مساعد الطيار
مستشار
- إنضم
- 15/04/2003
- المشاركات
- 1,698
- مستوى التفاعل
- 5
- النقاط
- 38
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فلقد كثر القول من بعض المعاصرين في التفسير الذي سارت عليه علماء الأمة منذ القديم ، ورأوا أن عصر التفسير التحليلي ـ كما يسمونه ـ قد انتهى ، وأن العصر بحاجة إلى تجديد الطريقة في عرض التفسير ، وقد زعم بعضهم أن التفسير الموضوعي هو الذي يمكنه حلُّ المشكلات ، والإجابة عن المعضلات ، وأنه الأنسب إلى أسلوب العصر ، وهذا ضرب من القول لا برهان له . بل هذا اللون من عرض الآيات والاستنباط منها مما يستفاد منه في المحاضرات والكلمات ، والتفسير على الأسلوب المعهود باقٍ لا يمكن إزالته والبعد عنه .
ولا أدري لماذا يذهب من يصل إلى فكرة جديدة إلى نقد السابق أو نقضه لكي يُثبِت حُسْنَ ما عنده ؟ !
لماذا لا يكون المجدِّدُ في مثل هذه العلوم بانيًا لا هادمًا ، ويكون ذاكرًا لما فعله سلفه ، مستوعبًا لما قدَّموه مستفيدًا مما طرحوه ، ولا يكون ممن يرى إمكانية ترك السابق والإتيان بما لا يمتُّ لهم بصلةٍ ؟
لماذا يعرض بعض الباحثين فكرته التي وصل إليها بالتضخيم ، والتعميم ، وبدعوى أن سلوكها هو الذي ينفع الأمة الآن ، وهو المنقذ لها من مشكلاتها وهمومها .
إن هذه النظرة التي قد تصدر من بعض الباحثين من غير قصد = يجب التنبيه عليها ، وتصحيحها ، كما يجب أن يُعلم أن تصحيحها والاستدراك عليها لا يعني التشنيع على أصحابها وإخراجهم من دائرة البحث العلمي ، لكن الأمر يرجع إلى نقطتين :
الأول : انفعالات لا يمكن أن ينفكَّ عنها الناقد حينما يرى مثل هذه الأخطاء التي صارت تسري ، ولا يرى من يقاومها ، وهذه الانفعالات ردَّةُ فعلٍ على ما يقع من تلك الأخطاء ، وكل ذلك راجع إلى الطبيعة البشرية التي فطر الله عليها الإنسان .
الثاني : أنَّ هذه الدعاوى كبيرة ، وهي تُلزِم غيرها ـ فضلاً عن نفس طارحها ـ ما لا يلزم ، بل قد تقام من أجل ذلك الندوات والمحاضرات ، وتكتب الكتب والمقالات ، وهي لا تستحقُّ هذا الزخم الهائل ، ولو وُضِعت في مقامها لكان أولى .
ومن العجيب أنَّ بعض الأفكار المهمة ، لا تلقى مثل هذا الاهتمام ، وذلك من سرِّ من قدر الله الذي يقف المسلم بالتسليم .
إن التوازن والاعتدال في الطرح ، وفي وضع الموضوعات في مواضعها مما يحسن أن نتناصح فيه ، وأن لا يبخل بعضنا على بعض في ذلك ؛ لأن من طبيعة البشر أنها إذا اتجهت إلى موضوع لا ترى غيره ، وقد يراه غيرك ، ويكون أولى مما أنت فيه ، وهكذا .
التفسير الموضوعي نموذجًا
رأيت بعض الباحثين يرى أن دراسة القرآن على أسلوب التفسير الموضوعي ضرورة لازمة ، ويقول ـ بعد ذكره لطريقة المفسرين السابقين ـ : ( ولما كان ذلك كذلك كان السعي إلى منهج أشمل مطلوبًا ، وأبلغ حجة ، وأبين طريقًا ؛ منهج يقضي بالتوقف عن عملية التجزئة في تفسير آيات هذا الكتاب ، والاتجاه به اتجاهًا موضوعيًا = ضرورة لازمة ) .
وقال في موطن آخر : ( ... غاية الأمر أنني أدعو إلى التوقف عن التعامل التجزيئي مع القرآن الكريم ، والاتجاه إلى تفسير القرآن تفسيرًا موضوعيًا .
إنني أهدف إلى بيان أن التفسير الموضوعي للقرآن هو الأليق والأنسب والأولى بالاتباع في هذا العصر سواء في ذلك التفسير الذي يعالج وحدة الموضوع في القرآن ، أو ذلك الذي يعالج وحدة الموضوع في السورة ، وهو الأنسب للتدريس في المؤسسات والمعاهد العلمية ... )
ويقول : ( وحينما نقول : إن التفسير الموضوعي يجلي الحقائق القرآنية ، ونعلم أن هذه الحقائق هي التي تهيئ فكر المسلم وقلبه للصلاح ندرك حينئذ أهمية التفسير الموضوعي ودوره في إحداث الوثبة الحضارية ... ) .
