عبدالله سعد الضياف
New member
الآية الحادية والستون :
قال الله تعالى ( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين . ) 56
هنا إشارة وعبرة بأن ما حصل ليوسف من التمكين في الأرض وإصابته بالرحمة إنما كان بمشيئة الله تعالى ولأن الله تعالى لا يضيع أجر المحسنين . فيوسف عليه السلام كان من المحسنين حتى قبل أن يبلغ أشده باستقامته في مرحلة الطفولة في البيئة الفرعونية الكافرة . وهكذا قرر الله تعالى في هذه الآية أن الفضل الذي تحقق ليوسف لم يكن بسبب تأويل هذه الرؤيا ولا بسبب الخطة الاقتصادية التي اقترحها على الملك فقط بل بسبب إرادة الله ومشيئته التي تقضي بأنه تعالى لا يضيع أجر المحسنين . والعبرة المهمة هنا أن عطاء الله الكريم للمحسنين هو عطاء رحمه , ورحمة الله يعطيها من يشاء من عباده ونهم المحسنون . عطاء الإحسان هذا هو عطاء رحمه لا عطاء ابتلاء . وذلك عاجل جزاء المحسنين في الدنيا ,أما في الآخرة فهو ما ورد في الآية التالية في قوله تعالى ( ولأجر الآخر خير للذين آمنوا وكانوا يتقون )
الآية الثانية والستون :
عندما مكن الله ليوسف عليه السلام الظفر بهذا العز الدنيوي من التمكن من الأرض بوصوله لمنزلة عزيز مصر وتبوءه من الأرض حيث يشاء . هل هذا ما كان يبتغيه يوسف عليه السلام ومن أجله بذل التضحيات . لقد كان هدفه عليه السلام أبعد من ذلك . لهذا جاءت الآية الكريمة بعد ذلك مشيرة للثمرة الحقيقية لهذا الجهد العظيم من يوسف عليه السلام . قال الله تعالى ( ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا كانوا يتقون .) ثمار التقوى عز الدنيا , وعاقبة حسنة في الأخرى . فلله الحمد والمنة .
الآية الثالثة والستون :
قال الله تعالى ( وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وله منكرون ) 58
هذه أول مرحلة من مراحل تجاوز يوسف عليه السلام عن أخطاء إخوته .
المرحلة الأولى كظمه الغيظ في لقائه الأول معهم . ثم كظمه الغيظ وقد اتهموه بأنه قد سرق من قبل .
بعد كظم الغيظ جاء العفو . ( قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين . ) 92 ثم يأتي الإحسان وهو الاستغفار لهم في قول الله تعالى ( يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) . وهذه قمة الإحسان . وقد سبقها الإحسان لهم بتموينهم وإكرام وفادتهم وإحسان منزلهم . قال الله تعالى ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )
وهكذا استغرق يوسف عليه السلام كل هذه الفضائل كاملة . فسبحان من من على يوسف بفضله وجعله من المحسنين .
الآية الرابعة والستون :
قال الله تعالى ( لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين )
هذه الآية هي مبعث هذا البحث في هذه الآيات من قصة يوسف عليه السلام وإخوته . والآية والعبرة فيها أن السائلين عن القصة في الأصل هم اليهود . ولم يكن مقصدهم معرفة القصة وحكمها فهم يعرفونها وإنما كان مقصدهم التعجيز لحمد صلى الله عليه وسلم . ورغم أنهم هم من سأل عنها إلا أن الله تعالى قد ساقها أولا حجة إضافية على صدقية رسالة محمد صلى الله عليه وسلم . لأنه لن يعلم هذه القصة إلا بوحي من الله تعالى لأنه كان أميا . وثانيا أن العبر والعظة من القصة لن يدركها ولن يستفيد منها إلا السائلين عنها للعبرة من المسلمين على وجه الخصوص . وهكذا كان للسائل قصد وللجواب قصد آخر .
الآية الخامسة والستون
في قول الله تعالى ( ......فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا , إن هذا إلا ملك كريم )
النسوة هنا نزعن بغير شعور الى الفعل قبل القول . فقد قطعن أيديهن من شدة الذهول . ثم أعقبن ذلك بالقول والاستعاذة بالله أن يكون من أمامهن بشرا . بل ملك كريم من شدة مهابته . تلك المهابة العظيمة التي أذهلتهن عن التعريض بصفاته الجسدية أو التعريض للرغبة فيه , وإن كان ورد إقرارهن بعد ذلك أنهن راودنه . لقد ظهر لهن يوسف عليه السلام في صورة ملك في مهابته وعظمته . إنه شعور اليأس من نواله . وقد يكون ذلك من قبيل صرف الله تعالى كيدهن عنه والملحظ هنا أن ما درج عليه المفسرون من التركيز على أن جمال يوسف عليه السلام الجسدي هو ما بهر امرأة العزيز وصويحباتها بينما والله اعلم أن الذي بهرن ما نصت عليه الآية وهو تشبيهه بالملك الكريم . ملك في مهابته , كريم في سجاياه . لأن صفة الكريم لا يمكن أن تكون من الصفات الجسدية . كما أن صفة الملك لا توحي في الغالب بالمهابة والعظمة . نعم قد يكون يوسف عليه السلام جميل الشكل , بهي الطلعة بحكم الشباب وكمال الخلقه . لكن الذي بهرهن لم يكن الجمال الجسدي فقط , بل صفات الكرامة ومهابة الملك التي ظهرت عليه السلام . وغير خاف أن النساء يلتمسن في الرجل كمال الرجولة والصفات الأخلاقية من الكرم والجود والنخوة والمهابة قبل الصفات الجسدية .
الآية السادسة والستون :
لما رأى يوسف عليه السلام إمعان إخوته في قسوة القلب على والدهم وعلى أخيه , إذ كان همهم طلب مزيد المؤنة والصدقة دون أن يسألوا عن أخيهم أو يناشدوه الرحمة بوالدهم لفراق ابنيه . لما رأى هذه القسوة أبدى لهم استنكاره كل ما فعلوه فيه وفي أخيه ( قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون . ) ومع هذا الإنكار قدم لهم العذر وعزا ذلك لجهلهم تمهيدا للعفو عنهم والاستغفار لهم بعد ذلك .
الآية السابعة والستون :
ظل يوسف عليه السلام بروح متسامحة . إذ عزا ما حصل من إخوته لما نزغ به الشيطان بينه وبينهم ( ....وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم .) وهكذا كل خصومة تقع بين الإخوة فإن مبعثها نزغ الشيطان . لأن العلاقة الأخوية تكون قوية ولا يزعزعها إلا نزغ من الشيطان قوي . وقد قال الله تعالى ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم . ) وليس أخ الرحم مختص بذلك وحده , بل كل أخ لك في الإسلام . فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رأى رجلين متخاصمين أمامه وقد أحمرت أوداج أحدهم واشتد به الغضب ( إني لأعلم كلمة لو قالها هذا لذهب ما به أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )
الآية الثامنة والستون :
تلقى يوسف عليه السلام وعودا عظيمة وهو الطفل الصغير . الوعد الأول تأويل والده لرؤياه ووعده له بمكانة عظيمة على طريق والديه إبراهيم وإسحاق , وهي مكانة النبوة وعلم تأويل الرؤى . كما تلقى بعد ذلك وحيا من الله تعالى قبيل إلقائه في الجب من ربه جل وعلا أنه مسلمه من كيدهم وناصره عليهم وأنه سيذكرهم بفعلهم هذا وهو بمكانة رفيعة . كما تلقى مثل ذلك في أصعب المواقف التي مرت به أمام امرأة العزيز , إذ أراه الله تعالى البرهان وسبب الثبات في أصعب موقف مر به .
