التعليق على أثر ابن عباس في تقسيم التفسير

إنضم
15/04/2003
المشاركات
1,698
مستوى التفاعل
5
النقاط
38
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد :
فإنه مما نُقِل في تقسيم التفسير ما رُوِيَ عن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس ( ت : 68 ) ، قال :» التفسير على أربعة أوجه : وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعلمه إلا الله « (1).
تفصيل هذه الأوجه :
الوجه الأول : ما تعرفه العرب من كلامها : يشمل هذا القسم ألفاظ القرآن، وأساليبه في الخطاب ، وذلك لأنه نزل بلغتهم وعلى طرائقهم في الكلام .
وهذه الألفاظ والأساليب معلومةٌ لديهم غير خافية ، وإن كان قد يخفى على أفراد منهم شيء منها ، وذلك لغرابتها على مسمعه ، أو لعدم اعتياده عليها في لغة قومه ، كما خفي على ابن عباس بعض معاني مفرداته ؛ كلفظ فاطر ، فقد روى الطبري ( ت : 310 ) عن مجاهد ( ت : 104 ) ، قال : » سمعت ابن عباس يقول : كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض ؛ حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : لصاحبه : أنا فطرتها ؛ يقول : أنا ابتدأتها « (2).
والأساليب لما كانت على سنَنِهم في الكلام( 3)لم يَخْفَ عليهم المراد بها ، فيعلمون من قوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (الدخان:49) أن هذا الخطاب خطاب امتهان وتهكم ، وإن كانت ألفاظه مما يستعمل في المدح ، وذلك لأن السياق يدل على معنى الامتهان .
وقد ورد عنهم في تفسير قوله تعالى : (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (هود:87) أن قولهم له : (إنك لأنت الحليم الرشيد( أنه من باب الاستهزاء (4)، قال ابن عباس ( ت : 68 ) : » يقولون : إنك لست بحليم ولا رشيد « (5).
ومعرفة هذه الأساليب وإدراكها لم يكن منهم بجُهدٍ ولا تكلُّفٍ ؛ إذ هي من صميم لغتهم التي يتحدثون بها ، وإن لم ينصُّوا على كلِّ ما فيها من استعمالات (6 ).
وإنما ظهر لهذه الأساليب الفنُّ المدوَّنُ بعدُ باسم علم البلاغة لما احتاج المتأخرون إلى الوصول إلى تعلُّمِ طرائق العرب وتفننها في أساليب خطابها .
وقد يرد هنا سؤال ، وهو لم لم يتكلَّم السلف في هذه الأساليب كما تكلموا في بيان مفرداته ومعانيه (7 )؟
والجواب ـ والله أعلم ـ : له أكثر من وجه :
الأول : أنَّه لم تقم دواعي ذلك وأسبابه التي إنما ظهرت لما برز الحديث عن إعجاز القرآن ، والمجادلة في ذلك ، وإقامة الحجة على علُّوه وفصاحته أمام فئام من الزنادقة الذين طعنوا فيه من هذه الجهة .
الثاني : أنَّ المفردات لا يتمُّ فهم الخطاب بدون معرفتها ، بخلافه كثير من الأساليب التي من جهِلها فإنه لا يخفى عليه المعنى .
الثالث : أنَّ الكثرة الكاثرة من علوم السلف إنما هي فيما يكون له ثمرة عملية لا نظرية فقط ، وذلك ما لا يوجد في الكلام عن هذه الأساليب التي يغلب عليها الجانب النظري (8 ).
والوارد عنهم في بيان الأساليب أقل من الوارد عنهم في بيان الألفاظ ، ويظهر أنهم لم يبينوها لعدم الحاجة إليها كما هو الحال في بيان الألفاظ التي لا يُفهم الكلام بدونها .
والأصل في هذا الوجه أنه من فروض الكفاية ، إذ لا يجب على كل مسلم معرفة جميع المعاني اللغوية والأساليب الكلامية الواردة في القرآن ، ولهذا قد يخفى على بعض الأكابر من الصحابة ـ فضلاً عن غيرهم ـ شيءٌ مما يرتبط بلغته ، ومن ذلك ما رواه الطبري ( ت : 310 ) بسنده أنس بن مالك ، قال : » : قرأ عمر : (عبس وتولى) ( عبس : 1 ) حتى أتى على هذه الآية : (وَفَاكِهَةً وَأَبّاً) (عبس:31)
، قال : قد علِمنا ما الفاكهة ، فما الأبُّ ؟ ثمَّ أحسبه ـ شك الطبري ـ قال : إن هذا لهو التكلف « (9 ) .
ويظهر أنه إنما خَفِيَ عليه لأنَّ هذا اللفظ مما لم يُستخدم في لهجة قريش ، والله أعلم .
وإذا كان يُبنى على اللغة عملٌ فقهيٌّ فإنَّ معرفة تلك القضية اللغوية مما يكون في مجال الواجب ؛ لأنه لا يقوم الحكم الفقهي إلا بمعرفة معنى اللفظِ ، ومن أشهر الأمثلة التي يُمثَّلُ بها ما ورد في تفسير لفظ القُرْءِ من قوله تعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)(البقرة: من الآية228) ، والخلاف الوارد في معنى القروء ـ هل هي الحيض أم الأطهار ـ لا يُخرِج معرفة هذا اللفظ عن الواجب ؛ أي أنه لابدَّ من معرفة المراد بها لغة ليبنى عليها الحكم ن سواءً اختير معنى الطهر أو معنى الحيض .
الوجه الثاني : ما لا يعذر أحد بجهله :
وهذا يشمل الأمر بالفرائض ، والنهي عنه المحارم ، وأصول الأخلاق والعقائد .
فقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة:43) ، وقوله : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(آل عمران: من الآية97) ، وقوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183) لا يعذر أحد بجهل مثل هذه الخطابات وهو يقرأ القرآن .
وكذا يدخل فيه ما جاء من أمر بالصدق والأمانة والنهي عن الكذب والخيانة ، وعن إتيان الفواحش ، وغير هذه من الأوامر والنواهي المتعلقة بالأخلاق .
ويدخل فيه ما يتعلق بالعقائد ؛ كقوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)(محمد: من الآية19) ، وقوله : )وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الانبياء:25) ، وغيرها من الأوامر والنواهي المتعلقة بالتوحيد . هذه كلها داخلة في الواجب الذي يجب على المسلم تعلمه من التفسير .
الوجه الثالث : ما تعلمه العلماء .
ومما يشمله هذا القسم ، ما تشابه منه على عامة الناس ، سواءً أكان في الأحكام أم في المعاني .
وهذا القسم من فروض الكفاية .
وهو كثير في القرآن ؛ لأن كل من خفي عليه معنى فإنه من المتشابه عنده ، فيحتاج إلى أن يبحث أو يسأل عن ما خفي عليه فهم معناه .
الوجه الرابع : ما لا يعمله إلا الله ، ومن ادعى علمه فقد كذب :
ويشمل هذا حقائق المغيبات ، ووقت وقوعها .
فالدابة التي تخرج في آخر الزمان لا يعلم كيفها حقيقتها إلا الله ، ولا يعلم وقت خروجها إلا الله . وهكذا سائر الغيبيات .
وهذا النوع غير واجب على أحد ، بل من تجشم تفسيره فقد أثِمَ وافترى على الله ، وادعى علمًا لا يعلمه إلا الله سبحانه (10 ).
………………………………..
( 1) تفسير الطبري ، ط : الحلبي ( 1 : 34 ) ، وإيضاح الوقف والابتداء ( 1 : 101 ) .
وقد اعتمد الطبري ( ت : 310 ) على هذا الأثر في ذكر الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن ، قال :» ... ونحن قائلون في البيان عن وجوه مطالب تأويله :
قال الله جل ذكره وتقدست أسماؤه، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون " (النحل: 44) وقال أيضاً جل ذكره: "وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون " (النحل: 64) وقال: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب،" (آل عمران: 7).
فقد تبين ببيان الله جل ذكره:
أن مما أنزل الله من القرآن على نبيه صلى الله عليه وسلم، ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم.
وذلك تأويل جميع ما فيه: من وجوه أمره واجبه وندبه وإرشاده، وصنوف نهيه، ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيه، التي لم يدرك علمها إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته. وهذا وجه لا يجوز لأحد القول فيه، إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم له تأويله، بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها، دالة أمته على تأويله.
وأن منه ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار. وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى ابن مريم، وما أشبه ذلك: فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها، ولا يعرف أحد من تأويلها إلا الخبر بأشراطها، لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه. وبذلك أنزل ربنا محكم كتابه، فقال: "يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون " (الأعراف: 187). وكان" نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شيئًا من ذلك، لم يدل عليه إلا بأشراطه دون تحديده بوقته كالذي روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه، إذ ذكر الدجال: إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه، وإن يخرج بعدي، فالله خليفتي عليكم "، وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول باستيعابها الكتاب الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده علم أوقات شيء منه بمقادير السنين والأيام، وأن الله جل ثناؤه إنما كان عرفه مجيئه بأشراطه، ووقته بأدلته.
وأن منه ما يعلم تأويله كل ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن. وذلك: إقامة إعرابه، ومعرفة المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة دون ما سواها، فإن ذلك لا يجهله أحد منهم. وذلك كسامع منهم لو سمع تاليًا يتلو: "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون* ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون " (البقرة: 11، 12) لم يجهل أن معنى الإفساد هو ما ينبغي تركه مما هو مضرة، وأن الإصلاح هو ما ينبغي فعله مما فعله منفعة، وإن جهل المعاني التي جعلها الله إفساداً، والمعاني التي جعلها الله إصلاحًا. فالذي يعلمه ذو اللسان الذي بلسانه نزل القرآن من تأويل القرآن، هو ما وصفت: من معرفة أعيان المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة، دون الواجب من أحكامها وصفاتها وهيآتها التي خص الله بعلمها نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا يدرك علمه إلا ببيانه، دون ما استأثر الله بعلمه دون خلقه.
وبمثل ما قلنا من ذلك روي الخبر عن ابن عباس:
حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، قال:قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى ذكره.
قال أبو جعفر: وهذا الوجه الرابع الذي ذكره ابن عباس: من أن أحدًا لا يعذر بجهالته، معنى غير الإبانة عن وجوه مطالب تأويله. وإنما هو خبر عن أن من تأويله ما لا يجوز لأحد الجهل به. وقد روي بنحو ما قلنا في ذلك أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر في إسناده نظر:
حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت عمرو بن الحارث يحدث، عن الكلبي، عن أبي صالح، مولى أم هانىء، عن عبدالله بن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنزل القرآن على أربعة أحرف: حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به، وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء، ومتشابة لا يعلمه إلا الله تعالى ذكره، ومن ادعى علمه سوى الله تعالى ذكره فهو كاذب ".
(2) تفسير الطبري ، ط : الحلبي ( 7 : 159 ) .
(3) ينظر في أساليب العرب في خطابها : مقدمة أبي عبيدة في مجاز القرآن ، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ، والصاحبي في فقه اللغة لابن فارس .
(4) ورد النصُّ بذلك عن ابن جريج وابن زيد عند الطبري ( 12 : 103 ) ، وعن ميميون بن مهران وقتادة عند ابن أبي حاتم ( 6 : 2073 ) .
(5) تفسير ابن أبي حاتم ، تحقيق : أسعد محمد الطيب ( 6 : 2073 ) .
(6) يقول ابن القيم في زاد المعاد ( 5 : 599 ) : » ... فابن مسعود رضي الله عنه أشار بتأخر نزول سورة الطلاق إلى أن آية الاعتداد بوضع الحمل لآية البقرة إن كان عمومها مرادا أو مخصصة لها إن لم يكن عمومها مرادا أو للمراد منها أو مقيدة لإطلاقها وعلى التقديرات الثلاث فيتعين تقديمها على تلك وإطلاقها وهذا من كمال فقهه رضي الله عنه ورسوخه في العلم ومما يبين أن الفقه سجية للقوم وطبيعة لا يتكلفونها كما أن العربية والمعاني والبيان لهم كذلك فمن بعدهم فإنما يجهد نفسه ليتعلق بغبارهم وأنى له « .
(7) يقول الزمخشري في تعليقه على هذا السؤال : » ... وأما إغفال السلف ما نحن بصدده ، وإهمالهم الدلالة على سننه ، والمشي على جَدَدِه = فلأن القوم كانوا أبناء الآخرة ، وإن نشأوا في حِجْر هذه الغادرة ، ديدنهم قِصَرُ الآمال ، وأخذ العلوم لتصحيح الأعمال ، وكانوا يتوخون الأهم فالأهم ، والأولى فالأولى ، والأزلف فالأزلف من مرضاة المولى .
ولأنهم كانوا مشاغيل بجرِّ أعباء الجهاد ، مُعَنِّين بتقويم صفات أهل العناد ، معكوفي الهمم على نشر الأعلام لنصرة الإسلام ، فكان ما بُعِثَ به النبي عليه الصلاة والسلام لتعليمه وتلقينه ، وأُرسِلَ للتوقيف عليه وتبيينه = أهم عندهم مما كانوا مطبوعين على معرفته ، مجبولين على تبين حاله وصفته ، وكان ـ إذ ذاك ـ البيان غضًا طريًا ، واللسان سليمًا من اللكنة بريًّا ، وطرق الفصاحة مسلوكة سائرة ، ومنازلهم مأهولة عامرة ، وقد مهَّد عذرهم تعويل ما شاع وتواتر ، واستفاض وتظاهر من عجز العرب وثبات العلم به ورسوخه في الصدور ، وبقائه في القلوب على ممرِّ العصور ... « . إعجاز سورة الكوثر ، للزمخشري ، تحقيق : حامد الخفاف ( ص : 62 ) .
(8) ذكر الشاطبي ( ت : 790 ) في مقدمات الموافقات أن السلف الصالح من الصحابة والتابعين لم يخوضوا في الأشياء التي ليس تحتها عمل ، ينظر : الموافقات ، تحقيق مشهور سلمان ( 1 : 55 ) .
(9)تفسير الطبري ، ط : الحلبي ( 30 : 59 ) .
(10) وقد ذكر الماوردي ( ت : 450 ) في النكت والعيون ( 1 : 37 ـ 38 ) أثر ابن عباس ، وعلق عليه ، فقال : » ... أما الذي تعرفه العرب بكلامها ، فهو حقائق اللغة ، وموضوع كلامهم .
وأما الذي لا يُعذر أحد بجهالته ، فهو ما يلزم الكافة في القرآن من الشرائع وجملة التوحيد .
وأما الذي يعلمه العلماء ، فهو وجوه تأويل المتشابه وفروع الحكام .
وأما الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل ، فهو ما يجري مجرى الغيوب وقيام الساعة .
وهذا التقسيم الذي ذكره ابن عباس صحيح ، غير أن ما لا يُعذر أحد بجهالته داخل في جملة ما يعلمه العلماء من الرجوع إليهم في تأويله ، وإنما يختلف القسمان في فرض العلم به ، فما لا يُعذر أحد بجهله يكون فرض العلم به على الأعيان ، وما يختص بالعلماء يكون فرض العلم به على الكفاية ، فصار التفسير منقسمًا إلى ثلاثة أقسام :
أحدها : ما اختص الله بعلمه ؛ كالغيوب ، فلا مساغ للاجتهاد في تفسيره ، ولا يجوز أن يؤخذ إلا عن توقيف ...
والقسم الثاني : ما يرجع فيه إلى لسان العرب ، وذلك شيئان : اللغة والإعراب ...
والقسم الثالث : ما يرجع فيه إلى اجتهاد العلماء ، وهو تأويل المتشابه واستنباط الأحكام ، وبيان المجمل ، وتخصيص العام ... « . وقد ذكر تفصيلات في هذه الأقسام يحسن مراجعتها ، ففيها فوائد .
 
جزاك الله خيرا شيخنا مساعد ونفع بك على هذه الجهود الطيبة.
 
أثابك الله يا شيخ مساعد
ألا يقال إن ادخال القسم الرابع وهو( مالا يعلم تفسيره إلا الله) مشكل لإنه ليس تفسيرا فلا يدخل في أقسام التفسير بل هو من باب التأويل وهو عاقبة الشيءوما يؤول إليه
وذلك لإنه ليس في القرآن مالا يعلم معناه
ثم هل صح الإسناد بهذا الخبر عن ابن عباس رضي الله عنهما
 
الأخ الفاضل أبو عبد الله
ما ذكرته من امشكل في عبارة ( ما لا يعلم تفسيره إلا الله ) وارد عندي ، وما قلته صحيح ، فهو من باب التأويل الذي لا يعلمه إلا الله ، وهو بهذا لا يدخل في علم التفسير .
أما صحت الخبر ، فإنه خبر قد تناقله العلماء ، واستدلوا به بلا نكير ، وهو صحيح المعنى ، ولا أدري ما أثر صحة الخبر على ما فيه ؟
أرجو الإفادة .
 
ونخلص من ذلك أن أبا صالح مقبول الحديث، وأنه قد سمع: علي بن أبي طالب، وعبدالله بن عباس، وأبا هريرة، وأمّ هانئ.

فانظر كم من حديث ردّه المتأخّرون بحجّة ضعف أبي صالح، أو بحجّة عدم سماعه من ابن عباس رضي الله عنهما ، وكان الصواب أن يكون الأصل في حديثه القبول، وأنه سمع من ابن عباس؛ إلا إذا جاء ما يقتضي تخطيئه، كغيره من الرواة المقبولين.

وما دمنا نتحدّث عن أثر ذلك الترجيح الخاطئ على أحكام المتأخرين، وما دامت أكثر روايات أبي صالح في التفسير؛ فإني أُذكّر المفسّرين بأثر مهم جدًّا، في أنوا ع آيات القرآن من جهة فهمها وتفسيرها. وهو أثرٌ على أصالته وأهمّيته، فقد حال ترجيح المتأخرين المخالف للصواب في شأن أبي صالح دون استفادتهم منه، أو تحرّجوا من الاعتماد عليه، إذا كانوا من أهل النظر في الأسانيد!

ألا وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما : « نزل القرآن على أربعة أوجه: حلال وحرام: لا يسع أحدًا جهلهما، ووجه عربي: تعرفه العرب، ووجه تأويل: يعلمه العلماء، ووجه تأويل: لا يعلمه إلا الله عز وجل ، ومن انتحل فيه علمًا فقد كذب » .

أخرجه الفريابي في القدر (رقم 414)، والطبراني في مسند الشاميين (رقم 1385)، من طريق محمد بن حرب، عن أبي سلمة سليمان بن سُليم الكلبي، عن أبي حَصين عثمان بن عاصم، عن أبي صالح مولى أمّ هانئ، عن ابن عباس .. به.

وهذا إسنادٌ حسنٌ، وهو موقوف على ابن عباس.

ويؤيده ما أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (1/70) ن طريق مؤمَّل بن إسماعيل، عن الثوري، عن أبي الزناد، قال: قال ابن عباس: « التفسير على أربعة أوجه: وَجْهٌ تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يُعْذَرُ أحدٌ بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله ».

وهذا إسنادٌ حسنٌ إلى أبي الزناد، لكن في سماعه من ابن عباس نظر. غير أنها متابعة حسنةٌ لرواية أبي صالح، موافقةٌ لها في الإسناد (بوقف الخبر على ابن عباس) وفي المتن (بالمعنى الواحد).

ووازن هذا برواية الكلبي الكذّاب لهذا الخبر، فقد أخرجه ابن جرير (1/70) من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. فما كفاه أن سمعه موقوفًا، حتى أحبّ أن يجعله مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ولا شك أن هذا الخبر وما فيه من تفصيل هو بكلام ابن عباس أشبه منه بكلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن تمعّن في جُمَله علم ذلك، إذا كان له ذوق يسير بكلام النبي صلى الله عليه وسلم وما يليق به.

فهذا الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أحد الآثار الجليلة التي حال دون الاستفادة منها والاعتداد بها سوء التصوّر الذي كان ثابتًا في أذهان عامة المتأخرين والمعاصرين عن أبي صالح وعن روايته عن ابن عباس رضي الله عنهما ! فها هو يظهر أنه أثرٌ ثابتٌ، نقدّمه تحفةً أثريّةً لأهل العلم وطلبته، رجاء ثوابها وأن نُذكر بدعوة صالحة من قلب صالح.
أسأل الله تعالى أن يجعل ما كتبتُه صوابًا، وأن يكتب لي به ثوابين لا ثوابًا. والله أعلم.
.

انظر البحث كاملاً هنا : القول المحرر لترجمة أبي صالح باذام المفسر للدكتور حاتم الشريف
 
الاثر هذا كيف نجمع بينه وبين ما صح عن ابن عباس انه ممن يعلمون تاويل المتشابه
ثم اين هو الشيء في التفسير الذي لا يعلمه الا الله
وانظر الى تاويل ابن عباس بشان المتشابه على العموم كيف نجمعه مع هذا الحديث
 
الاثر هذا كيف نجمع بينه وبين ما صح عن ابن عباس انه ممن يعلمون تاويل المتشابه
ثم اين هو الشيء في التفسير الذي لا يعلمه الا الله
وانظر الى تاويل ابن عباس بشان المتشابه على العموم كيف نجمعه مع هذا الحديث
أظن أخي جمال أن تفسير المتشابه يدخل في القسم الثالث (= تفسير يعلمه العلماء).
أما تأويل المتشابه فيدخل في القسم الرابع (= تفسير لا يعلمه إلا الله).
وليس هناك إشكال لأن التأويل عند السلف له معنيان: التفسير والتحقق (= الحقيقة التي يؤول إليها الكلام). تفسير لا يعلمه إلا الله، يريد الحقيقة التي يؤول إليها الشيء، فلا يعلم حقائق الغيب إلا الله عز وجل.
 
بين تقسيم التفسير وتقسيم معاني القرآن

بين تقسيم التفسير وتقسيم معاني القرآن

إن معاني القرآن على أربعة أقسام:
1) ما اختص الله تعالى بالعلم به، فلا يجوز لأحد تكلف القول فيه، ولاتعاطي معرفته، مثل قوله تعالى {يسألونك عن الساعة أيان مرساها}.
2) ما كان ظاهره مطابقا لمعناه، فكل من عرف اللغة التي خوطب بها، عرف معناها، مثل قوله تعالى {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}.
3) ما هو مجمل لا ينبئ ظاهره عن المراد به مفصلا، مثل قوله تعالى {أقيموا الصلاة} فان تفصيل الصلاة لا يمكن استخراجه إلا بالوحي.
4) ما كان اللفظ مشتركا بين معنيين فما زاد عنهما، ويمكن أن يكون كل واحد منهما مرادا.

مقدمة التبيان في تفسير القرآن للطوسي - بتصرف.

يلاحظ أن الطوسي رحمه الله وصل بالنظر إلى تقسيم يناسب تقسيم إبن عباس رضي الله عنهما كما في الأثر، ويمكن أن نستفيد من هذه الملاحظة أن صحة الخبر غير مؤثر على المحتوى كما أشار إلى ذلك الأستاذ مساعد بارك الله فيه. ويلاحظ أيضا إمكانية إستخراج قسمين من القسم الثالث: معنى لا يعذر أحد بجهالته مثل وجوب الصلاة، وهو القسم الثاني في أثر إبن عباس، والمعنى الثاني تفسير لا سبيل إليه إلا الوحي النبوي. والنتيجة خمسة أقسام إلا أن المعنى الثاني من القسم الثالث يلحق بالأقسام الأخرى. أما القسم الرابع فتفسير يعلمه العلماء، والقسم الأول تفسير لا يعلمه إلا الله، والقسم الثاني وجه تعرفه العرب من كلامها.
 
عودة
أعلى