التوبة توجب للتائب آثاراً عجيبة والحكمة في منعهم علم الساعة ومعرفة آجالهم

إنضم
12/01/2006
المشاركات
372
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
المدينة النبوية
التوبة توجب للتائب آثاراً عجيبة والحكمة في منعهم علم الساعة ومعرفة آجالهم
قال ابن القيم : " التوبة توجب للتائب آثارا عجيبة من المقامات التي لا تحصل بدونها فتوجب له من المحبة والرقة واللطف وشكر الله وحمده والرضا عنه عبوديات أخر فإنه إذا تاب الى الله تقبل الله توبته فرتب له على ذلك القبول أنواعا من النعم لا يهتدي العبد لتفاصيلها بل يزال يتقلب في بركتها وآثارها ما لم ينقضها ويفسدها ، ومنها ان الله سبحانه يحبه ويفرح بتوبته اعظم فرح وقد تقرر ان الجزاء من جنس العمل فلا ينسى الفرحة التي يظفر بها عند التوبة النصوح وتأمل كيف تجد القلب يرقص فرحا وأنت لا تدري بسبب ذلك الفرح ما هو وهذا أمر لا يحس به الا حيي القلب وأما ميت القلب فإنما يجد الفرح عند ظفره بالذنب ولا يعرف فرحا غيره فوازن إذا بين هذين الفرحين وانظر ما يعقبه فرح الظفر بالذنب من أنواع الأحزان والهموم والغموم والمصائب فمن يشتري فرحة ساعة بغم الأبد وانظر ما يعقبه فرح الظفر بالطاعة والتوبة النصوح من الانشراح الدائم والنعيم وطيب العيش ووازن بين هذا وهذا ثم اختر ما يليق بك ويناسبك وكل يعمل على شاكلته وكل امرئ يصبو الى ما يناسبه .
مفتاح دار السعادة ج1/ص294
وقال : " فصل ومن حكمته سبحانه ما منعهم من العلم علم الساعة ومعرفة آجالهم وفي ذلك من الحكمة البالغة مالا يحتاج الى نظر فلو عرف الانسان مقدار عمره فإن كان قصير العمر لم يتهنأ بالعيش وكيف يتهنأ به وهو يترقب الموت في ذلك الوقت فلولا طول الأمل لخربت الدنيا وإنما عمارتها بالآمال وإن كان طويل العمر وقد تحقق ذلك فهو واثق بالبقاء فلا يبالي بالانهماك في الشهوات والمعاصي وأنواع الفساد ويقول إذا قرب الوقت أحدثت توبة وهذا مذهب لا يرتضيه الله تعالى عز وجل من عباده ولا يقبله منهم ولا تصلح عليه أحوال العالم ولا يصلح العالم إلا على هذا الذي اقتضته حكمته وسبق في علمه فلو ان عبدا من عبيدك عمل على ان يستحضك أعواما ثم يرضيك ساعة واحدة إذا تيقن انه صائر إليك لم تقبل منه ولم يفز لديك بما يفوز به من همه رضاك وكذا سنة الله عز وجل ان العبد إذا عاين الانتقال الى الله تعالى لم ينفعه توبة ولا إقلاع قال تعالى وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن وقوله فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا باسنا سنة الله التي خلت في عباده والله تعالى إنما يغفر للعبد إذا كان وقوع الذنب منه على وجه غلبة الشهوة وقوة الطبيعة فيواقع الذنب مع كراهته له من غير إصرار في نفسه فهذا ترجى له مغفرة الله وصفحه وعفوه لعلمه تعالى بضفعه وغلبة شهوته له وأنه يرى كل وقت ما لا صبر له عليه فهو إذا واقع الذنب واقعه مواقعة ذليل خاضع لربه خائف مختلج في صدره شهوة النفس الذنب وكراهة الإيمان له فهو يجيب داعي النفس تاره وداعي الإيمان تارات فأما من بنى أمره على ان لا يقف عن ذنب ولا يقدم خوفا ولا يدع لله شهوة وهو فرح مسرور يضحك ظهرا لبطن إذ ظفر بالذنب فهذا الذي يخاف عليه ان يحال بينه وبين التوبة ولا يوفق لها فإنه من معاصيه وقبائحه على نقد عاجل يتقاضاه سلفا وتعجيلا ومن توبته وإيابه ورجوعه إلى الله على دين مؤجل الى انقضاء الأجل وإنما كان هذا الضرب من الناس يحال بينهم وبين التوبة غالبا لان النزوع عن اللذات والشهوات الى مخالفة الطبع والنفس والاستمرار على ذلك شديد على النفس صعب عليها أثقل من الجبال ولا سيما إذا انضاف إلى ذلك ضعف البصيرة وقلة النصيب من الإيمان فنفسه لا تطوع له ان يبيع نقدا بنسيئة ولا عاجلا بآجل كما قال بعض هؤلاء وقد سئل أيما أحب إليك درهم اليوم أو دينار غدا فقال لا هذا ولا هذا ولكن ربع درهم من أول أمس فحرام على هؤلاء ان يوفقوا للتوبة إلا ان يشاء الله فإذا بلغ العبد حد الكبر وضعفت بصيرته ووهت قواه وقد أوجبت له تلك الاعمال قوة في غيه وضعفا في إيمانه صارت كالملكة له بحيث لا يتمكن من تركها فإن كثرة المزاولات تعطى الملكات فتبقى للنفس هيئة راسخة وملكة ثابتة في الغي والمعاصي وكلما صدر عنه واحد منها أثرا أثراً زائداً على اثر ما قبله فيقوى الأثران وهلم جرا فيهجم عليه الضعف والكبر ووهن القوة على هذه الحال فينتقل الى الله بنجاسته وأوساخه وأدرانه لم يتطهر للقدوم على الله فما ظنه بربه ولو انه تاب وأناب وقت القدرة والإمكان لقبلت توبته ومحيت سيئاته ولكن حيل بينهم وبين ما يشتهون ولا شيء أشهى لمن انتقل الى الله على هذه الحال من التوبة ولكن فرط في أداء الدين حتى نفذ المال ولو أداه وقت الإمكان لقبله ربه وسيعلم المسرف والمفرط أي ديان أدان وأي غريم يتقاضاه ويوم يكون الوفاء من الحسنات فإن فنيت فيحمل السيئات فبان ان من حكمة الله ونعمه على عباده ان ستر عنهم مقادير آجالهم ومبلغ أعمارهم فلا يزال الكيس يترقب الموت وقد وضعه بين عينيه فينكف عما يضره في معاده ويجتهد فيما ينفعه ويسر به عند القدوم فإن قلت فها هو مع كونه قد غيب عنه مقدار اجله وهو يترقب الموت في كل ساعة ومع ذلك يقارف الفواحش وينتهك المحارم فأي فائدة وحكمة حصلت بستر اجله عنه قيل لعمر الله ان الأمر كذلك وهو الموضع الذي حير الألباب والعقلاء وافترق الناس لأجله فرقا شتى ففرقة أنكرت الحكمة وتعليل أفعال الرب جملة وقالوا بالجبر المحض وسدوا على أنفسهم الباب وقالوا لا تعلل أفعال الرب تعالى ولاهي مقصود بها مصالح العباد وإنما مصدرها محض المشيئة وصرف الارادة فأنكروا حكمة الله في أمره ونهيه وفرقة نفت لأجله القدر جملة وزعموا ان أفعال العباد غير مخلوقة لله حتى يطلب لها وجوه الحكمة وإنما هي خلقهم وإبداعهم فهي واقعة بحسب جهلهم وظلمهم وضعفهم فلا يقع على السداد والصواب الا اقل القليل منها فهاتان الطائفتان متقابلتان اعظم تقابل فالأولى غلت في الجبر وإنكار الحكم المقصودة في أفعال الله والثانية غلت في القدر وأخرجت كثيرا من الحوادث بل أكثرها عن ملك الرب وقدرته وهدى الله أهل السنة الوسط لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه فأثبتوا لله عز وجل عموم القدرة والمشيئة وأنه تعالى ان يكون في مسلكه مالا يشاء أو يشاء مالا يكون وأن أهل سمواته وأرضه اعجز واضعف من ان يخلقوا مالا يخلقه الله أو يحدثوا مالا يشاء بل ما شاء الله كان ووجد وجوده بمشيئته وما لم يشأ لم يكن وامتنع وجوده لعدم المشيئة له وانه لا حول ولا قوة الا به ولا تتحرك في العالم العلوي والسفلي ذرة الا بإذنه ومع ذلك فله في كل ما خلق وقضى وقدر وشرع من الحكم البالغة والعواقب الحميدة ما اقتضاه كمال حكمته وعلمه وهو العليم الحكيم فما خلق شيئا ولا قضاه ولا شرعه الا لحكمة بالغة وإن تقاصرت عنها عقول البشر فهو الحكيم القدير فلا تجحد حكمته كمالا تجحد قدرته والطائفة الأولى جحدت الحكمة والثانية جحدت القدرة والأمة الوسط أثبتت له كمال الحكمة وكمال القدرة فالفرقة الأولى تشهد في المعصية مجرد المشيئة والخلق العاري عن الحكمة وربما شهدت الجبر وأن حركاتهم بمنزلة حركات الأشجار ونحوها والفرقة الثانية تشهد في المعصية مجرد كونها فاعلة محدثة مختارة هي التي شاءت ذلك بدون مشيئة الله والأمة الوسط تشهد عز الربوبية وقهر المشيئة ونفوذها في كل شيء وتشهد مع ذلك فعلها وكسبها واختيارها وإيثارها شهواتها على مرضات ربها فيوجب الشهود الأول لها سؤال ربها والتذلل والتضرع له ان يوفقها لطاعته ويحول بينها وبين معصيته وان يثبتها على دينه ويعصمها بطواعيته ويوجب الشهود الثاني لها اعترافها بالذنب وإقرارها به على نفسها وأنها هي الظالمة المستحقة للعقوبة وتنزيه ربها عن الظلم وان يعذبها بغير استحقاق منها أو يعذبها على ما لم تعمله فيجتمع لها من الشهودين شهود التوحيد والشرع والعدل والحكمة وقد ذكرنا في الفتوحات القدسية مشاهد الخلق في مواقعة الذنب وأنها تنتهي الى ثمانية مشاهد احدها المشهد الحيواني البهيمي الذي شهود صاحبه مقصور على شهوات لذته به فقط وهو في هذا المشهد مشارك لجميع الحيوانات وربما يزيد عليها في اللذة وكثرة التمتع والثاني مشهد الجبر وان الفاعل فيه سواه والمحرك له غيره ولا ذنب له هو وهذا مشهد المشركين وأعداء الرسل الثالث مشهد القدر وهو انه هو الخالق لفعله المحدث له بدون مشيئة الله وخلقه وهذا مشهد القدرية المجوسية الرابع مشهد أهل العلم والإيمان وهو مشهد القدر والشرع يشهد فعله وقضاء الله وقدره كما تقدم الخامس مشهد الفقر والفاقة والعجز والضعف وانه إن لم يعنه الله ويثبته ويوفقه فهو هالك والفرق بين مشهد هذا ومشهد الجبرية ظاهر السادس مشهد التوحيد وهو الذي يشهد فيه إنفراد الله عز وجل بالخلق والإبداع ونفوذ المشيئة وان الخلق اعجز من ان يعصوه بغير مشيئته والفرق بين هذا المشهد وبين المشهد الخامس ان صاحبه شاهد لكمال فقره وضعفه وحاجته وهذا شاهد لتفرد الله بالخلق والإبداع وأنه لا حول ولا قوة الا به السابع مشهد الحكمة وهو ان يشهد حكمة الله عز وجل في قضائه وتخليته بين العبد والذنب ولله في ذلك حكم تعجز العقول عن الإحاطة بها وذكرنا منها في ذلك الكتاب قريبا من أربعين حكمة وقد تقدم في أول هذا الكتاب التنبيه على بعضها الثامن مشهد الأسماء والصفات وهو ان يشهد ارتباط الخلق والأمر والقضاء والقدر بأسمائه تعالى وصفاته وان ذلك موجبها ومقتضاها فأسماؤه الحسنى اقتضت ما اقتضته من التخلية بين العبد وبين الذنب فإنه الغفار التواب العفو الحليم وهذه أسماء تطلب آثارها وموجباتها ولا بد فلو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم وهذا المشهد والذي قبله اجل هذه المشاهد وأشرفها وارفعها قدرا وهما لخواص الخليفة فتأمل بعد ما بينهما وبين المشهد الأول وهذان المشهدان يطرحان العبد على باب المحبة ويفتحان له من المعارف والعلوم أموراً لا يعبر عنها وهذا باب عظيم من أبواب المعرفة قل من استفتحه من الناس وهو شهود الحكمة البالغة في قضاء السيئات وتقدير المعاصي وإنما استفتح الناس باب الحكم في الأوامر والنواهي وخاضوا فيها واتوا بما وصلت إليه علومهم واستفتحوا أيضا بابها في المخلوقات كما قدمناه وأتوا فيه بما وصلت إليه قواهم وأما هذا الباب فكما رأيت كلامهم فيه فقل ان ترى لأحدهم فيه ما يشفى أو يلم وكيف يطلع على حكمة هذا الباب من عنده ان أعمال العباد ليست مخلوقة لله ولا داخلة تحت مشيئته أصلا وكيف يتطلب لها حكمة أو يثبتها أم كيف يطلع عليها من يقول هي خلق الله ولكن أفعاله غير معللة بالحكم ولا يدخلها لام تعليل أصلا وإن جاء شيء من ذلك صرف الى لام العاقبة لا الى لام العلة والغاية فأما إذا جاءت الباء في أفعاله صرفت الى باء المصاحبة لا الى باء السببية وإذا كان المتكلمون عند الناس هم هؤلاء الطائفتان فإنهم لا يرون الحق خارجا عنهما ثم كثير من الفضلاء يتحير إذا رأى بعض أقوالهم الفاسدة ولا يدرى أين يذهب ولما عربت كتب الفلاسفة صار كثير من الناس إذا رأى أقوال المتكلمين الضعيفة وقد قالوا إن هذا هو الذي جاء به الرسول قطع القنطرة وعدي الى ذلك البر وكل ذلك من الجهل القبيح والظن الفاسد ان الحق لا يخرج عن أقوالهم فما أكثر خروج الحق عن أقوالهم وما أكثر ما يذهبون في المسائل التي هي حق وصواب الى خلاف الصواب والمقصود ان المتكلمين لو اجمعوا على شيء لم يكن إجماعهم حجة عند احد من العلماء فكيف إذا اختلفوا والمقصود ان مشاهدة حكمة الله في أقضيته وأقداره التي يجربها على عباده باختياراتهم وإراداتهم هي من ألطف ما تكلم فيه الناس وأدقه وأغمضه وفي ذلك حكم لا يعلمها إلا الحكيم العليم سبحانه ونحن نشير الى بعضها فمنها أنه سبحانه يحب التوابين حتى انه من محبته لهم يفرح بتوبة احدهم اعظم من فرح الواحد براحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض الدوية المهلكة إذا فقدها وأيس منها وليس في أنواع الفرح أكمل ولا اعظم من هذا الفرح كما سنوضح ذلك ونزيده تقريراً عن قريب إن شاء الله ولولا المحبة التامة للتوبة ولأهلها لم يحصل هذا الفرح ومن المعلوم ان وجود المسبب بدون سببه ممتنع وهل يوجد ملزوم بدون لازمه أو غاية بدون وسيلتها وهذا معنى قول بعض العارفين ولو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلى بالذنب أكرم المخلوقات عليه فالتوبة هي غاية كمال كل آدمي وإنما كان كمال أبيهم بها فكم بين حالة وقد قيل له إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى وبين قوله ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى فالحال الأولى حال أكل وشرب وتمتع والحال الأخرى حال اجتباء واصطفاء وهداية فيما بعد ما بينهما ولما كان كماله بالتوبة كان كمال بنيه أيضا بها كما قال تعالى ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات فكمال الآدمي في هذه الدار بالتوبة النصوح وفي الآخرة بالنجاة من النار ودخول الجنة وهذا الكمال مرتب على كماله الأول والمقصود انه سبحانه لمحبته التوبة وفرحة بها يقتضي على عبده بالذنب ثم إن كان ممن سبقت له الحسنى قضى له بالتوبة وإن كان ممن غلبت عليه شقاوته أقام عليه حجة عدله وعاقبة بذنبه .
وقال : فصل ومنها انه سبحانه يجب ان يتفضل عليهم ويتم عليهم نعمه ويريهم
مواقع بره وكرمه فلمحبته الإفضال والإنعام ينوعه عليهم اعظم الأنواع وأكثرها في سائر الوجوه الظاهرة والباطنة ومن اعظم أنواع الإحسان والبر ان يحسن الى من أساء ويعفو عمن ظلم ويغفر لم أذنب ويتوب على من تاب إليه ويقبل عذر من اعتذر إليه وقد ندب عباده الى هذه الشيم الفاضلة والأفعال الحميدة وهو أولى بها منهم وأحق وكان له في تقدير أسبابها من الحكم والعواقب الحميدة ما يبهر العقول فسبحانه وبحمده وحكى بعض العارفين انه قال طفت في ليلة مطيرة شديدة الظلمة وقد خلا الطواف وطابت نفسي فوقفت عند الملتزم ودعوت الله فقلت اللهم اعصمني حتى لا أعصيك فهتف بي هاتف أنت تسألني العصمة وكل عبادي يسألوني العصمة فإذا عصمتهم فعلى من أتفضل ولمن اغفر قال فبقيت ليلتي الى الصباح استغفر الله حياء منه هذا ولو شاء الله عز وجل ان لا يعصي في الأرض طرفة عين لم يعص ولكن اقتضت مشيئيه ما هو موجب حكمته سبحانه فمن اجهل بالله ممن يقول انه يعصي قسرا بغير اختياره وميشيئته سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً .
مفتاح دار السعادة 1 / 283 - 287
 
عودة
أعلى