محمد محمود إبراهيم عطية
Member
أخرج أحمد بإسناد حسن عن عبد الرحمن بن خنبش التميمي رضي الله عنه أنه سئل: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة كادته الشياطين؟ فقال: إن الشياطين تحدرت تلك الليلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية والشعاب، وفيهم شيطان بيده شعلة نار يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فهبط إليه جبريل عليه السلام فقال: " يا محمد قل . قال: ما أقول ؟ قال : قل : أعوذ بكلمات الله التامات (التامة) التي لا يجاوزهنَّ برٌ ولا فاجر ، من شر ما خلق وذرأ وبرأ ، ومن شر ما ينزل من السماء ، ومن شر ما يعرج فيها ، ومن شر ما ذرأ في الأرض ، ومن شر ما يخرج منها ، ومن شر فتن الليل والنهار ، ومن شر كل طارق ، إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن " فطفئت نار الشياطين وهزمهم الله عز وجل [1] .
وروى أحمد ومسلم عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي . فقال صلى الله عليه وسلم : " ذاك شيطان يقال له خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه ، واتفل عن يسارك ثلاثا " قال: ففعلت ذلك ، فأذهبه الله عني . وفي رواية : " فإذا أتاك فاخسأه " ففعلت ، فذهب عني [2] .
وخنزب : بتثليث الخاء ، ونون ساكنة ، وزاي مكسورة ومفتوحة ، والخَنْزَب: قطعة لحم منتنة ؛ وفي الحديث دليل على أن للصلاة شيطانًا مخصوصًا يقال له : خنزب ، يلبس على الإنسان قراءته ، ويوسوس له في صلاته ، ويحول بينه وبينها ، فينكده فيها ، ويمنعه لذتها والتفرغ للخشوع فيها [3] .
ولدفع هذا الشيطان إذا أحسسه الإنسان ، أن يتعوذ بالله تعالى منه ، ويتفل عن يساره ثلاثا . قال عثمان : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني . فإذا فعل أحد ذلك واسترسل معه الشيطان ، فالخلل في تعوذه ، فعليه أن يعاود التعوذ مع صدق التوجه واستحضار القلب .
قال الطحاوي - رحمه الله : سلطان الشيطان على بني آدم هو وسوسته إياهم ، وإيقاعه في قلوبهم ما لا يحبون ، وإنساؤه إياهم ما يذكرون . فلما كان من تشكي عثمان إليه عليه السلام من الشيطان ، ما شكاه إليه منه ، مما هو موهوم منه أن يفعله به ؛ لأنه من سلطانه على بني آدم ، أمره أن يخسأه ، وهو الإبعاد .ا.هـ [4] . قلت: ومعنى الإبعاد هنا أن يستعيذ بالله تعالى ليبعده عنه ، ويتفل عن يساره ثلاثا ، كما في الروايات الأخرى ، والعلم عند الله تعالى.
--------------------------------------------------
[1] أحمد: 3 / 419. وقال المنذري في الترغيب: رواه أحمد وأبو يعلى ولكل منهما إسناد جيد محتج به. ا.هـ.
[2] أحمد: 4 / 216، ومسلم (2203).
[3] انظر النهاية في غريب الحديث: 2 / 83، ولسان العرب مادة (خنزب)، وشرح مسلم: 14 / 190.
[4] شرح مشكل الآثار: 1 / 345.