أحمد البريدي1
New member
- إنضم
- 02/04/2003
- المشاركات
- 1,318
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
الاهتمامُ بإصلاحِ النفسِ وتهذيبها وتزكيتها مِن مَقاصدِ القرآنِ الكريمِ ، ومِن سِيْمَا العلماءِ الربّانيّينَ ؛ ولذا فقد نالَ هذا الجانبُ عنايةَ الشيخِ رحمه الله في تفسيره ، وتجلَّى ذلكَ في أمرينِ :
الأمر الأول : الفوائد المسْلَكيَّةُ مِن الآياتِ
بَرَزَ هذا الجانبُ عند تفسيرهِ للآياتِ التي أوردها شيخُ الإسلامِ ابن تيميةَ رحمه الله في العقيدةِ الواسطيةِ ، فبعدَ تفسيرها وبيانِ معناها يقول : الفوائدُ المسلكيةُ مِن الآيات .
ومِن أمثلةِ ذلكَ :
عند تفسيرهِ للآياتِ الواردةِ في إثباتِ صفةِ المحبّةِ قالَ :" وهُنَا سُؤالانِ :
الأول : بماذا يَنالُ الإنسانُ مَحبّةَ الله ؟ " ثُمَّ ذكرَ جوابهُ .
" السؤالُ الثاني : ما هي الآثارُ المسلكيةُ التي يستلزمها ما ذُكِر ؟
والجوابُ :
أولاً : قولهُ :{ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(البقرة: من الآية195) : يقتضي أنْ نُحْسِنَ ، وأنْ نحرصَ على الإحسانِ ، لأنّ الله يُحِبُّه ، وكُلُّ شيءٍ يُحِبُّه الله ،فإنَّنا نحرصُ عليهِ .
ثانياً : قوله :{ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(الحجرات:من الآية9) : يقتضي أنْ نعدلَ ونحرصَ على العدلِ .
ثالثاً : قوله :{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(التوبة:من الآية7) : يقتضي أنْ نَتَّقِيَ الله ، لا نَتَّقِي المخلوقينَ بحيث إذا كانَ عندنا مَن نستحي مِنه مِن الناسِ ، تَرَكْنَا المعاصي ، وإذا لم يكنْ ، عَصَيْنَا ، فالتقوى أنْ نَتَّقِيَ الله ،ولا يُهمّك الناس . أصلحْ ما بينكَ وبينَ الله، يُصْلِحْ الله ما بينكَ وبينَ الناسِ . أنظر يا أخي إلى الشيءِ الذي بينكَ وبين الله ، يُصْلِح الله ما بينكَ وبينَ الناسِ . أنظر يا أخي إلى الشيءِ الذي بينكَ وبينَ رَبِّكَ ، ولا يُهمَّكَ غير ذلكَ ، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}(الحج:من الآية38). افعلْ ما يقتضيهِ الشرعُ ، وستكونُ لكَ العاقبة .
رابعاً : يقولُ الله تعالى{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ }(البقرة:من الآية222)،وهذهِ تَستوجِبُ أنْ أُكْثِرَ التوبةَ إلى الله ، أُكْثِرَ أنْ أرجعَ إلى الله بقلبي وقالبي ، ومُجرَّدُ قَوْلِ الإنسان : أتوبُ إلى الله . هذا قد لا يَنفعُ ، لكنْ تَستحْضِر وأنتَ تقولُ : أتوبُ إلى الله : أنّ بينَ يديكَ مَعاصِي ، تَرجِعُ إلى الله مِنها وتَتُوب ، حتّى تنالَ بذلكَ مَحبَّةَ الله .
{ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(البقرة: من الآية222) : إذا غسلتَ ثوبكَ مِن النجاسةِ ، تُحِسُّ بأنّ الله أحبَّكَ ؛ لأنّ الله يُحِبُّ المتطهـرين . إذا توضَّأتَ ، تُحِسُّ بأنّ الله أحبَّكَ ؛ لأنكَ تَطهَّرْتَ . إذا اغتسلتَ ، تُحِسُّ بأنّ الله أحبَّكَ ، لأنّ الله يُحِبُّ المتطهرين .
