في المسألة الثانية:
قال علي القاري في شرح حديث: " أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»"
قوله: (إِلَّا كَانَ) ] أَيْ: فِي عِلْمِ اللَّهِ، أَوْ بِمَعْنَى يَكُونُ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْمُضِيِّ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ [ (مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) ] أَيْ مُلَازِمِيهَا بِالْخُلُودِ فِيهَا، وَأَمَّا الَّذِي سَمِعَ وَآمَنَ فَحُكْمُهُ عَلَى الْعَكْسِ، وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَسْمَعُ وَلَمْ يُؤْمِنْ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْوَعِيدِ[34].
وقال الإمام النووي: في الحديث نسخ الملل كلها برسالة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وفي مفهومه دلالة على أن من لم يبلغه دعوة الإسلام فهو معذور"[35].
خلاصة الأقوال في الذي لم تبلغه الدعوة :
من لم تبلغه الدعوة في مصيرهم ثلاثة أقوال هي:
1 - من مات ولم تبلغه الدعوة مات ناجيًا.
2 - من مات ولم تبلغه الدعوة فهو في النار.
3 - من مات ولم تبلغه الدعوة فإنه يمتحن بنار في عرصات يوم القيامة.
1) والقول الأول: قال به الأشاعرة من أهل الكلام والأصول، وبعض الشافعية من الفقهاء قال عضد الدين الإيجي في المواقف:" وَأما من نَشأ على شَاهِق جبل وَلم تبلغه دَعْوَة نَبِي أصلا فَإِنَّهُ مَعْذُور عِنْد الإشاعرة فِي ترك الْأَعْمَال وَالْإِيمَان أَيْضا"[36]
2) والقول الثاني: وهو أن من مات ولم تبلغه الدعوة فهو في النار.
قال به المعتزلة وجماعة من الحنفية الماتوريدية وكذا قال البقاعي و عبد الله الحليمي لكن مع الاختلاف في طريقة الاستدلال عليه[37].
قالوا بأنهم مكلفون وإن لم يرسَل إليهم رسول، وعليهم أن يستدلوا بعقولهم، فما استحسنه العقل فهو حسن، وما قبحه العقل فهو قبيح. وإن الله سبحانه يعذب في النار من لم يؤمن وإن لم يرسَل إليه رسول لقيام الحجة عليه بالعقل، وهذا يدل على أن هناك ثوابًا وعقابًا قبل بلوغ الدعوة وبعثة الرسل.
3) والقول الثالث: وهو أن من لم يسمع بالدعوة كأهل الفترة يُمتحنون في عرصات القيامة بنار يأمرهم الله سبحانه وتعالى بدخولها، فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا، ومن لم يدخلها فقد عصى الله تعالى، فيدخله الله فيها.اختاره : ابن تيمية ، وابن القيم ، و ابن كثير ، محمد أمين الشنقيطي.
************
[h=3]حكم أطفال المشركين:[/h]وقال النووي : "أجمع من يُعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة"[38].
قال الشيخ شعيب في تحقيق العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم:
المذهب الصحيح المختار عند المحققين من أهل العلم أن أطفال المشركين الذين يموتون قبل الحنث هم من أهل الجنة[39].
[h=1]المراجع[/h]ابن أبي زمنين ، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى المري المالكي ،"تفسير القرآن العزيز" ، طبع محققا عام 1423 هـ دار الفاروق الحديثة القاهرة .
ابن الأنباري، عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنصاري، أبو البركات، كمال الدين الأنباري (المتوفى: 577هـ)، "الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين: البصريين والكوفيين"، المكتبة العصرية، ط: الأولى 1424هـ- 2003م
ابن الشجري ، ضياء الدين أبو السعادات هبة الله بن علي بن حمزة، المعروف بابن الشجري (المتوفى: 542هـ) "ما لم ينشر من الأمالي الشجرية" تحقيق: الدكتور حاتم صالح الضامن، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى، 1405 هـ - 1984 م
ابن العربي، القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر المعافري الاشبيلي المالكي (المتوفى: 543هـ)، "أحكام القرآن"، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا،: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 2003.
ابن القيم ، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، تحقيق: محمد حامد الفقي، مكتبة المعارف، الرياض، المملكة العربية السعودية.
ابن القيم، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)، "هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى"، تحقيق: محمد أحمد الحاج.دار القلم- دار الشامية، جدة – السعودية، ط: الأولى، 1416هـ - 1996م
ابن الهائم : أحمد بن محمد بن عماد الدين بن علي، أبو العباس، شهاب الدين، (المتوفى: 815هـ)، "التبيان في تفسير غريب القرآن"، تحقيق: د ضاحي عبد الباقي محمد، دار الغرب الإسلامي – بيروت، ط: الأولى - 1423 هـ
ابن الوزير، محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني (المتوفى: 840هـ)ي، أبو عبد الله، عز الدين، من آل الوزير (المتوفى: 840هـ)، "العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم" حققه وضبط نصه، وخرج أحاديثه، وعلّق عليه: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط: الثالثة، 1415 هـ - 1994 م.
ابن تيمية : تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728هـ)" الرد على المنطقيين"، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
ابن تيمية ، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728هـ)، " الفتاوى الكبرى ، دار الكتب العلمية، ط الأولى، 1408هـ - 1987م
ابن جزي، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، الكلبي الغرناطي (المتوفى: 741هـ)، "التسهيل لعلوم التنزيل"،تحقيق: الدكتور عبد الله الخالدي، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم – بيروت، 1996.
ابن حزم ، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456هـ)، " الفِصَل في الملل والأهواء والنحل" مكتبة الخانجي - القاهرة
ابن سيده : أبو الحسن علي بن إسماعيل المرسي [ت: 458هـ، "المحكم والمحيط الأعظم" تحقيق : عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية – بيروت، ط: الأولى، 1421 هـ - 2000
ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر التونسي (المتوفى: 1393هـ)، "التحرير والتنوير " «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»، الدار التونسية للنشر – تونس، سنة النشر: 1984 هـ
ابن عجيبة ، : أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي الحسني، الأنجري الفاسي الصوفي (المتوفى: 1224هـ، " البحر المديد في تفسير القرآن المجيد" تحقيق: أحمد عبد الله القرشي رسلان، ط دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الثانية 1423 هـ - 2002 م.
ابن عجيبة، أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي الحسني الفاسي (المتوفى: 1224هـ)، " البحر المديد في تفسير القرآن المجيد "، تحقيق: أحمد عبد الله القرشي رسلان، الناشر: الدكتور حسن عباس زكي – القاهرة، 1999.
ابن عطية، أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام الأندلسي المحاربي (المتوفى: 542هـ)، "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز"، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية – بيروت، 2001.
ابن عقيل، عبد الله بن عبد الرحمن العقيلي الهمداني المصري (المتوفى : 769هـ) ،" شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك"، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار التراث - القاهرة، دار مصر للطباعة ، سعيد جودة السحار وشركاه، ط: العشرون 1400 هـ - 1980 م. وأول مجلدين ، مذيلان بحاشية : منحة الجليل، بتحقيق شرح ابن عقيل.
ابن فارس، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفى: 395هـ، "معجم مقاييس اللغة"، تحقيق : عبد السلام محمد هارون، : دار الفكر، عام النشر: 1399هـ - 1979م..
ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم ب الدينوري (المتوفى: 276هـ ، "غريب الحديث" تحقيق: د. عبد الله الجبوري، مطبعة العاني – بغداد، ط: الأولى، 1397
ابن كثير ، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، "البداية والنهاية" ، تحقيق علي شيري، لناشر: دار إحياء التراث العربي، ط: الأولى 1408، هـ - 1988 م.
ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، "تفسير القرآن العظيم"، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، 1999.
ابن مالك ، جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك ت "شرح التسهيل تسهيل الفوايئد وتكميل المقاصد" حقيق محمد عبد القادر عطا وطارق فتحي السيد، دار الكتب العلمية، ط: الأولى 1422هـ .
ابن مفلح ، إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ، أبو إسحاق، برهان الدين (المتوفى: 884هـ) "المبدع في شرح المقنع"، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، ط: الأولى، 1418 هـ - 1997 م
ابن نقطة ، عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي البغدادي، موفق الدين، ويعرف بابن اللباد، وبابن نقطة (المتوفى: 629هـ) الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر، مطبعة وادي النيل، ط: الأولى، 1286 هـ
ابن يعيش، موفق الدين يعيش بن علي تحقيق أحمد السيد وإسماعيل عبد الجواد "شرح المفصل" المكتبة الوقفية .
أبو السعود، العمادي محمد بن محمد بن مصطفى (المتوفى: 982هـ)، " تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم"، دار إحياء التراث العربي – بيروت.
أبو المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد المروزى السمعاني التميمي الحنفي ثم الشافعي (المتوفى: 489هـ، "تفسير القرآن"، تحقيق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم. دار الوطن، الرياض – السعودية.
أبو جعفر، أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي، (المتوفى: 708هـ)، "ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل"، وضع حواشيه: عبد الغني محمد علي الفاسي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان
أبو حيان، محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي(المتوفى: 745هـ) ، "البحر المحيط في التفسير"، تحقيق: صدقي محمد جميل، دار الفكر – بيروت، 1999.
أبو زهرة، محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (المتوفى: 1394هـ)، "زهرة التفاسير"، دار الفكر العربي.
أبو زينة ، د منصور أبو زينة ، الحذف والذكر في المتشابه اللفظي في القرآن رسالة ماجستير.
الأزهري ، خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد الجرجاويّ الأزهري، زين الدين المصري، وكان يعرف بالوقاد (المتوفى: 905هـ)، "التصريح على التوضيح "، دار الكتب العلمية -بيروت-لبنان، ط: الأولى 1421هـ- 2000م
الأزهري ، محمد بن أحمد بن الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370هـ، تهذيب اللغة، تحقيق: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الأولى، 2001م.
الإسكافي، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأصبهاني المعروف بالخطيب (المتوفى: 420هـ)، " درة التنزيل وغرة التأويل"، دراسة وتحقيق وتعليق: د/ محمد مصطفى آيدين، جامعة أم القرى، وزارة التعليم العالي سلسلة الرسائل العلمية الموصى بها (30) معهد البحوث العلمية مكة المكرمة، 2001.
الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب (المتوفى: 502هـ)، "تفسير الراغب الأصفهاني"، تحقيق: د. محمد عبد العزيز بسيوني. الناشر: كلية الآداب - جامعة طنطا، 1999.
إطفيش، محمد بن يوسف بن عيسى، "تيسير التفسير"، وزارة التراث القومي والثقافي بسلطنة عمان، ط: 1406.
إطفيش، محمد بن يوسف، "هميان الزاد ليوم المعاد"، طبع في زنجبار.
الأعقم، أحمد بن علي، "تفسير الأعقم"، دار الحكمة اليمانية.
ألشيرازي، ناصر مكارم، "الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل"، مؤسسة النشر الإسلام، قم، نقحه د: محمد علي آذر شب.
الألوسي، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني (المتوفى: 1270هـ)، "روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني"، تحقيق: علي عبد الباري عطية. دار الكتب العلمية – بيروت، ط: الأولى، 1995.
الآمدي ، علي بن محمد بن سالم التغلبي، أبو الحسن، سيف الدين الآمدي (المتوفى: 631هـ) أبكار الأفكار في أصول الدين، تحقيق: أ. د. أحمد محمد المهدي، دار الكتب والوثائق القومية – القاهرة، ط: الثانية / 1424 هـ -2004م .
أمير عبد العزيز، التفسير الشامل" طبع بالقاهرة دار السلام 1420"
الإيجي، عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار، أبو الفضل، عضد الدين (المتوفى: 756هـ تحقيق: عبد الرحمن عميرة"المواقف" ، دار الجيل - لبنان – بيروت،ط:الأولى، 1417هـ - 1997م.
البخاري ، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله الجعفي " الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه" =" صحيح البخاري"، محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، ط: الأولى، 1422هـ.
البرسوي، إسماعيل حقي بن مصطفى الحنفي الإستانبولي الخلوتي , المولى أبو الفداء (المتوفى: 1127هـ)، "روح البيان"، دار الفكر – بيروت.
البغوي ، محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء الشافعي (المتوفى: 510هـ)، " معالم التنزيل في تفسير القرآن" = تفسير البغوي، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي –بيروت، 1999.
البقاعي، إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر (المتوفى: 885هـ)، "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور"، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.
البيضاوي، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي (المتوفى: 685هـ)، " أنوار التنزيل وأسرار التأويل"، تحقيق: محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، 1998.
التُستري، أبو محمد سهل بن عبد الله بن يونس بن رفيع (المتوفى: 283هـ)، "تفسير التستري"، جمعها: أبو بكر محمد البلدي،تحقيق: محمد باسل عيون السود، الناشر: منشورات محمد علي بيضون / دارالكتب العلمية - بيروت. 2002.
تعيلب ، عبد المنعم أحمد ، "فتح الرحمن في تفسير القرآن" الطبعة الأولى دار السلام 1416هـ .
الثعالبي، أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف (المتوفى: 875هـ)، "الجواهر الحسان في تفسير القرآن"، تحقيق: الشيخ محمد علي معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، دار إحياء التراث العربي – بيروت، 1998.
الثعلبي، أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو إسحاق (المتوفى: 427هـ)، "الكشف والبيان عن تفسير القرآن"، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، 2002.
الجاوي، محمد بن عمر نووي البنتني إقليما، التناري بلدا (المتوفى: 1316هـ)، "مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد"، تحقيق: محمد أمين الصناوي، دار الكتب العلمية – بيروت، 1997.
جبل ، محمد حسن حسن جَبَل " المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم"، مكتبة الآداب ،ط الأولى.
الجصاص، أحمد بن علي أبو بكر الرازي الحنفي (المتوفى: 370هـ)، "أحكام القرآن"، تحقيق: محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف، دار إحياء التراث العربي – بيروت، 1985.
جواد ، الدكتور جواد علي (المتوفى: 1408هـ)،" المفصل فى تاريخ العرب قبل لإسلام"، دار الساقي، ط: الرابعة 1422هـ/ 2001م،
الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد (المتوفى: 597هـ)، "زاد المسير في علم التفسير"، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي – بيروت، ط: الأولى - 1422 هـ.
الجوهري، أبو نصر إسماعيل بن حماد الفارابي (المتوفى: 393هـ ، "الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية"، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين – بيروت، ط: الرابعة 1407 هـ - 1987 م
الحلبي، أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين، "عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ"، (المتوفى: 756 هـ)، تحقيق: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمي، 1996.
الحلبي، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين (المتوفى: 756هـ)، "الدر المصون في علوم الكتاب المكنون"، لأبي العباس، شهاب الدين، تحقيق: الدكتور أحمد محمد الخراط دار القلم، دمشق.
حنبل ، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241هـ)، "مسند الإمام أحمد بن حنبل"، شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط: الأولى، 1421 هـ - 2001 م
حوى، سعيد حوّى (المتوفى 1409 هـ)، "الأساس في التفسير"، دار السلام – القاهرة، ط: السادسة، 1424 هـ.
الخازن، علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيحي أبو الحسن، المعروف بالخازن (المتوفى: 741هـ)، "لباب التأويل في معاني التنزيل"، تصحيح: محمد علي شاهين، دار الكتب العلمية – بيروت، ط: الأولى، 1415 هـ
الخالدي ، د صلاح عبد الفتاح الخالدي"تصويبات في فهم بعض الآيات"، الناشر: دار القلم – دمشق، ط: الأولى، 1407 هـ - 1987 م.
الخطيب، عبد الكريم يونس (المتوفى: بعد 1390هـ)، "التفسير القرآني للقرآن"، دار الفكر العربي – القاهرة.
الخفاجي، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر ا المصري الحنفي (المتوفى: 1069هـ)، "حَاشِيةُ الشِّهَابِ عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوِي"، الْمُسَمَّاة: عِنَايةُ القَاضِى وكِفَايةُ الرَّاضِى عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوي، دار صادر – بيروت.
الخليل، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (المتوفى: 170ه ، "العين"، تحقيق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي،دار ومكتبة الهلال.
الخليلي، أحمد بن حمد المفتي العام لسلطنة عمان، "جواهر التفسير "، مكتبة الاستقامة، ط: الأولى 1404هـ
دروزة، محمد عزت، "التفسير الحديث"، دار إحياء الكتب العربية – القاهرةن ط: 1383 هـ.
الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)، "مفاتيح الغيب = التفسير الكبير"، دار إحياء التراث العربي – بيروت، 1999.
رشيد بن علي رضا، محمد بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني (المتوفى: 1354هـ)، " تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) "، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة النشر: 1990 م
الزبيدي ، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، (المتوفى: 1205هـ)، "تاج العروس من جواهر القاموس تحقيق "، مجموعة من المحققين، دار الهداية.
الزركشي، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر (المتوفى: 794هـ) "البحر المحيط في أصول الفقه" دار الكتبي، ط: الأولى، 1414هـ - 1994م.
الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، جار الله (المتوفى: 538هـ)، "الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل"، دار الكتاب العربي – بيروت، ط: الثالثة - 1407 هـ
الزين العراقي ، أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم (المتوفى: 806هـ) "طرح التثريب في شرح التقريب" تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد، أكمله ابنه: أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين الكردي الرازياني ثم المصري، أبو زرعة ولي الدين، ابن العراقي (المتوفى: 826هـ)، "دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، ودار الفكر العربي".
السامرائي، فاضل بن صالح بن مهدي بن خليل البدري، "لمسات بيانية"، دار عمار للنشر والتوزيع، عمان – الأردن، 2003.
السعدي، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله (المتوفى: 1376هـ)، "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، ط: الأولى 1420هـ -2000 م.
السمرقندي، أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم (المتوفى: 373هـ)، "بحر العلوم"،
السمعاني ، أبو المظفر منصور بن محمد المروزي التميمي الحنفي، "تفسير السمعاني" طبع بتحقيق ياسر بن إبراهيم دار الوطن الرياض ، ط: 1418 هـ
السيوطي ، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين (المتوفى: 911هـ)، "اللمع في أسباب ورود الحديث"، مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط: الأولى، 1416 هـ / 1996 م
السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين (المتوفى: 911هـ)، " نواهد الأبكار وشوارد الأفكار" = حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي، جامعة أم القرى - كلية الدعوة وأصول الدين، 2005.
السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين (المتوفى: 911هـ)، "المزهر في علوم اللغة وأنواعها"، تحقيق: فؤاد علي منصور، دار الكتب العلمية – بيروت، ط: الأولى، 1418هـ 1998م.
شحاته ، عبد الله محمود شحاته ، "تفسير القرآن الكريم " طبع الطبعة الثانية بدارغريب بالقاهرة 2000م.
الشربيني، شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشافعي (المتوفى: 977هـ)، "السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير"، مطبعة بولاق (الأميرية)، القاهرة، 1868.
الشعراوي، محمد متولي (المتوفى: 1418هـ)، "تفسير الشعراوي" – الخواطر، الناشر: مطابع أخبار اليوم، 1997.
الشنقيطي، محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني (المتوفى: 1393هـ)، "العَذْبُ النَّمِيرُ مِنْ مَجَالِسِ الشَّنْقِيطِيِّ فِي التَّفْسِيرِ"، خالد بن عثمان السبت.
الشنقيطي، محمدالأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني (المتوفى: 1393هـ)، "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان، عام النشر: 1415 هـ - 1995 مـ
الشهرستاني ، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد (المتوفى: 548هـ) ، "الملل والنحل"، مؤسسة الحلبي.
الشوكاني، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله اليمني (المتوفى: 1250هـ)، "فتح القدير"، دار ابن كثير، - دمشق، بيروت، ط: الأولى - 1414 هـ
الشِيرازي الشَيخ نَاصِر مَكارم، : الامثل في تفسير كتابِ اللهِ المُنزَل، عدد الأجزاء : 20
الصابوني، محمد علي، " صفوة التفاسير"، دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع – القاهرة، ط: الأولى، 1417 هـ - 1997 م
صافي، محمود بن عبد الرحيم (المتوفى: 1376هـ)، "الجدول في إعراب القرآن الكريم"، دار الرشيد، دمشق - مؤسسة الإيمان، بيروت، ط: الرابعة، 1418 هـ
صالح الهاشمي ، صالح بن الحسين الجعفري أبو البقاء (المتوفى: 668هـ)، "تخجيل من حرف التوراة والإنجيل"، تحقيق: محمود عبد الرحمن قدح، مكتبة العبيكان، الرياض، المملكة العربية السعودية،ط: الأولى، 1419هـ/1998م.
الصبان ، أبو العرفان محمد بن علي الصبان الشافعي (المتوفى: 1206هـ)، "حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك"، دار الكتب العلمية بيروت-لبنان، ط: الأولى 1417 هـ -1997م.
ط: الأولى، 1426 هـ - 2005 م.
الطباطبائي، محمد حسين، "الميزان في تفسير القرآن"، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثانية 1422هـ
الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن، "مجمع البيان في تفسير القرآن"، دار الكتب العلمية، ط: الأولى 1418، بيروت.
الطبرسي، أمين الاسلام أبي علي الفضل بن الحسن ت(548 هـ) ، " مجمع البيان في تفسير القرآن والفرقان "،المجمع العالمي لأهل البيت.
الطبري، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر (المتوفى: 310هـ)، "جامع البيان في تأويل القرآن"، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط: الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
طنطاوي، محمد سيد، " التفسير الوسيط للقرآن الكريم"، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الفجالة – القاهرة، ط: الأولى. 1997-1998.
الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن ، " التبيان في تفسير القرآن"، تحقيق وتصحيح : أحمد حبيب قصير العاملي.
العاملي، محمد جواد مغنية، "التفسير الكاشف"، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة.
العسقلاني ، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد ، (المتوفى: 852هـ المحقق: عبد الحكيم محمد الأنيس ، " العجاب في بيان الأسباب"، دار ابن الجوزي.
العقرباوي ، علي هاني يوسف ، أبحاث الفرق بين (قبل ومن قبل) و(بعد ومن بعد) ، و(تحت ومن تحت) وبقية الظرف، ملتقى أهل التفسير
العلوي، الشيخ العلامة محمد الأمين بن عبد الله الأرمي العلوي الشافعي، "تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن"، مراجعة: الدكتور هاشم محمد علي بن حسين مهدي. دار طوق النجاة، بيروت – لبنان، ط: الأولى، 1421 هـ - 2001 م
الغلاييني، المؤلف: مصطفى بن محمد سليم (المتوفى: 1364هـ) " جامع الدروس العربية"، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، ط: الثامنة والعشرون، 1414 هـ - 1993 م.
الفيروزآبادي، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب (المتوفى: 817هـ، " القاموس المحيط"، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، بإشراف: محمد نعيم العرقسُوسي، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، ط: الثامنة، 1426 هـ - 2005 م
الفيومي ، محمد إبراهيم (المتوفى: 1427هـ)، تاريخ الفكر الديني الجاهلي، دار الفكر العربي، ط: الرابعة 1415هـ-1994.
القاري، علي بن سلطان محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي (المتوفى: 1014هـ)، "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"، دار الفكر، بيروت – لبنان، ط: الأولى، 1422هـ - 2002م
القاسم، أحمد عبيد الدعاس- أحمد محمد حميدان - إسماعيل محمود، " إعراب القرآن الكريم"، دار المنير ودار الفارابي – دمشق، ط: الأولى، 1425 هـ
القاسمي، ابن الوزير، محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني أبو عبد الله، عز الدين، من آل الوزير (المتوفى: 840هـ)، العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، حققه وضبط نصه، وخرج أحاديثه، وعلّق عليه: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط: الثالثة، 1415 هـ - 1994 م
القاسمي، محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق (المتوفى: 1332هـ)، "محاسن التأويل"، محمد باسل عيون السود، لدار الكتب العلميه – بيروت، ط: الأولى - 1418 هـ
القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين (المتوفى: 671هـ)، "الجامع لأحكام القرآن" = تفسير القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم اطفيش. دار الكتب المصرية – القاهرة، ط: الثانية، 1384هـ - 1964 م
القطان، إبراهيم، "تيسير التفسير"، راجعه: أحمد أبو حجلة.
قطب، سيد إبراهيم حسين الشاربي (المتوفى: 1385هـ)، "في ظلال القرآن"، دار الشروق - بيروت- القاهرة، ط: السابعة عشر - 1412 هـ
القِنَّوجي، أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري (المتوفى: 1307هـ) "فتحُ البيان في مقاصد القرآن" اعتنى به : عَبد الله بن إبراهيم الأنصَاري، المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر، صَيدَا – بَيروت، عام النشر: 1412 هـ - 1992 م
القونوي، الحافظ إسماعيل القونوي، "حاشية القونوي على البيضاوي" المكتبة المحمودية فاتح استانبول.
الكفوي، أيوب بن موسى الحسيني القريمي ، أبو البقاء الحنفي (المتوفى: 1094هـ)، " الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية"، تحقيق: عدنان درويش - محمد المصري، مؤسسة الرسالة - بيروت
لجنة من الفقهاء ، الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويتعدد الأجزاء: 45 جزءا، الطبعة: (من 1404 - 1427 هـ)، دارالسلاسل - الكويت
لجنة من علماء الأزهر، "المنتخب في تفسير القرآن الكريم، "، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر، طبع مؤسسة الأهرام، ط: الثامنة عشر، 1416 هـ - 1995 م
الماتريدي، محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور (المتوفى: 333هـ)، "تفسير الماتريدي (تأويلات أهل السنة) "، تحقيق: د. مجدي باسلوم، دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان، 2005.
الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)، "تفسير الماوردي = النكت والعيون" ، تحقيق: السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم، دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان.
المباركفوري"، أبو الحسن عبيد الله بن محمد عبد السلام بن خان محمد بن أمان الله بن حسام الدين الرحماني (المتوفى: 1414هـ)" مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"، الناشر: إدارة البحوث العلمية والدعوة والإفتاء - الجامعة السلفية - بنارس الهند، ط: الثالثة - 1404 هـ، 1984 م.
المباركفوري، أبو الحسن عبيد الله بن محمد عبد السلام بن خان محمد بن أمان الله بن حسام الدين الرحماني (المتوفى: 1414هـ)، "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"، إدارة البحوث العلمية والدعوة والإفتاء - الجامعة السلفية - بنارس الهند، ط: الثالثة - 1404 هـ، 1984 م
مجموعة من العلماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، "التفسير الوسيط للقرآن الكريم"، الناشر: الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، ط: الأولى، (1393 هـ = 1973 م) - (1414 هـ = 1993 م)
مجموعة من العلماء، " المعجم الوسيط"، إبراهيم مصطفى / أحمد الزيات / حامد عبد القادر / محمد النجار، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، دار الدعوة.
المحلي، جلال الدين محمد بن أحمد (المتوفى: 864هـ)، السيوطي، وجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (المتوفى: 911هـ)، "تفسير الجلالين"، دار الحديث – القاهرة، ط: الأولى
مخلوف ، حسنين محمد مخلوف ، صفوة البيان لمعاني القرآن ، طبع دار الرشاد الحديثة
المحتويات
المقدمة:. 1
خطة البحث:. 3
القسم الأول: التفسير التحليلي وفيه ست وعشرون مسألة:. 6
المسألة الأولى: في علاقة آية سورة البقرة بما قبلها 6
المسألة الثانية: فائدة إِنَّ:. 11
المسألة الثالثة : بيان الأقوال في المراد بالذين آمنوا:. 12
المسألة الرابعة: الأقوال في المراد بـ(الذين هادوا والنصارى) في الآية :. 20
المسألة الخامسة : حاصل الأقوال في معنى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ}:. 23
المسألة السادسة: تحقيق اشتقاق هادوا وبيان الفرق بين هادوا ويهودوهُود:. 36
المسألة السابعة : هل اليهودية دين سيدنا موسى عليه السلام. 68
المسألة الثامنة:أصل كلمة النصارى:. 70
المسألة التاسعة: اختلف العلماء كذلك لم سموا "نصارى":. 73
المسألة العاشرة: السر في أنه تعالى في حق اليهودلم يقل قالوا إنا يهود بل قال {اليهود} وفي حق النصارى89
المسألة الحادية عشر: تاريخ الصَّابِئة وفرقهم :. 90
المسألة الثانية عشرة : أقوال المفسرين في الصابئة وهي تسعة أقوال :. 129
المسألة الثالثة عشرة : أقوال الفقهاء في الصابئة:. 133
المسألة الرابعة عشرة: من آمن بالله.. 153
المسألة الخامسة عشرة معنى اليوم الآخر (62)} :. 156
المسألة السادسة عشرة : عبارة { آمن بالله واليوم الآخر} في مصطلح القرآن يراد بها الإيمان بجميع الأركان كما تقدم ويوضحه استعمالات القرآن لذلك :. 163
المسألة السابعة عشرة : معنى العمل الصالح في آية { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا (62)}:. 184
المسألة السابعة عشرة : إعراب (من) في {من آمن بالله واليوم الآخر}:. 191
المسألة الثامنة عشرة : معنى {فلهم أجرهم عند ربهم}:. 192
المسألة التاسعة عشرة : معنى{ ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}: 193
المسألة العشرون : مناسبة آية سورة المائدة وآية سورة الحج لما قبلهما:. 197
المسألة الحادية والعشرون : تلخيص أقوال العلماء في سورة المائدة :. 203
المسألة الثانية والعشرون : تفسير آية سورة الحج مع ذكر أقوال العلماء:. 208
المسألة الثالثة والعشرون: الإعراب في المائدة والصابئون:. 214
المسألة الرابعة والعشرون: الفائدة البلاغة في رفع الصابئون:. 220
المسألة الخامسة والعشرون : الرد على من يخطئ القرآن الكريم في رفع الصابئون:. 226
المسألة السادسة والعشرون: أسرار الاختلاف بين الآيات الثلاثة تقديما وتأخيرا ورفعا ونصبا واختلافا في الفاصلة : 227
القسم الثاني: أدلة الرد على من فسر الآية على خلاف مراد الله سبحانه:. 236
الدليل الأول : تفسيرهم يؤدي إلى اختلاف القرآن وتعارضه. 239
الدليل الثاني: أن اسم النصارى لم يرد في القرآن مرادا به الموحدون. 250
الدليل الثالث: قوله تعالى { من آمن بالله } يرد عليهم.. 254
الدليل الرابع: هم لا يؤمنون بيوم القيامة كما وصفه الله تعالى.. 255
الدليل الخامس: شرط العمل الصالح الإيمان. 259
الدليل السادس: دينهم يخالف دين الإسلام الذي عرفه القرآن. 261
الدليل السابع:القرآن مليء بالآيات التي تدعو الكفار. 280
الدليل الثامن: القرآن يقرر أن من عبد مع الله غيره لم يعبد الله سبحانه ،. 283
الدليل التاسع : نص القرآن الكريم على كفر اليهود والنصارى صراحة. 304
الدليل العاشر : قد بشرت جميع الكتب بالنبي صلى الله عليه وسلم وأمته. 313
الدليل الحادي عشر:ترك ملايين النصارى واليهود دينهم عبر التاريخ.. 316
الدليل الثاني عشر:العمل بالتوراة أو الإنجيل عمل بشريعة منسوخة. 317
الدليل الثالث عشر: أن النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَاتَلَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى،. 344
الدليل الرابع عشر: أن هذه القول خارق لإجماع علماء المسلمين،. 345
الدليل الخامس عشر:جميع الأنبياء أخذ عليهم وعلى أممهم الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم .. 348
الدليل السادس عشر: أن الله تعالى أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم. 359
الدليل السابع عشر: القرآن نص على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل للناس جميعا 360
مسألة مهمة:. 362
المراجع. 366
[1] وقد توسع محمد رشيد رضا في الكلام على أصل الكلمة في المنار (9 /215 ) .
[2] انظر هداية الحيارى ص 110 ، وما ذكره ابن القيم هو في العهد القديم سفر التثنية الإصحاح 33 .
[3] التفسير الحديث (6/176) عند تفسير" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)".
[4] إرشاد العقل السليم (3/44)
[5] صحيح مسلم باب وجوب إيمان أهل الكتاب برسالة الإسلام رقم الحديث 240 وقد ذكر الإمام السيوطي سبب ورود هذا الحديث في اللمع في أسباب ورود الحديث/ عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) قال سبب: أخرج الدارقطني في الافراد عن عبد الله بن مسعود قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله رأيت رجلا من النصاري متمسكا بالانجيل ورجلا من اليهود متمسكا بالتوراة يؤمن بالله ورسوله، ثم لم يتبعك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سمع بي من يهودي أو
نصراني ثم لم يتبعني فهو في النار ". ص 90
[6] (1/ 53)
[7] لتتضح علاقة الآية بما قبلها أذكر الآيات التي قبل هذه الآية الكريمة :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)} .
[8] مسند الإمام أحمد 19634 وفي صحيح البخاري 3011 ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ، فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا، وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ أَدَبَهَا، ثُمَّ يُعْتِقُهَا فَيَتَزَوَّجُهَا فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الكِتَابِ، الَّذِي كَانَ مُؤْمِنًا، ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ص:61]، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَالعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ، وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ "،
[9] نظم الدرر (6 /224 )
[10] الذي نحن فيه غير الخلاف في أصول الفقه هل شرع من قبلنا شرع لنا : قال محمد بن الحسن بن العربيّ في الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلاميفقهنا مبتكر ليس مقبتسًا, فهو كالعلم المرتجل؛ إذ نبينا -صلى الله عليه وسلم- النبي الأمي، وأمته التي بُعِثَ فيها بدوية، لم تكن لها في زمن تكوين الفقه حضرية تتمكن بها من الاقتباس من الكتب قبلها، ففقهنا مقتبس من قرآننا وسنة نبينا، ناشيء بنشأتهما.
أما من قال من علمائنا: إن شرع من قبلنا شرع لنا.
فليس مراده أننا نطالع توراتهم مثلًا ونقتبس منها الأحكام, فهذا لا قائل به, وإنما مرادهم أن ما ورد في القرآن والسنة حكاية عن وقائع الأمم السالفة ونوازلها الفقهية إذا لم يقيم دليل على نسخه يكون شرعًا لنا, لكون الشرع قرره ولم ينكره, فحكايته له وعدم إنكاره بمنزلة قوله: اعملوا به، كقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية1، أما كتب الكتابيين فلا يجوز لنا أن نأخذ منها الأحكام أصلًا, لقوله -عليه الصلاة والسلام: "لا تصدقوهم ولا تكذبوهم, وقولوا آمنًّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم" (1/76).
[11] قال أبو السعود في تفسير { ( قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} أبو السعود -{ قُلْ يا أهل الكتاب } مخاطِباً الفريقين { لَسْتُمْ على شَيء } أيْ دينٍ يُعتدّ به ويليق بأن يسمى شيئاً لظهور بُطلانه ووضوح فساده ، وفي هذا التعبير من التحقير والتصغير ما لا غايةَ وراءه { حتى تُقِيمُوا التوراة والإنجيل } أي تراعوهما وتحافظوا على ما فيهما من الأمور التي من جملتها دلائلُ رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وشواهدُ نبوته ، فإن إقامتهما إنما تكون بذلك ، وأما مراعاة أحكامهما المنسوخةِ فليست من إقامتهما في شيء ، بل هي تعطيل لهما وردٌّ لشهادتهما ، لأنهما شاهدان بنسخها وانتهاءِ وقت العمل بها ، لأن شهادتهما بصحة ما ينسخها شهادةٌ بنسخها وخروجها عن كونها من أحكامهما ، وأن أحكامهما ما قرره النبي الذي بشَّرَ فيهما ببعثه ، وذُكر في تضاعيفهما نعُوتُه ، فإذن إقامتُهما بيانُ شواهدِ النبوة والعملُ بما قررته الشريعة من الأحكام كما يُفصح عنه قوله تعالى : { وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ من ربّكمْ } أي القرآن المجيد بالإيمان به ، فإن إقامة الجميع لا تتأتَّى بغير ذلك ، وتقديمُ إقامةِ الكتابين على إقامته مع أنها المقصودةُ بالذات لرعاية حقِّ الشهادة واستنزالِهم عن رتبة الشِّقاق
[12] إرشاد العقل السليم ( 2 / 350).
[13] جامع البيان (10 / 462).
[14] قال البقاعي { لأكلوا } أي لتيسر لهم الرزق ، وعبّر بـ " من " لأن المراد بيان جهة المأكول لا الأكل { من فوقهم } ، ولما كان ذلك ، قال موضحاً له معبراً بالأحسن ليفهم غيره بطريق الأولى : { ومن تحت أرجلهم } أي تيسراً واسعاً جداً متصلاً لا يحصر ، أو يكون كناية عن بركات السماء والأرض ، فبين ذلك أنه ما ضربهم بالذل والمسكنة إلا تصديقاً
قال أبو السعود : ومفعول ( أكلوا ) محذوف بقصد التعميم ، أو للقصد إلى نفس الفعل كما في قوله : فلان يعطي ويمنع ، و( مِنْ ) في الموضعين لابتداء الغايةاطفيش - الهميان : { لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرجُلِهِم } : من للابتداء ، والكلام عبارة عن توسيع الرزق ، كأنه قيل لأفيض عليهم الرزق من كل جهة ، وجعلوا مغمورين فيه ، فان هذا مما يعبر به عن توسيعه .
[15] قال أبو حيان: فالجملة الأولى جاءت منهم أمة مقتصدة ، جاء الخبر الجار والمجرور ، والخبر الجملة من قوله : ساء ما يعملون ، وبين التركيبين تفاوت غريب من حيث المعنى ، وذلك أن الاقتصاد جعل وصفاً ، والوصف ألزم للموصوف من الخبر ، فأتى بالوصف اللازم في الطائفة الممدوحة ، وأخبر عنها بقوله : منهم ، والخبر ليس من شأنه اللزوم ولا سيما هنا ، فأخبر عنهم بأنهم من أهل الكتاب في الأصل ، ثم قد تزول هذه النسبة بالإسلام فيكون التعبير عنهم والإخبار بأنهم منهم ، باعتبار الحالة الماضية
وأما في الجملة الثانية فإنهم منهم حقيقة لأنهم كفار ، فجاء الوصف بالإلزام ، ولم يجعل خبراً ، وجعل خبر الجملة التي هي ساء ما يعملون ، لأن الخبر ليس من شأنه اللزوم ، فهم بصدد أن يسلم ناس منهم فيزول عنهم الإخبار بمضمون هذه الجملة
[16] إرشاد العقل السليم ( 3 / 62 ).
[17] قد لخصها كلها أبو حيان قائلا:" { وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه } أمر تعالى أهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه من الأحكام ويكون هذا الأمر على سبيل الحكاية ، وقلنا لهم : احكموا ، أي حين إيتائه عيسى أمرناهم بالحكم بما فيه إذ لا يمكن ذلك أن يكون بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، إذ شريعته ناسخة لجميع الشرائع ، أو بما أنزل الله فيه مخصوصاً بالدلائل الدالة على نبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول الأصم ، أو بخصوص الزمان إلى بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عبر بالحكم بما أنزل الله فيه عن عدم تحريفه وتغييره ، فالمعنى : وليقرأه أهل الإنجيل على الوجه الذي أنزل لا يغيرونه ولا يبدلونه ، وهذا بعيد ". البحر المحيط (4/280).
[18] التحرير والتنوير ( 6/ 219 ).
[19] ظلال القرآن (2/900).
[20] البحر المحيط، للزركشي (8/ 281)
[21] العَنْبَري(105 - 168 هـ = 723 - 785 م)عبيد الله بن الحسن بن الحصين العنبري، من تميم: قاض، من الفقهاء العلما بالحديث.
من أهل البصرة. قال ابن حبان: من ساداتها فقها وعلما. ولي قضاءها سنة 157 هـ وعزل سنة 166 وتوفي فيها .
[22] قال الزركشي في البحر المحيط(8/281) :"فِي حُكْمِ الِاجْتِهَادِ: لَا يَخْلُو حَالُ الْمُجْتَهِدِ فِيهِ
إمَّا أَنْ تَتَّفِقَ عَلَيْهِ أَقْوَالُ الْمُجْتَهِدِينَ أَوْ تَخْتَلِفَ:
1) فَإِنْ اتَّفَقَتْ فَهُوَ إجْمَاعٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ،
2) وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُمْ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمٍ عَقْلِيٍّ أَوْ شَرْعِيٍّ:
الْأَوَّلُ - الْعَقْلِيُّ: أ) فَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ مِمَّا يَمْنَعُ مَعْرِفَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَرَسُولَهُ، كَمَا فِي إثْبَاتِ الْعِلْمِ بِالصَّانِعِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بَالتَّوْحِيدِ، فَالْحَقُّ فِيهَا وَاحِدٌ، هُوَ الْمُكَلَّفُ، وَمَا عَدَاهُ بَاطِلٌ. فَمَنْ أَصَابَهُ أَصَابَ الْحَقَّ، وَمَنْ أَخْطَأَهُ فَهُوَ كَافِرٌ.
ب) وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ [ بأن لم يكن يمنع معرفة الله سبحانه ورسوله]، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ وَخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَكَمَا فِي وُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِجْمَاعِ وَالْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ اسْمَ (الْكُفْرِ) ، فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَجْرَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَهُ عَلَى كُفْرَانِ النِّعَمِ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ مُبْتَدِعٌ فَاسِقٌ، لِعُدُولِهِ عَنْ الْحَقِّ.
هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ دِينِيَّةً. أَمَّا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، كَمَا فِي وُجُوبِ تَرْكِيبِ الْأَجْسَامِ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَجْزَاءٍ، وَانْحِصَارِ اللَّفْظِ فِي الْمُفْرَدِ وَالْمُؤَلَّفِ، فَلَا الْمُخْطِئُ فِيهِ آثِمٌ، وَلَا الْمُصِيبُ مَأْجُورٌ، إذْ يَجْرِي مِثْلُ هَذَا مَجْرَى الْخَطَأِ فِي أَنَّ مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ أَكْبَرَ مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْ أَصْغَرَ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ قَاضِي الْبَصْرَةِ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْأُصُولِ مُصِيبٌ. وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ الْجَاحِظِ. وَيَلْزَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْعَنْبَرِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ الْمُخَالِفِينَ فِي الدِّينِ مُخْطِئًا، وَأَمَّا الْجَاحِظُ فَجَعَلَ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَاحِدًا، وَلَكِنَّهُ يَجْعَلُ الْمُخْطِئَ فِي جَمِيعِهَا غَيْرَ آثِمٍ.
أَمَّا رَأْيُ الْعَنْبَرِيِّ فَبَيَّنَ الِاسْتِحَالَةَ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ أَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ وَأَنَّهُ مُحْدَثٌ، وَأَمَّا [رَأْيُ] الْجَاحِظِ فَبَاطِلٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَاتَلَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ، وَلَوْلَا أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَكَانَ ابْنُ الْعَنْبَرِيِّ يَقُولُ فِي مُثْبِتِي الْقَدَرِ: هَؤُلَاءِ عَظَّمُوا اللَّهَ، وَفِي نَافِي الْقَدَرِ: هَؤُلَاءِ نَزَّهُوا اللَّهَ، وَقَدْ اُسْتُبْشِعَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَصْوِيبَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَسَائِرِ الْكُفَّارِ فِي اجْتِهَادِهِمْ، قَالَ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أُصُولَ الدِّيَانَاتِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الْقِبْلَةِ، كَالرُّؤْيَةِ وَخَلْقِ الْأَفْعَالِ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ، كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس، فَهَذَا مِمَّا يُقْطَعُ فِيهِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قُلْت: وَهَذَا أَحَدُ الْمَنْقُولَاتِ عَنْهُ. قَالَ الْقَاضِي فِي " مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ ": اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْعَنْبَرِيِّ فَقَالَ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ: إنَّمَا أُصَوِّبُ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فِي الدِّينِ تَجْمَعُهُمْ الْمِلَّةُ. وَأَمَّا الْكَفَرَةُ فَلَا يُصَوِّبُونَ.
وَغَلَا بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْهُ فَصَوَّبَ الْكَافِرِينَ الْمُجْتَهِدِينَ دُونَ الرَّاكِنِينَ إلَى الْبِدْعَةِ. وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ مَعَهُمَا مُخْتَصَرًا فَنَقُولُ: أَنْتُمَا (أَوَّلًا) مَحْجُوجَانِ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَكُمَا وَبَعْدَكُمَا. و (ثَانِيًا) إذَا أَرَدْتُمَا بِذَلِكَ مُطَابَقَةَ الِاعْتِقَادِ لِلْمُعْتَقِدِ فَقَدْ خَرَجْتُمَا عَنْ حَيِّزِ الْعُقَلَاءِ وَانْخَرَطْتُمَا فِي سِلْكِ الْأَنْعَامِ. وَإِنْ أَرَدْتُمَا الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ وَنَفْيِ الْحَرَجِ - كَمَا نُقِلَ عَنْ الْجَاحِظِ - فَالْبَرَاهِينُ الْعَقْلِيَّةُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ الْخَارِجَةِ عَنْ حَدِّ الْحَصْرِ تَرُدُّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ. وَأَمَّا تَخْصِيصُ التَّصْوِيبِ بِالْمُجْمِعِينَ عَلَى الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فَنَقُولُ: مِمَّا خَاضَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْظُمُ خَطَرُهُ. وَأَجْمَعُوا قَبْلَ الْعَنْبَرِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ إدْرَاكُ بُطْلَانِهِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ ": لَعَلَّهُ أَرَادَ خَلْقَ الْأَفْعَالِ وَخَلْقَ الْقُرْآنِ، إذْ الْمُسْلِمُ لَا يُكَلَّفُ الْخَوْضَ فِيهِ، بِخِلَافِ قِدَمِ الْعَالَمِ وَنَفْيِ النُّبُوَّاتِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا فَاسِدٌ، فَإِنَّ اعْتِقَادَ الْإِصَابَةِ الْمُحَقَّقَةِ عَلَى هَذَا مُحَالٌ. وَقَالَ إلْكِيَا: ذَهَبَ الْعَنْبَرِيُّ إلَى أَنَّ الْمُصِيبَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ، وَلَكِنْ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَصْدِيقِ الرُّسُلِ وَإِثْبَاتِ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ الصَّانِعِ، فَالْمُخْطِئُ فِيهِ غَيْرُ مَعْذُورٌ. وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَدَرِ وَالْجَبْرِ وَإِثْبَاتِ الْجِهَةِ وَنَفْيِهَا فَالْمُخْطِئُ فِيهِ غَيْرُ مَعْذُورٍ وَلَوْ كَانَ مُبْطِلًا فِي اعْتِقَادِهِ بَعْدَ الْمُوَافَقَةِ بِتَصْدِيقِ الرُّسُلِ وَالْتِزَامِ الْمِلَّةِ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ مَا كُلِّفُوا إلَّا اعْتِقَادَ تَعْظِيمِ اللَّهِ وَتَنْزِيهِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَبْحَثْ الصَّحَابَةُ عَنْ مَعْنَى الْأَلْفَاظِ الْمُوهِمَةِ لِلتَّشْبِيهِ، عِلْمًا مِنْهُمْ بِأَنَّ اعْتِقَادَهَا لَا يَجُرُّ حَرَجًا. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي اجْتِهَادِهِ، وَلَكِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمُصِيبِ. وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْهُمَا الْجَوَازُ فِي الْأُصُولِ مُطْلَقًا بِمَعْنَى حَطِّ الْإِثْمِ، لَا بِمَعْنَى الْمُطَابَقَةِ لِلْحَقِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، إذْ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَهُوَ مُحَالٌ. وَمَا ذَكَرَاهُ لَيْسَ بِمُحَالٍ عَقْلًا، لَكِنَّهُ مُحَالٌ شَرْعًا، لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَخْلِيدِ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ، وَلَوْ كَانُوا غَيْرَ آثِمِينَ لَمَا سَاغَ ذَلِكَ. وَأَمَّا ابْنُ فُورَكٍ فَنُقِلَ عَنْهُ ذَلِكَ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّأْوِيلُ، نَحْوُ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ وَالْإِرْجَاءِ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي " الشِّفَاءِ ": ذَهَبَ الْعَنْبَرِيُّ إلَى تَصْوِيبِ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ فِيمَا كَانَ عُرْضَةً لِلتَّأْوِيلِ وَحَكَى الْقَاضِي ابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ مِثْلَهُ عَنْ دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ الْأَصْفَهَانِيِّ، وَحَكَى قَوْمٌ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا ذَلِكَ فِيمَنْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْ حَالِهِ اسْتِفْرَاغَ الْوُسْعِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْجَاحِظُ نَحْوَ هَذَا الْقَوْلِ. وَتَمَامُهُ فِي أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْعَامَّةِ وَالنِّسَاءِ وَالْبُلْهِ مُقَلِّدَةِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ لَا حُجَّةَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ طِبَاعٌ يُمْكِنُ مَعَهَا الِاسْتِدْلَال، وَقَدْ نَحَا الْغَزَالِيُّ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الْمَنْحَى فِي كِتَابِ " التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالزَّنْدَقَةِ " وَقَائِلُ هَذَا كُلِّهِ كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى كُفْرِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا مِنْ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ، وَكُلُّ مَنْ فَارَقَ دِينَ الْمُسْلِمِينَ وَوَقَفَ فِي تَكْفِيرِهِمْ أَوْ شَكَّ، لِقِيَامِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى كُفْرِهِمْ. فَمَنْ وَقَفَ فِيهِ فَقَدْ كَذَّبَ النَّصَّ. انْتَهَى.
وَمَا نَسَبَهُ لِلْغَزَالِيِّ غَلَطٌ عَلَيْهِ، فَقَدْ صَرَّحَ بِفَسَادِ مَذْهَبِ الْعَنْبَرِيِّ، كَمَا سَبَقَ عَنْهُ، وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَاَلَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي كِتَابِ " التَّفْرِقَةِ " هُوَ قَوْلُهُ: إنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ مِنْ نَصَارَى الرُّومِ أَوْ التُّرْكِ أَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْوِيبُهُمْ، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَعَانَدَ. وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى هَذَا لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مَا نُقِلَ عَنْ الْعَنْبَرِيِّ وَالْجَاحِظِ إنْ أَرَادَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مُصِيبٌ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا، لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَيَّنٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْمُتَفَاضِلَانِ لَا يَكُونَانِ حَقَّيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ مَنْ بَذَلَ الْوُسْعَ وَلَمْ يُقَصِّرْ فِي الْأُصُولِيَّاتِ أَنَّهُ يَكُونُ مَعْذُورًا غَيْرَ مُعَاقَبٍ فَهَذَا أَقْرَبُ وَجْهًا، لِكَوْنِهِ نَظَرِيًّا، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُعْقَدُ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ عُوقِبَ وَكُلِّفَ بَعْدَ اسْتِفْرَاغِهِ غَايَةَ الْجَهْدِ لَزِمَ تَكْلِيفُهُ لِمَا لَا يُطَاقَ. وَقَالَ فِي " شَرْحِ الْإِلْمَامِ ": يُمْكِنُ أَنْ يُجِيبَ الْعَنْبَرِيُّ عَمَّا رُدَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ تَبْيِيتِ الْمُشْتَرَكِينَ وَاغْتِرَارِهِمْ وَعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعَانِدِ وَغَيْرِهِ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: الْمُكَلَّفُ مِنْهُ مَعَ إمْكَانِ النَّظَرِ بَيْنَ مُعَانِدٍ وَمُقَصِّرٍ، وَأَنَا أَقُولُ بِهَلَاكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. هَذَا إنْ كَانَ مَا قَالَا بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا الَّذِي حُكِيَ عَنْهُ مِنْ الْإِصَابَةِ فِي الْعَقَائِدِ الْقَطْعِيَّةِ فَبَاطِلٌ قَطْعًا، وَلَعَلَّهُ لَا يَقُولُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الْمُخْطِئُ فِي الْأُصُولِ وَالْمُجَسِّمَةِ: فَلَا شَكَّ فِي تَأْثِيمِهِ وَتَفْسِيقِهِ وَتَضْلِيلِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي تَكْفِيرِهِ. وَلِلْأَشْعَرِيِّ قَوْلَانِ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَغَيْرُهُمَا: وَأَظْهَرُ مَذْهَبَيْهِ تَرْكُ التَّكْفِيرِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ " إكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ ": وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: رَجَعَ الْأَشْعَرِيُّ عِنْد مَوْتِهِ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالصِّفَاتِ لَيْسَ جَهْلًا بِالْمَوْصُوفَاتِ. وَقَالَ: اخْطَفْنَا فِي عِبَارَةٍ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ وَاحِدٌ. وَالْخِلَافُ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ: لَا يُكَفِّرُ، قِيلَ لَهُ: أَلَا تُكَفِّرُ مَنْ يُكَفِّرُك؟ فَعَادَ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّكْفِيرِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ، فَهُمْ يُكَفِّرُونَ خُصُومَهُمْ وَيُكَفِّرُ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ الْآخَرَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَمُعْظَمُ الْأَصْحَابِ عَلَى تَرْكِ التَّكْفِيرِ. وَقَالُوا: إنَّمَا نُكَفِّرُ مَنْ جَهِلَ وُجُودَ الرَّبِّ، أَوْ عَلِمَ وُجُودَهُ وَلَكِنْ فَعَلَ فِعْلًا، أَوْ قَالَ قَوْلًا، أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْدُرُ ذَلِكَ إلَّا عَنْ كَافِرٍ. وَمَنْ قَالَ بِتَكْفِيرِ الْمُتَأَوِّلِينَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُكَفِّرَ أَصْحَابَهُ فِي نَفْيِ الْبَقَاءِ أَيْضًا، كَمَا يُكَفَّرُ فِي نَفْيِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا. قُلْت: وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَكْفِيرَ الْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، لَكِنَّ جُمْهُورَ أَصْحَابِهِ تَأَوَّلُوهُ عَلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ، كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ."
[23] وأيضا : النبيون بعد ما آتاهم الله الكتاب والحكم والنبوة لا يتأتى لهم أن يدعوا إلى الشريك وكيف يتأتى لهم ذلك ؟ وقد أخذ منهم الميثاق على الإيمان والنصرة لغيرهم من النبيين الذين يدعون إلى توحيد الله سبحانه.
[24] وكذلك يشير له عبارة السمرقندي والثعلبي والسمين والطوسي والطبرسي ، قال الثعلبي ، والمعنى : أي كتاب آتيتكم ثم جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ، للاّم في قوله لتؤمننّ به .قال السمرقندي ، ومعناه فما آتيتكم يعني ، أي كتاب آتيتكم لتؤمنوا به قال ، الطوسي: وتقديره أي شئ آتيتكم . ومهما آتيتكم ، قال الطوسي: " وتقديره أي شئ آتيتكم ، ومهما آتيتكم" التبيان (2/ 513 )، السمين الحلبي: وقوله : { مِّن كِتَابٍ } كقوله : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } [ البقرة : 106 ] يقول علي هاني: وقد نص ابن عاشور في موضع آخر على أن من البيانية في مثل هذا تفيد أيضا فائدتين: البيان والتعميم.وهذا الرأي أي جعل من بيانية تفيد مع التنكير التعميم والتعظيم أفضل من رأي الزمخشري والبيضاوي والقونوي حيث قال: الزمخشري -وقرأ حمزة : «لما آتيتكم » . بكسر اللام ومعناه : لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة قال القونوي: أشار به إلى أن من تبعيضية باعتبار كل واحد لكن لا يختص بقراءة حمزة فالتنبيه عليه هناك أولى نعم في صورة كون ما شرطية من بيانية لكن ملاحظ فيه التبعيض .
[25] تفسير ابن كثير (2/ 67 ) .
[26] المنار (3/ 288).
[27] قال الطباطبائي: "ومن اللطائف الواقعة في الآية أن الميثاق مأخوذ من النبيين للرسل على ما يعطيه قوله : { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين } - إلى قوله : - { ثم جاءكم رسول } ، ومعلوم أن الرسول أخص مصداقا من النبي ، فعلى ظاهر ما يفيده اللفظ يكون الميثاق مأخوذا من مقام النبوة لمقام الرسالة من غير دلالة على العكس" .
[28] زاد المسير (1/300).
[29] التفسير الكبير (8/ 279).
[30] ظلال القرآن (1/ 421).
[31] نص على هذا الدليل والأدلة بعده شيخي الشيخ الفاضل بلال النجار حفظه الله في رسالة الرد على عدنان إبراهيم 41
[32] إرشاد العقل السليم (2/25).
[33] قال أبو السعود: "{فالذين آمنوا بِهِ} تعليمٌ لكيفية اتّباعِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وبيانٌ لعلو رتبةِ متّبعيه واغتنامِهم مغانمَ الرحمةِ الواسعةِ في الدارين إثرَ بيانِ نعوتِه الجليلة والإشارةِ إلى إرشاده عليهِ الصلاةُ والسلامُ إيَّاهُم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحلالِ الطيبات وتحريمِ الخبائث أي فالذين آمنوا بنبوته وأطاعوه في أوامره ونواهيه {وَعَزَّرُوهُ} أي عظّموه ووقّروه وأعانوه بمنع أعدائه عنه {ونصروه} على أعدائه في الدين {واتبعوا النور الذى أُنزِلَ مَعَهُ} أي مع نوبته وهو القرآنُ عبّر عنه بالنور المنبىءِ عن كونه ظاهراً بنفسه ومُظهِراً لغيره أو مظهِراً للحقائق كاشفاً عنها لمناسبة الاتّباعِ ويجوزُ أن يكون معه متعلقاً باتّبعوا أي واتّبعوا القرآنَ المنزل مع اتباعه صلى الله عليه وسلم بالعمل بسنته وبما أُمِرَ به ونُهيَ عنه أو اتبعوا القرآنَ مصاحبين له في اتباعه {أولئك} إشارةٌ إلى المذكورين من حيث اتصافُهم بما فُصّل من الصفاتِ الفاضلة للإشعار بعليتهاللحكم وما فيه من معنى البُعد للإيذان بعلوّ درجتِهم وسمو طبقتهم فيالفضل والشَّرفِ أي أولئك المنعوتُون بتلك النعوت الجليلة {هُمُ المفلحون} أي هم الفائزون بالمطلوب الناجون عن الكروب لا غيرُهم من الأمم فيدخُل فيهم قوم موسى عليه الصلاة والسلام دخولاً أولياً حيث لم ينجو عما في توبيتهم من المشقة الهائلةِ وبه يتحقق التحقيقُ ويتأتّى التوفيقُ والتطبيق بين دعائِهِ عليهِ الصلاةُ والسلام وبين الجوابِ لا بمجرد ما قيل من أنه دعا لنفسه ولبني إسرائيلَ أجيب بما هو منطوٍ على توبيخ بني إسرائيلَ على استجازتهم الرؤيةَ على الله عزَّ وجلَّ وعلى كفرهم بآياته العظامِ التي أجرها على يد موسى عليه الصلاة والسلام وعرّض بذلك في قوله تعالى والذين هم بآياتنا يُؤْمِنُونَ وأريد أن يكون استماعُ أوصافِ أعقابِهم الذين آمنوا برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم وبما جاء به كعبدِ اللَّه بنِ سَلاَم وغيرِه من أهل الكتابين لطفاً بهم وترغيباً في إخلاص الإيمانِ والعمل الصالح{قل يا أيها الناسُ أنى رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ} لما حكي في الكتابين من نعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف مَنْ يتّبعه من أهلهما ونيلِهم لسعادة الدارين أمرعليه الصلاةُ والسلامُ ببيانِ أنَّ تلكَ السعادةَ غيرُ مختصةٍ بهم بل شاملةٌ لكل من يتبعه كائناً مَنْ كان ببيان عمومِ رسالتِه للثقلين مع اختصاص رسالةِ سائرِ الرسلِ عليهم السلام بأقوامهم وإرسالِ موسى عليه السلام إلى فرعون وملته بالآيات التسعِ إنما كان لأمرهم بعبادة ربِّ العالمين عز سلطانهوتركِ العظيمةِ التي كانَ يدَّعِيها الطاغيةُ ويقبلُها منهُ فتنة الباغية وإرسال بني إسرائيلَ من الأسرِ والقسرِ وأما العملُ بأحكام التوارة فمختص ببني إسرايل {جَمِيعاً} حالٌ من الضمير في إليكم {الذى لَهُ ملك السماوات والارض} منصوبٌ أو مرفوعٌ على المدح أو مجرورٌ على أنه صفةٌ للجلالة وإن حيل بينهما بما هو متعلقٌ بما أضيف إليه فإنه في حكم المتقدّمِ عليه وقولُه تعالى {لاَ إله إلا هو} بيانٌ لما قبله مَنْ ملَك العالمَ كان هو الإله لا غيرُه وقوله تعالى {يُحْيِي وَيُمِيتُ} لزيادة تقرير ألوهيتِه والفاءُ في قوله تعالى {فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ} لتفريع الأمرِ على ما تمهّد وتقرّر من رسالته صلى الله عليه وسلم وإيراد نفسه عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالةِ على طريقة الالتفاتِ إلى الغيبة المبالغة في إيجاب الامتثالِ بأمره ووصف الرسول بقوله {النبى الامي} لمدحه عليه الصلاة والسلام بهما ولزيادة تقريرِ أمرِه وتحقيق أنه الكتوب في الكتابين ووصفُه بقوله تعالى {الذى يُؤْمِنُ بالله وكلماته} أي ما أنزل إليه وإلى سائر الرسلِ عليهم السَّلامُ من كُتُبه ووحيِه لحمل أهلِ الكتابين على الامتثال بما أُمروا به والتصريحُ بإيمانه بالله تعالى للتنبيه على أن الإيمانَ به تعالى لا ينفك عن الإيمان بكلماته ولا يتحقق إلا به {واتبعوه} أي في كلِّ ما يأتي وما يذرُ من أمور الدين {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} علةٌ للفعلين أو حال من فاعليهما أي رجاءً لاهتدائكم إلى المطلوب أو راجين له وفي تعليقه بهما إيذانٌ بأن من صدّقه ولم يتبعْه بالتزام أحكام شريعتِه فهو بمعزل من الاهتداء مستمر على الغي والضلال"إرشاد العقل السليم (3/280) بتصرف.
[34] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 77).
[35]
[36] المواقف (1/13)
[37] قال البقاعي:" فمن بلغته دعوته فخالف أمره واستكبر عن اتباعه عذبناه بما يستحقه، وهذا أمر قد تحقق بإرسال آدم عليه السلام ومن بعده من الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام في جميع الأمم كما قال تعالى {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً} [النحل: 36] {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} [فاطر: 24] فإن دعوتهم إلى الله تعالى قد انتشرت، وعمت الأقطار واشتهرت، انظر إلى قول قريش الذين لم يأتهم نبي بعد إسماعيل عليه السلام
{ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة} [ص: 7] فإنه يفهم أنهم سمعوه في الملة الأولى فمن بلغته دعوة أحد منهم بوجه من الوجوه فقصر في البحث عنها فهو كافر مستحق للعذاب، فلا تغتر بقول كثير من الناس في نجاة أهل الفترة مع إخبار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن آباءهم الذين مضوا في الجاهلية في النار، وأن ما يدحرج الجعل خير منهم - إلى غير ذلك من الأخبار؛ قال الإمام أبو عبد الله الحليمي أحد أجلاء الشافعية وعظماء أئمة الإسلام رضي الله عنهم في أوائل منهاجه في باب من لم تبلغه الدعوة: وإنما قلنا: إن من كان منهم عاقلاً مميزاً إذا رأى ونظر إلا أنه لا يعتقد ديناً فهو كافر، لأنه وإن لم يكن سمع دعوة نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا شك أنه سمع دعوة أحد من الأنبياء الذين كانوا قبله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على كثرتهم، وتطاول أزمان دعوتهم، ووفور عدد الذين آمنوا بهم واتبعوهم والذين كفروا بهم وخالفوهم، فإن الخبر قد يبلغ على لسان المخالف كما يبلغ على لسان الموافق، وإذا سمع آية دعوة كانت إلى الله فترك أن يستدل بعقله على صحتها وهو من أهل الاستدلال والنظر، كان بذلك معرضاً عن الدعوة فكفر - والله أعلم، وإن أمكن أن يكون لم يسمع قط بدين ولا دعوة نبي ولا عرف أن في العالم من يثبت إلهاً - وما نرى أن ذلك يكون - فإن كان فأمره على الاختلاف - يعني عند من يوجب الإيمان بمجرد العقل ومن لا يوجبه إلا بانضمام النقل. وما قاله الحليمي نقل نحوه عن الإمام الشافعي نفسه رضي الله عنه؛ قال الزركشي في آخر باب الديات من شرحه على المنهاج: وقد أشار الشافعي إلى عسر قصور - أي عدم بلوغ - الدعوة حيث قال: وما أظن أحداً إلا بلغته الدعوة إلا أن يكون قوم من وراء النهر بكوننا، وقال الدميري: وقال الشافعي: ولم يبق من لم تبلغه الدعوة".نظم الدرر (11/ 389 ) .
[38] شرح صحيح مسلم (16/ 207).
[39] وقد استدلوا بقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}، فإذا كان لا يُعذب العاقل بكونه لم تبلغه الدعوة، فلأن لا يعذب غير العاقل من باب الأولى.وبما أخرجه البخاري في " صحيحه " (7047) من حديث سمرة، وفيه: " وأما الرجل الطويلُ الذي في الروضة، فإنه إبراهيم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطره، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله: وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وأولاد المشركين ".وبما أخرجه البخاري (1385)، ومسلم (2658) من حديث أبي هريرة رفعه: " كل مولود يولد على الفطرة (والفطرة هنا الإسلام) فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ".وفي مستخرجات البرقاني على البخاري من حديث عوف الأعرابي، عن أبي رجاء العطاردي، عن سمرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " كل مولود يولد على الفطرة " فقال الناسُ: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ قال: " وأولاد المشركين ".وأخرج ابن أبي حاتم فيما نقله عنه الحافظ ابن كثير في " تفسيره " 8/ 357، عن أبي عبد الله الطهراني -وهو محمد بن حماد- حدثنا حفص بن عمر العدني، حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة قال: قال ابن عباس: أطفال المشركين في الجنة، فمن زعم أنهم في النار ففد كذب، يقول الله عز وجل: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَت} قال: هي المدفونة.
وأخرج أحمد 5/ 58 من طريق حسناء بنت معاوية بن صريم، عن عمها قال: قلت: يا رسول الله؟ مَنْ في الجنة؟ قال: " النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والموءودة في الجنة ". وحسن الحافظ إسناده في " الفتح " 3/ 246. وأخرج ابن أبي حاتم فيما ذكر ابن كثير في " تفسيره " عن أبيه، عن مسلم بن إبراهيم، عن قرة قال: سمعت الحسن يقول: قيل: يا رسول الله من في الجنة؟ قال: الموءودة في الجنة " قال ابن كثير: هذا حديث مرسل من مراسيل الحسن، ومنهم من قبله. وانظر " طريق الهجرتين وباب السعادتين " ص 512 - 516، وانظر أيضاً الجزء السادس من هذا الكتاب.( 5/ 316)
العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم/ تحقيق الشيخ شعيب (5/316).
{ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) } (القصص (51ـ 54)
{ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)}
بعض البشارات التي وردت في التوراة والإنجيل:
1) جاء في التوراة في سفر التثنية الإصحاح الثامن عشر الفقرات 18و19 : " يا موسى أني سأقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك أجعل كلامي فيه، ويقول لهم ما أمره به والذي لا يقبل قول ذلك النبي الذي يتكلم باسمي أنا أنتقم منه ومن سبطه " ، وهذا النص موجود عندهم الآن ، فقوله :" من إخوانهم " ، لو كان منهم من بني إسرائيل لقال سأقيم لهم نبياً منهم ، لكنه قال من إخوتهم أي أبناء إسماعيل. .
2) جاء في إنجيل يوحنا الإصحاح السادس عشر الفقرات 16-17 : " إن خيراً لكم أن أنطلق لأني إن لم أذهب لم يأتكم الفارقليط فإذا انطلقت أرسلته إليكم فإذا جاء فهو يوبخ العالم على الخطيئة ، وان لي كلاماً كثيراً أريد قوله ولكنكم لا تستطيعون حمله لكن إذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي " ، وكلمة (المعزي) أصلها منقول عن الكلمة اليونانية باراكلي طوس المحرفة عن الكلمة بيركلوطوس التي تعني أحمد وهذا لا ينطبق إلا على النبي صلى الله عليه وسلم[1] .
" جاء في التوراة في السفر الخامس : " أقبل الله من سيناء (وفي رواية ربنا) ، وتجلى من ساعير ، وظهر من جبال فاران ، ومعه ربوات الإظهار عن يمينه " .
وهذه متضمنة للنبوات الثلاثة : نبوة موسى ، ونبوة عيسى ، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمجيئه من " سينا " : وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى ، ونبأه عليه إخبار عن نبوته ، وتجليه من ساعير هو مظهر المسيح من بيت المقدس، و " ساعير " : قرية معروفة هناك إلى اليوم ، وهذه بشارة بنبوة المسيح، "وفاران " : هي مكة ، وشبه سبحانه نبوة موسى بمجيء الصبح ، ونبوة المسيح بعدها بإشراقه وضيائه، ونبوة خاتم الأنبياء باستعلاء الشمس ، وظهور ضوئها في الآفاق ، ووقع الأمر كما أخبر به سواء، فإن الله سبحانه صدع بنبوة موسى ليل الكفر فأضاء فجره بنبوته ، وزاد الضياء والإشراق بنبوة المسيح ، وكمل الضياء واستعلن وطبق الأرض بنبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهم ، وذكر هذه النبوات الثلاثة التي اشتملت عليها هذه البشارة نظير ذكرها في أول سورة ( والتين والزيتون ، وطور سينين ، وهذا البلد الأمين " [2] .
قال البقاعي:" فأضاف الرب إليهم ، وجعل الإتيان من جبال فاران - التي هي مكة ، لا نزاع لهم في ذلك - تبدياً وظهوراً أي لاخفاء به بوجه ، ولا ظهور أتم منه"
ذكر الشيخ عبد المجيد الزنداني في كتابه : ( البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتب السماوية السابقة ) أن إنجيل برنابا في الباب 22 جاء فيه :
" وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله "
وجاء في سفر أشعيا : إني جعلت اسمك محمدا يا محمد ، يا قدوس الرب : اسمك موجود من الأبد .
وجاء في سفر أشعيا : " وما أعطيته لا أعطيه لغيره ، أحمد يحمد الله حمدا حديثا يأتي من أفضل الأرض ، فتفرح به البرية ، ويوحدون على كل شرف ، ويعظمونه على كل رابية " .
وجاء في سفر حبقوق:" إن الله جاء من التيمان والقدوس من جبل فاران، لقد أضاء السماء من بهاء محمد، وامتلأت الأرض من حمده. ".
يقول مطران الموصل السابق الذي هداه الله للإسلام، وهو البروفيسور عبد الأحد داود الآشوري في كتابه (محمد في الكتاب المقدس): إن العبارة الشائعة عن النصارى: المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة. لم تكن هكذا، بل كانت: المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض إسلام، وللناس أحمد.
[h=2]الدليل الحادي عشر:ترك ملايين النصارى واليهود دينهم عبر التاريخ[/h]والدخول في الإسلام دليل على وجوب الإيمان
لو كان البقاء على اليهودية والنصرانية ينجي من النار لما آمن الملايين من الذين آمنوا من اليهود والنصارى بل من أحبار اليهود ورهبان النصارى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده وتركوا دينهم .
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)}(الأحقاف:10).
{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85)}(المائدة :85).
{ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ(52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54)}(القصص 51ـ 54).
{ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)}( الإسراء 107ـ 109).
قال دروزة :" ولما كان قد دعا جميع الناس بما فيهم اليهود والنصارى والصابئين إلى الإيمان برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن والانتهاء عن ما هم عليه من انحراف عن الدين الحق والطريق القويم بآيات عديدة منها ما مرّ في سورة البقرة وفي السور السابقة، ومنها ما سوف يأتي بعد ، ولما كان طوائف مختلفة فيها يهود ونصارى وصابئون قد فهموا ذلك وآمنوا برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن على ما حكته آيات عديدة في سور مكية ومدنية مرّ بعضها ، وسيأتي بعضها بعد ، فلا يصح أن يوقف عند هذه الآية لحدتها وتؤخذ على ظاهرها ويتوهم متوهم أنها تنطوي على تقرير نجاة اليهود والنصارى والصابئين عند الله مع بقائهم على مللهم بعد البعثة النبوية إذا لم يؤمنوا بالنبي محمد والقرآن ويصبحوا من معتنقي الرسالة الإسلامية التي يمثلانها" [3].
[h=2]الدليل الثاني عشر:العمل بالتوراة أو الإنجيل عمل بشريعة منسوخة[/h] فكيف يكون عملا صالحا وكيف يكون مقبولا عند الله ، وقد قال تعالى { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)} (المائدة (48ـ 49).
قال أبو السعود: "{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب} أي الفردَ الكاملَ الحقيقيَّ بأن يسمى كتاباً على الإطلاق لحيازته جميعَ الأوصافِ الكمالية لجنس الكتابِ السماويِّ وتفوقِه على بقية أفراده وهو القرآنُ الكريم وقوله تعالى {بالحق} متعلقٌ بمحذوفٍ وقعَ حالاً مؤكّدة من الكتاب أي ملتبساً بالحق والصدق {مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} حال من الكتاب أي حالَ كونِه مصدقاً لما تقدَّمَه إما من حيث أنه نازل حسبما نعت فيه أو من حيث إنه موافقٌ له في القصص والمواعيد والدعوة إلى الحق والعدلِ بين الناس والنهي عن المعاصي والفواحش، وأما ما يتراءى من مخالفتِه له في بعض جزئياتِ الأحكام المتغيِّرة بسبب تغيُّرِ الأعصارِ فليست بمخالفةٍ في الحقيقة بل هي موافقة لها من حيثُ إنَّ كلاًّ من تلك الأحكام حقٌّ بالإضافة إلى عصره متضمِّنٌ للحكمة التي عليَها يدورُ أمرُ الشريعة ، وليس في المتقدم دلالةٌ على أبديةِ أحكامِه المنسوخة حتى يخالفه الناسخ المتأخرون وإنما يدل على مشروعيتها مُطلقاً من غيرِ تعرضٍ لبقائها وزوالها بل نقول هو ناطقٌ بزوالها لما أن النطقَ بصحة ما ينسخها نطق ينسخها وزوالِها وقوله تعالى {مّنَ الكتاب} بيانٌ لِما واللام للجنس إذ المراد هو الكتاب السماوي ، {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} أي رقيباً على سائر الكتبِ المحفوظة من التغيير لأنه يشهد لها بالصحة والثبات ويقررأصول شرائعها وما يتأبد من فروعها ويعيِّن أحكامَها المنسوخةَ ببيان انتهاءِ مشروعيتها المستفادة من تلك الكتاب وانقضاءِ وقت العمل بها ولا ريب في أن تمييزَ أحكامِها الباقيةِ على المشروعية أبداً عما انتهى وقتُ مشروعيتِه وخرج عنها من أحكام كونِه مهيمناً عليه والفاء في قوله تعالى {فاحكم بَيْنَهُمْ} لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن كونَ شأنِ القرآن العظيم حقاً مصدِّقاً لما قبله من الكتب المنزلة على الأمم مهيمناً عليه من مُوجباتِ الحكم المأمور به أي إذا كان القرآن كما ذُكِر فاحكمْ بين أهل الكتابين عند تحاكُمِهم إليك {بِمَا أنزَلَ الله} أي بما أنزله إليك فإنه مشتملٌ على جميع الأحكام الشرعية الباقيةِ في الكتب الإلهية وتقديم بينهم للاعتناء ببيانِ تعميمِ الحكم لهم ووضع الموصول موضعَ الضمير للتنبيه على عِلِّيَّةِ ما في حين الصلة للحكم والالتفات بإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة والإشعار بعِلَّة الحكم {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} الزائغة {عَمَّا جَاءكَ مِنَ الحق} الذي لا محيد عنه وعن متعلقة بلا تتَّبعْ على تضمين معنى العُدول ونحوِه كأنه قيل ولا تعدِلْ عما جاءك من الحق متبعاً أهواءهم وقولِه تعالى {لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا} كلام مستأنَفٌ جيءَ به لحمل أهل الكتابين من معاصريه صلى الله عليه وسلم على الانقياد لحُكمه بما أُنزل إليه من القرآن الكريم ببيان أنه هو الذي كُلِّفوا العملَ به دون غيره من الكتابين وإنما الذين كلفوا العملَ بهما مَنْ مَضَى قبل نسخهما من الأمم السالفة والخطابُ بطريق التلوين والالتفات للناس كافة لكن لا للموجودين خاصة بل للماضين أيضاً بطريق التغليب واللام متعلقة بجعلنا المتعدي لواحد وهو إخبارٌ بجَعَلَ ماضٍ لا إنشاءٌ وتقديمها عليه للتخصيص ومنكم متعلق بمحذوف وقع صفة لِما عُوِّض عنه تنوينُ كلَ ولا ضيرَ في توسط جعلنا بين الصفة والموصوف كما في قوله تعالى أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السموات الخ والمعنى لكل أمة كائنةٍ منكم أيها الأمم الباقية والخالية جعلنا أي عيّنّا ووضعنا شرعةً ومنهاجاً خاصَّين بتلك الأمة لا تكاد أمةٌ تتخطى شرعتها التي عُيِّنت لها ، فالأمةُ التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى عليهما السلام شرعتهم التوارة ، والتي كانت من مَبعثِ عيسى إلى مبعثِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم شرعتهم الإنجيل، وأما أنتم أيها الموجودون فشِرْعتُكم القرآنُ ليس إلا فآمنوا به واعملوا بما فيه والشِّرْعةُ والشريعة هي الطريقة إلى الماء شُبِّه بها الدينُ لكونه سبيلاً موصولاً إلى ما هو سببٌ للحياة الأبدية كما أن سببٌ للحياة الأبدية كما أن الماء سببٌ للحياة الفانية والمنهاجُ الطريق الواضح في الدين من نهَجَ الأمر إذا وضح المائدة
{وَلَوْ شَاء الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحدة} متفقة على دين واحد في جميع الأعصار من غير اختلاف بينكم وبين من قبلكم من الأممِ في شيء من الأحكام الدينية ولا نسخَ ولا تحويل ومفعول المشيئة محذوفٌ تعويلاً على دِلالة الجزاء عليه أي ولو شاء الله أن يجعلكم أمة واحدة لجعلكم الخ {ولكن لّيَبْلُوَكُمْ} متعلِّقٌ بمحذوف يستدعيه النظام أي ولكن لم يشأ ذلك أي لأن يجعلكم أمةً واحدة بل شاء ما عليه السنةُ الإلهية الجاريةُ فيما بين الأمم ليعامِلَكم معاملةَ من يبتليكم {في ما آتاكم} من الشرائع المختلفة المناسبة لأعصارها وقرونِها هل تعملون بها مذعِنين لها معتقدين أن اختلافَها بمقتضى المشيئةِ الإلهيةِ المبنيةِ على أساس الحِكَم البالغةِ والمصالحِ النافعة لكم في معاشكم ومعادِكم أو تزيغون عن الحق وتتبعون الهوَى وتستبدلون المضَرَّة بالجدوى وتشترون الضلالة بالهدى وبهذا اتَّضحَ أنَّ مدارَ عدمِ المشيئةِ المذكورة ليس مجرد الابتلاء بل العمدةُ في ذلك ما أشيرَ إليهِ من انطواءِ الاختلاف على ما فيه مصلحتُهم معاشاً ومعاداً كما ينبئ عنه قوله عز وجل {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} أي إذا كان الأمر كما ذكر فسارعوا إلى ما هو خيرٌ لكم في الدارين من العقائد الحَقَّة والأعمالِ الصالحة المندرجة في القرآن الكريم وابتدروها انتهاز للفرصة وإحرازاً لسابقةِ الفَضْل والتقدم ففيه من تأكيد الترغيبِ في الإذعان للحق وتشديدِ التحذير عن الزيغ ما لا يخفى ووقوله تعالى {إلى الله مَرْجِعُكُمْ} استئنافٌ مَسوقٌ مَساقَ التعليل لاستباق الخيرات بما فيهِ من الوعدِ والوعيدِ وقوله تعالى {جَمِيعاً} حالٌ من ضمير الخطاب والعامل فيه إما المصدرُ المنحلُّ إلى حرفٍ مصدريَ وفعل مبني للفاعل أو مبني للمفعول وإما الاستقرارُ المقدَّر في الجار {فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} أي فيفعل بكم من الجزاء الفاصل بين المُحِقّ والمُبطل ما لا يبقى لكم معه شائبةُ شكٍ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ في الدنيا وإنما عبر عن ذلك بما ذكر لوقوعه موقع إزالة الاختلاف التي هي وظيفة الإخبار "[4] بتصرف
قال الشيرازي في الأمثل :" فتَوَجَّب العملُ بآخر شريعة إِلهية ، لأنّ العمل بقوانين منسوخة ليس من العمل الصالح ، بل العمل الصالح هو العمل بالشرائع الموجودة وبآخرها ".
و عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "والذي نفسُ محمدٍ بيده، لا يَسْمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديٌ ولا نصرانيٌ، ثم يموتُ ولم يؤمِنْ بالذي أُرسِلتُ بهِ إلا كانَ من أصحابِ النَّار".[5]
قال أبو الحسن المباركفوري في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح[6] :
(من هذه الأمة) أي أمة الدعوة وهم الخلق جميعاً ، (يهودي ولا نصراني) صفتان لأحد، وحكم المعطلة وعبدة الأوثان يعلم بالطريق الأولى؛ لأن اليهود والنصارى لهم كتاب، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتاباً فغيرهم ممن لا كتاب له أولى وخصا بالذكر لأن كفرهما أقبح لكونهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، قال تعالى: {يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل} [7: 157] (ثم يموت): ثم للاستبعاد كما في قوله تعالى: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها} [32: 22] ، أي ليس أحد أظلم ممن بينت له آيات الله الظاهرة والباطنة ودلائله القاهرة فعرفها ثم أنكرها أي بعيد عن العاقل، قاله الطيبي ، وذلك لأن معجزته القرآن المستمر إلى يوم القيامة مع خرقه العادة في أسلوبه وأخباره بالمغيبات، وعجز الجن والإنس عن أن يأتوا بسورة مثله يوجب الإيمان برسالته، ويوجب الدخول على الكل في طاعته، فمن لم يؤمن بما أرسل به كان من أصحاب النار. قال النووي: في الحديث نسخ الملل كلها برسالة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وفي مفهومه دلالة على أن من لم يبلغه دعوة الإسلام فهو معذور.
يقول علي هاني: فإن قيل كيف يقال : إن شريعتهم منسوخة مع أن الله تعالى قال"
{ قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)} { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)} { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)}
وهذه الآيات تفسر تفسيرا غير صحيح ويفهمها كثير من الناس خطأ ، فهم يفهمون أن القرآن يسوغ لليهود والنصارى أن يستمروا على العمل بكتابهم ، وهذا فهم لا يصح ، والعجب أن الآيات التي يخطئون في فهمها أو يلبسون على الناس بها تقع في سياقات لا يمكن تدفع هذا الفهم تماما ولا يمكن أن يفهم منه اطلاقا ، فقد تقدم أن آية { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) } وقعت في سورة البقرة المليئة بالرد على اليهود ، وكذلك الآية الثانية التي يستدلون بها { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) } وقعت في سورة آل عمران التي كلها دعوة للتوحيد والرد على النصارى كما تقدم ، وهذه الآيات الثلاثة هنا وقعت في سورة المائدة التي هي أشد السور على اليهود والنصارى، فقد نصت صراحة على كفرهم ودعتهم إلى التوحيد والإيمان بالقرآن ، واقتطاع النص من سياقه ليفهم فهما سقيما ،مألوف عند أعداء الإسلام فهم الآن يقولون : لا تقتل الشخص ولكن اقتل سمعته وصيته ، فيقتطعون بعض الجمل لبعض الشيوخ الأجلاء يقتطعونها من سياقها لتفهم على غير ما أرادوا ثم يقولون انظر لهذا الشيخ ما يقول: وهذا ليس ببدع منهم ، ولنعد إلى موضوعنا ، فهذا الفهم يؤدي إلى تعارض النصوص ، لا أقول يؤدي إلى تعارض الآيات في القرآن كله فقط بل يؤدي إلى تعارض النصوص المتجاورة في سورة واحدة في آيات قريبة جدا، فهذه الآيات الثلاث وردت في سورة المائدة التي ورد فيها الآية السابقة التي تقرر أن الله سبحانه جعل لكل أمة شرعة ومنهاجا { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) } فهذه الآية التي تقرر أنه لكل منكم شرعة ومنهاجا هي الآية الثامنة والأربعون ، والآيات السابقة التي يفسرونها أنها تأمر النصارى واليهود أن يستمروا على العمل بالتوراة والإنجيل مع عدم وجوب العمل بالقرآن ترتيبها (47، 66، 68) السابعة والأربعون، والسادسة والستون ، والثامنة والستون فهي آيات قريبة جدا ، فعلى هذا التفسير تكون آية تقول:" لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا "، وآية أخرى تقول: عليكم يا أهل الكتاب أن تعملوا بكتابكم وهذا ينجيكم ويدخلكم الجنة ، فليس الأمر أنه لكل جعلنا شرعة ومنهاجا ، بل المنهاج القديم جائز للكل العمل به فهو عام وليس خاصا بقوم ووقت ، وهذا عين التعارض الذي ينافيه سياق الآيات ،و ينزه عنه كلام أحكم الحاكمين ، ولو نحن تأملنا مقاصد القرآن ولم ننظر النظرة السطحية الحمقاء لسلم فهمنا ، ولارتقى إلى بيان القرآن السامي العالي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والمتأمل في سورة المائدة يقطع جازما باستبعاد هذا التفسير:
1) فقد ذكرت سورة المائدة : أنه أنزل التوراة فيها هدى ونور وأمر النبيين والربانيين والأحبار أن يحكموا بها ، ثم بينت أن الله سبحانه آتى عيسى عليه السلام الإنجيل وأمر أهل الإنجيل في ذلك الوقت أن يحكموا بما أنزل الله فيه ، ثم أنزل القرآن مهيمنا وحاكما على الكتب السابقة، وأمر أهل الإسلام أمة النبي صلى الله عليه وسلم أن تحكم به وحذرها من اتباع أهواءأهل الكتاب .
2) وأيضا في السورة نفسها بين أن النصارى ضيعوا حظا وافرا مما ذكروا به وأنهم حرفوا وبدلوا ، ودعاهم لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم .
3) وحكم بكفر النصارى الذين يقولون بالتثليث في السورة نفسها
فكيف بعد ذلك يقول:" اليهودي والنصراني الذي يكفر بالله ويقول بالتثليث عمله مقبول وليس واجبا عليه أن يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم" هذا لعمري عين الضلال والتحريف ولننظر في الآيات لنرى هذا الأمر رؤية واضحة :
{ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) } وقال لهم في السورة نفسها { يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) } ونحن إذا أردنا استقصاء هذا في سورة المائدة يطول الأمر ، فأرجو من القارئ الكريم أن يقرأ السورة قراءة متأنية وينظر في هذا الأمر ليرى رؤية يقينٍ الحقَّ في هذه المسألة واستبعاد َهذا التفسير المذكور .
ولتزول الشبهة زوالا تاما ويظهر بطلان هذا الرأي ألخص للقارئ الكريم تفسير علمائنا رحمهم الله الذين يفهمون النصوص كما ينبغي أن تفهم ، كما وصفهم الله سبحانه بقوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}وكما قال ابن مالك: ما كان أصحَّ علمَ من تقدما، ليتضح المعنى الصحيح اللائق بخطاب القرآن الكريم وما يريده سبحانه
أولا : تفسير قوله تعالى :
{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)}
[h=3]علاقة الآية بما قبلها : [7][/h] لما بالغ في ذم أهل الكتاب ذكر قبائحهم ومعايبهم وأقوالهم الباطلة، وهجن طريقتهم ، لا سيما اليهود ، وذكر انحرافهم عن دين الله ؛ وأكلهم السحت ؛ وتحريفهم الكلم من بعد مواضعه لينالوا عرضا من أعراض هذه الأرض ، وبين أنهم لا يؤمنون بكتابهم حقيقة بل ادعاء، وختمها بقوله سبحانه { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} { وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} ، عقب ذلك بفتح باب الخير لجميع أهل الكتاب اليهود والنصارى متى آمنوا واتقوا ببيان أنهم لو آمنوا واتقوا لوجدوا سعادات الآخرة والدنيا ، ولكان أجدى عليهم في الدنيا والآخرة من أكلهم السحت والسعي وراء أعراض الدنيا بالحرام ، لو أنهم اختاروا الطريق ، وهذا من كرمه وجوده ، حيث دعاهم إلى التوبة والدخول في الإسلام واستدعاهم ورغبهم في التوبة و الإيمان والتقوى ، ببيان أنه يحصل لهم في الآخرة تكفير السيئات وجنات النعيم في عاجل الدنيا ، مقابل ما يسعون لتحصيل الدنيا بالحرام والكفر .
وأيضا لما تكلموا على التضييق عليهم والعسر الذي عبروا عنه بتلك الكلمة البذيئة في حق الله بقولهم{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} وما ذلك التضييق عليهم إلا بسبب انحرافهم واعوجاجهم ، بين لهم طريق التوسعة عليهم بأنهم لو أنهم آمنوا بما يجب الإيمان به ويدخل دخولا أوليا الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ، كما آمن الناس واتقوا لاتسع عليهم الرزق ودرت عليهم الخيرات فضلا عما ينالونه من غفران الله لسيئاتهم وحسن جزائه الأخروي ، وهذه الآية تشمل معاصري الرسول صلى الله عليه وسلم ثم جميع أهل الكتاب في كل وقت .
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ
من اليهود والنصارى على أن المراد بالكتاب الجنس الشامل للتوراة والإنجيل .
وذكروا بهذا العنوان تأكيداً للتشنيع عليهم ؛ فإنّ أهليةَ الكتاب توجب إيمانهم به ، وإقامتَهم له لا محالة ، فكفرُهم به وعدمُ إقامتهم له وهم أهلُه أقبحُ من كل قبيح وأشنعُ من كل شنيع ،
أي لو أنهم مع ما عددنا من سيئاتهم ، وصدور ما صدر منهم من فنون الجنايات قولاً وفعلاً
آمنوا بما يجب الإيمان به كما طلبه الله منهم وآمنوا بما نفيَ عنهم الإيمان به في هذه السورة فيندرج فيه إيمانهم بالله وحده و إيمانهم برسول الله وبما جاء به من حق ونور، فصدّقوه واتبعوه، والإِيمان بالأَنبياء والكتب كلها { لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ }، وفي الحديث : « اثنان يُؤتَوْن أجرهم مرّتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه ثُمّ آمن بي ( أي عندما بلغته الدّعوة المحمّديّة ) فله أجران ، ورجل كانت له جارية فأدّبها فأحْسَن تأديبها وعلَّمها ثمّ أعْتَقَها فتزوّجها فله أجران »[8] .
نص على خلاصة ما تقدم :
الطبري و السمرقندي والواحدي و السمعاني و البغوي والزمخشري و ابن عطية و ابن الجوزي والفخر الرازي و القرطبي و البيضاوي و الخازن و أبو حيان و ابن كثير و البقاعي وأبو السعود والشوكاني و مقاتل و ابن الجوزي و التفسير الميسر المنتخب وغيرهم .
قال اطفيش – التيسير:" { آمَنُوا } بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاءَ به وهو يتضمن الإِيمان بالأَنبياء والكتب كلها ، فأَهل الكتاب مشركون إِذا لم يؤمنوا به ".
قال البقاعي:"ولما كان الإيمان أساس جميع الأعمال ، قدمه إعلاماً بأنه لا نجاة لأحد إلا بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم . هذا مع أنه حقيق باشتداد العناية به لمبالغتهم في كتمان ما عندهم منه صلى الله عليه وسلم فقال : { آمنوا } أي بهذا النبي الكريم وما أنزل إليه من هذا الهدى"[9].
وَاتَّقَوْا:وخافوا الله تعالى وعذابه بأن جعلوا بينهم وبين الشرك والمعاصي و الباطل والمعاصي وقاية ، بترك ما كانوا يتعاطون مما عدد في هذه السورة من الشرك بالله وعبادة الطاغوت ومخالفة كتابهم و إِيقاد الحرب والسعي في الأرض فساداً ، والإِلحاد في صفات الله وأَفعاله، وأَكل السحت وسائر الكبائر الموبقة والمآثم والمحارم والمعاصي .
وجمع - سبحانه - بين الإِيمان والتقوى ، للإِيذان بأن الإِيمان الذي ينجى صاحبه ، ويرفع درجاته ، هو ما كان نابعا عن يقين وإخلاص وخشية من الله ، لا إيمان المنافقين الذين يدعون الإِيمان وهو منهم برئ
لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ
لو فعلوا ذلك لكفرنا أي سترنا عليهم معاصيهم فلم نحاسبهم عليها عنهم ورفعنا عنهم عقاب سيئاتهم التي اقترفوها وسارعوا فيها وإن كانت في غاية العظمة ولم نؤاخذهم بها ولم نفضحهم بها ، { لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سيئاتهم } .
واللام في قوله : { لكفّرنا عنهم } وقوله { ولأدخلناها }واقعة في جواب الشرط ، يكثر وقوعها في جواب ( لَو ) إذا كان فعلاً ماضياً مثبتاً وهي تفيد التأكيد تأكيد تحقيق التلازم بين شرط ( لو ) وجوابها ، ويكثر أن يجرّد جواب لو عن اللام ، نحو قوله تعالى : { لو نشاء جعلناه أجاجاً } في سورة الواقعة ( 70 ) .
وفيه إعلام بعظم معاصي اليهود والنصارى وكثرة سيئاتهم ، ودلالة على سعة رحمة الله تعالى وفتحه باب التوبة على كل عاص ، وإن عظمت معاصيه وبلغت مبالغ سيئات اليهود والنصارى ، وأن الإسلام يجُب ما قبله وإن جل ، وأن الكتابي لا يدخل الجنة ما لم يسلم .
التكفير : تغطية تامة كثيفة لا يظهر معها شيء من المغطى ، ومن مصاديق هذا ظلمة الليل يقال لها كفْر بسكون الفاء وكفَر الليلُ الشيءَ: غطاه ، وكفارات الذنوب من صدقة أو نحوها تستر الذنوب وتغطيها فلا ترى ولا يؤاخذ عليها .
وتكفير السيئات : سترها وتغطيتها تغطية تامة حتى تصير بمنزلة ما لم يعمل ، وفيها التغطية للأمن من الفضيحة، وفيها معنى الإذهاب والإزالة لأثر السيئات ولهذا يعدى بعن، قال ابن رجب : ولفظ التكفير يتضمن الستر والإزالة.
سَيِّئَاتِهِمْ:
قبائحهم التي عملوها قبل الإسلام، وإن كانت في غاية العظم ونهاية الكثرة ؛ لأن الاسلام يجُبُّ ما قبله ، ومنها القبائح التي عددناها .
والسيئات : جميع سيئة فَيْعلة من السوء، أصلها : سَيْوِئةَ ، صيغت على وزن فَيْعَلَة للمبالغة في قيام الوصف بالموصوف مثل قيّم وسيّد وصيقل و هيّن ،ففيها الدلالة على قوة وشدة القبح ، ويقابلها الحسنة، مِنْ سَاءَ يَسُوءُ إذَا قَبُحَ، فسيئات: فيعلات، أي: قبيحات جدا ،التي يشتد تنكر النفس لها أو تكرّهها.
{ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65)}
في الآخرة مع ذلك جنات النعيم التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ينعمون فيها ، فلا تذهب السيئات عنهم فقط بل إنه سبحانه يثيبهم في الآخرة فيدخلهم جنات النعيم مع المسلمين في الاَخرة، وتكرير اللام لتأكيد الوعد .
وَإِضَافَةُ جَنَّاتِ إِلَى النَّعِيمِ تُفِيدُ مُلَازَمَةِ النَّعِيمِ لَهَا، فليس فيها إلا النعيم الخالص عن شائبة ما ينغصه من الكدورات وخوف الزوال؛ ، فَلَا يَكُونُ فِيهَا مَا يكون فِي جَنَّاتِ الدُّنْيَا مِنَ الْمَتَاعِبِ مِثْلُ الْحَرِّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَوْ شِدَّةِ الْبَرْدِ أَوْ مثل الحشرات ، أَوْ مَا يُؤْذِي مِثْلُ شَوْكِ الْأَزْهَارِ وَالْأَشْجَارِ ، وأيضا في إضافة الجنات إلى النعيم تنبيه على ما يستحقونه من العذاب لو لم يؤمنوا ويتقوا .
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ
· المناسبة : لما بيَّن سبحانه في الآية الأولى أنهم لو آمنوا لفازوا بسعادات الآخرة ، بين في هذه الآية أيضا أنهم لو آمنوا لفازوا بسعادات الدنيا ووجدوا طيباتها وخيراتها.
· والضمير في قوله : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل }: يعود إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين فتح الله لهم باب الإِيمان ليدخلوا فيه كي ينالوا رضاه .
· الأصل في مادة (ق، و،م) انتصاب الشيء إلى أعلى ثابتا ومنه قيام الإنسان نحو { الذين يذكرون الله قياما وقعودا} {جدارا يريد أن ينقض فأقامه} { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها} .
· فالقيام في اللغة هو: الانتصاب المضاد للجلوس والاضطجاع ، وللقيام لوازم عرفية مأخوذة من عوارضه اللازمة، فهي أكمل الأحوال وأحسنها وأتمها وأقدر حالات الإنسان على العمل، ولذلك أطلق مجازاً على الإتيان بالتوراة والإنجيل على أحسن أحوالهما وأكملهما من غير اعوجاج ولا تقصير وتوفية حقهما على أقوم الوجوه وأحسنها ، تشبيها بالقائم من الناس ، إذ هي أظهر هيئات المرء ، والإقامة إفعال منه ، والهمزة للتعدية .
وفي المراد بإقامة التوراة والإنجيل قولان:
· القول الأول:قالوا المراد بالإقامة بعد مجيء الإسلام : فالمراد بإقامتهما ، الاعتراف والإقرار بما فيهما من بشارات بصدق النبي صلى الله عليه وسلم و الإِيمان بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والعمل بشرعه، وإذاعة ما فيهما من نعت سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، والدعاء إِليه بلا كتم ولا تحريف شيء منها ولا تغيير ولا حذف لهذه البشارات والإيفاء بالعهود والمواثيق التي أخذت عليهم ، وكذلك إقامة الأمور التي اتفقت عليها هذه الكتب من أمور لا تنسخ: من الإيمان بالله الواحد وبجميع رسله وكتبهم، وبما دعت إليه من أصول الأخلاق ، وليس المراد مراعاة جميع ما فيهما من الأحكام منسوخة كانت أو غيرها ، فإن ذلك ليس من الإقامة في شيء[10]، ، بل هي تعطيل لهما وردٌّ لشهادتهما ، لأنهما شاهدان بنسخ هذه الأحكام وانتهاءِ وقت العمل بها ، لأن شهادتهما بصحة القرآن الذي ينسخها شهادةٌ بنسخ العمل بهذه الأحكام التي في التوراة والإنجيل وخروجها عن كونها من أحكامهما ، وأن الأحكام التي يعمل بها هي ما قرره النبي الذي بُشَّرَ في التوراة والإنجيل ببعثه ، وذُكر في تضاعيفهما نعُوتُه ، فإذن إقامتُهما بيانُ شواهدِ النبوة والعملُ بما قررته الشريعة الإسلامية من الأحكام كما يُفصح عنه قوله تعالى : { وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ من ربّكمْ }[11] فإن إقامة كل الكتب الثلاثة لا تتأتَّى بغير ذلك ..قال أبو السعود:" { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التوراة والإنجيل } بمراعاة ما فيهما من الأحكام التي من جملتها شواهدُ نبوةِ النبي صلى الله عليه وسلم ومبشراتُ بِعثتِه ، فإن إقامتهما إنما تكون بذلك لا بمراعاة جميع ما فيهما من الأحكام لانتساخِ بعضِها بنزول القرآن فليست مراعاةُ الكلِّ من إقامتهما في شيء"[12].
· وقال الطبري:"فإن قال قائل : وكيف يقيمون التوراة والإنجيل وما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، مع اختلاف هذه الكتب ونسخ بعضها بعضا ؟ قيل : وإن كانت كذلك في بعض أحكامها وشرائعها ، فهي متفقة في الأمر بالإيمان برسل الله والتصديق بما جاءت به من عند الله فمعنى إقامتهم التوراة والإنجيل وما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم تصديقهم بما فيها والعمل بما هي متفقة فيه وكلّ واحد منها في الخبر الذي فرض العمل به"[13].
اختار هذا القول : الطبري و أبو حيان و مكي و الزمخشري و البيضاوي و أبو السعود والآلوسي والخازن والفخر الرازي و الشعراوي والسعدي و القاسمي و اطفيش في الهميان والتيسير و مكي و الواحدي والجلال والشوكاني والسمرقندي ، وجمهور العلماء.
[h=3] القول الثاني:[/h] قالوا المراد بالإقامة ا قبل مجيء الرسول صلى الله وسلم بدين الإسلام ، قالوا لأنه لما تكلم اليهود على التضييق عليهم والعسر الذي عبروا عنه بتلك الكلمة البذيئة في حق الله تعالى بقولهم: { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}، وما ذلك التضييق عليهم إلا بسبب انحرافهم واعوجاجهم الماضي ، بين لهم أن هذا من عدم استقامتهم في الماضي : {ولو أنهم أقاموا التوراة} :أي قبل إنزال الإنجيل بالعمل بجميع ما دعت إليه من أصل وفرع وثبات عليها وانتقال عنها { والإنجيل } أي بعد إنزاله كذلك - لصلحت حياتهم الدنيا ، ونمت وفاضت عليهم الأرزاق ، ولأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم من فيض الرزق ، ووفرة النتاج ، وصلاح أمر الحياة . . ولكنهم لا يؤمنون ولا يتقون ولا يقيمون منهج الله - إلا قلة منهم في تاريخهم الطويل مقتصدة غير مسرفة على نفسها ، فمعنى إقامة التّوراة والإنجيل على هذا إقامة تشريعهما قبل الإسلام ، أي لو أطاعوا أوامر الله وعملوا بها سلموا من غَضَبه ولأغدق عليهم نعمَه ، فاليهود لم يقيموا أحكامها كما تقدّم آنفاً ، وكفروا بالإنجيل ورفضوه ، وذلك أشدّ في عدم إقامَته .
اختاره البقاعي و أبو زهرة وسيد قطب وأجازه ابن عاشور وبعض العلماء.
وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ
[h=3]القول الأول:[/h]المراد بما أنزل إليهم من ربهم القرآن الكريم الذي نزل على قلب هذا النبي الذي بشرت به كتبهم الذي أكمل به الدين ؛ لأنهم لما خوطبوا به ، كان نازلا إليهم وإنزال الكتاب إلى أحد مجرد وصوله إليه ، وإيجاب العمل به وإن لم يكن الوحي نازلاً عليه ، والتعبير عن القرآن بـ(أنزل إليهم من ربهم} :
- للإيذان بوجوب إقامته عليهم لنزوله اليهم ، فهم مخاطبون به ، وهو منزل إليهم مع غيرهم ، وليسوا خارجين عن التكليف الذي دعا إليه ، ب) وللتصريح ببطلان ما كانوا يدعونه من عدم نزوله إلى بني إسرائيل .
اختاره ابن عباس وأبو السعود والآلوسي وسيد طنطاوي والسمعاني والطبراني والطبري والجبائي والصابوني ومكي والقرطبي والفارسي والميسر ومحمد رشيد رضا وأبوز هرة والميسر والماوردي و البغوي القرطبي و الطبرسي .
[h=3]القول الثاني:[/h]المراد سائر ما أوحاه الله تعالى إلى أنبيائهم كزبور داود وحِكَم سليمان أشعياء ، وكتاب أرمياء ، وكتاب حزقيل وكتاب حبقوق بقافين وكتب دنيال ، وفي هذا الاحتمالان الماضيان:
- إما المراد بعد مجيء القرآن فالمراد الإيمان بما فيها من البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم وهي مملوءة بالبشائر بمبعثه صلى الله عليه وسلم .
- أو المراد قبل الإسلام فالمراد أنهم لو أقاموها قبل البعثة المحمدية لعمهم الخير وأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم .فهو ذم لهم بأنهم لم يقيموها ولا تدبروها ، وإنما كان الدين عندهم أماني يتمنونها ، وبدعا وتقاليد يتوارثونها . فهم بين غلو وتقصير ، وإفراط وتفريط . والمراد أن دهماءهم وسوادهم الأعظم كان كذلك كما يعلم من تواريخهم وتواريخ غيرهم.
الشوكاني وابن عجيبة وهميان الزاد وأجازه الآلوسي.
الترجيح: الراجح هو القول الأول الذي عليه الجمهور وهو أن المراد بما أنزل إليهم من ربهم هو القرآن الكريم ، والتعبير عنه بذلك لما ذكر هناك من الأسرار البلاغية ، ولأنه هو المناسب لسياق سورة المائدة التي موضوعها الإيفاء بالعقود التي بين الله وبين عباده أو بين الناس ، وما ذكرناه في علاقة الآية بما قبلها أخذا من علمائنا ، فالذي يدعوا له التأمل يوضح أن هذا هو الأرجح ، وإليك الآيات السابقة على هذه الآية ليتضح الأمر كمال الاتضاح { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ـ ـ ـ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70)}
في دروزة في التفسير الحديث: "ومن المؤولين من صرف جملة : { وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ } إلى القرآن ومنهم من صرفها إلى كتب الله السابقة . والقول الأول معزو إلى ابن عباس . ونحن نراه الأوجه ؛ لأن ما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو منزل إلى الناس جميعا وأهل الكتاب من الجملة ، ويعضد هذا الآية الأولى من الآيتين التي تقرر بأنهم لو آمنوا لكفر الله عنهم سيئاتهم ؛ حيث إن المقصود إيمانهم برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن ويعضده ذكر التوراة والإنجيل قبل الجملة ، وتعضده أيضا الآيتان ( 15 ، 16 ) من هذه السورة ؛ حيث خوطب فيهما أهل الكتاب بأنه قد جاءهم من الله نور وكتاب مبين . وبهذا يزول ما يرد من إشكال في لوم أهل الكتاب على عدم إقامتهم التوراة والإنجيل وإيذانهم بأنهم لو أقاموا لحسنت حالتهم ، فالمطلوب منهم أو الواجب عليهم أن يقيموها ويقيموا في الوقت نفسه أحكام ما أنزل إليهم بواسطة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو القرآن .
وقد يرد إشكال آخر ، فما دام أن الدعوة الإسلامية موجهة إليهم ، وفي حال إيمانهم بها تكون الشريعة الإسلامية التي تقوم على القرآن والسنة النبوية القولية والفعلية هي شريعتهم ، فكيف يؤمرون والحالة هذه بإقامة التوراة والإنجيل ؟ وجوابا على هذا نقول : إن الآية قد جاءت في معرض التنديد لتقول لأهل الكتاب : إن ما أصابهم من ضيق وعسر إنما أصابهم لأنهم أيضا لم يقيموا أحكام كتبهم ويتبعوا وصاياها ، ومن جملة ذلك الإيمان برسالة النبي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم الواردة صفته في التوراة والإنجيل على ما شرحناه في سياق آية سورة الأعراف ( 157 ) التي تذكر ذلك" .
لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ
الجملة الكريمة استعارة عن سبوغ النعم عليهم ، وتوسعة الرزق عليهم ، { لأكلوا}: لوسع عليهم أرزاقهم بأن يفيض عليهم بركات من السماء والأرض و يكثر ثمرة الأشجار وغلة الزروع و يرزقهم الجنان اليانعة الثمار من كل جانب وإدخال (من) لبيان جهة المأكول أنه من جهة الفوق والتحت ، وأنه يعمهم من جميع جهاتهم بحيث جعلوا مغمورين فيه مع القرب وفيها التأكيد ، والأكل من جميع الجهات كناية عن سبوغ النعمة وكثرتها وأنها عمتهم .[14]
مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ:
بعد ذكر قبائح أهل الكتاب من التعدي عن حدود الله والكفر بآيات الله ونزول السخط واللعن على جماعتهم أن ذلك كله ، جاءت هذه الآية لتبين أنه إنما تلبس به أكثرهم وليسوا جميعهم ، وأن منهم أمة معتدلة ليست على هذا النعت وهذا من نصفة الكلام الإلهي حيث لا يضيع حقا من الحقوق ويراقب إحياء أمر الحق وإن كان قليلا .
فهذه الجملة مستأنَفةٌ مبنيّةٌ على سؤال نشأ من مضمون الجملتين المصدّرتين بحرف الامتناع (لو) الدالتين على انتفاء الإيمان والاتقاءِ وإقامةِ الكتب المُنْزلة من أهل الكتاب ، كأنه قيل : هل كلُّهم كذلك مصرّون على عدم الإيمان ؟ ، فقيل : ( منهم أمة مقتصدة )
[h=3]القول الأول:[/h]والأمة : الجماعة من الناس الذين يجمعهم دين واحد . أو جنس واحد . أو مكان واحد .
(مقتصدة ): أي طائفة معتدلة ، من الاقتصاد وهو الاعتدال في أمر الدين لا تغلو بالإفراط ولا تهمل بالتقصير، والمراد به هنا : السير على الطريق المستقيم الذي يوصل إلى الحق والخير ، وهو طريق الإِسلام ، والمعنى : منهم جماعة مستقيمة على طريق الحق ، وهم من دخل منهم في الإِسلام واتبع ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم وهم المؤمنون منهم كعبد الله بن سلام وأضرابه من اليهود وثمانية وأربعون من النصارى.
والاقتصاد من القصد وهو الاعتدال ، وهو افتعل بمعنى اعتمل واكتسب ففيها مبالغة أي مجتهدة في العدل لا غلو ولا تقصير .
{ وَكَثِيرٌ منهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ } أي مقولٌ في حقهم هذا القولُ ، وساء : أفادت الذم والتعجب أي بئسما يعملون وفيه معنى التعجب
{ وكثير منهم } أي بني إسرائيل { سآء ما يعملون } أي ما أسوأ عملهم الذي هم فيه مستمرون على تجديده ، من العِناد والمكابرةِ وتحريفِ الحق والإعراض عنه ، وهم الأجلافُ المتعصِّبون ككعبِ بن الأشرف وأشباهه والروم ففيه معنى التعجيب ، وهم الذين حرفوا الكلم عن مواضعه ، وارتكبوا العظائم في عداوة الله ورسوله [15]
مجاهد والسدي وابن زيد واختاره الجبائي أبو السعود وسيد طنطاوي ودروزة واطفيش وأبو زهرة و الجلال و الآلوسي والبقاعي والقاسمي و الزمخشري و الواحدي و مكي و ابن جزي والبيضاوي و ابن الجوزي و القرطبي و أبو علي الجبائي.
وهو الأصح ويدل عليه المضارع : يعملون: مستمرون على تجديده
[h=3]القول الثاني:[/h]والمقتصد يطلق على المطيع ، أي غيرُ مسرف بارتكاب الذنوب ، واقف عند حدود كتابهم ، لأنّه يقتصد في سَرف نفسه ، ودليل ذلك مقابلته بقوله في الشقّ الآخر { ساء ما يعملون } . وقد علم من اصطلاح القرآن التعبير بالإسراف عن الاسترسال في الذنوب ، قال تعالى : { قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } [ الزمر : 53 ] ، ولذلك يقابل بالاقتصاد ، أي الحذر من الذنوب ، واختير المقتصد لأنّ المطيعين منهم قبْل الإسلام كانوا غير بالغين غاية الطاعة ، كقوله تعالى : { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مُقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله } [ فاطر : 32 ] ، فالمراد هنا تقسيم أهل الكتاب قبل الإسلام لأنّهم بعد الإسلام قسمان سيّء العمل ، وهو من لم يسلم ؛ وسابق في الخيرات ، وهم الّذين أسلموا مثل عبد الله بن سَلاَم ومخيريق
[h=3]القول الثالث: جمع بين القولين :[/h]وقال مجاهد : المقتصدة مسلمة أهل الكتاب قديماً وحديثاً ، ونحوه قول ابن زيد : هم أهل طاعة الله من أهل الكتاب . وذكر الزجاج وغيره : أنها الطوائف التي لم تناصب الأنبياء مناصبة المتمرّدين المجاهدين قال ابن عطية وقال مجاهد : المقتصدة مسلمة أهل الكتاب قديماً وحديثاً . قال القاضي أبو محمد : وعلى هذا يتخرج قول الطبري : ولا يقول في عيسى إنه عبد رسول إلا مسلم ، وقال ابن زيد : هم أهل طاعة الله من أهل الكتاب ، وهذا هو المترجح ، وقد ذكر.
يقول علي هاني : للقارئ أن يأخذ بأي قول ورأي ذكره علماؤنا رحمهم الله للآية ، فكلها لا تؤدي إلى تعارض آيات القرآن الكريم ولا تعارض مسلمات وثوابت القرآن الكريم ، بل هي في الحقيقة على الأقوال التي عليها الجمهور دعوة وترغيب بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما يجب الإيمان به ودعوة للتقوى ، وللإيمان بالقرآن الذي أنزل إليهم ، فالآية عكس ما فسرها هؤلاء .
*************
الآية الثانية : { ( قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [المائدة : 68] يقال في هذه الآية ما يقال في سابقتها ، ولكي لا أطيل اكتفي نقل ما قاله أبو السعود رحمه في تفسير الآية : قال رحمه الله :
"{ قُلْ يا أهل الكتاب } مخاطِباً الفريقين { لَسْتُمْ على شَيء } أيْ دينٍ يُعتدّ به ويليق بأن يسمى شيئاً لظهور بُطلانه ووضوح فساده ، وفي هذا التعبير من التحقير والتصغير ما لا غايةَ وراءه { حتى تُقِيمُوا التوراة والإنجيل } أي تراعوهما وتحافظوا على ما فيهما من الأمور التي من جملتها دلائلُ رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وشواهدُ نبوته ، فإن إقامتهما إنما تكون بذلك ، وأما مراعاة أحكامهما المنسوخةِ فليست من إقامتهما في شيء ، بل هي تعطيل لهما وردٌّ لشهادتهما ، لأنهما شاهدان بنسخها وانتهاءِ وقت العمل بها ، لأن شهادتهما بصحة ما ينسخها شهادةٌ بنسخها وخروجها عن كونها من أحكامهما ، وأن أحكامهما ما قرره النبي الذي بشَّرَ فيهما ببعثه ، وذُكر في تضاعيفهما نعُوتُه ، فإذن إقامتُهما بيانُ شواهدِ النبوة والعملُ بما قررته الشريعة من الأحكام كما يُفصح عنه قوله تعالى : { وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ من ربّكمْ } أي القرآن المجيد بالإيمان به ، فإن إقامة الجميع لا تتأتَّى بغير ذلك ، وتقديمُ إقامةِ الكتابين على إقامته مع أنها المقصودةُ بالذات لرعاية حقِّ الشهادة واستنزالِهم عن رتبة الشِّقاق ، وإيرادُه بعنوان الإنزال إليهم لما مرّ من التصريح بأنهم مأمورون بإقامته والإيمان به لا كما يزعُمون من اختصاصه بالعرب ، وفي إضافة الربِّ إلى ضميرهم ما أشير إليه من اللطف في الدعوة ، وقيل : المراد بما أُنزل إليهم كتبُ أنبياءِ بني إسرائيلَ كما مر ، وقيل : الكتبُ الإلهية فإنها بأسرها آمرةٌ بالإيمان لمن صدَّقَتْه المعجزةُ ناطقةٌ بوجوب الطاعة له . رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن جماعةً من اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ألست تقرأ أن التوراة حقٌّ من عند الله تعالى ؟ فقال عليه السلام : «بلى » ، فقالوا : فإنا مؤمنون بها ولا نؤمنُ بغيرها فنزلت ، قوله تعالى : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً منهُم ما أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ طغيانا وَكُفْراً } جملة مستأنَفةٌ مبيِّنةٌ لشدة شكيمَتِهم وغُلوِّهم في المكابرة والعناد وعدمِ إفادة التبليغ نفعاً ، وتصديرُها بالقسم لتأكيد مضمونها وتحقيق مدلولِها ، والمرادُ بالكثير المذكور علماؤهم ورؤساؤهم ، ونسبةُ الإنزال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسبته فيما مر إليهم للإنباء عن انسلاخِهم عن تلك النسبة { فَلاَ تَأسَ عَلَى القوم الكافرين } أي لا تتأسف ولا تحزن عليهم لإفراطهم في الطغيان والكفر بما تُبلّغه إليهم ، فإن غائلتَه آيلةٌ إليهم وتبِعَتَه حائقةٌ لا تتخطاهم ، وفي المؤمنين مندوحةٌ 40 لك عنهم ، ووضعُ المُظْهر موضعَ المُضمَرِ للتسجيل عليهم بالرسوخ في الكفر "[16].
الآية الثالثة : { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) }في الآية الكريمة قولان مشهوران ، وأقوال [17]أقل شهرة وكلها يجوز للقارئ أن يأخذها قد قررها العلماء ، ولا تؤدي إلى تعارض آي القرآن:
القول الأول: وهو قول الجمهور: الطبري والواحدي والسمعاني والبغوي والزمخشري والطبرسي وابن الجوزي والقرطبي الثعالبي الجلالين والزمخشري و سيد طنطاوي وأبو زهرة وابن عاشور ورشيد رضا واطفيش .
قالوا: لما كان السياق في ذكر التوراة وأنها حكم بها فترة ثم نسخت ، ثم أنزل الله الإنجيل وأمر أهلها أن يحكموا بها ثم نسخت بإنزال القرآن ثم أمر جميع الناس أن يحكموا به، فالكلام ظاهر في تقدير محذوف تقديره "وقلنا":
{ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ} وهذا المحذوف من جملة ما أَنزل الله في الإِنجيل لا أَمر لهم بعد بعث سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم بالحكم بالإِنجيل ، والتقدير: وآتيناه الإنجيل وقلنا لهم في الإِنجيل وليحكم أَهل الإِنجيل بما أَنزل الله فيه من المواعظ والأَمثال ، فيكون هذا إخبارا عما فرض عليهم في ذلك الوقت من الحكم بما تضمنه الإنجيل ، ثم حذف القول لأن ما قبله من قوله { وكتبنا وقفينا } يدل عليه ، وحَذْفُ القولِ كثيرٌ كقوله تعالى : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم } أي يقولون سلام عليكم ، ويؤيد هذا التقدير القراءة الأخرى في الآية بكسر اللام على أنها لام تعليل (ولـِيَحكم) أي : وآتيناه الإنجيل لِيَحكم أهلُ الإنجيل بما فيه.، فأما بعد نزول القرآن فـ(الإنجيل) منسوخ.
قال ابن عاشور:" ولا شكّ أنّ هذا الأمر سابق على مجيء الإسلام ، فهو ممّا أمر الله به الّذين أرسل إليهم عيسى من اليهود والنّصارى ، فعلم أنّ في الجملة قولاً مقدّراً هو المعطوف على جملة { وآتيناه الإنجيل } ، أي وآتيناه الإنجيل الموصوف بتلك الصّفات العظيمة ، وقلنا : ليحكم أهل الإنجيل ، فيتمّ التّمهيد لقوله بعده { ومن لم يحكم بما أنزل الله } ، فقرائن تقدير القول مُتظافِرة من أمور عدّة" [18]. وقال سيد قطب :"وقد جعل الله في الإنجيل هدى ونورا وموعظة للمتقين ، وجعله منهج حياة وشريعة حكم لأهل الإنجيل .أي إنه خاص بهم ، فليس رسالة عامة للبشر - شأنه في هذا شأن التوراة وشأن كل كتاب وكل رسالة وكل رسول ، قبل هذا الدين الأخير - ولكن ما طابق من شريعته - التي هي شريعة التوراة - حكم القرآن فهو من شريعة القرآن . كما مر بنا في شريعة القصاص . وأهل الإنجيل كانوا إذن مطالبين أن يتحاكموا إلى الشريعة التي أقرها وصدقها الإنجيل من شريعة التوراة : ( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ) "[19].
وهناك أمر مهم نبه عليه أكثر من عالم أبي زهرة وهو أنه لو فرضنا عدم تقدير كلمة (قلنا) ، فإن الكلام لا يدل على بقاء شريعة الإنجيل للنصارى ، وذلك لأنه بعد بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صاروا هم أهل القرآن؛ لأنهم هم الذين يخاطبون برسالته ومعهم غيرهم من الخليقة ، فكل الذين يدركون نبيا هم أهل رسالته التي يخاطبون بها ، لا فرق بين قريب دان ، فـ"أهل الإنجيل" توحي أن العمل بالإنجيل محدود ، والسياق يدل على ذلك دلالة بينة ويدعم هذا الفهم ، فقد أخبرتنا الآيات أنه سبحانه أنزل التوراة للذين هادوا فهذا يدل على أنها محدودة المدة في العمل والعمل بها مقصور عليهم ، ثم قال سبحانه { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46)}ثم قال سبحانه { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} فالسياق بل النص الواضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه مأمورون بالحكم بالقرآن الكريم لأن الإنجيل مدته محدودة لأهل الإنجيل كما كانت مدة الذين هادوا كذلك فشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد نسخت ما يخالفها مما سبقها ، إذ شريعة القرآن هي المهيمنة على ما عداها ، كما قال تعالى : { وأنزلناك إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه } ، وهذه الهيمنة توجب العمل بما أقره القرآن ، وبطلان العمل بما نسخه منها، وأما أحكامُ الإنجيل المنسوخةُ فليس الحكمُ بهما حكماً بما أنزل الله فيه بل هو إبطالٌ وتعطيلٌ لما أنزل الله ، إذ الإنجيل شاهدٌ بنسخ هذه الأحكام وانتهاءِ وقت العمل بها ، لأن شهادة الإنجيل بصحة القرآن شهادة بنسخها ، وبأن الأحكام التي يرتضيها الله هي أحكام ما بشر به الإنجيل وهو القرآن الذي شهد الإنجيل بصحته.
[h=3]القول الثاني:[/h] قالوا هذا أمر لأهل الإنجيل بعد نزول القرآن الكريم أن يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم عملا بالبشرى التي في الإنجيل، { وَليَحْكُمْ أَهْلُ الإنجيل بِمَا أَنزَلَ الله فِيهِ } أمرٌ مبتدأٌ لهم بأن يحكموا ويعملوا بما فيه من الأمور التي من جملتها دلائلُ رسالتِه عليه الصلاة والسلام وشواهدُ نبوته وما قرَّرت الشريعة الشريفةُ من أحكامه ، وأما أحكامُه المنسوخةُ فليس الحكمُ بهما حكماً بما أنزل الله فيه بل هو إبطالٌ وتعطيلٌ له ، إذ هو شاهدٌ بنسخها وانتهاءِ وقت العمل بها ، لأن شهادته بصحة ما ينسَخُها من الشريعة شهادةٌ بنسخها ، وبأن أحكامَه ما قرَّرتْه تلك الشريعةُ التي شهد بصحتها كما سيأتي في قوله تعالى : { قُلْ يا أهل الكتاب لَسْتُمْ على شَيء حتى تُقِيمُوا التوراة والإنجيل } [ المائدة ، الآية 67 ] الآية .
أبو السعود وابن كثير والآلوسي والقاسمي
الراجح : هو الأول الذي عليه الجمهور ويعضده قراءة كسر اللام ، والسياق .
وعلى كل الأقوال ، يتضح أن ما استدل به الذين يجيزون لأهل التثليث من النصارى واليهود أن يعملوا بكتابهم بعد نزول القرآن ، وقالوا : لا يلزمهم العمل بالقرآن ـ يتضح أن هذا القول باطل عاطل لم يقل به أحد من علماء المسلمين قبل زماننا وليس عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا نقل عن أحد.
[h=2]الدليل الثالث عشر: أن النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَاتَلَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى،[/h] وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ، وَلَوْلَا أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ، و القرآن أمر بقتالهم[20] { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} التوبة
[h=2]الدليل الرابع عشر: أن هذه القول خارق لإجماع علماء المسلمين، [/h]لم يسبقهم إليه أحد إلا أحد روايتين عن العنبري[21] وهو محجوج بمخالفة إجماع من قبله ومن بعده[22]، وصحح كثير من العلماء أن كلامه ليس في ِتَصْدِيقِ الرُّسُلِ وَإِثْبَاتِ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ الصَّانِعِ، فَالْمُخْطِئُ فِيهِ غَيْرُ مَعْذُورٌ عنده أيضا .
[h=2]الدليل الخامس عشر:جميع الأنبياء أخذ عليهم وعلى أممهم الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم .[/h] جميع الأنبياء أخذ عليهم الميثاق الغليظ المشدد أنه إذا بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به وينصروه أو إذا بعث نبي بعدهم أن يؤمنوا به على اختلاف الرأيين في تفسير الآية الآتية ، وهذا في الحقيقة عهد لأتباع الأنبياء ، فالأنبياء وأتباعهم مأخوذ عليهم العهد بالإيمان بنبينا ، لأن الله سبحانه كان يرسل الأنبياء لأقوامهم ، فإذا جاء رسول آخر فالمتوقع أن يتمسك كل بدينه القديم ، فلأجل أن لا يحصل هذا ، أخذ الله الميثاق على كل نبي أنه إذا بعث الله نبيا آخر أن تتبعه أنت ومن معك ، والمراد الحقيقي أمته ، تأكيدا لوجوب اتباعه ، لأجل أن لا يعملوا كما عمل اليهود مع سيدنا عيسى وكما عمل اليهود والنصارى مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وليس المراد فقط أن يؤمنوا به بل أن يتبعوه اتباعا تاما وأعظم ذلك أن ينصروه .
{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)} آل عمران
وهذه الآية الكريمة لو لم يوجد غيرها في الرد على من يقول: يجوز أن يبقى اليهود والنصارى وغيرهم على دينهم أو أنه لا يجب عليهم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم بل يكفي الايمان به ـ أقول لو لم يوجد غير هذه الآية في الرد عليهم لكفت ولأخرست كل ناعق ، فهي نص صريح جدا لا يقبل مثل هذه الاحتمالات والترهات التي يقولها هؤلاء ويرد عليهم ردا مسكتا .
وزيادة في البيان أذكر تفسر الآية حتى تتضح اتضاحا تاما، تكون ختام الأدلة والقول الفصل في موضوعنا.
[h=3]علاقة الآية بما قبلها ومقصودها :[/h]بين سبحانه وتعالى فيما مضى من سورة آل عمران أن التولي عن الرسل كفر، و بين أحوال اليهود الذين عاصروا الرسالة المحمدية ،وكيف كانوا يتعصبون لما عندهم ، وينكرون رسالة النبي صلى الله عليه وسلم تشددا في التمسك بما عندهم ، فهم يقولون: نؤمن بما أنزل علينا ، فبين الله سبحانه خطأهم في هذا ، وأن الله تعالى أخذ الله الميثاق من جميع الأنبياء وأممهم أن يؤمنوا بكل نبي يأتيهم تأخر عنهم وينصروه([23])، وأشهدهم عليه، فمهما جاءهم رسول مصدق لما معهم ومهما أوتي من علم وحكمة ورسالة وإن عظم أمره وبلغ أن يؤمنوا به وينصروه ، وأخذ الميثاق منهم على ذلك ، وحكم تعالى بأن من تولى عن ذلك الميثاق ولم يعمل به كان من الفاسقين ، وهذا لكي لا يرفض أحد رسالة النبي الذي يأتي ناسخا لشرع من قبله لكن اليهود والنصارى لم يوفوا بهذا الميثاق وكفروا بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاءهم مصدقا لما معهم ، وهذا يدل على ظلمهم وعنادهم ، فبدل أن يؤمنوا به وينصروه كما أخذ الميثاق عليهم خالفوه وحاربوه وحرفوا ، وكانوا أول كافر به ، وما وفوا بالعهد والميثاق، الذي يصور حقيقة الترابط بين موكب الرسل والرسالات متصلا متساندا مستسلما ، ينتدب لها المختار من عباد الله ؛ ثم يسلمها إلى المختار بعده اللاحق به، و الوحدة في الرسالة الإلهية ينبني عليه فسوق من يتولى عن اتباع آخر الرسالات ،لقد أخذ الله - سبحانه - موثقا رهيبا جليلا كان هو شاهده وأشهد عليه رسله ، موثقا على كل رسول، والتعبير القرآني يطوي الأزمنة المتتابعة بين الرسل ؛ ويجمعهم كلهم في مشهد ، والله الجليل الكبير يخاطبهم جملة : هل أقروا هذا الميثاق وأخذوا عليه عهد الله الثقيل : هذا المشهد الهائل الجليل ، يرسمه التعبير ، فيجف له القلب ويجب لكن هؤلاء اليهود والنصارى كانوا على نقيض هذا الميثاق.
[h=3]إذ:[/h]الظرف منصوب بفعل مقدر مخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم أي : اذكر يا محمد وقت أن أخذ الله الميثاق من النبيين .
{ وَإذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِيّنَ }:
أخذ الله ميثاق جميع النبيين الذي أعطوه لله سبحانه في الإيمان بالرسول الذي يأتي من بعدهم ، أو بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فلما لزمهم ذلك فأولى أن يلزمهم بواسطتهم بل هم المقصودون أصالة إذ كل أمة يجب أن تصدق بما جاءها به نبيها ، بدليل قوله : { فمن تولّى بعد ذلك } إلخ إذ لا يجوز على الأنبياء التولّي والفسق وهذا الوصف لا يليق بالأنبياء عليهم السلام وإنما المقصود أممهم ، وإنما أخذ على الأنبياء أنفسهم تغليظا على أممهم وتأكيدا ليَكون هذا الميثاق محفوظاً لدى سائر الأجيال مراعى يشعر بعظمته كل أحد ، والعهد مع المتبوع عهد مع التابع ، فميثاق النبيين على ظاهره من أخذ الميثاق على النبيين بذلك والمقصود أصالة أممهم من باب أولى ، وأيضا هذا أعلى وأشرف لقدره صلى الله عليه وسلم من أخذه على أممهم وأقوامهم.
الميثاق: العقد المؤكد المحكم بيمين المؤكد تأكيدا كثيرا بحيث يربط ويوثق الذي يعطيه نفسه به ويجعل الذي أمامه يثق بما يقول ويعتمد عليه فيوجب أمنا شديدا ووثوقا واطمئنانا ، مأخوذ من الوثاق، وهو ما يشد به ويوثق.
لما آتيتكم :
في اللام قراءتان: بالفتح (لَمَا) وهي قراءة أكثر القراء، وبالكسر (لِما) وهي قراءة حمزة
أولا: توجيه قراءة الفتح:
في توجيه فتح اللام قولان:
[h=3]القول الأول:[/h] اللام في (لما) ابتدائية ، و(ما): اسم موصول مبتدأ ، و(آتيتكم) صلة الموصول، والعائد على الموصول محذوف والتقدير : لما آتيتكموه ، وخبره قوله: { لتؤمنن به }، والتقدير : للذي آتيتكموه من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم ـ لتؤمنن به ، وفي لتؤمنن به لام القسم لأنّ أخذ الميثاق في معنى اليمين ، والمجموع بيان للميثاق المأخوذ، والمعنى : للذي آتيتكموه من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم آمنتم به ونصرتموه البتة .
[h=3]القول الثاني:وهو الأصح[/h](ما): شرطية ، فتكون في محل نصب على المفعول به للفعل بعدها ، (آتيتكم )، و(آتيتكم): فعل الشرط في محل جزم ، وهذا الفعل مستقبل معنى لكونه في حيز الشرط ، و{ ثم جاءكم } في محل جزم بالعطف على { ءاتيتكم } ، اللام في (لما): موطئة للقسم تشعر بأن في الكلام قسما تضمنته سابقها ، وجملة القسم (لتؤمنن): سادة مسد سادّ مسد ّجواب القسم والشرط جميعاً ؛ واللام في قوله { لتؤمنن به } واقعة في جواب القسم لأن أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف وهو كما تقول في الكلام : أخذت ميثاقك لتفعلن كذا ، كأنك قلت استحلفك ، والمعنى لئن آتيتكم ومهما آتيتكم شيئا من كتاب وحكمة وإن عظم أمره وبلغ أيّ مبلَغ ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ، فالأساس في الموافقة أنه إن جاء كتاب الرسالة ،وشريعتها التي هي حكمتها الحاكمة هو أن تؤمنوا بكل رسول يجئ بعدكم مصدقا لما معكم كإيمانكم بكتابكم ، وجعل (ما) شرطية أحسن لأن دخول اللام الموطئة على الشرطية أشهر ، والمعنى عليه أسلس وأوضح ، والشرط في موارد المواثيق أعرف.
وهو اختيار سيبويه والمازني والزجاج الواحدي الزمخشري .
ثانيا : القراءة الثانية بكسر اللام :
اللام للتعليل علّل جواب القسم { لتؤمنن}، أي لتؤمنن لأجل كذا وهي حرف جر متعلق بقوله : { لتؤمننّ به }.
و(ما) عليه :
أ) إما موصولة: والتقدير عليه : أخذ الله سبحانه وتعالى الميثاق على النبيين لتؤمنن به ولتنصرنه لأجل الكتاب الذي نزل عليكم والحكمة التي علمكم إياها ، شكراً على ما آتيتُكم ، لأن من يؤتى الكتاب والحكمة فإن اختصاصه بهذه الفضيلة يوجب عليه تصديق سائر الأنبياء والرسل لأنهم الأفاضل ، وخيار الناس، { لتؤمنن} بأنه من شكر نعمة الإيتاء والتصديق .
ب) أو مصدرية : والتقدير عليه: أخذ الله ميثاقهم لتؤمنن بالرسول ولتنصرنه ، لأجل أني آتيتكم الحكمة ، وأن الرسول الذي آمركم بالإيمان به ونصرته موافق لكم غير مخالف أي لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب ، ثم مجيء رسول مصدق له أخذ الله الميثاق لتؤمنن به ولتنصرنه .
مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ
(مِن): بيان للموصول وصلتِه ، دخلت تبيينا (لما) كقولك : ما عندي من القمح رطل ، وهذا خاتم من فضة ، وهي تفيد فائدتين في مثل هذا السياق :البيان والتعميم ، مثل { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ}، ويكون على المعنى هذا تقديره : إن الله تعالى قال لهم : مهما أو إن أوتيتم كتابا وحكمة وإن عظم أمره وبلغ ما بلغ، ثم يجيئكم به رسول مصدق لما معكم من ذلك الكتاب والحكمة ، والله لتؤمنن به ، ولتنصرنه . فأقروا بذلك ، وأعطوا عليه مواثيقهم[SUP] ،، [/SUP]وعبارة ابن كثير والمنار والمراغي[24] تشير للسر البلاغي في التعبير بـ(ما) وتنكير كتاب وحكمة حيث قال ابن كثير :" يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم ، عليه السلام ، إلى عيسى ، عليه السلام ، لَمَهْمَا آتى الله أحدَهم من كتاب وحكمة ، وبلغ أيّ مبلَغ ، ثم جاءه رسول من بعده ، ليؤمنَنَّ به ولينصرَنَّه ، ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته"[25] ، وقال رشيد رضا :"وهي أن الله تعالى أخذ الميثاق على جميع النبيين وعلى أتباعهم بالتبع لهم بأن ما يعطونه من كتاب وحكمة وإن عظم أمره فالواجب عليهم أن يؤمنوا بمن يرسل من بعدهم مصدقا لما معهم منه وأن ينصروه"[26].
والحكمة: إتقان العلم ومعرفة الحقائق على ما هي عليه دون غلظ ولا اشتباه وإجراء الفعل على وفق ذلك العلم ، و الإصابة في القول والعمل ووضع كل شيء موضعه، بحيث يحفظهم في صراطي معاشهم ومعادهم من الزيغ ، ومن ذلك العِلم بالله ودقائق شرائعه ومعاني كتابه وتفصيل مقاصده ، وما تكمل به النفوس من المعارف والأحكام وأسرار الشريعة ومقاصدها ، مأخوذة من الحَكَمة – بالتحريك – وهي ما أحاط بحنكي الفرس من اللجام لمنعه من الانحراف والزيغ ، وفي ذلك معنى ما يضبط به الشيء ، و الحكمة تمنع صاحبها من الوقوع في الغلط والضلال.
فحاصل الكلام أنه - تعالى - أوجب على جميع الأنبياء الإيمان بكل رسول جاء مصدقا لما معهم ، ولا شك أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم قد جاء مصدقا لما معهم فوجب على الجميع أن يؤمنوا به " .
[h=3] ثُمَّ :[/h]للتراخي الزمني ، أي مهما تراخى مجيء الرسول لا بد من الإيمان به فلا يقال نحن من ألف سنة على هذا الشرع فكيف نغيره ، فـ(ثم) لدفع شبهتهم من أنهم على شرعهم من قديم .
[h=3]جَاءَكُمْ رَسُولٌ [27][/h]أي من عندي، ثم وصفه بما يعلم أنه من عنده (مصدق لما معكم)، وذلك بأن أتى بدين وكتاب موافق لما معكم في العقائد، والأخلاق ، والأصول.
وأضاف الرازي والخازن وجها آخر في التصديق وهو : أن الله وصفه في كتب الأنبياء المتقدمة وشرح فيها أحواله فإذا جاءت صفاته وأحواله مطابقة في كتبهم المنزلة فقد صار مصدقاً لها فيجب الإيمان به والانقياد
[h=3]وفي المراد بالرسول قولان :[/h]القول الأول: المراد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أخذ الله ميثاق النبيين أجمعين أن يؤمنوا بمحمد عليه السلام وينصروه إن أدركوه ، وينصره إن أدركه ، وتضمن ذلك أخذ هذا الميثاق على أمم الأنبياء ، فأمرهم أن يأخذوا بذلك الميثاق على أممهم ليؤمنن به ولئن بعث وهم أحياء لينصرنه ، وهذا احتجاج على اليهود ، قال عليّ كرّم الله وجهه :" ما بعث الله نبياً إلاَّ أخذ عليه العهد في محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمره بأخذ العهد على قومه فيه بأن يؤمنوا به وينصروه إن أدركوا زمانه[28]" وهذا غاية التشريف للرسول عليه السلام ، ، فهو أوحد الكافة في الرتبة ،
واللفظ وإن كان نكرة فالإشارة إلى معين، والتنكير للتعظيم والوحدة وليس للجنس ، كقوله تعالى : " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة " إلى قوله : " ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه "
اختاره : علي وابن عباس وقتادة والسدي و ابن جزي والقرطبي و الواحدي وأبو حيان ابن الجوزي. أبوا علي الجبائي الهواري ، وأبومسلم والطبرسي و القشيري .
ويرد على هذا القول إشكال بناء على أن الميثاق قد أخذ على النبيين أنفسهم وهو أن هذا الرسول ما جاء في عصر أحد منهم . وكان الله تعالى يعلم ذلك عند أخذ الميثاق عليهم لأن علمه أزلي أبدي . وأجيب عنه بأنه ميثاق مبني على الفرض أي إذا فرض إن جاءكم وجب عليكم الإيمان به ونصره .
ويكون المراد منه بيان مرتبته صلى الله عليه وسلم مع النبيين إذا فرض أن وجد في عصرهم ، وهو أنه يكون الرئيس المتبوع لهم ، فما قولك إذاًفي أتباعهم لاسيما بعد زمنهم ؟ وإنما كان له صلى الله عليه وسلم هذا الاختصاص ؛ لأن الله تعالى قضى في سابق علمه بأن يكون هو خاتم النبيين الذي يجيء بالهدى الأخير العام الذي لا يحتاج البشر بعده إلى شيء معه سوى استعمال عقولهم واستقلال أفكارهم ، وأن يكون ما قبله من الشرائع التي يجيئون بها هداية موقوتة خاصة بقوم دون قوم.
[h=3]القول الثاني:[/h]أخذ العهد على كل نبي أن يؤمن بمن يأتي بعده من الأنبياء وينصره إن أدركه ،فإن لم يدركه أن يأمر قومه بنصرته إن أدركوه، فأخذ الميثاق من موسى أن يؤمن بعيسى ، ومن عيسى أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، فأخذ ميثاق الأول من الأنبياء أن يؤمن بما جاء به الآخر وينصره ، وعلى هذا أيضا يجب عليهم أن يؤمنوا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه خاتمهم ، فكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لو أدركوه لوجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته ، وكان هو إمامهم ومقدمهم ومتبوعهم، فهذا لا يضاد القول الأول ولا ينفيه ، بل يستلزمه ويقتضيه .
وهذا قول سعيد بن جبير والحسن البصري وطاووس وقتادة والسعدي الشوكاني .
مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ:
المراد به حصول الموافقة في التوحيد ، والنبوات ، وأصول الشرائع .
وأيضا يدخل في هذا التصديق أن وصفه صلى الله عليه وسلم وكيفية أحواله مذكورة في التوراة والإنجيل ، فلما ظهر على أحوال مطابقة لما كان مذكورا في تلك الكتب ، كان نفس مجيئه تصديقا لما كان معهم .
لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ.
{ لتؤمنن به } أي أنتم وأممكم { ولتنصرنه } أي على من يخالفه .
قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ
الإقرار هنا مستعمل في معنى التحقيق بالوفاء مما أخذ من الميثاق ، { قال ءأقررتم } أي يا معشر النبيين أأقررتم بالإيمان به والنصرة له.
ومادة (ق، ر، ر): الإقرار والقرار والقرّ والقارورة ونحو ذلك : من السكون والثبوت ، يقال: قرَّ الشيءُ يقرُّ : إذا ثبت ولزم مكانه والمقر بالشيء يقره على نفسه أي يثبته ، وأقره غيره، زيدت عليه همزة التعدية ، فقيل أقر الشيءَ :إذا أثبته و نطق بما يدل على ثبوته .
وَأَخَذْتُمْ :
الأخذ التناول ، والمراد القبول وهو غايته؛ لأن آخذ الشيء يقبله ، وهو مستعمل كذلك في التنزيل قال تعالى : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) } [ البقرة : 48 ]
عَلَى ذَلِكُمْ: العهد المعظم بالإشارة بأداة البعد وميم الجمع.
إِصْرِي :
(الإصر): عقد الشيء وحبسه بقهره وبثقل ، واشتقاقه من الإصار بكسر الهمزة وهو: ما يعقد ويشدّ مع ثقل ،يقال أصرته فهو مأصور" والمأصَر: محبس السفينة ،(إصري) ميثاقي الشديد المؤكد الموثق الثقيل الذي يحبس صاحبه ويشده ويعقده ويمنعه من التهاون فيما التزمه وعاهد عليه ، سمي بذلك لما فيه من الثقل ، فإنه يشد في نفسه بالتوثيق ويشتد بعد كونه على النفوس لما لها من النزوع إلى الإطلاق عن عهد التقيد بنوع من القيود.
قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا
{ قالوا أقررنا } أي : قبلنا ما أمرتنا به على الرأس والعين.
{ قال } الله لهم : { فاشهدوا } على أنفسكم وعلى أممكم بذلك
· والشهادة على أنفسهم : بمعنى التوثق والتحقيق، أي: ليجعل كل أحد نفسه شاهدا على نفسه ، ونظيره قوله
{ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا } [ الأعراف : 172 ] وهذا من باب المبالغة .
· والشهادة على أممهم: بتبليغ ذلك الميثاق .
· {وأنا معكم من الشاهدين}: الله شاهد على الجميع كما شهد النبيون على الأمم، وهذا تأكيد للعهد بشهادة رب العزة جل جلاله وتقوية الإلزام ، وتحذير من الرجوع إذا علموا شهادة الله.
ثم إنه تعالى ضم إليه تأكيدا آخر فقال : { فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}.
فمن تولى بعد ذلك:
حذف (من) فلم يقل من بعد ذلك يدل على أمرين:
الأمر الأول: أن التهديد لمن تولى بعد تقرر الميثاق والتوكيد والإقرار بأن أعرض عن الإيمان بهذا الرسول وبنصرته .
الأمر الثاني: تعميم التهديد لكل من يتولى في جميع مدة ما بعد الميثاق فتشمل جميع الأمم التي تأتي بعد.
والكلام في الظاهر للأنبياء لكنه في الحقيقة لأتباعهم ، فكأن المعنى قوله : { فمن تولى بعد ذلك } أي من تولّى مِمن شهدتم عليهم ، وهم الأمم ، ولذلك لم يقل فمن تولّى بعد ذلك منكم كما قال في الآية التي خوطب فيها بنو إسرائيل في سورة [ المائدة : 12 ] : { فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضلّ سواء السبيل } -فلو أن أحداً بعد كلّ هذا التأكيد على أخذ المواثيق والعهود المؤكّدة أعرض عن الإيمان بنبيّ كنبيّ الإسلام محمد الذي بشرت به الكتب القديمة وذكرت علائمه ، فهذا المعرض فاسق وخارج على أمر الله تعالى، ونعلم أن الله لا يهدي الفاسقين المعاندين ، كما ، ومن لا يكون له نصيب من الهداية الإلهيّة ، فإن مصيره إلى النار .
قال الفخر الرازي:" { فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } يعني من أعرض عن الإيمان بهذا الرسول وبنصرته بعد ما تقدم من هذه الدلائل كان من الفاسقين ووعيد الفاسق معلوما " [29] .
قال سيد قطب:" وفي ظل هذه الحقيقة يبدو الذين يتخلفون من أهل الكتاب عن الإيمان بالرسول الأخير صلى الله عليه وسلم ومناصرته وتأييده ، تمسكا بدياناتهم - لا بحقيقتها فحقيقتها تدعوهم إلى الإيمان به ونصرته ، ولكن باسمها تعصبا لأنفسهم في صورة التعصب لها ! - مع أن رسلهم الذين حملوا إليهم هذه الديانات قد قطعوا على أنفسهم عهدا ثقيلا غليظا مع ربهم في مشهد مرهوب جليل . . في ظل هذه الحقيقة يبدو أولئك الذي يتخلفون فسقة عن تعليم أنبيائهم . فسقة عن عهد الله معهم . فسقة كذلك عن نظام الكون كله المستسلم لبارئه ، الخاضع لناموسه ، المدبر بأمره ومشيئته "[30].
[h=2]الدليل السادس عشر[31]: أن الله تعالى أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم[/h]و جعل المتولي عنه كافرا وعلق حب الله سبحانه على طاعته صلى الله عليه واتباعه
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)}آل عمران
قال أبو السعود: "{{قُلْ أَطِيعُواْ الله والرسول} أي في جميع الأوامرِ والنواهي فيدخلُ في ذلك الطاعة في اتباعِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ دخولاً أولياً ، وإيثارُ الإظهار على الإضمار بطريق الالتفات لتعيين حيثية الإطاعة ، والإشعارِ بعلّتها فإن الإطاعة المأمورَ بها إطاعته عليه الصلاة والسلام من حيث إنه رسولُ الله لا من حيث ذاتُه ولا ريبَ في أن عنوان الرسالة من موجبات الإطاعةِ ودواعيها.
{فَإِن تَوَلَّوْاْ} إما من تمام مقولِ القول فهي صيغة المضارعِ المخاطَب بحذف إحدى التاءين أي تتولوا وإما كلام متفرِّعٌ عليه مَسوقٌ من جهتِه تعالَى فهي صيغةُ الماضي الغائب وفي ترك ذكر احتمال الإطاعة كما في قوله تعالى فَإِنْ أَسْلَمُواْ تلويحٌ إلى أنه غيرُ محتمَلٍ منهم
{فَإِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الكافرين} نفي المحبة كنايةٌ عن بغضه تعالى لهم وسُخطِه عليهم أي لا يرضى عنهم ولا يثني عليهم وإيثارُ الإظهارِ على الإضمار لتعميم الحكمِ لكل الكفَرَة والإشعار بعلّته فإن سخطه تعالى عليهم بسبب كفرهم ، والإيذان بأن التولّيَ عن الطاعة كفرٌ وبأن محبته عز وجل مخصوصة بالمؤمنين"."[32]
[h=2]الدليل السابع عشر: القرآن نص على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل للناس جميعا [/h]لم يستثن أحدا بل أتى بألفاظ العموم (جميعا)، (كافة) وحصر الفلاح بمتبعه.
{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ([33] آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} الأعراف
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} سبأ
والحقيقة أن أدلة هذا الموضوع لا تنتهي ، ومن أراد استقصاءها لاحتاج إلى مجلدات كثيرة ، ففيما ذكرنا كفاية لمن طلب الحق منصفا .
*************
[h=2] مسألة مهمة: [/h]بقيت مسألة مهمة وهي أن علينا أن نفرق بين المسألة التي بحثناها وهي أنه يجب على اليهود والنصارى وجميع الفرق الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم والقرآن واتباعهما ، وأنه من يكفر به من الأحزاب فالنار موعده، وأنه لا يسمع يهودي ولا نصراني بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن إلا دخل النار، وبين مسألة أخرى تختلف عنها وهي حكم من لم تبلغه الدعوة ، وحكم أطفال المشركين والنصارى ، وهما مسألتان مختلفتان تماما ، وإليك قول العلماء في المسألة الثانية:
قال علي القاري في شرح حديث: " أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»"
قوله: (إِلَّا كَانَ) ] أَيْ: فِي عِلْمِ اللَّهِ، أَوْ بِمَعْنَى يَكُونُ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْمُضِيِّ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ [ (مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) ] أَيْ مُلَازِمِيهَا بِالْخُلُودِ فِيهَا، وَأَمَّا الَّذِي سَمِعَ وَآمَنَ فَحُكْمُهُ عَلَى الْعَكْسِ، وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَسْمَعُ وَلَمْ يُؤْمِنْ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْوَعِيدِ[34].
وقال الإمام النووي: في الحديث نسخ الملل كلها برسالة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وفي مفهومه دلالة على أن من لم يبلغه دعوة الإسلام فهو معذور"[35].
خلاصة الأقوال في الذي لم تبلغه الدعوة :
من لم تبلغه الدعوة في مصيرهم ثلاثة أقوال هي:
1 - من مات ولم تبلغه الدعوة مات ناجيًا.
2 - من مات ولم تبلغه الدعوة فهو في النار.
3 - من مات ولم تبلغه الدعوة فإنه يمتحن بنار في عرصات يوم القيامة.
1) والقول الأول: قال به الأشاعرة من أهل الكلام والأصول، وبعض الشافعية من الفقهاء قال عضد الدين الإيجي في المواقف:" وَأما من نَشأ على شَاهِق جبل وَلم تبلغه دَعْوَة نَبِي أصلا فَإِنَّهُ مَعْذُور عِنْد الإشاعرة فِي ترك الْأَعْمَال وَالْإِيمَان أَيْضا"[36]
2) والقول الثاني: وهو أن من مات ولم تبلغه الدعوة فهو في النار.
قال به المعتزلة وجماعة من الحنفية الماتوريدية وكذا قال البقاعي و عبد الله الحليمي لكن مع الاختلاف في طريقة الاستدلال عليه[37].
قالوا بأنهم مكلفون وإن لم يرسَل إليهم رسول، وعليهم أن يستدلوا بعقولهم، فما استحسنه العقل فهو حسن، وما قبحه العقل فهو قبيح. وإن الله سبحانه يعذب في النار من لم يؤمن وإن لم يرسَل إليه رسول لقيام الحجة عليه بالعقل، وهذا يدل على أن هناك ثوابًا وعقابًا قبل بلوغ الدعوة وبعثة الرسل.
3) والقول الثالث: وهو أن من لم يسمع بالدعوة كأهل الفترة يُمتحنون في عرصات القيامة بنار يأمرهم الله سبحانه وتعالى بدخولها، فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا، ومن لم يدخلها فقد عصى الله تعالى، فيدخله الله فيها.اختاره : ابن تيمية ، وابن القيم ، و ابن كثير ، محمد أمين الشنقيطي.
************
[h=3]حكم أطفال المشركين:[/h]وقال النووي : "أجمع من يُعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة"[38].
قال الشيخ شعيب في تحقيق العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم:
المذهب الصحيح المختار عند المحققين من أهل العلم أن أطفال المشركين الذين يموتون قبل الحنث هم من أهل الجنة[39].
[h=1]المراجع[/h]ابن أبي زمنين ، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى المري المالكي ،"تفسير القرآن العزيز" ، طبع محققا عام 1423 هـ دار الفاروق الحديثة القاهرة .
ابن الأنباري، عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنصاري، أبو البركات، كمال الدين الأنباري (المتوفى: 577هـ)، "الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين: البصريين والكوفيين"، المكتبة العصرية، ط: الأولى 1424هـ- 2003م
ابن الشجري ، ضياء الدين أبو السعادات هبة الله بن علي بن حمزة، المعروف بابن الشجري (المتوفى: 542هـ) "ما لم ينشر من الأمالي الشجرية" تحقيق: الدكتور حاتم صالح الضامن، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى، 1405 هـ - 1984 م
ابن العربي، القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر المعافري الاشبيلي المالكي (المتوفى: 543هـ)، "أحكام القرآن"، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا،: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 2003.
ابن القيم ، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، تحقيق: محمد حامد الفقي، مكتبة المعارف، الرياض، المملكة العربية السعودية.
ابن القيم، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)، "هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى"، تحقيق: محمد أحمد الحاج.دار القلم- دار الشامية، جدة – السعودية، ط: الأولى، 1416هـ - 1996م
ابن الهائم : أحمد بن محمد بن عماد الدين بن علي، أبو العباس، شهاب الدين، (المتوفى: 815هـ)، "التبيان في تفسير غريب القرآن"، تحقيق: د ضاحي عبد الباقي محمد، دار الغرب الإسلامي – بيروت، ط: الأولى - 1423 هـ
ابن الوزير، محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني (المتوفى: 840هـ)ي، أبو عبد الله، عز الدين، من آل الوزير (المتوفى: 840هـ)، "العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم" حققه وضبط نصه، وخرج أحاديثه، وعلّق عليه: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط: الثالثة، 1415 هـ - 1994 م.
ابن تيمية : تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728هـ)" الرد على المنطقيين"، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
ابن تيمية ، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728هـ)، " الفتاوى الكبرى ، دار الكتب العلمية، ط الأولى، 1408هـ - 1987م
ابن جزي، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، الكلبي الغرناطي (المتوفى: 741هـ)، "التسهيل لعلوم التنزيل"،تحقيق: الدكتور عبد الله الخالدي، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم – بيروت، 1996.
ابن حزم ، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456هـ)، " الفِصَل في الملل والأهواء والنحل" مكتبة الخانجي - القاهرة
ابن سيده : أبو الحسن علي بن إسماعيل المرسي [ت: 458هـ، "المحكم والمحيط الأعظم" تحقيق : عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية – بيروت، ط: الأولى، 1421 هـ - 2000
ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر التونسي (المتوفى: 1393هـ)، "التحرير والتنوير " «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»، الدار التونسية للنشر – تونس، سنة النشر: 1984 هـ
ابن عجيبة ، : أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي الحسني، الأنجري الفاسي الصوفي (المتوفى: 1224هـ، " البحر المديد في تفسير القرآن المجيد" تحقيق: أحمد عبد الله القرشي رسلان، ط دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الثانية 1423 هـ - 2002 م.
ابن عجيبة، أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي الحسني الفاسي (المتوفى: 1224هـ)، " البحر المديد في تفسير القرآن المجيد "، تحقيق: أحمد عبد الله القرشي رسلان، الناشر: الدكتور حسن عباس زكي – القاهرة، 1999.
ابن عطية، أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام الأندلسي المحاربي (المتوفى: 542هـ)، "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز"، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية – بيروت، 2001.
ابن عقيل، عبد الله بن عبد الرحمن العقيلي الهمداني المصري (المتوفى : 769هـ) ،" شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك"، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار التراث - القاهرة، دار مصر للطباعة ، سعيد جودة السحار وشركاه، ط: العشرون 1400 هـ - 1980 م. وأول مجلدين ، مذيلان بحاشية : منحة الجليل، بتحقيق شرح ابن عقيل.
ابن فارس، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفى: 395هـ، "معجم مقاييس اللغة"، تحقيق : عبد السلام محمد هارون، : دار الفكر، عام النشر: 1399هـ - 1979م..
ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم ب الدينوري (المتوفى: 276هـ ، "غريب الحديث" تحقيق: د. عبد الله الجبوري، مطبعة العاني – بغداد، ط: الأولى، 1397
ابن كثير ، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، "البداية والنهاية" ، تحقيق علي شيري، لناشر: دار إحياء التراث العربي، ط: الأولى 1408، هـ - 1988 م.
ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، "تفسير القرآن العظيم"، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، 1999.
ابن مالك ، جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك ت "شرح التسهيل تسهيل الفوايئد وتكميل المقاصد" حقيق محمد عبد القادر عطا وطارق فتحي السيد، دار الكتب العلمية، ط: الأولى 1422هـ .
ابن مفلح ، إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ، أبو إسحاق، برهان الدين (المتوفى: 884هـ) "المبدع في شرح المقنع"، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، ط: الأولى، 1418 هـ - 1997 م
ابن نقطة ، عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي البغدادي، موفق الدين، ويعرف بابن اللباد، وبابن نقطة (المتوفى: 629هـ) الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر، مطبعة وادي النيل، ط: الأولى، 1286 هـ
ابن يعيش، موفق الدين يعيش بن علي تحقيق أحمد السيد وإسماعيل عبد الجواد "شرح المفصل" المكتبة الوقفية .
أبو السعود، العمادي محمد بن محمد بن مصطفى (المتوفى: 982هـ)، " تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم"، دار إحياء التراث العربي – بيروت.
أبو المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد المروزى السمعاني التميمي الحنفي ثم الشافعي (المتوفى: 489هـ، "تفسير القرآن"، تحقيق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم. دار الوطن، الرياض – السعودية.
أبو جعفر، أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي، (المتوفى: 708هـ)، "ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل"، وضع حواشيه: عبد الغني محمد علي الفاسي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان
أبو حيان، محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي(المتوفى: 745هـ) ، "البحر المحيط في التفسير"، تحقيق: صدقي محمد جميل، دار الفكر – بيروت، 1999.
أبو زهرة، محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (المتوفى: 1394هـ)، "زهرة التفاسير"، دار الفكر العربي.
أبو زينة ، د منصور أبو زينة ، الحذف والذكر في المتشابه اللفظي في القرآن رسالة ماجستير.
الأزهري ، خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد الجرجاويّ الأزهري، زين الدين المصري، وكان يعرف بالوقاد (المتوفى: 905هـ)، "التصريح على التوضيح "، دار الكتب العلمية -بيروت-لبنان، ط: الأولى 1421هـ- 2000م
الأزهري ، محمد بن أحمد بن الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370هـ، تهذيب اللغة، تحقيق: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الأولى، 2001م.
الإسكافي، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأصبهاني المعروف بالخطيب (المتوفى: 420هـ)، " درة التنزيل وغرة التأويل"، دراسة وتحقيق وتعليق: د/ محمد مصطفى آيدين، جامعة أم القرى، وزارة التعليم العالي سلسلة الرسائل العلمية الموصى بها (30) معهد البحوث العلمية مكة المكرمة، 2001.
الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب (المتوفى: 502هـ)، "تفسير الراغب الأصفهاني"، تحقيق: د. محمد عبد العزيز بسيوني. الناشر: كلية الآداب - جامعة طنطا، 1999.
إطفيش، محمد بن يوسف بن عيسى، "تيسير التفسير"، وزارة التراث القومي والثقافي بسلطنة عمان، ط: 1406.
إطفيش، محمد بن يوسف، "هميان الزاد ليوم المعاد"، طبع في زنجبار.
الأعقم، أحمد بن علي، "تفسير الأعقم"، دار الحكمة اليمانية.
ألشيرازي، ناصر مكارم، "الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل"، مؤسسة النشر الإسلام، قم، نقحه د: محمد علي آذر شب.
الألوسي، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني (المتوفى: 1270هـ)، "روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني"، تحقيق: علي عبد الباري عطية. دار الكتب العلمية – بيروت، ط: الأولى، 1995.
الآمدي ، علي بن محمد بن سالم التغلبي، أبو الحسن، سيف الدين الآمدي (المتوفى: 631هـ) أبكار الأفكار في أصول الدين، تحقيق: أ. د. أحمد محمد المهدي، دار الكتب والوثائق القومية – القاهرة، ط: الثانية / 1424 هـ -2004م .
أمير عبد العزيز، التفسير الشامل" طبع بالقاهرة دار السلام 1420"
الإيجي، عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار، أبو الفضل، عضد الدين (المتوفى: 756هـ تحقيق: عبد الرحمن عميرة"المواقف" ، دار الجيل - لبنان – بيروت،ط:الأولى، 1417هـ - 1997م.
البخاري ، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله الجعفي " الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه" =" صحيح البخاري"، محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، ط: الأولى، 1422هـ.
البرسوي، إسماعيل حقي بن مصطفى الحنفي الإستانبولي الخلوتي , المولى أبو الفداء (المتوفى: 1127هـ)، "روح البيان"، دار الفكر – بيروت.
البغوي ، محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء الشافعي (المتوفى: 510هـ)، " معالم التنزيل في تفسير القرآن" = تفسير البغوي، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي –بيروت، 1999.
البقاعي، إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر (المتوفى: 885هـ)، "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور"، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.
البيضاوي، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي (المتوفى: 685هـ)، " أنوار التنزيل وأسرار التأويل"، تحقيق: محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، 1998.
التُستري، أبو محمد سهل بن عبد الله بن يونس بن رفيع (المتوفى: 283هـ)، "تفسير التستري"، جمعها: أبو بكر محمد البلدي،تحقيق: محمد باسل عيون السود، الناشر: منشورات محمد علي بيضون / دارالكتب العلمية - بيروت. 2002.
تعيلب ، عبد المنعم أحمد ، "فتح الرحمن في تفسير القرآن" الطبعة الأولى دار السلام 1416هـ .
الثعالبي، أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف (المتوفى: 875هـ)، "الجواهر الحسان في تفسير القرآن"، تحقيق: الشيخ محمد علي معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، دار إحياء التراث العربي – بيروت، 1998.
الثعلبي، أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو إسحاق (المتوفى: 427هـ)، "الكشف والبيان عن تفسير القرآن"، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، 2002.
الجاوي، محمد بن عمر نووي البنتني إقليما، التناري بلدا (المتوفى: 1316هـ)، "مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد"، تحقيق: محمد أمين الصناوي، دار الكتب العلمية – بيروت، 1997.
جبل ، محمد حسن حسن جَبَل " المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم"، مكتبة الآداب ،ط الأولى.
الجصاص، أحمد بن علي أبو بكر الرازي الحنفي (المتوفى: 370هـ)، "أحكام القرآن"، تحقيق: محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف، دار إحياء التراث العربي – بيروت، 1985.
جواد ، الدكتور جواد علي (المتوفى: 1408هـ)،" المفصل فى تاريخ العرب قبل لإسلام"، دار الساقي، ط: الرابعة 1422هـ/ 2001م،
الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد (المتوفى: 597هـ)، "زاد المسير في علم التفسير"، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي – بيروت، ط: الأولى - 1422 هـ.
الجوهري، أبو نصر إسماعيل بن حماد الفارابي (المتوفى: 393هـ ، "الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية"، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين – بيروت، ط: الرابعة 1407 هـ - 1987 م
الحلبي، أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين، "عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ"، (المتوفى: 756 هـ)، تحقيق: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمي، 1996.
الحلبي، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين (المتوفى: 756هـ)، "الدر المصون في علوم الكتاب المكنون"، لأبي العباس، شهاب الدين، تحقيق: الدكتور أحمد محمد الخراط دار القلم، دمشق.
حنبل ، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241هـ)، "مسند الإمام أحمد بن حنبل"، شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط: الأولى، 1421 هـ - 2001 م
حوى، سعيد حوّى (المتوفى 1409 هـ)، "الأساس في التفسير"، دار السلام – القاهرة، ط: السادسة، 1424 هـ.
الخازن، علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيحي أبو الحسن، المعروف بالخازن (المتوفى: 741هـ)، "لباب التأويل في معاني التنزيل"، تصحيح: محمد علي شاهين، دار الكتب العلمية – بيروت، ط: الأولى، 1415 هـ
الخالدي ، د صلاح عبد الفتاح الخالدي"تصويبات في فهم بعض الآيات"، الناشر: دار القلم – دمشق، ط: الأولى، 1407 هـ - 1987 م.
الخطيب، عبد الكريم يونس (المتوفى: بعد 1390هـ)، "التفسير القرآني للقرآن"، دار الفكر العربي – القاهرة.
الخفاجي، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر ا المصري الحنفي (المتوفى: 1069هـ)، "حَاشِيةُ الشِّهَابِ عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوِي"، الْمُسَمَّاة: عِنَايةُ القَاضِى وكِفَايةُ الرَّاضِى عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوي، دار صادر – بيروت.
الخليل، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (المتوفى: 170ه ، "العين"، تحقيق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي،دار ومكتبة الهلال.
الخليلي، أحمد بن حمد المفتي العام لسلطنة عمان، "جواهر التفسير "، مكتبة الاستقامة، ط: الأولى 1404هـ
دروزة، محمد عزت، "التفسير الحديث"، دار إحياء الكتب العربية – القاهرةن ط: 1383 هـ.
الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)، "مفاتيح الغيب = التفسير الكبير"، دار إحياء التراث العربي – بيروت، 1999.
رشيد بن علي رضا، محمد بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني (المتوفى: 1354هـ)، " تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) "، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة النشر: 1990 م
الزبيدي ، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، (المتوفى: 1205هـ)، "تاج العروس من جواهر القاموس تحقيق "، مجموعة من المحققين، دار الهداية.
الزركشي، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر (المتوفى: 794هـ) "البحر المحيط في أصول الفقه" دار الكتبي، ط: الأولى، 1414هـ - 1994م.
الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، جار الله (المتوفى: 538هـ)، "الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل"، دار الكتاب العربي – بيروت، ط: الثالثة - 1407 هـ
الزين العراقي ، أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم (المتوفى: 806هـ) "طرح التثريب في شرح التقريب" تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد، أكمله ابنه: أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين الكردي الرازياني ثم المصري، أبو زرعة ولي الدين، ابن العراقي (المتوفى: 826هـ)، "دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، ودار الفكر العربي".
السامرائي، فاضل بن صالح بن مهدي بن خليل البدري، "لمسات بيانية"، دار عمار للنشر والتوزيع، عمان – الأردن، 2003.
السعدي، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله (المتوفى: 1376هـ)، "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، ط: الأولى 1420هـ -2000 م.
السمرقندي، أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم (المتوفى: 373هـ)، "بحر العلوم"،
السمعاني ، أبو المظفر منصور بن محمد المروزي التميمي الحنفي، "تفسير السمعاني" طبع بتحقيق ياسر بن إبراهيم دار الوطن الرياض ، ط: 1418 هـ
السيوطي ، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين (المتوفى: 911هـ)، "اللمع في أسباب ورود الحديث"، مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط: الأولى، 1416 هـ / 1996 م
السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين (المتوفى: 911هـ)، " نواهد الأبكار وشوارد الأفكار" = حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي، جامعة أم القرى - كلية الدعوة وأصول الدين، 2005.
السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين (المتوفى: 911هـ)، "المزهر في علوم اللغة وأنواعها"، تحقيق: فؤاد علي منصور، دار الكتب العلمية – بيروت، ط: الأولى، 1418هـ 1998م.
شحاته ، عبد الله محمود شحاته ، "تفسير القرآن الكريم " طبع الطبعة الثانية بدارغريب بالقاهرة 2000م.
الشربيني، شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشافعي (المتوفى: 977هـ)، "السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير"، مطبعة بولاق (الأميرية)، القاهرة، 1868.
الشعراوي، محمد متولي (المتوفى: 1418هـ)، "تفسير الشعراوي" – الخواطر، الناشر: مطابع أخبار اليوم، 1997.
الشنقيطي، محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني (المتوفى: 1393هـ)، "العَذْبُ النَّمِيرُ مِنْ مَجَالِسِ الشَّنْقِيطِيِّ فِي التَّفْسِيرِ"، خالد بن عثمان السبت.
الشنقيطي، محمدالأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني (المتوفى: 1393هـ)، "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان، عام النشر: 1415 هـ - 1995 مـ
الشهرستاني ، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد (المتوفى: 548هـ) ، "الملل والنحل"، مؤسسة الحلبي.
الشوكاني، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله اليمني (المتوفى: 1250هـ)، "فتح القدير"، دار ابن كثير، - دمشق، بيروت، ط: الأولى - 1414 هـ
الشِيرازي الشَيخ نَاصِر مَكارم، : الامثل في تفسير كتابِ اللهِ المُنزَل، عدد الأجزاء : 20
الصابوني، محمد علي، " صفوة التفاسير"، دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع – القاهرة، ط: الأولى، 1417 هـ - 1997 م
صافي، محمود بن عبد الرحيم (المتوفى: 1376هـ)، "الجدول في إعراب القرآن الكريم"، دار الرشيد، دمشق - مؤسسة الإيمان، بيروت، ط: الرابعة، 1418 هـ
صالح الهاشمي ، صالح بن الحسين الجعفري أبو البقاء (المتوفى: 668هـ)، "تخجيل من حرف التوراة والإنجيل"، تحقيق: محمود عبد الرحمن قدح، مكتبة العبيكان، الرياض، المملكة العربية السعودية،ط: الأولى، 1419هـ/1998م.
الصبان ، أبو العرفان محمد بن علي الصبان الشافعي (المتوفى: 1206هـ)، "حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك"، دار الكتب العلمية بيروت-لبنان، ط: الأولى 1417 هـ -1997م.
ط: الأولى، 1426 هـ - 2005 م.
الطباطبائي، محمد حسين، "الميزان في تفسير القرآن"، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثانية 1422هـ
الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن، "مجمع البيان في تفسير القرآن"، دار الكتب العلمية، ط: الأولى 1418، بيروت.
الطبرسي، أمين الاسلام أبي علي الفضل بن الحسن ت(548 هـ) ، " مجمع البيان في تفسير القرآن والفرقان "،المجمع العالمي لأهل البيت.
الطبري، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر (المتوفى: 310هـ)، "جامع البيان في تأويل القرآن"، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط: الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
طنطاوي، محمد سيد، " التفسير الوسيط للقرآن الكريم"، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الفجالة – القاهرة، ط: الأولى. 1997-1998.
الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن ، " التبيان في تفسير القرآن"، تحقيق وتصحيح : أحمد حبيب قصير العاملي.
العاملي، محمد جواد مغنية، "التفسير الكاشف"، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة.
العسقلاني ، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد ، (المتوفى: 852هـ المحقق: عبد الحكيم محمد الأنيس ، " العجاب في بيان الأسباب"، دار ابن الجوزي.
العقرباوي ، علي هاني يوسف ، أبحاث الفرق بين (قبل ومن قبل) و(بعد ومن بعد) ، و(تحت ومن تحت) وبقية الظرف، ملتقى أهل التفسير
العلوي، الشيخ العلامة محمد الأمين بن عبد الله الأرمي العلوي الشافعي، "تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن"، مراجعة: الدكتور هاشم محمد علي بن حسين مهدي. دار طوق النجاة، بيروت – لبنان، ط: الأولى، 1421 هـ - 2001 م
الغلاييني، المؤلف: مصطفى بن محمد سليم (المتوفى: 1364هـ) " جامع الدروس العربية"، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، ط: الثامنة والعشرون، 1414 هـ - 1993 م.
الفيروزآبادي، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب (المتوفى: 817هـ، " القاموس المحيط"، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، بإشراف: محمد نعيم العرقسُوسي، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، ط: الثامنة، 1426 هـ - 2005 م
الفيومي ، محمد إبراهيم (المتوفى: 1427هـ)، تاريخ الفكر الديني الجاهلي، دار الفكر العربي، ط: الرابعة 1415هـ-1994.
القاري، علي بن سلطان محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي (المتوفى: 1014هـ)، "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"، دار الفكر، بيروت – لبنان، ط: الأولى، 1422هـ - 2002م
القاسم، أحمد عبيد الدعاس- أحمد محمد حميدان - إسماعيل محمود، " إعراب القرآن الكريم"، دار المنير ودار الفارابي – دمشق، ط: الأولى، 1425 هـ
القاسمي، ابن الوزير، محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني أبو عبد الله، عز الدين، من آل الوزير (المتوفى: 840هـ)، العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، حققه وضبط نصه، وخرج أحاديثه، وعلّق عليه: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط: الثالثة، 1415 هـ - 1994 م
القاسمي، محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق (المتوفى: 1332هـ)، "محاسن التأويل"، محمد باسل عيون السود، لدار الكتب العلميه – بيروت، ط: الأولى - 1418 هـ
القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين (المتوفى: 671هـ)، "الجامع لأحكام القرآن" = تفسير القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم اطفيش. دار الكتب المصرية – القاهرة، ط: الثانية، 1384هـ - 1964 م
القطان، إبراهيم، "تيسير التفسير"، راجعه: أحمد أبو حجلة.
قطب، سيد إبراهيم حسين الشاربي (المتوفى: 1385هـ)، "في ظلال القرآن"، دار الشروق - بيروت- القاهرة، ط: السابعة عشر - 1412 هـ
القِنَّوجي، أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري (المتوفى: 1307هـ) "فتحُ البيان في مقاصد القرآن" اعتنى به : عَبد الله بن إبراهيم الأنصَاري، المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر، صَيدَا – بَيروت، عام النشر: 1412 هـ - 1992 م
القونوي، الحافظ إسماعيل القونوي، "حاشية القونوي على البيضاوي" المكتبة المحمودية فاتح استانبول.
الكفوي، أيوب بن موسى الحسيني القريمي ، أبو البقاء الحنفي (المتوفى: 1094هـ)، " الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية"، تحقيق: عدنان درويش - محمد المصري، مؤسسة الرسالة - بيروت
لجنة من الفقهاء ، الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويتعدد الأجزاء: 45 جزءا، الطبعة: (من 1404 - 1427 هـ)، دارالسلاسل - الكويت
لجنة من علماء الأزهر، "المنتخب في تفسير القرآن الكريم، "، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر، طبع مؤسسة الأهرام، ط: الثامنة عشر، 1416 هـ - 1995 م
الماتريدي، محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور (المتوفى: 333هـ)، "تفسير الماتريدي (تأويلات أهل السنة) "، تحقيق: د. مجدي باسلوم، دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان، 2005.
الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)، "تفسير الماوردي = النكت والعيون" ، تحقيق: السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم، دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان.
المباركفوري"، أبو الحسن عبيد الله بن محمد عبد السلام بن خان محمد بن أمان الله بن حسام الدين الرحماني (المتوفى: 1414هـ)" مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"، الناشر: إدارة البحوث العلمية والدعوة والإفتاء - الجامعة السلفية - بنارس الهند، ط: الثالثة - 1404 هـ، 1984 م.
المباركفوري، أبو الحسن عبيد الله بن محمد عبد السلام بن خان محمد بن أمان الله بن حسام الدين الرحماني (المتوفى: 1414هـ)، "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"، إدارة البحوث العلمية والدعوة والإفتاء - الجامعة السلفية - بنارس الهند، ط: الثالثة - 1404 هـ، 1984 م
مجموعة من العلماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، "التفسير الوسيط للقرآن الكريم"، الناشر: الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، ط: الأولى، (1393 هـ = 1973 م) - (1414 هـ = 1993 م)
مجموعة من العلماء، " المعجم الوسيط"، إبراهيم مصطفى / أحمد الزيات / حامد عبد القادر / محمد النجار، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، دار الدعوة.
المحلي، جلال الدين محمد بن أحمد (المتوفى: 864هـ)، السيوطي، وجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (المتوفى: 911هـ)، "تفسير الجلالين"، دار الحديث – القاهرة، ط: الأولى
مخلوف ، حسنين محمد مخلوف ، صفوة البيان لمعاني القرآن ، طبع دار الرشاد الحديثة
المحتويات
المقدمة:. 1
خطة البحث:. 3
القسم الأول: التفسير التحليلي وفيه ست وعشرون مسألة:. 6
المسألة الأولى: في علاقة آية سورة البقرة بما قبلها 6
المسألة الثانية: فائدة إِنَّ:. 11
المسألة الثالثة : بيان الأقوال في المراد بالذين آمنوا:. 12
المسألة الرابعة: الأقوال في المراد بـ(الذين هادوا والنصارى) في الآية :. 20
المسألة الخامسة : حاصل الأقوال في معنى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ}:. 23
المسألة السادسة: تحقيق اشتقاق هادوا وبيان الفرق بين هادوا ويهودوهُود:. 36
المسألة السابعة : هل اليهودية دين سيدنا موسى عليه السلام. 68
المسألة الثامنة:أصل كلمة النصارى:. 70
المسألة التاسعة: اختلف العلماء كذلك لم سموا "نصارى":. 73
المسألة العاشرة: السر في أنه تعالى في حق اليهودلم يقل قالوا إنا يهود بل قال {اليهود} وفي حق النصارى89
المسألة الحادية عشر: تاريخ الصَّابِئة وفرقهم :. 90
المسألة الثانية عشرة : أقوال المفسرين في الصابئة وهي تسعة أقوال :. 129
المسألة الثالثة عشرة : أقوال الفقهاء في الصابئة:. 133
المسألة الرابعة عشرة: من آمن بالله.. 153
المسألة الخامسة عشرة معنى اليوم الآخر (62)} :. 156
المسألة السادسة عشرة : عبارة { آمن بالله واليوم الآخر} في مصطلح القرآن يراد بها الإيمان بجميع الأركان كما تقدم ويوضحه استعمالات القرآن لذلك :. 163
المسألة السابعة عشرة : معنى العمل الصالح في آية { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا (62)}:. 184
المسألة السابعة عشرة : إعراب (من) في {من آمن بالله واليوم الآخر}:. 191
المسألة الثامنة عشرة : معنى {فلهم أجرهم عند ربهم}:. 192
المسألة التاسعة عشرة : معنى{ ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}: 193
المسألة العشرون : مناسبة آية سورة المائدة وآية سورة الحج لما قبلهما:. 197
المسألة الحادية والعشرون : تلخيص أقوال العلماء في سورة المائدة :. 203
المسألة الثانية والعشرون : تفسير آية سورة الحج مع ذكر أقوال العلماء:. 208
المسألة الثالثة والعشرون: الإعراب في المائدة والصابئون:. 214
المسألة الرابعة والعشرون: الفائدة البلاغة في رفع الصابئون:. 220
المسألة الخامسة والعشرون : الرد على من يخطئ القرآن الكريم في رفع الصابئون:. 226
المسألة السادسة والعشرون: أسرار الاختلاف بين الآيات الثلاثة تقديما وتأخيرا ورفعا ونصبا واختلافا في الفاصلة : 227
القسم الثاني: أدلة الرد على من فسر الآية على خلاف مراد الله سبحانه:. 236
الدليل الأول : تفسيرهم يؤدي إلى اختلاف القرآن وتعارضه. 239
الدليل الثاني: أن اسم النصارى لم يرد في القرآن مرادا به الموحدون. 250
الدليل الثالث: قوله تعالى { من آمن بالله } يرد عليهم.. 254
الدليل الرابع: هم لا يؤمنون بيوم القيامة كما وصفه الله تعالى.. 255
الدليل الخامس: شرط العمل الصالح الإيمان. 259
الدليل السادس: دينهم يخالف دين الإسلام الذي عرفه القرآن. 261
الدليل السابع:القرآن مليء بالآيات التي تدعو الكفار. 280
الدليل الثامن: القرآن يقرر أن من عبد مع الله غيره لم يعبد الله سبحانه ،. 283
الدليل التاسع : نص القرآن الكريم على كفر اليهود والنصارى صراحة. 304
الدليل العاشر : قد بشرت جميع الكتب بالنبي صلى الله عليه وسلم وأمته. 313
الدليل الحادي عشر:ترك ملايين النصارى واليهود دينهم عبر التاريخ.. 316
الدليل الثاني عشر:العمل بالتوراة أو الإنجيل عمل بشريعة منسوخة. 317
الدليل الثالث عشر: أن النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَاتَلَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى،. 344
الدليل الرابع عشر: أن هذه القول خارق لإجماع علماء المسلمين،. 345
الدليل الخامس عشر:جميع الأنبياء أخذ عليهم وعلى أممهم الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم .. 348
الدليل السادس عشر: أن الله تعالى أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم. 359
الدليل السابع عشر: القرآن نص على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل للناس جميعا 360
مسألة مهمة:. 362
المراجع. 366
[1] وقد توسع محمد رشيد رضا في الكلام على أصل الكلمة في المنار (9 /215 ) .
[2] انظر هداية الحيارى ص 110 ، وما ذكره ابن القيم هو في العهد القديم سفر التثنية الإصحاح 33 .
[3] التفسير الحديث (6/176) عند تفسير" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)".
[4] إرشاد العقل السليم (3/44)
[5] صحيح مسلم باب وجوب إيمان أهل الكتاب برسالة الإسلام رقم الحديث 240 وقد ذكر الإمام السيوطي سبب ورود هذا الحديث في اللمع في أسباب ورود الحديث/ عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) قال سبب: أخرج الدارقطني في الافراد عن عبد الله بن مسعود قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله رأيت رجلا من النصاري متمسكا بالانجيل ورجلا من اليهود متمسكا بالتوراة يؤمن بالله ورسوله، ثم لم يتبعك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سمع بي من يهودي أو
نصراني ثم لم يتبعني فهو في النار ". ص 90
[6] (1/ 53)
[7] لتتضح علاقة الآية بما قبلها أذكر الآيات التي قبل هذه الآية الكريمة :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)} .
[8] مسند الإمام أحمد 19634 وفي صحيح البخاري 3011 ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ، فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا، وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ أَدَبَهَا، ثُمَّ يُعْتِقُهَا فَيَتَزَوَّجُهَا فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الكِتَابِ، الَّذِي كَانَ مُؤْمِنًا، ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ص:61]، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَالعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ، وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ "،
[9] نظم الدرر (6 /224 )
[10] الذي نحن فيه غير الخلاف في أصول الفقه هل شرع من قبلنا شرع لنا : قال محمد بن الحسن بن العربيّ في الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلاميفقهنا مبتكر ليس مقبتسًا, فهو كالعلم المرتجل؛ إذ نبينا -صلى الله عليه وسلم- النبي الأمي، وأمته التي بُعِثَ فيها بدوية، لم تكن لها في زمن تكوين الفقه حضرية تتمكن بها من الاقتباس من الكتب قبلها، ففقهنا مقتبس من قرآننا وسنة نبينا، ناشيء بنشأتهما.
أما من قال من علمائنا: إن شرع من قبلنا شرع لنا.
فليس مراده أننا نطالع توراتهم مثلًا ونقتبس منها الأحكام, فهذا لا قائل به, وإنما مرادهم أن ما ورد في القرآن والسنة حكاية عن وقائع الأمم السالفة ونوازلها الفقهية إذا لم يقيم دليل على نسخه يكون شرعًا لنا, لكون الشرع قرره ولم ينكره, فحكايته له وعدم إنكاره بمنزلة قوله: اعملوا به، كقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية1، أما كتب الكتابيين فلا يجوز لنا أن نأخذ منها الأحكام أصلًا, لقوله -عليه الصلاة والسلام: "لا تصدقوهم ولا تكذبوهم, وقولوا آمنًّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم" (1/76).
[11] قال أبو السعود في تفسير { ( قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} أبو السعود -{ قُلْ يا أهل الكتاب } مخاطِباً الفريقين { لَسْتُمْ على شَيء } أيْ دينٍ يُعتدّ به ويليق بأن يسمى شيئاً لظهور بُطلانه ووضوح فساده ، وفي هذا التعبير من التحقير والتصغير ما لا غايةَ وراءه { حتى تُقِيمُوا التوراة والإنجيل } أي تراعوهما وتحافظوا على ما فيهما من الأمور التي من جملتها دلائلُ رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وشواهدُ نبوته ، فإن إقامتهما إنما تكون بذلك ، وأما مراعاة أحكامهما المنسوخةِ فليست من إقامتهما في شيء ، بل هي تعطيل لهما وردٌّ لشهادتهما ، لأنهما شاهدان بنسخها وانتهاءِ وقت العمل بها ، لأن شهادتهما بصحة ما ينسخها شهادةٌ بنسخها وخروجها عن كونها من أحكامهما ، وأن أحكامهما ما قرره النبي الذي بشَّرَ فيهما ببعثه ، وذُكر في تضاعيفهما نعُوتُه ، فإذن إقامتُهما بيانُ شواهدِ النبوة والعملُ بما قررته الشريعة من الأحكام كما يُفصح عنه قوله تعالى : { وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ من ربّكمْ } أي القرآن المجيد بالإيمان به ، فإن إقامة الجميع لا تتأتَّى بغير ذلك ، وتقديمُ إقامةِ الكتابين على إقامته مع أنها المقصودةُ بالذات لرعاية حقِّ الشهادة واستنزالِهم عن رتبة الشِّقاق
[12] إرشاد العقل السليم ( 2 / 350).
[13] جامع البيان (10 / 462).
[14] قال البقاعي { لأكلوا } أي لتيسر لهم الرزق ، وعبّر بـ " من " لأن المراد بيان جهة المأكول لا الأكل { من فوقهم } ، ولما كان ذلك ، قال موضحاً له معبراً بالأحسن ليفهم غيره بطريق الأولى : { ومن تحت أرجلهم } أي تيسراً واسعاً جداً متصلاً لا يحصر ، أو يكون كناية عن بركات السماء والأرض ، فبين ذلك أنه ما ضربهم بالذل والمسكنة إلا تصديقاً
قال أبو السعود : ومفعول ( أكلوا ) محذوف بقصد التعميم ، أو للقصد إلى نفس الفعل كما في قوله : فلان يعطي ويمنع ، و( مِنْ ) في الموضعين لابتداء الغايةاطفيش - الهميان : { لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرجُلِهِم } : من للابتداء ، والكلام عبارة عن توسيع الرزق ، كأنه قيل لأفيض عليهم الرزق من كل جهة ، وجعلوا مغمورين فيه ، فان هذا مما يعبر به عن توسيعه .
[15] قال أبو حيان: فالجملة الأولى جاءت منهم أمة مقتصدة ، جاء الخبر الجار والمجرور ، والخبر الجملة من قوله : ساء ما يعملون ، وبين التركيبين تفاوت غريب من حيث المعنى ، وذلك أن الاقتصاد جعل وصفاً ، والوصف ألزم للموصوف من الخبر ، فأتى بالوصف اللازم في الطائفة الممدوحة ، وأخبر عنها بقوله : منهم ، والخبر ليس من شأنه اللزوم ولا سيما هنا ، فأخبر عنهم بأنهم من أهل الكتاب في الأصل ، ثم قد تزول هذه النسبة بالإسلام فيكون التعبير عنهم والإخبار بأنهم منهم ، باعتبار الحالة الماضية
وأما في الجملة الثانية فإنهم منهم حقيقة لأنهم كفار ، فجاء الوصف بالإلزام ، ولم يجعل خبراً ، وجعل خبر الجملة التي هي ساء ما يعملون ، لأن الخبر ليس من شأنه اللزوم ، فهم بصدد أن يسلم ناس منهم فيزول عنهم الإخبار بمضمون هذه الجملة
[16] إرشاد العقل السليم ( 3 / 62 ).
[17] قد لخصها كلها أبو حيان قائلا:" { وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه } أمر تعالى أهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه من الأحكام ويكون هذا الأمر على سبيل الحكاية ، وقلنا لهم : احكموا ، أي حين إيتائه عيسى أمرناهم بالحكم بما فيه إذ لا يمكن ذلك أن يكون بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، إذ شريعته ناسخة لجميع الشرائع ، أو بما أنزل الله فيه مخصوصاً بالدلائل الدالة على نبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول الأصم ، أو بخصوص الزمان إلى بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عبر بالحكم بما أنزل الله فيه عن عدم تحريفه وتغييره ، فالمعنى : وليقرأه أهل الإنجيل على الوجه الذي أنزل لا يغيرونه ولا يبدلونه ، وهذا بعيد ". البحر المحيط (4/280).
[18] التحرير والتنوير ( 6/ 219 ).
[19] ظلال القرآن (2/900).
[20] البحر المحيط، للزركشي (8/ 281)
[21] العَنْبَري(105 - 168 هـ = 723 - 785 م)عبيد الله بن الحسن بن الحصين العنبري، من تميم: قاض، من الفقهاء العلما بالحديث.
من أهل البصرة. قال ابن حبان: من ساداتها فقها وعلما. ولي قضاءها سنة 157 هـ وعزل سنة 166 وتوفي فيها .
