أبو زارع المدني
New member
- إنضم
- 28/10/2007
- المشاركات
- 564
- مستوى التفاعل
- 4
- النقاط
- 18
- الإقامة
- المملكة العربية
- الموقع الالكتروني
- www.ahlalhdeeth.com
.
الحمدلله، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد، فهذا تعريف بكتاب «فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار -صلى الله عليه وسلم-» وبمؤلفه. ويعتبر كتابنا هذا من أهمّ الكتب الجامعة لأحاديث الأحكام، وتكمن أهميته بأنه واحد من أوسع الكتب المصنفة في ذلك؛ إذ بلغ عدد أحاديثه (6529) دون الزيادات واختلاف ألفاظ الأحاديث، ومن مميزاته الكلام على الأحاديث صحةً وضعفًا باقتضاب، وشرح الغريب.
وسيكون التعريف به على محورين رئيسين: ترجمة المؤلف، والتعريف بالكتاب.
أولا: ترجمة الرُّباعي[1]
هو: الحسن بن أحمد بن يوسف بن محمد بن أحمد الرُّباعي.
والرُّباعِيُّ - بضم الراء المشددة وبعدها موحدة خفيفة -: نسبة إلى جده الأعلى القاضي عبد الله بن محمد بن جابر العَوْدري السَّكْسَكِي (ت 711هـ)، وكان من أعيان القرن السابع الهجري، وعُرِف بالرُّباعي لأن له أربع أصابع[2].
وعائلة المترجَم معروفة بالفضل والعلم، فكما أسلفنا عن جدِّه القاضي عبدالله كان أولاده من بعده، فقد سكنوا جِبْلة[3] وعكفوا على الدراسة وإحياء العلم، وقد تولَّى بعضهم القضاء، ثم انتقل جدُّ المؤلف القاضي يوسف بن محمد بن أحمد إلى صنعاء وسكن بها، وبقيت العائلة بصنعاء إلى عصرنا، ومن معاصريهم السفير محمد بن عبد الرحمن الرُّباعي وغيره.
ولد الرُّباعي تقريبًا على رأس القرن الثاني عشر (نحو1200هـ) بمدينة صنعاء.
وتلقَّى العلم أوَّلاً على والده العلامة أحمد بن يوسف الرُّباعي[4] (ت1231هـ) وكان مبرِّزًا في علوم العربية والفقه والحديث، وله في الحديث رواية واسعة، وقد أخذ المؤلِّف عن والده الإجازة بأغلب كتب الحديث وغيرها من كتب العلم، وقد ذكر أسانيده في ملحق (فتح الغفار). ووالده من تلاميذ الشوكاني، وقد وصفه الشوكاني بـ: قوة الفهم والعرفان التام والإنصاف وعدم الجمود على التقليد.
ثم قرأ على جماعةٍ من شيوخ العصر، كالعلامة محمد بن علي الشوكاني (ت1252) وقد اختصَّ به ولازمه، فقرأ عليه في علم المعاني والبيان، وفي علم التفسير سمع عليه «تفسير الزمخشري»، وفي «الصحيحين» والسنن، وفي مؤلفاته خاصة «شرح المنتقى». وقد لازمه مع أبيه واستمر كذلك بعد وفاته، وحصَّل «نيل الأوطار» بخطّه.
وأخذ عن السيد العلامة الحسن بن يحيى الكبسي[5](ت1238هـ) وقد سمع عليه الكتب الستة، والقاضي العلامة يحيى بن محمد الشوكاني[6](ت 1267هـ)، والقاضي العلامة محمد بن أحمد السُّودي الصنعاني[7] (ت1236هـ)، والعلامة عبدالله بن محمد الأمير الصنعاني[8] (ت1242هـ)، والقاضي حسين بن محمد العنسي[9](ت1235هـ)، والعلامة إبراهيم بن عبد القادر الكوكباني[10] (ت1223هـ)، وغيرهم من مشايخ العلم بصنعاء.
ثناء العلماء عليه:
قال عنه شيخه الشوكاني: واستفاد في جميع العلوم الآلية، وفي علم السنة المطهرة، وله فهم صادق، وإدراك قوي، وتصور صحيح، وإنصاف وعمل بما تقتضيه الأدلة. وهو الآن من أعيان أهل العرفان ومحاسن حَمَلة العلم بمدينة صنعاء.
وقال عند ذكر أبيه: وولده حسن بن أحمد من أذكياء الطلبة، وله سماع عليَّ في المؤلَّفَيْن المذكورَيْن - شرح المنتقى والدرر - فهو مع حداثة سنة يسابق في فهمه. اهـ.
وقال عصْرِيُّه الشجني:القاضي العلامة المدقق والنبيل الفهامة المحقق.
وقال زبارة: صار من أكابر أعيان علماء عصره.
نزوعه إلى الاجتهاد والتحقيق:
ويظهر لنا جليًّا من ترجمة المؤلف رحمه الله نزوعه إلى الاجتهاد، وترك التقليد والجمود، واهتمامه بعلم السنة والحديث رواية ودراية، كما يظهر - أيضًا - من الملحق في آخر (فتح الغفار) الذي كتبه المؤلف في بيان إجازاته من مشايخه، وأسانيده إلى كتب السنة، أو مصنفات الأئمة مدى عنايته بمصنفات المحققين من العلماء والأئمة المشهود لهم بالتقدم في اتباع الدليل وصفاء المشرب كمؤلفات المجد ابن تيمية صاحب المنتقى، وحفيده شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم، والإمام ابن الوزير اليماني، والحافظ ابن حجر العسقلاني، وتلميذه الحافظ السخاوي، وغيرهم.
مؤلفاته:
أما مؤلفاته فلم يوجد منها إلا كتابان، ووجدتُ له كتابين آخرين ذكرهما في طرره على فتح الغفار، وهذه هي:
1- (فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار-صلى الله عليه وسلم-). وهو كتابنا هذا، وقد مكث في تأليفه أكثر من ثماني سنوات، بدأ فيه عام 1232هـ وانتهى منه عام 1240هـ.
2- رسالة في مسألة هل الحديث يفيد العلم أو الظن؟ منها نسخة في جامع المكتبة الغربية (95 مجاميع) كتبت سنة 1337هـ.
3- رسالة في حكم إسبال الإزار دون الكعبين، ذكرها المؤلف في تعليقٍ له على طرّة النسخة، انظر (1/259) وخلص فيها إلى القول بتحريمه.
4- رسالة في صلاة التسبيح، ذكرها المؤلف في تعليقٍ له على طرّة النسخة، انظر (1/485). تكلم فيها على كل حديث بما في إسناده، وخلص إلى أن كل أسانيده معلولة.
وفاته:
توفي رحمه الله تعالى عام 1276هـ عن نحو ستٍ وسبعين سنة.
ثانيًا: التعريف بالكتاب
اسم الكتاب:
الكتاب سماه مؤلفه على غلاف نسخته التي بخطه، وفي مقدمته بـ: (فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار-صلى الله عليه وسلم-) هذا هو الاسم الصحيح للكتاب. ويؤكده أن معاصر المؤلف الشجني في كتابه «التقصار: 365» ترجم للمؤلف وذكر كتابه هذا بعنوان: (فتح الغفار لجمع أحكام سنة المختار) فعلق المؤلف على حاشية النسخة بتصحيح الاسم إلى (فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار) وخَتَم التعليق بـ (تمت بقلم مؤلفه). فهل المقصود مؤلف (التقصار) أو مؤلف (فتح الغفار)؟ أي الاحتمالين كان فهو تصحيح معتمد للاسم، وإن كنت أُرَجِّح الثاني؛ لأن الرُّباعي له عدد من التعليقات على حاشية نسخة (التقصار) أثبتها المحقق في الهوامش، ولأنها لو كانت لمؤلف (التقصار) لأثبت التصحيح في متن الكتاب وليس في هامشه.
وعليه فتسمية الكتاب في طبعته الأولى بـ (فتح الغفار المشتمل على أحكام سنة نبينا المختار) تصرُّفٌ غير محمود من الناشر!
ووقع في «نيل الوطر» لزبارة: (.. لجمع أحكام..) وهو تصرف في الاسم أيضًا.
