عبدالعزيز الضامر
New member
التفسير وكتب البرامج والمشيخات
لاحظت على بعض الدارسين والباحثين أنهم إذا أرادوا أن يتناولوا كتاباً في الدراسات القرآنية (تفسير, علوم القرآن, أحكام القرآن, تجويد..ونحو ذلك), بالبحث والتنقيب عن بياناته فإنهم يعمدون إلى المصادر الآتية:
(1) النظر في الكتاب نفسه وخاصة المقدمة.
(2) النظر في مؤلفات المُصنِّف الأُخرى.
(3) النظر في كتب التراجم التي ترجمت لصاحب هذا الكتاب.
(4) النظر في الكتب التي اهتمت ببيلوغرافيا الكتب والمؤلفات نحو الفهرست لابن النديم, وكشف الظنون لحاجي خليفة ونحو ذلك.
إلاَّ أنَّ هناك مصدراً مُهِماً قد غَفَلَ عنه الكثير من الباحثين, وهو النظر في كتب البرامج والمشيخات[1] وهي عبارةٌ عن الكتاب الذي يجمع فيه الشيخ شيوخه وأساتذته وما يتعلق بذلك[2].
وتختلف طريقة التقسيم والتبويب فيها من كتابٍ لآخر, فبعضهم يُراعي في ترتيبه الكتب التي قرآها صاحب البرنامج وقدمها حسب موضوعاتها, مثل فهرسة ابن خير الإشبيلي, وبعضهم يُراعي في ترتيبه الشيوخ الذين قرأ عليهم المُؤلف بحيث يُترجم لهم ويذكر ما رُوي عنهم, وهذا المسلك هو الذي سَلَكه ابن عطية في فهرسه, وأبو الحسن الرعيني في برنامجه, والقاضي عياض في الغُنية, وبعضهم يمزج بين الطريقتين السالفتين كما فعل ابن جابر الوادي آشي في برنامجه[3].
والخلاصة أنَّ كتب البرامج والمشيخات تُعتبر مرجعاً مُهماً في معرفة بعض البيانات التي يحتاجها الباحث للوصول إلى بعض الحقائق والتساؤلات التي تدور حول كتابه الذي يعْنَى بدراسته.
وإليكم- معاشر الباحثين والدارسين- بعض الفوائد المُستقاة من النظر في هذا النوع من الكُتب والتي قد لا يجدها المرء في غيرها:
(1) اسم المؤلف, وزمن ولادته ووفاته.
(2) اسم الكتاب, ونسبته لمؤلفه, وعدد الأجزاء التي يقع فيها.
(3) معرفة زمن تدوين الكتاب, وقصة تأليفه.
(4) معرفة مدى مكانة الكتاب وشهرته في الأقطار.
(5) معرفة أسماء بعض العلماء والتلاميذ الذين دَرَسوا الكتاب وقرآوه.
(6) معرفة الزمان والمكان الذي تمَّت فيه مُدارسة ذلك الكتاب.
(7) معرفة ما كان مُتداولاً في ذلك الزمن أو القطر من الكتب.
(8) معرفة صيغ التحمل (سماعاً, مُشافهةً, وجادةً, قراءةً, إجازة بخط اليد ونحو ذلك) التي أخذ بها التلميذ دراسته للكتاب.
(9) معرفة عدد المرَّات التي قُرِئ فيها الكتاب.
ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره ابن خير الإشبيلي في فهرسه عندما ذكر كتاب تفسير القرآن ليحي بن سلام.
حيث أورد أسانيده التي رواها عن شيوخه لهذا التفسير ومنها قوله: "حدثني به شيخنا الخطيب أبو الحسن شريح بن محمد المقرئ رحمه الله, قراءةً عليه وأنا أسمع من أوله إلى أول سورة يونس, وناولني جميعه في أصل كتابه, قال: حدثني به أبي رحمه الله سماعاً من لفظه بقراءته عليّ, قال: سمعته على أبي العباس أحمد بن سعيد بن أحمد بن نفيس المُقرئ في مسجده بزقاق الطحّانين من فسطاط مصر سنة (434هـ), قال: أخبرنا به أبو القاسم هبة الله بن سلامة بن نصر بن علي الضرير البغدادي المُفَسِّر, عن أبي القاسم عبيد الله بن يحي المعروف بابن خشفى, عن علي بن محمد البصري الواعظ, عن الحسن بن علي عن محمد بن يحي بن سلام عن أبيه يحي بن سلام مؤلفه رحمه الله..."[4].
فهذا النص مليءٌ بالفوائد لمن يتأمله ويُمعن النظر فيه مرةً بعد أُخرى, ويستطيع الباحث أن يُجيب على بعض التساؤلات التي في ذهنه, ويجمع خيوط الحقيقة فيكونها حُلَّةً قشيبةً مُتماسكة.
وختاماً. فإني أقترح بأن يتصدى أحد الباحثين بجمع كتب البرامج والمشيخات المطبوعة والمخطوطة -إن أمكن-, فيقوم بصنع ببيلوغرافيا لكتب الدراسات القرآنية الواردة فيها, وما تتضمنه من المعلومات والفوائد التي تنفع الدارسين, وبالله التوفيق.
...............................................
ليلة الأربعاء 28/12/1425هـ
[1] / يُسمي المشارقة هذا النوع من الكتب بالثَبَت أو المُعجم أوالمشيخة, وأمَّا المغاربة فإنه يُطلقون عليه لفظ الفهرس أو البرنامج.
[2] / فهرس الفهارس للكتاني (1/40).
[3] / تُنظر مقدمة الدكتور محمد أبو الأجفان في تحقيقه لكتاب فهرس ابن عطية (ص:40)
[4] / فهرسة ابن خير الإشبيلي (1/73).
تنبيه : تم تكبير الخط حتى تسهل علينا قراءة الموضوع ، وأعتذر أخي عبدالعزيز عن التدخل في تحرير موضوعك .[أبومجاهد]