[22] قال الزركشي في البحر المحيط(8/281) :"فِي حُكْمِ الِاجْتِهَادِ: لَا يَخْلُو حَالُ الْمُجْتَهِدِ فِيهِ
إمَّا أَنْ تَتَّفِقَ عَلَيْهِ أَقْوَالُ الْمُجْتَهِدِينَ أَوْ تَخْتَلِفَ:
1) فَإِنْ اتَّفَقَتْ فَهُوَ إجْمَاعٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ،
2) وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُمْ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمٍ عَقْلِيٍّ أَوْ شَرْعِيٍّ:
الْأَوَّلُ - الْعَقْلِيُّ: أ) فَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ مِمَّا يَمْنَعُ مَعْرِفَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَرَسُولَهُ، كَمَا فِي إثْبَاتِ الْعِلْمِ بِالصَّانِعِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بَالتَّوْحِيدِ، فَالْحَقُّ فِيهَا وَاحِدٌ، هُوَ الْمُكَلَّفُ، وَمَا عَدَاهُ بَاطِلٌ. فَمَنْ أَصَابَهُ أَصَابَ الْحَقَّ، وَمَنْ أَخْطَأَهُ فَهُوَ كَافِرٌ.
ب) وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ [ بأن لم يكن يمنع معرفة الله سبحانه ورسوله]، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ وَخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَكَمَا فِي وُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِجْمَاعِ وَالْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ اسْمَ (الْكُفْرِ) ، فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَجْرَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَهُ عَلَى كُفْرَانِ النِّعَمِ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ مُبْتَدِعٌ فَاسِقٌ، لِعُدُولِهِ عَنْ الْحَقِّ.
هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ دِينِيَّةً. أَمَّا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، كَمَا فِي وُجُوبِ تَرْكِيبِ الْأَجْسَامِ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَجْزَاءٍ، وَانْحِصَارِ اللَّفْظِ فِي الْمُفْرَدِ وَالْمُؤَلَّفِ، فَلَا الْمُخْطِئُ فِيهِ آثِمٌ، وَلَا الْمُصِيبُ مَأْجُورٌ، إذْ يَجْرِي مِثْلُ هَذَا مَجْرَى الْخَطَأِ فِي أَنَّ مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ أَكْبَرَ مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْ أَصْغَرَ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ قَاضِي الْبَصْرَةِ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْأُصُولِ مُصِيبٌ. وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ الْجَاحِظِ. وَيَلْزَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْعَنْبَرِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ الْمُخَالِفِينَ فِي الدِّينِ مُخْطِئًا، وَأَمَّا الْجَاحِظُ فَجَعَلَ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَاحِدًا، وَلَكِنَّهُ يَجْعَلُ الْمُخْطِئَ فِي جَمِيعِهَا غَيْرَ آثِمٍ.
أَمَّا رَأْيُ الْعَنْبَرِيِّ فَبَيَّنَ الِاسْتِحَالَةَ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ أَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ وَأَنَّهُ مُحْدَثٌ، وَأَمَّا [رَأْيُ] الْجَاحِظِ فَبَاطِلٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَاتَلَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ، وَلَوْلَا أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَكَانَ ابْنُ الْعَنْبَرِيِّ يَقُولُ فِي مُثْبِتِي الْقَدَرِ: هَؤُلَاءِ عَظَّمُوا اللَّهَ، وَفِي نَافِي الْقَدَرِ: هَؤُلَاءِ نَزَّهُوا اللَّهَ، وَقَدْ اُسْتُبْشِعَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَصْوِيبَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَسَائِرِ الْكُفَّارِ فِي اجْتِهَادِهِمْ، قَالَ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أُصُولَ الدِّيَانَاتِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الْقِبْلَةِ، كَالرُّؤْيَةِ وَخَلْقِ الْأَفْعَالِ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ، كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس، فَهَذَا مِمَّا يُقْطَعُ فِيهِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قُلْت: وَهَذَا أَحَدُ الْمَنْقُولَاتِ عَنْهُ. قَالَ الْقَاضِي فِي " مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ ": اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْعَنْبَرِيِّ فَقَالَ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ: إنَّمَا أُصَوِّبُ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فِي الدِّينِ تَجْمَعُهُمْ الْمِلَّةُ. وَأَمَّا الْكَفَرَةُ فَلَا يُصَوِّبُونَ.
وَغَلَا بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْهُ فَصَوَّبَ الْكَافِرِينَ الْمُجْتَهِدِينَ دُونَ الرَّاكِنِينَ إلَى الْبِدْعَةِ. وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ مَعَهُمَا مُخْتَصَرًا فَنَقُولُ: أَنْتُمَا (أَوَّلًا) مَحْجُوجَانِ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَكُمَا وَبَعْدَكُمَا. و (ثَانِيًا) إذَا أَرَدْتُمَا بِذَلِكَ مُطَابَقَةَ الِاعْتِقَادِ لِلْمُعْتَقِدِ فَقَدْ خَرَجْتُمَا عَنْ حَيِّزِ الْعُقَلَاءِ وَانْخَرَطْتُمَا فِي سِلْكِ الْأَنْعَامِ. وَإِنْ أَرَدْتُمَا الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ وَنَفْيِ الْحَرَجِ - كَمَا نُقِلَ عَنْ الْجَاحِظِ - فَالْبَرَاهِينُ الْعَقْلِيَّةُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ الْخَارِجَةِ عَنْ حَدِّ الْحَصْرِ تَرُدُّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ. وَأَمَّا تَخْصِيصُ التَّصْوِيبِ بِالْمُجْمِعِينَ عَلَى الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فَنَقُولُ: مِمَّا خَاضَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْظُمُ خَطَرُهُ. وَأَجْمَعُوا قَبْلَ الْعَنْبَرِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ إدْرَاكُ بُطْلَانِهِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ ": لَعَلَّهُ أَرَادَ خَلْقَ الْأَفْعَالِ وَخَلْقَ الْقُرْآنِ، إذْ الْمُسْلِمُ لَا يُكَلَّفُ الْخَوْضَ فِيهِ، بِخِلَافِ قِدَمِ الْعَالَمِ وَنَفْيِ النُّبُوَّاتِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا فَاسِدٌ، فَإِنَّ اعْتِقَادَ الْإِصَابَةِ الْمُحَقَّقَةِ عَلَى هَذَا مُحَالٌ. وَقَالَ إلْكِيَا: ذَهَبَ الْعَنْبَرِيُّ إلَى أَنَّ الْمُصِيبَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ، وَلَكِنْ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَصْدِيقِ الرُّسُلِ وَإِثْبَاتِ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ الصَّانِعِ، فَالْمُخْطِئُ فِيهِ غَيْرُ مَعْذُورٌ. وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَدَرِ وَالْجَبْرِ وَإِثْبَاتِ الْجِهَةِ وَنَفْيِهَا فَالْمُخْطِئُ فِيهِ غَيْرُ مَعْذُورٍ وَلَوْ كَانَ مُبْطِلًا فِي اعْتِقَادِهِ بَعْدَ الْمُوَافَقَةِ بِتَصْدِيقِ الرُّسُلِ وَالْتِزَامِ الْمِلَّةِ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ مَا كُلِّفُوا إلَّا اعْتِقَادَ تَعْظِيمِ اللَّهِ وَتَنْزِيهِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَبْحَثْ الصَّحَابَةُ عَنْ مَعْنَى الْأَلْفَاظِ الْمُوهِمَةِ لِلتَّشْبِيهِ، عِلْمًا مِنْهُمْ بِأَنَّ اعْتِقَادَهَا لَا يَجُرُّ حَرَجًا. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي اجْتِهَادِهِ، وَلَكِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمُصِيبِ. وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْهُمَا الْجَوَازُ فِي الْأُصُولِ مُطْلَقًا بِمَعْنَى حَطِّ الْإِثْمِ، لَا بِمَعْنَى الْمُطَابَقَةِ لِلْحَقِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، إذْ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَهُوَ مُحَالٌ. وَمَا ذَكَرَاهُ لَيْسَ بِمُحَالٍ عَقْلًا، لَكِنَّهُ مُحَالٌ شَرْعًا، لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَخْلِيدِ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ، وَلَوْ كَانُوا غَيْرَ آثِمِينَ لَمَا سَاغَ ذَلِكَ. وَأَمَّا ابْنُ فُورَكٍ فَنُقِلَ عَنْهُ ذَلِكَ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّأْوِيلُ، نَحْوُ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ وَالْإِرْجَاءِ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي " الشِّفَاءِ ": ذَهَبَ الْعَنْبَرِيُّ إلَى تَصْوِيبِ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ فِيمَا كَانَ عُرْضَةً لِلتَّأْوِيلِ وَحَكَى الْقَاضِي ابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ مِثْلَهُ عَنْ دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ الْأَصْفَهَانِيِّ، وَحَكَى قَوْمٌ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا ذَلِكَ فِيمَنْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْ حَالِهِ اسْتِفْرَاغَ الْوُسْعِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْجَاحِظُ نَحْوَ هَذَا الْقَوْلِ. وَتَمَامُهُ فِي أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْعَامَّةِ وَالنِّسَاءِ وَالْبُلْهِ مُقَلِّدَةِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ لَا حُجَّةَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ طِبَاعٌ يُمْكِنُ مَعَهَا الِاسْتِدْلَال، وَقَدْ نَحَا الْغَزَالِيُّ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الْمَنْحَى فِي كِتَابِ " التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالزَّنْدَقَةِ " وَقَائِلُ هَذَا كُلِّهِ كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى كُفْرِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا مِنْ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ، وَكُلُّ مَنْ فَارَقَ دِينَ الْمُسْلِمِينَ وَوَقَفَ فِي تَكْفِيرِهِمْ أَوْ شَكَّ، لِقِيَامِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى كُفْرِهِمْ. فَمَنْ وَقَفَ فِيهِ فَقَدْ كَذَّبَ النَّصَّ. انْتَهَى.
وَمَا نَسَبَهُ لِلْغَزَالِيِّ غَلَطٌ عَلَيْهِ، فَقَدْ صَرَّحَ بِفَسَادِ مَذْهَبِ الْعَنْبَرِيِّ، كَمَا سَبَقَ عَنْهُ، وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَاَلَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي كِتَابِ " التَّفْرِقَةِ " هُوَ قَوْلُهُ: إنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ مِنْ نَصَارَى الرُّومِ أَوْ التُّرْكِ أَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْوِيبُهُمْ، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَعَانَدَ. وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى هَذَا لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مَا نُقِلَ عَنْ الْعَنْبَرِيِّ وَالْجَاحِظِ إنْ أَرَادَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مُصِيبٌ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا، لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَيَّنٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْمُتَفَاضِلَانِ لَا يَكُونَانِ حَقَّيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ مَنْ بَذَلَ الْوُسْعَ وَلَمْ يُقَصِّرْ فِي الْأُصُولِيَّاتِ أَنَّهُ يَكُونُ مَعْذُورًا غَيْرَ مُعَاقَبٍ فَهَذَا أَقْرَبُ وَجْهًا، لِكَوْنِهِ نَظَرِيًّا، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُعْقَدُ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ عُوقِبَ وَكُلِّفَ بَعْدَ اسْتِفْرَاغِهِ غَايَةَ الْجَهْدِ لَزِمَ تَكْلِيفُهُ لِمَا لَا يُطَاقَ. وَقَالَ فِي " شَرْحِ الْإِلْمَامِ ": يُمْكِنُ أَنْ يُجِيبَ الْعَنْبَرِيُّ عَمَّا رُدَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ تَبْيِيتِ الْمُشْتَرَكِينَ وَاغْتِرَارِهِمْ وَعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعَانِدِ وَغَيْرِهِ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: الْمُكَلَّفُ مِنْهُ مَعَ إمْكَانِ النَّظَرِ بَيْنَ مُعَانِدٍ وَمُقَصِّرٍ، وَأَنَا أَقُولُ بِهَلَاكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. هَذَا إنْ كَانَ مَا قَالَا بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا الَّذِي حُكِيَ عَنْهُ مِنْ الْإِصَابَةِ فِي الْعَقَائِدِ الْقَطْعِيَّةِ فَبَاطِلٌ قَطْعًا، وَلَعَلَّهُ لَا يَقُولُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الْمُخْطِئُ فِي الْأُصُولِ وَالْمُجَسِّمَةِ: فَلَا شَكَّ فِي تَأْثِيمِهِ وَتَفْسِيقِهِ وَتَضْلِيلِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي تَكْفِيرِهِ. وَلِلْأَشْعَرِيِّ قَوْلَانِ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَغَيْرُهُمَا: وَأَظْهَرُ مَذْهَبَيْهِ تَرْكُ التَّكْفِيرِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ " إكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ ": وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: رَجَعَ الْأَشْعَرِيُّ عِنْد مَوْتِهِ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالصِّفَاتِ لَيْسَ جَهْلًا بِالْمَوْصُوفَاتِ. وَقَالَ: اخْطَفْنَا فِي عِبَارَةٍ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ وَاحِدٌ. وَالْخِلَافُ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ: لَا يُكَفِّرُ، قِيلَ لَهُ: أَلَا تُكَفِّرُ مَنْ يُكَفِّرُك؟ فَعَادَ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّكْفِيرِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ، فَهُمْ يُكَفِّرُونَ خُصُومَهُمْ وَيُكَفِّرُ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ الْآخَرَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَمُعْظَمُ الْأَصْحَابِ عَلَى تَرْكِ التَّكْفِيرِ. وَقَالُوا: إنَّمَا نُكَفِّرُ مَنْ جَهِلَ وُجُودَ الرَّبِّ، أَوْ عَلِمَ وُجُودَهُ وَلَكِنْ فَعَلَ فِعْلًا، أَوْ قَالَ قَوْلًا، أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْدُرُ ذَلِكَ إلَّا عَنْ كَافِرٍ. وَمَنْ قَالَ بِتَكْفِيرِ الْمُتَأَوِّلِينَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُكَفِّرَ أَصْحَابَهُ فِي نَفْيِ الْبَقَاءِ أَيْضًا، كَمَا يُكَفَّرُ فِي نَفْيِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا. قُلْت: وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَكْفِيرَ الْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، لَكِنَّ جُمْهُورَ أَصْحَابِهِ تَأَوَّلُوهُ عَلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ، كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ."
[23] وأيضا : النبيون بعد ما آتاهم الله الكتاب والحكم والنبوة لا يتأتى لهم أن يدعوا إلى الشريك وكيف يتأتى لهم ذلك ؟ وقد أخذ منهم الميثاق على الإيمان والنصرة لغيرهم من النبيين الذين يدعون إلى توحيد الله سبحانه.
[24] وكذلك يشير له عبارة السمرقندي والثعلبي والسمين والطوسي والطبرسي ، قال الثعلبي ، والمعنى : أي كتاب آتيتكم ثم جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ، للاّم في قوله لتؤمننّ به .قال السمرقندي ، ومعناه فما آتيتكم يعني ، أي كتاب آتيتكم لتؤمنوا به قال ، الطوسي: وتقديره أي شئ آتيتكم . ومهما آتيتكم ، قال الطوسي: " وتقديره أي شئ آتيتكم ، ومهما آتيتكم" التبيان (2/ 513 )، السمين الحلبي: وقوله : { مِّن كِتَابٍ } كقوله : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } [ البقرة : 106 ] يقول علي هاني: وقد نص ابن عاشور في موضع آخر على أن من البيانية في مثل هذا تفيد أيضا فائدتين: البيان والتعميم.وهذا الرأي أي جعل من بيانية تفيد مع التنكير التعميم والتعظيم أفضل من رأي الزمخشري والبيضاوي والقونوي حيث قال: الزمخشري -وقرأ حمزة : «لما آتيتكم » . بكسر اللام ومعناه : لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة قال القونوي: أشار به إلى أن من تبعيضية باعتبار كل واحد لكن لا يختص بقراءة حمزة فالتنبيه عليه هناك أولى نعم في صورة كون ما شرطية من بيانية لكن ملاحظ فيه التبعيض .
[25] تفسير ابن كثير (2/ 67 ) .
[26] المنار (3/ 288).
[27] قال الطباطبائي: "ومن اللطائف الواقعة في الآية أن الميثاق مأخوذ من النبيين للرسل على ما يعطيه قوله : { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين } - إلى قوله : - { ثم جاءكم رسول } ، ومعلوم أن الرسول أخص مصداقا من النبي ، فعلى ظاهر ما يفيده اللفظ يكون الميثاق مأخوذا من مقام النبوة لمقام الرسالة من غير دلالة على العكس" .
[28] زاد المسير (1/300).
[29] التفسير الكبير (8/ 279).
[30] ظلال القرآن (1/ 421).
[31] نص على هذا الدليل والأدلة بعده شيخي الشيخ الفاضل بلال النجار حفظه الله في رسالة الرد على عدنان إبراهيم 41
[32] إرشاد العقل السليم (2/25).
[33] قال أبو السعود: "{فالذين آمنوا بِهِ} تعليمٌ لكيفية اتّباعِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وبيانٌ لعلو رتبةِ متّبعيه واغتنامِهم مغانمَ الرحمةِ الواسعةِ في الدارين إثرَ بيانِ نعوتِه الجليلة والإشارةِ إلى إرشاده عليهِ الصلاةُ والسلامُ إيَّاهُم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحلالِ الطيبات وتحريمِ الخبائث أي فالذين آمنوا بنبوته وأطاعوه في أوامره ونواهيه {وَعَزَّرُوهُ} أي عظّموه ووقّروه وأعانوه بمنع أعدائه عنه {ونصروه} على أعدائه في الدين {واتبعوا النور الذى أُنزِلَ مَعَهُ} أي مع نوبته وهو القرآنُ عبّر عنه بالنور المنبىءِ عن كونه ظاهراً بنفسه ومُظهِراً لغيره أو مظهِراً للحقائق كاشفاً عنها لمناسبة الاتّباعِ ويجوزُ أن يكون معه متعلقاً باتّبعوا أي واتّبعوا القرآنَ المنزل مع اتباعه صلى الله عليه وسلم بالعمل بسنته وبما أُمِرَ به ونُهيَ عنه أو اتبعوا القرآنَ مصاحبين له في اتباعه {أولئك} إشارةٌ إلى المذكورين من حيث اتصافُهم بما فُصّل من الصفاتِ الفاضلة للإشعار بعليتهاللحكم وما فيه من معنى البُعد للإيذان بعلوّ درجتِهم وسمو طبقتهم فيالفضل والشَّرفِ أي أولئك المنعوتُون بتلك النعوت الجليلة {هُمُ المفلحون} أي هم الفائزون بالمطلوب الناجون عن الكروب لا غيرُهم من الأمم فيدخُل فيهم قوم موسى عليه الصلاة والسلام دخولاً أولياً حيث لم ينجو عما في توبيتهم من المشقة الهائلةِ وبه يتحقق التحقيقُ ويتأتّى التوفيقُ والتطبيق بين دعائِهِ عليهِ الصلاةُ والسلام وبين الجوابِ لا بمجرد ما قيل من أنه دعا لنفسه ولبني إسرائيلَ أجيب بما هو منطوٍ على توبيخ بني إسرائيلَ على استجازتهم الرؤيةَ على الله عزَّ وجلَّ وعلى كفرهم بآياته العظامِ التي أجرها على يد موسى عليه الصلاة والسلام وعرّض بذلك في قوله تعالى والذين هم بآياتنا يُؤْمِنُونَ وأريد أن يكون استماعُ أوصافِ أعقابِهم الذين آمنوا برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم وبما جاء به كعبدِ اللَّه بنِ سَلاَم وغيرِه من أهل الكتابين لطفاً بهم وترغيباً في إخلاص الإيمانِ والعمل الصالح{قل يا أيها الناسُ أنى رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ} لما حكي في الكتابين من نعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف مَنْ يتّبعه من أهلهما ونيلِهم لسعادة الدارين أمرعليه الصلاةُ والسلامُ ببيانِ أنَّ تلكَ السعادةَ غيرُ مختصةٍ بهم بل شاملةٌ لكل من يتبعه كائناً مَنْ كان ببيان عمومِ رسالتِه للثقلين مع اختصاص رسالةِ سائرِ الرسلِ عليهم السلام بأقوامهم وإرسالِ موسى عليه السلام إلى فرعون وملته بالآيات التسعِ إنما كان لأمرهم بعبادة ربِّ العالمين عز سلطانهوتركِ العظيمةِ التي كانَ يدَّعِيها الطاغيةُ ويقبلُها منهُ فتنة الباغية وإرسال بني إسرائيلَ من الأسرِ والقسرِ وأما العملُ بأحكام التوارة فمختص ببني إسرايل {جَمِيعاً} حالٌ من الضمير في إليكم {الذى لَهُ ملك السماوات والارض} منصوبٌ أو مرفوعٌ على المدح أو مجرورٌ على أنه صفةٌ للجلالة وإن حيل بينهما بما هو متعلقٌ بما أضيف إليه فإنه في حكم المتقدّمِ عليه وقولُه تعالى {لاَ إله إلا هو} بيانٌ لما قبله مَنْ ملَك العالمَ كان هو الإله لا غيرُه وقوله تعالى {يُحْيِي وَيُمِيتُ} لزيادة تقرير ألوهيتِه والفاءُ في قوله تعالى {فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ} لتفريع الأمرِ على ما تمهّد وتقرّر من رسالته صلى الله عليه وسلم وإيراد نفسه عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالةِ على طريقة الالتفاتِ إلى الغيبة المبالغة في إيجاب الامتثالِ بأمره ووصف الرسول بقوله {النبى الامي} لمدحه عليه الصلاة والسلام بهما ولزيادة تقريرِ أمرِه وتحقيق أنه الكتوب في الكتابين ووصفُه بقوله تعالى {الذى يُؤْمِنُ بالله وكلماته} أي ما أنزل إليه وإلى سائر الرسلِ عليهم السَّلامُ من كُتُبه ووحيِه لحمل أهلِ الكتابين على الامتثال بما أُمروا به والتصريحُ بإيمانه بالله تعالى للتنبيه على أن الإيمانَ به تعالى لا ينفك عن الإيمان بكلماته ولا يتحقق إلا به {واتبعوه} أي في كلِّ ما يأتي وما يذرُ من أمور الدين {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} علةٌ للفعلين أو حال من فاعليهما أي رجاءً لاهتدائكم إلى المطلوب أو راجين له وفي تعليقه بهما إيذانٌ بأن من صدّقه ولم يتبعْه بالتزام أحكام شريعتِه فهو بمعزل من الاهتداء مستمر على الغي والضلال"إرشاد العقل السليم (3/280) بتصرف.
[34] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 77).
[35]
[36] المواقف (1/13)
[37] قال البقاعي:" فمن بلغته دعوته فخالف أمره واستكبر عن اتباعه عذبناه بما يستحقه، وهذا أمر قد تحقق بإرسال آدم عليه السلام ومن بعده من الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام في جميع الأمم كما قال تعالى {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً} [النحل: 36] {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} [فاطر: 24] فإن دعوتهم إلى الله تعالى قد انتشرت، وعمت الأقطار واشتهرت، انظر إلى قول قريش الذين لم يأتهم نبي بعد إسماعيل عليه السلام
{ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة} [ص: 7] فإنه يفهم أنهم سمعوه في الملة الأولى فمن بلغته دعوة أحد منهم بوجه من الوجوه فقصر في البحث عنها فهو كافر مستحق للعذاب، فلا تغتر بقول كثير من الناس في نجاة أهل الفترة مع إخبار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن آباءهم الذين مضوا في الجاهلية في النار، وأن ما يدحرج الجعل خير منهم - إلى غير ذلك من الأخبار؛ قال الإمام أبو عبد الله الحليمي أحد أجلاء الشافعية وعظماء أئمة الإسلام رضي الله عنهم في أوائل منهاجه في باب من لم تبلغه الدعوة: وإنما قلنا: إن من كان منهم عاقلاً مميزاً إذا رأى ونظر إلا أنه لا يعتقد ديناً فهو كافر، لأنه وإن لم يكن سمع دعوة نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا شك أنه سمع دعوة أحد من الأنبياء الذين كانوا قبله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على كثرتهم، وتطاول أزمان دعوتهم، ووفور عدد الذين آمنوا بهم واتبعوهم والذين كفروا بهم وخالفوهم، فإن الخبر قد يبلغ على لسان المخالف كما يبلغ على لسان الموافق، وإذا سمع آية دعوة كانت إلى الله فترك أن يستدل بعقله على صحتها وهو من أهل الاستدلال والنظر، كان بذلك معرضاً عن الدعوة فكفر - والله أعلم، وإن أمكن أن يكون لم يسمع قط بدين ولا دعوة نبي ولا عرف أن في العالم من يثبت إلهاً - وما نرى أن ذلك يكون - فإن كان فأمره على الاختلاف - يعني عند من يوجب الإيمان بمجرد العقل ومن لا يوجبه إلا بانضمام النقل. وما قاله الحليمي نقل نحوه عن الإمام الشافعي نفسه رضي الله عنه؛ قال الزركشي في آخر باب الديات من شرحه على المنهاج: وقد أشار الشافعي إلى عسر قصور - أي عدم بلوغ - الدعوة حيث قال: وما أظن أحداً إلا بلغته الدعوة إلا أن يكون قوم من وراء النهر بكوننا، وقال الدميري: وقال الشافعي: ولم يبق من لم تبلغه الدعوة".نظم الدرر (11/ 389 ) .
[38] شرح صحيح مسلم (16/ 207).
[39] وقد استدلوا بقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}، فإذا كان لا يُعذب العاقل بكونه لم تبلغه الدعوة، فلأن لا يعذب غير العاقل من باب الأولى.وبما أخرجه البخاري في " صحيحه " (7047) من حديث سمرة، وفيه: " وأما الرجل الطويلُ الذي في الروضة، فإنه إبراهيم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطره، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله: وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وأولاد المشركين ".وبما أخرجه البخاري (1385)، ومسلم (2658) من حديث أبي هريرة رفعه: " كل مولود يولد على الفطرة (والفطرة هنا الإسلام) فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ".وفي مستخرجات البرقاني على البخاري من حديث عوف الأعرابي، عن أبي رجاء العطاردي، عن سمرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " كل مولود يولد على الفطرة " فقال الناسُ: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ قال: " وأولاد المشركين ".وأخرج ابن أبي حاتم فيما نقله عنه الحافظ ابن كثير في " تفسيره " 8/ 357، عن أبي عبد الله الطهراني -وهو محمد بن حماد- حدثنا حفص بن عمر العدني، حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة قال: قال ابن عباس: أطفال المشركين في الجنة، فمن زعم أنهم في النار ففد كذب، يقول الله عز وجل: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَت} قال: هي المدفونة.
وأخرج أحمد 5/ 58 من طريق حسناء بنت معاوية بن صريم، عن عمها قال: قلت: يا رسول الله؟ مَنْ في الجنة؟ قال: " النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والموءودة في الجنة ". وحسن الحافظ إسناده في " الفتح " 3/ 246. وأخرج ابن أبي حاتم فيما ذكر ابن كثير في " تفسيره " عن أبيه، عن مسلم بن إبراهيم، عن قرة قال: سمعت الحسن يقول: قيل: يا رسول الله من في الجنة؟ قال: الموءودة في الجنة " قال ابن كثير: هذا حديث مرسل من مراسيل الحسن، ومنهم من قبله. وانظر " طريق الهجرتين وباب السعادتين " ص 512 - 516، وانظر أيضاً الجزء السادس من هذا الكتاب.( 5/ 316)
العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم/ تحقيق الشيخ شعيب (5/316).