فاطمة الزهراء الناصري
New member
- إنضم
- 22/10/2010
- المشاركات
- 47
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
التفسير الإذاعي للشيخ محمد المكي الناصري
الطاقة النورانية والحكمة الربانية تنبعث من الإذاعة [1]
يعتبر التفسير الإذاعي من أحدث الوسائل لتقريب القرآن الكريم إلى عقول وقلوب المؤمنين، وقد أحرز البرنامج التفسيري "التيسير في أحاديث التفسير"للشيخ المكي الناصري- الذي كان أول بثه من إذاعة المملكة أيام الستينات- قصب السبق إلى هذا اللون من التفسير، حيث أطبقت شهرته الآفاق، وتعلقت به قلوب الناس من المغرب وخارجه أيما تعلق، لصبغته التربوية وطابعه الإصلاحي البارز .[FONT=الشهيد محمد الدره] [/FONT]
[FONT=الشهيد محمد الدره] [/FONT]
[FONT=الشهيد محمد الدره]ذكريات من عهد الطفولة[/FONT]
[FONT=الشهيد محمد الدره] [/FONT]
من حينها استقر في قلبي حب القرآن والتفسير وأنا أسمع تلك الأصوات الربانية الندية التي تنفذ إلى شغاف القلب وتسكن الوجدان، وأنا أتأمل يوميا شغف جدي وتعلقه بتلك الأصوات، عبر لي يوما عن ذلك العشق الدفين بقوله: "لا يمكن أن يوجد في الدنيا برنامج أجدى ولا أروع من هذا يا بنيتي"، لم أستوعب معنى قوله حينها لأنني كنت أفكر في برامج كرتونية كانت أكثر إثارة بالنسبة لي.
الكثيرون مثله أصبح المذياع جزءا لا يتجزأ من حياتهم، ينتظرون شروق الشمس بإشراقات الآيات القرآنية مع تلك النبرة الرزينة التي تقرب القرآن إلى عقولهم، وتغرسه في وجدانهم، فإذا هم أقوى الناس في معركة الحياة؛ لا مكان في أيامهم لظلمات الجهل وهم يرشفون النور كل صباح (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا )[2]، ولا مجال لارتباك الخطى في دروب الحياة وهم يستبصرون بالقرآن وعلى هدى آياته، (هَٰذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[3] وتصطبغ كل تصرفاتهم بالحكمة وهم حديثو العهد بينبوع الحكمة (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ)[4] "، ويبارك الله كل حركاتهم وسكناتهم ببركة القرآن العظيم (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)[5]، فيتذوقون نعيم العزة المستلهمة من الكتاب (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ)[6]، فإذا هم بتلك اللحظات العامرة من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وإذا هم أسعد الناس على الأرض ( أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[7] وإذا بالبرنامج حقا أعظم نوع من البرامج يمكن أن يوجد على الإطلاق كما قال جدي رحمه الله.
مفهوم التفسير الإذاعي:
ذهب محمد رجب بيومي إلى أن التفسير الإذاعي يدخل فيه "كل تفسير تم طرحه في الإذاعة، سواء كان معدا خصيصا للإذاعة أم كان دروسا تلقى في المساجد وتقوم الإذاعة بنقلها كدروس الشيخ محمد متولي الشعراوي"[8]. أما عبد العزيز الضامر فقد ضيق هذه الدائرة وقال إنه: "بيان معاني القرآن الكريم عن طريق إعداده وطرحه في الإذاعة"[9]، واشترط أن يكون قد حضر خصيصا للإذاعة، وقد ساق نماذج لتفاسير إذاعية طرحت في مختلف إذاعات العالم العربي، وصدر هذه النماذج بعنوان: "التيسير في أحاديث التفسير" للشيخ محمد المكي الناصري من المغرب، حيث جعله على رأس هذا اللون من التفسير لسبقه التاريخي.
الرواد الأوائل للتفسير الإذاعي
إنه لمن أصعب الأشياء أن يتكلم الإنسان عن القرآن، وأن يحاول بما يمتلكه من طاقات عقلية نسبية ولغة تاريخية مقاربة منبع النور وينبوع الحكمة، فما بالك لو أراد تبسيط ذلك لكافة الناس عبر موجات الأثير؟ ثم ما بالك لو أراد أن يلامس وجدانهم؟ لقد انبرى لهذه المهمة قليل جدا من الفرسان لأنه أمر يعز جدا بعزة القرآن (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ)[10] .
لقد أُسس هذا اللون التفسيري من خلال "التيسير في أحاديث التفسير" بالمغرب تم تلاه في السودان "تفسير القرآن" لعبد الله الطيب، و"تفسير القرآن الكريم" للدكتور فضل حسن عباس في الأردن، ثم برنامج "على هامش التلاوة " للدكتور محمد السعدي فرهود في مصر، و"التفسير الوسيط" لوهبة الزحيلي في سوريا...هؤلاء الرواد الأوائل لهذا اللون من التفسير، أما اليوم- بحمد الله- فقد كثر هذا اللون مع ما يسره الله تعالى من انتشار وسائل الاتصال السمعية والسمعية البصرية؛ فبات من اللازم الحديث عن التفسير الإذاعي والتلفزي أيضا، ومن أشهر هذه البرامج التفسيرية التلفزية: "بصائر من القرآن" للدكتور أحمد عبادي على القناة المغربية الأولى، و"في ظلال آية" للدكتور أحمد نوفل على قناة الفجر الفضائية وغيرها...
"التيسير في أحاديث التفسير" لمحمد المكي الناصري
لقد صحب رحمه تعالى القرآن الكريم منذ عهد مبكر، ومارس التفسير واقعيا في العديد من المساجد بالمحمدية وتطوان والبيضاء خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، مما أهله لتفسير القرآن عبر الإذاعة بذلك الأسلوب الشيق الفريد، قال رحمه الله:"كانت هذه الدروس العامة التي احتككت فيها بالشعب المؤمن احتكاكا يوميا مباشرا فرصة للتأكيد من جديد، بما يحدثه كتاب الله من تعبئة روحية وتأثير عميق، وانقلاب سريع في نفوس المؤمنين ( … ) فكتاب الله هو الذي أحيا من المسلمين الموات"[11].
ثم أعد رحمه الله تعالى التفسير للإذاعة الوطنية عندما أسندت إليه حصة التفسير الصباحية أيام الستينات الميلادية، قال واصفا شعوره في ذلك الموقف: "وذات يوم من أسعد أيام الستينات تلقيت دعوة ملحة من الإذاعة الوطنية بالمغرب للقيام بأحاديث يومية في تفسير القرآن لفائدة المواطنين والمواطنات، وكافة المؤمنين والمؤمنات، وذلك برواية ورش عن نافع التي هي القراءة المتبعة عند المغاربة منذ عدة قرون، فوجدت هذه الدعوة النبيلة هوى في النفس وحنينا في القلب، واستجابة روحية كاملة، لكني أحسست في نفس الوقت بثقل المسؤولية وصعوبة التكليف"[12].
وقد قسم هذا التفسير إلى حلقات كل واحدة منها تشمل ربع حزب من القرآن، ليكون عدد حلقات "التيسير في أحاديث التفسير" مائتي وأربعين حلقة، جُعل لكل حلقة تمهيد يتطرق فيه الشيخ لمضمون الربع أو موضوعه العام، ثم يعرض للسياق الذي ورد فيه وارتباطه بما قبله من القرآن، بأسلوب شيق وسهل، مبرزا أوجه التناسب بين الآيات، فإذا تعلق الأمر ببداية السورة تكلم عن تسميتها، وقد احترز رحمه الله من المصطلحات العلمية والفقهية التي يمكن أن تعيق عملية التواصل والفهم على عامة الناس، ولأن بعض التفاسير قد تكون حجبا لمعاني الآيات لما حشيت به من آثار وأخبار واهية أو موضوعة قد تفسد على الناس فهم كتاب الله، فقد كان رحمه الله في غاية التحري في صحة الروايات والالتزام بالصحيح من المنقول، وممن حاول إبراز أهم ملامح شخصيته كمفسر الدكتور عبد الرزاق هرماس في مقال بعنوان: "الشيخ المكي الناصري مفسرا"، نشر بمجلة الإحياء، ع13 سنة 1419هـ.
1- منهج الشيخ المكي الناصري في تفسيره:
يمكن تلخيص المنهج المتبع في هذا التفسير في النقط الآتية:
أ- استهلال التفسير بالشرح اللغوي لبعض المفردات المستعملة في الآيات المراد تفسيرها، لهذا قال في تمهيد التفسير: "أدرج ما يصلح أن يكون شرحا لبعض المفردات المستعملة في تلك الآيات، إعانة للسامع على الفهم"[13].
ب- افتراض وحدة موضوعية للآيات المدروسة.
ج- العناية بأوجه التناسب بين الآيات.
د- استعمال منهج "التفسير الموضوعي" بإيراد الآيات القرآنية الواردة في نفس موضوع الآية المفسرة، وقد عبر عن ذلك بقوله: "مقارنة الآيات القرآنية الواردة في كل موضوع موضوع، وكل ميدان ميدان، فكتاب الله من بدايته إلى نهايته كتاب واحد يفسر بعضه بعضا، ويكمل بعضه بعضا، وهو بمجموعه، وبكافة صوره يكون " وحدة " متلاحمة لا تقبل التناقض ولا تعرف الاختلاف".
هـ- اعتماد السنة النبوية في بيان معاني القرآن، مع تجنب الأخبار الواهية والروايات الموضوعة والآراء التي لا تسند إلى دليل معتبر، ولذلك كانت تسمية التفسير في البداية "النهج القويم في تفسير الذكر الحكيم" .
و- الاحتراز من المصطلحات العلمية والفقهية، والإضراب عن ذكر الخلافات المذهبية.
ز- استخلاص محور السورة مما يسلمه للقول بمحور عام يجمع بين سور الربع.
2- أهم خصائص التيسير في أحاديث التفسير:
أ- لا يسلك بالمستمعين دروب لغوية صعبة، وإنما يعتمد أسلوبا ميسرا في بيان معاني القرآن، ولذلك سمى تفسيره "التيسير في أحاديث التفسير"، لقوله تعالى:"ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر".
ب- حضور الطابع الدعوي والتربوي والهم الإصلاحي، بالانطلاق من التفسير لإصلاح النفوس وتهذيبها وتثقيف الشعب وإصلاح تدين العباد.
ج- عدم الاستطراد في ذكر النظريات العلمية والقواعد التي تؤسس لعلم من العلوم أو فن من الفنون، بما يخرج التفسير عن غرضه الأصلي، حتى تحولت بعض التفاسير إلى ميدان للسجال الفكري، وتعداد أنواع العلوم وسرد غرائبها.
د- الإيجاز وتجنب الإطناب.
هـ- الاهتمام بالقضايا الواقعية، وبهموم الناس المعاشة.
و- الوقوف عند النصوص دون إعمال للتأويل خصوصا في بعض النصوص التي لا مجال للرأي فيها.
وقد بنى رحمه الله تعالى صرحا شامخا من الحب للقرآن تتوارثه الأجيال بعد الأجيال، بذلك التفسير الذي ينساب مع نسمات الفجر فيبعث الروح نشطة مرفرفة بالسعادة كأنها لم تولد إلا ذلك الصباح، والذي ما يزال شامة رائعة تزين الإذاعة إلى اليوم.
فما أحوج الإذاعات والقنوات التلفزية في العالم الإسلامي إلى هذا النوع من البرامج التفسيرية؛ تواكب روح العصر، وتربط الناس بالقرآن العظيم ربطا عقليا ووجدانيا، لينظم كتاب الله تعالى حركتهم في هذه الحياة، ويهديهم وسط أمواجها المتلاطمة وسبلها المتشعبة، ويبدد ضنكهم وهمومهم، ويشفي أسقامهم ببركته ونوره وهداه وحكمته ....
- ترجمة الشيخ محمد المكي الناصري
ولد رحمه الله بمدينة الرباط يوم 24 شوال سنة 1324 هـ الموافق لـ11دجنبر1906، وقد أظهر نبوغا وألمعية مبكرين، تتلمذ على يد العديد من الأساتذة والشيوخ منهم من المغرب: الأستاذ الحافظ أبو شعيب الدكـــالي، و الشيخ محمد المدني بن الحسني، و الحاج محمد الناصري...ومنهم من الشرق العربي: الأستاذ مصطفى عبد الرزاق، والأساتذة منصور فهمي، و عبد الحميد العبادي، وغيرهم، وتتلمذ أيضا على أساتذة غربيين منهم: المستشرقان الايطاليان نللينو، وجويدي، والمستشرقان الألمانيان ليتمان و برجستراسر، والفيلسوف أندري لالاند.
أسس "الرابطة المغربية" لكتلة العمل الوطني وهي أول هيئة سرية لمقاومة الاستعمـار، وقدم شكوى المغرب بفرنسا إلى الأمم المتحدة بإمضائه و إمضاء بقية زملائه سنة 1952، فعاقبته الإدارة الدولية بمنعه من العودة والدخول إلى طنجة، فظل منفيا في الخارج أكثر من أربع سنوات إلى أن عاد محمد الخامس من المنفى.
تقلد عدة مناصب هامة منها: التدريس بالجامعة المغربية وبدار الحديث الحسنية، وتولى وزارة الأوقاف، وكان عضوا بأكاديمية المملكة، وسفيرا لجلالة الملك الراحل الحسن الثاني بليبيا، وكانت له رئاسة المجلس العلمي بولاية الرباط وسلا، وانتخبه علماء المغرب بالإجماع أمينا عاما لرابطتهم في مؤتمرهم الاستثنائي المنعقد بطنجة سنة 1989 خلفا لأمينها العام الأستاذ الراحل عبد الله كنون.
ألف العديد من الكتب والأبحاث والدراسات في مرحلة الاحتلال وبعد الاستقلال، منها: " إظهار الحقيقة" طبع بتونس سنة 1925، و"حرب صليبية في مراكش" طبع بالقدس سنة 1931، و"فرنسا و سياستها البربرية في المغرب الأقصى" طبع بالقاهرة سنة 1932، و"الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية"سنة 1935، و"موقف الأمة المغربية من الحماية الفرنسية" سنة 1946، ثم تفسيره: "التيسير في أحاديث التفسير" طبع سنة 1405هـ في ستة مجلدات...، توفي يوم 10 ماي 1994 الموافق ل29 ذي القعدة 1414 هجرية رحمه الله رحمة واسعة.
[1] - مفال منشور بالجريدة الرسمية الأسبوعية "منبر الرابطة " بالمغرب مع بعض الإضافات .
[2] النساء/173
[3] الأعراف/203
[4] لقمان/1
[5] ص/27
[6] فصلت/40
[7] الرعد/29
[8] -"التفسير القرآني"،ص18
[9] -انظر مقال بعنوان: "التفسير الإذاعي للقرآن الكريم"، مجلة: "معهد الإمام الشاطبي للدراسات القرآنية"،ع1ربيع الآخر1427هـ
[10] -فصلت/40.
[11] - التيسيرج1/ص11.
[12] -التيسيرج1/ص6.
[13] - نفسه، ج1/ص21 بتصرف.