محمد سلامة المصري
Member
المصدر التلمودي لتفسير الآية 34 من سورة (ص) بروايتيه البابلية والأورشليمية
البحث منشور على موقع مداد
ملخص:
عند ربط آية "ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب" بالقصة الإسرائيلية القائلة بتجسد شيطان في صورة النبي سليمان تباينت آراء المفسرين بين القبول والرفض والاعتراض على بعض جزئيات القصة. يعرض هذا البحث أبرز اعتراضاتهم، ويترجم القصة الأصلية الواردة في التلمود البابلي، ثم يكشف - لأول مرة للقارئ العربي على حد علم الباحث - روايتها البديلة الموجودة في التلمود الأورشليمي، ويعيد النظر في الاعتراضات في ضوء هذه الرواية الثانية.
اقتباسات منه:
[
عند النظر في تفاسير الآية 34 من سورة (ص) يجد المرء نفسه مضطرا للاختيار من بين ثلاثة أنواع من الأقوال، أحلاها مر:
- إما رواية إسرائيلية يثير قبولها إشكالات إسلامية
- أو ربط الآية بنصوص إسلامية مقبولة في ذاتها لكن تعلقها بالآية محل شك
- أو تخمين الواقعة التاريخية المبهمة في الآية
ولما ظهر لي أن للرواية - في مصادرها اليهودية الأصلية - صورتين لا صورة واحدة، وأن إحداهما تختلف كثيرا عن أختها، وأنها غير متاحة للقارئ العربي حتى اليوم، سألت:
هل تزول اعتراضات المعترضين لو أخذوا في الاعتبار هذه الرواية الثانية وتركوا أختها؟]
[(وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ) - ص 34
يحتار السامع للوهلة الأولى في هوية ذلك الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان، ولهذا راح بعض المفسرين يبحثون عن تفاصيل القصة في مصادر خارجية. وإذ لم تشر الأحاديث النبوية بصراحة لواقعة إلقاء الجسد على الكرسي، ولم ترد في أسفار التوراة الحالية إشارة لها، اتجه بحث المفسرين لما عند أحبار اليهود من كتابات أخرى، خصوصا ما عندهم من سير أنبيائهم المبثوثة في التلمود البابلي وفي التفاسير المعروفة بالمدراش، وظنوا أنهم وجدوا ضالتهم في قصة تزعم زوال مُلك سليمان مؤقتا عندما تشبّه شيطان بصورته واستولى على ملكه. ولا يكاد يخلو كتاب تفسير من ذكر هذه القصة، سواء رأى المفسر صحتها أو رفضها]
[ما نجده في التفاسير - خصوصا ما رواه الطبري عن قتادة - من قصة تجسد شيطان في صورة سليمان، يعود في أصله لإحدى قصص التلمود البابلي، نجدها في قسم (جطين Gittin - عقود الطلاق) الورقة 68 (أ & ب)]
[الاعتراضات على القصة الإسرائيلية الواردة في كتب التفسير، برواياتها المختلفة:
- تمكن شيطان من زوجات نبي فيه هتك لستره بما لا يليق بمقام النبوة
- تسخير الشياطين لسليمان والاستعانة بهم في البناء كانا بعد فتنة إلقاء الجسد لا قبلها
- التسول لا يليق بمقام النبوة، وقد كان رسولنا لا يأكل الصدقة
- تمثل الشياطين بالأنبياء يشكك في صحة مصدر تلقي الوحي، وقد نفى رسولنا إمكانية تمثل الشيطان بصورته حتى ولو في المنام
- مُلك سليمان كان منحة ربانية، لا تزول بفقد خاتم
- ليس للشيطان سلطان على عباد الله الصالحين]
الرواية البديلة الموجودة في التلمود الآخر، التلمود الأورشليمي:
[نجد رواية التلمود الأورشليمي لقصة زوال مُلك سليمان في قسم (سنهدرين) فصل 2 فقرة 6
אָמַר הַקָּדוֹשׁ בָּרוּךְ הוּא לִשְׁלֹמֹה.
מָה עֲטָרָה זוֹ בְרֹאשְׁךָ.
רֵד מִכִּסְאִי.
רִבִּי יוֹסֵי בֶן חֲנִינִה אוֹמֵר.
בְּאוֹתָהּ שָׁעָה יָרַד מַלְאָךְ
וְנִדִמֶה כִדְמוּת שְׁלֹמֹה וְהֶעֱמִידוֹ
מִכְִּסְאוֹ וְיָשַׁב תַּחְתָּיו.
