محبة القرآن
New member
[align=center]بسم اله الرحمن الرحيم
التفسير العقدي لجزء عم
سورة التكوير
(المقطع الأول)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . بسم الله الرحمن الرحيم.
( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)) هذه السورة العظيمة تهدف إلى ثلاثة أمور :
الأمر الأول : تقرير عقيدة اليوم الآخر .
الأمر الثاني : تقرير أن القرآن كلام الله .
الأمر الثالث : تقرير المسؤولية البشرية .
يسمي العلماء هذه السورة (سورة التكوير) , وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم، بأول جملة فيها ( إذا الشمس كورت ), فقد جاء في الحديث الذي رواه الترمذي : } من سره أن ينظر إلى القيامة رأي العين فليقرأ : (إذا الشمس كورت ) ، و ( إذا السماء انفطرت ) ، و ( إذا السماء انشقت) { . وهذه السور الثلاث متشابهة في مقاصدها، وفي نظمها .
( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) : استهلّ الله سبحانه وتعالى هذه السورة بأداة الشرط (إذا)، واتبعها بعدة جمل للوصول إلى جواب الشرط. وقد لفت الله تعالى انتباه المخاطبين، من المشركين، الذين يعانون من بلادة التفكير، وعدم الاعتبار بالآيات الكونية، إلى آية باهرة، يرونها كل يوم؛ وهي الشمس التي تطلع عليهم كل صباح، وتغيب عنهم كل مساء. لقد بات هذا المشهد العظيم في حس كثير من الناس منظراً مألوفاً, ولكن الله سبحانه وتعالى يبين أن هذه الصورة المتكررة، وهذا المنظر المألوف، لن يدوم، وأنه سيأتي عليه وقت يختلف عما هو عليه! ولا ريب أن هذا من دواعي هز النفس من أركانها؛ أن يقال إن هذه الشمس، التي تراها صبيحة كل يوم، يطلع قرنها من جهة المشرق، ثم تراها عشية كل يوم، يسقط قرنها في المغرب، أنها في يوم من الأيام تكور! فقال : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) . ومعنى (كورت) : لهذه اللفظة أربعة معاني عند المفسرين: فمنهم من قال: " كورت " ذهبت، وزالت. فهذه الشمس المرئية التي لا تخطئها العين، والتي يحال عليها في تحقيق الخبر، كما في الأثر: } على مثلها فاشهد أو دع { , ويقول الناس : " كالشمس في رابعة النهار "، هذه الشمس التي يضرب بها المثل في الوضوح، والتحقق، تذهب. وقيل في معنى " كورت ": أي ذهب ضوئها، يعني خُطف بريقها، وأظلمت، بعد أن كانت نيرة مشعة. وقيل : رميت، وألقيت. ويشهد لهذا المعنى ما جاء في الحديث : } أن الشمس والقمر ثوران عقيران مكوران في النار { فهي تلقى في النار يوم القيامة. وقيل : جمعت، ولفت، كما تكور العمامة.
وهذه المعاني الأربعة لا تعارض بينها ؛ وذلك أن الشمس مخلوق عظيم، كالجبال، والسماء، والأرض، يعتريها يوم القيامة من الحوادث أحوال عديدة, فمثلاً: يبتدئ الحال بأن تجمع هذه الشمس بعضها على بعض، وتلف, وبعد لفها يذهب ضوئها, وينقبض، وينحسر، ثم بعد ذلك، يذهب بها، فتزال عن موضعها, ثم يرمى بها، فيكون مستقرها أن تلقى في النار، إذ أنها من طبيعة النار؛ فإن الشمس، كما هو معروف عند علماء الفلك، جسم ناري، ملتهب، حتى إن الفلكين يقولون إنه يجري على سطح الشمس من الانفجارات الهائلة، ما يعادل ملايين الانفجارات النووية. فهي جسم ملتهب، متقد، ولذلك يصلنا القدر الذي يكفينا من ضوئها، ودفئها. وبهذا تجتمع المعاني الأربعة للفظ النكوير، دون تعارض.
هذا هو المشهد الأول، يسرح الفكر في تصور هذا المخلوق العظيم، وما يطرأ عليه يوم القيامة من التغيرات الهائلة ! ولا شك أن تحول المناظر المألوفة، مما يبعث على الفزع, فإن الشيء المستقر الراتب إذا تغير يبعث على الفزع، ويحرك القلوب الراكدة.
( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) : النجوم هي هذه النقاط التي نراها في قبة السماء، ليلاً، تبعث الضوء، وتبدو لنا صغيرة, وإن كان أهل الفلك يقولون إنها شموس كبيرة، جبارة، ولكن لبعد مسافاتها، التي تقاس بالسنين الضوئية، تبدو لنا كالنقط. وللمفسرين في معنى ( انكدرت ) أقوال: فمنهم من قال: إن معنى ( انكدرت ) تناثرت، وتساقطت، وتهافتت, شذر مذر، وتقع على الأرض من عليائها. وهذا أيضاً أمر يدعو للفزع؛ فإن الإنسان إذا رأى الشهب، والنيازك، تتقاذف في السماء أصابه روع, ولو وقع شيء منها على شيء من الأرض، أحرقه، أوترك فيها أثراً، وحفراً، يجده الناس في الصحاري، أحياناً , فكيف إذا كانت هذه النجوم، التي تعد بالملايين، يجري لها هذا الأمر ؟! ويشهد لهذا المعنى قول الله تعالى في السورة التالية : ( إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ , وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ) فهذا من الانتثار. وقيل في معنى (انكدرت): تغير لونها , فإن الكدرة هي تغير اللون، بحيث يخبو البريق، ويذهب الوهج. وهذا أيضاً حاصل؛ فإنها تسلب لمعانها، وبريقها الذي هي عليه في الدنيا. إذاً هذا مظهر آخر من مظاهر القيامة.
( وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ) : هذه الجبال الرواسي، الشامخات، التي يضرب بها المثل في الثبات، تزول عن أماكنها، ويسيُّرها الله عز وجل، كما قال في الآية الأخرى : ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ). وهذا هو أحد أحوال الجبال يوم القيامة، وهو حال التسيير؛ بأن تزول من أماكنها، التي كانت قد ثبتت، وأرسيت فيها، فتسير سيراً عجيباً. ثم يتلو هذا التسيير مرحلة النسف، كما قال الله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ). ويتلو هذا الحال مرحلة البس، والدق، حتى تعود هباءً منبثاً، كما قال الله عز وجل : ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا . فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ). وهكذا ينبغي أن تجمع الآيات في القضية الواحدة، ليكتمل فهمها , فلا يقال إن هذا يعارض هذا , بل يقال: إن يوم القيامة يوم طويل، تحصل فيه هذه الأحداث المتنوعة، وتتوالى.
( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) : والعشار هي النوق العشراء، أي التي بلغت الشهر العاشر في حملها، وصارت على وشك الوضع. والنوق كانت، ولا تزال، أنفس أموال العرب, فكيف إذا كانت هذه النوق على وشك الولادة ؟ لا شك أن ثمنها يعلو؛ لأن الذي يملكها يطمع في الاستيلاد، والنتاج. ومعنى ( عطلت ) : أهملت، وتركت بلا راعٍ يرعاها، ولا موالٍ يواليها. دفع إلى ذلك هول الموقف .
( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) : الوحش هو الحيوان غير المستأنس، الذي يعيش في الفلوات. قيل في معنى ( حشرت ): ماتت ، وقيل، وهو الأقرب، أي جمعت؛ لأن الحشر هو الجمع الذي يصاحبه ضيق، واكتظاظ، وازدحام، كما قال الله عز وجل : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ), فهذه الوحوش التي عاشت على وجه الأرض، مما نرى، ومما لا نرى، ومما انقرض، كلها يوم القيامة تحشر، وتجمع. ويمكن الجمع بين القولين بأنها تجمع أولاً، ثم تموت، بعد ذلك؛ فإنه يقال لها: كوني تراباً .
( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) : البحار تشمل ما نسميه الآن البحار، والمحيطات، والأنهار, فإن هذا كله يشمله اسم البحر, قال الله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ), فالبحر يطلق على مجتمع الماء الكثير. وقد وردت قراءة بالتشديد، يعني بالتضعيف ( سُجِّرت ), ووردت بالتخفيف( سُجِرَت ). والتسجير له عدة معاني , فقيل إن معنى ( سجرت ) أي أوقدت، وأشعلت , وقيل : امتلأت، وفاضت , وقيل : يبست .
وكما قلنا في أمر الجبال، وفي أمر الشمس، نقول أيضاً في أمر البحار : إن هذه البحار يعتريها أحوال يوم القيامة, فلعل أول ما يعتريها أنها تفجر، كما في السورة التالية : ( وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ) أي فاضت، وامتلأت، فاختلط الماء العذب، بالماء الحلو، وفاضت عن حدها، ووعائها الذي كان يحفظها, فإن الله سبحانه وتعالى قال : ( وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ) فهذا البرزخ يكسر يوم القيامة، ويقع امتلاء وفيضان. ثم يقع بعد ذلك التسجير، بمعنى الإيقاد، والإشعال، كما قال في السورة الأخرى: ( وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ) يعني: الموقد المضطرم ناراً, فيجري إيقاد، وينشأ عن هذا الإيقاد أن يتبخر هذا الماء، فتيبس البحار. فتكون هذه المعاني محمولةً على أحوال مختلفة، فلا يكون هذا من باب التعارض والتناقض, وإنما من باب التنوع. فهذه الألفاظ ألفاظ مشتركة تستعملها العرب على معانٍ متعددة. ومن بلاغة القرآن أن المعنى يحمل هذه الألفاظ على وجه لا تعارض فيه.
هذه الأمور الستة، روي عن أبي ابن كعب، رضي الله عنه، أنها تقع يوم القيامة، قبل البعث، مقارنة لنفخة الصعق, وأما ما بعدها، مما سيأتي، فيقع بعد البعث. وإذا أطلق (يوم القيامة) فقد يراد به ما يصاحب نفخة الصعق، وقد يراد به ما يتلو نفخة البعث؛ لأن النفخ نفختان، كما قال الله عز وجل:( ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى), نفخة للصعق، ونفخة للبعث. وأضاف بعض العلماء نفخة ثالثة، وهى نفخة الفزع ! لكن الذي تدل عليه الأدلة أنهما نفختان. فهذه الأمور الستة التي ذكر الله تعالى في مطلع السورة ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) تكون مصاحبة لنفخة الصعق، بين يديها، فيبصرها الناس، ويقع من جراء ذلك فزع عظيم لهذا التغير الكوني.
( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) : هذا يكون بعد البعث. ومعنى ( زُوِّجَتْ ) أي : قرنت النفوس بالأبدان، أو بالأجساد التي كانت تعمرها في الدنيا. وقيل : أي قرن الأشباه، والنظائر، بعضها ببعض؛ فاليهودي مع اليهودي، والنصراني مع النصراني، كما قال الله تعالى : ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ) يعني أشكالهم وأشباههم , فيكون معنى "زوجت" يعني قرنت بأشباهها، وأشكالها. ولعل هذا المعنى أرجح؛ وذلك أن الله، سبحانه وتعالى، دوماً ينبه على هذا، كما في قوله : ( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ), وقال : ( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ . وَأَصْحَابُ الْمَشَْمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ . وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ), فهذا التصنيف، والتوزيع، والقرن، هو التزويج المراد بقوله: ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) .
( وَإِذَا الْمَوْؤدَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) : الموؤدة : البنت التي يقتلها أبوها في صغرها، إما خشية العار، وإما خشية الحاجة، أو خشية الأمرين معاً. فقد كان أهل الجاهلية، والعياذ بالله، يئدون البنات, قال تعالى : (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم ,ٌ يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب) , روى الإمام الدارمي رحمه الله في مطلع سننه أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ وَعِبَادَةِ أَوْثَانٍ ، فَكُنَّا نَقْتُلُ الأَوْلاَدَ ، وَكَانَتْ عِنْدِى بِنْتٌ لِى ، فَلَمَّا أَجَابَتْ عِبَادَةَ الأَوْثَانِ ، وَكَانَتْ مَسْرُورَةً بِدُعَائِى إِذَا دَعَوْتُهَا ، فَدَعَوْتُهَا يَوْماً فَاتَّبَعَتْنِى ، فَمَرَرْتُ حَتَّى أَتَيْتُ بِئْراً مِنْ أَهْلِى غَيْرَ بَعِيدٍ ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا فَرَدَّيْتُ بِهَا فِى الْبِئْرِ ، وَكَانَ آخِرَ عَهْدِى بِهَا أَنْ تَقُولَ : يَا أَبَتَاهُ يَا أَبَتَاهُ. فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى وَكَفَ دَمْعُ عَيْنَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : أَحْزَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ :« كُفَّ ، فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَمَّا أَهَمَّهُ ». ثُمَّ قَالَ لَهُ :« أَعِدْ عَلَىَّ حَدِيثَكَ ». فَأَعَادَهُ ، فَبَكَى حَتَّى وَكَفَ الدَّمْعُ مِنْ عَيْنَيْهِ عَلَى لِحْيَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ :« إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ عَنِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا عَمِلُوا ، فَاسْتَأْنِفْ عَمَلَكَ ».
كان هذا حالهم، والعياذ بالله، يئدون البنات؛ لأنهم يخشون العار؛ لما يقع بينهم من الغزو، والسلب، والنهب، فيخشون أن تؤسر، فتقع في يد عدوه، فيكون عاراً عليه, أو يفعلون ذلك بسبب الفقر، أو الخوف منه. ولهذا نهاهم الله عز وجل : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) , (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ).
( بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ): هذا السؤال من الله عز وجل في ذلك اليوم، ما أثقله، وما أعظمه على ذلك الوائد ! وماذا يكون جواب هذه الموءودة ؟ وقد جاء في قراءة ( بأي ذنب قُتِلْتِ ) على سبيل الخطاب. ولا شك أنه لا ذنب لها, وإنما الذنب يتحمله هذا الوائد، القاطع. وهذا مما أكرم الله تعالى به المرأة في هذه الشريعة العظيمة، أن حفظها من هذا الهوان وهذا القتل .
( وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ) : المراد بالصحف: صحائف الأعمال، التي يقيد بها الكرام الكاتبون ما يخرج من الإنسان من خير، أو شر. ومعنى ( نشرت ): أي فتحت، وأبرزت, فلا خفاء، ولا سر , بل عدل ظاهر, وحق بين. وهذا من كمال عدل الله عز وجل, واعتبار الشارع بالتوثيق, فكل إنسان يقيد عليه ما طار منه من عمل، كما قال الله عز وجل : ( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا ) يعني ما طار منه من عمل, لأن ما يبدر منك من فعل، أو قول، كالطائر الذي فر منك، لا سبيل إلى رده, فلذلك سمي طائراً, ومعنى ( منشوراً ) : أي مفتوحاً .
( وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ) : هذا مظهر عجيب ! هذه السماء التي يُسَرِّح الإنسان فيها طرفه، ويجول في أرجائها، ويبحث عن موضع ثقب، ولو كجب الإبرة، فلا يجده ! كما قال الله تعالى : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ) , فهي سماء محكمة، مسمتة , لا يوجد فيها أدنى خلل, في يوم القيامة تكشط، أي: تسلخ كما يسلخ الجلد من الذبيحة, حين يضع الجزار عليها قدمه، أو فيها يده، ويكشط الجلد ! هكذا تكشط السماء. قال الله تعالى في الآية الأخرى : ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) السجل: هو ما تحفظ فيه الكتب، والمواثيق، يدار، فتسل فيه الورقة. فهذه السماء تطوى طياً، وعبر هاهنا بالكشط وهو الإزالة . ومن شواهد ذلك، أن الله تعالى عبر بالتشقق، حيث قال: ( وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ ) فكل سماء تنفرج وتنشق عن السماء التي فوقها.
ولا ريب أن هذه الأمور أمور غيبية، نفهم منها المعنى العام، المشترك، الذي دلت عليه اللغة, لكننا لا نحيط بالكيفية. فما دل عليه القرآن من أحوال يوم القيامة، ومن صفات الرب سبحانه وتعالى، وسط بين طرفين؛ لا هو كلام أعجمي غير مفهوم، ولا هو حكاية كيفية تتخيلها الأذهان, بل هو إدراك للمعنى، دون إدراك للكيفية. فنحن إذا قرأنا هذه الآيات المتعلقة باليوم الآخر , أو الآيات المتعلقة بصفات الرب سبحانه وتعالى، ندرك منها بمقتضى الوضع العربي معاني معينة, لكننا لا ندرك الحقائق، والكنه، والكيفيات, ولا شك أن إدراكنا للمعاني كافٍ في حصول الموعظة، والعبرة، والتأثير.
( وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ) : الجحيم: اسم من أسماء النار, وهي تدل على الجهامة، والظلمة, فهي سوداء، مظلمة، يحطم بعضها بعضاً. ومعنى قوله : ( سُعِّرَتْ ) أي: زيد في إيقادها، وتسعيرها, وإلا فإنها مخلوقة، موجودة، وهذا هو الذي دلت عليه النصوص, لكنها يوم القيامة تَهيُئ لأضيافها، وبئس الأضياف، وبئس النزل .
( وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ) : روي عن بعض السلف أن الآيتين ( وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ) ، هما مجرى الخطاب، يعني أن كل ما سبق، ذكر للوصول إلى هذا الأمر، أي إلى جحيم تسعر، أو جنة تزلف. ومعنى ( أزلفت): أي: قربت، وأدنيت. ولهذا كان من شأن الجنة، أنها تفتح أبوابها تلقائياً, وأن النار، والعياذ بالله، تفتح فجأة, كما ذكر الله ذلك في آخر سورة الزمر ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) وفي هذا صدمة وهول, بينما قال في الجنة: ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) كأنما هناك تهيؤٌ، واستقبال، وحفاوة مسبقة. نسأل الله من واسع فضله .
( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ) : هذا جواب الشرط, ذكر بعد ثلاثة عشر جملة من قوله : ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) إلى قوله : ( وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ), و(نَفْسٌ): اسم جنس، يعني نفس من النفوس, كما قال الله تعالى: ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ). ولا ريب أن من مرت به هذه المواقف المقارنة لقيام الساعة, والمواقف والأحوال التي تتلو البعث، يدرك يقيناً ما هو عليه. وهذا الشوط من الآيات شوط مهول, شوط يهز القلب من أركانه ، وترتجف له النفوس الحية. وتأمل وقع هذه الآيات على قوم ينكرون البعث ! فإذا كان المؤمن الذي علم مسبقاً بهذا الأمر، وتلا السورة، وأمثالها، مراراً، يتأثر قلبه لتكرارها, فما بالك بهذا الذي قد أعفى نفسه من التفكير في هذه الأمور، وقيل له سيقع كذا وكذا. فلا ريب أن هذا يهزه هزاً عظيماً، ويجعله أمام مفترق طرق, فإما أن يتبع هذا النبي الذي جاء بهذا الحق, وإما أن يختار الأخرى. وهذه مجازفة، ومغامرة، تجعله أمام خيار صعب.
الفوائد المستنبطة
الفائدة الأولى : بيان هول يوم القيامة.
الفائدة الثانية : بيان عظيم قدرة الله تعالى؛ فهذا الكون المنتظم، الرتيب، بأفلاكه العلوية، ومخلوقاته السفلية، يخلفه الله عز وجل، ويغير نمطه.
الفائدة الثالثة : شناعة جريمة الوئد، حيث خصها الله بالذكر في هذا السياق المليء بالآيات الكونية، والأحداث الكبرى.
الفائدة الرابعة : بيان كمال عدل الله .
الفائدة الخامسة : إثبات الجنة والنار، وأنهما مخلوقتان .
الفائدة السادسة : إقرار المرء بعمله يوم القيامة
بقلم الشيخ :د.أحمد بن عبد الرحمن القاضي حفظه الله تعالى.[/align]
التفسير العقدي لجزء عم
سورة التكوير
(المقطع الأول)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . بسم الله الرحمن الرحيم.
( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)) هذه السورة العظيمة تهدف إلى ثلاثة أمور :
الأمر الأول : تقرير عقيدة اليوم الآخر .
الأمر الثاني : تقرير أن القرآن كلام الله .
الأمر الثالث : تقرير المسؤولية البشرية .
يسمي العلماء هذه السورة (سورة التكوير) , وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم، بأول جملة فيها ( إذا الشمس كورت ), فقد جاء في الحديث الذي رواه الترمذي : } من سره أن ينظر إلى القيامة رأي العين فليقرأ : (إذا الشمس كورت ) ، و ( إذا السماء انفطرت ) ، و ( إذا السماء انشقت) { . وهذه السور الثلاث متشابهة في مقاصدها، وفي نظمها .
( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) : استهلّ الله سبحانه وتعالى هذه السورة بأداة الشرط (إذا)، واتبعها بعدة جمل للوصول إلى جواب الشرط. وقد لفت الله تعالى انتباه المخاطبين، من المشركين، الذين يعانون من بلادة التفكير، وعدم الاعتبار بالآيات الكونية، إلى آية باهرة، يرونها كل يوم؛ وهي الشمس التي تطلع عليهم كل صباح، وتغيب عنهم كل مساء. لقد بات هذا المشهد العظيم في حس كثير من الناس منظراً مألوفاً, ولكن الله سبحانه وتعالى يبين أن هذه الصورة المتكررة، وهذا المنظر المألوف، لن يدوم، وأنه سيأتي عليه وقت يختلف عما هو عليه! ولا ريب أن هذا من دواعي هز النفس من أركانها؛ أن يقال إن هذه الشمس، التي تراها صبيحة كل يوم، يطلع قرنها من جهة المشرق، ثم تراها عشية كل يوم، يسقط قرنها في المغرب، أنها في يوم من الأيام تكور! فقال : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) . ومعنى (كورت) : لهذه اللفظة أربعة معاني عند المفسرين: فمنهم من قال: " كورت " ذهبت، وزالت. فهذه الشمس المرئية التي لا تخطئها العين، والتي يحال عليها في تحقيق الخبر، كما في الأثر: } على مثلها فاشهد أو دع { , ويقول الناس : " كالشمس في رابعة النهار "، هذه الشمس التي يضرب بها المثل في الوضوح، والتحقق، تذهب. وقيل في معنى " كورت ": أي ذهب ضوئها، يعني خُطف بريقها، وأظلمت، بعد أن كانت نيرة مشعة. وقيل : رميت، وألقيت. ويشهد لهذا المعنى ما جاء في الحديث : } أن الشمس والقمر ثوران عقيران مكوران في النار { فهي تلقى في النار يوم القيامة. وقيل : جمعت، ولفت، كما تكور العمامة.
وهذه المعاني الأربعة لا تعارض بينها ؛ وذلك أن الشمس مخلوق عظيم، كالجبال، والسماء، والأرض، يعتريها يوم القيامة من الحوادث أحوال عديدة, فمثلاً: يبتدئ الحال بأن تجمع هذه الشمس بعضها على بعض، وتلف, وبعد لفها يذهب ضوئها, وينقبض، وينحسر، ثم بعد ذلك، يذهب بها، فتزال عن موضعها, ثم يرمى بها، فيكون مستقرها أن تلقى في النار، إذ أنها من طبيعة النار؛ فإن الشمس، كما هو معروف عند علماء الفلك، جسم ناري، ملتهب، حتى إن الفلكين يقولون إنه يجري على سطح الشمس من الانفجارات الهائلة، ما يعادل ملايين الانفجارات النووية. فهي جسم ملتهب، متقد، ولذلك يصلنا القدر الذي يكفينا من ضوئها، ودفئها. وبهذا تجتمع المعاني الأربعة للفظ النكوير، دون تعارض.
هذا هو المشهد الأول، يسرح الفكر في تصور هذا المخلوق العظيم، وما يطرأ عليه يوم القيامة من التغيرات الهائلة ! ولا شك أن تحول المناظر المألوفة، مما يبعث على الفزع, فإن الشيء المستقر الراتب إذا تغير يبعث على الفزع، ويحرك القلوب الراكدة.
( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) : النجوم هي هذه النقاط التي نراها في قبة السماء، ليلاً، تبعث الضوء، وتبدو لنا صغيرة, وإن كان أهل الفلك يقولون إنها شموس كبيرة، جبارة، ولكن لبعد مسافاتها، التي تقاس بالسنين الضوئية، تبدو لنا كالنقط. وللمفسرين في معنى ( انكدرت ) أقوال: فمنهم من قال: إن معنى ( انكدرت ) تناثرت، وتساقطت، وتهافتت, شذر مذر، وتقع على الأرض من عليائها. وهذا أيضاً أمر يدعو للفزع؛ فإن الإنسان إذا رأى الشهب، والنيازك، تتقاذف في السماء أصابه روع, ولو وقع شيء منها على شيء من الأرض، أحرقه، أوترك فيها أثراً، وحفراً، يجده الناس في الصحاري، أحياناً , فكيف إذا كانت هذه النجوم، التي تعد بالملايين، يجري لها هذا الأمر ؟! ويشهد لهذا المعنى قول الله تعالى في السورة التالية : ( إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ , وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ) فهذا من الانتثار. وقيل في معنى (انكدرت): تغير لونها , فإن الكدرة هي تغير اللون، بحيث يخبو البريق، ويذهب الوهج. وهذا أيضاً حاصل؛ فإنها تسلب لمعانها، وبريقها الذي هي عليه في الدنيا. إذاً هذا مظهر آخر من مظاهر القيامة.
( وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ) : هذه الجبال الرواسي، الشامخات، التي يضرب بها المثل في الثبات، تزول عن أماكنها، ويسيُّرها الله عز وجل، كما قال في الآية الأخرى : ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ). وهذا هو أحد أحوال الجبال يوم القيامة، وهو حال التسيير؛ بأن تزول من أماكنها، التي كانت قد ثبتت، وأرسيت فيها، فتسير سيراً عجيباً. ثم يتلو هذا التسيير مرحلة النسف، كما قال الله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ). ويتلو هذا الحال مرحلة البس، والدق، حتى تعود هباءً منبثاً، كما قال الله عز وجل : ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا . فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ). وهكذا ينبغي أن تجمع الآيات في القضية الواحدة، ليكتمل فهمها , فلا يقال إن هذا يعارض هذا , بل يقال: إن يوم القيامة يوم طويل، تحصل فيه هذه الأحداث المتنوعة، وتتوالى.
( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) : والعشار هي النوق العشراء، أي التي بلغت الشهر العاشر في حملها، وصارت على وشك الوضع. والنوق كانت، ولا تزال، أنفس أموال العرب, فكيف إذا كانت هذه النوق على وشك الولادة ؟ لا شك أن ثمنها يعلو؛ لأن الذي يملكها يطمع في الاستيلاد، والنتاج. ومعنى ( عطلت ) : أهملت، وتركت بلا راعٍ يرعاها، ولا موالٍ يواليها. دفع إلى ذلك هول الموقف .
( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) : الوحش هو الحيوان غير المستأنس، الذي يعيش في الفلوات. قيل في معنى ( حشرت ): ماتت ، وقيل، وهو الأقرب، أي جمعت؛ لأن الحشر هو الجمع الذي يصاحبه ضيق، واكتظاظ، وازدحام، كما قال الله عز وجل : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ), فهذه الوحوش التي عاشت على وجه الأرض، مما نرى، ومما لا نرى، ومما انقرض، كلها يوم القيامة تحشر، وتجمع. ويمكن الجمع بين القولين بأنها تجمع أولاً، ثم تموت، بعد ذلك؛ فإنه يقال لها: كوني تراباً .
( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) : البحار تشمل ما نسميه الآن البحار، والمحيطات، والأنهار, فإن هذا كله يشمله اسم البحر, قال الله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ), فالبحر يطلق على مجتمع الماء الكثير. وقد وردت قراءة بالتشديد، يعني بالتضعيف ( سُجِّرت ), ووردت بالتخفيف( سُجِرَت ). والتسجير له عدة معاني , فقيل إن معنى ( سجرت ) أي أوقدت، وأشعلت , وقيل : امتلأت، وفاضت , وقيل : يبست .
وكما قلنا في أمر الجبال، وفي أمر الشمس، نقول أيضاً في أمر البحار : إن هذه البحار يعتريها أحوال يوم القيامة, فلعل أول ما يعتريها أنها تفجر، كما في السورة التالية : ( وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ) أي فاضت، وامتلأت، فاختلط الماء العذب، بالماء الحلو، وفاضت عن حدها، ووعائها الذي كان يحفظها, فإن الله سبحانه وتعالى قال : ( وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ) فهذا البرزخ يكسر يوم القيامة، ويقع امتلاء وفيضان. ثم يقع بعد ذلك التسجير، بمعنى الإيقاد، والإشعال، كما قال في السورة الأخرى: ( وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ) يعني: الموقد المضطرم ناراً, فيجري إيقاد، وينشأ عن هذا الإيقاد أن يتبخر هذا الماء، فتيبس البحار. فتكون هذه المعاني محمولةً على أحوال مختلفة، فلا يكون هذا من باب التعارض والتناقض, وإنما من باب التنوع. فهذه الألفاظ ألفاظ مشتركة تستعملها العرب على معانٍ متعددة. ومن بلاغة القرآن أن المعنى يحمل هذه الألفاظ على وجه لا تعارض فيه.
هذه الأمور الستة، روي عن أبي ابن كعب، رضي الله عنه، أنها تقع يوم القيامة، قبل البعث، مقارنة لنفخة الصعق, وأما ما بعدها، مما سيأتي، فيقع بعد البعث. وإذا أطلق (يوم القيامة) فقد يراد به ما يصاحب نفخة الصعق، وقد يراد به ما يتلو نفخة البعث؛ لأن النفخ نفختان، كما قال الله عز وجل:( ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى), نفخة للصعق، ونفخة للبعث. وأضاف بعض العلماء نفخة ثالثة، وهى نفخة الفزع ! لكن الذي تدل عليه الأدلة أنهما نفختان. فهذه الأمور الستة التي ذكر الله تعالى في مطلع السورة ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) تكون مصاحبة لنفخة الصعق، بين يديها، فيبصرها الناس، ويقع من جراء ذلك فزع عظيم لهذا التغير الكوني.
( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) : هذا يكون بعد البعث. ومعنى ( زُوِّجَتْ ) أي : قرنت النفوس بالأبدان، أو بالأجساد التي كانت تعمرها في الدنيا. وقيل : أي قرن الأشباه، والنظائر، بعضها ببعض؛ فاليهودي مع اليهودي، والنصراني مع النصراني، كما قال الله تعالى : ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ) يعني أشكالهم وأشباههم , فيكون معنى "زوجت" يعني قرنت بأشباهها، وأشكالها. ولعل هذا المعنى أرجح؛ وذلك أن الله، سبحانه وتعالى، دوماً ينبه على هذا، كما في قوله : ( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ), وقال : ( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ . وَأَصْحَابُ الْمَشَْمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ . وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ), فهذا التصنيف، والتوزيع، والقرن، هو التزويج المراد بقوله: ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) .
( وَإِذَا الْمَوْؤدَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) : الموؤدة : البنت التي يقتلها أبوها في صغرها، إما خشية العار، وإما خشية الحاجة، أو خشية الأمرين معاً. فقد كان أهل الجاهلية، والعياذ بالله، يئدون البنات, قال تعالى : (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم ,ٌ يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب) , روى الإمام الدارمي رحمه الله في مطلع سننه أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ وَعِبَادَةِ أَوْثَانٍ ، فَكُنَّا نَقْتُلُ الأَوْلاَدَ ، وَكَانَتْ عِنْدِى بِنْتٌ لِى ، فَلَمَّا أَجَابَتْ عِبَادَةَ الأَوْثَانِ ، وَكَانَتْ مَسْرُورَةً بِدُعَائِى إِذَا دَعَوْتُهَا ، فَدَعَوْتُهَا يَوْماً فَاتَّبَعَتْنِى ، فَمَرَرْتُ حَتَّى أَتَيْتُ بِئْراً مِنْ أَهْلِى غَيْرَ بَعِيدٍ ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا فَرَدَّيْتُ بِهَا فِى الْبِئْرِ ، وَكَانَ آخِرَ عَهْدِى بِهَا أَنْ تَقُولَ : يَا أَبَتَاهُ يَا أَبَتَاهُ. فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى وَكَفَ دَمْعُ عَيْنَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : أَحْزَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ :« كُفَّ ، فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَمَّا أَهَمَّهُ ». ثُمَّ قَالَ لَهُ :« أَعِدْ عَلَىَّ حَدِيثَكَ ». فَأَعَادَهُ ، فَبَكَى حَتَّى وَكَفَ الدَّمْعُ مِنْ عَيْنَيْهِ عَلَى لِحْيَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ :« إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ عَنِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا عَمِلُوا ، فَاسْتَأْنِفْ عَمَلَكَ ».
كان هذا حالهم، والعياذ بالله، يئدون البنات؛ لأنهم يخشون العار؛ لما يقع بينهم من الغزو، والسلب، والنهب، فيخشون أن تؤسر، فتقع في يد عدوه، فيكون عاراً عليه, أو يفعلون ذلك بسبب الفقر، أو الخوف منه. ولهذا نهاهم الله عز وجل : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) , (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ).
( بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ): هذا السؤال من الله عز وجل في ذلك اليوم، ما أثقله، وما أعظمه على ذلك الوائد ! وماذا يكون جواب هذه الموءودة ؟ وقد جاء في قراءة ( بأي ذنب قُتِلْتِ ) على سبيل الخطاب. ولا شك أنه لا ذنب لها, وإنما الذنب يتحمله هذا الوائد، القاطع. وهذا مما أكرم الله تعالى به المرأة في هذه الشريعة العظيمة، أن حفظها من هذا الهوان وهذا القتل .
( وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ) : المراد بالصحف: صحائف الأعمال، التي يقيد بها الكرام الكاتبون ما يخرج من الإنسان من خير، أو شر. ومعنى ( نشرت ): أي فتحت، وأبرزت, فلا خفاء، ولا سر , بل عدل ظاهر, وحق بين. وهذا من كمال عدل الله عز وجل, واعتبار الشارع بالتوثيق, فكل إنسان يقيد عليه ما طار منه من عمل، كما قال الله عز وجل : ( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا ) يعني ما طار منه من عمل, لأن ما يبدر منك من فعل، أو قول، كالطائر الذي فر منك، لا سبيل إلى رده, فلذلك سمي طائراً, ومعنى ( منشوراً ) : أي مفتوحاً .
( وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ) : هذا مظهر عجيب ! هذه السماء التي يُسَرِّح الإنسان فيها طرفه، ويجول في أرجائها، ويبحث عن موضع ثقب، ولو كجب الإبرة، فلا يجده ! كما قال الله تعالى : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ) , فهي سماء محكمة، مسمتة , لا يوجد فيها أدنى خلل, في يوم القيامة تكشط، أي: تسلخ كما يسلخ الجلد من الذبيحة, حين يضع الجزار عليها قدمه، أو فيها يده، ويكشط الجلد ! هكذا تكشط السماء. قال الله تعالى في الآية الأخرى : ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) السجل: هو ما تحفظ فيه الكتب، والمواثيق، يدار، فتسل فيه الورقة. فهذه السماء تطوى طياً، وعبر هاهنا بالكشط وهو الإزالة . ومن شواهد ذلك، أن الله تعالى عبر بالتشقق، حيث قال: ( وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ ) فكل سماء تنفرج وتنشق عن السماء التي فوقها.
ولا ريب أن هذه الأمور أمور غيبية، نفهم منها المعنى العام، المشترك، الذي دلت عليه اللغة, لكننا لا نحيط بالكيفية. فما دل عليه القرآن من أحوال يوم القيامة، ومن صفات الرب سبحانه وتعالى، وسط بين طرفين؛ لا هو كلام أعجمي غير مفهوم، ولا هو حكاية كيفية تتخيلها الأذهان, بل هو إدراك للمعنى، دون إدراك للكيفية. فنحن إذا قرأنا هذه الآيات المتعلقة باليوم الآخر , أو الآيات المتعلقة بصفات الرب سبحانه وتعالى، ندرك منها بمقتضى الوضع العربي معاني معينة, لكننا لا ندرك الحقائق، والكنه، والكيفيات, ولا شك أن إدراكنا للمعاني كافٍ في حصول الموعظة، والعبرة، والتأثير.
( وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ) : الجحيم: اسم من أسماء النار, وهي تدل على الجهامة، والظلمة, فهي سوداء، مظلمة، يحطم بعضها بعضاً. ومعنى قوله : ( سُعِّرَتْ ) أي: زيد في إيقادها، وتسعيرها, وإلا فإنها مخلوقة، موجودة، وهذا هو الذي دلت عليه النصوص, لكنها يوم القيامة تَهيُئ لأضيافها، وبئس الأضياف، وبئس النزل .
( وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ) : روي عن بعض السلف أن الآيتين ( وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ) ، هما مجرى الخطاب، يعني أن كل ما سبق، ذكر للوصول إلى هذا الأمر، أي إلى جحيم تسعر، أو جنة تزلف. ومعنى ( أزلفت): أي: قربت، وأدنيت. ولهذا كان من شأن الجنة، أنها تفتح أبوابها تلقائياً, وأن النار، والعياذ بالله، تفتح فجأة, كما ذكر الله ذلك في آخر سورة الزمر ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) وفي هذا صدمة وهول, بينما قال في الجنة: ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) كأنما هناك تهيؤٌ، واستقبال، وحفاوة مسبقة. نسأل الله من واسع فضله .
( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ) : هذا جواب الشرط, ذكر بعد ثلاثة عشر جملة من قوله : ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) إلى قوله : ( وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ), و(نَفْسٌ): اسم جنس، يعني نفس من النفوس, كما قال الله تعالى: ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ). ولا ريب أن من مرت به هذه المواقف المقارنة لقيام الساعة, والمواقف والأحوال التي تتلو البعث، يدرك يقيناً ما هو عليه. وهذا الشوط من الآيات شوط مهول, شوط يهز القلب من أركانه ، وترتجف له النفوس الحية. وتأمل وقع هذه الآيات على قوم ينكرون البعث ! فإذا كان المؤمن الذي علم مسبقاً بهذا الأمر، وتلا السورة، وأمثالها، مراراً، يتأثر قلبه لتكرارها, فما بالك بهذا الذي قد أعفى نفسه من التفكير في هذه الأمور، وقيل له سيقع كذا وكذا. فلا ريب أن هذا يهزه هزاً عظيماً، ويجعله أمام مفترق طرق, فإما أن يتبع هذا النبي الذي جاء بهذا الحق, وإما أن يختار الأخرى. وهذه مجازفة، ومغامرة، تجعله أمام خيار صعب.
الفوائد المستنبطة
الفائدة الأولى : بيان هول يوم القيامة.
الفائدة الثانية : بيان عظيم قدرة الله تعالى؛ فهذا الكون المنتظم، الرتيب، بأفلاكه العلوية، ومخلوقاته السفلية، يخلفه الله عز وجل، ويغير نمطه.
الفائدة الثالثة : شناعة جريمة الوئد، حيث خصها الله بالذكر في هذا السياق المليء بالآيات الكونية، والأحداث الكبرى.
الفائدة الرابعة : بيان كمال عدل الله .
الفائدة الخامسة : إثبات الجنة والنار، وأنهما مخلوقتان .
الفائدة السادسة : إقرار المرء بعمله يوم القيامة
بقلم الشيخ :د.أحمد بن عبد الرحمن القاضي حفظه الله تعالى.[/align]