بسم الله الرّحمن الرّحيم
التعريف بسورة الأحزاب ومحاولة تجميع موضوعاتها
هي سورة مدنية ، من المثاني ، آياتها ثلاث وسبعون آية ، ترتيبها في عداد نزول القرآن الكريم التسعين ، وترتيبها في المصحف الثالثة والثلاثين ، بدايتها في نهاية الجزء الحادي والعشرين وتتمتها في الجزء الثاني والعشرين نزلت بعد سورة آل عمران ، وقيل : بعد سورة الأنفال ، ونزلت قبل سورة المائدة ، كان طولها بطول سورة البقرة ، ثم نُسخ منها ما شاء الله سبحانه وتعالى ، تبدأ بأسلوب النّداء يا أيها النبيّ .
مناسبة السّورة لما قبلها :
" ومناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها – سورة السجدة - واضحة ، وهو أنه حكى أنهم يستعجلون الفتح ، وهو الفصل بينهم ، وأخبر تعالى أنه يوم الفتح لا ينفعهم إيمانهم ، فأمره في أول هذه السورة بتقوى الله ، ونهاه عن طاعة الكفار والمنافقين فيما أرادوا به " "التفسير الكبير " .
سبب نزول السورة :
نزلت في المنافقين وإيذائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وطعنهم فيه وفي مناكحته وغيرها . " القرطبي "
مما أوذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم مما وجد في هذه السّورة :
مستخلص من أسباب النّزول ، ومبنيّ على عموم إيذاء الكافرين والمنافقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وورد ذِكر مثله في هذه السّورة مما يساعد في تجميع مواضيع السّورة :
1- إيذاء أهل مكة له حينما طلبوا منه أن يرجع عن دينه ويعطوه شطر أموالهم ويزوجوه وإلّا سيقتلوه – وهذا في الآية الأولى - وطلبهم هذا فيه إيذاء له لأن توحيد الله هو أحب شيء إليه صلى الله عليه وسلم ، وتهديهم له بالقتل هذا تعدٍ على نفسه صلى الله عليه وسلم ، وهذا إيذاء . والله أعلم .
2- الإيذاء الثاني في الآية الثالثة حينما قالوا أن لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم قلبين في جوفه – وهو افتراء عليه صلى الله عليه وسلم .
3- الإيذاء الثالث : حينما تحزّبت الأحزاب ضده وضد المسلمين لاستئصال شأفتهم وذلك في موضع ذكر قصة هذه الغزوة من السّورة .
4- الإيذاء الرابع : كان من زوجاته - صلى الله عليه وسلم - حينما طالبنه بالنفقة ، وقيل آذينه بغيرة بعضهنّ من بعض ، فنزل قوله تعالى يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكنّ وأسرحكنّ سراحًا جميلًا " "29".
5- الإيذاء الخامس : " حينما طعن المنافقون في مناكحته - صلى الله عليه وسلّم - حينما تزوج زوجة متبنّاه زيد بن حارثة،فذكر الله تعالى أن هذا أمر مفعول من عنده سبحانه، وأن هذا حق وأنّ التبنّي هو الباطل ، وكان سيدنا محمد القدوة للمسلمين في ابطال عادة التبني وذلك عن طريق زواجه من زوجة متبنّاه ، كما في الآية 37
6- الإيذاء السّادس : حينما كانوا يطيلون المكوث في بيته صلى الله عليه وسلم بعد يُطعَموا كما في الآية 53
7- آذوه بإيذائهم المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا كما في الآية 57 فالنبي عزيز عليه ما يشق على المؤمنين ، حريص عليهم ، وهو بهم رؤوف رحيم .
8- الإيذاء الثامن : آذاه المنافقون بإشاعتهم الأخبار الكاذبة وتثبيطهم الناس كما في الآية 60
9- الإيذاء التّاسع : إيذائهم له بسؤالهم عن الساعة كما في الآية " 36" لأن عادتهم في سؤالهم هذا أنّهم يسألون سؤال مُستعجل أو مُختبر ، فالمشركون يسأَلُون عن ذَلك استعجالًا لها ، لأَنّهم يستَبعدون وقوعها ، واليهود يسأَلون عنها اختبارًا للرَّسول، وهل سيردّ أَمرها إِلى الله كَما جاء في التَّوراة، أَم أَنَّه سيقُول غير ذَلك ." مكتبة الشاملة "
أمور أبطلتها سورة الأحزاب ، وأمور نسختها ، وأمور نفتها :
1- أبطلت السّورة وجود قلبين لرجل واحد في جوفه ، فهذا محال .
2- أبطلت عادة الظّهار ، ونفت أنّ الزوجة تصير أمًا بذلك . فهذا مستحيل كاستحالة وجود قلبين لرجل في جوفه .
3- أبطلت عادة التبنّي ، ونفت أن يصبح الولد الدّعي – المُتبنّى - ابنا حقيقيًا أوأن يصبح بذلك له أبوان . فهذا مستحيل كاستحالة وجود قلبين لرجل واحد في جوفه .
4- نسخت هذه السورة التوارث بالهجرة أو التوارث بالولاء .
5- نفت أرث الكافر من المسلم وأنه لم يكن في أيّ من الشرائع .
6- نفت الخِيَرة لأي من المؤمنين في أمورهم إذا قضى الله ورسوله في هذا الأمر .
7- نفت أن يكون سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أبًا لأحد من الرجال في الحقيقة ، وإنما هو أبو أمّته في التّبجيل والتعظيم .
من الأمور التي قرّرتها سورة الأحزاب :
مستخلص من السّورة ، ومن ثمّ الرّجوع إلى كتب التفسير لتأكيد بعض ما استُخلص ببعض الجمل التي أوردها المفسرون :
1- قررت سورة الأحزاب أن الله - جل وعلا - كامل في صفاته ذو الأسماء الحسنى ، وذلك من خلال خواتيم الآيات " رؤوس الآي " من ذلك قوله تعالى " إنّ الله كان عليمًا حكيمًا " " إنّ الله كان بما تعملون خبيرًا " ، وكما قررت أن الله هو المهيمن وأنّ الأمر كله إليه " وكان أمر الله مفعولا " وأنّ لا أحد يخرج عن قبضته ، وأن لا عاصم من الله إلا هو ، ولا ولي ولا نصير من دونه سبحانه وتعالى " قل من ذا الذي يعصمكم من الله " وغير ذلك .
ومن كانت هذه صفاته فهو أهل لأن يعبد وحده فلا يُشرك معه أحد ، وهو أهل لأن يُطاع فلا يُعصى .
2- أنّ الأب هو الوالد الحقيقي ، وأنّ الولد يُنسب إليه " ادعوهم لآبائهم " .
3- أنّ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فهو أرأف بهم وأنفع لهم .
4- أنّ أزواج النّبي- صلى الله عليه وسلّم - هنّ أمهات للمؤمنين ، فهنّ مثل أمهاتهم في تحريم نكاحكنّ ، وفي تعظيم حرمتهنّ وتوقيرهنّ .
5- أن التوارث لا يكون إلّا بالقرابة .
6- الإحسان إلى غير القريب من المسلمين في الدّنيا ، وكذا جواز الوصيّة له " إلّا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفًا " .
7- جواز الإحسان إلى غير المسلم في الحياة الدّنيا ، وكما تجوز له الوصيّة عند الموت . فهذا شيء يختلف عن التوارث . " إلّا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفًا " قال محمد ابن الحنفية " فالمشرك ولي في النّسب لا في الدّين فيوصى له بوصيّة ".
8- أنّ نساء المؤمنين - زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلّم - لسن كأحد من النساء ، فهن يفُقنّ غيرهنّ من النساء في الفضل والشّرف .
قال القرطبي " لِمَا منحهنّ الله من صحبة الرسول الله صلى الله عليه وسلّم وعظيم الشرف ونزول القرآن في حقهنّ " .
9- قررت السّورة أنّ لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلّم - مكانة عظيمة عند الله - جل وعلا – وذلك من خلال قوله تعالى " إن الله وملائكته يصلون على النبيّ " .
10 أنّ من يَنْسب إلى المؤمنين والمؤمنات من النّقيصة ما هم بُرءاءُ منه فهذا بهتان وإثم مبين .
11- أنّ الجلباب هو لباس العفيفات ، وأنّ ستر المرأة نفسها بالجلباب يحميها من أذى الفسّاق ، وأنّ على المرأة أخذ الأسباب لصيانة نفسها . " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين " .
12- أنّ تثبيط الهمم وإشاعة الأخبار الكاذبة من أفعال المنافقين وعلى المسلم أن يبتعد عن هذه الأفعال . " لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينّك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلًا .
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
إن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمني ومن الشّيطان .