أشرف بن تيسير الحديدي
New member
يصح صيام يوم السبت إذا أقترن بصيام يوم الجمعة ويتأكد ذلك إذا وافق يوم الجمعة صياما معتادا, مثل يوم تاسوعاء أو يوما من أيام تسع ذي الحجة وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَاتَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ،إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ ) فيشرع صيام يوم الجمعة وبعده السبت.
حوار دار بيني وبين نفسي
الأول : هل أستطيع صيام يوم السبت في أي وقت ؟
الثاني : نعم ولكن بشرط.
الأول : وما هو الشرط ؟
الثاني : أن تصوم قبله الجمعة.
الأول : ولكن ألم يصح النهي عن صيام يوم السبت الا في فريضة ؟
الثاني : نعم فأن صيام يوم السبت في حق من صام الجمعة فرض, وانت لم تخالف فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن صيام يوم السبت الا فيما افترضه الله علينا, وصيام يوم السبت بعد صيام الجمعة قد افترضه الله علينا, فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يصومن أحدكم يوم الجمعة, إلا يوما قبله أو بعده ) وفي هذا إعمال لجميع ما ورد في الباب.
الأول : ولكنهم يقولون أن هذا فقط في حق من كان يجهل الحكم الشرعي لصيام يوم الجمعة.
الثاني : إذا والذي يعلم الحكم ؟
الأول : لا يصومه.
الثاني : حسنا, الجواب من وجهين:
أما الوجه الاول فهو : من أين جاءوا بهذا القيد ؟ هل هذا مذكور في الحديث,لا, هل ورد في حديث آخر, أيضا لا, هل في هذا نص أو دليل, أقول لا,فهذا القيد اذا باطل لأنه لا نص فيه ولا دليل عليه بل هو استدراك على الشرع.
أما الوجه الثاني : فأنت تقول أن هذه الحالة خاصة, تكون فقط في حق من كان يجهل الحكم الشرعي لصيام يوم الجمعة, اذا سافترض أنني جاهل في حكم صيام يوم الجمعة وأسألك : ما هو الحكم الشرعي لصيام يوم الجمعة ؟
الأول : ألا تصومه إلا ان تصوم يوما قبله أو يوما بعده.
الثاني : إذا فانا الان اصبحت عالما بالحكم الشرعي لصيام يوم الجمعة وهو ألا تصومه إلا أن تصوم يوما قبله أو يومابعده, إذا فهل صيام يوم الجمعة مع صيام يوم بعده مشروع, الجواب طبعا نعم فان هذا هو الحكم الشرعي لصيام يوم الجمعة, فأنا الان عالم بالحكم الشرعي لصيام يوم الجمعة وأستطيع أن أصومه بشرط أن أصوم يوما بعده وهو السبت. وهذا لا يتعارض مع حديث عبدالله بن بسر : ( لا تصوموا يوم السبت الا فيما افترض عليكم ) ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد افترض علينا أن نصوم السبت إذا أردنا صيام يوم الجمعة, ويبقى حكم صيام يوم السبت في غير الفريضة ممنوع.
الأول : ولكنهم أيضاً يقولون أن هذا فقط في حق من كان يجهل الحكم الشرعي لصيام يوم السبت.
الثاني : حسنا, وما هو الحكم الشرعي لصيام يوم السبت ؟
الأول : ألا نصومه إلا فيما افترضه الله علينا.
الثاني : حسنا, فان الله سبحانه وتعالى قد افترض علينا صيام يوم السبت لمن كان قد صام الجمعة.
الأول : ولكنهم أيضاً يقولون أن هذا فقط في حق من كان غافلاً عن النهي ولم يكن قد صام الخميس قبل الجمعة, فانه فرض على من أراد صيام يوم الجمعة أن يصوم قبله الخميس فان لم يصمه فينتقل الى السبت, أما من كان على علم بالنهي ولم يصم الخميس, فليس له صيامه.
الثاني : حسناً, كان من الممكن أن يكون هذا حقاً لو أن لفظ الحديث كان ( لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله, فمن لم يستطع فليصم بعده ) ولكن والحمد لله فان لفظ الحديث جاء بالتخيير فلك أن تصوم يوما قبله أو يوما بعده كيفما شئت, دون ذلك القيد المذكور, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إلا يوما قبله أو بعده ).
الأول : ولكنهم أيضاً يقولون أنك بفعلك هذا تكون قد تقصدت صيام يوم الجمعة وهذا منهي عنه, فعن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَاتَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ،إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ ).
الثاني : حسناً, فان الجواب موجود في الحديث ذاته, فان كان المقصود بلفظ ( تخصوا ) هو التقصد والتعمد, ونعم هو قول لأهل العلم وذكر هذا عن الشعبي ومجاهد , فان الاستثناء الذي هو دليل التناول يستثني من هذا التقصد والتعمد, أن يكون في صوم يصومه أحدهم, وهو – أي الإستثناء الذي يكون في صوم يصومه أحدهم - إما أن يكون بين عدة أيام وأقلها إثنين, بحيث يحمل هذا الكلام على ما يوافق حديث أبي هريرة السابق الذكر ( لا يصومن أحدكم يوم الجمعة, إلا يوماً قبله أو بعده ), وهو كما قلنا ( الخميس والجمعة ) أو على التخيير ( الجمعة والسبت ), أو بين أيام أكثر من ذلك وهذا قول لأهل العلم, أو أن يكون – أي الاستثناء الذي يكون في صوم يصومه أحدهم - هو أن يكون صوماً معتاداً, كصيام يوم تاسوعاء مثلاً, أو يوم من أيام تسع ذي الحجة, أو في أيام الست من شوال, أو في صيامٍ كصيام داود عليه السلام, أو في صيام أيام البيض, أو ثلاثة أيام من كل شهر, ونحو ذلك, وهذا أيضاً قول لأهل العلم.
الأول : ولكنهم يقولون أنك بهذا تكون قد ألزمت نفسك بصيام يوم الجمعة ليكون السبت فريضة عليك, والأصل هو النهي عن الصوم يوم السبت.
الثاني : أما قولك بأني ألزمت نفسي بصيام يوم الجمعة, فهذا لي, فأنا أريد صيام يوم الجمعة, فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يصومن أحدكم يوم الجمعة ) ثم استثنى صلى الله عليه وسلم من هذا النهي فقال : ( إلا يوما قبله أو بعده ) فلي أن أصوم يوم الجمعة متى شئت, بشرط أن أصوم يوماً قبله أو بعده, وقد تم شرح هذا سابقاً, وحتى لو فرضنا - تماشياً معك - أنني بهذا أكون قد ألزمت نفسي بصيام يوم الجمعة, فهل هذا الإلزام يجعل من صيامي ليوم الجمعة باطلاً, وهل يصبح صيام يوم السبت بهذا الإلزام نافلة وليس بفريضة, طبعاً لا, ثم اعلم أن هذا التخصيص ليس تبعا للهوى ولا هو استحسان من قبل النفس, بل هذا تخصيص مشروع له دليله جاء به نص صريح بقوله صلى الله عليه وسلم : ( ولاتخصوا ) ثم استثنى فقال ( الا ان يكون في صوم يصومه أحدكم ) أي أن التخصيص جائز إذا كان داخل في الاستثناء والذي هو ( الا ان يكون في صوم يصومه احدكم ) وقد تم شرح هذا مسبقاً, ثم إن الله سبحانه وتعالى الذي أفترض علينا صيام يوم السبت بعد الجمعة, هو الذي أباح لنا صيام يوم الجمعة مقرونا بالخميس أو بالسبت على وجه الإختيار, ولذلك فان السؤال الذي يهمنا فعلا ويحل هذا الإشكال هو : هل لي أن أصوم يوم الجمعة وأختار أن أصوم معه يوم السبت وليس الخميس ؟ والجواب : نعم, فان هذا لي, وقد تم شرحه سابقاً أيضاً, وأما قولك – والأصل هو النهي عن الصوم يوم السبت - , فأقول - إلا في فريضة بارك الله فيك - , وأنا لم أخالف.
الأول : ولكن يبقى سؤال, لو أن أحداً صام الجمعة ولم يستطع أن يصوم السبت بعده, لعارض شرعي, فهل عليه قضاء يوم السبت ؟
الثاني : وسؤال أيضاً, هل رسول الله صلى الله عليه وسلم, لما فرض علينا بصيام يوم الجمعة صيام يوم قبله أو بعده على التخيير, جهل إمكانية حدوث هذا العارض ؟, بالطبع لا, بل هو أعلم الناس بذلك – صلى الله عليه وسلم - , ومع هذا فقد فرض علينا صيام يوم السبت بعد الجمعة مع علمه بامكانية حدوث عارض شرعي يمنع من صيامه, فاذا تقرر هذا عندنا, وعلمنا أن صيام يوم السبت مع الجمعة قد افترضه الله سبحانه وتعالى علينا, نعلم أنه إذا لم يستطع أحدنا صيام يوم السبت بسبب عذر شرعي من مرض أو سفر ونحوه من الاعذار الشرعية التي أباح الله عز وجل لأجلها الفطر, فلا إثم عليه حينئذ لفطره, ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد وضع عن أمته الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه, ويقول سبحانه وتعالى : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ), أما بالنسبة للقضاء فعليه أن يقضي يوما مكانه سواء كان إفطاره بعذر أو بغير عذر, فان كل من شرع في شيء واجب يلزمه إتمامه, يقول ابن قدامة - كما في المغني - : ( وَمِنْ دَخَلَ فِي وَاجِبٍ , كَقَضَاءِ رَمَضَان , أَوْ نَذْرٍ معين أو مطلق، أَوْ صِيَامِ كَفَّارَةٍ ; لمْ يَجُزْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ, لأن المتعين وجب عليه الدخول فيه، وغير المتعين تعين بدخوله فيه، فصار بمنزلة الفرض المتعين، وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلافٌ بِحَمْدِ اللَّهِ ).
هذا وما كان من صواب فمن الله وحده عز وجل
وما كان من خطأ فمن نفسي وأستغفرالله
وما كان من خطأ فمن نفسي وأستغفرالله
والله الموفق وهو يهدي السبيل
وكتب
أشرف بن تيسير الحديدي