الثوم والفوم بقلم : أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري

إنضم
04/02/2006
المشاركات
389
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
57
الإقامة
مصر
الموقع الالكتروني
www.aldahereyah.net
قال أبو عبد الرحمن ـ عفا الله عنه ـ : في هذه المقالة بحث شرعي , وبحث لغوي , وبحث طبي لست من أهله إلا أن أكونه منذ أصبحت موضوعا للتطبب .
وخليق أن ابدأ باللغة لأن المعنى اللغوي جزء من التصور , وخليق أن يليه المعنى الطبي لكون الناس إليه أحوج في دنياهم .
وإنما بدأت بالناحية الشرعية لشرفها , ولأن الشرع هو المنطلق في حياة المسلم
1ـ أكل الثوم شرعا :
صح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ـ في صحيح مسلم وسنن أبي داوود ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي ببدر (وهو طبق مستدير كالبدر ) فيه خضرات من بقول .
فوجد عليه الصلاة والسلام لها ريحا , فأخبر بما فيها من البقول , فقال قربوها ـ يعني إلى بعض أصحابه ـ فلما رأه كره أكلها قال : كل فإني أناجي من لا تناجي .
فهذا نص بالإباحة .
وفي حديث أبي أيوب رضي الله عنه .أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أحرام هو ؟ .
فقال عليه الصلاة والسلام : لا ولكني أكرهه .
وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عند مسلم : فلا يقربنا ولا يصلي معنا . وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم : فلا يقربن مسجدنا ولا يؤذينا بريح الـثـوم .
وفي حديث جابر رضي الله عنه عند مسلم : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها , فقال : من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس .
وفي الرواية الأخرى عند مسلم : وليقعد في بيته .
ولا يتعجل متعجل فيقول : نَهْي الرسول صلى الله عليه وسلم أكل الثوم عن غشيان المسجد وارد بعد النهي عن أكل الثوم فيكون مؤكدا لتحريمه ويكون حرمان الأكل من المسجد زيادة عقوبة .
قال أبو عبد ارحمن : يمنع من هذا الوهم التفصيل الوارد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند مسلم قال : لم نَعْدُ أن فتحت خيبر فوقعنا أصحاب رسول الله عليه وسلم في تلك البقلة الثوم والناس جياع فأكلنا منها أكلا شديدا ثم رحنا إلى المسجد , فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الريح فقال : من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا فلا يقربنا في المسجد .
فقال الناس حرمت فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس : إنه ليس لي تحريم ما أحل الله لي ولكنها شجرة أكره ريحها .
وقد يقول قائل : ما لنا نحب شيئا كرهه رسول الله صله الله عليه وسلم ؟ .
فجوابه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سبب الكراهة في حديث جابر بأنه يناجي من لا نناجي .
وبيَّن هذه المناجاة في حديث أبي بأنه يأتيه الوحي .
قال أبو عبد الرحمن : وليس بعد رسول الله عليه وسلم من يأتيه الوحي فيكره الثوم في حقه .
وقد يقول قائل : هذا الثوم الذي أباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم مطبوخ فلعل النيء ليس كذلك لا سيما مع قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : فمن أكلهما فليمتهما طبخا , وصح ذلك عن أنس رضي الله عنه .
قال أبو عبد الرحمن : والجواب من وجوه :
أولها : ليس حديث جابر نص على أنها مطبوخة .
وثانيها : قد يشعر حديث أبي أيوب أن الثوم مطبوخ في طعام .
قال أبو عبد الرحمن : إلا أن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم معلق بالرائحة لا بالنيء أو المطبوخ , وفي حديث أبي أيوب عند مسلم : ولكني اكرهه من أجل ريحه .
وثالثها : أمر عمر رضي الله عنه بإماتتهما طبخا من أجل إذهاب ريحهما من أجل المسجد , وليس تقييداً لإباحة أكلهما مطلقا.
2ـ هل العزلة عن المسجد فقط وعن الـثــوم ؟ .
قال أبو محمد ابن حزم عن أكل الثوم : وله الجلوس في الأسواق والجماعات والأعراس وحيث شاء إلا المساجد لأن النص لم يأت إلا فيها (1) .
ولما ذكر أبو محمد النصوص في منع أكل الثوم والبصل والكراث من المسجد عقب بقوله : لم يمنع عليه السلام من حضور المساجد أحدا غير من ذكرنا ( وما ينطق عن الهوى ) .
( وما كان ربك نسيا ) (2) .
وذهب إلى عكس مذهب ابن حزم النووي فقال : " قال العلماء : ويلحق بالثوم والبصل والكراث كل ماله رائحة كريهة من المأكولات وغيرها .
قال القاضي : ويلحق به من أكل فجلاً وكان يتجشأ .
قال : وقال ابن المرابط ويلحق به من بخر في فيه أوبه جرح له رائحة .
قال القاضي : وقاس العلماء على هذا مجامع الصلاة غير المسجد كمصلى العيد والجنائز ونحوها من مجامع العبادات وكذا مجامع العلم والذكر والولائم ونحوها .
ولا يلتحق بها الأسواق " (2) .
قال أبو عبد الرحمن : أميل إلى ما ذكره النووي إلا أن ذلك ليس قياسا بل هو نص لأنه في الحالة الأولى ـ وهي الأماكن التي يعتزلها أكل الثوم ـ قال صلى الله عليه وسلم : فلا يقربنا .
وقال : ولا يؤذينا .
وقال : وليقعد في بيته .
فهذا يقتضي اعتزال تجمعات المسلمين .
وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في صحيح مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله وسلم مر على زراعة بصل هو وأصحابه رضي الله عنهم فنزل ناس منهم فأكلوا منه ولم يأكل آخرون .
قال أبو سعيد : فرحنا إليه فدعا الذين لم يأكلوا البصل وأخر الآخرين حتى ذهب ريحها .
فليس في هذا الحديث نص على أنه عزلهم عن المسجد فحسب , بل الحديث عام لعزلهم حضور مجلسه صلى الله عليه وسلم .
قال أبو عبد الرحمن : ويختلف المسجد عن بقية المجمعات لأن الإخراج من المسجد واجب من أجل تأذٍّي الملائكة عليهم السلام فذلك حقهم ولا نملك نحن البشر إسقاطه .
أما التجمعات فالحق فيها للبشر فإذا رضي أصحاب التجمع بحضور أكل الثوم فلا بأس لأن ذلك حقهم وقد أسقطوه .
ولا أعلم مسوغا لا ستثناء السوق إلا الضرورة إذا وجدت , فإذا كان مضطرا لحضور السوق لحاجة ماسة فله ذلك بقدر ضرورته .
وأما الحالة الثانية وهي الروائح الكريهة غير الثوم والبصل والكراث فإن في النص إيماء إليها وذلك هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بصحيح مسلم : فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإ نس .
كما أن الأذى للإنس والملائكة يمنع منه ويزال .
ولكن ليست كل رائحة تفوّت بها الجماعة وتقتضي اعتزال المسجد , بل تزول بالغسل والسواك والطيب في وقت وجيز قبل حلول الفريضة .
ومن أقبح الروائح في المسجد رائحة من بلي بدخان أو مسكر فهذا يتعهد نفسه بالتوبة حتى يقلع , ويتعهد فمه وأنامله وما عرق عليه جلده من لباس فيغسله ويطيبه ويستاك
3ـ التعارض بين المباح والواجب :
قال أبو عبدالرحمن : صلاة الجماعة واجبة ، بل هي شرط عند أهل الظاهر .
وأكل الثوم مباح ، ويترتب على أكله المباح ترك الجماعة الواجبة إلى أن تذهب ريحه .
والواجب مقدم على المباح .
وبهذا التقديم تتحدد إباحة كل الثوم في التالي :
1ـ في حالة يكون فيها من أهل الأعذار المباح لهم التخلف عن الجماعة .
ومن كان معذوراً عن شهود الجماعة ظهرا ويزول عذره بعد العصر فهو غير معذور بأكل الثوم لأن ريحه لا تذهب بعد العصر .
2ـ أن يكون معذوراً بأكله الثوم تطبباً .
أما من يرتب أكل الثوم يومياً وقاية من دون أن يوجبه له طبيب فهذا عازم إما على ترك الجماعة إلى الأبد وإما عازم على ارتكاب النهي إن صلى في المساجد جماعة .
3ـ أن يميت الثوم طبخاً ، أو توجد حيلة عملية في إذهاب رائحته بإطلاق ، أو توجد حيلة في إذهاب رائحته في وقت قصير كما بين العشاء إلى الفجر ، لأن غاية التحريم ذهاب رائحته .
وقد ذكر المختصون طرقا لإذهاب الرائحة لم أجربها كلها بعد .
4ـ أن يكون مضطرا إلى أكله من جوع .
ومدار الأمر إما على كونه معذورا عن شهود الجماعة , وإما على كونه معذورا في أكل الثوم
4ـ ظواهر محرجة :
عزا القرطبي إلى بعض أهل الظاهر تحريم أصل البصل والثوم , لأن ما منع من إتيان الفرض والقيام به فحرام عمله والتشاغل به , ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفه بالخبث والله عز وجل قد وصف نبيه عليه السلام بأنه يحرم الخبائث .
ورد عليهم القرطبي بالأدلة على إباحته , وهي النصوص التي ذكرتها آنفا (4) .
ولم يناقش استدلالهم أنفسهم .
قال أبو عبد الرجمن : ليس هذا مذهب جميع أهل الظاهر , وقد نص ابن حزم في كتاب الأطعمة أن الثوم والبصل والكراث حلال (5) .
فلعل الخلاف الذي ذكره القرطبي عن واحد منهم من أهل الظاهر في المشرق قبل ابن حزم ، أو من أهل الظاهر في المغرب الذين جاؤوا بعده في دولة الموحدين (6) .
وقد ذكر أبو محمد التحريم عن غير أهل الظاهر فقال :
وروينا عن علي بن أبي طالب وشريك بن حنبل من التابعين تحريم الثوم النيء (7) .
ثم قال أبو محمد : ليس حراماً لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباحه في الأخبار المذكورة .
قال أبو عبدالرحمن : الأخبار المذكورة هي قوله صلى الله عليه وسلم : من أكل من هذه الشجرة ـ يعني الثوم ـ فلا يقربن المساجد .
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإخراج من وجد منه ريح البصل والثوم .
وقوله صلى الله عليه وسلم : من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم (8) .
قال أبو عبد الرحمن : ليس في هذه النصوص إباحة للثوم والبصل تنسجم مع أصول أبي محمد في الأخذ بالنصوص بالظاهر .
وإنما نصوص الإباحة المناسبة لظاهريته رحمه الله نصوص أخرى لم يذكرها وأسلفت الحديث عنها آنفا .
وأما استدلال من حكي القرطبي قولهم من أهل الظاهر بأن ما منع من إتيان الفرض فحرام عمله فهو استدلال بأصل صحيح في ذاته ولولا ورود البراهين الأخرى بإباحة أكل الثوم لكان محرماً على كل من وجبت عليه الصلاة جماعة في المسجد .
وأما الاستدلال بتحريم الخبائث وأن الثوم من الخبائث فليس على إطلاقه في الثوم لأنه ورد النص بأن الخبيث رائحته فحسب , وورد في النص " المنتنة " في وصف شجرة الثوم بدل الوصف بالخبيثة , وورد النص بأن المحرم رائحة الثوم في المسجد فحسب .
ومن الظواهر قول أبي محمد ابن حزم عن أكل الثوم والبصل : فإن صلى في المسجد كذلك فلا صلاة له (9) .
قال أبو عبد الرحمن : ولم يذكر أبو محمد له دليلا على بطلان الصلاة , وإبطاله رحمه الله للصلاة زيادة منه على النص , لأن الوارد في النص إنما هو النهي عن دخول أكل الثوم والبصل في المسجد , والأمر بإخراجه , وأنه أساء إلى ملائكة الرحمان بما يتأذون منه وكل هذه أحكام غير حكم إبطال الصلاة , فعلى من قال ببطلانها الدليل .
قال أبو عبد الرحمن : ولا يشغبن شاغب فيقول أليست الملائكة في البيت ومع المصلي وحده في بيته ؟
فالجواب أن الشرع فرق لا نسوي بآرائنا , ولا يعلم كنه الملائكة وكيفية حضورهم في المساجد والبيوت إلا الله ثم من أعلمه الله بكنههم
فلعل لهم في المساجد خصوصية حضور يتأذون بها , أو لعل من يحضرون المساجد من الملائكة لهم خصوصية خلقة فلا نقف ما ليس لنا به علم .
ومن الظواهر أن أبا محمد سيحمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلا يقربن مسجدنا " على مسجده النبوي بالمدينة لو قال : مسجدنا هذا (10) .
ولكنه لما قال مسجدنا كان مخبرا عن المسلمين (11) .
قال أبو عبد الرحمن : لو قال " مسجدنا هذا " لوجب حمله على الخصوص كما قال أبو محمد ما لم يقم دليل آخر ينفي الخصوص .
وقد ورد ما ينفي الخصوص وهو قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في صحيح مسلم : فلا يقربن المساجد .
5 ـ حواشي :
(1)المحلى 6/120 دار الكتب العلمية .
(2)المحلى 2/368 .
(3)شرح النووي لمسلم 5/48
(4) تفسير القرطبي 1/426 .
(5)المحلى 6 /120 .
(6)من العجيب ـ وهو عدم تحقيق ـ أن القاضي عزا ذلك لجميع أهل الظاهر كما في شرح النووي لمسلم ص 5 /48 .
(7)في مجمع الزوائد 5 /49 : سئل أبو الدرداء رضي الله عنه عن الكراث والبصل فقال : لست أكلا بصلا بعدما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
رواه الطبراني وفيه صدقة بن عبد الله السمين وثقه دحيم وأبو حاتم وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات .
(8)المحلى 2/368 .
(9)المحلى 2 367
(10)حكى القاضي عياض ـ كما في شرح النووي 5 /18 ـ عن بعض العلماء أن النهي خاص بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم .
(11)ـ المحلى 2 /368 .
وكتبه لكم :
أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري
 
قال أبو عبد الرحمن : ولم يذكر أبو محمد له دليلا على بطلان الصلاة , وإبطاله رحمه الله للصلاة زيادة منه على النص , لأن الوارد في النص إنما هو النهي عن دخول أكل الثوم والبصل في المسجد , والأمر بإخراجه , وأنه أساء إلى ملائكة الرحمان بما يتأذون منه وكل هذه أحكام غير حكم إبطال الصلاة , فعلى من قال ببطلانها الدليل .
أظن أن بطلانها لأنه صلى خلاف ما أمر وعليه فإن من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ..والله أعلم
 
عودة
أعلى