ناصر عبد الغفور
Member
بسم1
التوحيد في القرآن الكريم (1)
التوحيد في القرآن الكريم (1)
بادئ ذي بدءٍ، أشير إلى أن التوحيدليس موضوعًا كباقي الموضوعات التي عالجتها بعض آيات القرآن أو سوره، بل القرآن كلهمِن ألفِه إلى يائه كتاب توحيد وعقيدة؛ فآياته كلها وسُوَره تتحدث عن موضوعالتوحيد، وأما التقسيم الذي قال به بعضُ أهل العلم من أن القرآن ينقسم إلى ثلاثةأقسام: توحيد وأخبار وأحكام، فهذه الأقسام عند التحقيق كلها تعود إلى التوحيد.
بيان ذلك: أن الأخبارَ في القرآن إما أخبار عن الله -تعالى- وأسمائه وصفاته،فهذا يدخل في التوحيد، أو أخبار عن الأمم الماضية وقصصهم مع أنبيائهم والصراعالدائر حول توحيد الألوهية، وإما أخبار عن أمور الساعة والجنة والنار، وهذا يدخلفي جزاء التوحيد، وأما الأحكام فهي من لوازم التوحيد؛ لأنه لا يمكن أن يحقِّقَ هذهالأحكامَ إلا مَن حقق التوحيد، فهو الأس والأساس.إذًا؛ فالحق أن القرآن كلَّه يتحدثعن التوحيد، وما ذاك إلا لعِظَم شأن التوحيد وأهميته والحاجة الماسة إليه.فمن رحمته - سبحانه وتعالى - أنهكلما عظُمت الحاجة لشيء تعددت أساليب نيله والوصول إليه؛ فمثلاً لما كانت حاجةالناس إلى الهواء أكثرَ مِن حاجتهم إلى الماء، كانت سُبل تحصيله أيسَرَ وأكثر،ولما كانت حاجة الناس إلى الماء أعظمَ من حاجتهم إلى الطعام، كانت سبل تحصيله كذلكأيسرَ من تحصيل الطعام، وهكذا، ولا شك أن حاجةَ الناس إلى التوحيد أعظمُ الحاجات،بل أعظمُ من حاجتهم إلى الماء والهواء، وكيف لا وتحقيقه هو سبب فلاحهم فيالدارين، وعليه تتوقف حياتهم الحقيقية، حياة الروح والقلب، وبقدر تحقيقه يكونُالأمن في الدنيا والآخرة؟!
ولما كانت الحاجة إلى التوحيد أعظمَ،كانت سبلُ معرفته أيسرَ، والدلائل عليه أكثر؛ لذلك كان القرآن - كما سلف - كتابتوحيد من أوله إلى آخره، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى-: "إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه؛ فإنالقرآنَ إما خبَرٌ عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العِلمي الخبري،وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلعِ كل ما يُعبَد من دونه، فهو التوحيدالإرادي الطَّلبي، وإما أمر أو نهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره، فهي حقوقُالتوحيد ومكملاته، وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعَل بهم فيالدنيا، وما يُكرِمهم به في الآخرة، فهو جزاءُ توحيده، وإما خبر عن أهل الشِّرك،وما فعَل بهم في الدنيا من النَّكال، وما يحلُّ بهم في العقبى من العذاب، فهو خبرٌعمن خرَج عن حُكم التوحيد؛ فالقرآن كله في التوحيد، وحقوقِه وجزائه، وفي شأن الشِّركِ وأهله وجزائهم"؛ - مدارج السالكين: 3/450-.
وقد عدَّ بعضُ أهل العلم التوحيدَوالدعوة إليه من كليات القرآن الكريم؛ يقول الشيخ عبدُ الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله تعالى - في مقدمة تفسيره: "ومن كليات القرآن أنه يدعو إلى توحيدالله ومعرفته، بذكر أسماء الله، وأوصافه، وأفعاله الدالة على تفرُّده بالوحدانية،وأوصاف الكمال، وإلى أنه الحقُّ، وعبادته هي الحق، وأن ما يدعون من دونه هوالباطل، ويبين نقص كل ما عُبِد من دون الله من جميع الوجوه".- تيسير الكريمالرحمن-.
فالتوحيد أوجب الواجبات، وتحقيقُهغاية الغايات؛ كما قال حافظ الحكمي - رحمه الله تعالى -:
بيان ذلك: أن الأخبارَ في القرآن إما أخبار عن الله -تعالى- وأسمائه وصفاته،فهذا يدخل في التوحيد، أو أخبار عن الأمم الماضية وقصصهم مع أنبيائهم والصراعالدائر حول توحيد الألوهية، وإما أخبار عن أمور الساعة والجنة والنار، وهذا يدخلفي جزاء التوحيد، وأما الأحكام فهي من لوازم التوحيد؛ لأنه لا يمكن أن يحقِّقَ هذهالأحكامَ إلا مَن حقق التوحيد، فهو الأس والأساس.إذًا؛ فالحق أن القرآن كلَّه يتحدثعن التوحيد، وما ذاك إلا لعِظَم شأن التوحيد وأهميته والحاجة الماسة إليه.فمن رحمته - سبحانه وتعالى - أنهكلما عظُمت الحاجة لشيء تعددت أساليب نيله والوصول إليه؛ فمثلاً لما كانت حاجةالناس إلى الهواء أكثرَ مِن حاجتهم إلى الماء، كانت سُبل تحصيله أيسَرَ وأكثر،ولما كانت حاجة الناس إلى الماء أعظمَ من حاجتهم إلى الطعام، كانت سبل تحصيله كذلكأيسرَ من تحصيل الطعام، وهكذا، ولا شك أن حاجةَ الناس إلى التوحيد أعظمُ الحاجات،بل أعظمُ من حاجتهم إلى الماء والهواء، وكيف لا وتحقيقه هو سبب فلاحهم فيالدارين، وعليه تتوقف حياتهم الحقيقية، حياة الروح والقلب، وبقدر تحقيقه يكونُالأمن في الدنيا والآخرة؟!
ولما كانت الحاجة إلى التوحيد أعظمَ،كانت سبلُ معرفته أيسرَ، والدلائل عليه أكثر؛ لذلك كان القرآن - كما سلف - كتابتوحيد من أوله إلى آخره، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى-: "إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه؛ فإنالقرآنَ إما خبَرٌ عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العِلمي الخبري،وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلعِ كل ما يُعبَد من دونه، فهو التوحيدالإرادي الطَّلبي، وإما أمر أو نهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره، فهي حقوقُالتوحيد ومكملاته، وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعَل بهم فيالدنيا، وما يُكرِمهم به في الآخرة، فهو جزاءُ توحيده، وإما خبر عن أهل الشِّرك،وما فعَل بهم في الدنيا من النَّكال، وما يحلُّ بهم في العقبى من العذاب، فهو خبرٌعمن خرَج عن حُكم التوحيد؛ فالقرآن كله في التوحيد، وحقوقِه وجزائه، وفي شأن الشِّركِ وأهله وجزائهم"؛ - مدارج السالكين: 3/450-.
وقد عدَّ بعضُ أهل العلم التوحيدَوالدعوة إليه من كليات القرآن الكريم؛ يقول الشيخ عبدُ الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله تعالى - في مقدمة تفسيره: "ومن كليات القرآن أنه يدعو إلى توحيدالله ومعرفته، بذكر أسماء الله، وأوصافه، وأفعاله الدالة على تفرُّده بالوحدانية،وأوصاف الكمال، وإلى أنه الحقُّ، وعبادته هي الحق، وأن ما يدعون من دونه هوالباطل، ويبين نقص كل ما عُبِد من دون الله من جميع الوجوه".- تيسير الكريمالرحمن-.
فالتوحيد أوجب الواجبات، وتحقيقُهغاية الغايات؛ كما قال حافظ الحكمي - رحمه الله تعالى -:
[TABLE="class: MsoNormalTable"]
[TR]
[TD]
[/TR]
[/TABLE]
[TR]
[TD]
أول واجبٍ على العبيدِ
معرفةُ الرَّحمن بالتوحيدِ
إذ هو مِن كلِّ الأوامر أعظمُ
وهو نوعانِ أيَا مَن يفهَمُ
[/TD][/TR]
[/TABLE]
-سلم الوصول إلى علم الأصول-.
فهو الغايةُ من خَلْق الخَلْق، ومنأجله خُلقت الجنة والنار، ومن أجله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، وبه ينقسم الناسُإلى أبرار وفجَّار، وبه يختلف مصيرُهم في دار القرار، فريق في نعيمٍ مقيمٍ، وآخريَصْلَى نار الجحيم.ولما كان التوحيد بهذا الشأن، فقدعالجه القرآنُ الكريم أعظمَ معالجة، بل إن كل آية - على التحقيق - تدخُل في هذه المعالجة لهذا الموضوع الجَلَل، وقد اختلفت درجةُ هذه المعالجة وحِدَّتها بحسبأحوال الناس؛ لذلك نجد موضوعَ التوحيد في القرآن المكي أبرزَ منه في القرآنالمدني، وهذا أحدُ الفروق بين هذين القسمين: المكي والمدَني: فالأول يتميز بالدعوةإلى التوحيد، وذِكر أمور البعث والحشر، والجنة والنار، في حين أن الثاني يتميَّزُبذِكر آيات الأحكام والفرائض والحدود، وهذه من لوازم التوحيد.
وقد أفاض القرآن الكريم في مناقشة موضوع التوحيد من وجوه شتى، وجوانب عدة، وهذا ما سنبيِّنه - إن شاء الله تعالى -بشيء من التفصيل:
-1- بيان القرآن أن الغايةَ من خَلْق الخَلْق هي توحيده - سبحانه-:
قال -تعالى-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، وهذا أسلوب من أقوىأساليب الحصر والقصر، وهو النفي مع الاستثناء، واللام للتعليل؛ فالغاية من خلقالثَّقَلين هي عبادته - سبحانه، وأسُّ العبادةِ التوحيدُ والاعتقاد الصحيح، بل كماذكر شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله تعالى - في مسائله في كتاب التوحيد: "التوحيدُ هو العبادة"؛ "أي إنالعبادة مبنية على التوحيد، فكل عبادة لا توحيد فيها ليست بعبادةٍ، لا سيما أن بعضالسلف فسروا قوله -تعالى-: ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾: إلا ليوحِّدونِ.-القول المفيد على كتاب التوحيد: ص 366-فالله -تعالى- لم يخلُقْنا عبثًا ولاسدًى، ولم يتركنا هملاً؛ كما قال -تعالى-: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْإِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: 115]، بل خلَقنا لأمرٍجلل، وغاية عظيمة، ووظيفة جسيمة، وهي توحيده - سبحانه.
-2 - بيان القرآن للميثاق العظيم الذي أخَذه الله -تعالى- على عباده وهم في عالم الذرِّ لتوحيده - جل في علاه -:
قال -تعالى-: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوابَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَاغَافِلِينَ*أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَافَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: 172، 173]، وقد اختلف أهلالعلم في المراد بهذا الميثاق، فمنهم من فسَّره بالفطرة، وهو ما جنَح إليهالشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره،والشيخ محمد رشيد رضا في منارِه، ومنهم من فسَّره بأنه ميثاق حقيقي، وأن الله-تعالى- مسَح فعلاً ظهر آدم واستخرج ذريته، وأشهَدهم على ألوهيته وتوحيده، فشهدواعلى ذلك مُقرِّين، وهذا هو الراجح؛ لظاهر الآية الكريمة، وللأحاديث الثابتة في ذلك.قال الحافظ ابن كثير: وقد وردتأحاديثُ في أخذ الذرية من صُلْب آدم - عليه السلام - وتمييزهم إلى أصحاب اليمينوأصحاب الشمال، وفي بعضها الاستشهادُ عليهم بأنه ربهم. -عمدة التفسير عن الحافظابن كثير: 72-.
ومن هذه الأحاديث ما رواه الشيخان عنأنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يقال للرجل منأهل النار يوم القيامة: أرأيتَ لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديًا به؟قال: فيقول: نعم، فيقول: قد أردتُ منك أهونَ من ذلك، قد أخذتُ عليك في ظهر آدمَألا تشرك بي شيئًا، فأبَيْتَ إلا أن تُشرِكَ بي)).وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -مرفوعًا - ومنهم من رواه موقوفًا - قال: ((إن الله أخَذ الميثاق من ظهر آدم - عليهالسلام - بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صُلبه كل ذرية ذرها فنثرها بين يديه، ثم كلَّمهمقبلاً، قال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: 172] إلى قوله: ﴿الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: 173]؛ رواه ابن جرير فيتفسيره مرفوعًا، وابن أبي حاتم موقوفًا، وممن رواه مرفوعًا الإمام أحمد في مسنده،وقد صححه الشيخ الألباني - رحمه الله تعالى - مرفوعًا في الجامع الصحيح، رقم(1701) وفي مشكاة المصابيح.
قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله تعالى - في تحقيقه لتفسير ابن كثير: "والرفع زيادة من ثقة، فهي مقبولة"-عمدةالتفسير: 73-.
قال الإمام ابن القيم - رحمه اللهتعالى - في كتاب الروح ما خلاصته: "إن الله - سبحانه - استخرَج صُوَر البشروأمثالهم، فميَّز شقيَّهم وسعيدَهم، ومعافاهم من مبتليهم، والآثار متظاهرة بهمرفوعة، وإن اللهَ أقام عليهم الحجَّة حينئذ، وأشهَدهم بربوبيته، واستشهد عليهمملائكتَه، كما تدلُّ على ذلك الآية"؛ -نقلاً من تفسير المراغي: (433/3)، دارالكتب العلمية-.
-3- بيان القرآن الكريم لوظيفة الرسل وأنها الدعوة إلى التوحيد:
تعتبر الدعوة إلى التوحيد زبدة رسالات الأنبياء والرسل من لدن نوح - عليه السلام - إلى خاتمهم رسول الله -صلىالله عليه وسلم- فما من أحدٍ منهم إلا أرسل أولاً قبل كل شيء بالدعوة إلى توحيدِالله؛ كما قال - جل وعلا -: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوااللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36]، بل كل واحد منهم كانيفتتح دعوتَه بالتوحيد؛ كما قال -تعالى-: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِيإِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال -تعالى-: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَاأَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [الزخرف: 45]، وقال -تعالى- لرسوله-صلى الله عليه وسلم-: ﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌفَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [الأنبياء: 1088].يقول الحافظ ابن كثير - رحمه اللهتعالى -: "فكل نبيٍّ بعَثه الله يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له،والفطرة شاهدة بذلك أيضًا، والمشركون لا برهانَ لهم، وحجَّتُهم داحضة عند ربهم،وعليهم غضب، ولهم عذاب شديد"؛ تفسير ابن كثير.فالتوحيد كان أساس دعوة الرسل، وهورأس الوحي، وقد صحَّ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((خيرُ الدعاءدعاءُ يوم عرفة، وخير ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريكله))؛ رواه الترمذي.- وهو في صحيحه: 2837-.
يتبع إن شاء الله تعالى.
فهو الغايةُ من خَلْق الخَلْق، ومنأجله خُلقت الجنة والنار، ومن أجله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، وبه ينقسم الناسُإلى أبرار وفجَّار، وبه يختلف مصيرُهم في دار القرار، فريق في نعيمٍ مقيمٍ، وآخريَصْلَى نار الجحيم.ولما كان التوحيد بهذا الشأن، فقدعالجه القرآنُ الكريم أعظمَ معالجة، بل إن كل آية - على التحقيق - تدخُل في هذه المعالجة لهذا الموضوع الجَلَل، وقد اختلفت درجةُ هذه المعالجة وحِدَّتها بحسبأحوال الناس؛ لذلك نجد موضوعَ التوحيد في القرآن المكي أبرزَ منه في القرآنالمدني، وهذا أحدُ الفروق بين هذين القسمين: المكي والمدَني: فالأول يتميز بالدعوةإلى التوحيد، وذِكر أمور البعث والحشر، والجنة والنار، في حين أن الثاني يتميَّزُبذِكر آيات الأحكام والفرائض والحدود، وهذه من لوازم التوحيد.
وقد أفاض القرآن الكريم في مناقشة موضوع التوحيد من وجوه شتى، وجوانب عدة، وهذا ما سنبيِّنه - إن شاء الله تعالى -بشيء من التفصيل:
-1- بيان القرآن أن الغايةَ من خَلْق الخَلْق هي توحيده - سبحانه-:
قال -تعالى-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، وهذا أسلوب من أقوىأساليب الحصر والقصر، وهو النفي مع الاستثناء، واللام للتعليل؛ فالغاية من خلقالثَّقَلين هي عبادته - سبحانه، وأسُّ العبادةِ التوحيدُ والاعتقاد الصحيح، بل كماذكر شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله تعالى - في مسائله في كتاب التوحيد: "التوحيدُ هو العبادة"؛ "أي إنالعبادة مبنية على التوحيد، فكل عبادة لا توحيد فيها ليست بعبادةٍ، لا سيما أن بعضالسلف فسروا قوله -تعالى-: ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾: إلا ليوحِّدونِ.-القول المفيد على كتاب التوحيد: ص 366-فالله -تعالى- لم يخلُقْنا عبثًا ولاسدًى، ولم يتركنا هملاً؛ كما قال -تعالى-: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْإِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: 115]، بل خلَقنا لأمرٍجلل، وغاية عظيمة، ووظيفة جسيمة، وهي توحيده - سبحانه.
-2 - بيان القرآن للميثاق العظيم الذي أخَذه الله -تعالى- على عباده وهم في عالم الذرِّ لتوحيده - جل في علاه -:
قال -تعالى-: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوابَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَاغَافِلِينَ*أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَافَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: 172، 173]، وقد اختلف أهلالعلم في المراد بهذا الميثاق، فمنهم من فسَّره بالفطرة، وهو ما جنَح إليهالشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره،والشيخ محمد رشيد رضا في منارِه، ومنهم من فسَّره بأنه ميثاق حقيقي، وأن الله-تعالى- مسَح فعلاً ظهر آدم واستخرج ذريته، وأشهَدهم على ألوهيته وتوحيده، فشهدواعلى ذلك مُقرِّين، وهذا هو الراجح؛ لظاهر الآية الكريمة، وللأحاديث الثابتة في ذلك.قال الحافظ ابن كثير: وقد وردتأحاديثُ في أخذ الذرية من صُلْب آدم - عليه السلام - وتمييزهم إلى أصحاب اليمينوأصحاب الشمال، وفي بعضها الاستشهادُ عليهم بأنه ربهم. -عمدة التفسير عن الحافظابن كثير: 72-.
ومن هذه الأحاديث ما رواه الشيخان عنأنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يقال للرجل منأهل النار يوم القيامة: أرأيتَ لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديًا به؟قال: فيقول: نعم، فيقول: قد أردتُ منك أهونَ من ذلك، قد أخذتُ عليك في ظهر آدمَألا تشرك بي شيئًا، فأبَيْتَ إلا أن تُشرِكَ بي)).وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -مرفوعًا - ومنهم من رواه موقوفًا - قال: ((إن الله أخَذ الميثاق من ظهر آدم - عليهالسلام - بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صُلبه كل ذرية ذرها فنثرها بين يديه، ثم كلَّمهمقبلاً، قال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: 172] إلى قوله: ﴿الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: 173]؛ رواه ابن جرير فيتفسيره مرفوعًا، وابن أبي حاتم موقوفًا، وممن رواه مرفوعًا الإمام أحمد في مسنده،وقد صححه الشيخ الألباني - رحمه الله تعالى - مرفوعًا في الجامع الصحيح، رقم(1701) وفي مشكاة المصابيح.
قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله تعالى - في تحقيقه لتفسير ابن كثير: "والرفع زيادة من ثقة، فهي مقبولة"-عمدةالتفسير: 73-.
قال الإمام ابن القيم - رحمه اللهتعالى - في كتاب الروح ما خلاصته: "إن الله - سبحانه - استخرَج صُوَر البشروأمثالهم، فميَّز شقيَّهم وسعيدَهم، ومعافاهم من مبتليهم، والآثار متظاهرة بهمرفوعة، وإن اللهَ أقام عليهم الحجَّة حينئذ، وأشهَدهم بربوبيته، واستشهد عليهمملائكتَه، كما تدلُّ على ذلك الآية"؛ -نقلاً من تفسير المراغي: (433/3)، دارالكتب العلمية-.
-3- بيان القرآن الكريم لوظيفة الرسل وأنها الدعوة إلى التوحيد:
تعتبر الدعوة إلى التوحيد زبدة رسالات الأنبياء والرسل من لدن نوح - عليه السلام - إلى خاتمهم رسول الله -صلىالله عليه وسلم- فما من أحدٍ منهم إلا أرسل أولاً قبل كل شيء بالدعوة إلى توحيدِالله؛ كما قال - جل وعلا -: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوااللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36]، بل كل واحد منهم كانيفتتح دعوتَه بالتوحيد؛ كما قال -تعالى-: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِيإِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال -تعالى-: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَاأَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [الزخرف: 45]، وقال -تعالى- لرسوله-صلى الله عليه وسلم-: ﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌفَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [الأنبياء: 1088].يقول الحافظ ابن كثير - رحمه اللهتعالى -: "فكل نبيٍّ بعَثه الله يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له،والفطرة شاهدة بذلك أيضًا، والمشركون لا برهانَ لهم، وحجَّتُهم داحضة عند ربهم،وعليهم غضب، ولهم عذاب شديد"؛ تفسير ابن كثير.فالتوحيد كان أساس دعوة الرسل، وهورأس الوحي، وقد صحَّ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((خيرُ الدعاءدعاءُ يوم عرفة، وخير ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريكله))؛ رواه الترمذي.- وهو في صحيحه: 2837-.
يتبع إن شاء الله تعالى.