الآية التاسعة والستون :
( ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما .... ألآية ) العبرة أن حالة الرق التي طرأت على حياة يوسف عليه السلام لم تكن سببا مانعا لتمكينه من الأرض وتعليمه الأحاديث وإيتائه الحكم والعلم , ذلك أن أحكام البشر وتصنيفهم لا يغير من حقيقة حرية العباد لرب العباد وتبعيتهم لخالقهم شيء مهما أحدث البشر بينهم من مقامات التقدير والتحقير التي ليس لها عند الله قيمة . أفلا يعي البشر ذلك فيعرضوا عن هذه الممارسات التي ليس لها اعتبار عند الخالق العليم بأحوال عباده .
ألآية السبعون :
عبودية يوسف عليه السلام من مظاهر الشر بمقاييس البشر . غير أنها كانت في واقع الأمر نعمة على يوسف عليه السلام . ومثل ذلك ما حصل ليوسف عليه السلام من فراق أهله ونشأته في غير عناية والديه . كل هذه قد صارت على يوسف نعمة . فلولا فراقه لأهله ونشأته بعيدا عن والديه لما اكتسب الخبرة وطرائق الحكم في بيت العزيز . الأمر الذي أهله عمليا لأن يكون بمقام عزيز . فيطلب من الملك , بل يقترح عليه أن يجعله على خزائن الأرض .
إذا كانت الأمور تقاس بمآلاتها لا بظاهرها , فإن ما حصل على يوسف من المصائب كانت سببا لما ناله من رفعة ومكانة . وسبحان القادر العليم الحكيم .
الآية الحادية والسبعون :
قال الله تعالى ( وقال الذي اشتراه من مصر لامرأتي أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أن نتخذه ولدا ....الآية )
العبرة هي أن الذي اشتراه من مصر قد أولى يوسف عليه السلام كل هذه العناية والتكريم أملا ورجاء في نفعه , أو اتخاذه ولدا . غير أن الله تعالى قد شاء أن يكون هذا الإكرام والعناية بيوسف عليه السلام خيرا ليوسف ولم تأت الأمور على ما أراد سيده المسخر من الله تعالى للعناية بهذا الغلام المحروس بعناية الله ولطفه . وهكذا زرع السيد وحصد غيره لأن الله غالب على أمره وأن أكثر الناس لا يعلمون . زرع السيد فحصد المسود
الآية الثانية والسبعون :
إذا كان الله تعالى قد قدر أن يكون لكل نبي آية . فقد أعد الله تعالى لنبيه يوسف عليه السلام آيات . علمه تأويل الأحاديث وهو علم صار مقام الآية لنبيه وصفيه يوسف عليه السلام . لأنه تعالى غالب على أمره جاعل هذا العلم لدى يوسف سببا لمقام عظيم عند الملك وثقة جعلته يخرجه من السجن دون طلب منه ,ثم يوليه خزائن الأرض , فيصير عزيزا لمصر , فيمكنه الله تعالى من الدعوة لدينه بأساليب ومقامات تفاوتت من دعوته لامرأة العزيز بالاستقامة والقدوة الحسنة الى دعوة الغلامين في السجن بالدعوة المباشرة للتوحيد, الى دعوة ملك مصر وشعب مصر قاطبة بالحكم العدل والإدارة الحسنة لموارد البلاد وتجنيبها كارثة المجاعة .
الآية الثالثة والسبعون :
قال الله تعالى ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض توفني مسلما وألحقني بالصالحين )
والآية والعبرة هنا هذا الحشد من ذكر المحامد والنعم التي أنعم الله بها على يوسف عليه السلام, وقبل ذلك كان شاكرا لأنعم ربه بعد رفع أبوية على العرش وسجودهم له . في هذا الموقف من مواقف العز والتمكين لم يشغله ذلك عن شكر ربه لهذه النعم . فقد أحسن به ربه فأخرجه من السجن , وجاء بأهله من البدو , أصلح ما بينه بين إخوته من بعد أن نزغ الشيطان بينهم . ثم انثنى بالتعظيم لفاطر أعظم المخلوقات السماوات والأرض . ثم التسليم بولاية الله تعالى لأمره في الدنيا والآخرة . كل هذا الحشد كان مقدمة لضراعة يوسف عليه السلام لربه أن يتوفاه مسلما وأن يلحقه بالصالحين .
في هذا عبرة وموعظة لمن يرجو الكريم المنان أن يقدم لرجائه ذكر المحامد والثناء والاعتراف بالنعم لله تعالى , مقدمة لطلبه . خاصة إذا كان الطلب عظيما كطلب يوسف عليه السلام من ربه أن يتوفاه الله مسلما ويلحقه بالصاحين
الآية الربعة والسبعون :
قال الله تعالى ( يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ) .
الآية هنا أنه رغم برودة ردة الفعل من الزوج حيال تصرف زوجته وميلها لغلامها , إلا أن هذا لم يمنع من ظهور استهجان عملها , ودعوته لها للاستغفار إقرارا بسؤ عملها . إذا علمنا أن هذا قد تم وهما الزوج والزوجة كانا على الكفر . فإن ذلك مما يدل على نفور الفطرة حتى في حالة الكفر من الزنا ودواعيه . فمهما كان منتشرا في أي مجتمع إلا أن الفطرة السليمة ترفضه وإن غابت أنظمة المجتمع عن تجريمه .
الآية الخامسة والسبعون :
قال الله تعالى ( قالت فذالكن الذي لمتنني فيه , ولقد راودته عن نفسي فاستعصم , ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين )
هذا التهديد ليوسف عليه السلام بالسجن والصغار ثم تنفيذ السجن يدل على مدى ما وصل له تسلط المرأة في ذاك المجتمع وقدرتها على التدخل في شؤون الحكم . وظاهرة تدخل النساء في الحكم من أبرز أسباب فساد المجتمعات وسقوط الدول .
الآية السادسة والسبعون :
قال الله تعالى ( قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قل أن يأتيكما . ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قول لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون .) الآية .
هنا نرى أن يوسف عليه السلام نفى عن نفسه الحول والقوة فيما أوتي من ملكة التأويل وأعاد ذلك الفضل لتعليم ربه له , وأن السبب في ذلك التعليم والفهم أنه قد ترك ملة القوم الظالمين فاستحق هذه العناية من الله تعالى . وهذا مما يجعل مسألة الاقتداء واردة . فمن سلك هذا الطريق استحق عناية الله الله . وهذا مما يسهل طريق الهداية بالاقتداء والاهتداء في أمور في متناول كل أحد . كل هذا محاولات دعوية للغلامين كي يهتديا .
الآية السابعة والسبعون :
قال الله تعالى ( يوسف أيه الصديق افتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي ارجع الى الناس لعلمهم يعلمون .)
الآية في قوله تعلى ( لعلي أرجع الى الناس لعلهم يعلمون ) . الرؤيا رؤيا الملك , غير أن هذه الرؤيا والله أعلم قد أهمت الناس وصارت شغلهم الشاغل , فصاروا في ترقب لتأويلها , بدليل تعجل هذا السائل في تأويل الرؤيا ليرجع الى الناس لعلمهم يعلمون .
وانظر الى هذه الرؤى التي وردت في السورة . يوسف عليه السلام رأى ما أوله والده أنه سيكون له شأن في النبوة وفي تأويل الأحاديث . والفتيان في السجن رأيا رؤياهما بحسب حالتهما واهتمامها .
أما الملك فقد رأى ما أهم الناس وله مساس بمعاشهم وما يحدق بهم من خطر المجاعة في السنين العجاف لو لم يقتصدوا في السنين المخصبات ويدخروا للسنين العجاف .
فسبحان من لطف بخلقه فجعل الرؤى جزء من ست وأربعين جزء من النبوة .
الآية الثامنة السبعون :
قال الله تعالى : ( وقال الملك ائتوني به , فلما جاءه الرسول قال أرجع الى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم ).
الآية هنا أن يوسف عليه السلام التمس الشهادة في قضيته بتجنب ذكر امرأة العزيز , كما أعرض عن ذكر الأمر السيئ منها , وأجمل شاهدات الحدث . والحكمة والله أعلم أنه تجنبا لإثارة العزيز , وتحاشيا لسطوة نفوذه لدى الملك . وثانيا أن امرأة العزيز قد يكون لديها من خوالج الانتقام , او خوالج الوله ما يجعلها تمعن في ظلمه فتكيل له التهم وتقنع الملك . وثالثا لأن النسوة مجموعة شاهدات . وهذا أقوى للشهادة , وليس لديهن من الضغينة على يوسف ما لدى امرأة العزيز . والله أعلم .
الآية التاسعة والسبعون :
قال الله تعالى ( قال سأستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم )
هنا ملحظ أو حكمة وهي أن يوسف عليه السلام بمجرد أن اعترف إخوته بخطئهم , ودون أن يقدموا الاعتذار قال : ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) . وهكذا سامحهم , بل واستغفر لهم . أما يعقوب عليه السلام فقال : سأستغفر لكم ربي . أما الحكمة والله أعلم فهي أن يوسف عليه السلام بعد أن وصل الى ما وصل اليه من علم وحكمة , ثم ملك , علم أن هذا لم يكن ليتأتى له لولا هذه السلسة من الابتلاءات . وهكذا نظر للابتلاءات كنعمة باعتبار مآلات الأمور , وبعد أن ذاق من النعيم ما قد ينسيه مساءة إخوته .
أما يعقوب عليه السلام فقد ذاق من ويلات فراق يوسف ثم فراق بنيامين ما فطر فؤاده كمدا ولم يذق ولم ير بعد ما آل اليه حال يوسف عليه السلام . ولهذا تأخر عفوه واستغفاره لأبنائه عن عفو يوسف عليه السلام واستغفاره لإخوته . وهذا رغم أن الإخوة لم يطلبوا من يوسف عليه السلام العفو والاستغفار لهم وإنما طلبوا ذلك من والدهم عليه السلام .
الآية الثمانون :
قال الله تعالى ( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه , كذلك لنصرف عنه السؤ والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين )
آية وعبرة وهي أن من ينظر فيما ورد في كتب التفسير من أقوال عجيبة حول همه عليه السلام يعلم أن هذا موضعا من مواضع ومزالق من يتبعون ما تشابه منه يبغونها عوجا . وأخص هنا من أساء التفسير للآية وأساء الأدب مع نبي الله عليه السلام نقلا عن الإسرائيليات دون تورع.
الآية الحادية والثمانون :
قال الله تعالى : ( ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) وقبلها بعث يوسف عليه السلام قميصه ليلقى على وجه أبيه كي يعود له بصره .
الآية والعبرة في تمييز يعقوب عليه السلام لرائحة يوسف عليه السلام بعد سنين الفراق . ثم كيف عبرت ريحه الآفاق وحمله الأثير لوالده ليجدها بمجرد أن خرجت العير من مصر .
العبرة أيضا في أثر رائحة جسم الإنسان . سواء بتأثيرها النفسي الصدمة التي تحدث أثرا فسيولوجيا أعاد البصر بقدرة الله ليعقوب عليه السلام حسبما يرى بعض المفسرين . أو كان ذو أثر فيزيائي كيمائي كان السبب بإذن الله في عودة البصر ليعقوب عليه السلام . ذلك الأثر الذي أشارت له بعض الدراسات الحديثة على يد أحد المتخصصين المسلمين والمتعلقة بتأثير عرق جسم الإنسان في معالجة بعض أمراض العيون . والله أعلم .
الآية الثانية والثمانون :
قال الله تعالى : ( أما أحدكما فيسقي ربه خمرا , وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه . قضي الأمر الذي فيه تستفتيان )
الآية هنا تأويل الرؤيا لمن أعطاه الله ملكة التأويل الشرعي إن يخبر السائل . إن خيرا فخير, وإن شرا فشر . ليحمد الله على الخير , وليحذر صاحب الشر . فالرؤيا بشارة ونذارة . من هذا فلا صحة لمذهب من يقول بإخبار المستفتي بالتأويل الحسن وعدم إخبار المستفتي بالتأويل السيئ . فهذا يوسف قد أخبر من سيصلب وتأكل الطير من رأسه . وقد تحققت الرؤيا . والله أعلم .
الآية الثالثة والثمانون :
قال الله تعالى ( وقال الذي اشتراه من مصر لامرأتي أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا . وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث , والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . )
لقد أمل هذا الذي اشترى يوسف أن يحقق لهم نفعا , أو أن يتخذوه ولدا بالتبني كما كان واقعا في كثير من المجتمعات .والعبرة أن أمل هذا الرجل قد تحقق والله أعلم .
تحقق بأن يوسف عليه السلام قد رعى هذا الجميل وحفظ المعروف . فلم تطاوعه نفسه أن يقع في السؤ أو الفحشاء في أهل الرجل وقد أحسن مثواه . فعل يوسف هذا الفعل حفظا لمعروف الرجل وإيمانا أن الظالمين لا يفلحون .
كما تحقق لهذا البيت منفعة أكبر , وهي اهتداء امرأة العزيز بحسب بعض الروايات متأثرة بسلوك يوسف واستقامته . فإذا كانوا قد أحسنوا إليه بإكرام مثواه , فقد رد الجميل بما هو أغلى وأثمن مما قدموه له عليه السلام .
الآية الربعة والثمانون :
قال الله تعالى ( قال تزرعون سبع سنين دأبا ..... الآية ) العبرة هنا أن يوسف عليه السلام لم يعامل هذا المجتمع الظالم والكافر بما عاملوه به من سؤ المعاملة والظلم البواح .
كما لم يعامل صاحبه القديم في السجن بما عاملة به من النسيان وعدم رد الجميل . لم يعاملهم بمثل صنيعهم . بل قدم لهم محض النصح وصادق الرحمة .فقدم لهم تأويل الرؤيا التي فيها النذارة بوقوع كارثة المجاعة . بل لم يقتصر بتأويل الرؤيا بل شفعها بخطة اقتصادية كفيلة بتجاوز المجاعة . لم يعلق خدمته لهم بالإفراج عنه أو رفع الظلم عنه . لأنه مؤمن بأن فرجه بيد مولاه . فمتى شاء سخر له من عباده من يشاء . خاصة وقد جرب الركون الى البشر عندما استنجد بزميلة في السجن بطلب ذكره عند ربه ناسيا ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين . من هذه الحادثة صار محاذرا أن يطلب العون إلا من ربه تعالى . وقد تولاه وحفظه ورعاه في الكثير من المواقف والمخاطر التي مرت به عليه السلام .
