التفسير والمفسرون واتجاهاتهم

محمد جابري

New member
إنضم
10/07/2008
المشاركات
121
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مدينة وجدة - المغرب
التفسير والمفسرون واتجاهاتهم​

مدخل: ما التفسير؟

قال الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً}[ الفرقان آية 33]
وقال تعالى { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة : 19]

فما التفسير؟:

التفسير: الاستبانة والكشف والعبارة عن الشيء بلفظ أسهل وأيسر من لفظ الأصل.
وهو اصطلاحا علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولها وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التركيبية.
وتفسير الشيء لاحق به متمم له وجار مجرى بعض أجزائه. (الكليات لأبي البقاء ص 260)

الاجتهاد يقتضي سبر معاني النص, واستخلاص درره لاستجلاب المفاهيم المتعددة من بين تراكيب النص وسياقه، بغية الاسترشاد والاهتداء، بنوره المشرق الوضاء، ولعل النص يتفتح عن رخصة ورحمة عميت عن أقوام، وبقيت مهملة بين ثنايا النص, شاردة، تبرز تارة، وتختفي تارة، كأنها صيد الخاطر، تدغدغ المشاعر حينا وتنجلي وتنسد كالوردة ليلا وتنغلق؛ لكن عبيرها لا ينطفئ، ومسكها الفياح يضوخ بكل طيب ريح لطيب عود؛ إذ هو روح وريحان، وتزيدها نفتحها نسمة فوق العبير وتتعدد النسمات وتنكشف الطبقات بعضها فوق بعض وتضحي جوهرة خالصة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرة.

ما التفت المفسرون لقوله تعالى {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [القيامة : 19] ولا أقاموا لها معنى فهذا الطبري على جلالته يقول : حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس { ثُمَّ إنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ } قال: تبيانه بلسانك.
والآية عهد من الله بتبيان دلالته. وكشف أسراره. وقد أبان لنا سبحانه وتعالى سر فهم عن الله فقال { فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [غافر : 12] هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ [غافر : 13]
وهذا الطبري على جلالة قدره يمر على الآية دون استخلاص دررها يقول عند تفسيرها { فالحُكْمُ لِلَّهِ العَلِيّ الكَبِيرِ } يقول: فالقضاء لله العليّ على كل شيء، الكبير الذي كلّ شيء دونه متصاغراً له اليوم.
{ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } * { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ }
يقول تعالى ذكره: الذي يريكم أيها الناس حججه وأدلته على وحدانيته وربوبيته { وَيُنَزَّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً } يقول ينزّل لكم من أرزاقكم من السماء بإدرار الغيث الذي يخرج به أقواتكم من الأرض، وغذاء أنعامكم عليكم { وَما يَتَذَكَّرُ إلاَّ مَنْ يُنِيبُ } يقول: وما يتذكر حجج الله التي جعلها أدلة على وحدانيته، فيعتبر بها ويتعظ، ويعلم حقيقة ما تدلّ عليه، إلا من ينيب، يقول: إلا من يرجع إلى توحيده، ويقبل على طاعته، كما:

حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ { إلاَّ مَنْ يُنِيبُ } قال: من يقبل إلى طاعة الله.
وهذا الطاهر بن عاشور وهو من هو من أهل اللغة وبراعة بلاغتها يؤول الآيات بالآيات الكونية وحين تعجزه الدلالة إنزال الرزق للمؤمنين بتخصيص "لكم" قال وتقديم { لكم } على مفعول { يُنزل} وهو { رزقاً } لكمال الامتنان بأن جُعل تنزيل الرزق لأجل الناس ولو أخر المجرور لصار صفة لــــ { رِزْقاً } فلا يفيد أن التنزيل لأجل المخاطَبين بل يفيد أن الرزق صالح للمخاطبين وبين المعنيين بون بعيد، فكان تقديم المجرور في الترتيب على مفعول الفعل على خلاف مقتضى الظاهر لأن حق المفعول أن يتقدم على غيره من متعلِّقات الفعل وإنما خولف الظاهر لهذه النكتة.

وجُعل تنزيل الرزق لأَجل المخاطبين وهم المؤمنون إشارة إلى أن الله أراد كرامتهم ابتداء وأن انتفاع غيرهم بالرزق انتفاع بالتبع لهم لأنهم الذين بمحل الرضى من الله تعالى.
وهو إقحام لدلالات لا وجود لها في نص الآية بالتأويل البعيد، والجنوح بدلالتها بعيدا عن العقل ومنطقه.

فالآية {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [غافر : 12] هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ }[غافر : 13]
فالنهل من معينها سبيل استقصاء المفاهيم الربانية والغوص في بحر دررها لاستجلاب المفاهيم القريبة عهد بربها.
فكان التذلل بباب الله جل جلاله " الله العلي الكبير " سبيلا لتنهمر علينا المفاهيم الربانية لدلالات النص وفق وعده جل جلاله {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [القيامة : 19] والتي جاءت آية غافر بيانا لها.
فالعهد من الله لا ينخرم والله لا يخلف وعده، وتركنا العقول والأفهام المسبقة تسوقنا نحو هذا التوجه أو ذاك
وبين التقول على الله واستخلاص ريح طيب وفهم جديد للنص مع الخضوع لجلال الله والفهم عنه بعد المشرقين, فشتان بين من يعتدي على الحرمات الربانية للنص ولو بالتأويل البعيد وبين خاضع، خاشع، يلتمس التلمذة على يدي رسول من الله يتلو صحفا مطهرة، وهو يطلب مزيد فضل وإنعام من الله العلي الكبير الذي تعهد بكشف أسرار آياته للمنيبين، والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

منهج العلماء في التفسير

ومما تجدر الإشارة إليه أن المفسرين عامة ترشد مناهجهم منارات مشتركة تعدّ ثوابت لا محيد لهم عنها، وإن تنوعت اجتهاداتهم وتفرقت سبلهم واختلفت اتجاهاتهم.
أولا: التحليل اللفظي مع الاستشهاد بأقوال المفسرين وعلماء اللغة.
ثانيا : المعنى الإجمالي للآيات الكريمة بشكل مقتضب؛
ثالثا : سبب نزول الآية إن كان لها سبب؛
رابعا : وجه الارتباط بين الآيات السابقة واللاحقة؛
خامسا : البحث عن وجوه القراءات المتواترة؛
سادسا: البحث عن وجوه الإعراب بإيجاز؛
سابعا: لطائف التفسير (وتشمل الأسرار والنكات البلاغية والدقائق العلمية)؛
ثامنا : الأحكام الشرعية وأدلة الفقهاء، مع الترجيح بين الأدلة؛
تاسعا : ما ترشد إليه الآيات الكريمة بالاختصار
عاشرا: خاتمة البحث وتشمل حكمة التشريع لآيات الأحكام المذكورة.

وإذا عمدت لبيان ضوابط التفسير وما سطره العلماء في سبيل البيان لمعاني القرآن، فكيف تختلف التفاسير وينهج كل مفسر سبيلا غير سبيل غيره؟
فقد تعددت اتجاهات التفسير والمفسرون، واختلفت سبلهم، وتوزعت مذاهبهم. مما يجعلنا نتتبع أهم اتجاهات التفسير

اتجاهات المختلفة للمفسرين:

1
- مبدأ الأوائل في التفسير:

وهنا لا بد لنا من مراعاة الظرف الزماني حيث أن الأوائل طغت على عهدهم الفلسفات وعلم الكلام فكانت صبغة لاتجاهاتهم وهكذا نجدهم توزعوا حول الاتجاهات التالية:
- الاتجاه السلفي؛
- الاتجاه الاعتزالي؛
- الاتجاه الأثري؛
- الاتجاه الإشاري؛
- الاتجاه الشيعي في التفسير؛
- الاتجاه الفلسفي.
- الاتجاهات المعاصرة.
إنه لا يمكن إدراك فرق بين توجه وآخر إلا بالدراسة المقارنة والتي تعمد إلى فصل توجهات وتطلعات أفكار المفسر ومبادئه والتي ترمي في مجملها إلى أن تكون الصبغة الغالية على غيرها تؤثر في تفسيره وتوجهه نحوه بتسخير مفردات التفسير وموضوعاته وأصوله لخدمة المنهج برمته، ووحدة فكره.
وهذا ما يحاوله الأدب المعاصر في استخلاص شخصية المؤلف وتوجهه من خلال ما آثرته كتاباته وهو ما يسمونه بالدراسة الأسلوبية.

خصائص الاتجاهات التفسيرية:

1- المنهج السلفي:

اعتمد التفسير السلفي للقرآن بداية الأحاديث المسندة في كتب الحديث، ثم تجاوزها في المرحلة الثانية إلى آثار السلف الصالح. وحاول ابن تيمية دعم دعوى نفي التعارض في آراء السلف التفسيرية نفى السلفيون بغية تدعيم مباني التفسير السلفي وجود التعارض في آراء السلف، ولهذا قال ابن تيمية:.( http://www.iraqcenter.net/vb/38532-page2.html)

(ولهذا كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلا جدا، وهو وان كان في التابعين أكثر منه في الصحابة، فهو قليل بالنسبة إلى من بعدهم، وكلما كان العصر أشرق كان الاجتماع والائتلاف والعلم والبيان فيه أكثر. (http://www.ibnothaimeen.com/all/books/printer_17960.shtml)
والحقيقة أن من يطالع معجم فقه السلف للكتاني ينقض دعوى ابن تيمية.
واعتمد نهج السلفي على مبدأ التفويض فلا تأويل للأسماء والصفات ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل ويبقى دوما الكمال لله، فكثيرا من كتاباتهم خرجت عن النهج.

واختصر الذهبي عبارته في سير اعلام النبلاء، فقال:
(اما السلف فما خاضوا في التأويل، بل آمنوا وكفوا وفوضوا علم ذلك إلى اللّه ورسوله) ((447)) .
وهذا هو رأي ابن حجر العسقلاني في شرح صحيح البخاري، والترمذي وآخرين ((449)) . ((448)) وكتب القرطبي في معرض تفسيره مفهوم الوزن من سورة الأعراف آية (8) نقلا عن القشيري: (وقد أجمعت الأمة في الصدر الأول على الأخذ بهذه الظواهر من غير تأويل، وإذا أجمعوا على منع التأويل وجب الأخذ بالظاهر، وصارت هذه الظواهر نصوصا) ((450)) . http://www.iraqcenter.net/vb/38532-page2.html))

لكن، هذه دعوى لا توافقها الشواهد التاريخية، منها ما أورده القرطبي نفسه في شرح معنى الوزن، حيث قال بان مجاهدا والضحاك من التابعين كانا قد أخذا في ذلك بمعنى (العدل والقضاء)، (الجامع لأحكام القرآن سورة الأعراف الآية 8)

وقال الطبري في تفسير آية (يكشف عن ساق):(قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد) . كذلك نقل ابن الجوزي عن ابن عباس الصحابي، ومجاهد وإبراهيم النخعي وقتادة من التابعين وجمهور العلماء في معنى الآية ذاتها فقال: (أي يكشف عن شدة)

وهذا الإمام الحافظ الذهبي رحمه الله لما ترجم لابن خزيمة في «سير أعلام النبلاء» ذكر كلامه في أن من لم يُقر بأن الله على عرشه فوق سبع سمواته فهو كافر حلال الدم وكان ماله فيئاً.. علق الذهبي على هذا الغلو بقول: «وكتابه ـ أي ابن خزيمة ـ في التوحيد مجلد كبير، وقد تأول في ذلك حديث الصورة فليعذر من تأول بعض الصفات. وأما السلف فما خاضوا في التأويل بل آمنوا وكفوا وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لإتباع الحق أهدرناه وبدّعناه لقلّ من يسلم معنا من الأئمة رحم الله الجميع بمنّه وكرمه».( سير أعلام النبلاء 9 ـ 237.)

2- منهج الاتجاه الاعتزالي:

نجد تفسير الزمخشري (الكشاف) يحكمه الاتجاه الاعتزالي الذي يسعى جاهداً في تسخير اللغة والمأثور والبيان لتعزيز مذهبه وإثبات مصداقيته.
ويؤكد هذا المذهب أبو حيان أثناء مقارنته بين تفسيري ابن عطية والزمخشري، وأن هذا الأخير سخّر علمه ومعارفه لنصرة نزعته الاعتزالية، يقول أبو حيان: نقلاً عن ابن بشكوال: "إلا أن الزمخشري قائلٌ بالطفرة، ورمى نحو غرضه سهاماً، هذا مع ما في كتابه من نصرة مذهبه، وتقحُّم مرتكبه، وتجشم حمل كتاب الله عز وجل عليه، ونسبة ذلك إليه" [البحر المحيط]

بينما يقول ابن تيمية: " "وأما الزمخشري، فتفسيره محشوٌّ بالبدعة وعلى طريقة المعتزلة من إنكار الصفات والرؤية والقول بخلق القرآن .. وغير ذلك من أصول المعتزلة، …" [مقدمة في أصول التفسير].

3- الاتجاه الأثري:

مميزات هذا التوجه: قد استعان الناس -من وقت نزول القرآن- باللغة العربية لفهم عبارته، إلا أن عباس قوى هذا الاتجاه، وقد كان الدافع لهذا حاجة الناس للتفسير في عصر بني عباس الذي كثر فيه المسلمون الجدد، وأيضا لضعف اللغة العربية وبعد مستواها عن لغة القرآن، ويعتبر هذا- بلا شك- إضافة جديدة إلى التفسير على مقتضى المأثورات، وبقد كان هذا الاتجاه في التفسير الأثري النظري، الذي يعتمد على الرواية الأثري الذي يعتمد على الرواية، إلى التفسير الأثري النظري، الذي يعتمد على الرواية والدراية معا، وهذا الاتجاه مهد لظهور المنهج الجامع في التفسير بين الرواية والدراية، ولا سيما في القرنين الثاني والثالث الهجريين على يد جماعة من علماء التفسير [التفسير والمفسرون، ج1 ص141.]

وكتاب (معاني القرآن) للفراء هو أحد المحاولات المبكرة التي تمثل هذا الاتجاه وهو من أقدم التفاسير اللغوية التي نقلت إلينا (انظر النحو وكتب التفسير، د. إبراهيم رفيدة ج1 ص186 ) وهو يمثل لجوانب المذهب الكوفي في النحو، وقد خاض الفراء في كتابه هذا في فنون العربية جميعا وإن غلب عنصر النحو على غيره، محتجا بأن أساس التفسير هو الاعتماد على اللغة، وهي منضبطة في تراكيبها بضابط النحو، كما أبرز فيه كل قدراته العلمية حين انبرى لتوضيح معاني القرآن، ومع أنه ملأ مصنفه هذا بالاصطلاحات والأقيسة والتعليلات اللغوية، إلا أنه يتسم بالسهولة واليسر، الأمر الذي قرب مضامينه للقارئ [مراتب النحويين، لأبي الطيب اللغوي، ص86، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، وطبقات النحويين واللغويين لأبي بكر الزبيدي ص143].
واسم الكتاب (معاني القرآن) لم يكن أول اسم أطلق على كتاب في دراسات من هذا النوع، كما كان المجاز مثلاً. وقد اهتم كثير من النحويين واللغويين في القرون الثلاثة الأولى للهجرة بوضع كثير من الكتب تحت اسم (معاني القرآن)، ومن هؤلاء: الكسائي، والنضر بن شميل، وقطرب، والأخفش... وغيرهم وأينما ذكر أصحاب التفسير أصحاب المعاني فإنما يقصدون هؤلاء.‏
[معاني القرآن للفراء بهاء الدين الزهوري.] .

4- اتجاه التفسير الإشاري

هو تفسير القرآن بغير ظاهره لإشارة تظهر لأرباب الصفاء , مع عدم إبطال الظاهر , قال الزرقاني : ( التفسير الإشاري : هو تأويل القرآن بغير ظاهره لإشارة خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوف ويمكن الجمع بينها وبين الظاهر المراد أيضا ) اهـ / مناهل العرفان للزرقاني 2/56

وقال الصابوني : ( التفسير الإشاري : هو تأويل القرآن على خلاف ظاهره، لإشارات خفية تظهر لبعض أولي العلم، أو تظهر للعارفين بالله من أرباب السلوك والمجاهدة للنفس، ممن نوَّر الله بصائرهم فأدركوا أسرار القرآن العظيم ، أو انقدحت في أذهانهم بعض المعاني الدقيقة ، بواسطة الإلهام الإلهي أو الفتح الرباني ، مع إمكان الجمع بينهما وبين الظاهر المراد من الآيات الكريمة ) (وانظر التبيان في علوم القرآن للصابوني ص191)

نماذج من تفسير الإشاري:
1- قال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين 1/49 :
( ولذلك قال : ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ) , والقلب بيتٌ هو منزل الملائكة ومهبط أثرهم ومحل استقرارهم , والصفات الرديئة مثل الغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها كلاب نابحة , فأنى تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب ونور العلم لا يقذفه الله تعالى في القلب إلا بواسطة الملائكة ).

2- - قوله تعالى ( لينفق ذو سعة من سعته ... ) فالآية في نفقة الزوجة، لكن أرباب السلوك يرون فيها إشارة إلى أن الواصل يرشد إلى الله على قدر ما وهبه الله من المعرفة، والسالك يرشد أيضا لكن على قدره، قال ابن عطاء الله في الحكم : (لينفق ذو سعة من سعته) .. الواصلون إليه
( ومن قدر عليه رزقه ) .. السائرون إليه ) اهـ ص 47 مع شرح ابن عجيبة. http://www.attaweel.com/vb/showthread.php?t=6789

حكم هذا المنحى لدى العلماء:
قال ابن الصلاح:
الظن بمن يوثق به منهم إذا قال شيئا من ذلك، أنه لم يذكره تفسيرا ، ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة، فإنه لو كان كذلك كانوا سلكوا به مسلك الباطنية، وإنما ذلك منهم تنظير لما ورد به القرآن، فإن التنظير يذكر بالنظير. ومع ذلك فيا ليتهم لم يتساهلوا بمثل ذلك، لما فيه من الإيهام والالتباس. (تفسير ابن عربي الحاتمي ص16)
وقال النسفي: في عقائده : " النصوص على ظواهرها، والعدول عنها إلى معان يدعيها أهل الباطل إلحاد" ( نفس المصدر السابق ص 17)

بعض التفاسير لهذا الاتجاه:
تفسير القشيري
تفسير ابن عربي الحاتمي
تفسير الألوسي وهو تفسير قيم يتضمن بعض الإِشارات.
تفسير ابن عجيبة الحسني.

5- الاتجاه الشيعي:

لا يمكن الكلام عن الاتجاه الشيعي دون مسحة علمية لبيئة ولادته وظروف نشأته من زاوية تاريخية وعلمية،: الأحداث السياسية الكبرى، وصراعات الخلفاء والسلاطين والملوك والدول، ومن قبلها أحداث الفتنة الكبرى، وما جرى بعد ذلك، وبسبب ذلك، من تشعب الفرق والاتجاهات داخل خيمة الإسلام، كل ذلك ترك بصماته الواضحة على اتجاهات التفسير والقراءة للإسلام بين المسلمين أنفسهم:
وهي ان ما جرى على الأرض منذ فجر الإسلام، لم يكن قراءة واحدة للإسلام. (مشاري الذايدي الإسلام الأوروبي والإسلام الهندي !) http://www.alarabiya.net/views/2006/08/22/26796.html
فأصبح لدينا إسلام شيعي وإسلام سني وإسلام معتزلي،
الإسلام الشيعي (ونقتصر على ما أثر على التفسير)
- الإسلام الباطني الإسماعيلي؛
- الزيدية (الشيعية) في أصلها؛
- الإسلام المعتزلي،
المذهب المعتزلي تبنته الشيعة بمختلف توجهاتها
- إسلام الخوارج، تفرعت عنه الإباضية التي أخذت من المعتزلة كثيرا من أصولها.

والحديث عن العلاقة الشيعة بالاعتزال كالحديث عن البيضة والدجاجة ومن الأسبق؟

وككل الفرق سعت التفاسير الشيعة بكل جهدها في محاولة للبرهنة العلمية على مناصرة أهل الحسين بعد أحداث كربلاء.

نماذج من التفسير الشيعي
بين الاعتزال والتشيع
شيخ المفسرين وأمين الإسلام العّلامة الطبرسي، صرح هو نفسه في مقدمة كتابه (جوامع الجامع) بما يبطله، حيث يخبرنا أن كتابه الأخير قد أّلفه استجابًة لاقتراح ابنه (أبي نصر الحسن) من أن: (اجرد من الكتابين (المجمع والكافي الشافي) كتابًا ثالثًا يكون مجمع بينهما ومَحْجَر عينهما، يأخذ بأطرافهما ويتصف بأوصافهما، ويزيد بأبكار الطرائف، وبواكير الّلطائف عليهما، فيتحقق ما قيل: إن الثالث خير... .)
* تفسير تفسير القرآن/ علي بن ابراهيم القمي (ت القرن 4 هـ) مصنف ومدقق
{ وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } * { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }

قوله: { وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر } [51] قال: لما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بفضل أمير المؤمنين عليه السلام قالوا هو مجنون فقال الله سبحانه { وما هو } [52] يعني: أمير المؤمنين عليه السلام { إلا ذكر للعالمين }.

تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ)
والعيّاشي عن الباقر عليه السلام ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن إنّ الآية ينزل أوّلها في شيء وأوسطها في شيء وآخرها في شيء ثم قال انّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً من ميلاد الجاهلية.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال يعني الأئمّة عليهم السلام وولايتهم من دخل فيها دخل في بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله.
تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق
واستدل أصحابنا بهذه الآية على ان في جملة أهل البيت معصوماً لا يجوز عليه الغلط وان إجماعهم لا يكون إلا صواباً بأن قالوا ليس يخلو إرادة الله لإذهاب الرجس عن أهل البيت من ان يكون هو ما أراد منهم من فعل الطاعات واجتناب المعاصي، أو يكون عبارة عن أنه أذهب عنهم الرجس بأن فعل لهم لطفاً اختاروا عنده الامتناع من القبائح.
الاتجاهات الفلسفية والكلامية:
الإسلام السني انقسم:
- ما بين أشعرية؛
- وماتوريدية؛
- وسلفية أهل حديث.



التعريف بالتفسير ومنهجه :
تفسير الميزان يقع في عشرين مجلداً وقد وصفه مؤلفه ( كتاب علمي ، فني ، فلسفي ، أدبي ، تاريخي ، روائي ، اجتماعي ، حديث يفسر القرآن بالقرآن ) .
وهو تفسير جامع حافل بمباحث نظرية تحليلية ذات صبغة فلسفية في الأغلب ، جمع فيه المؤلف إلى جانب الأنماط التفسيرية السائدة ، أموراً مما أثارته النهضة الحديثة في التفسير، فقد تصدى لما يثيره أعداء الإسلام من شبهات، وما يضللون به من تشويه للمفاهيم الإسلامية ، بروح اجتماعية واعية، على أساس من القرآن الكريم، وفهم عميق لنصوصه الحكيمة .
ولعل من أبرز مزايا هذا التفسير وسماته جمعه بين نمطي التفسير الموضوعي والترتيبي ، وعنايته التامة بجانب الوحدة الموضوعية السائدة في القرآن الكريم ، ونظرية ( الوحدة الكلية ) الحاكمة على القرآن كله باشتماله على روح كلية سارية في جميع آياته وسوره ، و تلك الروح هي التي تشكل حقيقة القرآن الأصلية السائدة على أبعاضه وأجزائه . يرى المؤلف : أن وراء هذا الظاهر من ألفاظ وكلمات وحروف روحاً كلية ، كانت هي جوهر القرآن الأصيل ، وكانت بمثابة الروح في الجسد من الإنسان . ( محمد شبيب http://www.mozn.net/?act=artc&id=840)


6- الاتجاهات المعاصرة

ومن أصحاب هذا المنهج: صاحب كتاب "الهداية والعرفان في تفسير القرآن بالقرآن" ، وقد ثار على هذا الكتاب علماء الأزهر حتى صودر ومنع ، فقد تسلط صاحب هذا التفسير على معجزات الأنبياء وجردها من معانيها الإعجازية ، فلا عيسى عنده ينفخ في الطين فيصير طيراً بإذن الله ، ولا هو يبرئ الأكمه والأبرص ولا يحيي الموتى بإذن الله. ومما نقله عنه المؤلف في تفسيره لقوله تعالى ((وسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الجِبَالَ يُسَبِّحْنَ والطَّيْرَ وكُنَّا فَاعِلِينَ)) [الأنبياء:79 ]، يقول: ((يُسَبِّحْنَ)) يعبر عما تظهره الجبال من المعادن التي كان يسخرها داود في صناعته الحربية ، ((والطَّيْرَ)) يطلق على كل ذي جناح ، وكل سريع السير من الخيل والقطارات البخارية والطيارات الهوائية ، وفسر قوله تعالى: ((ولِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إلَى الأَرْضِ الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا)) [الأنبياء:81 ] يقول: ((تَجْرِي بِأَمْرِهِ)) الآن تجري بأمر الدول الأوربية وإشاراتها في التلغراف والتلفونات الهوائية.

7- الاستشراق:

ويبدو أن البحث حول ظاهرة الاستشراق، وتعريفها، ومتى نشأت، هل في القرن التاسع الميلادي أو الثاني عشر أو الثامن عشر أو ... وكذلك السياق السياسي الحضاري الذي نما فيه... كل ذلك يبدو خارجاً عن إطار بحثنا، ولكن كمقدمة لتحديد مناخ دراستنا هذه، يجدر التنبيه على أمر هو:
أ ـ الشيء المؤكّد أن الاستشراق ولد تحت تأثير سياق حضاري ـ ديني ـ سياسي في الغرب، أي تحت تأثير نمطيات القرون الوسطى عن الاسلام في العالم الغربي، وهي صور نمطية بالغة البعد عن الواقع في بعض الأحيان، ومشحونة بموقف عدائي أحياناً أخرى.
على خط آخر بدأ الاستشراق نشاطه في الغالب بدافع ديني بغية التبشير بالمسيحية في آسيا والعالم الإسلامي، وهو ما تؤكّده الدراسات التاريخية ـ الدينية أيضاً.
من جهة ثالثة، وظّف الغرب المستعمر تياراً كبيراً من المستشرقين في مؤسّساته خدمةً لمصالحه التوسعية، وشغل عدد كبير منهم مناصب هامة على هذا الصعيد.
هذا الثلاثي المتعاضد لا يمكن تجاوزه في قراءة الاستشراق وان كان من الخطأ البقاء فيه([2]).

ب ـ الخطأ الذي وقع فيه الباحثون المسلمون في حواراتهم الفكرية مع المستشرقين تمثل في عملية خلط أوراق، بمزج الدافع مع النتاج العلمي، وهو مزج ابتدأ من ذهنية الباحث المسلم نفسه والتي جعلته ينطلق دفاعياً متغافلاً حقائقَ كشفها المستشرق، وانتهت الأمور بنتاج إسلامي جدلي سجالي مع المستشرقين، وهو نتاج أعاق استحضار المعطيات الاستشراقية لتساهم في تكوين داخلي للفكر الإسلامي الجديد، سيما بعدما اتضح لاحقاً صحة العديد من المقولات التي أثارها ذاك الجانب.
 
عودة
أعلى