ويقول آخر : ( ... لذا لا يمكن أن نجابه مشاكل العصر ومعطيات الحضارة إلا بأسلوب الدراسات الموضوعية للقرآن الكريم ، أو بأسلوب التفسير الموضوعي ) .
وهذه المقولات من هؤلاء الفضلاء فيها تزيُّدٌ ظاهر ، ودعوى عريضة تحتاج إلى برهان قوي ، وحجة واضحة ، ولو قيل : إن التفسير الموضوعي يمثل لبنة من لبنات معالجة شيء من القضايا والمشكلات بطريقة القرآن = لكان أقرب ، لكن أن يكون هذا الأسلوب هو الأسلوب الأمثل ، والأولى ، فذلك دونه خرط القتاد .
ملحوظات على التفسير الموضوعي
أولاً : إن التفسير الموضوعي يدخل في باب الفوائد والاستنباطات ، وليس من التفسير الذي هو بيان معني القرآن .
وبتأمُّلِ هذه الإضافة يظهر أن أمامك تفسير جديد ، أي بيان معانٍ جديدة للقرآن من طريق موضوعاته .
لكن حينما تكشف عن ما كُتِبَ في التفسير الموضوعي ستجدُ أنها ترجِع إلى فوائد واستنباطات ، وليس فيها بيان معني جديدة لآيات القرآن ، وعلى هذا فنسبتها للتفسير غير دقيقة . بل الصحيح أنها ( موضوعات قرآنية ) ، وهذا العنوان أدق من تسمية هذا اللون بالتفسير الموضوعي .
وما ذكرته لك هنا أرجو أن لا تتعجَّل بردِّه قبل أن تحدِّدَ معنى التفسير ، وأن تطَّلِع على الإضافة التي أضافها من كتب في موضوع من الموضوعات باسم التفسير الموضوعي ، ولك أن تتأمل إضافته ، هل هي من باب التفسير ، أو من باب الفوائد والاستنباطات ؟
وحقيقة التفسير الموضوعي كما يأتي :
1 ـ جمع متفرق من الآيات التي تتحدث عن موضوعٍ أو لفظة أو جملة [ يخرج عن هذا دراسة موضوع من خلال سورة ]
2 ـ دراسة هذا المجموع بعد تبويبه
3 ـ استنتاج الفوائد ، واستخلاص الهدايات والعِبَر من هذا المجموع .
ثانيًا : إن التفسير الموضوعي ( بأنواعه الثلاثة ) يُدرس من خلال القرآن ، فهو بحث قرآني بحت ، ولكن الملاحظ في دراسة الموضوع من خلال القرآن أن كثيرًا من الموضوعات لا يمكن بحثها من خلال القرآن فقط ؛ لأنَّ صورة الموضوع لا تتمُّ بالنظر إلى القرآن فقط ، بل لابدَّ من إضافة السنة وآثار السلف لبيان هذا الموضوع .
وعند تأمُّلِ بعض الموضوعات تجد أنها على ثلاثة أقسام :
الأول : قسم يمكن بحثه من خلال القرآن ؛ لغزارة مادته ، كإهلاك الأمم الكافرة من خلال القرآن .
الثاني : قسم لا يمكن بحثه من خلال القرآن لقلة مادته في القرآن ؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الأسر وأحكامه ، إذ الحديث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعن الأسير في القرآن قليل ، وهو في السنة أكثر .
الثالث : قسم تكثر مادته في القرآن وفي السنة ، ويكون في تخصيص دراسته في القرآن فقط قصور في تصوُّرِ الموضوع بشمولية ، كموضوع العلم ، وموضوع الجهاد ، وغيرها كثير .
وقد يقول قائل : إن الغرض من دراسة الموضوع من خلال القرآن طرح طريقة القرآن فقط ؟
فالجواب : ثُمَّ ماذا ، أليس الباحث سيبني أحكامًا وفوائد ؟
فإذا كان كذلك فلابدَّ أن يحتاج إلى مصادر أخرى في بحثه ، ومن أهمها السنة النبوية ، وإلا كان بحثًا ناقصًا بلا ريب .
ثالثًا : منْزلة السنة وأقوال السلف في التفسير الموضوعي :
لقد أثَّر عنوان هذا اللون ، وهو التفسير الموضوعي على التعامل مع أهم مصدرين من مصادر التفسير ، وإذا تأملت ما سطَّره منظرو التفسير الموضوعي ، وجدتهم لا يمكن أن ينفكوا عن السنة أو آثار السلف ، لكن ما مقامهما ، وكيف بتعاملون معهما ؟
أما السنة ، فقد جعلوها شارحة للقرآن ، ولا يصحُّ أن يُنشأ عنصر من عناصر الموضوع القرآني من السنة .