الآية الخامسة والثمانون :
ضرب يوسف عليه السلام المثل في سلوك الداعية الصابر على البلاء والذي يقوم بواجب الدعوة في كل الظروف . فرغم السجن وظروفه القاسية لم ينشغل عن عبادته وصلاحه واستقامته . كما لم ينشغل عن الدعوة عندما سنحت له الفرصة مع من سألاه عن رؤياهما .
الآية السادسة الثمانون :
قدم يوسف عليه السلام في سلوكه مع الملك عندما طلب مقابلته نموذجا رائعا لسلوك المؤمن بربه المتوكل عليه , الواثق من أنه تعالى هو من يصرف الأمور , فلم تستخفه الفرحة بالخروج من السجن . فكانت براءته مما نسب اليه أهم عنده من خروجه من السجن . ولم يبد تهافتا على القرب من الملك . خاصة وقد أخذ درسا عندما طلب من صاحبة أن يذكره عند ربه فكان أن بقي في السجن بضع سنين جراء طلبه من المخلوق ونسي الخالق .
درس وعبرة رائعة تصلح أن يتمثلها كل من تدفع به الظروف للقرب من الملوك وأصحاب السلطة .
الآية السابعة والثمانون :
يوسف عليه السلام النبي المؤمن رأى أن كمال النعمة إيذان بزوالها شأن كل الأعراض الدنيوية الآيلة الى الزوال مهما طال بها الزمن .
لقد رأى هذا النبي ذو الإيمان الشفاف في اكتمال النعمة دليل على قرب النهاية. فكان لا بد أن يطلب من ربه أن يتوفاه مسلما . طلب وألح يوسف عليه السلام في طلبه وهو الذي لم يطلب ربه في سياقات القصة أي طلب دنيوي .
الآية الثامنة والثمانون :
قال الله تعالى ( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك , قال معاذ الله , إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون .ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه , كذلك لنصرف عنه السؤ والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين . ) عبرة وآية ذلك الاختلاف في تفسير هم يوسف عليه السلام بها لدى بعض المفسرين والذي يظهر من النص لا من النقول الإسرائيلية أو غيرها أن همه عليه السلام لا يخرج من الحالات التالية "
1- الحالة الأولى أن همه عليه السلام بها كان بقصد الايذاء الجسدي بدفعها عنه بالقوة حسبما ذهب اليه بعض المفسرين . وهذا الهم من السؤ الذي صرفه الله تعالى عنه .
2- الحالة الثانية أن يكون همه بها هو هم دون هم . بمعنى أنه هم بحديث النفس بحكم الفطرة والاستعداد الجبلي لشاب سوي كامل الرجولة . غير أن هذا الهم كان قد توقف عند حديث النفس ولم يصل لمرحلة النزوع الى الفعل . بل سارع عليه السلام بالتوقف عند حديث النفس والرغبة والاستعداد الفطري دون النزوع حتى الى ما هو دون الفاحشة . والهم بالسؤ والله أعلم هو مقدمات الفاحشة بأنواعها . فقد صرفه الله تعالى عن الفحشاء . وهذا السؤ الذي صرفه الله عنه هو ذاك الذي وصلت اليه امرأة العزيز بنزوعها للشروع في الفعل لولا إباء يوسف عليه السلام . وهذا الهم هو ما جعل فعلها موجبا للاستغفار ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسؤ إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم ) وهنا يظهر الفرق بين النفس الأمارة بالسؤ عند امرإة العزيز , وبين النفس اللوامة لدى يوسف عليه السلام . يؤيد هذا أن نسوة المدينة أمام الملك شهدن أنهن ما علمن عليه من سؤ . إذ لم يصل لمقدمات الفاحشة المختلفة .
3- مع كل هذه البراهين أفلا يذكر يوسف عليه السلام هذه البراهين والوعد بالنبوة والملك وهو النبي المرهف الحس فيقف برغبته دون أن تصل به الى حد السؤ بأنواعه .
4- أخيرا فإن عاقبة هم كل من امرأة العزيز وهم يوسف عليه السلام أن همه عليه السلام صار مأجورا , شأنه في ذلك شأن من هم بسيئة ولم يعملها كما ورد في حدث الرسول صلى الله عليه وسلم ( ومن هم بسئية ولم يعملها صارت له حسنه . ) كما صار بهذا الهم من المأجورين من عباد الله المخلصين . أما هم امرأة العزيز فكان هما مأزورا لشروعها ومباشرتها الفعل لولا امتناع يوسف عليه السلام .
5- أفلا يكفي هذا كي ننزه نبي الله تعالى من هم السؤ الذي ذهب اليه بعض المفسرين لحل السراويل وما شابه ذلك من الأقوال .
الآية التاسعة والثمانون :
الآية أنه ورد النص في قوله تعالى ( لولا أن رأى برهان ربه ) . ورأى هنا فعل ماض . وقد رأى يوسف عليه السلام فعلا العديد من براهين الله المختلفة . وأول هذه البراهين بشرى والده عليه السلام بتأويله رؤياه بأنه سيكون له شأن في النبوة والملك .
ومن هذه البراهين , وحي الله تعالى له قبيل إلقائه في الجب بأنه حافظه ومظهر شأنه على إخوته حتى يذكرهم بفعلهم هذا وهم لا يشعرون . ومن هذه البراهين ما آتاه الله تعالى من علم لدني بعد أن بلغ أشده . فقد أوتي علما وحكما لدنيا وصار من المحسنين رغم نشأته في بيئة فرعونية كافرة .
الآية التسعون :
قال الله تعالى : ( قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين )
العبرة أو الآية أن من يرى رؤيا حسنة ينبغي له ألا بها إلا من يثق به خشية الحسد أو من يريد السؤ بصاحب الرؤيا كما خشي والد يوسف عليه السلام .
قال الله تعالى ( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين . ) 56
هنا إشارة وعبرة بأن ما حصل ليوسف من التمكين في الأرض وإصابته بالرحمة إنما كان بمشيئة الله تعالى ولأن الله تعالى لا يضيع أجر المحسنين . فيوسف عليه السلام كان من المحسنين حتى قبل أن يبلغ أشده باستقامته في مرحلة الطفولة في البيئة الفرعونية الكافرة . وهكذا قرر الله تعالى في هذه الآية أن الفضل الذي تحقق ليوسف لم يكن بسبب تأويل هذه الرؤيا ولا بسبب الخطة الاقتصادية التي اقترحها على الملك فقط بل بسبب إرادة الله ومشيئته التي تقضي بأنه تعالى لا يضيع أجر المحسنين . والعبرة المهمة هنا أن عطاء الله الكريم للمحسنين هو عطاء رحمه , ورحمة الله يعطيها من يشاء من عباده ونهم المحسنون . عطاء الإحسان هذا هو عطاء رحمه لا عطاء ابتلاء . وذلك عاجل جزاء المحسنين في الدنيا ,أما في الآخرة فهو ما ورد في الآية التالية في قوله تعالى ( ولأجر الآخر خير للذين آمنوا وكانوا يتقون )
قال الله تعالى ( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين . ) 56
هنا إشارة وعبرة بأن ما حصل ليوسف من التمكين في الأرض وإصابته بالرحمة إنما كان بمشيئة الله تعالى ولأن الله تعالى لا يضيع أجر المحسنين . فيوسف عليه السلام كان من المحسنين حتى قبل أن يبلغ أشده باستقامته في مرحلة الطفولة في البيئة الفرعونية الكافرة . وهكذا قرر الله تعالى في هذه الآية أن الفضل الذي تحقق ليوسف لم يكن بسبب تأويل هذه الرؤيا ولا بسبب الخطة الاقتصادية التي اقترحها على الملك فقط بل بسبب إرادة الله ومشيئته التي تقضي بأنه تعالى لا يضيع أجر المحسنين . والعبرة المهمة هنا أن عطاء الله الكريم للمحسنين هو عطاء رحمه , ورحمة الله يعطيها من يشاء من عباده ونهم المحسنون . عطاء الإحسان هذا هو عطاء رحمه لا عطاء ابتلاء . وذلك عاجل جزاء المحسنين في الدنيا ,أما في الآخرة فهو ما ورد في الآية التالية في قوله تعالى ( ولأجر الآخر خير للذين آمنوا وكانوا يتقون )
الآية الثانية والستون :
عندما مكن الله ليوسف عليه السلام الظفر بهذا العز الدنيوي من التمكن من الأرض بوصوله لمنزلة عزيز مصر وتبوءه من الأرض حيث يشاء . هل هذا ما كان يبتغيه يوسف عليه السلام ومن أجله بذل التضحيات . لقد كان هدفه عليه السلام أبعد من ذلك . لهذا جاءت الآية الكريمة بعد ذلك مشيرة للثمرة الحقيقية لهذا الجهد العظيم من يوسف عليه السلام . قال الله تعالى ( ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا كانوا يتقون .) ثمار التقوى عز الدنيا , وعاقبة حسنة في الأخرى . فلله الحمد والمنة .
الآية الثالثة والستون :
قال الله تعالى ( وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وله منكرون ) 58
هذه أول مرحلة من مراحل تجاوز يوسف عليه السلام عن أخطاء إخوته .
المرحلة الأولى كظمه الغيظ في لقائه الأول معهم . ثم كظمه الغيظ وقد اتهموه بأنه قد سرق من قبل .
بعد كظم الغيظ جاء العفو . ( قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين . ) 92 ثم يأتي الإحسان وهو الاستغفار لهم في قول الله تعالى ( يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) . وهذه قمة الإحسان . وقد سبقها الإحسان لهم بتموينهم وإكرام وفادتهم وإحسان منزلهم . قال الله تعالى ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )
وهكذا استغرق يوسف عليه السلام كل هذه الفضائل كاملة . فسبحان من من على يوسف بفضله وجعله من المحسنين .
الآية الرابعة والستون :
قال الله تعالى ( لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين )
هذه الآية هي مبعث هذا البحث في هذه الآيات من قصة يوسف عليه السلام وإخوته . والآية والعبرة فيها أن السائلين عن القصة في الأصل هم اليهود . ولم يكن مقصدهم معرفة القصة وحكمها فهم يعرفونها وإنما كان مقصدهم التعجيز لحمد صلى الله عليه وسلم . ورغم أنهم هم من سأل عنها إلا أن الله تعالى قد ساقها أولا حجة إضافية على صدقية رسالة محمد صلى الله عليه وسلم . لأنه لن يعلم هذه القصة إلا بوحي من الله تعالى لأنه كان أميا . وثانيا أن العبر والعظة من القصة لن يدركها ولن يستفيد منها إلا السائلين عنها للعبرة من المسلمين على وجه الخصوص . وهكذا كان للسائل قصد وللجواب قصد آخر .
الآية الخامسة والستون
في قول الله تعالى ( ......فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا , إن هذا إلا ملك كريم )
النسوة هنا نزعن بغير شعور الى الفعل قبل القول . فقد قطعن أيديهن من شدة الذهول . ثم أعقبن ذلك بالقول والاستعاذة بالله أن يكون من أمامهن بشرا . بل ملك كريم من شدة مهابته . تلك المهابة العظيمة التي أذهلتهن عن التعريض بصفاته الجسدية أو التعريض للرغبة فيه , وإن كان ورد إقرارهن بعد ذلك أنهن راودنه . لقد ظهر لهن يوسف عليه السلام في صورة ملك في مهابته وعظمته . إنه شعور اليأس من نواله . وقد يكون ذلك من قبيل صرف الله تعالى كيدهن عنه والملحظ هنا أن ما درج عليه المفسرون من التركيز على أن جمال يوسف عليه السلام الجسدي هو ما بهر امرأة العزيز وصويحباتها بينما والله اعلم أن الذي بهرن ما نصت عليه الآية وهو تشبيهه بالملك الكريم . ملك في مهابته , كريم في سجاياه . لأن صفة الكريم لا يمكن أن تكون من الصفات الجسدية . كما أن صفة الملك لا توحي في الغالب بالمهابة والعظمة . نعم قد يكون يوسف عليه السلام جميل الشكل , بهي الطلعة بحكم الشباب وكمال الخلقه . لكن الذي بهرهن لم يكن الجمال الجسدي فقط , بل صفات الكرامة ومهابة الملك التي ظهرت عليه السلام . وغير خاف أن النساء يلتمسن في الرجل كمال الرجولة والصفات الأخلاقية من الكرم والجود والنخوة والمهابة قبل الصفات الجسدية .
الآية السادسة والستون :
لما رأى يوسف عليه السلام إمعان إخوته في قسوة القلب على والدهم وعلى أخيه , إذ كان همهم طلب مزيد المؤنة والصدقة دون أن يسألوا عن أخيهم أو يناشدوه الرحمة بوالدهم لفراق ابنيه . لما رأى هذه القسوة أبدى لهم استنكاره كل ما فعلوه فيه وفي أخيه ( قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون . ) ومع هذا الإنكار قدم لهم العذر وعزا ذلك لجهلهم تمهيدا للعفو عنهم والاستغفار لهم بعد ذلك .
الآية السابعة والستون :
ظل يوسف عليه السلام بروح متسامحة . إذ عزا ما حصل من إخوته لما نزغ به الشيطان بينه وبينهم ( ....وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم .) وهكذا كل خصومة تقع بين الإخوة فإن مبعثها نزغ الشيطان . لأن العلاقة الأخوية تكون قوية ولا يزعزعها إلا نزغ من الشيطان قوي . وقد قال الله تعالى ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم . ) وليس أخ الرحم مختص بذلك وحده , بل كل أخ لك في الإسلام . فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رأى رجلين متخاصمين أمامه وقد أحمرت أوداج أحدهم واشتد به الغضب ( إني لأعلم كلمة لو قالها هذا لذهب ما به أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )
الآية الثامنة والستون :
تلقى يوسف عليه السلام وعودا عظيمة وهو الطفل الصغير . الوعد الأول تأويل والده لرؤياه ووعده له بمكانة عظيمة على طريق والديه إبراهيم وإسحاق , وهي مكانة النبوة وعلم تأويل الرؤى . كما تلقى بعد ذلك وحيا من الله تعالى قبيل إلقائه في الجب من ربه جل وعلا أنه مسلمه من كيدهم وناصره عليهم وأنه سيذكرهم بفعلهم هذا وهو بمكانة رفيعة . كما تلقى مثل ذلك في أصعب المواقف التي مرت به أمام امرأة العزيز , إذ أراه الله تعالى البرهان وسبب الثبات في أصعب موقف مر به .
الآية التاسعة والستون :
( ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما .... ألآية ) العبرة أن حالة الرق التي طرأت على حياة يوسف عليه السلام لم تكن سببا مانعا لتمكينه من الأرض وتعليمه الأحاديث وإيتائه الحكم والعلم , ذلك أن أحكام البشر وتصنيفهم لا يغير من حقيقة حرية العباد لرب العباد وتبعيتهم لخالقهم شيء مهما أحدث البشر بينهم من مقامات التقدير والتحقير التي ليس لها عند الله قيمة . أفلا يعي البشر ذلك فيعرضوا عن هذه الممارسات التي ليس لها اعتبار عند الخالق العليم بأحوال عباده .
ألآية السبعون :
عبودية يوسف عليه السلام من مظاهر الشر بمقاييس البشر . غير أنها كانت في واقع الأمر نعمة على يوسف عليه السلام . ومثل ذلك ما حصل ليوسف عليه السلام من فراق أهله ونشأته في غير عناية والديه . كل هذه قد صارت على يوسف نعمة . فلولا فراقه لأهله ونشأته بعيدا عن والديه لما اكتسب الخبرة وطرائق الحكم في بيت العزيز . الأمر الذي أهله عمليا لأن يكون بمقام عزيز . فيطلب من الملك , بل يقترح عليه أن يجعله على خزائن الأرض .
إذا كانت الأمور تقاس بمآلاتها لا بظاهرها , فإن ما حصل على يوسف من المصائب كانت سببا لما ناله من رفعة ومكانة . وسبحان القادر العليم الحكيم .
الآية الحادية والسبعون :
قال الله تعالى ( وقال الذي اشتراه من مصر لامرأتي أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أن نتخذه ولدا ....الآية )
العبرة هي أن الذي اشتراه من مصر قد أولى يوسف عليه السلام كل هذه العناية والتكريم أملا ورجاء في نفعه , أو اتخاذه ولدا . غير أن الله تعالى قد شاء أن يكون هذا الإكرام والعناية بيوسف عليه السلام خيرا ليوسف ولم تأت الأمور على ما أراد سيده المسخر من الله تعالى للعناية بهذا الغلام المحروس بعناية الله ولطفه . وهكذا زرع السيد وحصد غيره لأن الله غالب على أمره وأن أكثر الناس لا يعلمون . زرع السيد فحصد المسود
الآية الثانية والسبعون :
إذا كان الله تعالى قد قدر أن يكون لكل نبي آية . فقد أعد الله تعالى لنبيه يوسف عليه السلام آيات . علمه تأويل الأحاديث وهو علم صار مقام الآية لنبيه وصفيه يوسف عليه السلام . لأنه تعالى غالب على أمره جاعل هذا العلم لدى يوسف سببا لمقام عظيم عند الملك وثقة جعلته يخرجه من السجن دون طلب منه ,ثم يوليه خزائن الأرض , فيصير عزيزا لمصر , فيمكنه الله تعالى من الدعوة لدينه بأساليب ومقامات تفاوتت من دعوته لامرأة العزيز بالاستقامة والقدوة الحسنة الى دعوة الغلامين في السجن بالدعوة المباشرة للتوحيد, الى دعوة ملك مصر وشعب مصر قاطبة بالحكم العدل والإدارة الحسنة لموارد البلاد وتجنيبها كارثة المجاعة .
الآية الثالثة والسبعون :
قال الله تعالى ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض توفني مسلما وألحقني بالصالحين )
والآية والعبرة هنا هذا الحشد من ذكر المحامد والنعم التي أنعم الله بها على يوسف عليه السلام, وقبل ذلك كان شاكرا لأنعم ربه بعد رفع أبوية على العرش وسجودهم له . في هذا الموقف من مواقف العز والتمكين لم يشغله ذلك عن شكر ربه لهذه النعم . فقد أحسن به ربه فأخرجه من السجن , وجاء بأهله من البدو , أصلح ما بينه بين إخوته من بعد أن نزغ الشيطان بينهم . ثم انثنى بالتعظيم لفاطر أعظم المخلوقات السماوات والأرض . ثم التسليم بولاية الله تعالى لأمره في الدنيا والآخرة . كل هذا الحشد كان مقدمة لضراعة يوسف عليه السلام لربه أن يتوفاه مسلما وأن يلحقه بالصالحين .
في هذا عبرة وموعظة لمن يرجو الكريم المنان أن يقدم لرجائه ذكر المحامد والثناء والاعتراف بالنعم لله تعالى , مقدمة لطلبه . خاصة إذا كان الطلب عظيما كطلب يوسف عليه السلام من ربه أن يتوفاه الله مسلما ويلحقه بالصاحين
الآية الربعة والسبعون :
قال الله تعالى ( يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ) .
الآية هنا أنه رغم برودة ردة الفعل من الزوج حيال تصرف زوجته وميلها لغلامها , إلا أن هذا لم يمنع من ظهور استهجان عملها , ودعوته لها للاستغفار إقرارا بسؤ عملها . إذا علمنا أن هذا قد تم وهما الزوج والزوجة كانا على الكفر . فإن ذلك مما يدل على نفور الفطرة حتى في حالة الكفر من الزنا ودواعيه . فمهما كان منتشرا في أي مجتمع إلا أن الفطرة السليمة ترفضه وإن غابت أنظمة المجتمع عن تجريمه .
الآية الخامسة والسبعون :
قال الله تعالى ( قالت فذالكن الذي لمتنني فيه , ولقد راودته عن نفسي فاستعصم , ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين )
هذا التهديد ليوسف عليه السلام بالسجن والصغار ثم تنفيذ السجن يدل على مدى ما وصل له تسلط المرأة في ذاك المجتمع وقدرتها على التدخل في شؤون الحكم . وظاهرة تدخل النساء في الحكم من أبرز أسباب فساد المجتمعات وسقوط الدول .
الآية السادسة والسبعون :
قال الله تعالى ( قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قل أن يأتيكما . ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قول لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون .) الآية .
هنا نرى أن يوسف عليه السلام نفى عن نفسه الحول والقوة فيما أوتي من ملكة التأويل وأعاد ذلك الفضل لتعليم ربه له , وأن السبب في ذلك التعليم والفهم أنه قد ترك ملة القوم الظالمين فاستحق هذه العناية من الله تعالى . وهذا مما يجعل مسألة الاقتداء واردة . فمن سلك هذا الطريق استحق عناية الله الله . وهذا مما يسهل طريق الهداية بالاقتداء والاهتداء في أمور في متناول كل أحد . كل هذا محاولات دعوية للغلامين كي يهتديا .
الآية السابعة والسبعون :
قال الله تعالى ( يوسف أيه الصديق افتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي ارجع الى الناس لعلمهم يعلمون .)
الآية في قوله تعلى ( لعلي أرجع الى الناس لعلهم يعلمون ) . الرؤيا رؤيا الملك , غير أن هذه الرؤيا والله أعلم قد أهمت الناس وصارت شغلهم الشاغل , فصاروا في ترقب لتأويلها , بدليل تعجل هذا السائل في تأويل الرؤيا ليرجع الى الناس لعلمهم يعلمون .
وانظر الى هذه الرؤى التي وردت في السورة . يوسف عليه السلام رأى ما أوله والده أنه سيكون له شأن في النبوة وفي تأويل الأحاديث . والفتيان في السجن رأيا رؤياهما بحسب حالتهما واهتمامها .
أما الملك فقد رأى ما أهم الناس وله مساس بمعاشهم وما يحدق بهم من خطر المجاعة في السنين العجاف لو لم يقتصدوا في السنين المخصبات ويدخروا للسنين العجاف .
فسبحان من لطف بخلقه فجعل الرؤى جزء من ست وأربعين جزء من النبوة .
الآية الثامنة السبعون :
قال الله تعالى : ( وقال الملك ائتوني به , فلما جاءه الرسول قال أرجع الى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم ).
الآية هنا أن يوسف عليه السلام التمس الشهادة في قضيته بتجنب ذكر امرأة العزيز , كما أعرض عن ذكر الأمر السيئ منها , وأجمل شاهدات الحدث . والحكمة والله أعلم أنه تجنبا لإثارة العزيز , وتحاشيا لسطوة نفوذه لدى الملك . وثانيا أن امرأة العزيز قد يكون لديها من خوالج الانتقام , او خوالج الوله ما يجعلها تمعن في ظلمه فتكيل له التهم وتقنع الملك . وثالثا لأن النسوة مجموعة شاهدات . وهذا أقوى للشهادة , وليس لديهن من الضغينة على يوسف ما لدى امرأة العزيز . والله أعلم .
الآية التاسعة والسبعون :
قال الله تعالى ( قال سأستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم )
هنا ملحظ أو حكمة وهي أن يوسف عليه السلام بمجرد أن اعترف إخوته بخطئهم , ودون أن يقدموا الاعتذار قال : ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) . وهكذا سامحهم , بل واستغفر لهم . أما يعقوب عليه السلام فقال : سأستغفر لكم ربي . أما الحكمة والله أعلم فهي أن يوسف عليه السلام بعد أن وصل الى ما وصل اليه من علم وحكمة , ثم ملك , علم أن هذا لم يكن ليتأتى له لولا هذه السلسة من الابتلاءات . وهكذا نظر للابتلاءات كنعمة باعتبار مآلات الأمور , وبعد أن ذاق من النعيم ما قد ينسيه مساءة إخوته .
أما يعقوب عليه السلام فقد ذاق من ويلات فراق يوسف ثم فراق بنيامين ما فطر فؤاده كمدا ولم يذق ولم ير بعد ما آل اليه حال يوسف عليه السلام . ولهذا تأخر عفوه واستغفاره لأبنائه عن عفو يوسف عليه السلام واستغفاره لإخوته . وهذا رغم أن الإخوة لم يطلبوا من يوسف عليه السلام العفو والاستغفار لهم وإنما طلبوا ذلك من والدهم عليه السلام .
الآية الثمانون :
قال الله تعالى ( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه , كذلك لنصرف عنه السؤ والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين )
آية وعبرة وهي أن من ينظر فيما ورد في كتب التفسير من أقوال عجيبة حول همه عليه السلام يعلم أن هذا موضعا من مواضع ومزالق من يتبعون ما تشابه منه يبغونها عوجا . وأخص هنا من أساء التفسير للآية وأساء الأدب مع نبي الله عليه السلام نقلا عن الإسرائيليات دون تورع.
الآية الحادية والثمانون :
قال الله تعالى : ( ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) وقبلها بعث يوسف عليه السلام قميصه ليلقى على وجه أبيه كي يعود له بصره .
الآية والعبرة في تمييز يعقوب عليه السلام لرائحة يوسف عليه السلام بعد سنين الفراق . ثم كيف عبرت ريحه الآفاق وحمله الأثير لوالده ليجدها بمجرد أن خرجت العير من مصر .
العبرة أيضا في أثر رائحة جسم الإنسان . سواء بتأثيرها النفسي الصدمة التي تحدث أثرا فسيولوجيا أعاد البصر بقدرة الله ليعقوب عليه السلام حسبما يرى بعض المفسرين . أو كان ذو أثر فيزيائي كيمائي كان السبب بإذن الله في عودة البصر ليعقوب عليه السلام . ذلك الأثر الذي أشارت له بعض الدراسات الحديثة على يد أحد المتخصصين المسلمين والمتعلقة بتأثير عرق جسم الإنسان في معالجة بعض أمراض العيون . والله أعلم .
الآية الثانية والثمانون :
قال الله تعالى : ( أما أحدكما فيسقي ربه خمرا , وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه . قضي الأمر الذي فيه تستفتيان )
الآية هنا تأويل الرؤيا لمن أعطاه الله ملكة التأويل الشرعي إن يخبر السائل . إن خيرا فخير, وإن شرا فشر . ليحمد الله على الخير , وليحذر صاحب الشر . فالرؤيا بشارة ونذارة . من هذا فلا صحة لمذهب من يقول بإخبار المستفتي بالتأويل الحسن وعدم إخبار المستفتي بالتأويل السيئ . فهذا يوسف قد أخبر من سيصلب وتأكل الطير من رأسه . وقد تحققت الرؤيا . والله أعلم .
الآية الثالثة والثمانون :
قال الله تعالى ( وقال الذي اشتراه من مصر لامرأتي أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا . وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث , والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . )
لقد أمل هذا الذي اشترى يوسف أن يحقق لهم نفعا , أو أن يتخذوه ولدا بالتبني كما كان واقعا في كثير من المجتمعات .والعبرة أن أمل هذا الرجل قد تحقق والله أعلم .
تحقق بأن يوسف عليه السلام قد رعى هذا الجميل وحفظ المعروف . فلم تطاوعه نفسه أن يقع في السؤ أو الفحشاء في أهل الرجل وقد أحسن مثواه . فعل يوسف هذا الفعل حفظا لمعروف الرجل وإيمانا أن الظالمين لا يفلحون .
كما تحقق لهذا البيت منفعة أكبر , وهي اهتداء امرأة العزيز بحسب بعض الروايات متأثرة بسلوك يوسف واستقامته . فإذا كانوا قد أحسنوا إليه بإكرام مثواه , فقد رد الجميل بما هو أغلى وأثمن مما قدموه له عليه السلام .
الآية الربعة والثمانون :
قال الله تعالى ( قال تزرعون سبع سنين دأبا ..... الآية ) العبرة هنا أن يوسف عليه السلام لم يعامل هذا المجتمع الظالم والكافر بما عاملوه به من سؤ المعاملة والظلم البواح .
كما لم يعامل صاحبه القديم في السجن بما عاملة به من النسيان وعدم رد الجميل . لم يعاملهم بمثل صنيعهم . بل قدم لهم محض النصح وصادق الرحمة .فقدم لهم تأويل الرؤيا التي فيها النذارة بوقوع كارثة المجاعة . بل لم يقتصر بتأويل الرؤيا بل شفعها بخطة اقتصادية كفيلة بتجاوز المجاعة . لم يعلق خدمته لهم بالإفراج عنه أو رفع الظلم عنه . لأنه مؤمن بأن فرجه بيد مولاه . فمتى شاء سخر له من عباده من يشاء . خاصة وقد جرب الركون الى البشر عندما استنجد بزميلة في السجن بطلب ذكره عند ربه ناسيا ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين . من هذه الحادثة صار محاذرا أن يطلب العون إلا من ربه تعالى . وقد تولاه وحفظه ورعاه في الكثير من المواقف والمخاطر التي مرت به عليه السلام .
الآية الخامسة والثمانون :
ضرب يوسف عليه السلام المثل في سلوك الداعية الصابر على البلاء والذي يقوم بواجب الدعوة في كل الظروف . فرغم السجن وظروفه القاسية لم ينشغل عن عبادته وصلاحه واستقامته . كما لم ينشغل عن الدعوة عندما سنحت له الفرصة مع من سألاه عن رؤياهما .
الآية السادسة الثمانون :
قدم يوسف عليه السلام في سلوكه مع الملك عندما طلب مقابلته نموذجا رائعا لسلوك المؤمن بربه المتوكل عليه , الواثق من أنه تعالى هو من يصرف الأمور , فلم تستخفه الفرحة بالخروج من السجن . فكانت براءته مما نسب اليه أهم عنده من خروجه من السجن . ولم يبد تهافتا على القرب من الملك . خاصة وقد أخذ درسا عندما طلب من صاحبة أن يذكره عند ربه فكان أن بقي في السجن بضع سنين جراء طلبه من المخلوق ونسي الخالق .
درس وعبرة رائعة تصلح أن يتمثلها كل من تدفع به الظروف للقرب من الملوك وأصحاب السلطة .
الآية السابعة والثمانون :
يوسف عليه السلام النبي المؤمن رأى أن كمال النعمة إيذان بزوالها شأن كل الأعراض الدنيوية الآيلة الى الزوال مهما طال بها الزمن .
لقد رأى هذا النبي ذو الإيمان الشفاف في اكتمال النعمة دليل على قرب النهاية. فكان لا بد أن يطلب من ربه أن يتوفاه مسلما . طلب وألح يوسف عليه السلام في طلبه وهو الذي لم يطلب ربه في سياقات القصة أي طلب دنيوي .
الآية الثامنة والثمانون :
قال الله تعالى ( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك , قال معاذ الله , إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون .ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه , كذلك لنصرف عنه السؤ والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين . ) عبرة وآية ذلك الاختلاف في تفسير هم يوسف عليه السلام بها لدى بعض المفسرين والذي يظهر من النص لا من النقول الإسرائيلية أو غيرها أن همه عليه السلام لا يخرج من الحالات التالية "
1- الحالة الأولى أن همه عليه السلام بها كان بقصد الايذاء الجسدي بدفعها عنه بالقوة حسبما ذهب اليه بعض المفسرين . وهذا الهم من السؤ الذي صرفه الله تعالى عنه .
2- الحالة الثانية أن يكون همه بها هو هم دون هم . بمعنى أنه هم بحديث النفس بحكم الفطرة والاستعداد الجبلي لشاب سوي كامل الرجولة . غير أن هذا الهم كان قد توقف عند حديث النفس ولم يصل لمرحلة النزوع الى الفعل . بل سارع عليه السلام بالتوقف عند حديث النفس والرغبة والاستعداد الفطري دون النزوع حتى الى ما هو دون الفاحشة . والهم بالسؤ والله أعلم هو مقدمات الفاحشة بأنواعها . فقد صرفه الله تعالى عن الفحشاء . وهذا السؤ الذي صرفه الله عنه هو ذاك الذي وصلت اليه امرأة العزيز بنزوعها للشروع في الفعل لولا إباء يوسف عليه السلام . وهذا الهم هو ما جعل فعلها موجبا للاستغفار ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسؤ إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم ) وهنا يظهر الفرق بين النفس الأمارة بالسؤ عند امرإة العزيز , وبين النفس اللوامة لدى يوسف عليه السلام . يؤيد هذا أن نسوة المدينة أمام الملك شهدن أنهن ما علمن عليه من سؤ . إذ لم يصل لمقدمات الفاحشة المختلفة .
3- مع كل هذه البراهين أفلا يذكر يوسف عليه السلام هذه البراهين والوعد بالنبوة والملك وهو النبي المرهف الحس فيقف برغبته دون أن تصل به الى حد السؤ بأنواعه .
4- أخيرا فإن عاقبة هم كل من امرأة العزيز وهم يوسف عليه السلام أن همه عليه السلام صار مأجورا , شأنه في ذلك شأن من هم بسيئة ولم يعملها كما ورد في حدث الرسول صلى الله عليه وسلم ( ومن هم بسئية ولم يعملها صارت له حسنه . ) كما صار بهذا الهم من المأجورين من عباد الله المخلصين . أما هم امرأة العزيز فكان هما مأزورا لشروعها ومباشرتها الفعل لولا امتناع يوسف عليه السلام .
5- أفلا يكفي هذا كي ننزه نبي الله تعالى من هم السؤ الذي ذهب اليه بعض المفسرين لحل السراويل وما شابه ذلك من الأقوال .
الآية التاسعة والثمانون :
الآية أنه ورد النص في قوله تعالى ( لولا أن رأى برهان ربه ) . ورأى هنا فعل ماض . وقد رأى يوسف عليه السلام فعلا العديد من براهين الله المختلفة . وأول هذه البراهين بشرى والده عليه السلام بتأويله رؤياه بأنه سيكون له شأن في النبوة والملك .
ومن هذه البراهين , وحي الله تعالى له قبيل إلقائه في الجب بأنه حافظه ومظهر شأنه على إخوته حتى يذكرهم بفعلهم هذا وهم لا يشعرون . ومن هذه البراهين ما آتاه الله تعالى من علم لدني بعد أن بلغ أشده . فقد أوتي علما وحكما لدنيا وصار من المحسنين رغم نشأته في بيئة فرعونية كافرة .
الآية التسعون :
قال الله تعالى : ( قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين )
العبرة أو الآية أن من يرى رؤيا حسنة ينبغي له ألا بها إلا من يثق به خشية الحسد أو من يريد السؤ بصاحب الرؤيا كما خشي والد يوسف عليه السلام .
قال الله تعالى ( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين . ) 56
هنا إشارة وعبرة بأن ما حصل ليوسف من التمكين في الأرض وإصابته بالرحمة إنما كان بمشيئة الله تعالى ولأن الله تعالى لا يضيع أجر المحسنين . فيوسف عليه السلام كان من المحسنين حتى قبل أن يبلغ أشده باستقامته في مرحلة الطفولة في البيئة الفرعونية الكافرة . وهكذا قرر الله تعالى في هذه الآية أن الفضل الذي تحقق ليوسف لم يكن بسبب تأويل هذه الرؤيا ولا بسبب الخطة الاقتصادية التي اقترحها على الملك فقط بل بسبب إرادة الله ومشيئته التي تقضي بأنه تعالى لا يضيع أجر المحسنين . والعبرة المهمة هنا أن عطاء الله الكريم للمحسنين هو عطاء رحمه , ورحمة الله يعطيها من يشاء من عباده ونهم المحسنون . عطاء الإحسان هذا هو عطاء رحمه لا عطاء ابتلاء . وذلك عاجل جزاء المحسنين في الدنيا ,أما في الآخرة فهو ما ورد في الآية التالية في قوله تعالى ( ولأجر الآخر خير للذين آمنوا وكانوا يتقون )