ووالله ، إنَّنَا لغافلونَ عن هذهِ المعاني ، أكثرُ ما نستعملُ الطهارةَ مِن النجاسةِ أو مِن الأحداثِ ، لأنّها شرطٌ لصحةِ الصلاةِ ، خَوفًا مِن أنْ تَفسُدَ صَلاتُنا ، لكنْ يغيبُ عَنَّا كثيراً أنْ نَشعُرَ بأنّ هذا قُرْبَةٌ وسببٌ لمحبةِ الله لنا ، لو كُنَّا نستحضرُ عندما يغسلُ الإنسانُ نقطةَ بولٍ أصابتْ ثَوْبَهُ أنّ ذلكَ يجلبُ مَحَبَّةَ الله لهُ ، لَحَصَّلْنَا خيراً كثيراً ، لكنّنا في غفلةٍ .
خامساً : قوله : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } (آل عمران: من الآية31) : هذا أيضاً يستوجبُ أنْ نحرصَ غايةَ الحرصِ على اتّباعِ النبي ، بحيث نَتَرَسَّمُ طريقهُ ، لا نخرج مِنه ، أو نَقْصُر عنهُ ، ولا نزيد ، ولا ننقص .وشُعورنا هذا يَحمِينا مِن البدعِ ، ويَحمِينا مِن التقصيرِ ، ويَحمِينا مِن الزيادةِ والغُلُوِّ، ولو أنَّنَا نشعرُ بهذهِ الأمورِ ؛ فانظر كيفَ يكونُ سُلوكُنَا وآدَابُنَا وأخْلاقُنَا وعِبادَاتُنَا.
سادساً : قولـه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }(المائدة:من الآية54) ، نُحَذَّرُ بهِ مِن الرِّدَّةِ عن الإسلامِ ، التي مِنها تَرْكُ الصلاةِ مثلاً؛ فإذا عَلِمْنَا أنّ الله يُهدِّدُنَا بأنّنا إنْ ارْتَدَدْنَا عن دِيننَا ،أهْلَكَنَا الله ، وأَتَى بقومٍ يُحِبُّهُم ويُحِبُّونَه، ويقومونَ بواجبهم نحو رَبِّهِمْ ، فإننا نُلازم طاعةَ الله والابتعادَ عن كُلِّ ما يُقَرِّبُ للرِّدَّةِ .
سابعاً : قوله{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}(الصف:4)
إذا آمَنَّا بهذهِ المحبَّةِ ، فَعَلْنَا هذهِ الأسبابَ الخمسة التي تَستلزِمُهَا وتُوجِبُهَا : القتال ، وعدمُ التوانِي ، والإخلاصُ ؛ بأنْ يكونَ في سبيلِ الله ، أنْ يَشُدَّ بعضنا بعضاً كأنّنا بنيان ، أنْ نُحكِمَ الرابطةَ بيننا إحكاماً قويًّا كالبنيانِ المرصوص ، أنْ نَصُفَّ ، وهذا يَقتضِي التساوي حِسًّا ، حتّى لا تختلفَ القلوبُ ، وهو مما يُؤكِّد الأُلْفَةَ ، والإنسانُ إذا رَأَى واحدًا عن يمينهِ وواحدًا عن يسارهِ ، يَقْوَى على الإقدامِ ، لكنْ لو يُحيطونَ بهِ مِن جميعِ الجوانبِ ، فَسَتَشْتَدُّ هِمَّتُه .
فصارَ في هذهِ الآياتِ ثلاثةُ مباحثَ :
1- إثباتُ المحبةِ بالأدلّةِ السمعيّةِ .
2- أسبابها .
3- الآثارُ المسلكيةُ في الإيمانِ بها ".( )
وعند تفسيره لآياتِ الصِّفاتِ المنْفِيَّةِ في تَنـزِيهِ الله ونَفْيِ المِثْلِ عنه ؛ قال :" والذي نستفيدهُ مِن الناحيةِ المسلكيّةِ في هذه الآياتِ :
أولاً : في قوله:{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ}(الرحمن:78) : إذا عَلِمْنَا أنّ الله تعالى مَوصُوفٌ بالجلالِ ، فإنّ ذلكَ يَستوجِبُ أنْ نُعظِّمَهُ ، وأنّ نُجِلَّهُ .
وإذا عَلِمْنَا أنّه مَوصُوفٌ بالإكرامِ فإنّ ذلكَ يَستوجِبُ أنْ نَرْجُوَ كَرَمَهُ وفَضْلَهُ .وبذلكَ نُعظِّمَهُ بما يستحقّه مِن التعظيمِ والتكريم .
ثانياً : قولهُ :{ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ}(مريم:من الآية65) ، فالفوائدُ المسلكيةُ في ذلكَ هو أنْ يعبدَ العبدُ رَبَّهُ ، ويَصطبِرَ للعبادةِ ، لا يملُّ ، ولا يتعبُ ، ولا يضجرُ ، بلْ يصبرُ عليها صَبْرَ القرينِ لقَرينهِ في المبارزةِ في الجهاد .
ثالثاً : قوله :{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}(مريم: من الآية65) ،{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} (الاخلاص:4) ، { فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً }(البقرة:من الآية22) ، ففيها تَنْزِيهُ لله ، وأنّ الإنسانَ يشعرُ في قَلبهِ بأنّ الله تعالى مُنَزَّهٌ عن كُلِّ نَقْصٍ ، وأنّه لا مَثِيلَ لهُ ، ولا نِدَّ لَهُ ، وبهذا يُعظِّمُهُ حَقَّ تَعظيمهِ بِقدْرِ استطاعتهِ .
رابعاً : قوله :{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً }(البقرة:من الآية165) ، فَمِنْ فوائدها مِن الناحيةِ المسلكيّةِ : أنّه لا يجوزُ للإنسانِ أنْ يَتَّخِذَ أحدًا مِن الناسِ مَحْبُوبًا كَمَحَبَّةِ الله ، وهذهِ تُسمَّي المحبَّة مَع الله ".( )
وعند تفسيره للآياتِ الدَّالَّةِ على نُزولِ القرآنِ قال :"
ما نستفيدهُ مِن الناحية المسلكيّةِ مِن هذه الآيات :
نستفيد أنّنا إذا عَلِمْنَا أنّ هذا القرآنَ تَكلَّم بهِ رَبُّ العالمينَ ؛ أَوْجَبَ لنا ذلكَ تَعظِيمَ هذا القرآنِ ، واحترامَهُ ، وامتثالَ ما جاءَ فيهِ مِن الأوامـرِ ، وتركَ ما فيهِ مِن المنهيـاتِ والمحذوراتِ ، وتصديقَ ما جاءَ فيهِ مِن الأخبارِ عن الله تعالى وعن مَخلوقاتِهِ السابقةِ واللاحقة ".( )
وكما بَرَزَ هذا الجانبُ في شرحهِ للآياتِ الواردةِ في العقيدة الواسطيّة ؛ فقد تعرّضَ لهُ في تفسيرهِ ، ومِن أمثلته :
عند تفسيره لقولـه تعالى : {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً} (النساء:126)
ذكرَ مِن فوائدها :" إحاطـةُ الله بكلِّ شيءٍ لقولهِ { وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً} ويترتّبُ على هذه الفائدةِ فائدةٌ مَسلكيّةٌ مُهِمّةٌ وهي : أنّكَ إذا عَلِمْتَ إحاطةَ الله بكلِّ شيءٍ خِفْتَ مِنه وخَشِيتَهُ وراقبتهُ ؛ لأنّه مَهْمَا كُنتَ في أيِّ مكانٍ فإنّ الله مُحيطٌ بِكَ ، فإذا آمنتَ بهذا خِفْتَ رَبَّ العالمين المحيط بكلِّ شيءٍ ، وينبني على ذلكَ خَوْفُ الله بالقلبِ ؛ لأنّ الله مُحيطٌ حتّى بقلبكَ .
يتبع إن شاء الله
الأمر الأول : الفوائد المسْلَكيَّةُ مِن الآياتِ
بَرَزَ هذا الجانبُ عند تفسيرهِ للآياتِ التي أوردها شيخُ الإسلامِ ابن تيميةَ رحمه الله في العقيدةِ الواسطيةِ ، فبعدَ تفسيرها وبيانِ معناها يقول : الفوائدُ المسلكيةُ مِن الآيات .
ومِن أمثلةِ ذلكَ :
عند تفسيرهِ للآياتِ الواردةِ في إثباتِ صفةِ المحبّةِ قالَ :" وهُنَا سُؤالانِ :
الأول : بماذا يَنالُ الإنسانُ مَحبّةَ الله ؟ " ثُمَّ ذكرَ جوابهُ .
" السؤالُ الثاني : ما هي الآثارُ المسلكيةُ التي يستلزمها ما ذُكِر ؟
والجوابُ :
أولاً : قولهُ :{ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(البقرة: من الآية195) : يقتضي أنْ نُحْسِنَ ، وأنْ نحرصَ على الإحسانِ ، لأنّ الله يُحِبُّه ، وكُلُّ شيءٍ يُحِبُّه الله ،فإنَّنا نحرصُ عليهِ .
ثانياً : قوله :{ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(الحجرات:من الآية9) : يقتضي أنْ نعدلَ ونحرصَ على العدلِ .
ثالثاً : قوله :{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(التوبة:من الآية7) : يقتضي أنْ نَتَّقِيَ الله ، لا نَتَّقِي المخلوقينَ بحيث إذا كانَ عندنا مَن نستحي مِنه مِن الناسِ ، تَرَكْنَا المعاصي ، وإذا لم يكنْ ، عَصَيْنَا ، فالتقوى أنْ نَتَّقِيَ الله ،ولا يُهمّك الناس . أصلحْ ما بينكَ وبينَ الله، يُصْلِحْ الله ما بينكَ وبينَ الناسِ . أنظر يا أخي إلى الشيءِ الذي بينكَ وبين الله ، يُصْلِح الله ما بينكَ وبينَ الناسِ . أنظر يا أخي إلى الشيءِ الذي بينكَ وبينَ رَبِّكَ ، ولا يُهمَّكَ غير ذلكَ ، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}(الحج:من الآية38). افعلْ ما يقتضيهِ الشرعُ ، وستكونُ لكَ العاقبة .
رابعاً : يقولُ الله تعالى{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ }(البقرة:من الآية222)،وهذهِ تَستوجِبُ أنْ أُكْثِرَ التوبةَ إلى الله ، أُكْثِرَ أنْ أرجعَ إلى الله بقلبي وقالبي ، ومُجرَّدُ قَوْلِ الإنسان : أتوبُ إلى الله . هذا قد لا يَنفعُ ، لكنْ تَستحْضِر وأنتَ تقولُ : أتوبُ إلى الله : أنّ بينَ يديكَ مَعاصِي ، تَرجِعُ إلى الله مِنها وتَتُوب ، حتّى تنالَ بذلكَ مَحبَّةَ الله .
{ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(البقرة: من الآية222) : إذا غسلتَ ثوبكَ مِن النجاسةِ ، تُحِسُّ بأنّ الله أحبَّكَ ؛ لأنّ الله يُحِبُّ المتطهـرين . إذا توضَّأتَ ، تُحِسُّ بأنّ الله أحبَّكَ ؛ لأنكَ تَطهَّرْتَ . إذا اغتسلتَ ، تُحِسُّ بأنّ الله أحبَّكَ ، لأنّ الله يُحِبُّ المتطهرين .