وهذا التقييد من جهة الافتراض صحيح ، لكنه سيُفقِد البحث في الموضوعات كثيرًا من الأمور المهمة بسبب الاقتصار على القرآن وحده ، ولو رحتُ أضرب لك الأمثلة في ذلك لغدت كثيرةً لا حصر لها ، ولأمثِّل لك بمثال واحدٍ يكون نبراسًا لغيره .
لو بحثت موضوع الصلاة ، وقلت ( الصلاة في القرآن ) فإنك لا تستطيع أن تتحدَّث عن موضوع مهمٍّ في الصلاة ، وهو زمن فرضية الصلوات الخمس ومكان ذلك الفرض ؛ لأنك لا تجدُ في القرآن ما يشير إلى ذلك البتة . ومن ثَمَّ فأنك لو جعلت من عناصر بحثك : ( مكان فرض الصلاة ) لكان خطأً عند أصحاب التفسير الموضوعي ؛ لأنه لا يوجد في القرآن ما يشير إلى هذا الموضوع ، والعناوين لابدَّ أن تكون مستوحاة من الآيات لا من غيرها .
ولقد ساق الاقتصار على دراسة الموضوع من خلال القرآن إلى خلل في التعبير يظهر من لوازمه أن الاعتماد على القرآن وحده يكفي في تصور موضوع من الموضوعات الإسلامية ، يقول أحدهم : ( إننا إذا أردنا أن نبني المجتمع المسلم ، فيجب أن نقيمه على الأسس والأصول القرآنية . وأكثر الشعوب قد انحرفت ـ من حيث لا تدري ـ عن هذه الأسس والأصول في أكثر مجالات الحياة . ولن تتحقق لها السعادة إلا برجوعها إلى تلك الأسس والأصول التي بات الناس في غفلة عنها بقصد أو بغير قصد .
فلغياب كثير من أسس القرآن وأصوله عن فهم الناس وسلوكهم آثرنا أن يكون البحث في التفسير الموضوعي مقتصرًا على القرآن الكريم فحسب ، فإنه الوسيلة الوحيدة التي تصحح المواقف والمفاهيم المتعلقة بالوجود ودور الإنسان فيه ، وما يتصل بذلك من حقائق ومبادئ ) انتهى .
إذا كان يستطيع أخذ هذه الأمور من القرآن مباشرة فأين دور السنة ؟
وهل يعني قوله هذا الناس قد فهموا أسس وأصول السنة ، فلم يحتاجوا إلى بين ذلك لهم ، وبقي عليهم بيان أسس وأصول القرآن فقط ؟!
ألا يمكن أن يرد على هذا الكلام : ما الفرق بين القرآنيين الذي لا يرون الأخذ بالسنة لاعتقادهم باكتفاء القرآن ببيان كل شيء ؟
إنني أقول بكل ثقة : إن من سلك في دراسة بعض الموضوعات الإسلامية الكبيرة أسلوب التفسير الموضوعي قد ألزم نفسه بما لا يلزم ، وادخلها في مضايق هو في غنى عنها ، فلماذا هذا التجزئة لمتلازمين لا ينفكان : الكتاب والسنة ؟!
أما أقوال السلف ( الصحابة والتابعون وأتباع التابعين ) عندهم فهي كالسنة من جهة عدم إضافة عنوان بسبب قول من أقوالهم .
لكن الموضوع الذي لم يبينه أحد ممن اطلعت على كلامه في التفسير الموضوعي هو : كيف سيفهم معنى الآيات ؟ هل سيعتمد على مصادر التفسير المعروفة ، أو سيجتهد اجتهادًا خاصًّا خارج إطار هذه المصادر ؟
لقد جاء الحديث عن الإفادة من تفسير السلف عند أصحاب التفسير الموضوعي كلامًا مبهمًا مجملاً لا يدلُّ على الأسلوب الذي سيتعامل به هؤلاء مع أقوالهم التي لا يمكن لمفسِّر جاء بعدهم أن ينفك عنها البتة .
وقد جعلوا تفاسير السلف مادة للتوضيح لا يُستقى منها عناوين موضوعات في البحث ، وهذا فيه انفكاك من أمر لا ينفك البتة ، خصوصًا إذا كان البحث في دراسة ( لفظة أو جملة من خلال القرآن ).
فمثلاً ، لو كنت تبحث في موضوع ( القنوت في القرآن ) ، وجعلت من عناوينك الرئيسة :
القنوت : الطاعة الدائمة
ثمَّ استدللت بقوله تعالى : (( كل له قانتون )) ، فإن السؤال الذي سيرد هنا : من أين استقيت عنوانك هذا ؟
فالجواب : إما أن يكون من دلالة اللغة ، وإما أن يكون من تفسير المفسرين ، وكلا المصدرين عندهم لا يُبنى منه عنوان .
ففي مثل هذه الحال ، هل يمكن الانفكاك من تفسير السلف ؟!
أعود فأقول : إن طريقة التفسير الموضوعي هذه فيه إلزامٌ بما لا يلزم .
وهناك مسألة أخرى في تفسير السلف لم يبيِّنها أصحاب التفسير الموضوعي ، وهي : كيف يتعامل مع اختلاف السلف في تفسير لفظة أو جملة من آية ؟
هل سيُعرضُ عن الاختلاف ويختار ما يراه متوجِّهًا مع بحثه ؟
هل سيناقش الاختلاف ، ثمَّ يرجِّح ما يظهر له ؟
وهل سيكون ترجيحه هذا موضوعيًا بحيث لا يكون للموضوع الذي اختاره تأثيرٌ على ترجيحه ؟
وإذا كان الاختلاف من باب اختلاف التنوع الذي تحتمل الآية فيه الأقوال هل سيستدلُّ بها في مواضع متعدِّدة بحسب ما قيل في معناها من أقوال صحيحة ؟
كل ذلك لم يُحرِّره أصحاب التفسير الموضوعي مع أنه لا يمكنهم أن ينفكَّوا عنه ، وإنما اكتفوا من تفسير السلف بأن لا يضع عنوانًا مأخوذًا من تفسيرهم .
رابعًا : إن من يقرأ ما كُتِبَ في التفسير الموضوعي من جهتيه التنظيرية والتطبيقية سيجد عدم الاتفاق في كثيرٍ منه ، فهذا يستدرك على هذا في التنظيرات ، وذاك لا يرضى طريقة هذا في التطبيقات .
ولاشكَّ أن هذه الاستدراكات نابعة من جدَّةِ الموضوع ، وعدم وضوحه منذ بداياته في النصف الثاني من القرن الرابع عشر ، وهذا يعني أنَّ مجال الاستدراك لازال مستمرًّا .
خامسًا : إن طريقة كتابة التفسير الموضوعي سواء أكان موضوعًا من خلال القرآن أم كان موضوعًا من خلال سورة غير متفقٍ عليها .
فبعضهم ينحى في الكتابة إلى الأسلوب الأدبي والخطابي ، فتراه يقلِّب عبارته ، ويبدي ويعيد في ألفاظ ينتقيها ، ويطيل الكلام في موضوع يمكن إجماله في سطر ونصف السطر .
وقد اطَّلعت على رسائل سارت على هذا الأسلوب ، فاستغربت القصد إلى هذا التطويل في العبارات لأجل إثبات قضية يمكن إثباتها وبيانها بأقل مما الحال عليه في هذه الرسائل ، حتى ظهر لي أن هذا الأسلوب مقصودٌ لذاته ، ولا تتمُّ الرسالة إلا به . وهذا ـ في الحقيقة ـ من الحشو الذي يمكن الاستغناء عنه .
وبعضهم ينحى إلى تقرير المسألة تقريرًا علميًا مباشرًا بلا حشو عبارات لا داعي لها ، وهذا هو السبيل الأمثل في العلم ، لأن الأساليب الخطابية والأدبية لا مدخل لها في إثبات المسائل العلمية ، وإنما قد توجد فيها كوجود الملح في الطعام ، فإذا زادت فسد الكلام كما يفسد بزيادة الملح الطعام .
سادسًا : من طرائف ما وقع لي فيما يتعلق بهذا الموضوع أني كنت أتحدث مع أستاذ من أساتذة الثقافة الإسلامية في كلية الشريعة بالرياض ، فقلت له : ألا يوج موضوعات علمية قدِّمت لكم وصار بينكم وبين قسم الدعوة بكلية الدعوة والإعلام منازعة في الموضوع ، هل هو من موضوعات الثقافة الإسلامية أو من موضوعات الدعوة الإسلامية ؟
فقال لي بل قد تكون المنازعة بين ثلاثة أقسام ، وهي قسم القرآن وقسم الثقافة وقسم الدعوة ، حينما يكون من موضوعات التفسير الموضوعي .
وأخيرًا أقول : إنني على غير قناعة بالمطروح في التفسير الموضوعي ، لا من جهة الاصطلاح ، ولا من جهة التنظير والتطبيق . وأتمنى لو صُحِّحَ مسار هذا الموضوع ، إذ فيه نفع وفوائد كثيرة ، لكن بعد ترشيده وتسديده .
أسأل الله أن يجعل هذا الكلام من باب النصح والتصويب لا من باب التثريب ، وأسأله أن يرينا ـ جميعًا ـ الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
فلقد كثر القول من بعض المعاصرين في التفسير الذي سارت عليه علماء الأمة منذ القديم ، ورأوا أن عصر التفسير التحليلي ـ كما يسمونه ـ قد انتهى ، وأن العصر بحاجة إلى تجديد الطريقة في عرض التفسير ، وقد زعم بعضهم أن التفسير الموضوعي هو الذي يمكنه حلُّ المشكلات ، والإجابة عن المعضلات ، وأنه الأنسب إلى أسلوب العصر ، وهذا ضرب من القول لا برهان له . بل هذا اللون من عرض الآيات والاستنباط منها مما يستفاد منه في المحاضرات والكلمات ، والتفسير على الأسلوب المعهود باقٍ لا يمكن إزالته والبعد عنه .
ولا أدري لماذا يذهب من يصل إلى فكرة جديدة إلى نقد السابق أو نقضه لكي يُثبِت حُسْنَ ما عنده ؟ !
لماذا لا يكون المجدِّدُ في مثل هذه العلوم بانيًا لا هادمًا ، ويكون ذاكرًا لما فعله سلفه ، مستوعبًا لما قدَّموه مستفيدًا مما طرحوه ، ولا يكون ممن يرى إمكانية ترك السابق والإتيان بما لا يمتُّ لهم بصلةٍ ؟
لماذا يعرض بعض الباحثين فكرته التي وصل إليها بالتضخيم ، والتعميم ، وبدعوى أن سلوكها هو الذي ينفع الأمة الآن ، وهو المنقذ لها من مشكلاتها وهمومها .
إن هذه النظرة التي قد تصدر من بعض الباحثين من غير قصد = يجب التنبيه عليها ، وتصحيحها ، كما يجب أن يُعلم أن تصحيحها والاستدراك عليها لا يعني التشنيع على أصحابها وإخراجهم من دائرة البحث العلمي ، لكن الأمر يرجع إلى نقطتين :
الأول : انفعالات لا يمكن أن ينفكَّ عنها الناقد حينما يرى مثل هذه الأخطاء التي صارت تسري ، ولا يرى من يقاومها ، وهذه الانفعالات ردَّةُ فعلٍ على ما يقع من تلك الأخطاء ، وكل ذلك راجع إلى الطبيعة البشرية التي فطر الله عليها الإنسان .
الثاني : أنَّ هذه الدعاوى كبيرة ، وهي تُلزِم غيرها ـ فضلاً عن نفس طارحها ـ ما لا يلزم ، بل قد تقام من أجل ذلك الندوات والمحاضرات ، وتكتب الكتب والمقالات ، وهي لا تستحقُّ هذا الزخم الهائل ، ولو وُضِعت في مقامها لكان أولى .
ومن العجيب أنَّ بعض الأفكار المهمة ، لا تلقى مثل هذا الاهتمام ، وذلك من سرِّ من قدر الله الذي يقف المسلم بالتسليم .
إن التوازن والاعتدال في الطرح ، وفي وضع الموضوعات في مواضعها مما يحسن أن نتناصح فيه ، وأن لا يبخل بعضنا على بعض في ذلك ؛ لأن من طبيعة البشر أنها إذا اتجهت إلى موضوع لا ترى غيره ، وقد يراه غيرك ، ويكون أولى مما أنت فيه ، وهكذا .
التفسير الموضوعي نموذجًا
رأيت بعض الباحثين يرى أن دراسة القرآن على أسلوب التفسير الموضوعي ضرورة لازمة ، ويقول ـ بعد ذكره لطريقة المفسرين السابقين ـ : ( ولما كان ذلك كذلك كان السعي إلى منهج أشمل مطلوبًا ، وأبلغ حجة ، وأبين طريقًا ؛ منهج يقضي بالتوقف عن عملية التجزئة في تفسير آيات هذا الكتاب ، والاتجاه به اتجاهًا موضوعيًا = ضرورة لازمة ) .
وقال في موطن آخر : ( ... غاية الأمر أنني أدعو إلى التوقف عن التعامل التجزيئي مع القرآن الكريم ، والاتجاه إلى تفسير القرآن تفسيرًا موضوعيًا .
إنني أهدف إلى بيان أن التفسير الموضوعي للقرآن هو الأليق والأنسب والأولى بالاتباع في هذا العصر سواء في ذلك التفسير الذي يعالج وحدة الموضوع في القرآن ، أو ذلك الذي يعالج وحدة الموضوع في السورة ، وهو الأنسب للتدريس في المؤسسات والمعاهد العلمية ... )
ويقول : ( وحينما نقول : إن التفسير الموضوعي يجلي الحقائق القرآنية ، ونعلم أن هذه الحقائق هي التي تهيئ فكر المسلم وقلبه للصلاح ندرك حينئذ أهمية التفسير الموضوعي ودوره في إحداث الوثبة الحضارية ... ) .
ويقول آخر : ( ... لذا لا يمكن أن نجابه مشاكل العصر ومعطيات الحضارة إلا بأسلوب الدراسات الموضوعية للقرآن الكريم ، أو بأسلوب التفسير الموضوعي ) .
وهذه المقولات من هؤلاء الفضلاء فيها تزيُّدٌ ظاهر ، ودعوى عريضة تحتاج إلى برهان قوي ، وحجة واضحة ، ولو قيل : إن التفسير الموضوعي يمثل لبنة من لبنات معالجة شيء من القضايا والمشكلات بطريقة القرآن = لكان أقرب ، لكن أن يكون هذا الأسلوب هو الأسلوب الأمثل ، والأولى ، فذلك دونه خرط القتاد .
ملحوظات على التفسير الموضوعي
أولاً : إن التفسير الموضوعي يدخل في باب الفوائد والاستنباطات ، وليس من التفسير الذي هو بيان معني القرآن .
وبتأمُّلِ هذه الإضافة يظهر أن أمامك تفسير جديد ، أي بيان معانٍ جديدة للقرآن من طريق موضوعاته .
لكن حينما تكشف عن ما كُتِبَ في التفسير الموضوعي ستجدُ أنها ترجِع إلى فوائد واستنباطات ، وليس فيها بيان معني جديدة لآيات القرآن ، وعلى هذا فنسبتها للتفسير غير دقيقة . بل الصحيح أنها ( موضوعات قرآنية ) ، وهذا العنوان أدق من تسمية هذا اللون بالتفسير الموضوعي .
وما ذكرته لك هنا أرجو أن لا تتعجَّل بردِّه قبل أن تحدِّدَ معنى التفسير ، وأن تطَّلِع على الإضافة التي أضافها من كتب في موضوع من الموضوعات باسم التفسير الموضوعي ، ولك أن تتأمل إضافته ، هل هي من باب التفسير ، أو من باب الفوائد والاستنباطات ؟
وحقيقة التفسير الموضوعي كما يأتي :
1 ـ جمع متفرق من الآيات التي تتحدث عن موضوعٍ أو لفظة أو جملة [ يخرج عن هذا دراسة موضوع من خلال سورة ]
2 ـ دراسة هذا المجموع بعد تبويبه
3 ـ استنتاج الفوائد ، واستخلاص الهدايات والعِبَر من هذا المجموع .
ثانيًا : إن التفسير الموضوعي ( بأنواعه الثلاثة ) يُدرس من خلال القرآن ، فهو بحث قرآني بحت ، ولكن الملاحظ في دراسة الموضوع من خلال القرآن أن كثيرًا من الموضوعات لا يمكن بحثها من خلال القرآن فقط ؛ لأنَّ صورة الموضوع لا تتمُّ بالنظر إلى القرآن فقط ، بل لابدَّ من إضافة السنة وآثار السلف لبيان هذا الموضوع .
وعند تأمُّلِ بعض الموضوعات تجد أنها على ثلاثة أقسام :
الأول : قسم يمكن بحثه من خلال القرآن ؛ لغزارة مادته ، كإهلاك الأمم الكافرة من خلال القرآن .
الثاني : قسم لا يمكن بحثه من خلال القرآن لقلة مادته في القرآن ؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الأسر وأحكامه ، إذ الحديث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعن الأسير في القرآن قليل ، وهو في السنة أكثر .
الثالث : قسم تكثر مادته في القرآن وفي السنة ، ويكون في تخصيص دراسته في القرآن فقط قصور في تصوُّرِ الموضوع بشمولية ، كموضوع العلم ، وموضوع الجهاد ، وغيرها كثير .
وقد يقول قائل : إن الغرض من دراسة الموضوع من خلال القرآن طرح طريقة القرآن فقط ؟
فالجواب : ثُمَّ ماذا ، أليس الباحث سيبني أحكامًا وفوائد ؟
فإذا كان كذلك فلابدَّ أن يحتاج إلى مصادر أخرى في بحثه ، ومن أهمها السنة النبوية ، وإلا كان بحثًا ناقصًا بلا ريب .
ثالثًا : منْزلة السنة وأقوال السلف في التفسير الموضوعي :
لقد أثَّر عنوان هذا اللون ، وهو التفسير الموضوعي على التعامل مع أهم مصدرين من مصادر التفسير ، وإذا تأملت ما سطَّره منظرو التفسير الموضوعي ، وجدتهم لا يمكن أن ينفكوا عن السنة أو آثار السلف ، لكن ما مقامهما ، وكيف بتعاملون معهما ؟
أما السنة ، فقد جعلوها شارحة للقرآن ، ولا يصحُّ أن يُنشأ عنصر من عناصر الموضوع القرآني من السنة .
وهذا التقييد من جهة الافتراض صحيح ، لكنه سيُفقِد البحث في الموضوعات كثيرًا من الأمور المهمة بسبب الاقتصار على القرآن وحده ، ولو رحتُ أضرب لك الأمثلة في ذلك لغدت كثيرةً لا حصر لها ، ولأمثِّل لك بمثال واحدٍ يكون نبراسًا لغيره .
لو بحثت موضوع الصلاة ، وقلت ( الصلاة في القرآن ) فإنك لا تستطيع أن تتحدَّث عن موضوع مهمٍّ في الصلاة ، وهو زمن فرضية الصلوات الخمس ومكان ذلك الفرض ؛ لأنك لا تجدُ في القرآن ما يشير إلى ذلك البتة . ومن ثَمَّ فأنك لو جعلت من عناصر بحثك : ( مكان فرض الصلاة ) لكان خطأً عند أصحاب التفسير الموضوعي ؛ لأنه لا يوجد في القرآن ما يشير إلى هذا الموضوع ، والعناوين لابدَّ أن تكون مستوحاة من الآيات لا من غيرها .
ولقد ساق الاقتصار على دراسة الموضوع من خلال القرآن إلى خلل في التعبير يظهر من لوازمه أن الاعتماد على القرآن وحده يكفي في تصور موضوع من الموضوعات الإسلامية ، يقول أحدهم : ( إننا إذا أردنا أن نبني المجتمع المسلم ، فيجب أن نقيمه على الأسس والأصول القرآنية . وأكثر الشعوب قد انحرفت ـ من حيث لا تدري ـ عن هذه الأسس والأصول في أكثر مجالات الحياة . ولن تتحقق لها السعادة إلا برجوعها إلى تلك الأسس والأصول التي بات الناس في غفلة عنها بقصد أو بغير قصد .
فلغياب كثير من أسس القرآن وأصوله عن فهم الناس وسلوكهم آثرنا أن يكون البحث في التفسير الموضوعي مقتصرًا على القرآن الكريم فحسب ، فإنه الوسيلة الوحيدة التي تصحح المواقف والمفاهيم المتعلقة بالوجود ودور الإنسان فيه ، وما يتصل بذلك من حقائق ومبادئ ) انتهى .
إذا كان يستطيع أخذ هذه الأمور من القرآن مباشرة فأين دور السنة ؟
وهل يعني قوله هذا الناس قد فهموا أسس وأصول السنة ، فلم يحتاجوا إلى بين ذلك لهم ، وبقي عليهم بيان أسس وأصول القرآن فقط ؟!
ألا يمكن أن يرد على هذا الكلام : ما الفرق بين القرآنيين الذي لا يرون الأخذ بالسنة لاعتقادهم باكتفاء القرآن ببيان كل شيء ؟
إنني أقول بكل ثقة : إن من سلك في دراسة بعض الموضوعات الإسلامية الكبيرة أسلوب التفسير الموضوعي قد ألزم نفسه بما لا يلزم ، وادخلها في مضايق هو في غنى عنها ، فلماذا هذا التجزئة لمتلازمين لا ينفكان : الكتاب والسنة ؟!
أما أقوال السلف ( الصحابة والتابعون وأتباع التابعين ) عندهم فهي كالسنة من جهة عدم إضافة عنوان بسبب قول من أقوالهم .
لكن الموضوع الذي لم يبينه أحد ممن اطلعت على كلامه في التفسير الموضوعي هو : كيف سيفهم معنى الآيات ؟ هل سيعتمد على مصادر التفسير المعروفة ، أو سيجتهد اجتهادًا خاصًّا خارج إطار هذه المصادر ؟
لقد جاء الحديث عن الإفادة من تفسير السلف عند أصحاب التفسير الموضوعي كلامًا مبهمًا مجملاً لا يدلُّ على الأسلوب الذي سيتعامل به هؤلاء مع أقوالهم التي لا يمكن لمفسِّر جاء بعدهم أن ينفك عنها البتة .
وقد جعلوا تفاسير السلف مادة للتوضيح لا يُستقى منها عناوين موضوعات في البحث ، وهذا فيه انفكاك من أمر لا ينفك البتة ، خصوصًا إذا كان البحث في دراسة ( لفظة أو جملة من خلال القرآن ).
فمثلاً ، لو كنت تبحث في موضوع ( القنوت في القرآن ) ، وجعلت من عناوينك الرئيسة :
القنوت : الطاعة الدائمة
ثمَّ استدللت بقوله تعالى : (( كل له قانتون )) ، فإن السؤال الذي سيرد هنا : من أين استقيت عنوانك هذا ؟
فالجواب : إما أن يكون من دلالة اللغة ، وإما أن يكون من تفسير المفسرين ، وكلا المصدرين عندهم لا يُبنى منه عنوان .
ففي مثل هذه الحال ، هل يمكن الانفكاك من تفسير السلف ؟!
أعود فأقول : إن طريقة التفسير الموضوعي هذه فيه إلزامٌ بما لا يلزم .
وهناك مسألة أخرى في تفسير السلف لم يبيِّنها أصحاب التفسير الموضوعي ، وهي : كيف يتعامل مع اختلاف السلف في تفسير لفظة أو جملة من آية ؟
هل سيُعرضُ عن الاختلاف ويختار ما يراه متوجِّهًا مع بحثه ؟
هل سيناقش الاختلاف ، ثمَّ يرجِّح ما يظهر له ؟
وهل سيكون ترجيحه هذا موضوعيًا بحيث لا يكون للموضوع الذي اختاره تأثيرٌ على ترجيحه ؟
وإذا كان الاختلاف من باب اختلاف التنوع الذي تحتمل الآية فيه الأقوال هل سيستدلُّ بها في مواضع متعدِّدة بحسب ما قيل في معناها من أقوال صحيحة ؟
كل ذلك لم يُحرِّره أصحاب التفسير الموضوعي مع أنه لا يمكنهم أن ينفكَّوا عنه ، وإنما اكتفوا من تفسير السلف بأن لا يضع عنوانًا مأخوذًا من تفسيرهم .
رابعًا : إن من يقرأ ما كُتِبَ في التفسير الموضوعي من جهتيه التنظيرية والتطبيقية سيجد عدم الاتفاق في كثيرٍ منه ، فهذا يستدرك على هذا في التنظيرات ، وذاك لا يرضى طريقة هذا في التطبيقات .
ولاشكَّ أن هذه الاستدراكات نابعة من جدَّةِ الموضوع ، وعدم وضوحه منذ بداياته في النصف الثاني من القرن الرابع عشر ، وهذا يعني أنَّ مجال الاستدراك لازال مستمرًّا .
خامسًا : إن طريقة كتابة التفسير الموضوعي سواء أكان موضوعًا من خلال القرآن أم كان موضوعًا من خلال سورة غير متفقٍ عليها .
فبعضهم ينحى في الكتابة إلى الأسلوب الأدبي والخطابي ، فتراه يقلِّب عبارته ، ويبدي ويعيد في ألفاظ ينتقيها ، ويطيل الكلام في موضوع يمكن إجماله في سطر ونصف السطر .
وقد اطَّلعت على رسائل سارت على هذا الأسلوب ، فاستغربت القصد إلى هذا التطويل في العبارات لأجل إثبات قضية يمكن إثباتها وبيانها بأقل مما الحال عليه في هذه الرسائل ، حتى ظهر لي أن هذا الأسلوب مقصودٌ لذاته ، ولا تتمُّ الرسالة إلا به . وهذا ـ في الحقيقة ـ من الحشو الذي يمكن الاستغناء عنه .
وبعضهم ينحى إلى تقرير المسألة تقريرًا علميًا مباشرًا بلا حشو عبارات لا داعي لها ، وهذا هو السبيل الأمثل في العلم ، لأن الأساليب الخطابية والأدبية لا مدخل لها في إثبات المسائل العلمية ، وإنما قد توجد فيها كوجود الملح في الطعام ، فإذا زادت فسد الكلام كما يفسد بزيادة الملح الطعام .
سادسًا : من طرائف ما وقع لي فيما يتعلق بهذا الموضوع أني كنت أتحدث مع أستاذ من أساتذة الثقافة الإسلامية في كلية الشريعة بالرياض ، فقلت له : ألا يوج موضوعات علمية قدِّمت لكم وصار بينكم وبين قسم الدعوة بكلية الدعوة والإعلام منازعة في الموضوع ، هل هو من موضوعات الثقافة الإسلامية أو من موضوعات الدعوة الإسلامية ؟
فقال لي بل قد تكون المنازعة بين ثلاثة أقسام ، وهي قسم القرآن وقسم الثقافة وقسم الدعوة ، حينما يكون من موضوعات التفسير الموضوعي .
وأخيرًا أقول : إنني على غير قناعة بالمطروح في التفسير الموضوعي ، لا من جهة الاصطلاح ، ولا من جهة التنظير والتطبيق . وأتمنى لو صُحِّحَ مسار هذا الموضوع ، إذ فيه نفع وفوائد كثيرة ، لكن بعد ترشيده وتسديده .
أسأل الله أن يجعل هذا الكلام من باب النصح والتصويب لا من باب التثريب ، وأسأله أن يرينا ـ جميعًا ـ الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .