محمد بن إبراهيم الحمد
New member
ثالثاً - فروق بين التوبة والاستغفار: هناك فروق بين التوبة والاستغفار، ومن ذلك ما يلي:
1- يختلفان في أصل المادة؛ فمادة التوبة: تَوَب، ومادة الاستغفار: غفر .
2- يختلفان في التعريف، فالتوبة مرَّ تعريفها، والاستغفار هو طلب المغفرة، وهي وقاية شر الذنوب مع سترها.
3- الاستغفار قد يكون مع الإصرار على الذنب، أما التوبة فلا تكون إلا بالإقلاع، وترك الإصرار.
4- التوبة تقبل، وتمحى بها الذنوب، وقد تبدل حسنات إذا كانت التوبة حسنةً نصوحاً.
أما الاستغفار فهو مجرد دعاء كسائر الأدعية قد يقبل وقد لا يقبل، قال -تعالى-: [غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ] غافر:3.
5- الاستغفار يقوم به الإنسان عن نفسه، وعن غيره من إخوانه المسلمين، كما قال - تعالى - عن نوح - عليه السلام -: [رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ] نوح:28.
أما التوبة فلا يقوم بها إلا الإنسان المريد لها؛ إذ لا يصح أن يتوب أحد عن أحد.
6- أنه جاء الأمر من الله - عز وجل - بأن يستغفر المؤمن لذنبه، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات، كما قال - عز وجل -: [وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ] محمد:19.
ولم يجئ الأمر بأن يتوب عن أحد من الناس.
7- أن المسلم يؤجر إذا استغفر للمؤمنين والمؤمنات، فيكون له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة إذا هو استغفر لهم.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة)[1].
أما التوبة فلا يتأتى فيها مثل ذلك؛ لما سبق من أنه لا يتوب أحد عن أحد.
8- أن الملائكة - عليهم السلام - يستغفرون للذين آمنوا، ولم يأتِ أنهم يتوبون عنهم؛ لما تقرر آنفاً.
قال - تعالى -: [الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ] غافر:7.
9- أن التوبة تنتهي بغرغرة الإنسان، أي إذا كان في سياق الموت، فلا يمكنه التوبة في ذلك الوقت، ولا بعده.
أما الاستغفار فقد يُستغفر للإنسان إذا كان حياً، أو في سياق الموت، أو بعد الموت.
10- أن الاستغفار له أوقات مطلقة، ومقيدة؛ فالمطلق أن يستغفر الإنسان في كل وقت.
والمقيد كالاستغفار في الجلوس بين السجدتين، وكالاستغفار بعد التسليم من الصلاة، وكالاستغفار بعد الإفاضة من الحج، وكالاستغفار بالأسحار.
أما التوبة فتشرع في كل وقت، بل لا يجوز تأخيرها، ولا التسويف فيها، ما دام الإنسان لم يغرغر، والشمس لم تطلع من مغربها.
11- قد يقال: إنهما إذا افترقا اجتمعا، فإذا ذكر الاستغفار وحده في سياق دخلت معه التوبة، وإذا ذكرت وحدها شملت الاستغفار؛ فالتوبة تتضمن الاستغفار، والاستغفار يتضمن التوبة؛ فكل واحد منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق، أي إذا ذكر كل واحد منهما على حدة.
12- وإذا اجتمعا افترقا؛ فعند اقتران إحدى اللفظتين بالأخرى كما في قوله -تعالى-: [وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ] (هود:3) يكون الاستغفار طلبَ وقاية شر ما مضى، وتكون التوبة: الرجوع، وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل.
13- وعند اقترانهما -أيضاً- يكون الاستغفار عبارةً عن طلب المغفرة باللسان، والتوبة عبارة عن الإقلاع عن الذنوب بالقلب، والجوارح.
14- الاستغفار يكون بصيغة طلب، كقولك: (رب اغفر لي) والتوبة طلب، وعزم، وندم، وفعل، وترك.
15- التوبة قد يترتب عليها تخلص من حقوق، وتحلل من مظالم، أما الاستغفار فهو مجرد دعاء كسائر الأدعية التي يدعو بها الإنسان لنفسه، أو لغيره.
16- التوبة تكون من الله، وتكون من العبد، والله - عز وجل - تواب، والعبد تواب؛ والله - عز وجل - يتوب، والعبد يتوب؛ فإذا كانت التوبة من الله عُدِّيت بـ: على، وإذا كانت من العبد إلى الله عُدِّيت بـ: إلى؛ كما قال -عز وجل-: [فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ] النساء:17، وقال: [وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً] النور:31.
أما الاستغفار فلا يقال فيه كذلك، بل يقال: إن الله غافر، والعبد مستغفر.
17- التوبة لا بد أن تكون بقصد ونية، أما الاستغفار فقد يُبذل للإنسان دون قصده، ودون نيته، بل ربما دون علمه.
18- أن الله - عز وجل - يفرح بتوبة التائب، كما في حديث: (لله أفرح بتوبة العبد) الحديث.
ولم يرد أنه - عز وجل - يفرح بالاستغفار بل ولا غيره من سائر العبوديات إلا التوبة.
وليس معنى ذلك أن تلك العبوديات ليست محبوبة لله، وإنما المقصود أن الفرح خاص بالتوبة.
19- أن التوبة تقبل، بل وتطلب من كل أحد مؤمناً كان أم كافراً، براً أم فاجراً.
أما الاستغفار فلا يقبل إلا من المؤمن، وللمؤمن؛ فلا يقبل من الكافر، ولا يجوز أن يستغفر للكافر، قال - تعالى -: [اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ] التوبة:8.
وقال: [مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى] التوبة:113.
20- أن التوبة تكون من فعل محرمٍ أو مكروهٍ، أو تركِ واجبٍ أو مستحب.
أما الاستغفار فيكون عن ذلك، وقد لا يكون عن شيء من ذلك، بل قد يقوله الإنسان كذكرٍ مجردٍ، يرجو به الدرجات والحسنات[2].
[1] ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10/210، وقال: (إسناده جيد)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6026).
[2] انظر الوصية الصغرى لابن تيمية ص109-113، وجامع العلوم والحكم 2/407، ونتائج الأفكار في شرح حديث سيد الاستغفار للسفاريني ص285-292.
1- يختلفان في أصل المادة؛ فمادة التوبة: تَوَب، ومادة الاستغفار: غفر .
2- يختلفان في التعريف، فالتوبة مرَّ تعريفها، والاستغفار هو طلب المغفرة، وهي وقاية شر الذنوب مع سترها.
3- الاستغفار قد يكون مع الإصرار على الذنب، أما التوبة فلا تكون إلا بالإقلاع، وترك الإصرار.
4- التوبة تقبل، وتمحى بها الذنوب، وقد تبدل حسنات إذا كانت التوبة حسنةً نصوحاً.
أما الاستغفار فهو مجرد دعاء كسائر الأدعية قد يقبل وقد لا يقبل، قال -تعالى-: [غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ] غافر:3.
5- الاستغفار يقوم به الإنسان عن نفسه، وعن غيره من إخوانه المسلمين، كما قال - تعالى - عن نوح - عليه السلام -: [رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ] نوح:28.
أما التوبة فلا يقوم بها إلا الإنسان المريد لها؛ إذ لا يصح أن يتوب أحد عن أحد.
6- أنه جاء الأمر من الله - عز وجل - بأن يستغفر المؤمن لذنبه، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات، كما قال - عز وجل -: [وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ] محمد:19.
ولم يجئ الأمر بأن يتوب عن أحد من الناس.
7- أن المسلم يؤجر إذا استغفر للمؤمنين والمؤمنات، فيكون له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة إذا هو استغفر لهم.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة)[1].
أما التوبة فلا يتأتى فيها مثل ذلك؛ لما سبق من أنه لا يتوب أحد عن أحد.
8- أن الملائكة - عليهم السلام - يستغفرون للذين آمنوا، ولم يأتِ أنهم يتوبون عنهم؛ لما تقرر آنفاً.
قال - تعالى -: [الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ] غافر:7.
9- أن التوبة تنتهي بغرغرة الإنسان، أي إذا كان في سياق الموت، فلا يمكنه التوبة في ذلك الوقت، ولا بعده.
أما الاستغفار فقد يُستغفر للإنسان إذا كان حياً، أو في سياق الموت، أو بعد الموت.
10- أن الاستغفار له أوقات مطلقة، ومقيدة؛ فالمطلق أن يستغفر الإنسان في كل وقت.
والمقيد كالاستغفار في الجلوس بين السجدتين، وكالاستغفار بعد التسليم من الصلاة، وكالاستغفار بعد الإفاضة من الحج، وكالاستغفار بالأسحار.
أما التوبة فتشرع في كل وقت، بل لا يجوز تأخيرها، ولا التسويف فيها، ما دام الإنسان لم يغرغر، والشمس لم تطلع من مغربها.
11- قد يقال: إنهما إذا افترقا اجتمعا، فإذا ذكر الاستغفار وحده في سياق دخلت معه التوبة، وإذا ذكرت وحدها شملت الاستغفار؛ فالتوبة تتضمن الاستغفار، والاستغفار يتضمن التوبة؛ فكل واحد منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق، أي إذا ذكر كل واحد منهما على حدة.
12- وإذا اجتمعا افترقا؛ فعند اقتران إحدى اللفظتين بالأخرى كما في قوله -تعالى-: [وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ] (هود:3) يكون الاستغفار طلبَ وقاية شر ما مضى، وتكون التوبة: الرجوع، وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل.
13- وعند اقترانهما -أيضاً- يكون الاستغفار عبارةً عن طلب المغفرة باللسان، والتوبة عبارة عن الإقلاع عن الذنوب بالقلب، والجوارح.
14- الاستغفار يكون بصيغة طلب، كقولك: (رب اغفر لي) والتوبة طلب، وعزم، وندم، وفعل، وترك.
15- التوبة قد يترتب عليها تخلص من حقوق، وتحلل من مظالم، أما الاستغفار فهو مجرد دعاء كسائر الأدعية التي يدعو بها الإنسان لنفسه، أو لغيره.
16- التوبة تكون من الله، وتكون من العبد، والله - عز وجل - تواب، والعبد تواب؛ والله - عز وجل - يتوب، والعبد يتوب؛ فإذا كانت التوبة من الله عُدِّيت بـ: على، وإذا كانت من العبد إلى الله عُدِّيت بـ: إلى؛ كما قال -عز وجل-: [فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ] النساء:17، وقال: [وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً] النور:31.
أما الاستغفار فلا يقال فيه كذلك، بل يقال: إن الله غافر، والعبد مستغفر.
17- التوبة لا بد أن تكون بقصد ونية، أما الاستغفار فقد يُبذل للإنسان دون قصده، ودون نيته، بل ربما دون علمه.
18- أن الله - عز وجل - يفرح بتوبة التائب، كما في حديث: (لله أفرح بتوبة العبد) الحديث.
ولم يرد أنه - عز وجل - يفرح بالاستغفار بل ولا غيره من سائر العبوديات إلا التوبة.
وليس معنى ذلك أن تلك العبوديات ليست محبوبة لله، وإنما المقصود أن الفرح خاص بالتوبة.
19- أن التوبة تقبل، بل وتطلب من كل أحد مؤمناً كان أم كافراً، براً أم فاجراً.
أما الاستغفار فلا يقبل إلا من المؤمن، وللمؤمن؛ فلا يقبل من الكافر، ولا يجوز أن يستغفر للكافر، قال - تعالى -: [اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ] التوبة:8.
وقال: [مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى] التوبة:113.
20- أن التوبة تكون من فعل محرمٍ أو مكروهٍ، أو تركِ واجبٍ أو مستحب.
أما الاستغفار فيكون عن ذلك، وقد لا يكون عن شيء من ذلك، بل قد يقوله الإنسان كذكرٍ مجردٍ، يرجو به الدرجات والحسنات[2].
[1] ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10/210، وقال: (إسناده جيد)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6026).
[2] انظر الوصية الصغرى لابن تيمية ص109-113، وجامع العلوم والحكم 2/407، ونتائج الأفكار في شرح حديث سيد الاستغفار للسفاريني ص285-292.