(التفسير بمكتشفات العلم التجريبي بين المؤيدين والمعارضين) للدكتور محمد الشايع

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,331
مستوى التفاعل
136
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
هذا البحث من البحوث المنشورة لأستاذنا العزيز الأستاذ الدكتور محمد بن عبدالرحمن الشايع حفظه الله ونفع بعلمه ، نشره عام 1411هـ بمجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في العدد الرابع منها . وقد أخذته من الشيخ قديماً لطباعته ونشره في الملتقى . ثم عثرت عليه في موقع رسالة الإسلام الذي يشرف عليه الدكتور عبدالعزيز الفوزان وقد أعيد صفه من جديد ، فآثرت نقله هنا ليطلع عليه من لم يسبق له أن قرأه في مجلة الجامعة .

وهذا نص البحث .

[align=center]الجزء الأول[/align]

[align=center]التفسير بمكتشفات العلم التجريبي بين المؤيدين والمعارضين[/align]
[align=center]للأستاذ الدكتور محمد بن عبدالرحمن الشايع
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية[/align]

تفسير القرآن الكريم بمكتشفات العلم التجريبي أو ما اشتهر به التفسير العلمي، موضوع هام شغل بال كثير من القراء والدارسين واختلفت فيه آراء العلماء والباحثين، وكثر فيه التأليف بين مؤيدين ومعارضين.وقبل استعراض هذه الآراء يحسن إِلقاء نظرة على نشأته وتعريفه.

نشأته:

من الصعوبة بمكان تحديد نشوء الأفكار والمذاهب، فهي غالبًا ما تحتاج إِلى زمن تختمر فيه الفكرة وتجتمع لها الأدلة، ويكثر المؤيدون ثم يشتهر أحدهم بإِظهارها وإِبرازها، وليس بالضرورة أن يكون هو صاحبها وأن تكون هي من بنات أفكاره، لكن يكون هو الذي التقطها حين أعجب بها فذكرها ونشرها ودافع عنها، فنسبت إِليه ونقلت عنه.

ومنزع هذا النوع من التفسير للقرآن الكريم قديم.ويشتهر عند الدارسين أن الإِمام الغزالي المتوفى سنة ( 505 هـ) من أوائل المتكلمين في هذا النوع والمستوفين للكلام فيه إِلى عهده حيث بسط القول في هذا الموضوع في كتابه إِحياء علوم الدين، وكتابه الآخر: جواهر القرآن.

فعقد في أولهما بابًا في "فهم القرآن وتفسيره بالرأي من غير نقل " نقل فيه بعض الآثار والأقوال التي استظهر منها ما يريده من أن في القرآن إِشارة إِلى مجامع العلوم كلها، وأن " كل ما أشكل فهمه على النظار واختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات ففي القرآن إِليه رموز ودلالات عليه يختص أهل الفهم بِدَرْكها"[1]

وفيه ينقل عن بعض العلماء قوله: " إِن القرآن يحوي سبعة وسبعين ألف علم ومائتي علم، إِذ كل كلمة علم ثم يتضاعف ذلك أربعة أضعاف إِذ لكل كلمة ظاهرٌ، وباطنٌ وحدٌّ ومطلع ".

وهذا القول المجمل والإِحصاء العددي - بعيدًا عن صحته من عدمها - دليل على تقدم هذا المنزع وأنه أسبق من الغزالي.

وينقل عن بعض العلماء الآخرين قولهم: " لكل آية ستون ألف فهم وما بقي من فهمها أكثر ".

بل يذهب إِلى أبعد من ذلك حين يرفع هذا المسلك إِلى الصحابة فينسب للإِمام علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بأنه قال: " لو شئت لأوقرت سبعين بعيرًا من تفسير فاتحة الكتاب "[2]

فكم نسب للإِمام علي من قول ؟ ! وما منعه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يفعل - ؟ ! !.

ويزيد الإِمام الغزالي هذه الفكرة تفصيلا وبيانًا في كتابه جواهر القرآن فيعقد فيه فصلا يبين فيه كيفية انشعاب العلوم من القرآن ويقسم علوم القرآن إِلى قسمين:

الأول: علم الصدف والقشر وجعل من مشتملاته علم اللغة، وعلم النحو، وعلم القراءات وعلم مخارج الحروف وعلم التفسير الظاهر.

الثاني: علم اللباب وجعل من مشتملاته علم قصص الأولين، وعلم الكلام وعلم الفقه وعلم أصول الفقه، والعلم بالله واليوم الآخر والعلم بالصراط المستقيم وطريق السلوك[3]

ويتوسع الغزالي في كلامه بعد ذلك فيعقد فصلا يبين فيه انشعاب سائر العلوم الأخرى من القرآن الكريم وتفرعها عنه، فيذكر علم الطب والنجوم وتشريح أعضاء الحيوان، وعلم السحر.. وغير ذلك.ثم يختم هذا التفصيل بإِجمال يحيط بما ترك فيقول:

"ووراء ما عددته علوم أخرى يعلم تراجمها ولا يخلو العالم عمن يعرفها ولا حاجة إِلى ذكرها.. ".

ثم قال فأطنب في تأييد هذا المسلك والمذهب.

وما ذكره من عبارات ونقول يوحي لنا بوجود صلة بين هذا المنزع في التفسير وبين التفسير الإِشاري القديم.

ثم يتأيد هذا المنهج بالفخر الرازي (ت 606 هـ) بما ذكره من استطرادات في تفسيره حتى قيل عنه نقدًا لهذا المسلك: فيه كل شيء إِلا التفسير.

وجاء بعد ذلك بدر الدين الزركشي ( ت 794 هـ ) فنصره في كتابه البرهان في علوم القرآن بما أورده من نقول وما عقده من فصول، حيث عقد فصلا بعنوان: "في القرآن علم الأولين والآخرين"[4]

ثم جاء الإِمام جلال الدين السيوطي فقرر ذلك وتوسع فيه في كتابه الإِتقان في علوم القرآن، وكتابه الآخر: الإِكليل في استنباط التنزيل.وساق للاستدلال على ذلك بعض الآيات والآثار.ونقل نصًّا عن أبي الفضل المرسي يؤيد به ما ذهب إِليه من احتواء القرآن على سائر العلوم[5]

فنخلص مما سبق إِيجازه بأوجز منه وهو أن منشأ هذا المسلك قديم وأن تحديد البدء عسير غير يسير.

تعريفه:

عرفنا فيما سبق قِدَم جذور وأصول هذا النوع من التفسير، وأنه تحيَّزَ وتميَّزَ في هذا العصر بشكل أكثر وأظهر.

وقد التمس بعض الباحثين تعريفًا لهذا النوع، ومعلوم أن التعريف ينبغي أن يكون جامعًا مانعًا يعرف منه ما يدخل فيه وما يخرج عنه.

وممن التمس لهذا النوع تعريفًا الأستاذ أمين الخولي حيث قال عنه بأنه: "التفسير الذي يحكّم الاصطلاحات العلمية في عبارة القرآن ويجتهد في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية منها"[6]

وقد نقل هذا التعريف الشيخ محمد حسين الذهبي في كتابه التفسير والمفسرون[7]

واختصره آخرون وتأثر به غيرهم.فقد عرفه الشيخ محمد الصباغ بـ "أنه تحكيم مصطلحات العلوم في فهم الآية، والربط بين الآيات الكريمة ومكتشفات العلوم التجريبية والفلكية والفلسفية"[8]

والتعريف لهذا النوع من التفسير يتأثر بموقف المعرف له منه تأييدًا أو تفنيدًا.فالخولي والذهبي من المنكرين لهذا النوع فكان هذا التعريف متأثرًا بهذا الموقف.

ومن هنا تتوجه له بعض الانتقادات منها: قصوره، وقسوة لفظه ( التحكّم ) في التعريف.كأن كل تفسير علمي كذلك، مع ما توحي به من أن الآية المراد تفسيرها لها معنى آخر غير العلمي المراد منها أن تدل عليه[9]

وعرفه الدارس عبد الله الأهدل في رسالته: التفسير العلمي دراسة وتقويم - بعد انتقاده للتعريف السابق - بأنه: (تفسير الآيات الكونية الواردة في القرآن على ضوء معطيات العلم الحديث بغض النظر عن صوابه وخطئه" ليشمل التفسير الصحيح والتفسير الخاطئ ")[10].

وقوله: " بغض النظر عن صوابه وخطئه " لا ينبغي أن تكون من التعريف ؛ لأن عموم ما قبلها يشملها.

وقد عرض الدكتور فهد الرومي لهذه التعاريف وتعرض لها بالنقد في كتابه: اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري: وخرج بتعريف آخر فقال: "والذي يظهر لي - والله أعلم - أن التعريف الأقرب إِلى أن يكون جامعًا مانعًا أن يقال: المراد بالتفسير العلمي: هو اجتهاد المفسر في كشف الصلة بين آيات القرآن الكريم الكونية ومكتشفات العلم التجريبي على وجه يظهر به إِعجاز للقرآن يدل على مصدره وصلاحيته لكل زمان ومكان".

- ثم شرح عبارات تعريفه بقوله:

( ولا شك أن وصفه بـ " اجتهاد المفسر" يدخل في التفسير العلمي المقبول والمرفوض ؛ لأن المجتهد قد يخطئ وقد يصيب.وقولنا " الربط " ليشمل ما هو تفسير وما هو من قبيله كالاستئناس بالآية في قضية من قضاياه ونحو ذلك..

وقولنا " العلم التجريبي " يخرج بقية العلوم الكلامية والفلسفية ونحوها، وقولنا " على وجه " لبيان ثمرته.وقولنا " يدل على مصدره " نقصد به أنه إِذا ما ثبت هذا التوافق بين نصوص القرآن الكريم وحقائق العلوم ولم يقع أي تعارض بين نص قرآني وحقيقة علمية مهما كانت جدتها وحداثتها، فإِنه لا يمكن أن يقول مثل هذه النصوص بشر قبل اكتشافها بقرون، ولا بد من أن يكون المتكلم بها هو موجد هذه الحقائق ومكونها وهو الله سبحانه وتعالى.وقولنا " وصلاحيته لكل زمان ومكان " نقصد به أنه صالح لكل عصر لا تأتي عليه الأيام ولا الحدثان بما يبطل شيئًا منه فهو صالح لكل عصر وأوان.

هذا ما ظهر لي الآن من المعنى المراد به.( والله أعلم ).أ.هـ [11]

ولا يخلو هذا التعريف الذي ذكره الدكتور الفاضل فهد الرومي من وجهة نظر ففيه طول، وفي وصف الآيات القرآنية بالكونية تضييق لمجاله.كما أن لفظة " الربط " الواردة في شرح التعريف لم ترد في عبارات التعريف نفسه ولعل المراد لفظة " الصلة".

ولعل التعريف الأيسر والأخصر والذي ينبغي أن يكون عليه الحال.أن يقال عنه بأنه (تفسير القرآن الكريم بحقائق العلم التجريبي).

لكن ربما أراد المعرفون الآخرون له تعريفه على ما هو عليه لا تعريفه بما ينبغي أن يكون عليه.

مذاهب الناس في هذا النوع من التفسير:

تنوعت مذاهب العلماء والدارسين في هذا النوع من التفسير واختلفت مواقفهم منه بين مؤيدين ومعارضين على وجه الإِطلاق أو التقييد، حتى إِنه ليكاد يكون لكل واحد رأيه الخاص به بما يضيفه من شروط ويذكره من قيود.

وقد قسمت الدكتورة هند شلبي مواقف العلماء تجاه هذا الموضوع إِلى أربعة أصناف:

1 - المعارضون مطلقًا مع عدم التحيز إِلى العلم.
2 - المعارضون مطلقًا مع التحيز إِلى العلم.
3 - المؤيدون مطلقًا.
4 - المؤيدون المحترزون[12]

وبعيدًا عن كثرة التشعيب والتقسيم سوف أعرض لآراء العلماء مقسمًا لها إِلى نوعين: المعارضين لهذا التوجه، والمؤيدين له: -

1 - المعارضون:

المعارضون لهذا التوجه في التفسير كثيرون قدماء ومحدثين منهم:
1 - أبو حيان الأندلسي ( ت 745 هـ ) في البحر المحيط.
2 - أبو إِسحاق: إِبراهيم بن موسى الشاطبي ( ت 790 هـ ) في الموافقات.
3 - محمود شلتوت في: تفسير القرآن الكريم، ومجلة الرسالة.
4 - أمين الخولي.في: التفسير نشأته، تدرجه، تطوره، وفي دائرة المعارف الإِسلامية.
5 - محمد حسين الذهبي.في: التفسير والمفسرون.
6 - محمد عزة دروزة.في: التفسير الحديث.
7 - شوقي ضيف.في: تفسير سورة الرحمن وسور قصار.
8 - محمد رشيد رضا[13] في: تفسير المنار.
9 - عباس محمود العقاد.في: الفلسفة القرآنية.
10 - عائشة عبد الرحمن ( بنت الشاطئ ).في: القرآن وقضايا الإِنسان.
11 - محمد كامل حسين.في: الذكر الحكيم.
12 - صبحي الصالح.في: معالم الشريعة الإِسلامية.
13 - أحمد محمد جمال.في كتابه: على مائدة القرآن مع المفسرين والكتاب.
14 - عبد المجيد المحتسب.في: اتجاهات التفسير في العصر الراهن.
15 - أحمد الشرباصي.في: قصة التفسير.
16 - إِسماعيل مظهر.في: عدة مقالات له في جريدة الأخبار[14]
17 - سيد قطب.في: ظلال القرآن[15]

وهؤلاء المعارضون تختلف عباراتهم في قسوة انتقادها لهذا التوجه بين متشدد ومعتدل.ويجمعها كلها الرفض له.والاعتراض عليه وعدم القبول به.

فقد عد أبو حيان - في معرض نقده للفخر الرازي - توسع العلماء في مباحث العلوم الأخرى عند تفسير القرآن الكريم، فضولا في العلم.وقسا فجعله: "من التخليط والتخبيط في أقصى الدرجة "[16]

وأعلن أمين الخولي معارضته لهذا التوجه في رسالته الصغيرة عن التفسير بمبحث عَنْوَنَهُ بـ " إِنكار التفسير العلمي " نبه فيه على قدم هذا الاتجاه، وقدم معارضته والاعتراض عليه.

ومثله فعل الشيخ محمد حسين الذهبي [17]

وعد الأستاذ عباس محمود العقاد مؤيدي هذا الصنف من التفسير: "من الصديق الجاهل لأنهم يسيئون من حيث يقدرون الإِحسان، ويحملون على عقيدة إِسلامية وزر أنفسهم وهم لا يشعرون"[18]

وقالت الدكتورة عائشة عبد الرحمن بأن هذا المسلك ضحك على العقول ببدع من التأويلات تقدم للناس من القرآن كل علوم الدنيا وعصريات التكنولوجيا[19]

ويقول د.شوقي ضيف: "وقد تلت الشيخ الإِمام [محمد عبده] تفاسير كثيرة منها ما اهتدى بهديه ومنها ما خاض في مباحث علمية كنت ولا أزال أراها تجنح عن الجادة إِذ القرآن فوق كل علم.ومن الخطأ أن يتخذ ذريعة لإِثبات نظريات علمية في الطبيعة والعلوم الكونية والفلكية وهو لم ينزل لبيان قواعد العلوم ولا لتفسير ظواهر الكون وما ذكر فيه من خلق السماوات والأرض والأفلاك والكواكب إِنما يراد به بيان حكمة الله وأن للوجود خالقًا أعلى يدبره وينظم قوانينه ولا ريب في أن القرآن يدعو أتباعه دعوة عامة إِلى العلم والتعلم للعلوم الرياضية والطبيعية والكونية.ولكن هذا شيء والتحول بالقرآن إِلى كتاب تستنبط منه النظريات العلمية شيء آخر لا يتصل برسالته ولا بدعوته.إِنه دين لهداية البشرية يزخر بما لا يحصى من قيم روحية واجتماعية وإِنسانية وحسب المفسر أن يعنى ببيان ما فيه من هذه القيم ومن أصول الدين الحنيف وتعاليمه التي أضاءت المشارق والمغارب أضواء غامرة "[20]

وقد وصف محمد كامل حسين هذا النوع من التفسير بأنه " بدعة حمقاء " بل جعل هذا الوصف وسما لفصل هو " التفسير العلمي بدعة حمقاء " وقال عنه مرة أخرى بأنه " التفسير الحرباوي " إِشارة إِلى تغيره بتغير العلوم كما تغير الحرباء جلدها.

بل قسا وبالغ فجعله دليلا على ضعف إِيمان الذاهبين إِليه والقائلين به حين قال:

".. والذين يفسرون الآيات الكونية تفسيرًا علميًّا يدلون بذلك على ضعف إِيمانهم ولو كانوا مؤمنين حقًّا ما كانت بهم حاجة إِلى شيء من ذلك يقوي به إِيمانهم فليس مقصودًا بالآيات الكونية غير الوعظ والتفسير الحق الذي هو يقربها من أذهاننا تقريبًا يؤدي إِلى الموعظة والعبرة وكل تعمق في تصويرها تصويرًا واقعيًّا هو بدعة حمقاء "[21].

أدلة المعارضين وأسباب المعارضة:

يقدم المعارضون بعض الاستدلالات، ويوردون بعض التخوفات والاعتراضات لمنع هذا النوع من التفسير، يمكن جمع أظهرها وأشهرها بالآتي:

أولا: إِن للتفسير شروطًا وقيودًا وضوابط يسير عليها قررها العلماء ينبغي لمن يتصدى لتفسير القرآن الكريم أن يكون قد عرفها وأحاط بها ليأتي الأمور من أبوابها.فلا يكون القرآن الكريم حمى مباحًا لكل من حصّل علمًا وحفظ شيئًا فنسي أنه قد غابت عنه أشياء.

ومن شروط ذلك: التمكن من العربية فتفسر ألفاظ القرآن الكريم بما تدل عليه لغة العرب، دون تزيّد في تحميل الألفاظ ما لا تحتمله فيستنبط منها ما لا تدل عليه ولا ترشد إِليه فللألفاظ معانيها المحددة ودلالاتها الخاصة التي وضعت لها وهذا يمنع التوسع العجيب في فهم ألفاظ القرآن وجعلها تدل على معانٍ وإِطلاقات لم تعرف لها ولم تستعمل فيها.أو إِن كانت تلك الألفاظ قد استعملت في شيء منها فباصطلاح حادث في الملة بعد نزول القرآن بأجيال[22]

ثم إِن هذا التفصيل العلمي المستقى من العلوم في عهودها المتأخرة هل هو من مدلولات ألفاظ الآيات أو لا ؟

إِن كان من مدلولات ألفاظ الآيات فكيف لم يفهمه العرب الخُلَّصُ الذين نزل عليهم وبلغتهم.وإِن كانوا فهموه فلماذا لم تقم نهضتهم العلمية التجريبية على هذه الآيات الشارحة والمفصلة لهذه الحقائق والنظريات العلمية المفهمة لدقائقها.

وإِن كانت لم تفهم منها ولم تدل عليها ولم يدركها أصحاب اللغة الخلص في زمن نزولها - كما واقع الحال - فكيف تكون هي معاني القرآن المرادة له والمقصودة منه ؟ ! وكيف يصح تفسيره بها.

وأين بلاغة القرآن حينئذ والبلاغة كما يقولون: هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال[23]

" والقرآن الكريم قد نزل بلسان العرب على قوم يفهمونه وأمر الله نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشرحه وتبيانه والنظريات الحديثة لم تكن معلومة ولا مكشوفة ولا يصح

لمسلم مهما حسنت نيته أن يدعي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يعرف جميع ما تضمنته آيات القرآن "[24]

وليس فيما ورد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا فيما ورد عن أصحابه ما يؤيد هذا الاتجاه أو يدل عليه [25]

ثانيًا: إِن القرآن الكريم إِنما هو كتاب هداية للبشرية كما قال جل وعلا:

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[26]

وليس بكتاب تفصيل لنظريات العلوم ودقائق الفنون وأنواع المعارف من فلك وطب وهندسة وخلافها وأن تطلّب تفصيل ذلك في القرآن الكريم إِنما هو سوء فهم لطبيعة هذا القرآن ووظيفته.

" فلا حاجة بالقرآن الكريم إِلى مثل هذا الادعاء لأنه كتاب عقيدة يخاطب الضمير وخير ما يطلب من كتاب العقيدة في مجال العلم أن يحث على التفكير ولا يتضمن حكمًا من الأحكام يشل حركة العقل أو يحول بينه وبين الاستزادة من العلوم ما استطاع حيثما استطاع.وكل ذلك مكفول للمسلم في كتابه كما لم يكفل قط في كتاب من كتب الأديان "[27]

ثالثًا: إِن هذا اللون من التفسير يعرِّض القرآن للدوران مع أنواع المعارف ونظريات العلوم وهي أمور لا يقر للكثير منها قرار فقد يهدم العلم في الغد ما يراه اليوم من المسلمات فالعلوم الإِنسانية تتجدد مع الزمن على ما هو مقتضى سنة التقدم.

" فلا تزال بين ناقص يتم، وغامض يتضح، وموزع يتجمع، وخطأ يقترب من الصواب، وتخمين يترقى إِلى اليقين.ولا يندر في القواعد العلمية أن تتقوض بعد رسوخ، أو تتزعزع بعد ثبوت.. ويستأنف الباحثون تجاربهم فيها بعد أن حسبوها من الحقائق المفروغ منها عدة قرون " [28]

فلو طبقنا القرآن على هذه المسائل العلمية المتقلبة لعرضناه للتقلب معها وتحمل تبعات الخطأ فيها، وأوقفنا القرآن وأنفسنا مواقف الحرج[29]

رابعًا: إِن هذا المسلك ينطوي على معانٍ عدة لا تليق بجلال القرآن الكريم وكماله، أستأذنك في أن أنقلها لك بعبارة سيد قطب الأدبية الندية.وإِن كان في بعض ما ذكره تكرار لما سبق تقريره.

أولى تلك الأمور فيما قال: "هي الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن والقرآن تابع ومن هنا يحاولون تثبيت القرآن بالعلم.أو الاستدلال له من العلم.على حين أن القرآن كتاب كامل في موضوعه ونهائي في حقائقه.والعلم ما يزال في موضوعه ينقض اليوم ما أثبته بالأمس.وكل ما يصل إِليه غير نهائي ولا مطلق ؛ لأنه مقيد بوسط الإِنسان وعقله وأدواته وكلها ليس من طبيعتها أن تعطي حقيقة واحدة نهائية مطلقة.

والثانية: سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته، وهي أنه حقيقة نهائية مطلقة تعالج بناء الإِنسان.

والثالثة: هي التأويل المستمر - مع التمحل والتكلف لنصوص القرآن كي نحملها ونلهث بها وراء الفروض والنظريات التي لا تثبت ولا تستقر وكل يوم يجد فيها جديد "[30]

ويبين الشيخ محمود شلتوت جوانب الخطأ في هذا الاتجاه فيقول:

"هذه النظرة للقرآن خاطئة من غير شك لأن الله لم ينزل القرآن ليكون كتابًا يتحدث فيه إِلى الناس عن نظريات العلوم، ودقائق الفنون وأنواع المعارف وهي خاطئة من غير شك لأنها تحمل أصحابها والمغرمين بها على تأويل القرآن تأويلا متكلفًا يتنافى مع الإِعجاز ولا يسيغه الذوق السليم.

وهي خاطئة، لأنها تعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان

والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار الأخير، فقد يصح اليوم في نظر العلم ما يصح غدًا من الخرافات..."[31]

خامسًا: إِن في هذا المسلك خطأ منهجيًّا لأن حقائق القرآن الكريم قطيعة نهائية بخلاف ما يصل إِليه الإِنسان من حقائق فإِنها غير قطعية ولا نهائية ففيها النقص والخطأ، فلا يصح تعليق تلك بهذه تعليق تطابق وتصديق[32].

سادسًا: إِن إِدخال التفسيرات العلمية على الإِشارات القرآنية وبالصورة التي جرى عليها بعض الكتاب والعلماء لا بد أن يفضي عما قريب أو بعيد إِلى صراع بين الدين والعلم [33]

يضاف لما سبق الرد على المجيزين لهذا المنهج والمؤيدين له في تمسكهم بظواهر بعض النصوص ك قَوْله تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[34]
وقَوْله تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[35]
ومثل فواتح السور الواردة في القرآن الكريم فهي مما لم يعهده العرب.

فقد أجاب عن هذه الاستدلالات الشاطبي في الموافقات بقوله: " فأما الآيات فالمراد بها عند المفسرين ما يتعلق بحال التكليف والتعبد أو المراد بالكتاب في قوله {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[36] اللوح المحفوظ ولم يذكروا فيها ما يقتضي تضمنه لجميع العلوم النقلية والعقلية.

ثم قال: وأما فواتح السور فقد تكلم الناس فيها بما يقتضي أن للعرب بها عهدًا كعدد الجُمّل [37] الذي تعرّفوه من أهل الكتاب حسبما ذكره أصحاب السير.

أو هي من المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إِلا الله تعالى.وغير ذلك.

وأما تفسيرها بما لا عهد به فلا يكون ولا يدعيه أحد ممن تقدم فلا دليل فيها على ما ادعوا.

ثم قال: فليس بجائز أن يضاف إِلى القرآن ما لا يقتضيه كما أنه لا يصح أن ينكر منه ما يقتضيه، ويجب الاقتصار في الاستعانة على فهمه على كل ما يضاف علمه إِلى العرب خاصة فبه يوصل إِلى علم ما أودع من الأحكام الشرعية، فمن طلبه بغير ما هو أداة له ضل عن فهمه وتقول على الله ورسوله فيه.والله أعلم وبه التوفيق.

بهذه العبارات ينقض الشاطبي تلك الاستدلالات ويوجهها مبينًا رأيه فيها.

تلخيص:

يمكن أن نلخص تلك الأدلة والأسباب بما يلي:

1 - التقيد بفهم معاني الألفاظ بدلالة اللغة وحدود استعمالها وقت نزول القرآن وعدم التوسع في ذلك.ولذا لم يرد هذا النوع من التفسير عن السلف.

2 - أن توسيع دلالة الألفاظ إِلى أوسع مما يعرفه العرب قديمًا يؤدي إِلى عدم بلاغة القرآن لعدم مراعاة مقتضى الحال حينئذ.

3 - أن مهمة القرآن الكريم دينية اعتقادية وليست علمية.

4 - أن هذا المسلك عما قريب أو بعيد سوف يؤدي إِلى الصراع بين الدين والعلم.

5 - ما يؤدي إِليه هذا المسلك من التأويل المتكلف الذي لا يسيغه الذوق السليم ويتنافى مع إِعجاز القرآن.

6 - أن في هذا المسلك تعريضًا للقرآن الكريم لكثرة التأويلات وتغيرها بتغير العلوم وتطورها نظرًا لعدم استقرار المسائل العلمية.

7 - أن التفسير العلمي بدعة حمقاء ودفاع فاسد عن القرآن الكريم من كل وجه.

8 - أن هذا النوع من التفسير يعارض اليسر الذي ينبغي أن تتصف به الشريعة الإِسلامية [38].

9 - عدم فهم الآيات والآثار التي قد يفهم منها هذا المنحى على وجهها الصحيح.



ــــــــ الحواشي : -----------
[1] إِحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي ( 1 / 290 ).
[2] المصدر السابق.
[3] جواهر القرآن ص ( 21 )، وانظر التفسير والمفسرون للذهبي ( 2 / 475 ).
[4] انظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي ( 2 / 181 ).
[5] انظر الإِتقان في علوم القرآن للسيوطي ( 4 / 30 ).
[6] التفسير، نشأته، تدرجه، تطوره: أمين الخولي ص ( 49 )، دائرة المعارف الإِسلامية ( 9 / 420 ).
[7] انظر التفسير والمفسرون ( 3 / 140 ).
[8] انظر: لمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير، محمد الصباغ ص ( 203 ).
[9] انظر اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري، د.فهد الرومي ( 2 / 548 )، ورسالة التفسير العلمي للقرآن الكريم، دراسة وتقويم عبد الله الأهدل.
[10] التفسير العلمي للقرآن الكريم، دراسة وتقويم عبد الله الأهدل ص ( 15 ).
[11] اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري للدكتور فهد الرومي ( 2 / 549 ).
[12] انظر: التفسير العلمي للقرآن الكريم بين النظريات والتطبيق د.هند شلبي ص ( 16 ).
[13] عده الدكتور فهد الرومي في كتابه القيم اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر ( 2 / 567 ) من المؤيدين لهذا التوجه في التفسير .
وعده الدكتور عبد المجيد المحتسب في كتابه اتجاهات التفسير في العصر الراهن ص ( 302 ) من المنكرين لذلك.وبتأمل ما ساقه كل منهما من نصوص استشهد بها على مراده يظهر أن الشيخ رشيد رضا وإِن كان تلميذًا للشيخ محمد عبده أنه أقرب إِلى الإِنكار منه إِلى التأييد، ومن عبارة الدكتور فهد أن رشيد رضا يجعل هذا نوعًا من أنواع إِعجاز القرآن.وقد سبق وأن فرق لنا الدكتور فهد بين التفسير العلمي والإِعجاز العلمي للقرآن، وأن الثاني مسلم به دون نكير.بخلاف الأول .
ثم إِن الشيخ رشيد رضا قد نعى على المتوسعين في مباحث الإِعراب وقواعد النحو ونكت المعاني وجدل المتكلمين وتخريجات الأصوليين واستنباطات الفقهاء المقلدين وتأويلات المتصوفين بحيث حجب هذا التوسع أثر القرآن وصد عن قصده .
وانتقد الفخر الرازي في مسلكه ثم قال: " وقلده بعض المعاصرين بإِيراد مثل ذلك من علوم هذا العصر وفنونه الكثيرة الواسعة، فهو يذكر فيما يسميه تفسير الآية فصولا طويلة بمناسبة كلمة مفردة كالسماء والأرض من علوم الفلك والنبات والحيوان تصد قارئها عما أنزل الله لأجله القرآن، نعم إِن أكثر ما ذكر من وسائل فهم القرآن: فنون العربية لا بد منها، واصطلاحات الأصول وقواعده الخاصة بالقرآن ضرورية كقواعد النحو والمعاني وكذلك معرفة الكون وسنن الله تعالى فيه كل ذلك يعين على فهم القرآن ".تفسير المنار ( 1 / 7، ط 4 ).

[14] جريدة الأخبار في ( 17 / 11 / 1961م ) وانظر: الفكر الديني في مواجهة العصر د.عفت محمد الشرقاوي ص ( 425 ) .
وانظر: -
1 - اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري د.فهد الرومي ( 2 / 578 - 600 ) .
2 - اتجاهات التفسير في العصر الراهن د.عبد المجيد المحتسب ص ( 295 ).
[15] أفاض سيد قطب - رحمه الله - في الحديث عن هذا.فقد وصف حقائق القرآن الكريم بأنها نهائية ووصف ما يصل إِليه الإِنسان ببحثه وجده بأنها حقائق غير نهائية ولا قطعية وجعل تعليق الحقائق القرآنية النهائية بحقائق غير نهائية ولا قطعية خاصة تعليق تطابق وتصديق خطأ منهجي هذا إِذا كانت حقائق.وأما إِذا كانت فرضيات ونظريات فإِضافة إِلى خطئها المنهجي فإِنها تنطوي وتوحي بمعان غير مقبولة فهي توحي بـ:

1 - الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن والقرآن تابع .
2 - سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته .
3 - التأويل المستمر مع التمحل والتكلف لنصوص القرآن كي تحمل، ويلهث بها وراء الفروض والنظريات المتعددة والمتغيرة لكنه مع هذا الرأي أيد الانتفاع بالكشوف العلمية في توسيع مدلول الآيات القرآنية وتعميقها.

[16] البحر المحيط ( 1 / 341 ).
[17] التفسير والمفسرون ( 3 / 140 ).
[18] الفلسفة القرآنية ص ( 16 ).
[19] القرآن وقضايا الإِنسان د.عائشة عبد الرحمن ص ( 426 ).
[20] سورة الرحمن وسور قصار د.شوقي ضيف ص ( 10 ).
[21] الذكر الحكيم، محمد كامل حسين ص ( 59 ).واتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر، د.فهد الرومي ( 2 / 588 ).
[22] التفسير : نشأته ، تدرجه ، تطوره ، أمين الخولي ص (60).
[23] التفسير : نشأته ، تدرجه ، تطوره ، أمين الخولي ص (60).
[24] التفسير الحديث، محمد عزة دروزة ( 2 / 7 ).
[25] اتجاهات التفسير في العصر الراهن د.عبد المجيد المحتسب ص ( 317 ).
[26] سورة الإسراء / 9
[27] الفلسفة القرآنية، عباس محمود العقاد ص ( 15 ).
[28] المصدر السابق.
[29] تفسير القرآن الكريم، الشيخ محمود شلتوت ص ( 11 ) . وانظر: التفسير الحديث، محمد عزة دروزة 2 / 7.ومعالم الشريعة الإِسلامية د.صبحي الصالح ص ( 291 ).
[30] في ظلال القرآن، سيد قطب 1 / 176.
[31] تفسير القرآن الكريم، الشيخ محمود شلتوت ص11
[32] في ظل القرآن، سيد قطب 1 / 176.
[33] الفكر الديني في مواجهة العصر، د.عفت الشرقاوي ص ( 426 ) في مقام عرضه لرأي إِسماعيل مظهر عن جريدة الأخبار بتاريخ 17 / 11 / 1961 م.
[34] سورة الأنعام / 38
[35] سورة النحل / 89
[36] سورة الأنعام / 38
[37] بضم الجيم وتشديد الميم، وهو اسم حساب مخصوص مبناه على كلمات أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ.كل حرف منها يدل على رقم فالحرف من الألف إِلى الطاء للآحاد ومن الياء إِلى الصاد للعشرات ومن القاف إِلى الظاء للمئات وحرف الغين آخرها يمثل ألف ( 1000 ) وهو قول مردود ورد فيه حديث ضعيف من رواية الكلبي.قال ابن كثير من زعم ذلك فقد أدعى ما ليس له وطار في غير مطاره .
انظر: تفسير ابن كثير 1 / 38، وتاج العروس مادة جمل 7 / 364، وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي2 / 11.

[38] انظر: التفسير العلمي للقرآن الكريم، دراسة وتقويم عبد الله الأهدل، رسالة ماجستير - كلية أصول ( ص 194 ) والتفسير العلمي للقرآن الكريم بين النظريات والتطبيق د.هند شلبي ص ( 63 - 69 ).
 
[align=center]الجزء الثاني [/align]


المؤيدون للتفسير بمكتشفات العلم التجريبي ومؤلفاتهم:
حظي هذا النوع من التفسير بمعناه الواسع بمؤيدين له ومدافعين عنه ومكثرين منه. قدماء ومحدثين وسأجمل القائلين بهذا بوجه عام دون تحديد دقيق لرأي كل واحد منهم إِذا يجمعهم التوجه، وإِن اختلفت درجتهم فيه، وذلك تجنبًا للإِطالة المملة وتشعيب الأقوال تكثّرًا. فمنهم:

1 - الإِمام الغزالي في: إِحياء علوم الدين، وجواهر القرآن.
2 - الفخر الرازي (ت 606 هـ) في: تفسيره مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير.
3 - بدر الدين الزركشي (ت 794 هـ) في: البرهان في علوم القرآن.
4 - جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) في: الإِتقان في علوم القرآن والإِكليل في استنباط التنزيل.
5 - ابن أبي الفضل المرسي فيما نقله عنه السيوطي في الإِتقان.
6 - البيضاوي (ت 691 هـ) في: تفسيره أنوار التنزيل وأسرار التأويل.
7 - نظام الدين النيسابوري (ت 728 هـ) في: غرائب القرآن ورغائب الفرقان[1].
8 - محمود شكري الألوسي (ت 1270 هـ) في: روح المعاني[2].
9 - طنطاوي جوهر (ت 1358 هـ) في: الجواهر في تفسير القرآن الكريم، والقرآن والعلوم العصرية.
10 - محمد أحمد الإِسكندراني في "كشف الأسرار النورانية القرآنية فيما يتعلق بالأجرام السماوية والأرضية والحيوانات والنباتات والجواهر المعدنية"[3]. و "تبيان الأسرار الربانية في النباتات والمعادن والخواص الحيوانية "[4].
11 - عبد الله باشا فكري. في رسالته في مقارنة بعض مباحث البيئة بالوارد في النصوص الشرعية [5].
12 - إِبراهيم فصيح - الشهير بحيدري زاده البغدادي. في رسالته في تطبيق الهيئة الجديدة الآثار على بعض الآيات الشريفة وبعض الأخبار.
13 - أحمد مختار باشا الغازي[6].
14 - محمد توفيق صدقي. في محاضراته في سنن الكائنات.
15 - عبد الرحمن الكواكبي. في: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد.
16 - محمد فريد وجدي. في: الإِسلام دين الهداية والإِصلاح.
17 - مصطفى صادق الرافعي. في: إِعجاز القرآن والبلاغة النبوية.
18 - جمال الدين القاسمي. في: محاسن التأويل.
19 - محمد عبده. في تفسير جزء عم. وتفسير المنار.
20 - عبد الحميد بن باديس. في: مجالس التذكير من كلام الحكم الخبير.
21 - د. عبد العزيز إِسماعيل. في: الإِسلام والطب الحديث.
22 - عبد الرزاق نوفل. في: القرآن والعلم الحديث. وغيره من مؤلفاته.
23 - محمد أحمد الغمراوي. في: الإِسلام في عصر العلم.
24 - حنفي أحمد. في: التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن.
25 - محمود أبو الفيض المنوفي. في: القرآن والعلوم الحديثة.
26 - الشيخ محمد متولي الشعراوي. في: معجزة القرآن.
27 - د. محمد عبد الله دراز. في: مدخل إِلى القرآن الكريم.
28 - جمال الدين عيّاد. في: بحوث في تفسير القرآن، وقدرة الله مظاهرها من العلم الحديث.
29 - د. مصطفى مسلم في: مباحث في إِعجاز القرآن.
30 - عبد العزيز بن خلف آل خلف في: دليل المستفيد في كل مستحدث جديد.
31 - د. منصور حسب النبي. في: الكون والإِعجاز العلمي للقرآن.
32 - د. البشير التركي في: لله العلم.
33 - محمد عبد الحليم أبو زيد في: مجلة الأزهر (المجلد 18 / 1560).
34 - د. عبد الله شحاته في: تفسير الآيات الكونية.
35 - أحمد جبالية في: القرآن وعلم الفلك.
36 - د. محمود ناظم نسيمي في: مع الطب في القرآن الكريم.
37 - محمد وفاء الأميري في: آيات الله.
38 - د. عبد العليم عبد الرحمن خضر في: الظواهر الجغرافية بين العلم والقرآن، و: المنهج الإِيماني للدراسات الكونية، وهندسة النظام الكوني في القرآن.
39 - الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: في التحرير والتنوير.
40 - د. عبد الغني عبود في: الإِسلام والكون.
41 - الشيخ حسن البنا. في: مقدمة في التفسير مع تفسير الفاتحة وأوائل سورة البقرة.
42 - د. فهد بن عبد الرحمن الرومي. في: اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري.
43 - الشيخ عبد القاهر داود العاني في: دراسات في علوم القرآن.
44 - محمد صادق عرجون: في: نحو منهج لتفسير القرآن.
45 - محمد أبو زهرة. في: المعجزة الكبرى، القرآن.
46 - د. محمد سعيد رمضان البوطي. في: مقال في مجلة العربي عدد / 246 عام 1399 هـ.
47 - عبد الله بن عبد الله الأهدل. في: التفسير العلمي للقرآن الكريم. دراسة وتقويم[7].
48 - هند شلبي. في: التفسير العلمي للقرآن بين النظريات والتطبيق.
49 - نعمت صدقي. في: معجزة القرآن.
ومنهم الشيخ عبد المجيد الزنداني في مؤلفاته ومحاضراته، والدكتور محمد علي البار في أبحاثه ودراساته.

فهذا استعراض بإِيجاز لعدد كثير من القائلين بالتفسير العلمي يظهر منه انتشار هذا القول وشيوعه على امتداد في الزمان واتساع في المكان فهم مختلفو الديار متعددو المذاهب والمشارب متنوعو التخصصات والثقافات.

واكتفيت بتحديد مؤلفاتهم التي تحمل أفكارهم على وجه الدقة والتفصيل تجنبًا للإِطالة بنقل عباراتهم المحدِّدة لأرائهم، والتي قد تكون بالصفحات[8].

على أنه يتعين التنبيه إِلى أنهم ليسوا على درجة واحدة في قبولهم للتفسير العلمي، فمنهم من يؤيده بإِطلاق واندفاع.
ومنهم من له شروط وقيود فيقبله بحدوده ويقصره على الحقائق العلمية اليقينية القطعية دون النظريات الافتراضية. فالمتوسطون في الرأي والمتحفظون في الحكم هم أقرب إِلى أن يعدوا من المؤيدين منهم إِلى المعارضين لأنهم في المحصلة النهائية يقبلونه بضوابط وشرائط.

أسباب قبول هذا التفسير:

تختلف أدلة ومسببات قبول تفسير القرآن الكريم بمكتشفات العلم التجريبي - أو ما اشتهر بالتفسير العلمي - عند القائلين به وسأحاول في هذه الأسطر عرض أشهر وأظهر ما تبين لي منها.

والآيات والآثار التي سأوردها هي من استدلالات المتقدمين. والتعليلات من آراء المتأخرين. فمن ذلك:

1 - الاستدلال بظاهر عموم بعض الآيات ك قَوْله تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[9].

وقَوْله تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[10].

فيفسرون الكتاب بالقرآن، ويحملون الآية على ظاهر عمومها، وقد ساق الفخر الرازي بعض الاستدلالات للرد على منتقديه في الإِكثار من علم البيئة والنجوم بما يصلح أن يكون من أدلة المؤيدين لهذا النوع من التفسير منها:

1 - قَوْله تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ}[11] حيث حث على التأمل في بنائها وتزيينها.

2 - قَوْله تَعَالَى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[12].

إِذ بين أن عجائب الخلق في أجرام السماوات والأرض أكثر وأعظم وأكمل مما في أبدان الناس.

3 - قَوْله تَعَالَى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[13].

فقد مدح المتفكرين في خلق السماوات والأرض، ولو كان ذلك ممنوعًا منه لما فعل[14].

4 - قَوْله تَعَالَى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[15]

فقوله سنريهم يدل على الاستقبال ومنع هذا النوع من التفسير يؤدي إِلى قصر الإِعجاز القرآني على عصر النبوة فقط. وهذا يعني أن يستقبل القرآن القرون الأخرى دون إِعجاز أو عطاء. وهذا ممنوع[16].

2 - الاستدلال بعموم بعض الأحاديث والآثار من ذلك:

(أ) ما أخرجه الترمذي وغيره "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: سَتَكُونُ فِتَنٌ. قِيلَ: وَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا ؟ قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ"[17] الحديث.

(ب) ما أخرجه أبو الشيخ عن أبي هريرة أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ اللَّهَ لَوْ أَغْفَلَ شَيْئًا لأَغْفَلَ الذَّرَّةَ وَالْخَرْدَلَةَ وَالْبَعُوضَةَ"[18].

(ج) ما أخرجه سعيد بن منصور عن ابن مسعود أنه قال: (من أراد العلم فعليه بالقرآن. فإِن فيه خبر الأولين والآخرين)[19].

3 - أن الله سبحانه وتعالى: ملأ كتابه من الاستدلال على العلم والقدرة والحكمة بأحوال السماوات والأرض وتعاقب الليل والنهار، وكيفية أحوال الضياء والظلام وأحوال الشمس والقمر والنجوم وذكر هذه الأمور في أكثر السور وكررها وأعادها مرة بعد أخرى. فلو لم يكن البحث عنها والتأمل في أحوالهم جائزًا لما ملأ الله كتابه منها.[20]

4 - إِن العلم الحديث ضروري لفهم بعض معاني القرآن الكريم، وليس هناك ما يمنع من أن يكون فهم بعض الآيات فهمًا دقيقًا متوقفًا على تقدم بعض العلوم. يقول مصطفى صادق الرافعي في إِعجاز القرآن "إِن في هذه العلوم الحديثة على اختلافها لعونًا على تفسير بعض معاني القرآن والكشف عن حقائقه"[21].

فتكون الحقيقة العلمية من مرجحات المعنى في الآية القرآنية[22] فإِذا احتملت الآية أكثر من معنى يتعين أن يؤخذ بما يرجحه العلم وتؤكده حقائقه ولا مسوغ البتة في تنكب ذلك وتجنبه، وهذا يعني أن الجهل بحقائق العلوم مدعاة إِلى الخطأ في التفسير.

يؤيد هذا التميز الذي تستقل به المفردة القرآنية، وتنفرد به عن غيرها في سعة معناها ودقة التعبير بها وتخير لفظها مما يستحيل معه أن تؤدي أي كلمة أخرى قريبة منها أو رديفة لها كامل معناها بإِيحاءاته وظلاله ودقائق معانيه، ومن هنا نجد أن غالب القائلين بوجود الترادف في اللغة يمنعونه في القرآن الكريم.

5 - تحقق فوائد كثيرة كبيرة من هذا النوع من التفسير مثل:

(أ) إِدراك وجوه جديدة للإِعجاز في القرآن الكريم، بإِثبات التوافق والتطابق بين حقائق القرآن الكريم القطعية النهائية وحقائق العلم القطعية اليقينية.

(ب) استمالة غير المسلمين إِلى الإِسلام وإِقناعهم به، وتعرّفهم عليه من هذا الطريق ببيان إِعجاز القرآن العلمي لهم وإِقامة الحجة عليهم بذلك.

ج - ما في هذا المسلك من الحث على الالتفات لأسرار هذا الكون والانتفاع بها بما ينفع الناس.

د - امتلاء النفوس إِيمانًا بعظمة الله جل وعلا وقدرته وعظيم سلطانه بعد الوقوف على بعض أسرار هذا الكون التي كشفها العلم وأشار إِليها القرآن الكريم.

هـ - إِظهار التوافق التام بين دين الإِسلام وحقائق العلم ودفع المزاعم الباطلة الجاهلة القائلة بأن هناك عداوة وصراعًا بين العلم والدين. فهذا الكون خلق الله. وهذا القرآن كلام الله.[23]

أضف إِلى كل هذا عدم الاقتناع بأسباب المنع من هذا التوجه في التفسير التي سبق ذكرها.

نماذج من التفسير بمكتشفات العلم التجريبي:

الأمثلة في هذا السياق كثيرة وسأختار منها ما هو قصير يسير تجنبًا للإِطالة في المقال أو التعقيد في المثال. فمنها:

أولا: يقول الله جل وعلا: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ. أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ. بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}[24].

فقد أنكر الكفار بعثهم بعد موتهم واستغربوه واستبعدوه وقالوا: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ. أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ}[25] وقالوا: {هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ. أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ}[26].

فقد روي "أَنَّ عَدِيَّ بْنَ رَبِيعَةَ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: حَدِّثْنِي عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَتَى يَكُونُ ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ أَمْرُهَا وَحَالُهَا ؟ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ. فَقَالَ: لَوْ عَايَنْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ أُصَدِّقْكَ يَا مُحَمَّدُ وَلَمْ أُؤْمِنْ بِهِ أَوَ يَجْمَعُ اللَّهُ هَذِهِ الْعِظَامَ ؟ ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ}[27]"[28].

وفي رواية أخرى أنها نزلت في أبي جهل.

وقد لفت تخصيص البنان بذكر القدرة على إِعادة خلقه رغم صغره، انتباه المفسرين، وحظي باهتمامهم.

فقد أقسم الله في هذه الآيات بيوم القيامة وبالنفس السليمة الصافية الباقية على نقاء فطرتها حيث تلوم صاحبها على معصيته وتقصيره في جنب الله وتفريطه في طاعته.

أقسم الله بهما على أمر عظيم وشأن خطير، على ركن من أركان الإِيمان. وهو بعث الإِنسان يوم القيامة ليس هذا فحسب بل هو قادر على أن يعيد تسوية بنانه سبحانه وتعالى.

ومن هنا طفق المفسرون يلتمسون سر تخصيص البنان بالذكر. وهو جزء صغير من تكوين الإِنسان.

فذكروا تعليلات لطيفة وجيهة لهذا الأمر، وأنه خص بذلك لبديع صنعه ودقيق خلقه. ولما فيه من أعصاب وعروق وأظافر رغم صغر حجمه.

وقد ساهم العلم الحديث بما توصل إِليه من سر البصمة في القرن التاسع عشر الميلادي في كشف بعض جوانب الحقيقة، حيث إِن كل إِنسان على هذه الأرض يتميز ويتفرد ببصمة خاصة به لا تتطابق مع أي شخص آخر في العالم حتى في التوائم العائدة إِلى بويضة واحدة.

وذلك أن "البصمة تتكون من خطوط بارزة في بشرة الجلد تجاورها منخفضات وتعلو الخطوط البارزة فتحات المسام العرقية تتمادى هذه الخطوط وتتلوى، وتتفرع عنها تغصنات وفروع لتأخذ في النهاية وفي كل شخص شكلا متميزًا "[29].

ولهذا السبب فقد اعتمدت هذه الطريقة لتمييز الأشخاص واكتشاف المجرمين واللصوص[30]

وتتجلى عظمة الخالق جل وعلا في تمييز أشكال البصمة مع ضيق المساحة المتاحة، وتكاثر ألوف الملايين من البشر.

يقول صاحبا كتاب: مع الطب في القرآن الكريم: "فقد يكون هذا هو السر الذي خصص الله تبارك وتعالى من أجله البنان".

قلت: لا ينبغي أن يحصر سر ذلك البنان بما تمت معرفته، فقد تكشف الأيام عن المزيد وإِنما هو بعض أسرار الله في خلقه وليس في الآية ما يدل على الحصر.

بل إِن هناك توجهات جديدة لمعرفة العلاقة بين الخطوط الموجودة في كف الإِنسان

والحالات المرضية من جسمية ونفسية وذلك للعلاقة القوية الموجودة بين المخ والجهاز العصبي والحواس من جهة، وبين سطح الجلد من جهة أخرى[31].

ثانيًا: قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا}[32].

تتحدث الآية الكريمة عن قدرة الله العظيمة، وعن أحداث يوم القيامة الجسيمة، فالله جل وعلا الذي بعث الإِنسان وهو رميم فأحياه بعد ممات وجمع أعضاءه بعد شتات، قادر على تبديل جلده المحترق بجلد جديد، وليس شيء على الله بعزيز. إِنما إِشارة الإِعجاز في الآية تكمن في تعليل هذا التبديل وأنه {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}[33].

فالآية ظاهرة الدلالة في أن علة التغيير والتبديل للجلود ليذوقوا المزيد من العذاب الأليم. فدل ذلك على أن أكثر أعضاء الجسم غنى بمستقبلات الألم هو الجلد. كما أن الحروق هي أشد المنبهات الألمية.

وهذا ما عرفه العلم الحديث وقرره. ذلكم أن الجلد غني بالألياف العصبية التي تقوم باستقبال ونقل جميع أنواع الحس. لذا فإِنه عندما يحقن الإِنسان بإِبرة فإِنه يشعر بذروة الألم عندما تجتاز الإِبرة الجلد. ومتى تجاوزت الجلد خف الألم[34].

فظهر من الآية الكريمة أن تجديد الجلود ليستمر ويدوم الشعور بالألم دون انقطاع ويذوقوا العذاب الأليم. أعاذنا الله من عذابه.

ثالثًا: يقول الله جل وعلا: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ. ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[35].

في داخل مملكة النحل الكثير من عجائب الخلق، وبدائع الصنع ودقائق التنظيم أظهرت ذلك الدراسات المستفيضة والرصد الواعي للنحلة في مملكتها فتعرفت الدراسات على أنواعها ومهمات كل نوع منها وروعة التنظيم فيها واختيار الشكل السداسي لبناء بيوتها دون غيره من أنواع الأشكال الهندسية الكثيرة ؛ لأنه الشكل الهندسي الوحيد التي لا تبقى معه أية فراغات أو زوايا مهملة.

ويتوج ذلك ما يخرج من بطون النحل من عسل مصفى منقى يحصل به الشفاء لكثير من أدواء المرضى. فقد قررت الآية الكريمة هذه النتيجة الهامة السّارة: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[36].

قررت الآية ذلك وتركت التفصيلات لجهد الإِنسان المحوط بعناية الله وهدايته.

ليكتشف أساليب العلاج به، وأنواع ما يشفيه من مرض، وأثر ألوان العسل الناتج عن نوع غذائه في ذلك.

وقد اتجهت الكثير من الدراسات للتعرف على مكونات العسل ومزاياه فاكتشفوا شيئًا وبقيت أشياء. فوجدوا أنه منبع للمواد السكرية الطبيعية، وأنه يحتوي على مجموعة من الفيتامينات، والبروتينات والأملاح المعدنية.

ووجدوا أن فيه مواد مضادة لنمو الجراثيم. وأنه مادة شديدة التعقيد يحتوي على مواد مختلفة لم تجتمع في أي مادة أخرى، فأصبح العسل علاجًا لكثير من الأمراض كأمراض الروماتيزم، ومرض التراخوما ولعلاج أمراض القلب والذبحة الصدرية، وللمصابين بقرح المعدة والاثنى عشر. حين يؤخذ قبل وجبات الطعام بنحو ساعة مذابًا في كوب ماء دافئ ومفيد في علاج الزكام وواق لنخر الأسنان، ومعجل بالتئام الجروح وغيرها كثير ليس هذا مجال الإِطالة بذكرها ولا بيان كيفية استعمالها. بل إِن فوائده الطبية لا تقتصر على العسل بل وتشمل السم وحبيبات اللقاح[37].

ويكفي أن القرآن الكريم قرر هذه الحقيقة ثم ربطها بما ينبغي أن تهدي إِليه وتدل عليه من قدرة الخالق جل وعلا وبديع صنعه الذي خلق فسوى، والذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. إِنها آية تدل من فكر وتدبر. وكم في كون الله من آياته.

ففي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد

لكنها لا تدل إِلا من يتفكر. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[38].

رابعًا: قال الله جل وعلا: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}[39].

ذكر علماؤنا المتقدمون أقوالا عدة في معنى الآية، نقل ابن كثير جملة منها فقال: "وقال ابن مبارك فعن ابن جريج: ضيقًا حرجا بلا إِله إِلا الله. حتى لا تستطيع أن تدخل قلبه كأنما يصعد في السماء من شدة ذلك عليه. وقال سعيد بن جبير: يجعل صدره ضيقًا حرجًا قال: لا يجد فيه مسلكًا إِلا صعد. وقال السدي: (كأنما يصعد في السماء) من ضيق صدره. وقال عطاء الخراساني: (كأنما يصعد في السماء مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد إِلى السماء). وقال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس: "{كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}[40] "يقول: "فكما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء فكذلك لا يستطيع أن يدخل التوحيد والإِيمان قلبه حتى يدخله الله في قلبه "[41].

هذه بعض الأقوال في الآية تنتهي إِلى صعوبة - أو استحالة - دخول الإِيمان في النفوس كصعوبة الصعود إِلى السماء. وربما أن بعضهم كان يرى هذا التعبير ضربًا من الخيال، أو تفننًا في المجاز - عند القائلين به - لا تراد حقيقته. بينما هو الآن نبوءة تحققت. وحقيقة تجلت.

وفي الآية من وجوه البلاغة وأسرار البيان ما تنشرح معه النفس في أولها وتنقبض في آخرها تأثرًا بإِيحاء وظلال ألفاظها.

وقد كشف العلم الحديث أن الصعود والارتفاع في الجو لمسافات عالية يسبب ضيقًا في التنفس وشعورًا بالاختناق يزداد بازدياد الارتفاع حتى ينتهي إِلى درجة صعبة جدًّا وحرجة تنتهي به إِلى الموت. وقالوا إِن ذلك عائد لأمور:

منها انخفاض نسبة الأكسجين في الارتفاعات العالية حتى تنعدم نهائيًّا.

وانخفاض الضغط الجوي حيث يؤدي ذلك إِلى معدل نقص مرور الهواء عبر الأسناخ الرئوية إِلى الدم. كما يؤدي إِلى تمدد غازات المعدة والأمعاء فيضغط ذلك على الرئتين ويعيق تمددها، وذلك يؤدي إِلى ضيق وصعوبة التنفس، مع برودة الجو، وانعدام الوزن[42].

هذه بعض الأمثلة تخيرتها قصيرة تجنبًا للكثرة والإِطالة. وقد قدر بعض الباحثين آيات القرآن الكريم التي تحدثت عن الأنفس والأكوان بما يزيد عن (900) آية[43] منثورة في سور القرآن الكريم.



--- الحواشي ----------------
[1] تأثرًا بالفخر الرازي حيث ينقل عنه .
[2] لما ينقله عن الفخر الرازي . وما يذكره من التفسير الإِشاري ومنزعه علمي قديم .
[3] كتاب يقع في ثلاثة أجزاء بمجلد واحد طبع بالمطبعة الوهبية بمصر سنة 1297 هـ انظر : التفسير : نشأته، تدرجه، تطوره لأمين الخولي ص (52) والتفسير والمفسرون للذهبي 2 / 497 .
الأعلام للزركلي 6 / 246 ، معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة 8 / 233 .
[4] طبع في سوريا سنة 1300 هـ عن : التفسير ، نشأته ، تدرجه ، تطوره لأمين الخولي ص (52
[5] مطبوعة في القاهرة سنة 1351 هـ .
[6] كان صدرًا أعظم للدولة العثمانية، له بحث في الآيات الكونية في القرآن .
انظر: اتجاهات التفسير في العصر الراهن د. عبد المجيد المحتسب، ص (264)، معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة 2 / 173.
[7] رسالة ماجستير في كلية أصول الدين بالرياض.
[8] فتنظر تلك المؤلفات : أو تراجع بعض النقول عن بعضهم في :
1 - التفسير والمفسرون للذهبي 2 / 474 وما بعدها .
2 - اتجاهات التفسير في العصر الراهن د . عبد المجيد المحتسب ص (247) وما بعدها .
3 - اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري للدكتور فهد الرومي 2 / 550
4 - التفسير العلمي للقرآن الكريم بين النظريات والتطبيق د . هند شلبي .
[9] سورة الأنعام / 38
[10] سورة النحل / 89
[11] سورة ق / 6
[12] سورة غافر / 57
[13] سورة آل عمران / 191
[14] التفسير الكبير للفخر الرازي 14 / 121.
[15] سورة فصلت / 53
[16] انظر المنهج الإِيماني للدراسات الكونية في القرآن الكريم د. عبد العليم عبد الرحمن خضر، ص (244) - بتصرف.
[17] أخرجه الترمذي في سننه، كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل القرآن (5 / 172). وقال عنه: وهذا حديث لا نعرفه إِلا من هذا الوجه، وإِسناده مجهول وفي الحارث مقال
[18] أخرجه أبو الشيخ الأصفهاني في " كتاب العظمة " (2 / 534) وفي سنده أبو أمية بن يعلى ضعفه غير واحد. انظر ميزان الاعتدال (1 / 254).
[19] انظر الإِتقان للسيوطي 4 / 28، الإِكليل للسيوطي أيضًا ص (2)، التفسير والمفسرون للذهبي 2 / 477 .
وقد ساق السيوطي في الإِتقان الكثير من الروايات والأقوال التي ترجع أنواع العلوم إِلى القرآن الكريم. وفي كثير منها الكثير من البعد والتكلف.
[20] التفسير الكبير للفخر الرازي 14 / 121.
[21] إِعجاز القرآن، مصطفى صادق الرافعي ص (143).
[22] انظر التفسير العلمي للقرآن الكريم بين النظريات والتطبيق. د. هند شلبي، ص (58).
[23] راجع: -
1 - مناهل العرفان في علوم القرآن للشيخ عبد العظيم الزرقاني 1 / 568 .
2 - اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر د. فهد الرومي 2 / 602.
[24] سورة القيامة / 1 - 4
[25] سورة الصافات / 16 - 17
[26] سورة ق / 2 - 3
[27] سورة القيامة / 3
[28] انظر أسباب النزول للواحدي بتحقيق السيد أحمد صقر ص (477). والبحر المحيط 8 / 385. وذكره القرطبي (19 / 63) بغير سند - كما ذكره ابن الجوزي مختصرًا (8 / 417).
[29] انظر: مع الطب في القرآن الكريم، عبد الحميد دياب، د. أحمد قرقوز ص (23).
[30] وقد تطور الوضع إِلى ما يعرف بالبصمة الوراثية وهي أحدث أسلوب لمعرفة الجناة وقد توصل إِليها عام 1984 م وهي تشمل بصمة البنان أو نقطة دم، وجذرة شعر. وكل ما يتعلق بالوراثة، وقالوا: إِنه يمكن التعرف من خلال البصمة الوراثية على صاحب منديل متروك في مكان الحدث منذ سنين. جريدة الشرق الأوسط. عدد 133493.
[31] انظر: التفسير العلمي للقرآن الكريم بين النظرية والتطبيق، د. هند شلبي ص (139).
[32] سورة النساء / 56
[33] سورة النساء / 56
[34] مع الطب في القرآن الكريم، ص (30).
[35] سورة النحل / 68 - 69
[36] سورة النحل / 69
[37] انظر: مع الطب في القرآن الكريم ص (182).
[38] سورة الرعد / 3
[39] سورة الأنعام / 125
[40] سورة الأنعام / 125
[41] تفسير ابن كثير 2 / 189.
[42] مع الطب في القرآن ص (21).
[43] انظر القرآن والعلوم، للدكتور جمال الدين الفندي، وكتاب "مباحث في إِعجاز القرآن "د. مصطفى مسلم ص (150).
[/font]
 
[align=center]الجزء الثالث والأخير[/align]

ضوابط للتفسير بمكتشفات العلم التجريبي :

من خلال الآراء والمذاهب في قبول تفسير القرآن الكريم بمكتشفات العلم التجريبي أو رفضه تكونت لدى عدد من الباحثين ضوابط وشرائط لا بد من مراعاتها والالتفات إِليها والعناية بها عند التعرض لتفسير بعض الآيات القرآنية من وجهة النظر العلمية التجريبية. من أظهر وأشهر هذه الضوابط.

أولا: تفهم مهمة القرآن الأساسية :

فالقرآن الكريم كتاب هداية للبشرية يهديها إِلى باريها ويبين لها الصراط المستقيم الذي يجب أن تسير عليه لتسعد في دنياها وأخراها.
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}[1].
فقد جاء القرآن الكريم ليبين للناس مهمتهم التي خلقوا لأجلها وكلفوا بها في هذه الحياة، وهي عبادة الله جل وعلا وحده: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[2].
وقد سلك القرآن الكريم كل المسالك والسبل من فطرية وعقلية ليبين لهم هذا الحق ويحملهم عليه ويدعوهم إِليه. فذكّر الإِنسان بأصله. ودعاه إِلى التفكر في نفسه {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[3].

ونبهه إِلى ما حوله في هذه الأرض التي تقله والسماء التي تظله. فبسط له الأرض ويسرها وأودع فيها وعليها ما ينفع الإِنسان ويدل على قدرة الخالق وعظمته ورحمته. إِلى غير ذلك من خلق الله وعظيم آياته التي تدل عليه وتدعو إِليه. فيتعين أن تبقى الدراسات القرآنية المتعلقة بالآيات الكونية في حدود هذا الغرض ومحققة له؛ لأن استغلال هذه الموجودات والاستفادة المادية منها فقط دون الاهتداء بها إِنما هو منهج جاهل، جاحد، ضال، لأن هذه الآيات الموجودة، وهذه العظمة القائمة، والدقة المتناهية في هذا الخلق بأرضه وسمائه، ببحاره ومجراته، بحيوانه ونباته، بإِنسانه وكل أجزائه إِنما هي شواهدُ قواطع، وبراهين سواطع على وجود الله جل وعلا وقدرته وعظمته وأنه الإِله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي يجب أن تصرف العبادة له وحده.

فالإِنسان الذي يشهد ويشاهد كل هذه المخلوقات والمشاهد ثم لا يهتدي إِنما هو أضل من حمار أهله. وتأمل قَوْله تَعَالَى وكفى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[4].

ثانيًا: الاعتدال في التناول دون إِفراط أو تفريط:
بعد أن تقرر أن القرآن الكريم كتاب هداية وأن فيه الكثير من الآيات البينات التي تَذْكر الكون وتذكِّر الإِنسان بما فيه من دقائق وحقائق، عليه أن يلتفت إِليها ويستفيد منها ويستدل بها. ولا يصح إِهمالها أو الإِعراض عنها. بل ينبغي أن تتناول في هذا النطاق دون إِغراق في بحث خصائصها ودقائقها لأن هذا المسلك يحوّل التفاسير إِلى كتب اختصاص لهذه العلوم. ويحول دون تأثير القرآن في النفوس وإِنارته للقلوب. وهدايته للعقول. وهو الهدف الأساسي له ولعل مسلك الإِفراط في التناول وعدم الاعتدال فيه. وحشو التفاسير بتلك التفاصيل التي فيها ما يصح وما لا يصح كان أحد أسباب رفض هذا النوع من التفسير.
وكما ننتقد حشو التفاسير بالإِسرائيليات، والاستطرادات النحوية، والعقدية وخلافها. فهذا من ذاك.

فالقرآن الكريم إِنما يشير إِلى مجمل الحقيقة دون تفسير وتفصيل. وفي هذه الإِشارة عظيم الدلالة على أن هذا القرآن تنزيل من حكيم حميد. وليس من عند بشر. إِذ لو كان من عند غير الله لوجد الناس فيه اختلافًا كثيرًا وكبيرًا.

ثالثًا: الاقتصار على الحقائق:
ينبغي الاقتصار في تفسير آيات القرآن الكريم على الحقائق العلمية القطعية اليقينية. دون النظريات والفرضيات العلمية ؛ لأن النظريات قابلة للتغير والتبدل. فربطها بالآيات وتفسير الآيات بها. ثم تغير التفسير بتغير النظرية يوقع في بعض النفوس ظلالا من الشك والريب. ما أغنانا عن ذلك.

رابعًا: اليقين باستحالة التعارض الصريح بين حقائق القرآن الكريم والحقائق العلمية:

ينبغي أن يكون في عقيدة ويقين كل مسلم استحالة التعارض والتصادم بين صريح دلالة آية قرآنية، وحقيقة علمية قطعية يقينية على الرغم من تقدم العلوم وكثرة حقائقها وقواعدها على امتداد الزمان واختلاف المكان وهذا الأمر من المسلمات البدهيات في عقيدة المسلم. وهذا من أظهر وأبهر وجوه الإِعجاز العلمي في القرآن الكريم.
ومرد ذلك انسجام العقائد في الإِسلام ؛ لأن الحقائق القرآنية، والحقائق العلمية تخرج من مشكاة واحدة، وتصدر من مصدر واحد، فهذا الكون خلق الله، وهذا القرآن كلام الله.
ولن يخبر الله في كتابه بخلاف حقائق خلقه فهو خالقها بهيئاتها وحقائقها ودقائقها لا يعزب عن علمه منها شيء. {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[5] ؟ !
{قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}[6] وما قد يلوث في بعض الأذهان من توهم بوجود تناقض وتعارض إِنما هو سوء فهم لإِحدى الحقيقتين القرآنية أو العلمية ؛ لأن التعارض والتصادم بينهما مستحيل قطعًا. فقد تكون الآية غير صريحة في دلالتها فالوهم في سوء الفهم، أو أن تكون المسألة نظرية علمية لا حقيقة علمية.

خامسًا: الاستفادة من مزايا التعبير القرآني الكريم:
يمتاز الأسلوب القرآني الكريم بمزايا باهرة قاهرة من أظهرها مرونة أسلوبه، وخصوصية كلماته، وسعة دلالة مفرداته، ودقة عباراته، ودقة العبارة لا تعني ضيق الدلالة، ولهذا كان القرآن الكريم حمّال وجوه. تتسع الآيات لوجوه من التأويل تكون معه آياته أوسع من أن تحصر في دلالة ضيقة ولا ينبغي أن يساء هذا الفهم لتحميل الآيات ما لا تحتمل ويستخرج منها ما لا تدل عليه.

إِذ إِنها سعة داخل دلالة الكلمات واستعمالاتها اللغوية الصحيحة وهذه الميزة تؤدي إِلى عدم حصر دلالة الآية على حقيقة علمية واحدة، فإِذا ما اتسعت دلالة الكلمة القرآنية لغويًّا، وأيدت حقيقة علمية إِحدى هذه الدلالات فإِنه يؤخذ بها لكن ينبغي ألا يكون على سبيل الحصر والقصر عليها، ويحكم ببطلان ما عداها من الدلالات الأخرى للمفردة القرآنية فليس ببعيد أن تكون الحقيقة العلمية المكتشفة إِحدى دلالات الآية القرآنية لا كل دلالتها فلا نتحجر في دلالة الآية واسعًا.

فقد علل المتقدمون تخصيص ذكر البنان في قَوْله تَعَالَى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}[7] بتعليل صحيح سليم. وكشف العلم التجريبي المتأخر عن خاصية لِلْبنان كانت مجهولة فتكشف شيء من سر تخصيصه بالذكر، وقد تكشف قوادم الأيام ما لا يعرف الآن. وهكذا باقي الآيات[8]

فسبحان الذي خلق فسوى. والذي قدر فهدى.

رأيٌ في الموضوع:

لا شك في إِعجاز القرآن الكريم من كل الوجوه. وهناك تفريق بين الإِعجاز العلمي في القرآن الكريم، وما اشتهر بالتفسير العلمي للقرآن فالأول متفق عليه لا إِنكار له ؛ لأنه لن يكون هناك تعارض بين حقيقة قرآنية وحقيقة علمية قطعية ؛ لأنهما من مشكاة واحدة، فالكون خلق الله. والقرآن كلام الله.

لكن وقع الخلاف في الثاني وهو التفسير العلمي للقرآن، وذلك بأن نأتي بمسائل العلم التجريبي فنفسر بها دلالة الآيات كما سبق بيانه.

والملاحظ أن مسلمي هذا العصر يسترخون في الدرس والبحث. ويستلقون على آرائكهم فإِذا ما ظهرت مسألة علمية وخرجت من الفرضية النظرية لتدخل حيز الحقائق العلمية سارع بعضهم للقول بأننا نعرفها قبل ذلك، وأن القرآن الكريم أشار إِليها. وقد تكون هذه الإِشارة القرآنية إِليها قريبة أو بعيدة.

والمسلك الأمثل والأنفع أن تكون للمسلمين مراكز أبحاث ودراسات تنكب على الموضوعات بعمق وأناة وأن تكون إِشارات القرآن العلمية - وكذلك صريح وصحيح السنة النبوية - هي طليعة ما يدرس ويبحث.

وهذا المسلك والمنهج يجعلنا نظفر بالنتيجة سلفًا في بعض الحالات وتبقى معرفة الأسرار والتفصيلات. والتي ينبغي أن تكون هي محل الدراسة والبحث.


وبضرب المثال يتضح المقال:

1 - في قَوْله تَعَالَى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}[9] دلالة على تميز البنان بشيء أو أشياء ولهذا خص بالذكر، هذه هي النتيجة ويبقى التساؤل عن هذه الميزة. فقد عرفنا شيئًا وباستمرار البحث قد نعرف أشياء.

2 - قال جل وعلا عن النحل وما يخرج منه من عسل {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}[10]

فالآية صريحة في تقرير حقيقة أن في العسل شفاء للناس. فكان المفروض في المسلمين أن تنصب دراساتهم، وينكب الباحثون منهم في معرفة أسرار وتفصيل ذلك، وبأيديهم النتيجة المقطوع بها. فتنصرف الدراسات والأبحاث لمعرفة أي أنواع الأمراض التي يشفيها العسل، وأسلوب التناول والاستعمال وأثر غذاء النحل واختلاف ألوانه في الشفاء إِلى غير ذلك من المسائل والتفصيلات المتعلقة بهذا. وهكذا في آيات كثيرة أخرى.

وفي الحديث الصحيح: "الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ"[11].
فهذا الحديث صحيح في سنده. صريح في دلالته. مقطوع بنتيجته لكن هل أجرت مراكز أبحاثنا ما يكفي من الدراسات للتعرف على خصائص هذا الماء ولأي الأدواء يكون فيه الشفاء ؟

فلماذا يتأخر المسلمون عن مثل هذه الدراسات حتى إِذا ظهرت في غرب أو شرق سارعنا إِلى القول بأن هذا عندنا مذكور في كتاب ربنا وسنة نبينا. فأين كنا ؟.

--- الحواشي ------------
[1] سورة الإسراء / 9
[2] سورة الذاريات / 56 - 58
[3] سورة الذاريات / 21
[4] سورة الأعراف / 179
[5] سورة الملك / 14
[6] سورة الفرقان / 6
[7] سورة القيامة / 4
[8] انظر: مباحث في إِعجاز القرآن لدكتور مصطفى مسلم (152 - 156).
[9] سورة القيامة / 4
[10] سورة النحل / 69
[11] أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الطب، باب ما جاء في الكمأة والعجوة (4 / 401) وقال عنه: هذا حديث حسن صحيح



المصدر : رسالة الإسلام .
 
رأيٌ في الموضوع:

....والملاحظ أن مسلمي هذا العصر يسترخون في الدرس والبحث. ويستلقون على آرائكهم فإِذا ما ظهرت مسألة علمية وخرجت من الفرضية النظرية لتدخل حيز الحقائق العلمية سارع بعضهم للقول بأننا نعرفها قبل ذلك، وأن القرآن الكريم أشار إِليها. وقد تكون هذه الإِشارة القرآنية إِليها قريبة أو بعيدة.

والمسلك الأمثل والأنفع أن تكون للمسلمين مراكز أبحاث ودراسات تنكب على الموضوعات بعمق وأناة وأن تكون إِشارات القرآن العلمية - وكذلك صريح وصحيح السنة النبوية - هي طليعة ما يدرس ويبحث.

وهذا المسلك والمنهج يجعلنا نظفر بالنتيجة سلفًا في بعض الحالات وتبقى معرفة الأسرار والتفصيلات. والتي ينبغي أن تكون هي محل الدراسة والبحث.



فلماذا يتأخر المسلمون عن مثل هذه الدراسات حتى إِذا ظهرت في غرب أو شرق سارعنا إِلى القول بأن هذا عندنا مذكور في كتاب ربنا وسنة نبينا. فأين كنا ؟. [/size
المصدر : رسالة الإسلام .


كثيرا ما نسمع مثل هذا الكلام من المعترضين على القول بالإعجاز العلمي ويوردونه على أنه يطعن في القول بالإعجاز وهذا في نظري إيراد لا يصح ولا يستقيم، لأن القرآن خطاب للبشرية جمعاء على اختلاف عقائدهم.
وإذا سبق أولئك إلى اكتشاف سنن الله في الكون والمخلوقات ووافق ما في القرآن فلماذا نرده ونطعن فيه؟
 
شيخنا الفاضل : المشرف العام وفقه الله لكل خير .
أفدتنا بهذا الكلام القيم وذلك ما عهدناه من فضيلتكم حفظكم الله تعالى ..
وتكميلا للفائدة أبين ملاحظات أجملها فيما يلي :
1 - ما يسمى بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم تحول حوله شبهات كثيرة ومخاطر عظيمة على عقائد المسلمين ، فإذا كان المسلمون يجزمون بأن القرآن من عند الله تعالى جزما يقينيا يمرتبة العقائد ؛ فمن الخطر أن نجعل من وسائل إيمانهم بكتاب الله تعالى كونه يتوافق أو لا يتوافق مع العلوم التجريبية ؛ وخاصة في هذا الظرف الذي لا يملك فيه المسلمون في هذه العلوم سوى اتبعية المطلقة لما تقرره مجامع البحوث الكافرة ..
2 - أنه لا يخلو مثال لهذا الإعجاز في أي آية من مقال ، وحتى المثال الذي ذكرت في قوله تعالى : "بلى قادرين على أن نسوي بنانه" لا يختص بالبنان ؛ بل كل شخص له لون خاص لا يشاركه فيه أحد ، وله صوت يميزه عن جميع الموجودين على الأرض ..
فليست المسألة علميا خاصة بالبنان أو البصمة ، وربما يدل على ذلك قوله تعالى : "ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانهم" الآية.
3 - معارضوا ما يسمى بالإعجاز العلمي ليسوا ضد البحث في أسرار القرآن الكريم ولكن بالاعتماد على وسائل التفسير المعروفة عند أهل العلم ، أما إطلاق العنان لكل مراهق وشاب قرأ مقالة لنصراني أو يهودي في مجلة علمية فيأتي يمد لسانه ويده في كتاب الله تعالى ويفسر ويرجح ويضعف ما أجمع علماء الأمة عليه ؛ فلا أظن مسلما يقبل هذا أو يدعو إليه أو يقره ..
وجزاك الله خيرا على هذا التوجيه المشرب من الأدلة الشرعية الدقيقة ؛ فأرجو أن ينفع الله بها من يريد الخير من زوار وأعضاء هذا الملتقى المبارك ..
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه ويصون كتابه من عبث العابثين ومكر الماكرين وحقد الحاقدين ..
 
عبدالرحمن الشهري;91452[color=#0000CC قال:
رأيٌ في الموضوع:

لا شك في إِعجاز القرآن الكريم من كل الوجوه. وهناك تفريق بين الإِعجاز العلمي في القرآن الكريم، وما اشتهر بالتفسير العلمي للقرآن فالأول متفق عليه لا إِنكار له ؛ لأنه لن يكون هناك تعارض بين حقيقة قرآنية وحقيقة علمية قطعية ؛ لأنهما من مشكاة واحدة، فالكون خلق الله. والقرآن كلام الله.

لكن وقع الخلاف في الثاني وهو التفسير العلمي للقرآن، وذلك بأن نأتي بمسائل العلم التجريبي فنفسر بها دلالة الآيات كما سبق بيانه.

والملاحظ أن مسلمي هذا العصر يسترخون في الدرس والبحث. ويستلقون على آرائكهم فإِذا ما ظهرت مسألة علمية وخرجت من الفرضية النظرية لتدخل حيز الحقائق العلمية سارع بعضهم للقول بأننا نعرفها قبل ذلك، وأن القرآن الكريم أشار إِليها. وقد تكون هذه الإِشارة القرآنية إِليها قريبة أو بعيدة.

والمسلك الأمثل والأنفع أن تكون للمسلمين مراكز أبحاث ودراسات تنكب على الموضوعات بعمق وأناة وأن تكون إِشارات القرآن العلمية - وكذلك صريح وصحيح السنة النبوية - هي طليعة ما يدرس ويبحث.

وهذا المسلك والمنهج يجعلنا نظفر بالنتيجة سلفًا في بعض الحالات وتبقى معرفة الأسرار والتفصيلات. والتي ينبغي أن تكون هي محل الدراسة والبحث. [/color]
[/url].

شيخنا الكريم بارك الله فيك ، أود أن أسأل :

هل هذا هو رأيكم الشخصى فى الموضوع ؟ أو على الأقل هو الرأى الذى تطمئنون اليه ؟
فان لم يك لا هذا ولا ذاك ، فما هو رأيكم فيه ؟
أقول هذا رفعا للالتباس لأنى لاحظت أن مداخلتكم الأخيرة قد انتهت بذكر المصدر ، بما يعنى أنه نقل
ونتطلع الى معرفة رأى فضيلتكم الشخصى فيما أوردته لنا
مع بالغ الاحترام والتقدير
 
جزاكم الله خيرا
وأتمنى ان نرىمزيد أبحاث من مجلات علمية وان يكون صيدا من المجلات العلمية شرقا وغربا واقتباسا لأفضلها
 
يضاف لما سبق الرد على المجيزين لهذا المنهج والمؤيدين له في تمسكهم بظواهر بعض النصوص ك قَوْله تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[34]
وقَوْله تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[35]
ومثل فواتح السور الواردة في القرآن الكريم فهي مما لم يعهده العرب.

فقد أجاب عن هذه الاستدلالات الشاطبي في الموافقات بقوله: " فأما الآيات فالمراد بها عند المفسرين ما يتعلق بحال التكليف والتعبد أو المراد بالكتاب في قوله {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[36] اللوح المحفوظ ولم يذكروا فيها ما يقتضي تضمنه لجميع العلوم النقلية والعقلية.

ثم قال: وأما فواتح السور فقد تكلم الناس فيها بما يقتضي أن للعرب بها عهدًا كعدد الجُمّل الذي تعرّفوه من أهل الكتاب حسبما ذكره أصحاب السير.

أو هي من المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إِلا الله تعالى.وغير ذلك.

وأما تفسيرها بما لا عهد به فلا يكون ولا يدعيه أحد ممن تقدم فلا دليل فيها على ما ادعوا.

ثم قال: فليس بجائز أن يضاف إِلى القرآن ما لا يقتضيه كما أنه لا يصح أن ينكر منه ما يقتضيه، ويجب الاقتصار في الاستعانة على فهمه على كل ما يضاف علمه إِلى العرب خاصة فبه يوصل إِلى علم ما أودع من الأحكام الشرعية، فمن طلبه بغير ما هو أداة له ضل عن فهمه وتقول على الله ورسوله فيه.والله أعلم وبه التوفيق.
.

بهذه العبارات ينقض الشاطبي تلك الاستدلالات ويوجهها مبينًا رأيه فيها
وسوف أرد فحسب على الجزء الذى أثق تماما فى معلوماتى عنه ، أعنى به كلام الامام الشاطبى عن فواتح السور
ان الشاطبى كما هو واضح يرد هنا على من يستشهدون بفواتح السور ( والمقصود بها الحروف المقطعة ) على أن فى القرآن الكريم ما لم يعرف العرب الأولون معانيه الحقيقية وقت تنزله ، وعلى أن هذه المعانى سوف تنكشف لهم فى الوقت الذى يشاءه الله عز وجل
وهو يرد على مذهبهم هذا بذكر رأيه الخاص فى الحروف المقطعة من أنها كانت معهودة للعرب قديما ضمن ما يعرف بحساب الجمل
ولكن السؤال الذى لم يمحصه أحد بشكل كاف هو :
هل رأى الشاطبى فى الحروف المقطعة فيه مقنع وغنى ؟ أم يمكن الاستدراك عليه ؟
والذى أعلمه علم اليقين - بل عين اليقين - أن لتلك الحروف الواردة بفواتح السور معانى اعجازية بكل ما فى كلمة الاعجاز من معنى ، وأن هذه المعانى قد تم التوصل اليها حديثا جدا ولم تك معروفة قبل ذلك
وأن هذا بحد ذاته يدعم رؤية المؤيدين للاعجاز العلمى العامة والقاضية بأن من معانى القرآن ما لا يتم الاحاطة به على الوجه الأمثل الا مع تطور العلوم والمعارف الانسانية ، وفى الوقت الذى يقدره الله تعالى ويشاءه
هذا ما أقوله عن قناعة تامة ومؤكدة وتصل الى درجة عين اليقين كما ذكرت
أما من أين أستمد هذا اليقين ؟ فالجواب :
لقد أكرمنى الله عز وجل بالتوصل الى تلك المعانى الاعجازية لهذه الحروف منذ سنتين فحسب ولكن بعد بحث ودراسة استمرت منذ ما يقرب من عشرين سنة كاملة
واننى لعلى استعداد تام لعرض هذا الكشف الكبير على أى من السادة العلماء فى أى وقت على أن أجد منهم عونا على نشر هذا الكشف على أوسع نطاق وبما يليق بأهميته البالغة وبجهد عشرين سنة قضيتها فى دراسته
ألا هل بلغت ، اللهم فاشهد
.
 
عودة
أعلى