ووالله ، إنَّنَا لغافلونَ عن هذهِ المعاني ، أكثرُ ما نستعملُ الطهارةَ مِن النجاسةِ أو مِن الأحداثِ ، لأنّها شرطٌ لصحةِ الصلاةِ ، خَوفًا مِن أنْ تَفسُدَ صَلاتُنا ، لكنْ يغيبُ عَنَّا كثيراً أنْ نَشعُرَ بأنّ هذا قُرْبَةٌ وسببٌ لمحبةِ الله لنا ، لو كُنَّا نستحضرُ عندما يغسلُ الإنسانُ نقطةَ بولٍ أصابتْ ثَوْبَهُ أنّ ذلكَ يجلبُ مَحَبَّةَ الله لهُ ، لَحَصَّلْنَا خيراً كثيراً ، لكنّنا في غفلةٍ .
خامساً : قوله : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } (آل عمران: من الآية31) : هذا أيضاً يستوجبُ أنْ نحرصَ غايةَ الحرصِ على اتّباعِ النبي ، بحيث نَتَرَسَّمُ طريقهُ ، لا نخرج مِنه ، أو نَقْصُر عنهُ ، ولا نزيد ، ولا ننقص .وشُعورنا هذا يَحمِينا مِن البدعِ ، ويَحمِينا مِن التقصيرِ ، ويَحمِينا مِن الزيادةِ والغُلُوِّ، ولو أنَّنَا نشعرُ بهذهِ الأمورِ ؛ فانظر كيفَ يكونُ سُلوكُنَا وآدَابُنَا وأخْلاقُنَا وعِبادَاتُنَا.
سادساً : قولـه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }(المائدة:من الآية54) ، نُحَذَّرُ بهِ مِن الرِّدَّةِ عن الإسلامِ ، التي مِنها تَرْكُ الصلاةِ مثلاً؛ فإذا عَلِمْنَا أنّ الله يُهدِّدُنَا بأنّنا إنْ ارْتَدَدْنَا عن دِيننَا ،أهْلَكَنَا الله ، وأَتَى بقومٍ يُحِبُّهُم ويُحِبُّونَه، ويقومونَ بواجبهم نحو رَبِّهِمْ ، فإننا نُلازم طاعةَ الله والابتعادَ عن كُلِّ ما يُقَرِّبُ للرِّدَّةِ .
سابعاً : قوله{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}(الصف:4)
إذا آمَنَّا بهذهِ المحبَّةِ ، فَعَلْنَا هذهِ الأسبابَ الخمسة التي تَستلزِمُهَا وتُوجِبُهَا : القتال ، وعدمُ التوانِي ، والإخلاصُ ؛ بأنْ يكونَ في سبيلِ الله ، أنْ يَشُدَّ بعضنا بعضاً كأنّنا بنيان ، أنْ نُحكِمَ الرابطةَ بيننا إحكاماً قويًّا كالبنيانِ المرصوص ، أنْ نَصُفَّ ، وهذا يَقتضِي التساوي حِسًّا ، حتّى لا تختلفَ القلوبُ ، وهو مما يُؤكِّد الأُلْفَةَ ، والإنسانُ إذا رَأَى واحدًا عن يمينهِ وواحدًا عن يسارهِ ، يَقْوَى على الإقدامِ ، لكنْ لو يُحيطونَ بهِ مِن جميعِ الجوانبِ ، فَسَتَشْتَدُّ هِمَّتُه .
فصارَ في هذهِ الآياتِ ثلاثةُ مباحثَ :
1- إثباتُ المحبةِ بالأدلّةِ السمعيّةِ .
2- أسبابها .
3- الآثارُ المسلكيةُ في الإيمانِ بها ".( )
وعند تفسيره لآياتِ الصِّفاتِ المنْفِيَّةِ في تَنـزِيهِ الله ونَفْيِ المِثْلِ عنه ؛ قال :" والذي نستفيدهُ مِن الناحيةِ المسلكيّةِ في هذه الآياتِ :
أولاً : في قوله:{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ}(الرحمن:78) : إذا عَلِمْنَا أنّ الله تعالى مَوصُوفٌ بالجلالِ ، فإنّ ذلكَ يَستوجِبُ أنْ نُعظِّمَهُ ، وأنّ نُجِلَّهُ .
وإذا عَلِمْنَا أنّه مَوصُوفٌ بالإكرامِ فإنّ ذلكَ يَستوجِبُ أنْ نَرْجُوَ كَرَمَهُ وفَضْلَهُ .وبذلكَ نُعظِّمَهُ بما يستحقّه مِن التعظيمِ والتكريم .
ثانياً : قولهُ :{ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ}(مريم:من الآية65) ، فالفوائدُ المسلكيةُ في ذلكَ هو أنْ يعبدَ العبدُ رَبَّهُ ، ويَصطبِرَ للعبادةِ ، لا يملُّ ، ولا يتعبُ ، ولا يضجرُ ، بلْ يصبرُ عليها صَبْرَ القرينِ لقَرينهِ في المبارزةِ في الجهاد .
ثالثاً : قوله :{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}(مريم: من الآية65) ،{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} (الاخلاص:4) ، { فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً }(البقرة:من الآية22) ، ففيها تَنْزِيهُ لله ، وأنّ الإنسانَ يشعرُ في قَلبهِ بأنّ الله تعالى مُنَزَّهٌ عن كُلِّ نَقْصٍ ، وأنّه لا مَثِيلَ لهُ ، ولا نِدَّ لَهُ ، وبهذا يُعظِّمُهُ حَقَّ تَعظيمهِ بِقدْرِ استطاعتهِ .
رابعاً : قوله :{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً }(البقرة:من الآية165) ، فَمِنْ فوائدها مِن الناحيةِ المسلكيّةِ : أنّه لا يجوزُ للإنسانِ أنْ يَتَّخِذَ أحدًا مِن الناسِ مَحْبُوبًا كَمَحَبَّةِ الله ، وهذهِ تُسمَّي المحبَّة مَع الله ".( )
وعند تفسيره للآياتِ الدَّالَّةِ على نُزولِ القرآنِ قال :"
ما نستفيدهُ مِن الناحية المسلكيّةِ مِن هذه الآيات :
نستفيد أنّنا إذا عَلِمْنَا أنّ هذا القرآنَ تَكلَّم بهِ رَبُّ العالمينَ ؛ أَوْجَبَ لنا ذلكَ تَعظِيمَ هذا القرآنِ ، واحترامَهُ ، وامتثالَ ما جاءَ فيهِ مِن الأوامـرِ ، وتركَ ما فيهِ مِن المنهيـاتِ والمحذوراتِ ، وتصديقَ ما جاءَ فيهِ مِن الأخبارِ عن الله تعالى وعن مَخلوقاتِهِ السابقةِ واللاحقة ".( )
وكما بَرَزَ هذا الجانبُ في شرحهِ للآياتِ الواردةِ في العقيدة الواسطيّة ؛ فقد تعرّضَ لهُ في تفسيرهِ ، ومِن أمثلته :
عند تفسيره لقولـه تعالى : {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً} (النساء:126)
ذكرَ مِن فوائدها :" إحاطـةُ الله بكلِّ شيءٍ لقولهِ { وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً} ويترتّبُ على هذه الفائدةِ فائدةٌ مَسلكيّةٌ مُهِمّةٌ وهي : أنّكَ إذا عَلِمْتَ إحاطةَ الله بكلِّ شيءٍ خِفْتَ مِنه وخَشِيتَهُ وراقبتهُ ؛ لأنّه مَهْمَا كُنتَ في أيِّ مكانٍ فإنّ الله مُحيطٌ بِكَ ، فإذا آمنتَ بهذا خِفْتَ رَبَّ العالمين المحيط بكلِّ شيءٍ ، وينبني على ذلكَ خَوْفُ الله بالقلبِ ؛ لأنّ الله مُحيطٌ حتّى بقلبكَ .
يتبع إن شاء الله