الجزء الأول:في تحقيق الفرق بين (قبل) و(من قبل) في القرآن واللغة بدراسة تفصيلية

إنضم
09/01/2008
المشاركات
81
مستوى التفاعل
2
النقاط
8
بسم الله الرحمن الرحيم
قد سبق أن كتبت بحثا في الفرق بين (بعد) و(من بعد) ، وآخر في الفرق بين (آناء) و(من أناء) و(فوق ومن فوق) ونحوها ، وقد وضعتها في ملتقى أهل التفسير ، والآن بحمد الله يظهر بحث الفرق بين قبل ومن قبل بعد أشهر من البحث وتتبع لمعظم كتب التفاسير وعلوم القرآن واللغة ، وقد أكرمني الله بنتائج رائعة في استعمالات (من قبل) واستعمال (قبل) ، جمعت فيه ما تفرق في الكتب ، وهذا البحث يعتبر مفتاحا للبحث اللاحق وهو أسرار بناء قبل على الضم ، أرجو من الله سبحانه القبول وأن ينفع به سبحانه وأن يجعله سببا لرضاه سبحانه .


المبحث الأول:
(من) تفيد أكثر من معنى في وقت واحد ، والمعنى الأصلي الذي لـ(من) ولا يخرج عنها في جميع المعاني هو الابتداء: أي بيان مبدأ و جهة حصول الفعل ونحوه: ، أي :أن الشيء مبتدئ من كذا قال ابن هشام في المغني : "وَاخْتلف فِي (من) الدَّاخِلَة على قبل وَبعد فَقَالَ الْجُمْهُور لابتداء الْغَايَة" اهـ .
ثم ينشأ من ابتداء الغاية معان فرعية :
1) فمن ذلك التأكيد .
2) وكذلك إفادة القرب أو المبادرة في سياقات أخرى؛ لأنها تكون لابتداء الغاية في أول أزمنة القبلية .
3) وتفيد استيعاب الزمان كله من أول لحظاته في سياقات أخرى
وإليك تفصيل هذه المعاني مع ذكر من ذكرها من العلماء وذكر عشرة أمثلة لكل معنى وذكر أرقام بقية الآيات :
1) المعنى الأول: البدء من أول لحظة من لحظات القبلية مع الاستيعاب والعموم والتأكيد :
الاستيعاب لجميع الوقت السابق، ذكر (من) يفيد الاستيعاب مع التأكيد ، فهو يفيد الابتداء من قبل زمن المضاف إليه مباشرة من غير فاصل، مستغرقا جميع الوقت الذي قبل، وتستوعب بذكر طرفيه ابتداء وانتهاء ، فتفيد أن ما قبلها عريق في القدم .
وبيان معنى الاستيعاب : أنك إذا قلت: ذهبت إلى الحقل من أول اليوم عنيت أن ذهابك كان جد مبكر بحيث بدأ ببداية أول اليوم دون أن تنصرم منه لحظة من لحظاته ، مبالغة في أن جزءا ولو ليسيرا من الوقت لم يفتك، وإذا قلت ذهبت إلى الحقل أول اليوم أفدت التبكير لكنك لم تستوعب لحظات اليوم من بداية ما يقال له أول دون أن تنصرم منه لحظة من لحظاته ، فهي أبلغ من قبل قبلك، ومن في أصلها تدل على تدل على الابتداء ، والابتداء يدل على أنه حصل من أول اللحظات والمراد أنه هنا من أول اللحظات إلى آخرها
وتفيد مع الاستيعاب التأكيد والظروف إذا حدّت حقّقت .
وقد نص على الاستيعاب: الإسكافي في درة التنزيل ، وأبو جعفر بن الزبير ، والكرماني ، وابن عرفة ، والسامرائي ، وابن عاشور ومحمد الأمين الخضري ، و الفيروزآبادي ، والنيسابوري ، ونص عليه جماعة من البصريين ، والزمخشري والبيضاوي وأبو حيان في بعض المواضع
هذا ذكر من نص على الاستيعاب ويجتمع مع الاستيعاب التوكيد وقد نص كثير من العلماء على أن (من) تفيد التوكيد فلذلك نراها تستعمل في مقام وسياق يحتاج إلى القوة والتأكيد بخلاف حذف (من) : من هؤلاء العلماء أبو جعفر بن الزبير ، د صالح الشتري ، وهو مذهب ابن مالك في (من) الداخلة على الظروف، وهو ظاهر كلام الدماميني في شرح التسهيل ، ونص عليه ابن عاشور ، والجوهري، والنيسابوري ، والطبرسي ، وابن عرفة ، وكذا البيضاوي والشهاب والآلوسي والجلال في بعض المواضع .
أمثلة المعنى الأول: الذي يفيد من أول لحظة من لحظات القبلية مع الاستيعاب والتوكيد .


********************
{ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)}(2/4)
يشمل الإيمان بالكتب السابقة من التوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء كلها وسائر الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فيجب الإيمان بذلك كله، وهذه خاصية المؤمنين يؤمنون بجميع الكتب السماوية وبجميع الرسل فلا يفرقون بين أحد منهم .
انظر البغوي والخازن والسعدي.
********************
( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا) ( 4/60)
هذا إنكار من الله ، عز وجل ، على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين ، قال ابن عاشور: وعطف قوله { وما أنزل من قبلك } لأنّ هؤلاء المنافقين كانوا من اليهود ، وقد دخل المعطوف في حَيّز الزعم فدلّ على أنّ إيمانهم بما أنزل من قبل لم يَكن مطّرداً ، فلذلك كان ادّعاؤهم ذلك زعمْا ، لانتفاء إيمانهم بالتوراة في أحوال كثيرة مثل هذا ، إذ لو كانوا يؤمنون بها حقّا ، لم يكونوا ليتحاكموا إلى الكهّان ، وشريعة موسى عليه السلام تحذّر منهم .
********************
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }(21)}(2/21)
فهي تشمل الكل مع التأكيد كأنه قيل من قبل مباشرة فصاعدا فهي تشمل الكل
أي من تقدم زمانكم من الخلائق والبشر ، قال أبو السعود : { والذين مِن قَبْلِكُمْ } ومن ابتدائية متعلقةٌ بمحذوف أي كانوا من زمان قبلَ زمانكم والمرادُ بهم مَنْ تقدّمهم من الأمم السالفة كافة ومن ضرورة عمومِ الخطابِ بيانُ شمولِ خلقِه تعالى للكل ، وتخصيصُه بالمشركين يؤدي إلى عدم التعرضِ لخلقِ مَنْ عداهم من معاصريهم .
قال ابن عاشور : فكان قوله : { والذين من قبلكم } تذكيراً لهم بأن آباءهم الأولين لا بد أن ينتهوا إلى أب أول فهو مخلوق لله تعالى . ولعل هذا هو وجه التأكيد بزيادة حرف ( من ) في قوله : { من قبلكم } الذي يمكن الاستغناء عنه بالاقتصار على { قبلكم } ، لأن { من } في الأصل للابتداء فهي تشير إلى أول الموصوفين بالقبْلية فذكرها هنا استرواح لأصل معناها مع معنى التأكيد الغالب عليها إذا وقعت مع قبل وبعد .
********************
{ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} (19/7)
لم نجعل للغلام الذي نهب لك مشاركاً في هذا الاسم من قبله أحدا مسمى باسمه ، والسميّ : فعيل بمعنى مفعول فلم يسم أحد قبله مطلقا يحيى، وهذا مزيدُ تشريفٍ وتفخيم له عليه الصلاة والسلام ، فإن التسميةَ بالأسامي البديعة الممتازة عن أسماء سائرِ الناس تنويهٌ بالمسمّى لا محالة و مزيّة قوّة تعريف المسمى لقلّة الاشتراك ، وله مزية اقتداء الناس به من بعد حين يسمون أبناءهم ذلك الاسم تيمّناً.
******************
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) } ( 24/ 58).
وجوب الاستئذان يشمل من أول لحظات ما بعد صلاة العشاء مباشرة إلى ما قبل صلاة الفجر مباشرة فلا تخرج لحظة إلا وهي داخلة ويجب فيها الاستئذان مع التأكيد على وجوب العمل بهذا من تحقق أول لحظات بعد صلاة العشاء وقبل صلاة الفجر فتفيد الابتداء والتأكيد واستيعاب الوقت.
قال البقاعي : وأثبت من في الموضعين دلالة على قرب الزمن من الوقت المذكور لضبطه ، وأسقطها في الأوسط[حين تضعون] دلالة على استغراقه لأنه غير منضبط ـ ـ ـ { بعدهن } أي في جميع ما سوى هذه الأوقات إذا هجموا عليكم
قال اطفيش – الهميان: اي بعد تلك الاوقات اي في غيرهن ابن عاشور: وحرف ( من ) مزيد للتأكيد . أي في غير تلك الأوقات الثلاثة.
******************
{ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)} (30/24)
من تفيد التعميم وأن الأمر لله من قبل الغلب مباشرة مستوعبة جميع الزمان الماضي ، ومن بعد الغلب مباشرة مستوعبة جميع الزمان المستقبل مع التأكيد .
قال البقاعي: ولما أفهم السياق العناية بالروم ، فكان ربما توهم أن غلب فارس لهم في تلك الواقعة وتأخير نصرهم إلى البضع ربما كان لمانع لم يقدر على إزالته ، نفى ذلك بإثبات الجار المفيد لأن أمره تعالى مبتدىء من الزمن الذي كان قبل غلبهم حتى لم تغلبهم فارس إلا به ، وهو مبتدىء من الزمن الذي بعده ، فالتأخير به لا بغيره ، لحكمة دبرها سبحانه فقال : { من قبل } أي قبل دولة أهل فارس على الروم ثم دولة الروم على فارس ، لا إلى غاية تكون مبدأ لاختصاصه بالأمور فيه سبحانه غلبوهم { ومن بعد } أي بعد دولة الروم عليهم ودولتهم على الروم لا إلى غاية فيه أيضاً غلبهم الروم ، فحذف المضاف إليه هو الذي أفهم أن زمن غلبة فارس لهم وما بعده من البضع مذكور دخوله في أمره مرتين .
يعني أن كلاً من كون الروم مغلوبين أوّلاً وغالبين آخراً ليس إلا بأمر الله وقضائه وعلمه ومشيئته فغَلَبة الغالب وخِذْلان المغلوب ، بأمر الله وقضائه { وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس } أي هو المنفرد بالقدرة وإنفاذ الأحكام
2) فإياك أن تظن أن انتصار الفرس جاء غصْباً عن إرادة الله ، أو خارجاً عن مراده ، إنما أراده الله وقصده لحكمة وليس أحد من الخلق أن يخرج عما قدره - سبحانه - وأراده . ، فلله الأمر من قبل الغلب ، ولله الأمر من بعد الغلب .
4) ، وما قدر هذه المدة لعجز وإنما هي إرادة نافذة و إن أراد غلبهم غلبهم قبل بضع سنين وإن أراد غلبهم غلبهم بعدها
يقول علي هاني وهناك أقوال سبعة في تقدير المضاف إليه تراجع في محلها .
********************
( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [46: 4]
هاتوا بأي كتاب انزله الله يدل على صحة قولكم يأمركم بعبادة غير الله تعالى ، أنزله في أي وقت في عموم القبل قبل هذا القرآن، يعني : أنّ هذا الكتاب ناطق بالتوحيد وإبطال الشرك . وما من كتاب أنزل من قبله من كتب الله إلا وهو ناطق بمثل ذلك ، فأتوا بكتاب واحد منزل من قبله شاهد بصحة ما أنتم عليه من عبادة غير الله.
********************
{ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)}
(57/ 10) فيها الاستيعاب والتأكيد فكل من أنفق من قبل الفتح وما قبله لا يساويه من أنفق من بعد الفتح مباشرة وما بعده .
قال ابن عرفة : لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ الآية لما تضمنت تشريف القسم المقابل كان تحريضا، إذ [هو] عام في البعدية إلى يوم القيامة أو مقابل قوله (مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ)، وهذه البعدية صادقة في سائر الأزمان فينبغي للمكلف تحصيل صادقيتها ليكون أحد المقابلين للأفضل، ونص في الآية على نفي مساواة من جمع الوصفين، قبل الفتح لفعل مثله بعده، فمن أنفق قبله، ولم يقاتل، هل يساوي من قاتل بعده ولم ينفق؛ لأن بذل النفس أعظم ثوابا من بذل المال، فهل يعدل فضيلة ذلك فضل السبقية [أو لا؟] فيه نظر، فإن قلت: من في قوله (مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ)، وقوله (مِنْ بَعْدُ) لابتداء الغاية، فهي لأول أزمنة القبلية والبعدية، وتضمنت الآية نفي مساواة من أنفق في أول الأزمنة المتقدمة على الفتح، لمن أنفق في أول الأزمنة المتأخرة عنه، مع أن المساواة منتفية بين من أنفق قبله مطلقا، وبين من أنفق بعده مطلقا، فالجواب: أن كل ما ثبت لأحد المتساوين ثبت للآخر، و (مَن) إنما دخلت لتأكيد معنى السبقية.
قال الزمخشري: ثم بين التفاوت بين المنفقين منهم فقال : { لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ } قبل فتح مكة قبل عز الإسلام وقوّة أهله ودخول الناس في دين الله أفواجاً وقلة الحاجة إلى القتال والنفقة فيه ، ومن أنفق من بعد الفتح فحذف لوضوح الدلالة .
******************
( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [14: 22]
{ مِنْ } متعلقة بأشركتموني أي كفرت بإشراككم إياي لله تعالى في الطاعة لأنهم كانوا يطيعونه في أعمال الشر كما يطاع الله تعالى أعمال الخير ، فالإشراك استعارة بتشبيه الطاعة به وتنزيلها منزلته ، والكفر مجاز عن التبري، فهو كفر بجميع إشراكاتهم به في جميع المدة السابقة .
******************
وكذلك في هذه الآيات: (4/136).( 40 : 74] [41: 48] [46: 4] (57/ 10) [57 : 22] [21: 34] [28: 46]. [32 : 3] [28 : 53] [29: 48]. 44: 37] [14: 44]. [34: 53].( 2/286). ( 28/ 12). (3/93) (4/136).( 5/59) (4/162) [57 : 22] [21: 34] [28: 46]. [32 : 3] [28 : 53] [29: 48].44: 37].
*******************
المعنى الثاني: استيعاب مع إفادة أن هذا الفعل معهود فيما سبق وليس ببدع ، وأنه ليس بأوّل مرة يفعل لتقبيح حالهم وللتنبيه على أن ذلك سنة مطردة فيما بين الأمم المهلكة ، ليس الأمر بغريب ، فبينهما الشبه التامّ وفيه في سياقات الحث على التأسي ، أو لزيادة التأكيد.
قد تقدم من ذكر الاستيعاب والتأكيد وأما كونه مألوفا وليس ببدع فقد نص عليه الإمام الرازي ، وأبو السعود ، والآلوسي ، والسامرائي ، وابن عاشور ، وابن عطية ، والطباطبائي ، وأبو حيان ، و الطبري والزمخشري وغيرهم من المفسرين مما سيأتي في البحث.
أمثلة هذا القسم:


*****************
{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ 2/(118)
تفيد الاستيعاب وأنه معهود أي كما قال من قبلهم من الأمم الخالية من أهل الكتابين وغيرهم ، طلبوا مثل هذا من أنبيائهم فقد طلب قوم موسى أن يروا الله جهرة ، وطلبوا وتعنتوا في طلب الخوارق المعجزة . فبين هؤلاء وهؤلاء شبه في الطبيعة ، وشبه في التصور .
انظر ابن كثير سيد قطب البغوي . البيضاوي ، وحملها البقاعي كعادته في تفسير {من قبل}على التبعيض وهو بعيد
*********************
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }2/(183).
قال ابن عرفة: وزيادة « مِنْ » تنبيه على عموم ذلك في كل أمة من الأمم السالفة إلى حين : تزول هذه الآية
قال الزمخشري: { كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين مِن قَبْلِكُمْ } على الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى عهدكم . قال عليّ رضي الله عنه : أوّلهم آدم ، يعني أنّ الصوم عبادة قديمة أصلية ما أخلى الله أمّة من افتراضها عليهم ، لم يفرضها عليكم وحدكم
قال البيضاوي: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } يعني الأنبياء والأمم من لدن آدم عليه السلام ، وفيه توكيد للحكم وترغيب في الفعل وتطييب على النفس .
قال أبو حيان: { على الذين من قبلكم } : ظاهره عموم الذين من قبلنا من الأنبياء وأممهم من آدم إلى زماننا .
*********************
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}
( 2/214)
" مِنْ قبلِكم " متعلِّقٌ ب " خَلَوا "
أي شبه الذين مضوا قبلكم من أمم أوتوا الكتب ودعوا إلى الحق فآذاهم الناس في ذلك فصبروا وثبتوا فيشمل النبيين وأتباعهم من المؤمنين ومن سار على خطاهم ، أفتصبرون مثلهم على المكاره ، وتثبتون ثباتهم على الشدائد من غير أن تفتنوا بالإيذاء كما هي سنة الله تعالى في أنصار الحق وأهل الهداية في كل زمان ؟ ، و(من) هنا ليست لمجرد التأكيد كما قال السمين الحلبي مستندا إلى أن القبلية مستفادة من خلوا لأن من أفادت الاستيعاب هنا وهذا غير مستفاد من خلوا
انظر الخازن والسمين الحلبي وابن عاشور ورشيد رضا .
وحملها البقاعي على القرب فقال: " ولما كان القرب في الزمان أشد في التأسية أثبت الجار فقال : { من قبلكم }" وما قدمته أحسن.
*********************
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} 3/11).
تفيد الاستيعاب وأنه معهود قديم ، أبو حيان: ذكر أن شأن هؤلاء في تكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وترتب العذاب على كفرهم ، كشأن من تقدّم من كفار الأمم ، أخذوا بذنوبهم ، وعذبوا عليها ، { والذين من قبلهم } هم كفار الأمم السالفة ، كقوم نوح ، وقوم هود ، وقوم شعيب ، وغيرهم .
*********************
{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (48/23)}
{ خلت } مضت وسبقت ، فائدة { التي خلت من قبل} الدلالة على اطرادها وثباتها ، والمعنى : أن ذلك سنة الله مع الرسل ، ولما وصف تلك السنة بأنها راسخة فيما مضى أعقب ذلك بوصفها بالتحقق في المستقبل تعميماً للأزمنة بقوله : { ولن تجد لسنة اللَّه تبديلاً } ، فقد سن غلبة أنبيائه سنة قديمة فيمن مضى من الأمم كما قال تعالى : { لأغلبن أنا ورسلي } الآلوسي -نصب على المصدرية بفعل محذوف أي سن سبحانه غلبة أنبيائه عليهم السلام سنة قديمة فيمن مضى من الأمم.
*********************
( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) 21/24)
قال ابن عاشور: وأما قوله تعالى : { وذكر من قبلي } فمعناه ذكر الأمم الذين هم قبلي يشمل جميع الكتب السالفة المعروفة : التوراة والزبور والإنجيل وكتاب لقمان . الطبري يقول : وخبر من قبلي من الأمم التي سلفت قبلي ، وما فعل الله بهم في الدنيا وهو فاعل بهم في الاَخرة القرطبي من قبلي " في التوراة والإنجيل ، وما أنزل الله من الكتب ؛ فانظروا هل في كتاب من هذه الكتب أن الله أمر باتخاذ آلهة سواه ؟
قال أبو السعود: وقوله تعالى : { هذا ذِكْرُ مَن مَّعِي وَذِكْرُ مَن قَبْلِي } إنارةٌ لبرهانه وإشارةٌ إلى أنه مما نطقت به الكتبُ الإلهية قاطبةً وشهِدت به ألسنةُ الرسلِ المتقدمة كافةً وزيادةُ تهييجٍ لهم على إقامة البرهان لإظهار كمالِ عجزِهم ، أي هذا الوحيُ الواردُ في شأن التوحيد المتضمن للبرهان القاطعِ العقليّ ذكرُ أمتي أي عظتُهم وذكرُ الأمم السالفة قد أقمتُه فأقيموا أنتم أيضاً برهانَكم.
*********************
( وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ) 35/4
قال ابن كثير يقول : وإن يكذبك - يا محمد - هؤلاء المشركون بالله ويخالفوك فيما جئتهم به من التوحيد ، فلك فيمن سلف قبلك من الرسل أسوة ، فإنهم كذلك جاؤوا قومهم بالبينات وأمروهم بالتوحيد فكذبوهم وخالفوهم
قال سيد طنطاوي: أى : وإن يكذبك - أيها الرسول الكريم - قومك ، فلا تخزن ، ولا تبتئس ، فإن إخوانك من الأنبياء الذين سبقوك ، قد كذبهم أقوامهم ، فأنت لست بدعا فى ذلك .
*********************
( وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)
[29: 18].
مألوف وتعميم من أول أزمنة القبلية فما تحتها مع التأكيد
يقول تعالى ذكره : وإن تكذّبوا أيها الناس رسولنا محمدا صلى الله عليه وسلم فيما دعاكم إليه من عبادة ربكم الذي خلقكم ورزقكم ، والبراءة من الأوثان ، فقد كَذّبت جماعات في الأزمان الكائنة من قبلكم رسلَها فيما دعتهم إليه الرسل من الحقّ ، كثيرة ، كعاد وثمود وقوم نوح وغيرهم فحلّ بها من الله سخطه ، ونزل بها منه عاجل عقوبته ، فسبيلكم سبيلها فيما هو نازل بكم بتكذيبكم إياه مثل عاد وثمود وغيرهم فأهلكوا
قال الطباطبائي :ومعنى الشرط والجزاء في صدر الآية أن التكذيب هو المتوقع منكم لأنه كالسنة الجارية في الأمم المشركة وقد كذب من قبلكم وأنتم منهم وفي آخرهم وليس علي بما أنا رسول إلا البلاغ المبين .
*********************
( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ). (5/75)
أي إنما عيسى عليه السلام رسول لله من جنس الرسل وكسائر رسله الذين كانوا قبله ، ليس بدعا في هذا الوصف ، جاء بآيات من الله كما أتوا بأمثالها، فمضوا وخلو، وليس بإله كما أن الأنبياء قبله رسل ليسوا بآلهة، فهو عليه السلام له سَويَّة أمثاله من سائر المرسلين المتقدمين عليه ، وأنه عبد من عباد الله ورسول من رسله الكرام فإنْ أحيا الموتى على يده فقد أحيا العصا في يد موسى عليه السلام وجعلت حية تسعى ، وهو أعجب.
*********************
{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}(3/137).
يعني بقوله تعالى ذكره : { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } مضت وسلفت مني فيمن كان قبلكم يا معشر أصحاب محمد وأهل الإيمان به ، من نحو قوم عاد وثمود ، وقوم هود ، وقوم لوط وغيرهم من سُلاف الأمم قبلكم سنن ثابتة ، ، يريد ما سنه الله في الأمم المكذبين من وقائعه ، ومن قبلكم متعلق بخلت ، يعزي تعالى عباده المؤمنين ويسليهم ، ويخبرهم أنه مضى قبلهم أجيال وأمم كثيرة ، امتحنوا ، وابتلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين ، فلم يزالوا في مداولة ومجاولة ، حتى جعل الله العاقبة للمتقين ، والنصر لعباده المؤمنين ، وآخر الأمر حصلت الدولة على المكذبين ، وخذلهم الله بنصر رسله وأتباعهم .
انظر الطبري والزمخشري و أبو السعود و سيد طنطاوي.
*********************
( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ)(13/32).
قال الآلوسي: والمعنى أن ذلك ليس مختصاً بك بل هو أمر مطرد قد فعل برسل جليلة كثيرة كائنة من قبلك فأمهلت الذين فعلوه بهم.
( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ)(13/32).
قال الآلوسي: والمعنى أن ذلك ليس مختصاً بك بل هو أمر مطرد قد فعل برسل جليلة كثيرة كائنة من قبلك فأمهلت الذين فعلوه بهم.
*********************
( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ) [21: 41].
قال ابن عطية: ثم آنس تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم بما جرى على سائر الأنبياء من استهزاء قومهم بهم وحلول العذاب بالمستهزئين.
قال الزمخشري: سلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استهزائهم به بأن له في الأنبياء عليهم السلام أسوة وأن ما يفعلونه به يحيق بهم ، كما حاق بالمستهزئين بالأنبياء عليهم السلام ما فعلوا .
قال أبو حيان : ولما تقدم قوله { إن يتخذونك إلاّ هزواً } سلاه تعالى بأن من تقدمه من الرسل وقع من أممهم الاستهزاء بهم".
قال أبو السعود : وتنوينُ الرسل للتفخيم والتكثير ومن متعلقةٌ بمحذوف هو صفة له ، أي وبالله لقد استُهزئ برسل أولي شأنٍ خطير وذوي عددٍ كثير كائنين من زمان قبل زمانك على حذف المضاف وإقامةِ المضاف إليه مُقامه .


وكذلك: ( 8/ 54 )(3/144) ) 7/ 38)( 13/6 ) (13/30). (41/25] [24: 34]. 46/17).(3 /183 ) [35: 25] [29: 18]. [8: 52]( 4/26). [8: 52] 4/ 131}.( 6/6) (38/3). (6/10) (13 : 38) 6/28 ) (6/34) (6/42). [16: 63] 6/148) [7/ 101] (10/74) (9/ 69] (9/70). (10/13) 10/ 39(10/102). )(11/ 116). 9/48](11/78). (11/109). [13: 42]. [14: 9]. [15: 10] 29: 3]. [30: 9] [32: 26] [34: 45] (67/18) [39: 25] [35: 44]. [40: 21]. [40: 82] [39: 50] [64: 5]. (11/49) (2/91). (5/77) 2/ 198 (3/164). (12/ 3). (62/2). [24: 55] [16: 26] [16: 33]. (10/16) . (23/83) ) (27/68) (22//78) [ 30 : 42] [ 33 : 38] (33: 62). [48: 23] (34/ 54). [22: 52]. [39: 65] 30: 47] [40: 78] [41: 43]. [42: 3] [43: 23] [43: 45] [28: 78]


المعنى الثالث: المبادرة
الابتداء ، والمبادرة في أول أزمنة القبلية مع التأكيد.
نص عليه ابن عاشور ،ابن عرفة ، والبقاعي ، والزمخشري ، وأبو السعود ، وابن كثير ، وسيد قطب ، محمد سيد طنطاوي ، والطوسي ، والسعدي وغيرهم .




يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (2/ 254) .
وأدخل (مِن) لابتداء الغاية أي في زمن يبتدئ من قبل إتيان اليوم ، ويفيد تأكيد القبلية ليفهم معنى المبادرة فهو مفيدٌ للمسارعة إلى الامتثال به والجِدِّ في في الإنفاق لأن اليوم أشرف على المجيء فهو على شرف الوقوع ، ففيه تأكيد الوعظ والإنذار ، والمبادرة به في أول أزمنته القبلية قبلية إتيان يوم لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الإنفاق وهي الدعوة إلى الفرصة التي إن أفلتت منهم فلن تعود فهي الفرصة التي ليس بعدها - لو فوتوها على أنفسهم - بيع تربح فيه الأموال وتنمو لأنه يذكر بأن هنالك وقتاً تنتهي الأعمال إليه ويتعذّر الاستدراك فيه .
***********************
( يَأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا) 4/ 47
وأدخل (مِن) لابتداء الغاية متعلق بآمنوا أي آمنوا في زمن يبتدئ من قبل طمس الوجوه أي من قبل أن نمحو تخطيط صورها ونجعلها على هيئة أدبارها ، يعني الأقفاء ، ، ويفيد تأكيد القبلية ليفهم معنى المبادرة فهو مفيدٌ للمسارعة إلى الامتثال به والجِدِّ في الإيمان لأن الطمس على شرف الوقوع ؛ ففيه تأكيد الوعظ والإنذار ، والمبادرة به في أول أزمنة القبلية قبلية ،لأنه لو جاء لما أمكن تدارك ما فاتكم .
*****************
( قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) 14/31
وأدخل (مِن) لابتداء الغاية أي في زمن يبتدىء من قبل إتيان اليوم ، ويفيد تأكيد القبلية ليفهم معنى المبادرة فهو مفيدٌ للمسارعة إلى الامتثال به والجِدِّ في إقامة الصلاة و في الإنفاق لأن اليوم أشرف على المجيء فهو على شرف الوقوع فالمدة قصيرة ، ففيه تأكيد الوعظ والإنذار ، والمبادرة به في أول أزمنته القبلية قبلية إتيان يوم لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الإنفاق وهي الدعوة إلى الفرصة التي إن أفلتت منهم فلن تعود فهي الفرصة التي ليس بعدها - لو فوتوها على أنفسهم - بيع تربح فيه الأموال وتنمو لأنه يذكر بأن هنالك وقتاً تنتهي الأعمال إليه ويتعذّر الاستدراك فيه .
قال ابن عاشور: عند قوله تعالى : { قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ} [إبراهيم : 31] وإدخال حرف الجر على اسم الزمان وهو (قبل) لتأكيد القبلية ليفهم معنى المبادرة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ)
30/43
وأدخل (مِن) لابتداء الغاية أي في زمن يبتدىء من قبل إتيان اليوم ، ويفيد تأكيد القبلية ليفهم معنى المبادرة فهو مفيدٌ للمسارعة إلى الامتثال به والجِدِّ في إقامة الوجه لأن اليوم أشرف على المجيء فهو على شرف الوقوع فالمدة قصيرة ، ففيه تأكيد الوعظ والإنذار ، والمبادرة به في أول أزمنته القبلية قبلية إتيان يوم لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من إقامة الوجه وهي الدعوة إلى الفرصة التي إن أفلتت منهم فلن تعود فهي الفرصة التي ليس بعدها - لو فوتوها على أنفسهم - لأنه يذكر بأن هنالك وقتاً تنتهي الأعمال إليه ويتعذّر الاستدراك فيه .
قال ابن كثير : يقول تعالى آمرًا عباده بالمبادرة إلى الاستقامة في طاعته ، والمبادرة إلى الخيرات قال سيد طنطاوي: { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله } أى : اثبت على هذا الدين القيم ، من قبل أن يأتى يوم القيامة ، الذى لا يقدر أحد على ردِّه أو دفع عذابه إلا الله - تعالى وحده .
وحملها البقاعي على التبعيض: البقاعي ولما كان حفظ الاستقامة عزيزاً ، أعاد التخويف لحفظ أهلها ، فقال ميسراً الأمر 9 بعدم استغراق الزمان بإثبات الجار ، إشارة إلى الرضا باليسير من العمل ولو كان ساعة من نهار ، بشرط الاتصال بالموت : { من قبل } 10
***********************
( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ)
39/ 54) كما ذكر من قبل .
ابن كثير ثم استحث [ سبحانه ] وتعالى عباده إلى المسارعة إلى التوبة ، فقال : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } أي : ارجعوا إلى الله واستسلموا له ، { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ } أي : بادروا بالتوبة والعمل الصالح قبل حلول النقمة .
سيد قطب : ومن أراد الاستسلام من العصاة فليستسلم . وليأت . . ليأت وليدخل فالباب مفتوح . والفيء والظل والندى والرخاء : كله وراء الباب لا حاجب دونه ولا حسيب !
وهيا . هيا قبل فوات الأوان . هيا ( من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ) . . فما هنالك من نصير . هيا فالوقت غير مضمون . وقد يفصل في الأمر وتغلق الأبواب في أية لحظة من لحظات الليل والنهار . هيا .
قال ابن عاشور: وفي قوله : مِن قَبلِ أن يأتيكم العذاب } إيذان بوعيد قريب إن لم يُنيبوا ويسلموا كما يلمح إليه فعل { يأتيكم }
وحملها البقاعي على التبعيض: البقاعي ولما كان ذلك شديداً لأن الكف عما أشرفت النفس على بلوغ الوطر منه في غاية المرارة ، قال مهدداً لهم دالاً بحرف الابتداء على رضاه منهم بإيقاع ما أقر به في اليسير من الزمان لأنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره الله حق قدره باستغراق الزمان في الطاعة وإن كان إبهام الأجل يحدو العاقل على استغراقه فيها : { من قبل أن يأتيكم }
*******************
( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) 39/55
قال سيد طنطاوي: ققوله : { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } متعلق بالأمر بالاتباع ، وإرشاد إلى وجوب الامتثال بدون تأخير أو تسويف .
أى : سارعو إلى اتباع إرشادات وتشريعات وآداب هذا القرآن ، من قبل أن ينزل بكم العذاب فجأة وبدون مقدمات ، بحيث لا تشعرون بإتيانه إلا عند نزوله .
فالآية الكريمة تقرير وتأكيد لما قبلها : من الدعوة إلى المسارعة بالتوبة وبالعمل الصالح .قال عبد الكريم الخطيب: إشارة إلى المبادرة بالرّجوع إلى الله، والتخلّي الفوري عن مشاعر الإمهال والتسويف، من يوم إلى يوم، إذ لا يدرى المرء متى يحين حينه، ويأتيه أجله.. فقد يؤخّر المرء التوبة إلى غد، ثم لا يأتى الغد إلّا وهو فى عالم الموتى. وقد يؤخر التوبة من صبح يومه إلى مسائه، فلا يكون فى المساء بين الأحياء
وحملها البقاعي على التبعيض: البقاعي ولما كان من النفوس ما هو كالبهائم لا ينقاد إلا بالضرب ، قال منبهاً أيضاً على رفقه بإثبات الجار : { من قبل أن يأتيكم } أي على ما بكم من العجز عن الدفاع { العذاب }
***********************
( اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) (42/47
قال البقاعي: ولما كان الخوف من الفوت موجباً للمبادرة ، قال مشيراً بالجار إلى أنه يعتد بأدنى خير يكون في أدنى زمن يتصل بالموت : { من قبل أن يأتي يوم }.قال السعدي: يأمر تعالى عباده بالاستجابة له ، بامتثال ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه ، وبالمبادرة بذلك وعدم التسويف ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْم القيامة الذي إذا جاء لا يمكن رده واستدراك الفائت ، وليس للعبد في ذلك اليوم ملجأ يلجأ إليه ، فيفوت ربه ، ويهرب منه .
**************
( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [63: 10]
قال الزمخشري :{ مِن } في { مَّا رزقناكم } للتبعيض ، والمراد : الإنفاق الواجب { مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ الموت } من قبل أن يرى دلائل الموت ، ويعاين ما ييأس معه من الإمهال ، ويضيق به الخناق ، ويتعذر عليه الإنفاق ويفوت وقت القبول ، فيتحسر على المنع ، ويعضّ أنامله على فقد ما كان متمكناً منه ابن الجوزي: قوله تعالى : { مّن قَبْلِ أَن يَأْتِي أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ } قال الزجاج : أي : من قبل أن يعاين ما يعلم منه أنه ميت .
قال البقاعي أي من عظمتنا وبلغ النهاية في ذلك بالرضا بفعل ما أمر به 16 مع التوبة 17 النصوح في زمن ما ولو قل بما أرشد إليه إثبات الجار ، فقال مرغباً 18 في التأهب 19 للرحيل والمبادرة لمباغتة الأجل ، محذراً من الاغترار بالتسويف في أوقات السلامة : { من قبل } وفك المصدر ليفيد " أن " مزيد القرب فقال 20 : { أن يأتي اطفيش - الهميان { مِّن قَبلِ أَن يَأَتِىَ أَحَدَكُمُ المَوْتَ } أي دلائله ويعاين مآسيه معه من الامهال ويفوت وقت العمل والقبول فيتحسر على المنع وبعض انامله على فقد ما كان متمكنا منه كما قال الغفور الرحيم قال الطباطبائي و قوله : { من قبل أن يأتي أحدكم الموت } أي فينقطع أمد استطاعته من التصرف في ماله بالإنفاق في سبيل الله .
**************
( إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [نوح : 1] (71/1)
قال ابن عاشور:وحرف { مِنْ } زائد للتوكيد ، أي قبلَ أن يأتيهم عذاب فهي قبليَّة مؤكدة وتأكيدها باعتبار تحقيق ما أضيف إليه { قبل } . قال ابن عرفة : [إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) وأدخل (مِن) لابتداء الغاية إشارة إلى تأكيد الوعظ والإنذار والمبادرة به في أول أزمنة القبلية.
قبليَّة مؤكدة وتأكيدها باعتبار تحقيق ما أضيف إليه { قبل } قال عبد الكريم الخطيب : وفى قوله تعالى: «أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» إشارة إلى أن القوم كانوا على مشارف الهاوية التي تهوى بهم إلى الهلاك، وأن نوحا إنما بعث إليهم لينذرهم بهذا الخطر الذي يتهددهم، ويوشك أن يشتمل عليهم..
وفى قوله تعالى: «قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ» - بعد الأمر الذي أمر به من ربه، دون توان أو تردد- فى هذا ما يشير أيضا إلى أن الأمر يقتضى المبادرة بإنذار القوم، قبل أن تقع بهم الواقعة التي هى وشيكة الوقوع!
وحملها البقاعي على التعيض: البقاعي : ولما كان المقصود " 17 إعلامهم بذلك 18 " في بعض الأوقات لأن الإنسان لا بد له من أوقات شغل بنفسه من نوم وأكل وغيره ، أتى بالجار تخفيفاً عليه ورفقاً به عليه السلام فقال : { من 19 قبل أن يأتيهم } أي على ما هم عليه من الأعمال الخبيثة { عذاب أليم * } .
******************
( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى) 20/134).
تنبيه : المراد (من) الثانية لا الأولى ، فـ(من ) الأولى : للاستيعاب والتأكيد أي في أي مدة من مدة القبل ولو في القبل القريب فمن لابتداء الغاية
الكلام في من قبل الثانية : فهم لو أخذوا بعذاب قبل مجيء التبليغ لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك سريعا مبادرين مغتنمين الفرصة من قبل أن نذل ونخزى وأدخل (مِن) لابتداء الغاية أي في زمن يبتدئ من قبل أن نذل ونخزى ، ويفيد تأكيد القبلية ليفهم معنى المبادرة فهو مفيدٌ للمسارعة إلى الامتثال به والجِدِّ في في الاتباع قبل الذل والخزي الذين هما على شرف الوقوع فالمدة قصيرة ونحن سنبادر ، ولن نفوت .
المعنى الرابع:
ابتداء الغاية من فترة القبل ببيان أنه سابق ابتدأ من فترة القبل ، والتأكيد ، والاتصال والسرعة الحقيقي أو المجازي وإليك تفصيل ذلك:
الحالة الأولى :
2) ابتداء الغاية أي أن هذا مبتدأ من فترة القبل في أوّل أزمنة القَبْلَية حقيقة أو مجازا بتصويره بتصويره بصورة شيء كان قبل شيء ، فهي تفيد مع الابتداء القرب في أول أزمنة القبلية مباشرة بلا فاصل ، وهذا المعنى مأخوذ من الابتداء لأنها لابتداء الغاية في أول أزمنة القبلية ، فإذا قلت: جاء زيد من بعد عمرو فالمعنى جاء عقبه في أول أزمنة البعدية ، كأن الشخص بادر من أول مجرورها وانطلق منه فعمل العمل ، مع التأكيد ، وللإشعار بأن هذا أمر معهود مألوف وليس ببدع .
فأما دلالة من على الابتداء من أول أزمنة القبلية فقد نص على هذا المعنى ،ابن عرفة والبقاعي ، والسامرائي ، وابن هشام في المغني ، والسيوطي في معترك الأقران ، وابن عاشور ، وابن جماعة ، وكذا أبو حيان وأبو السعود والآلوسي واطفيش في بعض المواضع
وأما الدلالة على أنه مألوف فقد نص عليه ابن عرفة ، وغيره كما ورد في النصوص المنقولة فيما يأتي .
وأما تصوير الشيء الذي قد يكون بعيدا بصورة القريب لأن مقتضى السياق يتطلب ذلك فقد نص عليه البقاعي في (من بعد} ، ونص عليه السامرائي في الفاء العاطفة .


امثلة هذا القسم :
{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ}.(3/3).
لابتداء الغاية للدلالة على أن ابتداء إيتاء الكتاب كان من مدة القبل ا مع التأكيد والقرب الملاصق مجازا ،أي في القبل القريب أنزل التوراة والإنجيل .
• إشارة إلى أن هذا أمر معهود فيما سبق، وأنه ليس بأوّل ما نزل، بل تقدمه كُتُب قبله.
• وللرمز إلى أن إنزالهما متضمن للإرهاص لبعثته صلى الله عليه وسلم حيث قيد الإنزال المقيد بمن قبل بقوله سبحانه : { هُدًى لّلنَّاسِ } أي أنزلهما كذلك لأجل هداية الناس الذين أنزلا عليهم إلى الحق الذي من جملته الإيمان به صلى الله عليه وسلم واتباعه حيث يبعث لما اشتملتا عليه من البشارة به والحث على طاعته عليه الصلاة والسلام والهداية بهما بعد نسخ أحكامهما بالقرآن إنما هي من هذا الوجه لا غير
• ولكي لا يتوهّم أنّ هُدى التوراةِ والإنجيلِ مستمرّ بعد نزول القرآن .
• وفيه إشارة إلى أنّها كالمقدّمات لِنزول القرآن ، الذي هو تمام مراد الله من البشر { إنّ الدينَ عند الله الإسلام } [ آل عمران : 19 ] فالهدى الذي سبقه غير تام .
قال في التقييد للبسيلي عند تفسير قوله تعالى :{ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} فإن قلت: ما افاد (من قبل) وهو معلوم؟. قلت: للدلالة على أوّل أزمنة القَبْلَية إشارة إلى أن هذا أمر معهود فيما سبق، وأنه ليس بأوّل ما نزل، بل تقدمه كُتُب قبله، واستدام حكمها إلى أوّل أزمنة القَبْلِية، ويحتمل تعلقه بـ (هدى) أي: أن هداية التوراة، والإِنجيل كانت للناس من قبل، وهذا غير معلوم. إشارة إلى أن هذا أمر معهود فيما سبق، وهناك توكيد عام يجتمع مع كل المعاني السابقة لِتَأْكِيدِ الْقَبْلِيَّةِ فإن التسلية بالأقرب أعظم
قال ابن عرفة : قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3)} مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ).قيل لابن عرفة: ما الفائدة في قوله: (مِنْ قَبْلُ) ولو أسقط لم يختل المعنى؛ لأنه معلوم أن إنزالها قبل، وأنها هدى للناس من قبل؟ فأجاب: بأنكم جعلتم (مِنْ قَبْلُ) متعلق بأنزل أو بالتوراة، وإنما يجعله متعلقا بهدى، فتقول: تضمنت الآية أن هداية التوراة والإنجيل كان للناس من قبل وذلك غير معلوم، إنما كان المعلوم أن إنزالها قبل الثاني، اقتضت من أول أزمنة القبلية إشارة إلى أن هذا أمر معهود فيما سبق، وأنه ليس بأول ما نزل بل تقدمت كتب قبله واستدام حكمها إلى أزمنة القبلية.
قال الآلوسي: { مِن قَبْلُ } متعلق بأنزل أي أنزلهما من قبل تنزيل الكتاب ، وقيل : من قبلك والتصريح به مع ظهور الأمر للمبالغة في البيان كذا قالوا برمتهم ، وأنا أقول التصريح به للرمز إلى أن إنزالهما متضمن للإرهاص لبعثته صلى الله عليه وسلم حيث قيد الإنزال المقيد بمن قبل بقوله سبحانه : { هُدًى لّلنَّاسِ } أي أنزلهما كذلك لأجل هداية الناس الذين أنزلا عليهم إلى الحق الذي من جملته الإيمان به صلى الله عليه وسلم واتباعه حيث يبعث لما اشتملتا عليه من البشارة به والحث على طاعته عليه الصلاة والسلام والهداية بهما بعد نسخ أحكامهما بالقرآن إنما هي من هذا الوجه لا غير .
ابن عاشور : { مِنْ قَبْلُ } يتعلّق { بأنْزَلَ } ، والأحسن أن يكون حالاً أولى من التوراة والإنجيل ، و « هُدَى » حال ثانية . والمُضافُ إليه قبلُ محذوف مَنويٌّ مَعْنًى ، كما اقتضاه بناء قبل على الضم ، والتقدير من قبل هذا الزمان ، وهو زمان نزول القرآن . وتقديم { مِنْ قبلُ } على { هدَى للناس } للاهتمام به .
وأما ذكر هذا القيد فلكي لا يتوهّم أنّ هُدى التوراةِ والإنجيلِ مستمرّ بعد نزول القرآن . وفيه إشارة إلى أنّها كالمقدّمات لِنزول القرآن ، الذي هو تمام مراد الله من البشر { إنّ الدينَ عند الله الإسلام } [ آل عمران : 19 ] فالهدى الذي سبقه غير تام .
*******************
{ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)}(2/25).
• لابتداء الغاية والقرب والتأكيد إشارة إلى أن هذا الذي أكلوه مألوف مثله في الحسن والجمال واللذة ، فثمرة الجنة متشابهة جدا في الحسن وكونها في غاية الجودة والحسن بحيث لا تتمايز كما هو حال الدنيا لأنها على أعلى صورتها لا تتفاوت بأعلى وأدنى ولا يتراخى زمان عودها ولا تتمايز صور المقطوف حتى يظن الظان أن المتخلف عين الأول ، فكلما رزقوا منها من ثمرة قالوا هذا عين الذي رزقنا من في القبل القريب ، ففي من الابتداء والتأكيد والسرعة .
قال السمين الحلبي : " مِنْ قَبلُ " متعلِّقٌ به . و " مِنْ " لابتداءِ الغايةِ
قال أبو حيان: من متعلقة برزقا، وهي لابتداء الغاية
*******************
( وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
8 : 71)
لابتداء الغاية للدلالة على أن ابتداء الخيانة كان من القبل القريب مع التأكيد ،أي في القبل القريب خانوا الله ، إشارة إلى أن هذا أمر معهود فيما سبق، وأنها ليست بأوّل خيانة ، فقد خانوا قبل بدر باتخاذ الأنداد والشركاء ، وبعد ذلك من الكفر بنعمه ثم برسوله وأمكن منهم ببدر ، فإن أرادوا خيانة رسوله [ ص ] وهم أسرى في يديه ، فليذكروا عاقبة خيانتهم الأولى التي أوقعتهم في الأسر ، ومكنت منهم رسول الله وأولياءه .
قال الآلوسي:{ فَقَدْ خَانُواْ الله مِن قَبْلُ } بالكفر ونقض ميثاقه المأخوذ على كل عاقل بل ادعى بعضهم أنه الأقرب.
قال رشيد رضا: { فقد خانوا الله من قبل } باتخاذ الأنداد والشركاء ، وبعد ذلك من الكفر بنعمه ثم برسوله ، وقال بعض المفسرين إن خيانتهم لله تعالى هي ما كان من نقضهم لميثاقه الذي أخذه على البشر بما ركب فيهم من العقل وما أقامه على وحدانيته من الدلائل العقلية والكونية على الوجه .
*******************
( قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(12/ 64).
لابتداء الغاية والتأكيد والتعقيب المعنوي ففي الوقت القريب أكدتم غاية التأكيد فلم تحفظوه لي ولم تردوه إليّ و خنتم بضمانكم ، فخيانتكم مألوفة معروفة ، فما يؤمنني من مثل ذلك، وقد قلتم في حقه أيضاً ما قلتم ثم فعلتم به ما فعلتم فلا أثق بكم ولا بحفظكم وإنما أفوّض الأمر إلى الله .
*******************
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)}.
{من قبل} قبل اتخاذهم لهذا المسجد متعلق بـ{حارب} لابتداء الغاية والتأكيد وبيان والقرب المجازي بتصويره بتصويره بصورة شيء حصل في القبل القريب ، وللإشعار بأن هذا أمر معهود حربه لله ورسوله وهذا يدل على فظاعة فعلهم في جعلهم المسجد إرصادا له، ، فهو قد حارب الله ورسوله من قبل هذا الاتخاذ واشتدت عداوته لله ورسوله وهم يساعدونه ، والمراد المبالغة في الذم فحربه لله ورسوله معروف مألوف ، والمراد بمن حارب الله ورسوله أبو عامر الراهب ، لأنه حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأحزاب وحاربه مع ثقيف وهوازنَ : أرصدوا ذلك المسجد ، واتخذوه ، وأعدوا لأبي عامر الراهب ، وهو الذي حارب الله بالرغم من توكيد المنشئين له بالأيمان
قال البقاعي : ولما لم تكن محاربتهم مستغرقة للزمن الماضي ، أدخل الجار فقال : { من قبل } أي قبل اتخاذهم لهذا المسجد بزمن قريب وهو
قال الآلوسي: { مِن قَبْلُ } متعلق بحارب أي حارب الله ورسوله عليه الصلاة والسلام قبل هذا الاتخاذ أو متعلق باتخذوا أي اتخذوه من قبل أن ينافقوا بالتخلف حيث كانوا بنوه قبل غزوة تبوك كما سمعت ، والمراد المبالغة في الذم ، قال السعدي: { لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ْ } أي : إعانة للمحاربين للّه ورسوله ، الذين تقدم حرابهم واشتدت عداوتهم ،
قال دروزة: وارتقابا لأناس حاربوا الله ورسوله من قبل إنشائه بالرغم من توكيد المنشئين له بالأيمان بأنهم إنما أرادوا الخير وأنهم حسنوا النية ، فإن الله يشهد أنهم كاذبون
*******************
{فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)}(12/80).
ألم تعلموا أن أباكم . . . وتعلموا تفريطكم في يوسف ، فقوله { وَمِن قَبْلُ } متعلق بتعلموا و(من): لابتداء الغاية والتأكيد والقبلية المعنوية وهو موثق كرر ، فمن قبل الموثق ، أخذ عليكم موثق وأكدتم غاية التأكيد ففرطتم و قصرتم تفريطاً عظيماً ، في يوسف عليه السلام فأبوكم غير مصدقكم فيما تخبرون به من أخذ بنيامين في سرقة الصُّوَاع .
*******************
( فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ)(28/48).
ابتداء الغاية وأنه ناشئ من قبل هذا ، مع التأكيد ، وبيان أنه في الوقت القريب، ففيه بيان تناقضهم ففي القبل القريب كفروا بما أوتي موسى وهم الآن يقولون لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ، فالآية ردٌّ عليهم وإظهارٌ لكونِ ما قالُوه تعنُّتاً محضاً لا طلباً لما يُرشدهم إلى الحقِّ أي ألم يكفُروا من قبلِ هذا القولِ من الكتابِ كما كفرُوا بهذا الحقِّ ، {َمِن قَبْلُ } متعلق بيكفروا وتعلقه بأوتي لا يظهر له وجه لائح إذ هو تقييد بلا فائدة لأنه معلوم أن ما أوتي موسى عليه السلام من قبل محمد صلى الله عليه وسلم أو من قبل هؤلاء الكفرة ، والأظهر أن كفار قريش ومكة كانوا منكرين لجميع النبوات ثم إنهم لما طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم معجزات موسى عليه السلام قال الله تعالى : { أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل } بل بما أوتي جميع الأنبياء من قبل ، فعلمنا أنه لا غرض لكم في هذا الاقتراح إلا التعنت .
قال ابن عاشور: والوجه أن المشركين كانوا يجحدون رسالة الرسل قاطبة . وكذلك حكاية قولهم { ساحران تظاهرا } من قول مشركي مكة في موسى وهارون لما سمعوا قصتهما أو في موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام . وهو الأظهر وهو الذي يلتئم مع قوله بعده { وقالوا إنا بكل كافرون قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما } [ القصص : 48 49 ] .
*******************
( قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) (19/9)
يستشهد به على قدرته ، و(من) لابتداء الغاية فخلقك متقدم قد سبق خلق يحيى فهو مألوف مشاهد، فالذي أخرجك من عدم الى وجود فهو قادر على أن يرزق ولد وأنت شيخ كبير وامرأتك عاقر، وفيها التأكيد وتصوير الصورة بأنها قريبة ، فليس خلق ما وعدتك أن أهبه لك من الغلام الذي ذكرت لك أمره منك مع كبر سنك ، وعقم زوجتك بأعجب من خلقك ، فإني قد خلقتك ذكر له ما هو أعجب مما سأل عنه.
قال الآلوسي: بمعنى الموجود أي ولم تك موجوداً بل كنت معدوماً ، والظاهر أن هذا إشارة إلى خلقه بطريق التوالد والانتقال في الأطوار كما يخلق سائر أفراد الإنسان .
*******************
{أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ 2}( 2/ 108).
ابتداء السؤال ناشئ من قبل فهو سؤال قد سبقكم إليه المتعنتون فهو ذم للسؤال السابق ، وتحذير من سؤال مثله، وفيها التأكيد وتصوير أنه قريب ، والاستنكار لتشبه بعض المؤمنين بالأقوام السابقين بقوم موسى في تعنتهم وطلبهم للبراهين والخوارق وإعناتهم لرسولهم أمرهم بأمر أو أبلغهم بتكليف .
وجعلها أبو حيان والسمين وأبو السعود والآلوسي للتأكيد
قال أبو السعود: وقوله تعالى : { مِن قَبْلُ } متعلِّقٌ بسُئِل جيءَ به للتأكيد .
*******************
{ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) }(7/173 ).
لابتداء الغاية والتأكيد وبيان أن الشرك كان سابقا مألوفا فأشركنا والمعنى : أن آباءهم من قبلهم قد أشركوا و هم اخترعوا الإشراكَ وهم سنّوه من قبل زمانِنا فظننا الإشراك حقا ، وقد سبقونا في الزمان فاقتدينا بهم ، ، فقلدناهم في ذلك الشرك فبين سبحانه أنه لا يجوز ولا يصح هذا التقليد.
الفخر الرازي: قال المفسرون : المعنى أن المقصود من هذا الإشهاد أن لا يقول الكفار إنما أشركنا ، لأن آباءنا أشركوا ، فقلدناهم في ذلك الشرك .
قال البقاعي: { أو يقولوا } أي لو لم نرسل إليهم الرسل { إنما أشرك آباؤنا من قبل } أي من قبل أن نوجد .
قال أبو السعود: وقوله تعالى : { أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ ءابَاؤُنَا } عطفٌ على تقولوا و ( أو ) لمنع الخلوّ دون الجمعِ ، أي هم اخترعوا الإشراكَ وهم سنّوه { مِن قَبْلُ } أي من قبل زمانِنا
قال ابن عاشور: عُطف عليه الاعتذار بالجهل دون الغفلة بأن يقولوا إننا اتبعنا آباءنا وما ظننا الإشراك إلا حقاً .
*******************


( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)10/ 94).
ابتداء الغاية أي أن هذا مبتدأ من فترة القبل في أوّل أزمنة القَبْلَية مع التأكيد ، وللإشعار بأن هذا أمر معهود مألوف وليس ببدع فهم موجودون ويتابعون قراءة الكتاب ويعرفون هذا تستطيع أن تسألهم وهو محقق عندهم ثابت ، فهم يقرؤون الكتاب من قبلك ويعرفون صفاتك وصحة ما أنتم عليه فإنه ثابت عندهم يخبرونك بصدقه } فإن ذلك محققٌ عندهم ثابتٌ في كتبهم حسبما ألقَينا إليك والمرادُ إظهارُ نبوتِه عليه السلام بشهادة الأحبارِ حسبما هو المسطورُ في كتبهم لأنهم يجدونك عندهم مكتوبا ويعرفونك بالصفة التي أنت بها موصوف في كتابهم في التوراة والإنجيل والمراد تحقيق ذلك والاستشهاد بما في الكتب المتقدمة وأن القرآن مصدق لما فيها مع التأكيد
قال البقاعي : ولما كانوا بعض من أوتي الكتاب في الزمن السالف ، أثبت الجار فقال : { من قبلك } وهم عن 26 ذلك الخبر بمراحل ، فلا تجنح 27 إلى سؤال غيري ، تفسير الجلالين التوراة [ من قبلك ] فإنه ثابت عندهم يخبرونك بصدقه ، قال صلى الله عليه وسلم : لا أشك ولا أسأل أبو السعود : مِن قَبْلِكَ } فإن ذلك محققٌ عندهم ثابتٌ في كتبهم حسبما ألقَينا إليك والمرادُ إظهارُ نبوتِه عليه السلام بشهادة الأحبارِ حسبما هو المسطورُ في كتبهم وإن لم يكن إليه حاجة أصلاً أو وصفُ أهلِ الكتاب بالرسوخ في العلم بصحة نبوتِه عليه السلام أو تهييجه عليه السلام وزيادةِ تثبيتِه على ما هو عليه من اليقين لا تجويزِ صدورِ الشك منه عليه السلام ولذلك قال عليه السلام : «لا أشُكُّ ولا أسأَلُ » .
وحمل محمد رشيد رضا الآية على الاستيعاب وتبعه المراغي فقال رشيد رضا: " والمراد بالكتاب جنسه ، أي فاسأل الذين يقرءون كتب الأنبياء كاليهود والنصارى ، فإنهم يعلمون أن ما أنزلناه إليك من الشواهد حق لا يستطيعون إنكاره ، وقال بعض المفسرين : إن المراد سؤال من آمن منهم ، كعبد الله بن سلام من علماء اليهود ، وتميم الداري من علماء النصارى ، ولا حاجة إليه ، والآية بل السورة نزلت في مكة ، ولم يكن أحد من أهل الكتاب آمن .
ومما يؤكد كون السؤال فرضا قوله : { لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } فهذه الشهادة المؤكدة بالقسم من ربه ، تجتث احتمال إرادة الشك والسؤال بالفعل من أصله ، ويزيدها تأكيدا قوله تعالى : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }.
*******************
( وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ) [40: 34]
ابتداء مجيء يوسف بالبينات في زمن القبل فدعوتهم مع البينات ليست بدعا بل أمر متقدم مألوف معروف وتكذيب المرشدين إلى الحق شنشنة معروفة في أسلافهم فتكون سجية فيهم . ، وفيها التأكيد وتصوير المشهد كأنه قبل مباشرة {من قبل} أي قبل موسى .
*******************
{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}(51/46)
ابتداء الإهلاك من قبل فهو أمر مألوف وسنة مطردة معروفة وفيها التأكيد وتصوير أن المشهد أنه قبله مباشرة ، والمعنى: أهلكنا هذه الأمم ، وأهلكنا قوم نوح من قبل عاد وثمود وقوم فرعون، أي قبل هذه الأمم كلها
قال الشوكاني{ وَقَوْمَ نُوحٍ مّن قَبْلُ } أي من قبل هؤلاء المهلكين ، فإن زمانهم متقدّم على زمن فرعون ، وعاد وثمود قال الأمثل : والتعبير ب «من قبل » لعلّه إشارة إلى أنّ قوم فرعون وقوم لوط وعاداً وثمود كان قد بلغهم ما انتهى إليه قوم نوح من عاقبة وخيمة ، إلاّ أنّهم لم يتنبهوا ، فابتلوا بما ابتلي به من كان قبلهم من قوم نوح !
الحالة الثانية : ابتداء الغاية في أول أزمنة القبلية مع التأكيد، تفيد مع الابتداء القرب في أول أزمنة القبلية بلا فاصل من قبل مباشرة .
كذلك :
[24: 59]. (20/90). (16/118) . (19/67). (33/15) [48: 16]. 4/164) (5/102) (9/30) (11/ 17) [46: 12] (6/84). ( 21/51) (21/51) (12/6). [53: 52] }(20/115) (12/77). (59/15) [15: 27].
*****************
أمثلة هذا القسم :
{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ـ ـ فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به}(2/89).
الابتداء والتأكيد والقرب ، ابتداء استفتاحهم كانوا في القبلية المتصلة بهذا الزمن القريبة ، مع التأكيد على هذا الأمر ، فهي تفيد فظاعة فعلهم وهو الكفر بعد استفتاحهم على الذين كفروا بقدوم نبي قد أظل زمانه ، فقد كانوا في القبل القريب يستفحتون قال الطبرسي: { من قبل } أي : من قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ونزول القرآن.
قال أبو حيان: { من قبل } : أي من قبل المجيء ، وبني لقطعه عن الإضافة إلى معرفة . قال الفخر الرازي: ( أحدها ) : أن اليهود من قبل مبعث محمد عليه السلام ونزول القرآن كانوا يستفتحون ، أي يسألون الفتح والنصرة وكانوا يقولون : اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي الأمي .
وحمله البقاعي على التبعيض وليس بصحيح قال البقاعي: أي والحال أنهم كانوا ، ولما كان استفتاحهم في بعض الزمان أثبت الجار فقال : { من قبل } أي قبل مجيئه
*********************


{وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} 3/143
{ مِن قَبْلِ} متعلق بقوله { تَمَنَّوْنَ } فيها الابتداء أي الابتداء من فترة القبل و التأكيد والقرب ، ففي القبل القريب كنتم تمنون الموت فلما حضر و لقيتموه وفعلتم ما فعلتم وفيها تشديد العتاب ، وفيه بيان سبب تمنيه ومعرفة صعوباته.
كانوا يتمنون الموت بالشهادة بعد بدر قبل أحد ، فلما رأوه يوم أحد أعرض كثير منهم عنه ، فانهزموا فعاتبهم الله على ذلك ، ويدخل دخولا أوليا الذين لم يشهدوا بدراً وكانوا يتمنون أن يحضروا مشهداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوا من كرامة الشهادة ما نال شهداء بدر . وهم الذين ألحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى المشركين ، وكان رأيه في الإقامة بالمدينة ، يعني : وكنتم تمنون الموت قبل أن تشاهدوه وتعرفوا شدّته وصعوبة مقاساته
انظر الزمخشري وابن كثير وسيد طنطاوي .
*******************
{اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ }(30/49)
{من قبل} متعلق بينزل ، تفيد في القبل القريب والتأكيد ، فتفيد قرب يأسهم من استبشارهم دلالة على سرعة انفعالهم وكثرة وسرعةَ تقَلبِ قلوبِهم من اليأسِ إلى الاستبشار بالإشارةِ إلى غايةِ تقاربِ زمانيهما ببيانِ اتصالِ اليأسِ بالتنزيلِ للمطر وبشهادةِ إذا الفجائية
قال أبو السعود ومن متعلقة بينزل لتفيد سرعةَ تقَلبِ قلوبِهم من اليأسِ إلى الاستبشار بالإشارةِ إلى غايةِ تقاربِ زمانيهما ببيانِ اتصالِ اليأسِ بالتنزيلِ المتصلِ بالاستبشارِ وبشهادةِ إذا الفجائية { لَمُبْلِسِينَ } خبرُ كانُوا ، واللامُ فارقةٌ ، أي آيسينَ
قال البقاعي ثم بين طيشهم وعجزهم بقوله : { وإن } أي والحال أنهم { كانوا } في الزمن الماضي كوناً متمكناً في نفوسهم ، وبين قرب يأسهم من استبشارهم دلالة على سرعة انفعالهم وكثرة تقلبهم بالجار ، فقال : { من قبل أن ينزل } أي المطر بأيسر ما يكون عليه سبحانه { عليهم } ثم أكد عظم خفتهم وعدم قدرتهم بقوله : { من قبله } أي الاستبشار سواء من غير تخلل زمان يمكن أن يدعي لهم فيه تسبب في المطر { لمبلسين* } أي ساكتين على ما في أنفسهم تحيراً ويأساً وانقطاعاً ، فلم يكن لهم على الإتيان بشيء من ذلك حيلة ، ولا لمعبوداتهم صلاحية له باستقلال ولا وسيلة .




*************************
( وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) [39: 8]
{من قبل} متعلق بـ(يدعو)أي من قبل أن يكشف ضره ويخوله النعمة ، تفيد في القبل القريب كان يدعو والتأكيد ، فتفيد سرعة نسيان الإنسان للنعمة ، وكثرة وسرعةَ تقَلبِ قلب الإنسان .
والمعنى: ترك دعاءه الذي كان يدعو إلى الله من قبل أن يكشف ما كان به من ضر ه : { من قبل } يريد به : من قبل الضرر ، ففي حال الرفاهية ينسى ذلك الدعاء والتضرع ، ، ومر كأنه ما أصابه ضر ، واستمر على شركه .
******************
( يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) 4/4 9
ابتداء الغاية والقرب والتأكيد ، فكونكم كذلك كان في القبل القريب مع التأكيد أول ما دخلتم في الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة ، فحصنت دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم فعليكم أن تفعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل بكم ، وأن تعتبروا ظاهر الإسلام في المكافة ، وهذه تربية عظيمة ، وهي أن يستشعر الإنسان عند مؤاخذته غيره أحْوالاً كان هو عليها تساوي أحوال مَن يؤاخذه هو نهى المؤمنين عن سوء الظن بمن أظهر الإِسلام وعن الاعتداء عليه . وأمرهم بان يعاملوا الناس بظاهرهم أما بواطنهم فأمرها إلى الله وحده .
*******************
{لتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ 3/186)
لابتداء الغاية للدلالة على أن ابتداء إيتاء الكتاب كان من مدة القبل الملاصقة لهم مع التأكيد وهم اليهودُ والنصارى أي من قبل إيتائِكم القرآنَ ، عبّر عنهم بذلك للإشعار بمدار الشقاقِ وهو أنهم أصحاب كتاب فيدعوهم هذا لمنافستكم، والإيذان بأن بعضَ ما يسمعونه منهم مستنِدٌ على زعمهم إلى الكتاب كما ، والتصريحُ بالقَبْلية لتأكيد الإشعار بسبب الشقاق وهو أنهم كتابهم قبل كتابكم وتقويةِ المدارِ فإن قِدَمَ نزولِ كتابِهم مما يؤيد تمسّكَهم به
أبو السعود - مِن قَبْلِكُمْ } أي من قبل إيتائِكم القرآنَ وهم اليهودُ والنصارى ، عبّر عنهم بذلك للإشعار بمدار الشقاقِ والإيذان بأن بعضَ ما يسمعونه منهم مستنِدٌ على زعمهم إلى الكتاب كما في قوله تعالى : { إِنَّ الله عَهِدَ إِلَيْنَا } [ آل عمران ، الآية 183 ] الخ ، والتصريحُ بالقَبْلية لتأكيد الإشعارِ وتقويةِ المدارِ فإن قِدَمَ نزولِ كتابِهم مما يؤيد تمسّكَهم به البغوي
قوله تعالى : { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } . يعني اليهود والنصارى . ابن الجوزي قال ابن عباس : هم اليهود ، والنصارى البقاعي ولما كان إيتاؤهم له لم يستغرق الزمن الماضي أدخل الجار فقال : { من قبلكم } أي من اليهود والنصارى
يقول علي هاني : ويوضح الأمر أن القرآن الكريم مع أهل الكتاب يستعمل (من) لأنهم اتصلوا بهذه الأمة مباشرة لكنه إذا تكلم على قوم فرعون أو على قوم نوح بدون ذكر الأقوام الآخرين يحذف من نحو:
{ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} [44: 17]
{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [40: 5].
( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) [54: 9] القمر .
*******************
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)}
الابتداء والتأكيد والقرب ، فإيتاء الكتاب ناشئ ومبتدئ من قبلكم من أهل الكتاب ، لا يخلو من إشعار بالعلية ، والمقام مقام التخفيف والتسهيل ، فالمعنى : أنا نمتن عليكم بالتخفيف والتسهيل في رفع حرمة الازدواج بين رجالكم والمحصنات من نساء أهل الكتاب لكونهم أقرب إليكم من سائر الطوائف غير المسلمة ، وهم أوتوا الكتاب وأذعنوا بالتوحيد والرسالة بخلاف المشركين والوثنيين المنكرين للنبوة فإن فيه إشعارا واضحا بالخطط والمزج والتشريك .


قال الطباطبائي: الإتيان في متعلق الحكم بالوصف أعني ما في قوله : { الذين أوتوا الكتاب } من غير أن يقال : من اليهود والنصارى مثلا أو يقال : من أهل الكتاب ، لا يخلو من إشعار بالعلية واللسان لسان الامتنان ، والمقام مقام التخفيف والتسهيل ، فالمعنى : أنا نمتن عليكم بالتخفيف والتسهيل في رفع حرمة الازدواج بين رجالكم والمحصنات من نساء أهل الكتاب لكونهم أقرب إليكم من سائر الطوائف غير المسلمة ، وهم أوتوا الكتاب وأذعنوا بالتوحيد والرسالة بخلاف المشركين والوثنيين المنكرين للنبوة ، ويشعر بما ذكرنا أيضا تقييد قوله : { أوتوا الكتاب } بقوله : { من قبلكم } فإن فيه إشعارا واضحا بالخطط والمزج والتشريك .
وكيف كان لما كانت الآية واقعة موقع الامتنان والتخفيف لم تقبل النسخ بمثل قوله تعالى : { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } : [ البقرة : 212 ] وقوله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } : [ الممتحنة : 10 ] وهوظاهر .
*******************
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)}(5/57)
لابتداء الغاية للدلالة على أن ابتداء إيتاء الكتاب كان من مدة القبل مع التأكيد فكونهم أهل كتاب يبين أنهم فعلوا الهزو عناداً بعد تحققهم صحة الدين ، و لبيان كمال شناعتِهم وغايةِ ضلالتهم وتوبيخ لهم ، لِما أنَّ إيتاءَ الكتاب وازعٌ لهم عن الاستهزاء بالدين المؤسَّسِ على الكتابِ المصدِّقِ لكتابهم ، وهم استهزؤوا بالدين الحق ، مع أن كتابهم ينهاهم عن ذلك والتصريحُ بالقَبْلية لتأكيد هذا المعنى .
قال أبو السعود: ورُتِّب النهيُ على وصف يعمُّهما وغيرَهما تعميماً للحكم وتنبيهاً على العلة وإيذاناً بأن مَنْ هذا شأنُه جديرٌ بالمعاداة فكيف بالموالاة ؟ { مِنَ الذين أُوتُوا الكتاب مِن قَبْلِكُمْ } بيان للمستهزئين ، والتعرّضُ لعنوان إيتاءِ الكتاب لبيان كمال شناعتِهم وغايةِ ضلالتهم ، لِما أنَّ إيتاءَ الكتاب وازعٌ لهم عن الاستهزاء بالدين المؤسَّسِ على الكتابِ المصدِّقِ لكتابهم.
اطفيش – التيسير: { مِنْ قَبْلِكُمْ } متعلق بأُوتوا لأَن تلك الكتب أَنزلت قبل القرآن كما قال صلى الله عليه وسلم ؛ " إِنا أَهل كتاب بيد أَنهم أُوتوا الكتاب من قبلنا " ، وهم اليهود والنصارى وهم كفار مشركون سيد طنطاوي والمراد بالذين أوتوا الكتاب : اليهود والنصارى وسموا بذلك ؛ لأن أصل شرعهم ينتمي إلى كتاب منزل هو التوراة والإِنجيل ، وفي وصفهم بذلك هنا ، توبيخ لهم ، حيث إنهم استهزؤوا بالدين الحق ، مع أن كتابهم ينهاهم عن ذلك .
*******************
{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) 57/16
لابتداء الغاية للدلالة على أن ابتداء إيتاء الكتاب كان من مدة القبل مع التأكيد، فكونهم قبلهم يجعلهم يأخذون الدروس ، وأن يحذروا أن يكونوا كأهل الكتب المتقدمة و لا يتشبهوا بهم ولا يَسْلُكُوا سَبِيلَهم تحذيراً من أن يصيبهم مثل ما أصاب الذين أوتوا الكتاب من قبل لما تطاول عليهم الأمد غلبهم الجفاء والقسوة وزالت عنهم الروعة التي كانت يجدونها عند سماع الكتابين
وذكرعن بعنوان أهل كتاب يبين بيان كمال شناعتِهم وغايةِ ضلالتهم وتوبيخ لهم ، لِما أنَّ إيتاءَ الكتاب وازعٌ لهم عن القسوة والفسق ،لموجب لخشوع القلب والانقياد التام ، ثم لم يدوموا عليه ، ولا ثبتو
قال الآلوسي: والمراد بالكتاب الجنس فالموصول يعم اليهود والنصارى وكانوا كلهم في أوائل أمرهم يحول الحق بينهم وبين كثير من شهواتهم وإذا سمعوا التوراة والإنجيل خشعوا لله تعالى ورقت قلوبهم فلما طال عليهم الزمان غلبهم الجفاء والقسوة وزالت عنهم الروعة التي كانت يجدونها عند سماع الكتابين وأحدثوا ما أحدثوا واتبعوا الأهواء وتفرقت بهم السبل ، والقسوة مبدأ الشرور وتنشأ من طول الغفلة عن الله تعالى ، وعن عيسى عليه السلام لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى فتقسو قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله عز وجل ولا تنظروا إلى ذنوب العباد كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم كأنكم عباد والناس رجلان مبتلي ومعافى فارحموا أهل البلاء واحمدوا على العافية ومن أحس بقسوة في قلبه فليهرع إلى ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه يرجع إليه حاله كما أشار إليه قوله عز وجل :
اطفيش - التيسير { وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ } أهل التوراة والإِنجيل { مِن قَبْلُ } أى من قبلهم ،ابن سعدي { وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ } أي : ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام ، ثم لم يدوموا عليه ، ولا ثبتوا ، بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة ، فاضمحل إيمانهم وزال إيقانهم .
*********************
( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) [28: 52]
الابتداء والتأكيد والقرب وتصويره بصورة القريب ، فإيتاء الكتاب ناشئ ومبتدئ من قبلكم يشعر بالعلية ، لأن الكتب السابقة فيها بشارة بالقرآن والقرآن مصدق للكتب السابقة ، وهذا سبب ظاهر في إيمانهم فكتابنا مصدق لكتابهم موافق له وكتابهم فيه البشارة بالرسول صلى الله عليه وسلم ، هم بهذا القرآن يؤمنون فيقرّون أنه حقّ من عند الله ، ويكذّب جهلة الأميين ، الذين لم يأتهم من الله كتاب، فالكتاب كله من عند الله ، فهو متطابق ، ومن أوتي أوله عرف الحق في آخره ، فاطمأن له ، وآمن به ، وعلم أنه من عند الله الذي نزل الكتاب كله .
******************
( قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا) [17: 107].
الرازي - ثم قال : { قل آمنوا به أو لا تؤمنوا } يخاطب الذين اقترحوا تلك المعجزات العظيمة على وجه التهديد والإنكار أي إنه تعالى أوضح البينات والدلائل وأزاح الأعذار فاختاروا ما تريدون ثم قال تعالى : { إن الذين أوتوا العلم من قبله } أي من قبل نزول القرآن قال مجاهد : هم ناس من أهل الكتاب حين سمعوا ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم خروا سجدا منهم زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وعبد الله بن سلام ثم
ابن كثير - { آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا } أي : سواء آمنتم به أم لا فهو حق في نفسه ، أنزله الله ونوه بذكره في سالف الأزمان في كتبه المنزلة على رسله ؛ ولهذا قال : { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ } أي : من صالح أهل الكتاب الذين يُمَسَّكون بكتابهم ويقيمونه ، ولم يبدلوه ولا حرفوه { إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ } هذا القرآن ، { يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ } جمع ذَقْن ، وهو أسفل الوجه { سُجَّدًا أبو السعود - { إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ } أي العلماءَ الذين قرأوا الكتبَ السالفةَ من قبل تنزيلِه وعرَفوا حقيقةَ الوحي وأماراتِ النبوةِ وتمكّنوا من التمييز بين الحقِّ والباطلِ والمُحقِّ والمبطلِ ورأوا فيها نعتَك ونعتَ ما أنزل إليكالآلوسي : { إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ } أي العلماء الذين قرؤوا الكتب السالفة من قبل تنزل القرآن وعرفوا حقيقة الوحي وأمارات النبوة وتمكنوا من تمييز الحق والباطل والمحق والمبطل أو رأوا نعتك ونعت ما أنزل إليكاطفيش - التيسير
{ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ } قبل القرآن قبل نزوله ، وهم مؤمنو أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام ، وسلمان الفارسى ، وكعب الأحبار ، ممن عرف حقيقة الوحى ، وأمارات النبوة ، وتمكن من الفرق بين الحق والباطل ، أو رأَى نعتك فى الكتب السابقة ، ولم يغلبه هواه عليك ، وكعب الأحبار رضى الله عنه أدرك النبى صلى الله عليه وسلم ، وآمن به إلا أنه لم يره فهو من التابعين ، لا من الصحابة ، وهذا تعليل آمنوا به أو لا تؤمنوا به أو لا تؤمنوا ، كأنه قيل لا أبالى بكم ، لأنه قد آمن به مَن هو خير منكم ، وهومن مقول القول ، أو مستأنف من الله عز وجل ،تسلية له صلى الله عليه وسلم ، بأن لا يبالى بكفر السفهاء لإيمان العلماء المحققين ، فهم عضد لك . اطفيش - الهميان : حبيب والمراد بالعلم علم التوراة والإِنجيل المشتمل على نبوتك ورسالتك إِلى الكافة ونعتك وتمييز الحق والباطل . { إِذَا يُتْلَى عَلَيِْهِمْ } أي إِذ يتلو القرآن عليهم .
*****************
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)}(12/100).


ابتداء الغاية في أول أزمنة القبلية مع التأكيد، تفيد مع الابتداء القرب المجازي الرؤيا مع التأكيد والقبلية المجازية ، فقد جعل ربى هذه الرؤيا التي رأيتها وقصصتها عليك أيام الصبا التي كانت من قبل هذا أي من قبل سجودكم حقاً فلم يجعلها أضغاث أحلام ، وأراني تأويلها وتفسيرها حين رأي أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين ، فهذا وقوعها الذي آلت إليه ووصلت
*****************


المعنى الخامس: في أي وقت من أوقات ما قبل هذا الأمر ولو في القبل القريب و غيره مع التأكيد .
وقال البقاعي :عند قوله تعالى { كَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا}: {من قبلك}: أي في الأزمنة السالفة حتى القريبة منك جداً، فإن التسلية بالأقرب أعظم، وأثبت الجار لأن الإرسال بالفعل لم يعم جميع الأزمنة.
أمثلة هذا القسم :
{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) }
في أي وقت من أوقات ما قبل الجماع ولو في الوقت القريب و غيره
فمن لابتداء الغاية الدالة على القرب فإن طلقتموهن طلاقا مبتدئا في أي مدة القبل السابق للمساس والدخول بهن ولو الوقت القريب فنصف ما فرضتم وفيها التأكيد ، و والمراد بالمسيس الجماع ، وبالفريضة المهر أي : وإن طلقتم يا معشر الرجال من قبل أن تدخلوا بهن وتباشروهن ، ومن بعد أن قدرتم لهن صداقاً معلوماً ، فالواجب عليكم في هذه الحالة أن تدفعوا لهن نصف ما قدرتم لهن من صداق ، إلا أن تتنازل المرأة عن حقها فتتركه لمطلقها بسماحة نفس ، ففائدة من بيان أن حكم الطلاق لمن طلق قبل مدة طويلة من الجماع كمن طلق قبل مدة قريبة ، فلا تفاوت الحكم بين أن يطلقها ، وهي قريبة العهد من النكاح ، وبين أن يبعد عهدها، ومن تقوي المعنى المراد من ثم كما سيأتي .
*****************
( يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا) [الأحزاب : 49]
أي إذا عقدتم عقد النكاح ثم طلقتموهن في أي وقت في أي وقت من أوقات ما قبل المسيس أي الدخول بهن ولو في الوقت القريب ، فمن لابتداء الغاية أصلها الدلالة على القرب ، فما لكم عليهن من عدة وفيها معنى التأكيد ، ففائدة من بيان أن حكم الطلاق لمن طلق قبل مدة طويلة من الجماع كمن طلق قبل مدة قريبة ، ومعنى { نكحتم } : عقدتم عليهن فلا تفاوت الحكم بين أن يطلقها ، وهي قريبة العهد من النكاح ، وبين أن يبعد عهدها. قال البقاعي -: ولما كان طول مدة الحبس بالعقد من غير جماع لا يغير الحكم في العدة وإن غيرها في النسب بمجرد إمكان الوطىء ، وكان الطلاق لا يكون إلا بعد النكاح وبعد حل الوطىء بالنكاح 30 ، أشار إليه بحرف التراخي فقال : { ثم طلقتموهن } أي بحكم التوزيع ، وقيل لابن عباس : إن ابن مسعود رضي الله عنهم يقول بصحة تعليق الطلاق قبل النكاح فقال : زلة علم - وتلا هذه الآية .
ولما كان المقصود نفي المسيس في هذا النكاح لا مطلقاً ، وكانت العبرة في إيجاب المهر بنفس الوطىء لا بإمكانه وإن حصلت الخلوة ، أدخل الجار فقال : { من قبل أن تسموهن } أي تجامعوهن ، أطلق المسّ على الجماع لأنه طريق له كما سمي الخمر إثماً لأنها سببها .
****************
( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)6/ 158).
في أي وقت من أوقات ما قبل إتيان بعض الآيات ، ولو في الوقت القريب ،
فمن لابتداء الغاية الدالة على القرب ، وفائدته بيان أن ما بعد إتيان بعض الآيات لا يقبل أما ما قبلها ولو بوقت يسير تقبل التوبة والإيمان، فإن لم تكن آمنت إيمانا مبتدئا في أي مدة القبل السابق لظهور الآيات العظام ولو الوقت القريب فلا ينفعه ومع التأكيد ، فأي نفس لم تكن آمنت من قبل إتيان الآيات غير مقدّمة إيمانها من قبل ظهور الآيات لا ينفعها لأنه ينسد باب التوبة بظهور آيات القيامة ، فهذه وقت عظيم لا تقبل فيه التوبة وأي نفس اغتنمت الفرصة فآمنت وأدركت نفسها من قبل قبل منها ، فعلم منه أنّ النّفس التي كانت آمنت من قبل نزول العذاب ينفعها إيمانها في الآخرة . قال البقاعي: ويسر الأمر ببعض زمان القبل ، ولم يكلف باستغراقه بالإيمان فقال : { من قبل } أي قبل مجيء الآية في زمن متصل بمجيئها .
****************
{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)}(7/155).
في أي وقت من أوقات ما قبل هذا الموقف وهو وقوفهم عند الجبل ، ولو في الوقت القريب ، فمن لابتداء الغاية والقرب مع التأكيد ، يستعطف ربه ويتمنى عليه أن يا رب لو شئت أهلكت هؤلاء السبعين من قبل هذه هذا الموقف وإياي ، ونحن بحضرة قومنا أي قبل خروجي بهم هذا الخروج للجبل وطلبهم الرؤية لكان أخفّ عليّ وهذا وقت هلاكهم فيه مفسدة عليّ مؤذٍ لي لأنهم سيتهمونني ، فالآن ماذا أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم ، حتى لا أقع في حرج شديد مع بني إسرائيل فيقولوا قد ذهبت بخيارنا لإهلاكهم– أي وإذا لم تفعل من قبل فأسألك برحمتك أن لا تفعل الآن .
****************
( فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (20 /114).
في أي وقت من أوقات ما قبل أن يقضى إليك نزول وحيه ولو في القبل القريب ، أي تأن حتى يفرغ الملقى إليك الوحي ولا تساوق في قراءتك قراءته وإلقاءه ، فلا تبادر بتلقف القرآن حين يتلوه عليك جبريل ، واصبر حتى يفرغ منه ، فإذا فرغ منه فاقرأه ، فإن الله قد ضمن لك جمعه في صدرك وقراءتك إياه وفيها التأكيد .
****************
( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [غافر 40: 67].
تفيد في أي وقت من أوقات القبل مع التأكيد وفي المضاف المحذوف قولان وإليك التفصيل :
القول الأول: من قبل الشيخوخة
الطبري والطوسي ومجاهد
القول الثاني: عبارة تتردد في الأدراج المذكورة كلها ، فمن الناس من يموت قبل أن يخرج طفلاً ، وآخرون قبل الأشد ، وآخرون قبل الشيخوخة
قال ابن كثير أي : من قبل أن يوجد ويخرج إلى هذا العالم ، بل تسقطه أمه سقطا ، ومنهم من يتوفى صغيرا ، وشابا ، وكهلا قبل الشيخوخة ابن عاشور مِن قَبْلُ } أن من قبل بعض هذه الأطوار ، أي يتوفى قبل أن يخرج طفلاً وهو السقط أو قبل أن يبلغ الأشدّ ، أو يتوفّى قبل أن يكون شيخاً وبُني { قبل } على الضم على نية معنى المضاف إليه ، أي من قبل ما ذُكر
ابن عطية
القول الثالث:
من قبل هذه الأحوال إذا خرج سقطا
************
( أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) [43: 21].
المراد بالكتاب الجنس أي هل آتيناهم في أي فترة من فترات القبل كتابا يؤيد ما يقولون ويدعونه من الشرك والأباطيل فهم مستمسكون به يستندون إليه في دعواهم ، ويستندون إليه في عبادتهم ، ويستمسكون بما فيه من حقائق ، ويرتكنون إلى ما عندهم فيه من دليل ! ! فلذلك لا يؤمنون
الطبري وقوله : أمْ آتَيْناهُمْ كِتابا مِنْ قَبْلِهِ يقول تعالى ذكره ما آتينا هؤلاء المتخرّصين القائلين لو شاء الرحمن ما عبدنا الاَلهة كتابا بحقيقة ما يقولون من ذلك ، من قبل هذا القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد فهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ يقول : فهم بذلك الكتاب الذي جاءهم من عندي من قبل هذا القرآن ، مستمسكون يعملون به ، ويدينون بما فيه ، ويحتجون به عليك .
الزمخشري أم آتيناهم كتاباً قبل هذا الكتاب نسبنا فيه الكفر والقبائح إلينا ، فحصل لهم علم بذلك من جهة الوحي ، فاستمسكوا بذلك الكتاب واحتجوا به .
ابن الجوزي -يأخذون بما فيه .
الفخر الرازي والمعنى أنهم ( هل ) وجدوا ذلك الباطل في كتاب منزل قبل القرآن حتى جاز لهم أن يعولوا عليه ، وأن يتمسكوا به ، والمقصود منه ذكره في معرض الإنكار ، ولما ثبت أنه لم يدل عليه لا دليل عقلي ولا دليل نقلي وجب أن يكون القول به باطلا .
سيد قطب يستندون إليه في دعواهم ، ويستندون إليه في عبادتهم ، ويستمسكون بما فيه من حقائق ، ويرتكنون إلى ما عندهم فيه من دليل ! ! ابن عاشور : و { مِن } مزيدة لتوكيد معنى ( قبْل ) . والضمير المضاف إليه ( قَبْل ) ضمير القرآن ولم يتقدم له معاد في اللّفظ ولكنه ظاهر من دلالة قوله : { كتاباً } .


المعنى السادس :
التوكيد الخاص الذي يفيد معنى الاشتراط ، وهناك توكيد عام يجتمع مع كل المعاني السابقة ، وهناك ونوع خاص يفيد معنى الاشتراط وأن ما بعدها لا يمكن أن يحصل إلا بحصول مجرورها أو أنه ما حصل إلا بحصول أمر معين قطعا ، و( من) في الحقيقة الآيات التي مثلت للتأكيد تفيد ثلاثة أمور: ابتداء الغاية والتأكيد وأن الأمر موقوف على تحقق شيء عندها يتحقق شيء آخر
{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (3)(58/3) .
فيها ابتداء الغاية مبتدئا من قبل المساس فلا بد أن يكون التحرير في في أي مدة ما قبل المساس لا بعده ، مع التأكيد وفيها معنى الشرط كأنه قيل بشرط أن يكون قبل المساس فلا يحل للمظاهر وطء امرأته التي ظاهر منها ما لم يكفر تفيد ثلاثة أمور: ابتداء الغاية ، والتأكيد ، وأن الأمر موقوف على تحقق شيء فعندها يتحقق شيء آخر
الطبري : وقوله : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أنْ يَمَاسّا يقول : فعليه تحرير رقبة ، يعني عتق رقبة عبد أو أمة ، من قبل أن يماسّ الرجل المظاهر امرأته التي ظاهر منها أو تماسه . البغوي قوله : { فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا } والمراد بالتماس : المجامعة ، فلا يحل للمظاهر وطء امرأته التي ظاهر منها ما لم يكفر ، سواء أراد التكفير بالإعتاق أو بالصيام أو بالإطعام الزمخشري ثم قال : { والذين يظاهرون مِن نّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } يعني : والذين كانت عادتهم أن يقولوا هذا القول المنكر فقطعوه بالإسلام ، ثم يعودون لمثله ، فكفارة من عاد أن يحرّر رقبة ثم يماس المظاهر منها لا تحل له مماستها إلا بعد تقديم الكفارة . الفخر الرازي ويقتضي قوله : { من قبل أن يتماسا } أن يكون التكفير قبل الجماع ، وإذا ثبت أنه لا بد وأن يكون التكفير بعد العود ، وقبل الجماع ، جب أن يكون العود غير الجماع ،قال البيضاوي من قبل أن يتماسا أن يستمتع كل من المظاهر عنها بالآخر لعموم اللفظ ومقتضى التشبيه أو أن يجامعها ، وفيه دليل على حرمة ذلك قبل التكفير ذلكم أي ذلكم الحكم بالكفارة توعظون به ، لأنه يدل على ارتكاب الجناية الموجبة للغرامة ويردع عنه والله بما تعملون خبير لا تخفى عليه خافية أبو حيان { من قبل أن يتماسا } : لا يجوز للمظاهر أن يطأ حتى يكفر ، فإن فعل عصى ، ولا يسقط عنه التكفير . البقاعي
ولما كان التحرير لا يستغرق زمن القبل بل يكون في بعضه ، أدخل الجار فقال : { من قبل }
قال أبو السعود: - { من قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا } أيْ مِنْ قبلِ أنْ يستمتعَ كلٌ منَ المُظاهِرِ وَالمُظاهَرِ منْهَا بالآخرِ جماعاً وَلَمساً ونظراً إلى الفرجِ بشهوةٍ وإنْ وقعَ شيءٌ من ذلكَ قبلَ التكفيرِ يجبُ عليهِ أنْ يستغفرَ ولا يعودَ حتَّى يكفرَ وإنْ أعتقَ بعضَ الرقبةِ ثمَّ مسَّ عليهِ أنْ يستأنفَ عندَ أبي حنيفةَ رحمَهُ الله تَعَالَى ابن عاشور
وبهذا يكون محمل قوله : { من قبل أن يتماسا } على أنه من قبل أن يمسّ زوجه مسّ استمتاع قبل أن يكفر وهو كناية عن الجماع في اصطلاح القرآن ، كما قال : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } [ البقرة : 237 ] .
ولذلك جعلت الكفارة عِتق رقبة لأنه يَفتدي بتلك الرقبة رقبةَ زوجه .
**************************
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا (58/4)
فيها ابتداء الغاية مبتدئا من قبل المساس فلا بد أن يكون الصيام في أي مدة ما قبل المساس لا بعده ، مع التأكيد وفيها معنى الشرط كأنه قيل بشرط أن يكون قبل المساس فلا يحل للمظاهر وطء امرأته التي ظاهر منها ما لم يكفر


القرطبي ، لقوله تعالى : " من قبل أن يتماسا " وهذا الشرط عائد إلى جملة الشهرين ، وإلى أبعاضهما ، فإذا وطئ قبل انقضائهما فليس هو الصيام المأمور به ، فلزمه استئنافه ، كما لو قال : صل قبل أن تكلم زيدا . فكلم زيدا في الصلاة ، أو قال : صل قبل أن تبصر زيدا فأبصره في الصلاة لزمه استئنافها ؛ لأن هذه الصلاة ليست هي الصلاة المأمور بها كذلك هذا ، والله أعلم . البيضاوي فمن لم يجد أي الرقبة والذي غاب ماله واجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ، فإن أفطر بغير عذر لزمه الاستئناف وإن أفطر لعذر ففيه خلاف وإن جامع المظاهر عنها ليلا لم ينقطع التتابع عندنا خلافا لأبي حنيفة السمين الحلبي " مِنْ قبلِ " متعلِّقٌ بالفعل أو الاستقرارِ المتقدِّمِ أي : فيلزَمُه تحريرُ أو صيام ، أو فعليه كذا مِنْ قبلِ تَماسِّهما . والضميرُ في " يتماسَّا " للمُظاهِرِ والمُظاهَرِ منها لدلالةِ ما تقدَّم عليهما .
ابن عاشور
وأعيد قيد { من قبل أن يتماسا } للدلالة على أنه لا يكون المسّ إلا بعد انقضاء الصيام ، فلا يظن أن مجرد شروعه في الصيام كافٍ في العود إلى الاستمتاع .
******************
 
عودة
أعلى