محمد محمود إبراهيم عطية
Member
في قوله تعالى في سورة الشمس : ]وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ ما يدعو إلى التأمل والتدبر ؛ إذ الصلاح والفساد للنفس يرجع بجزئية منه إلى صاحبها ؛ فبيَّن الله U للنفس طريقي الخير والشر ، ثم قضى الله بالفلاح لمن يزكي نفسه بطاعة الله ويطهرها من الرذائل والذنوب ، وبالخيبة والخسار على من يخمدها ويضع منها بخذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله U . قال ابن القيم - رحمه الله : أفلح من كبَّرها وكثَّرها ونماها بطاعة الله ؛ وخاب من صغَّرها وحقَّرها بمعاصي الله ؛ فالنفوس الشريفة لا ترضي من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة ؛ والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار . فالنفس الشريفة العلية لا ترضى بالظلم ولا بالفواحش ولا بالسرقة والخيانة لأنها أكبر من ذلك وأجل ؛ والنفس المهينة الحقيرة والخسيسة بالضد من ذلك ، فكل نفس تميل إلى ما يناسبها ويشاكلها ، وهذا معنى قوله تعالى : ] قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ [ [ الإسراء : 84 ] ، أي : على ما يشاكله ويناسبه ، فهو يعمل على طريقته التي تناسب أخلاقه وطبيعته ، وكل إنسان يجري على طريقته ومذهبه وعادته التي ألفها وجبل عليها ؛ فالفاجر يعمل بما يشبه طريقته من مقابلة النعم بالمعاصي والإعراض عن النعم ، والمؤمن يعمل بما يشاكله من شكر المنعم ومحبته والثناء عليه والتودد إليه والحياء منه والمراقبة له وتعظيمه وإجلاله .ا.هـ. إنه كلام نفيس يحتاج تكرار قراءته وتدبره ليقف العاقل على أن النفس قابلة للتزكية وعكسها ، فبالإيمان والعمل الصالح تزكو النفس وتعلو وتطمئن ، وبعكس ذلك تخبث وتدس ، ويكون ذلك سببًا في خيبتها وفسادها ؛ والعلم عند الله تعالى .
اللهم أعط نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها .
اللهم أعط نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها .