التعريف بما أفرد في آية من التصنيف

إنضم
06/09/2009
المشاركات
13
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقد تفنن علماء التفسير في تصانيفهم في بيان مقاصد القرآن ودقائقه وأحكامه وكلياته ومعانيه ومشكلاته، وصنفوا في ذلك المطولات والمختصرات، وعلقوا الحواشي والإستدراكات.
ومن ذلك إفرادهم بعض الآيات بالتصنيف لكشف معانيها، وإبراز حكمها، وإظهار أسرارها، فأحببت أن أفرد موضوعا فيما صنف في آية واحدة، لأمرين:

1- غفلة كثير من طلبة التفسير وعلوم القرآن عن هذه المؤلفات، وقد يكون بين سطورها من التحرير ما لا يكاد يوجد في كثير من المطولات.
2- إظهار عظمة القرآن وسعة معانيه ودقة ألفاظه.

ولن أسير في هذا الموضوع على ترتيب معين، وإنما بحسب ما تقع عليه عيني من مكتبتي، والله ولي التوفيق

الكتاب الأول: رسالة في الكلام على آية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
المؤلف: نجم الدين الغزي العامري (977-1061 هـ)
طبعت في المكتبة الإسلامية بالقاهرة بتحقيق نشأت بن كمال

وصف الكتاب:
الكتاب يدور حول الكلام عن آية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي الآية 104 من سورة آل عمران (ولتكن منكم أمة .....)
وذكر في كتابه 53 مسألة حول هذه الآية العظيمة.
قال المحقق ص 9 : "تعد نواة هذا الكتاب وأصله الذي قام عليه ما كتبه الزمخشري المعتزلي في كتابه الكشاف (قلت: ومن موارده في كتابه: الماوردي والنووي والغزالي وغيرهم) ...... فلقد عمد المصنف إلى كلام الزمخشري وشرحه في بعض المسائل، واستدرك عليه كثيرا، ثم زاد عليه مسائل أخرى أكمل بها الكتاب)

ثم ذكر المحقق ميزات هذا الكتاب وجعلها في ثلاث نقاط:
1- دقته وتركيزه في مسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المهمة، وعدم شوبه بمسائل فرعيه كما في المصنفات الأخرى.
2- حسن تقويمه وتبويبه بطريقة تسهل على القارئ الوقوف على ما يريده.
3- استدراك المصنف على بعض من سبقه في التصنيف في هذا الباب.

لطائف وفوائد من الرسالة:
- ذكر المصنف في المسألة الأولى ما في الآية من تناسب بما قبلها، فأمر الله تعالى المؤمنين أولا بالتقوى (102) وهي جامعة لخصال الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم أمرهم بالمداومة عليها بحيث يموتون وهم مسلمون، ثم أمرهم بالإعتصام بحبل الله وهو التمسك بالقرآن، استعير له الحبل من حيث أن التمسك به سبب النجاة من الهلاك، وفي قوله (جميعا) إشارة إلى أن حبل الله متين بحيث لو تمسك الناس به كلهم لأمسكهم ولم ينقطع، ونهاهم عن التفرق لأنه قد يكون سببا لإغتيال العدو، في ضمن ذلك أمرهم بالتعاون على البر والتقوى، ثم أمرهم بذكر نعمة الله عليهم، لأن التحدث بالنعمة شكر، والشكر يقتضي المزيد، وخصوصا الشكر على الألفة والأخوة التي سببها إنعام الله عليهم، ثم بين لهم أن من تعرف ذلك فهو حري بالإهتداء، ثم أرشدهم بعد الإهتداء إلى هداية غيرهم...

- قال (وفيه أن العبد إذا توجهت همته إلى الدعاء إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان ذلك علامة على صدق إيمانه)
- وتكلم المؤلف عن بعض الأحكام المتعلقة بالحسبة كشروطها وأحكامها وكيفية الإحتساب وآدابه ومن يقوم عليها، وما يحتاجه المحتسب، ومسائل أخرى تحت هذا الباب
- ربطه بين آية (ولتكن منكم أمة ...) وآية (كنتم خير آمة ...) فقال: وكلهم لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وإنما يفعل ذلك بعضهم، فوجود هذا البعض فيهم صيرهم خير أمة ولما كان الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في القرن الأول خير الآمرين وخير الناهين كان القرن خير القرون....... فإذا تجرد القرن عن القائم بهذه الوظيفة تجرد عن الخير وتمحض الشر ولا يكون هذا إلا عند قيام الساعة.

قلت: الكلام عن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هل هو على الكفاية أم هو على العين كلام طويل، وإنما ينبغي أن يفرق حال النظر إلى هذه الآية مع غيرها من عمومات الأمر بين التصدر لهذا الأمر، وبين كونه على سبيل الدعوة الفردية، وليعلم أن للنهي عن المنكر مراتب، وبالتالي يمكن الجمع بينها على سبيل التفصيل: بين وجوب عيني في بعض المراتب، ووجوب كفائي في أخرى، فليحرر هذا في موضعه..

- قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما أمران، إلا أنهما لم يذكرا غالبا في الكتاب والسنة وكلام العلماء إلا معا، لأنهما كالشيء الواحد.... ثم ذكر مسألة هل يصح أن يقال أيهما أفضل الأمر بالمعروف أم النهي عن المنكر ..

- وختم كتابه بمسألة لطيفة فقال: عدد حروف الآية السابقة التي الكلام عليها أم الرسالة لأنها أخص دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي قوله تعالى (ولتكن منكم أمة) سبعون حرفا، وهذا العدد موافق لعدد الاسم المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: (أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها عند الله)

انتهى والحمد لله
 
ثانيا: فتح الجليل للعبد الذليل
تأليف الإمام جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ)
طبع الكتاب أكثر من مرة، منها: طبعة دار البشير بتحقيق عبدالقادر أحمد قادر، وطبعة دار الأمان بالإمارات بتحقيق محمد رفعت، وفي مؤسسة الريان ببيروت.

وصف الرسالة: تكلم السيوطي في رسالته هذه عن قوله تعالى (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) البقرة 257
وأراد رحمه الله من رسالته هذه استخراج الأنواع البديعية فيها فوصلت بحسب عده إلى مئة وعشرين نوعا (مع التكرار، فمثلا الطباق عده في 3 مواضع والمقابلة في ثمانية مواضع ... الخ) وقد استخرجها بنفسه إلا ما نقله في موضعين عن أبي حيان، وموضع عن الزمخشري.
وختم الرسالة بذكر بعض الفوائد في علم المعاني وأصول الدين وأصول الفقه والنحو والسلوك.
ومما ذكره من لطائف وفوائد في رسالته هذه:
- أفرد النور وجمع الظلمات لأن طريق الحق واحد أما الكفر فأنواع والضلالات شتى والأهواء والبدع متفرقة.
- قال: وفيها وقوع الماضي في آمنوا وكفروا مرادا به الدوام.
- (هم فيها خالدون) استدل بها على أن عصاة المؤمنين لا يخلدون في النار.
- تكلم عن لفظة الولي وأن غيرها لا يقوم مقامها، لما فيها من الإشعار بالخصوصية الزائدة والقرب المعنوي والمكانة والاعتناء بمصلحة المؤمن، فإن الولي يطلق لغة وشرعا على القريب .... ولفظة الناصر أو المعين مثلا لا يفيد ذلك لأن كلا مما ذكر قد يكون غريبا أجنبيا.
- (يخرجونهم من النور إلى الظلمات) ذكر أن فيها الإحتراس، إذ لما قيل أولياؤهم الطاغوت توهم متوهم أنه لما كان لهم أولياء فقد يفعلون بهم كما يفعل ولي المؤمنين بأحبائه، فنفى ذلك بهذه الجملة.
- وفيما استنبطه منها مما تعلق بأصول الدين بعض ما يعترض عليه كإثباته للكسب على مقالة أهل الكلام من الأشاعرة.
- واستنبط منها في مسائل الفقه: أن المؤمن لا يرث الكافر ولا عكسه،ولا يلي كافر مسلمة فلا إرث ولا ولاية ولا تناصر، وفيها تحريم ولاية أعداء الله ... الخ
- وفي علم السلوك: الإنقطاع إلى الله تعالى وحدهواتخاذه وليا يعتصم به ويلجأ إليه في كل مهمة.

انتهى، والله الموفق
 
الرسالة الثالثة: نور المسرى في تفسير آية الإسرا

المؤلف: الإمام أبو شامة المقدسي [599 - 665 هـ]
طبع في مكتبة المعارف بالرياض بتحقيق الدكتور علي حسين البواب

وصف الرسالة:
قال المحقق ص 7: (والكتاب الذي بين أيدينا للإمام شهاب الدين أبي شامة المقدسي يتحدث فيه عن الإسراء والمعراج، مفسرا آية الإسراء التي ذكرت هذه الواقعة العظيمة ويجمع آراء العلماء وأقوالهم في الإسراء
......
[وقد قسم المؤلف كتابه إلى قسمين:]
القسم الأول: في تفسير ما يشكل من مفردات الآية لغة وشرعا، فتكلم عن كل لفظ من ألفاظ الآية من الناحية اللغوية والاشتقاقية والنحوية والبلاغية، وكان حديثه عن هذه الألفاظ بإسهاب وتفصيل، فلم يترك شيئا حول ألفاظ الآية لم يتعرض له ويشبعه بحثا وشرحا.
والفصل الثاني: جعله للحديث عن الإسراء: عرض فيه أراء أئمة المسلمين في الإسراء: زمانه وكيفيته، وهل حدث مرة واحدة أو مرارا وغير ذلك من المباحث
انتهى من كلام المحقق

فوائد من الرسالة:
- بدأ رسالته بذكر أنواع فواتح السور العشرة والتي نقلها عنه السبكي في طبقاته والزركشي في برهانه، وهي على سبيل السرد ما يلي:
1- استفتاحه بالثناء عليه عز وجل وهو قسمان: إثبات لصفات المدح ونفي وتبرئة من صفات النقص (7 سور من كل قسم = 14 سورة)
2- افتتاح السور بحروف التهجي (29 سورة)
3- النداء (10 سور)
4- الجمل الخبرية (23 سورة)
5- القسم (15 سورة)
6- الشرط (7 سور)
7- الأمر (6 سور)
8- الإستفهام (6 سور)
9- الدعاء (3 سور)
10- التعليل في سورة واحدة.
وقد نظم هذه الفواتح ببيتين قال فيهما:
أثنى على نفسه سبحانه بثبوت - - - المدح والسلب لما استفتح السورا
والأمر شرط النداء التعليل أقسم والـ - - - ــدعا حروف التهجي استفهم الخبرا

- قال: الوجه المصحح لإطلاق هذه الألفاظ (أي التسبيح) على الصلاة (مثل: وسبح بالعشي والإبكار، فلولا أن كان من المسبحين ... الخ) أن الصلاة مشتملة على التسبيح أو لأن الصلاة الشرعية تنزيه من حيث إن الآتي بها منزه مخلص موحد قد نزه الله عما يقوله أهل الكفر والشرك.
- ذكر كثيرا من مباحث الإعراب والإشتقاق والمعاني واللغة يرجع لها في الرسالة.
- ذكر المؤلف استشكال بعض الناس في أن الإسراء إنما هو السير بالليل فما الحكمة من قوله (أسرى بعبده ليلا) ثم أجاب عنه فقال: الأمر وإن كان كذلك إلا أن العرب تفعل مثل ذلك في بعض الأوقات إذا أرادت تأكيد الأمر، والتأكيد نوع من أنواع كلامهم وأسلوب منه، تقول العرب: أخذ بيده وقال بلسانه، وفي القرآن العزيز (ولا طائر يطير بجناحيه) (يقولون بأفواههم) (فخر عليهم السقف من فوقهم)
ثم ذكر شواهد من شعر العرب كقول جرير (سرى نحوها ليلا ..)
ثم قال: وقد حاول جماعة من أهل المعاني والأدب استخراج فائدة زائدة لقوله (ليلا) غير التأكيد فذكروا وجوها ستة ووجه التأكيد سابع، .... يرجع لها في رسالته
- ينبه على ما في الرسالة من تأثر بمذهب الأشاعرة في مواضع عدة.
- قال: فإن قلت ما وجه استفتاح هذه الآية بالتسبيح وختمها بهاتين الصفتين (السميع والبصير)، فالجواب من أوجه:
1- أن سبحان هنا للتعجب ....أي سبحانه ما أعجب هذه الآية التي صدرت منه في حق عبده المصطفى.
2- أن يكون سبحان للتنزيه وذلك من جهة أن المشركين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر بذلك...
3- أن تنصبه بفعل أمري، أي سبحوا الذي أسرى ويكون المراد إخبار الناس بهذا المقدر الجليل الذي هو خليق أن يذكر الله عنده وينزه عن الشريك في ذاته وصفاته وأفعالة.
فالسميع البصير على هذا الوجه بمعنى سميع لتسبيحكم بصير بأهل الطاعة منكم، وعلى الوجهين الأولين: هو سميع بما قاله رسوله وما رد عليه، بصير بفعل كل منهم، فيجازي كلا بفعله.
- بين ما في الآية من التفات بديع: تارة هو ضمير غائب وتارة نون التعظيم
- ثم ذكر في الفصل الثاني اختلاف الناس ومذاهبهم في الأسراء، وأورد الروايات وتكلم عنها وخلص إلى نتيجة ليجمع بين الورايات، وهي أن الإسراء وقع مرتين أو مرارا، تارة في المنام وتارة في اليقظة.... (والمراد هنا عرض رأي المصنف فقط وليس الكلام حول هذه المسألة، فلها محلها من البحث والكلام)
- ختم المؤلف كتابه بأبيات شعر مختارة في حادثة الإسراء.

انتهى والحمد لله
 
الرسالة الرابعة: مسألة الحكمة في تذكير قريب في قوله تعالى (إن رحمة الله قريب من المحسنين)
تأليف العلامة ابن هشام الأنصاري رحمه الله (708 - 761 هـ)

طبعت في دار عمار بتحقيق الدكتور عبدالفتاح الحمروز

وصف الرسالة:

قال المحقق في مقدمته : (للنحويين في تذكير (قريب) في قوله تعالى (إن رحمة الله قريب من المحسنين) تأويلات كثيرة أوصلها الشهاب في حاشيته إلى خمسة عشر وجها من غير أن يدونها جميعا، وقد حاولت استقصاءها لإخراجها في مصنف، ولقد سرني أن السيوطي قد دون معظمها في مؤلفه النفيس (الأشباه والنظائر في النحو) عمدته في ذلك مصنفا ابن مالك وابن هشام في هذه المسألة)
ثم قال (ومن النحويين من أفرد لهذه المسألة مصنفا خاصا، ومن هؤلاء ابن مالك وابن هشام، ولعل ابن هشام في (مسألة الحكمة) هذه يعد أكثر استقصاء وجمعا إذ دون فيها أربعة عشر وجها أما ابن مالك كما يتراءى لي فقد اختار أوجهها وأكثرها شيوعا فاكتفى بستة.
أما غير ابن هشام من أصحاب مظان إعراب القرآن وتفسيره فلم يوصلها أحد منهم إلى أربعة عشر وجها إلا الشهاب الذي ذكر أن فيها خمسة عشر وجها من غير أن يدونها جميعا، فهي عند مكي بن أبي طالب خمسة، وعند القرطبي سبعة وعند النحاس ستة والزجاج ثلاثة.......)
ثم قال (ويتراءى لي أن ابن هشام في هذه المسألة قد أنكر أغلب التأويلات )
ملاحظة: هذه التسمية للرسالة إنما هي من المحقق لأنه لم يهتدي لاسم لها، وهذه الرسالة نقلها السيوطي كما نقلنا في الأشباه وكذلك الألوسي مع تصرف.

فوائد من الرسالة:

- ابتدأ رسالته بالإشارة إلى الصياغة الصحيحة للسؤال فقال: (والأدب في إيراده وإيراد أمثاله أن يقال ما الحكمة في كذا تأدبا مع كتاب الله ....... وإنما بينت هذا لأني وقفت على عبارة شنيعة لبعض المفسرين في تقريب السؤال فأنكرتها.... وحسن السؤال نصف العلم)
- ضابط جميل في الإستشهاد بالشعر في التفسير، وأنه لا يلزم لكل ما ورد في كلام العرب أن يخرج عليه كلام الله وهو قوله: (فنص النحاة على أنه ضرورة شعر وما كان هذا سبيله لا يخرج عليه كتاب الله تعالى)، وقال أيضا: (وهذا ما لا يقول به أحد من النحويين وإنما يقع ذلك في الشعر وفي نادر من الكلام وما هذا سبيله لا يخرج عليه كتاب الله تعالى الذي نزل بأفصح اللغات وأرجح العبارات وألطف الإشارات)
قلت: ومثل هذه الكلمة تحتاج لبحث وتوسع للوقوف على دقائق معانيها ولتحرير الضوابط التي بها يحتج بالنص شعرا ونثرا على توجيه كلام الله
- (... وأما التي هي الغفران والتجاوز فإنها تختص في خطاب الشارع بالمحسنين المطيعين وإن كانت غير موقوفة عليهم لا شرعا ولا عقلا عند أهل الحق، إلا أن ذلك يذكر على سبيل التنشيط للمطيعين والتخويف للعاصين وهذا فيه لطف وقلما يتنبه له إلا الأفراد ومن ثم زلت أقدام المعتزلة فإنهم يجدون في خطاب الشارع ما يقتضي بظاهره تخصيص الغفران والتجاوز والإحسان بالمطيعين فينفون رحمة الله عن أصحاب العصيان فيحجرون واسعا أهم يقسمون رحمة ربك والله يختص برحمته من يشاء ...)

انتهى ...
 
الرسالة الخامسة: الرسالة الكبرى في البسملة
لأبي العرفان محمد بن علي الصبان (ت 1206 هـ)
طبعت الرسالة في دار الكتاب العربي بتحقيق فواز زمرلي وحبيب المير

وصف الرسالة:
الرسالة كما هي من عنوانها تتحدث عن البسملة في مباحث متنوعة سيأتي ذكرها، ومما يحسن الإشارة إليه أن أهل العلم لهم عناية خاصة بالبسملة فأكثروا من التصنيف فيها، فمن ذلك:
1- المسألة في البسملة للقباقبي.
2- الأسئلة في البسملة للقاري (رد فيها على من توهم أن البسملة من أول سورة براءة قول أبي حنيفة ....)
3- الإنصاف فيما بين العلماء من الإختلاف للنمري، وذكر فيها الخلاف في قراءتها بالصلاة وهل هي آية من الفاتحة والقرآن أم لا.
4- إبداع حكمة الحكيم في بيان بسم الله الرحمن الرحيم، وهي مشهورة باسم (رسالة البسملة بين المهرة) للخادمي وقد صنفها على ثمانية عشر فن.
5- الحجة الواضحة في أن البسملة ليست من الفاتحة للسروجي.
6- كتاب البسملة للخطيب البغدادي. (قلت: وقد اختصره الإمام الذهبي في رسالة مستقلة)
7- الرسالة في البسملة للتباني
8- كتاب البسملة لأبي شامة المقدسي (قلت: وقد اختصره الإمام الذهبي في رسالة مستقلة
9- ميزان المعدلة في شأن البسملة للسيوطي
10- نهاية المطلوب في إستحباب كتابة البسملة بكمالها في كل مكتوب لعلي القرافي.
11-إحكام القنطرة في أحكام البسملة لأبي الحسنات اللكنوي.
12- رسالتنا هذه
ينظر: مقدمة تحقيق إحكام القنطرة لصلاح أبو الحاج / مؤسسة الرسالة

قلت: والرسائل السابقة متنوعة في طرحها وموضوعاتها، فمنها ما اقتصر على الأحكام الفقهية المتعلقة بالبسملة، ومنها ما تكلم عن معانيها وما تعلق بألفاظها...

أعود إلى رسالة الصبان:
رتب كتابه على مقدمة وخمسة مقاصد وخاتمة
أما المقدمة فجعلها للحديث عما اشتهر ذكره في المصنفات وعلى الألسنة من حديث فضل البسملة (كل أمر ذي بال.....) وهو حديث ضعيف أخرجه الرهاوي والخطيب وغيرهما وله عدة طرق لا تزيده إلا وهاء وضعفا، وإن كان الإمام النووي قد صححه، ولكن خالفه غيره.
المقصد الأول: في الباء، وفيها أربعة مباحث: في معناها ووضعها / في متعلقها وكون مقدرات القرآن قرآنا أو لا؟ وغير ذلك / في وجه بنائها على الكسر / في حكمة تخصيصها بالمبدائية وحكمة تطويل رأسها.
المقصد الثاني: في لفظ اسم، وفيه أربعة مباحث: في إضافته إلى الجلالة وفي وجه الإتيان به وفي كون قول القائل بسم الله حالفا يمينا منعقدة أو لا؟ / في اشتقاقه وتصريفه / في لغاته ووجه حذف ألفه خطا
المقصد الثالث: في لفظ الجلالة وفيه ستة مباحث: في كونه علما بالوضع أو لا؟ وفي كون واضعه هو الله تعالى باتفاق أو اختلاف/ في كونه مرتجلا منقولا وفي تصريفه على القول بالنقل وفي أل التي فيه / في كونه عربيا أو لا وفي كونه الاسم الأعظم أو لا/ في تفخيم لامه وترقيقها وفي ألفه الثانية / في كون الإله معرفا علما بالغلبة / في خواص الجلالة
المقصد الرابع: في الرحمن الرحيم، وفيه سته مباحث: في كونهما صفتين مشبهتين موضوعتين للمبالغة أولا وفي معنى الرحمة في اللغة وفي هذا المقام وفي كون لفظ الرحمن عربيا أم لا/ في أي الصفتين أبلغ وفي وجه تقديم الجلالة على الرحمن والرحمن على الرحيم/ في كون الرحمن مختصا بالله لغة أو شرعا/ في أل الداخلة عليهما وفي كون لفظ الرحمن مصروفا أم لا/ في الإعراب / في وجه تخصيصها بالبسملة وفي حكم الوقوف عليهما وعلى ما قبلهما...
المقصد الخامس: في جملة البسملة، وفيها ستة مباحث: في كونها لها محل من الإعراب أم لا وفي كونها خبرا أم إنشاء وفي كونها من الإيجاز أو الإطناب/ في كونها من أي القضايا وفي الجهات التي يصح أن توجه هي به/ في إعتراء الأحكام الشرعية لها/ في كونها آية من كل سورة إلا براءة أو لا؟ / حكم قراءتها بالصلاة والجهر بها وحكم الإتيان بها أوائل السور وفي اختلاف القراء في الإتيان بها بين السورتين / فيما اشتملت عليه من المحسنات البديعية

الخاتمة: في معنى لفظ بسملة ونحته مع فوائد تتعلق بباب النحت.



ملاحظة: لا بد للقارئ أن يتنبه حال القراءة، فالمؤلف شاذلي أشعري، ويظهر هذا جليا في تضاعيف كلامه.
 
الرسالة السادسة: الكلام على قوله تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء)
تأليف الإمام ابن رجب الحنبلي (736-795 هـ)
طبعت ضمن مجموع رسائل ابن رجب بتحقيق طلعت الحلواني، (المجلد الثاني)

وصف الرسالة:
كما هو ظاهر من عنوان الرسالة فهي تدور حول الكلام عن آية (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وقد استطرد فيها ابن رجب على عادته وأورد فيها مباحث عدة، وانتقيت من فوائدها ما يلي:
- تكلم ابن رجب في بداية رسالته حول مسألة: وهي هل تقيد إنما الحصر أم لا، ورجح إفادتها للحصر وذكر على ذلك عدة أدلة منها أنها تتوارد وحروف النهي مثل: (إنما تجزون ما كنتم تعملون) = (وما تجزون إلا ما كنتم تعملون) وأجاب عما يستدل به من يقول أنها لا تفيد الحصر من أدلة كـ (إنما المؤمنون الذين إذا ...) و(إنما الربا في النسيئة) و (إنما الشهر تسع وعشرون) فقال: معلوم من كلام العرب أنهم ينفون الشيء في صيغ الحصر وغيرها تارة لانتفاء ذاته وتارة لإنتفاء فائدته ومقصوده ويحصرون الشيء في غيره تارة لانحصار جميع الجنس فيه وتارة لانحصار المفيد أو الكامل فيه ثم إنهم تارة يعيدون النفي إلى المسمى وتارة إلى الاسم وإن كان ثابتا في اللغة إذا كان المقصود الحقيقي بالاسم منتفيا عنه ثابتا لغيره كقوله تعالى (... لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل ....) فنفى عنهم مسمى الشيء مع أنه في الأصل شامل لكل موجود من حق وباطل لما كان ما لا يفيد ولا منفعة فيه يؤول إلى الباطل الذي هو العدم فيصير بمنزلة العدم بل قد يكون أولى من العدم من المعدم المستمر عدمه لأنه قد يكون فيه ضرر ... الخ
ثم أورد المزيد من الأدلة على ما قرره وخلص إلى ترجيح قوله السابق رحمه الله، فمثلا مما ذكره للإجابة عن (إنما الشهر تسع وعشرون) : أن هذا هو عدد الشهر اللازم الدائم واليوم الزائد على ذلك جائز يكون في بعض الشهور ولا يكون في بعضها بخلاف التسعة والعشرين فإنه يجب عددها واعتبارها بكل حال.

ثم استدرك على أبي حيان إنكاره على الزمخشري ادعاء الحصر في آية (إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) لاستلزامه عنده أنه لم يوح إليه غير التوحيد، إذ قد ذكر أبو حيان أن الحصر بـ (أنما) المفتوحة لا يعرف إلا عن الزمخشري وحده، وذكر أنه رد عليه أبو محمد بن هاشم على أن (أن المفتوحة) فرع من (إن) المكسورة على الصحيح وانتصر للزمخشري في تقريره الحصر،ثم استدرك ابن رجب فقال: وهذاكله لا حاجة إليه في هذه الآية فإن الحصر مستفاد فيها من (إنما) المكسورة في أول الآية ....

ثم بعدها بصفحات ذكر نكتة حسنة وهي أن قوله تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) قد علم أنه يقتضي ثبوت الخشية للعلماء لكن هل يقتضي ثبوتها لجنس العلماء لا لكل فرد منهم؟ أو يقتضي ثبوت الخشية لكل واحد من العلماء؟ ورجح أن الثاني هو الصحيح وتقريره من جهتين:
1- أن الحصر هاهنا من الطرفين حصر الأول في الثاني وحصر الثاني في الأول (وقد فصل المراد بهذا في بدايات الرسالة فيرجع إليها للتفصيل)
2- أن العلم إن كان سببا مقتضيا للخشية كان ثبوت الخشية تماما لجميع أفراد العلماء لا تتخلف إلا لوجود مانع ونحوه، وفصل في هذا بكلام له ولأبي العباس ابن تيمية شيخ الإسلام.

ثم ذكر بعد ذلك الكثير من الأثار التي تفيد المعنى السابق وهو أن العلم يوجب الخشية، وأن فقده يستلزم فقد الخشية، وبين هذا من وجوه:
1- أن العلم بالله وأسمائه وصفاته كالكبرياء والعظمة والجبروت يوجب خشيته، وبذا فسر ابن عباس الآية، ويشهد له حديث (إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية) ...الخ
2- أن العلم بتفاصيل الأمر والنهي والتصديق الجازم بذلك وبما يترتب عليه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب ..... كل هذا يوجب الخشية .. ثم تكلم بكلام جميل على إثر هذا بعلاقةالشهوة والغفلة بالشر وأن الشهوة لا تستقل وحدها بفعل السيئات إلا مع الجهل ... الخ
3- أن تصور حقيقة المخوف يوجب الهرب منه وتصور حقيقة المحبوب يوجب طلبه، وذكر أثرا عن الحسن في ذلك ..
4- أن كثيرا من الذنوب قد يكون سبب وقوعه جعل فاعله بحقيقة قبحه وبغض الله له، وتفاصيل الوعيد عليه وإن كان عالما بأصل تحريمه وقبحه... فجهله بذلك هو الذي جرأه على المعصية..
5- أن كل من علم علما تاما جازما بأن فعل شيء يضره ضررا راجحا ولم يفعله فإن هذا خاصة العقل فإن نفسه تنصرف عما يعلم رجحان ضرره بالطبع (أفمن زين له سوء عمله فرءاه حسنا ...) فالفاعل للذنب لو جزم بأنه يحصل له به الضرر الراجح لم يفعله لكنه يزين له ما فيه من اللذة التي يظن أنها مصلحة ...
6- أن لذات الذنوب لا نسبة لها لما فيها من الآلام والمفاسد البتة فإن لذاتها سريعة الإنقضاء وعقوباتها وآلامها أضعاف ذلك
ومن هنا يعلم أنه لا يؤثر لذات الذنوب إلا من هو جاهل بحقيقة عواقبها ..
7- أن المقدم على موافقة المحظور إنما أوجب إقدامه عليه ما فيه من اللذة الحاصلة له به فظن أنه تحصل لذته العاجلة ورجى أن يتخلص من تبعته بسبب من الأسباب ولو بالعفو بالمجر فينال به لذة ولا يلحقه به مضرة وهذا من أعظم الجهل...

انتهى مختصرا ...

أنصح كل طالب علم وكل مهتم بالتفسير الإعتناء بهذه الرسالة القيمة الفذة فهي مليئة بالفوائد والنقول الحسنة، ونسأل الله أن يحيينا طلبة علم وأن يميتنا طلبة علم وأن يحشرنا مع العلماء والربانيين والأنبياء وحسن أولئك رفيقا ...
ومن باب الإستطراد والخروج عن المقصود لما فيه فائدة تحضرني قصة الإمام أحمد مع أبي يوسف رحمهما الله تعالى، لما كانا ينتظران الإمتحان في فتنة خلق القرآن!! فإذا بأحمد يقول لأبي يوسف: هات ما عندك في المسح على الخفين!! فقال أبو يوسف: الآن ونحن في هذه المحنة؟ فقال أحمد: أريد أن ألقى الله وأنا طالب علم ....
ولا تخفاكم قصة بقي بن مخلد في رحلته إلى أحمد، وما فيها من صبر وهمة عالية..
فرحم الله علماءنا، وجدير بنا نحن طلبة التفسير ودارسيه أن نكون من أولئك الربانيين أو أن نسلك طريقهم، ومن أمتع ما يبشر به الطالب في سبيل طلبه ما صح عن أبي الدرداء رضي الله عنه: العالم والمتعلم في الأجر سواء ...
فهذه من بركات العلم وفوائده وحقا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ...
اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل
حرر في يوم الأربعاء الساعة 12:44 صباحا
والله الموفق
 
جزاك الله خيرا وبارك فيك قد اشعلت بي همة وحسرة على تفريطي اين نحن عن هذا
قد اطمعتني ان اسالك المزيد
 
جزاك الله خيرا أخي وبارك فيك ونفعك ونفع بك ، ووفقنا جميعا لما يحب ويرضى .
وأحب أن أضيف إلى هذه الرسائل رسائل للحافظ السيوطي ـ رحمه الله ـ منها رسالة في الاستعاذة والبسملة ، ورسالة في بيان نعم الله الظاهرة والباطنة ، ومنها رسالة في تفسير أول سورة الفتح .
وقد قام الأستاذ عبد الحكيم الأنيس بتحقيق عشر رسائل للسيوطي في التفسير وعلوم القرآن ، وأخرجها في مجلدين ، نشرتهما دائرة الشئون الإسلامية والعمل الخيري بدبي .
 
عودة
أعلى