"نقحرة" النص، أي نقل حروفه لحروف اللغة العربية:
"امر هـ قدوش بروك هوا لـ شلومه: مه عطره ذو بـ راشك؟ رد م كساي! ربي يوسي بن حنينه اومر: بـ أوته شعه يرد ملاك وندمه كـ دموت شلومه وهعميدو م كساو ويشب تختيو"
الترجمة العربية:
"قال الرب القدوس المبارك لسليمان: ما هذا التاج على رأسك؟ قم من على كرسيي! الراباي يوسي بن حنينه قال: توا (بهذه الساعة) نزل ملاك - شبهه كشبه سليمان ومقاييسه - على كرسيه وجلس مكانه"
]
[عند مقارنة الرواية الأورشليمية بالبابلية نلاحظ:
- قصرها
- أن الحال محل سليمان مؤقتا على عرشه كان أحد الملائكة، لا أحد الشياطين
- الرواية لا تذكر الخاتم
- أنها تجعل سبب زوال السلطة هو توسع سليمان في مظاهر الجاه]
[لا تسمح الرواية باحتمالية تصور الشياطين بصورة الأنبياء بحيث يلتبس على الناس مصدر الوحي حتى يصعب التمييز بين الوحيين الرحماني والشيطاني. فقد زال هذا الاعتراض.
لكن هل يقوم الملَك في هذه الحال مقام النبي كمصدر وحي للأمة؟
معلوم أنه - فرضا - لو كان الله قد جعل الملائكة رسلا للبشر لكان سيجعلهم في صورة بشرية، كما جاء في سورة الأنعام (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) [الأنعام 9]، لكنه فرض غير متحقق، إذ يتعارض مع تخصيص الرسالة في البشر (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ . وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ) [الأنبياء 7-8]، حيث أن الملائكة الذين ينزلون بالوحي هم رسل للرسل، لا للأمة ككل.
فربما جاز لملك متجسد بصورة نبي أن يقضي بين الناس لفترة مؤقتة، وكأنه بمرتبة قاضي مكلف أو نائب للنبي، لكنه لا يصبح نبيا للأمة.
لكن هل يجوز لهذا الملَك المتجسد أن يجتهد في ما يجد من أقضية، أم يتوقف عند ما سبق لسليمان أن حكم به بالفعل؟ الله أعلم.
وهل تقمصه لهذا الدور المزيف يعتبر من الكذب المحرم الذي لا يتصور صدوره عن الملائكة؟ لا، حيث نعلم من حديث الأبرص والأقرع والأعمى - لما أراد الله أن يبتليهم - أن أحد الملائكة ظهر للثلاثة متنكرا في صورة رجل وقال: "رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك"]
البحث منشور على موقع مداد
التلمودان والجسد الملقى على كرسي سليمان
التلمودان والجسد الملقى على كرسي سليمان - محمد سلامة إبراهيم
midad.com
ملخص:
عند ربط آية "ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب" بالقصة الإسرائيلية القائلة بتجسد شيطان في صورة النبي سليمان تباينت آراء المفسرين بين القبول والرفض والاعتراض على بعض جزئيات القصة. يعرض هذا البحث أبرز اعتراضاتهم، ويترجم القصة الأصلية الواردة في التلمود البابلي، ثم يكشف - لأول مرة للقارئ العربي على حد علم الباحث - روايتها البديلة الموجودة في التلمود الأورشليمي، ويعيد النظر في الاعتراضات في ضوء هذه الرواية الثانية.
اقتباسات منه:
[
عند النظر في تفاسير الآية 34 من سورة (ص) يجد المرء نفسه مضطرا للاختيار من بين ثلاثة أنواع من الأقوال، أحلاها مر:
- إما رواية إسرائيلية يثير قبولها إشكالات إسلامية
- أو ربط الآية بنصوص إسلامية مقبولة في ذاتها لكن تعلقها بالآية محل شك
- أو تخمين الواقعة التاريخية المبهمة في الآية
ولما ظهر لي أن للرواية - في مصادرها اليهودية الأصلية - صورتين لا صورة واحدة، وأن إحداهما تختلف كثيرا عن أختها، وأنها غير متاحة للقارئ العربي حتى اليوم، سألت:
هل تزول اعتراضات المعترضين لو أخذوا في الاعتبار هذه الرواية الثانية وتركوا أختها؟]
[(وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ) - ص 34
يحتار السامع للوهلة الأولى في هوية ذلك الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان، ولهذا راح بعض المفسرين يبحثون عن تفاصيل القصة في مصادر خارجية. وإذ لم تشر الأحاديث النبوية بصراحة لواقعة إلقاء الجسد على الكرسي، ولم ترد في أسفار التوراة الحالية إشارة لها، اتجه بحث المفسرين لما عند أحبار اليهود من كتابات أخرى، خصوصا ما عندهم من سير أنبيائهم المبثوثة في التلمود البابلي وفي التفاسير المعروفة بالمدراش، وظنوا أنهم وجدوا ضالتهم في قصة تزعم زوال مُلك سليمان مؤقتا عندما تشبّه شيطان بصورته واستولى على ملكه. ولا يكاد يخلو كتاب تفسير من ذكر هذه القصة، سواء رأى المفسر صحتها أو رفضها]
[ما نجده في التفاسير - خصوصا ما رواه الطبري عن قتادة - من قصة تجسد شيطان في صورة سليمان، يعود في أصله لإحدى قصص التلمود البابلي، نجدها في قسم (جطين Gittin - عقود الطلاق) الورقة 68 (أ & ب)]
[الاعتراضات على القصة الإسرائيلية الواردة في كتب التفسير، برواياتها المختلفة:
- تمكن شيطان من زوجات نبي فيه هتك لستره بما لا يليق بمقام النبوة
- تسخير الشياطين لسليمان والاستعانة بهم في البناء كانا بعد فتنة إلقاء الجسد لا قبلها
- التسول لا يليق بمقام النبوة، وقد كان رسولنا لا يأكل الصدقة
- تمثل الشياطين بالأنبياء يشكك في صحة مصدر تلقي الوحي، وقد نفى رسولنا إمكانية تمثل الشيطان بصورته حتى ولو في المنام
- مُلك سليمان كان منحة ربانية، لا تزول بفقد خاتم
- ليس للشيطان سلطان على عباد الله الصالحين]
الرواية البديلة الموجودة في التلمود الآخر، التلمود الأورشليمي:
[نجد رواية التلمود الأورشليمي لقصة زوال مُلك سليمان في قسم (سنهدرين) فصل 2 فقرة 6
אָמַר הַקָּדוֹשׁ בָּרוּךְ הוּא לִשְׁלֹמֹה.
מָה עֲטָרָה זוֹ בְרֹאשְׁךָ.
רֵד מִכִּסְאִי.
רִבִּי יוֹסֵי בֶן חֲנִינִה אוֹמֵר.
בְּאוֹתָהּ שָׁעָה יָרַד מַלְאָךְ
וְנִדִמֶה כִדְמוּת שְׁלֹמֹה וְהֶעֱמִידוֹ
מִכְִּסְאוֹ וְיָשַׁב תַּחְתָּיו.
"نقحرة" النص، أي نقل حروفه لحروف اللغة العربية:
"امر هـ قدوش بروك هوا لـ شلومه: مه عطره ذو بـ راشك؟ رد م كساي! ربي يوسي بن حنينه اومر: بـ أوته شعه يرد ملاك وندمه كـ دموت شلومه وهعميدو م كساو ويشب تختيو"
الترجمة العربية:
"قال الرب القدوس المبارك لسليمان: ما هذا التاج على رأسك؟ قم من على كرسيي! الراباي يوسي بن حنينه قال: توا (بهذه الساعة) نزل ملاك - شبهه كشبه سليمان ومقاييسه - على كرسيه وجلس مكانه"
]
[عند مقارنة الرواية الأورشليمية بالبابلية نلاحظ:
- قصرها
- أن الحال محل سليمان مؤقتا على عرشه كان أحد الملائكة، لا أحد الشياطين
- الرواية لا تذكر الخاتم
- أنها تجعل سبب زوال السلطة هو توسع سليمان في مظاهر الجاه]
[لا تسمح الرواية باحتمالية تصور الشياطين بصورة الأنبياء بحيث يلتبس على الناس مصدر الوحي حتى يصعب التمييز بين الوحيين الرحماني والشيطاني. فقد زال هذا الاعتراض.
لكن هل يقوم الملَك في هذه الحال مقام النبي كمصدر وحي للأمة؟
معلوم أنه - فرضا - لو كان الله قد جعل الملائكة رسلا للبشر لكان سيجعلهم في صورة بشرية، كما جاء في سورة الأنعام (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) [الأنعام 9]، لكنه فرض غير متحقق، إذ يتعارض مع تخصيص الرسالة في البشر (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ . وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ) [الأنبياء 7-8]، حيث أن الملائكة الذين ينزلون بالوحي هم رسل للرسل، لا للأمة ككل.
فربما جاز لملك متجسد بصورة نبي أن يقضي بين الناس لفترة مؤقتة، وكأنه بمرتبة قاضي مكلف أو نائب للنبي، لكنه لا يصبح نبيا للأمة.
لكن هل يجوز لهذا الملَك المتجسد أن يجتهد في ما يجد من أقضية، أم يتوقف عند ما سبق لسليمان أن حكم به بالفعل؟ الله أعلم.
وهل تقمصه لهذا الدور المزيف يعتبر من الكذب المحرم الذي لا يتصور صدوره عن الملائكة؟ لا، حيث نعلم من حديث الأبرص والأقرع والأعمى - لما أراد الله أن يبتليهم - أن أحد الملائكة ظهر للثلاثة متنكرا في صورة رجل وقال: "رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك"]
المرفقات
التعديل الأخير: