التفث في قوله تعالى﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾

إنضم
09/01/2006
المشاركات
77
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
الرياض
بيان معنى التفث في قوله تعالى:​


{ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ }​


انقسم اللغويون والمفسرون في معنى التفث إلى فريقين:
الفريق الأول: يذهب إلى أن هذه الكلمة لم تكن معروفة قبل بيان معناها من قبل المفسرين.
ومن هؤلاء:
أبو عبيدة (210هـ) حيث قال:"ولم يجيء فيه شعر يحتج به"([1]).
ومنهم الزجاج(311هـ) حيث قال:"التفث أهل اللغة لا يعرفونه إلا من التفسير"([2]).
ومنهم النحاس (338هـ) حيث قال بعد أن ذكر بإسناده عن ابن عباسرضي الله عنهما أنه قال:(التفث الحلق والتقصير والرمي والذبح والأخذ من الشارب واللحية ونتف الإبط وقص الإظفار) قال:"وكذلك هو عند جميع أهل التفسير أي الخروج من الإحرام إلى الحل لا يعرفه أهل اللغة إلا من التفسير"([3]).
ومنهم القاضي الإمام أبو الطيب الطبري(450هـ) حيث قال"هذه لفظة غريبة عربية لم يجد أهل المعرفة فيها شعراً، ولا أحاطوا بها خبراً"([4]).
ولم يزد ابن فارس (395هـ) -على خلاف عادته- على أن قال:" التاء والفاء والثاء كلمة واحدة في قول الله تعالى:﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾قال أبو عبيدة: هو قص الأظافر وأخذ الشارب وشم الطيب وكل ما يحرم على المحرم إلا النكاح. قال: ولم يجئ فيه شعر يحتج به"([5]).
وجعل السيوطي التفث ضمن النوع العشرين وهو معرفة الألفاظ الإسلامية([6]) أي التي لم تكن معروفة قبل الإسلام.
الفريق الثاني: ذهب إلى بيان المعنى اللغوي لكلمة تفث وكأنها من الكلمات المعروفة في اللغة عندهم.
ومن هؤلاء النضر بن شميل (203هـ) حيث قال:"التفث النسك من مناسك الحج، رجل تفث أي مغبر شعث لم يدهن ولم يستحد"([7])، قال الأزهري معلقاً على كلام النضر:"لم يفسر أحد من اللغويين التفث كما فسره ابن شميل: جعل التفث التشعث، وجعل قضاءه إذهاب الشعث بالحلق والتقليم وما أشبهه"([8]).
وقال قطرب (206هـ):"تفث الرجل: إذا كثر وسخه"([9]).
"وقال المبرد(285هـ): أصل التفث في كلام العرب كل قاذورة تلحق الإنسان فيجب عليه نقضها"([10]).
و"قال نفطويه (323هـ): سألت أعرابياً فصيحاً ما معنى قوله: { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ }, فقال: ما أفسر القرآن, ولكنا نقول للرجل: ما أتفثك, أي: أوسخك وما أدرنك"([11]).
وقال الثعلبي(427هـ):" وأصل التفث في اللغة الوسخ، تقول العرب للرجل تستقذره: ما أتفثك أي ما أوسخك! وأقذرك! قال أمية بن الصلت:
شاخين آباطهم لم يقذفوا تفثا وينزعوا عنهم قملاً وصئباناً"([12]).
وقال الراغب الأصفهاني(502هـ):"..وأصل التفث: وسخ الظفر وغير ذلك، مما شابه أن يزال عن البدن. قال أعرابي: ما أتفثك وأدرنك"([13]).
الرأي الراجح:
ولعل القول الراجح هو الرأي الثاني وذلك لأمرين:
الأمر الأول: مجيء التفث في الشعر العربي قال أمية بن أبي الصلت:
حفُّوا رؤوسهم لم يحلقوا تفثاً ولم يَسُلُّوا لهم قَمْلاً وصئبانا([14])
الأمر الثاني: بيان عددٍ من علماء اللغة معنى التفث في اللغة كالنضر بن شميل وقطرب والمبرد ونفطويه غيرهم والمثبت مقدم على النافي.
وهذا ما رجحه القفال حيث قال:" وهذا أولى من قول الزجاج([15]) لأن القول قول المثبت لا قول النافي"([16])، وقال ابن العربي(543هـ):"وهو الصحيح"([17]) ونقله القرطبي وكأنه موافقٌ له([18]).
والخلاصة أن للتفث حقيقة لغوية وهي الوسخ والقذر وأخرى شرعية وهي إزالته بعد فعل بعض مناسك يوم النحر من الطواف والرمي والحلق فدمج المفسرون وبعض اللغويين في بيان معنى التفث بينهما وقد نبه إلى هذا ابن العربي حيث قال:"وما ذكره قطرب هو الذي قاله مالك وهو الصحيح في التفث، وهذه صورة قضاء التفث لغة، وأما حقيقته الشرعية فإذا نحر الحاج أو المعتمر هديه، وحلق رأسه، وأزال وسخه، وتطهر وتنقى، ولبس الثياب، فيقضي تفثه"([19]) ونقله القرطبي وكأنه موافقٌ له([20])، وقال المطرزي(610هـ)([21]) حيث قال:"التفث الوسخ والشعث ومنه رجل تفث أي مغبر شعث لم يدهن ولم يستحد عن ابن شميل وقضاء التفث إزالته بقص الشارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد، وقولهم: التفث نسك من مناسك الحج تدريس والتحقيق ما ذكرت وهو اختيار الأزهري"([22])، فقول المطرزي:" وقولهم: التفث نسك من مناسك الحج تدريس.." أي بيان وتفهيم،
ولعل من دمجوا بين الحقيقة اللغوية والحقيقة الشرعية أخذوا هذا من قول النبيصلى الله عليه وسلم:" من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه"([23])، والنبيصلى الله عليه وسلم في هذا الحديث غاير بين إتمام الحج وقضاء التفث فلم يجعلهما شيئاً واحداً مما يدل على أن للتفث معنى غير المناسك وهو الوسخ والقذر كما ذكره غير واحد من أئمة اللغة.
والله أعلم.


([1]) مقاييس اللغة 1/320، وتاج العروس 5/179.

([2]) معاني القرآن وإعرابه 3/423، وتهذيب اللغة 14/266.

([3]) معاني القرآن الكريم 4/400.

([4]) أحكام القرآن لابن العربي 3/284.

([5]) مقاييس اللغة 1/320.

([6]) المزهر في علوم اللغة وأنواعها 1/301.

([7]) تهذيب اللغة 14/266.

([8]) تهذيب اللغة 14/266.

([9]) الجامع لأحكام القرآن 14/379.

([10]) مفاتيح الغيب 23/31، واللباب في علوم الكتاب 14/76-77.

([11]) مفاتيح الغيب 23/31، واللباب في علوم الكتاب 14/76-77.

([12]) الكشف والبيان 4/297.

([13]) مفردات ألفاظ القرآن ص165.

([14]) الحيوان للجاحظ 5/376، والكشف والبيان للثعلبي 4/297، والجامع لأحكام القرآن 14/379.

([15]) أن التفث لا يعرفه أهل اللغة إلا من التفسير.

([16]) مفاتيح الغيب 23/31، واللباب في علوم الكتاب 14/76-77.

([17]) أحكام القرآن 3/284.

([18]) الجامع لأحكام القرآن 14/379.

([19]) أحكام القرآن لابن العربي 3/285.

([20]) الجامع لأحكام القرآن 14/379.

([21]) ناصر بن عبد السيد أبى المكارم ابن علي، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي، المطرزي، أديب، عالم باللغة، من فقهاء الحنفية، من مؤلفاته المعرب في اللغة شرحه ورتبه في كتابه المغرب في ترتيب المعرب، توفي سنة(610هـ). ينظر: الأعلام 7/348.

([22]) المغرب في ترتيب المعرب 1/104-105.

([23]) الحديث أخرجه الطيالسي (1282)، وأحمد (4/15 , 216 , 262)، والحميدى (900 , 901)، وأبو داود (1950)، والنسائي (2/48)، والترمذي (1/169)، والدارمي (2/59)، وابن ماجه (3016)، والطحاوي (1/408)، وابن الجارود (467)، وابن حبان (1010) والدارقطني (264) والحاكم (1/463) والبيهقي (5/116). وصححه ابن الملقن في البدر المنير (6/241)، والألباني في الإرواء (4/259).
 
عودة
أعلى