الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ..
فإن ربنا سبحانه وتعالى ما كلفنا إلا بعد ما أعطانا العقول والأفهام، التي نـميز بها بين ما ينفع وبين ما يضر، فخص الإنسان وكل ذي عقل بالأمر والنهي، ولم يكلف البهائم التي لا تعقل ولا تفهم، ولكن الذين أعطاهم الله هذه العقول وهذه الأفهام، منهم من انتفع بذلك واستعمله فيما ينفعه وفيما يفيده، وهؤلاء هم الذي عقلوا عن الله تعالى ما أمرهم به لأجل ذلك ذكر الله أنهم هم الذي يتدبرون، وهم الذين يعقلون، وهم الذين ينتفعون، وهم الذين يتأثرون، وكثيراً ما يقول الله تعالى: [[إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ]] الرعد:4، أي لهم العقول الزكية، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ]] النحل:13، أي يذكرون ما أمروا به وما أمامهم، [[إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى]] طه:54، [[فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ]] الحشر:2.
فهؤلاء هم من خصهم الله بالنفع؛ لأنهم استعملوا عقولهم فيما يفيدهم وفيما ينفعهم، فالذين كانوا كذلك هم الذين انتفعوا في حياتهم، وهم الذين عرفوا مآلهم، وهم الذين تفكروا فيما خلقوا له، وأما الذين لم ينتفعوا بذلك فهم الذين عقولهم معيشية، عقولهم دنيوية، تأثروا بزخرف الدنيا ومتاعها وما عليها، وانخدعوا بـما يشاهدونه، وغرهم الكفار الذين لم يؤتوا ذكاءً، فانخدعوا بذلك، فأصبحوا من غير أولي الألباب ، وهؤلاء هم الذين حكم الله عليهم بالشقاء، الذين شقوا في حياتهم الدنيا، وهم أهل النار والعياذ بالله، قال الله تعالى: [[وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ]] الأعراف:179، نعوذ بالله، أعطاهم الله تعالى عقولاً، وأعينًا، وآذانًا، ولكنهم لما لم يتفكروا ولم يتعقلوا ولم يتذكروا، لم ينتفعوا بهذه العقول وما شابهها، بل هم كالأنعام: [[إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً]] الفرقان:44.
فمتى رأيت أولئك الدنيويين الذين يتبعون الشهوات، ويعكفون على الملهيات، ولا يتفكرون فيما خلقوا له، ولا ينظروا في حالهم ومآلهم، وإنـما همومهم مصروفة إلى بطونهم وفروجهم، وإلى شهواتهم، وإلى مباحاتهم، ولم يلتفتوا إلى ما خلقوا له، ولم يتفكروا في الآخرة وإلى مآل هذه الحياة الدنيا، ولم يتعقلوا فيما بين أيديهم وما خلفهم، ولم يتمثلوا قول الله عز وجل: [[أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ]] ق:6، وما فيها من العبر.
أما أهل العقول الزكية فإنهم يستعملون عقولهم وقلوبهم، ويتفكرون في أنفسهم، كما قال الله تعالى: [[الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ]] ، ثم يقولون بعد التفكر: [[رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ]] آل عمران:191، يعلمون إنهم ما خلقوا لأجل الخلود في الدنيا يعمرونها ويتنافسون فيها، بل يعلمون أن الذي خلقهم كلفهم وأمرهم ونهاهم، وربنا سبحانه لا يليق به أن يترك الإنسان مهملاً، ولا أن يخلق الإنسان سدى قال سبحانه: [[أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى]] القيامة:36، يعني مهملاً لا يؤمر ولا ينهى، وهكذا قال الله تعالى يخاطب أهل النار: [[أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ]] المؤمنون:115.
فأنت أيها العاقل أعمل عقلك وأعمل فكرك في خلقك أنت وما أنت عليه، وتفكر فيما بين يديك من هذه المخلوقات، لتأخذ منها عبرة وموعظة تعلم بذلك قدرة الخالق وعظمة الباري سبحانه، وتعلم أن كل ذلك خلق لحكمة، وتخالف بذلك أهل الباطل، ولهذا قال الله تعالى: [[وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً]] ص:27، أي ما خلقناهما للهو والباطل [[وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ]] الدخان:38-39.
فالذين أتاهم الله تعالى عقولاً زكية، هؤلاء هم الذين يتذكرون ويتعقلون ويتفهمون وينظرون في حالهم وفي مآلهم، يتذكرون مبدأ خلق الإنسان من تراب، ثم من هذه النطفة وما تتطور به إلى أن يخرج للدنيا، ثم يهبه الله من هذه العقول والأفهام، إن هذا التفكير السليم يحمل أهل الإيـمان على الإيـمان بربهم إلهًا وخالقًا ومدبرًا، وعلى الامتثال لما أمروا به من العبادات، وعلى الاستعداد للموت ولما بعد الموت، وعلى العمل للدار الآخرة، ولهذا يحاسب كل عاقل نفسه ويعرف ما أمامه، جاء في الحديث: "الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني"، وأن يتهم نفسه بالنقص والتقصير، ويحرص على تكميل النقص والخلل، وأما العاجز والمتكاسل فهو من أتبع نفسه هواها وتـمنى على الله الأماني.
وهكذا تعلم أن من وفق للتفكر فيما أمامه وما خلق له، هو الذي على الحق، عندها ستشكر سعيك وتحمد ربك الذي أعانك، وعلمت أنك من أهل الخير، حيث تقوم بحق العبادة التي خلقت لها، ألا وهي العبادة المذكورة في قوله تعالى [[إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ]] الفاتحة:5، وفي قوله تعالى: [[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ]] البقرة:21، أي وحدوه وأطيعوه، عندها يكون الإنسان من أهل العبادة ومن أهل العقول الزكية، ويرتقي بذلك عن درجة البهائم، وعن أولئك الذين أوتوا ذكاءً وما أوتوا زكاءً، أوتوا عقولاً وما أوتوا فهومًا، أوتوا سمعًا وأبصارًا وأفئدة، فما أغناهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء، إذ كانوا يجحدون بآيات الله وكانوا عنها غافلين، فهم مثل ما وصف الله المنافقين: [[صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ]] البقرة:18، وكما شبه الله الكفار بالغنم التي تسمع الراعي إن نعق: [[وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ]] البقرة:171، الغنم والبهائم إذا نعق لها الراعي تتبعه، ولكنها لا تفهم ما يقول، لو قال لها قفي أو أسرعي أو سيري ما تفهم ذلك، فمثل الله الكفار بهذا ثم قال: [[صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ]] البقرة:18، مع أن لهم أسماعًا لكن لا يسمعون الشيء الذي يفيدهم، ولهم أعين لا ينظرون بها نظر عبرة، ولهم عقول لا يتفكرون بها فيما خلقوا له ولا فيما بعد الموت، ولهم ألسن فصحاء يتكلمون ولكن لا يتكلمون في الشيء الذي يفيدهم، فكأنهم سلبوا الأشياء، فهم بكم عمي لا يعقلون، يحرص العاقل أن لا يكون مثل هؤلاء والعياذ بالله فيحرص على أن يستعمل جوارحه فيما خلقت له.
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
قاله
عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين
المصدر:موقع الشيخ ابن جبرين
فإن ربنا سبحانه وتعالى ما كلفنا إلا بعد ما أعطانا العقول والأفهام، التي نـميز بها بين ما ينفع وبين ما يضر، فخص الإنسان وكل ذي عقل بالأمر والنهي، ولم يكلف البهائم التي لا تعقل ولا تفهم، ولكن الذين أعطاهم الله هذه العقول وهذه الأفهام، منهم من انتفع بذلك واستعمله فيما ينفعه وفيما يفيده، وهؤلاء هم الذي عقلوا عن الله تعالى ما أمرهم به لأجل ذلك ذكر الله أنهم هم الذي يتدبرون، وهم الذين يعقلون، وهم الذين ينتفعون، وهم الذين يتأثرون، وكثيراً ما يقول الله تعالى: [[إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ]] الرعد:4، أي لهم العقول الزكية، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ]] النحل:13، أي يذكرون ما أمروا به وما أمامهم، [[إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى]] طه:54، [[فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ]] الحشر:2.
فهؤلاء هم من خصهم الله بالنفع؛ لأنهم استعملوا عقولهم فيما يفيدهم وفيما ينفعهم، فالذين كانوا كذلك هم الذين انتفعوا في حياتهم، وهم الذين عرفوا مآلهم، وهم الذين تفكروا فيما خلقوا له، وأما الذين لم ينتفعوا بذلك فهم الذين عقولهم معيشية، عقولهم دنيوية، تأثروا بزخرف الدنيا ومتاعها وما عليها، وانخدعوا بـما يشاهدونه، وغرهم الكفار الذين لم يؤتوا ذكاءً، فانخدعوا بذلك، فأصبحوا من غير أولي الألباب ، وهؤلاء هم الذين حكم الله عليهم بالشقاء، الذين شقوا في حياتهم الدنيا، وهم أهل النار والعياذ بالله، قال الله تعالى: [[وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ]] الأعراف:179، نعوذ بالله، أعطاهم الله تعالى عقولاً، وأعينًا، وآذانًا، ولكنهم لما لم يتفكروا ولم يتعقلوا ولم يتذكروا، لم ينتفعوا بهذه العقول وما شابهها، بل هم كالأنعام: [[إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً]] الفرقان:44.
فمتى رأيت أولئك الدنيويين الذين يتبعون الشهوات، ويعكفون على الملهيات، ولا يتفكرون فيما خلقوا له، ولا ينظروا في حالهم ومآلهم، وإنـما همومهم مصروفة إلى بطونهم وفروجهم، وإلى شهواتهم، وإلى مباحاتهم، ولم يلتفتوا إلى ما خلقوا له، ولم يتفكروا في الآخرة وإلى مآل هذه الحياة الدنيا، ولم يتعقلوا فيما بين أيديهم وما خلفهم، ولم يتمثلوا قول الله عز وجل: [[أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ]] ق:6، وما فيها من العبر.
أما أهل العقول الزكية فإنهم يستعملون عقولهم وقلوبهم، ويتفكرون في أنفسهم، كما قال الله تعالى: [[الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ]] ، ثم يقولون بعد التفكر: [[رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ]] آل عمران:191، يعلمون إنهم ما خلقوا لأجل الخلود في الدنيا يعمرونها ويتنافسون فيها، بل يعلمون أن الذي خلقهم كلفهم وأمرهم ونهاهم، وربنا سبحانه لا يليق به أن يترك الإنسان مهملاً، ولا أن يخلق الإنسان سدى قال سبحانه: [[أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى]] القيامة:36، يعني مهملاً لا يؤمر ولا ينهى، وهكذا قال الله تعالى يخاطب أهل النار: [[أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ]] المؤمنون:115.
فأنت أيها العاقل أعمل عقلك وأعمل فكرك في خلقك أنت وما أنت عليه، وتفكر فيما بين يديك من هذه المخلوقات، لتأخذ منها عبرة وموعظة تعلم بذلك قدرة الخالق وعظمة الباري سبحانه، وتعلم أن كل ذلك خلق لحكمة، وتخالف بذلك أهل الباطل، ولهذا قال الله تعالى: [[وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً]] ص:27، أي ما خلقناهما للهو والباطل [[وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ]] الدخان:38-39.
فالذين أتاهم الله تعالى عقولاً زكية، هؤلاء هم الذين يتذكرون ويتعقلون ويتفهمون وينظرون في حالهم وفي مآلهم، يتذكرون مبدأ خلق الإنسان من تراب، ثم من هذه النطفة وما تتطور به إلى أن يخرج للدنيا، ثم يهبه الله من هذه العقول والأفهام، إن هذا التفكير السليم يحمل أهل الإيـمان على الإيـمان بربهم إلهًا وخالقًا ومدبرًا، وعلى الامتثال لما أمروا به من العبادات، وعلى الاستعداد للموت ولما بعد الموت، وعلى العمل للدار الآخرة، ولهذا يحاسب كل عاقل نفسه ويعرف ما أمامه، جاء في الحديث: "الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني"، وأن يتهم نفسه بالنقص والتقصير، ويحرص على تكميل النقص والخلل، وأما العاجز والمتكاسل فهو من أتبع نفسه هواها وتـمنى على الله الأماني.
وهكذا تعلم أن من وفق للتفكر فيما أمامه وما خلق له، هو الذي على الحق، عندها ستشكر سعيك وتحمد ربك الذي أعانك، وعلمت أنك من أهل الخير، حيث تقوم بحق العبادة التي خلقت لها، ألا وهي العبادة المذكورة في قوله تعالى [[إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ]] الفاتحة:5، وفي قوله تعالى: [[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ]] البقرة:21، أي وحدوه وأطيعوه، عندها يكون الإنسان من أهل العبادة ومن أهل العقول الزكية، ويرتقي بذلك عن درجة البهائم، وعن أولئك الذين أوتوا ذكاءً وما أوتوا زكاءً، أوتوا عقولاً وما أوتوا فهومًا، أوتوا سمعًا وأبصارًا وأفئدة، فما أغناهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء، إذ كانوا يجحدون بآيات الله وكانوا عنها غافلين، فهم مثل ما وصف الله المنافقين: [[صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ]] البقرة:18، وكما شبه الله الكفار بالغنم التي تسمع الراعي إن نعق: [[وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ]] البقرة:171، الغنم والبهائم إذا نعق لها الراعي تتبعه، ولكنها لا تفهم ما يقول، لو قال لها قفي أو أسرعي أو سيري ما تفهم ذلك، فمثل الله الكفار بهذا ثم قال: [[صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ]] البقرة:18، مع أن لهم أسماعًا لكن لا يسمعون الشيء الذي يفيدهم، ولهم أعين لا ينظرون بها نظر عبرة، ولهم عقول لا يتفكرون بها فيما خلقوا له ولا فيما بعد الموت، ولهم ألسن فصحاء يتكلمون ولكن لا يتكلمون في الشيء الذي يفيدهم، فكأنهم سلبوا الأشياء، فهم بكم عمي لا يعقلون، يحرص العاقل أن لا يكون مثل هؤلاء والعياذ بالله فيحرص على أن يستعمل جوارحه فيما خلقت له.
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
قاله
عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين
المصدر:موقع الشيخ ابن جبرين