بسم الله الرحمن الرحيم
التنبيه إلى خطأ وقع فيه العلامة ابن عثيمين في قوله تعالى : " مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ "
قال العلامة محمد الصالح بن العثيمين رحمه الله تعالى في شرح العقيدة السفارينية ، عند قول السفاريني :التنبيه إلى خطأ وقع فيه العلامة ابن عثيمين في قوله تعالى : " مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ "
[poem=font="Simplified Arabic,5,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ففعلنا نحو الركوع محدث=وكل قرآن قديم فابحثوا [/poem]
" ( وكل قرآن قديم ) : والصحيح أن القرآن حادث ؛ يتكلم الله به حين إنزاله ، فيتلقاه جبريل فيأتي به النبي صلى الله عليه وسلم ....
وهذا في القرآن صريح ، قال تعالى : (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ) (الأنبياء: الآية2) .
وقد أَوَّلَ من يقول إن القرآن قديم. قوله : (مُحْدَثٍ) بأنه محدث إنزاله ، وهذا تحريف ؛ لأن ( محدث ) اسم مفعول ، ونائب الفاعل فيه يعود على الذكر لا على الإنزال ، فقوله تعالى : (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) هو : أي الذكر ، فصرفُ الضمير إلى غير الذكر تحريف " . ا.هـ كلامه بلفظه .
قال مقيده عفا الله عنه : تفسير الحدوث هنا بحدوث الإنزال ، أو حدوث علم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بالقرآن ، هو تفسير أئمة أهل السنة ، من أئمة الفقه واللغة والحديث والتفسير .
1)قال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في رده على استدلال الجهمية بهذه الآية على أن القرآن مخلوق : " " فوجدنا دلالة من قول الله مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يعلم فعلمه الله فلما علمه الله كان ذلك محدثا إلى النبي صلى الله عليه وسلم " (1 ) .
2)وقال الإمام الحافظ الفقيه اللغوي أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله تعالى في رده عليهم : " وأما تحريفهم : (مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ) فإنما حدث عند النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه لما علَّمهُ الله ما لم يكن يعلم " (2 ) .
3)وقال حرب الكرماني : سألت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يعني بن راهويه عن قوله تعالى : (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ) : " قديم من رب العزة محدث إلى الأرض " (3 ).
4)وقال الإمام اللغوي الأديب أبو محمد بن قتيبة الدينوري رحمه الله تعالى : "المحدث ليس هو في موضوع بمعنى : مخلوق ، فإن أنكروا ذلك فليقولوا في قول الله: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] أنه يخلق، وكذلك: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: 113] أي: يحدث لهم القرآن ذكراً، والمعنى: يجدد عندهم ما لم يكن، وكذلك قوله: {وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ} [الشعراء: 5] أي: ذكر حدث عندهم لم يكن قبل ذلك " (4 ).
5)وقال إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية : " يقول تعالى ذكره: ما يحدث الله من تنزيل شيء من هذا القرآن للناس، ويذكرهم به ويعظهم إلا استمعوه، وهم يلعبون لاهية قلوبهم.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله : ( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ). .. الآية، يقول: ما ينزل عليهم من شيء من القرآن إلا استمعوه وهم يلعبون " .
6)وقال الإمام الفقيه المحدث محي السنة البغوي رحمه الله تعالى في تفسيره : " يعني ما يحدث الله من تنزيل شيء من القرآن يذكرهم ويعظهم به " .
7)وقال الإمام أبو الفداء إسماعيل بن كثير رحمه الله تعالى : " أي: جديد إنزاله " .
8)وقال العلامة الفقيه محمد سالم ولد عدود الشنقيطي رحمه الله تعالى في عقيدته التي صدر بها نظم مختصر خليل :
[poem=font="Simplified Arabic,5,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يُحْدِثُ مَا يَشَاءُ مِنْ خَلْقٍ وَمِنْ = ذِكْرٍ ، فَمَا أَحَدَثَ مِن ذِكْرٍ يُقِنْ
أنْ لَيسَ مَخْلُوقَاً لأنَّ الُمحْدَثَ الـ= إنزَالُ، أمَّا الذِّكرُ فَهُو لَمْ يَزَلْ (5 )[/poem]
فهذه تفاسير أئمة السنة ، ليس فيهم مبتدع يفسر كلام الله تعالى بمذهبه ، ولا جاهل باللغة أُتِي من قبل العُجمَةِ .
فقول الشيخ عن هذا التفسير : إنه تحريف ، خطأ عظيم .
أما ما فسر الشيخ به الآية ، وهو أن القرآن حادث ، يتكلم الله به حين إنزاله ، وهو معنى أن الله يحدثه الله في ذاته ، فلم أجد أحداً من السلف فسر الآية به ، لا في كتاب تفسير ولا في كتاب اعتقاد .
حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، الذي يقول بأن القرآن أحدثه الله تعالى في ذاته ، ويستدل بهذه الآية على ذلك – في مواضع – لم ينكر هذا التفسير ، ولم يجعله تحريفاً ! .
قال : " الْمُحْدَثَ فِي الْآيَةِ لَيْسَ هُوَ الْمَخْلُوقَ الَّذِي يَقُولُهُ الجهمي ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي أُنْزِلَ جَدِيدًا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ يُنَزِّلُ الْقُرْآنَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَالْمُنَزَّلُ أَوَّلًا هُوَ قَدِيمٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُنَزَّلِ آخِرًا " (6 ) .
والله تعالى أعلم .
ـــــــــــــــ
(1) الرد على الزنادقة والجهمية .
(2) خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل للبخاري (2/62) .
(3) أخرجه الهروي في الفاروق بسنده إلى حرب ، كما في فتح الباري .
(4) الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة ص234-235 .
(5)http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=82562
( 6 ) مجموع الفتاوى (12/522) .