تاريخ تأليفه:
انتهى المؤلف من كتابة مسوّدة الكتاب في ثاني عشر رمضان سنة أربعين ومئتين وألف، ثم شرع في تبييضه ونقله من المسوّدة، وانتهى من ذلك في يوم الثلاثاء ثاني عشر شهر ذي الحجة الحرام سنة إحدى وأربعين ومئتين وألف - كما في خاتمة النسخة التي بخطه -. ثم عاد عليه بالتصحيح والقراءة ومراجعة أصوله بحضور بعض الطلبة في صبح يوم الخميس عشرين من شهر ذي الحجة من العام نفسه.
وهذا الكتاب استغرق مؤلفه في جمعه وتأليف ثماني سنوات وسبعة أشهر وعدة أيام، قال في مقدمة الكتاب: (1/8): «وكان الشروع في تأليفه غرة شهر المحرم سنة اثنتين وثلاثين ومئتين وألف بمدينة صنعاء المحمية بالله تعالى، ومَنَّ الله - وله الحمد - بالفراغ من تأليفه في ثاني عشر رمضان سنة أربعين ومئتين وألف». وقد كان عمره حين شرع في تأليفه نحو اثنين وثلاثين عامًا، وانتهى منه وعمره في الأربعين.
التعريف بالكتاب وأهم مميزاته:
قال المؤلف في المقدمة شارحًا طبيعة كتابه:
(هذا مختصرٌ جامعٌ لما تفرق في الدفاتر والأسفار من أحاديث الأحكام المسندة عن نبينا المختار، لم يَصْنع مثله من سبق من المؤلفين، ولا نسج على منواله أحدٌ من متقدمي المصنفين، جمعتُ فيه أدلة الأحكام، وعكفتُ على تحريره وتهذيبه مدةً من الشهور والأعوام، رجاء أن أكون ممن شمله قول الشارع: «ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فربَّ مبلِّغٍ أوعى من سامع»، وقوله: «نضر الله امرءًا سمع منّا حديثًا فيبلغه غيره، فرب حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه»، وأن أكون ممن شمله حديث أبي هريرة مرفوعًا عند مسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» وأن أكون ممن فاز بنيل نصيب من ميراث خاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطاهرين).
ثم قال في بيان هدفه من تأليف كتابه:
(وكنت قد سمعت من مشايخي الأعلام طرفًا من السنة صالحًا، وأشرفت في الفروع على أشياء بَعُدت منها بعدًا واضحًا، ورأيت ما وقع من الخلاف بين الأئمة الأعلام، وأخذ كل طائفةٍ بجانب من سنة خير الأنام، وقد أرشدنا الشارع أن نرجع إليه عند الاختلاف، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم متجنبين سلوك طريق الاعتساف، قاصدين الاجتماع والاتفاق والائتلاف، فجمعت أحاديث الأحكام القاطعة للخلاف..).
وقد أوضح المصنف السببَ الداعي إلى تأليف الكتاب بقوله:
(ومما دعاني إلى تأليفه، واقتحام المشاق إلى تصنيفه أمران:
أحدهما: أني لمّا رحلت عن هذه الديار، وجُبْتُ الفيافي والقفار، وأقمت ببلاد لا يوجد فيها مختصرات المؤلفات فضلًا عن مطولات المصنفات، وكنت كثيرًا ما أحتاج في غالب الحالات إلى البحث عن حال شيء من الأحاديث، فلم أظفر بالمقصود، وكان استصحاب شيء من الكتب يحتاج إلى مشقة زائدة على المجهود عزمتُ على صنع هذا المختصر الصغير الحجم، الكبير المقدار، أجعله نديمي في الحضر، ورفيقي في الأسفار، فياله من نديم تشتاق إليه نفوس العارفين، ورفيق لا يُملّ حديثه كل وقت وحين!
الأمر الثاني: ذهاب الكتب من هذه الديار، وتفرق أصول هذا الكتاب في الأنجاد والأمصار، فسارعت إلى جمعه، وكنت عند الشروع أرى نفسي حقيرةً لمثل التصدي لهذا الخطب، ورأيت أن الترك لذلك أقرب، فرغَّبَني بعضُ مشايخي الأعلام، وقال لي: هذه طريقة مُدَّخرة لدار السلام، ولا زال يحثني على تمام ما وقع به الشروع..).
ثم قال في بيان مصادر كتابه:
(وعمدتُ إلى أجمعِ كتابٍ للأحكام، وأنفع تأليفٍ تداولته الأئمة الأعلام، وهو «المنتقى» فجعلته أصلًا لهذا الكتاب... وزدت عليه الجمَّ الغفير من «جامع الأصول»، و«بلوغ المرام»، و«مجمع الزوائد»، و«الترغيب والترهيب» للحافظ المنذري، ومن «الجامع الصغير وذيله»، ومن «الجامع الكبير»، ومن «البدر المنير»، و«جامع المسانيد»، و«المستدرك» للحاكم، و«تلخيص الحافظ ابن حجر»، و«فتح الباري»، و«خلاصة البدر المنير»، وغير ذلك من الكتب، وراجعت تلك الأصول، ونسبت كل حديث إلى أصله المنقول...).
ثم بين طريقة تأليفه وترتيبه ومنهجه فيه بقوله:
(ورتبته - أي «المنتقى» - أحسن ترتيب، وهذَّبته أبلغ تهذيب، وحذفت منه أشياء تكرّرت، وأبدلت منه تراجم صُدِّرَت، وقدّمت ما يحتاج إلى التقديم، وأخَّرت ما تقدَّمَ ورُتْبَتُه التأخير، وجعلتُ كلّ حديث حيث يستحق التصدير...
• وأتْبَعْتُ كلّ حديث ما عليه من الكلام من تصحيح وتحسين، أو تضعيف وتهوين[11]، وعزوت كلّ شيء إلى قائله حسبما وجدته في هذه المصنفات، وإن لم أجد كلامًا لأحد من الأئمة على الحديث نقلت من كتب الرجال ما قيل في راويهِ من التوثيق والتضعيف، وبالغت في العناية في البحث لِمَا يحتاج إليه، وإن بَعُدَت طريق الوصول إلا بعد أيامٍ إليه...).
• ثم حضَّه بعضُ شيوخه أن يُتْبِعَ كلَّ حديث بما يحتاج إلى تفسيره من الغريب، حتى لا يحتاج إلى شرح، وتكمل به فائدة الكتاب، قال: فامتثلت أمره، وأتْبَعتُ كلَّ بابٍ ما يحتاج إليه نقلًا من شروح الحديث، و«غريب جامع الأصول»، و«مختصر نهاية ابن الأثير»، و«المُغْرِب»، و«صحاح الجوهري»، و«القاموس»، و«مجمع البحار» وغير ذلك.
• ثم إني أتبعتُ هذا الكتاب كتابَ الجامع، اشتمل على عدة أبواب مهمة لا يُستغنى عنها.
• وقد أكرر الحديث الواحد في مواضع من هذا الكتاب لِمَا فيه من الأحكام المتعددة.
• واقتديت بأصل هذا الكتاب - أي «المنتقى» - في جعل العلامة لِمَا رواه البخاري ومسلم: أخرجاه، ولما رواه أحمد وأصحاب السنن: رواه الخمسة، ولهم جميعًا: رواه الجماعة، ولأحمد والبخاري ومسلم: متفق عليه، وما سوى ذلك أذكر من أخرجه باسمه).
أهمّ مميزات الكتاب:
لأهمية الكتاب وبيان قيمته العلمية كَتَبَ العلامة محمد بهجة البيطار مقالاً في التعريف به وبيان مميزاته أولَ ما طُبِع المجلد الأول منه عام 1390هـ، وذلك في (مجلة المجمع العلمي العربي) بدمشق: (34/515-517).
ويمكن أن نذكر أهم ما تميز به الكتاب:
1- أنه مِن أجْـمع كتب أحاديث الأحكام إن لم يكن أجمعها، فقد بلغ عدد أحاديثه (6535 حديثًا) عدا الزيادات والألفاظ المختلفة للحديث الواحد، فبها قد يزيد العدد إلى الضعف.
2- أنه لتأخُّره استوعب الكتبَ المؤلفةَ في الأحكام، وضمّ إليها ما وجده في الكتب الجامعة للأحاديث مما تقدم ذكره قريبًا.
3- أنه يُتْبِع كلَّ حديثٍ بما قيل فيه من تصحيح وتضعيف، وهذه ميزة كبيرة خاصة للفقيه التي ليست صناعته الحديث.
4- شرحه لغريب ألفاظ الحديث من كتب الشروح المعتمدة. فلم يكن مجرّد سردٍ للأحاديث.
نسخ الكتاب الخطية:
للكتاب ثلاث نسخ خطية:
1- أعلاها نسخة بخط المصنف كتبها سنة (1241هـ) في شهر ذي الحجة، وكان قد انتهى من مسودة الكتاب سنة (1240هـ) في شهر رمضان. وهي محفوظة في المكتبة الغربية بالجامع الكبير رقم 137. ولم نستطع الحصول على صورةٍ منها بعد محاولاتٍ شتَّى.
2- ونسخة أخرى من مقتنيات المكتبة السابقة برقم 105 كُتِبت سنة (1311هـ) في شهر جمادى الأولى بخط أحمد بن علي الطير[12]، ثم أعاد مقابلتها على الأم وانتهى من ذلك في شهر شعبان من السنة المذكورة، وقد نُقِلَت هذه النسخة من نسخة المؤلف السالفة الذكر، وهذه النسخة هي التي اعتمدناها في إثبات نص الكتاب.
عدد صفحاتها (652)، يليها ملحق كتبه المؤلف فيه إجازاته بكتب الحديث وبكتب بعض الأئمة كابن تيمية وابن القيم وابن الوزير وابن حجر وغيرهم. في كل صفحة (35) سطرًا، وخطها نسخي واضح، وحالتها جيدة، وعلى صفحة العنوان عدد من التملُّكات، وقد كُتِبَت عناوين الكتب والأبواب بخطٍ كبير، وعلى جوانبها تعليقات كثيرة، غالبها للمصنف، وهي شرح لبعض الأحاديث، أو تعريف ببعض الكتب والأعلام.
3- والنسخة الثالثة فرعٌ عن التي قبلها، كتبت سنة (1390هـ) بخط محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي الطير[13]، وهو حفيد الناسخ السابق. وهذه النسخة هي التي طُبِع عنها الكتاب كما في خاتمة الطبعة.
منهج العمل في الكتاب:
• اعتمدنا النسخةَ الثانيةَ - التي سبق الحديث عنها - أصلاً، وهي نسخةٌ جيدة نادرة الخطأ يُعْتَمَد عليها في إخراج الكتاب؛ إذ هي منقولة من خط المصنف، وناسخها أحمد بن علي الطير عالم معروف، اعتنى بها وقابلها مرَّة أخرى.
• صححنا ما وقع في النسخة من وهم أو سبق قلم – وهو قليل – خاصة إذا كان في ألفاظ الأحاديث النبوية دون إشارةٍ إلى ذلك.
• أثبتنا ما كان على حواشي النسخة من تعليقات منسوبة إلى المؤلف – رحمه الله – أو لم تُنْسَب – وهي قليلة - إذا كانت تفيد غرض الكتاب.
• اعتنينا بتفقير الكتاب، ووضع علامات الترقيم اللازمة، وجعلنا نصوص الأحاديث بخط أثخن تمييزًا له.
• رقمنا جميع الكتب الواردة فبلغت (39) كتابًا، ثم رقَّمْنا الأبواب داخل كل كتاب فوضعنا رقم الكتاب أولاً ويليه رقم الباب هكذا [1/20] يعني: الباب رقم عشرين من الكتاب الأول وهكذا.
• ثم رقمنا الأحاديث رقمًا تسلسليًّا، فبلغ مجموع الأحاديث بحسب ترقيمنا (6535). ولم نرقم ألفاظ الحديث ورواياته المختلفة وإلا لتضاعف العدد.
• أحَلْنا على جميع الكتب الحديثية التي عزا إليها المؤلف بالجزء والصفحة أو بالرقم، وما لم نقف عليه من عزو المؤلف أو كان الكتاب المحال إليه غير مطبوع أغفلنا الإشارة إليه. ونشير هنا إلى أن بعض الكتب لم يكتمل طبعها حال عملنا على الكتاب من نحو سنتين مثل «مسند البزار»، و«المختارة» للضياء فلم تحصل الإحالة إليها.
• قد نحيل على عدد من المصادر التي لم يعزُ لها المصنف تكميلاً للفائدة.
• ما وجدناه من أوهام المؤلف في العزو أو غيره، فما جزمنا به علقناه في الهامش، وما كان محتملاً صنعنا له ملحقًا خاصًّا، فذكرنا ما وقع عند المصنف ثم أتبعناه بالإيراد على كلامه. وأكثر هذه المواضع يكون فيها المؤلف تابعًا لغيره من المخَرِّجين، كصاحب «المنتقى»، أو ابن حجر في «التلخيص»، أو الشوكاني في «النَّيْل».
• ختمنا العمل بفهرس للأحاديث والمراجع وفهرس للكتب والأبواب.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
[1] أهم مصادر ترجمته: «خاتمة فتح الغفار»: (4/2213-2237) للمؤلف، و«البدر الطالع»: (1/133، 194-195) للشوكاني، و«التقصار في جيد زمان علامة الأقاليم والأمصار» (ص364-365) للشجني الذماري، و«نيل الوطر»: (1/318-319) لزبارة، و«معجم البلدان والقبائل اليمنية»: (1/669) للمقحفي، و«ذيل أجود المسلسلات» (ص164)، و«مصادر الفكر الإسلامي في اليمن»: (ص79-80-ط1) و(ص88-ط2) للحبشي، و«مقدمة مطبوعة فتح الغفار»: (1/أ- ب).
[2] ذكره تلميذُه الجَنَدي في «السلوك»: (2/84-85).
[3] بكسر الجيم وإسكان الموحدة وفتح اللام، بلدة تقع في الجنوب الغربي من مدينة إب على مسافة أربعة أميال منها. انظر «مجموع بلدان اليمن»: (1/34)، و «معجم البلدان والقبائل اليمنية»: (1/285).
[4] ترجمته في «البدر الطالع»: (1/133)، و«التقصار»: (ص360-361)، و«نيل الوطر»: (1/ 248-249).
[5] ترجمته في «البدر الطالع»: ( 1/211-213).
[6] «البدر الطالع»: (2/338-339).
[7] «البدر الطالع»: ( 2/103-105).
[8] «البدر الطالع»: (1/396-397).
[9] «البدر الطالع»: (1/228-229).
[10] «البدر الطالع»: (1/17-18).
[11] كذا ولعلها: توهين.
[12] وهو عالم محقق في الفقه، اشتغل بالتدريس في الجامع الكبير وانتفع به الطلبة، ولد سنة (1263هـ) وتوفي سنة (1319هـ). انظر: «نزهة النظر» (ص113)، و«هجر العلم»: (1/33).
[13] وهو من العلماء، ترجمته في «هجر العلم»: (1/33-34).
رابط الموضوع: التعريف بالقاضي الرّباعي وكتابه فتح الغفار
.
التعريف بالقاضي الرّباعي وكتابه «فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار -صلى الله عليه وسلم-»
للشيخ علي بن محمد العمران.
المصدر: نشرتُ هذا التعريف في صدر كتاب «فتح الغفار من أحاديث النبي المختار» طبعة دار عالم الفوائد، 6/شعبان/1426هـ. وكنت أشرفتُ على تحقيقه وقدمتُ له
للشيخ علي بن محمد العمران.
المصدر: نشرتُ هذا التعريف في صدر كتاب «فتح الغفار من أحاديث النبي المختار» طبعة دار عالم الفوائد، 6/شعبان/1426هـ. وكنت أشرفتُ على تحقيقه وقدمتُ له
الحمدلله، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد، فهذا تعريف بكتاب «فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار -صلى الله عليه وسلم-» وبمؤلفه. ويعتبر كتابنا هذا من أهمّ الكتب الجامعة لأحاديث الأحكام، وتكمن أهميته بأنه واحد من أوسع الكتب المصنفة في ذلك؛ إذ بلغ عدد أحاديثه (6529) دون الزيادات واختلاف ألفاظ الأحاديث، ومن مميزاته الكلام على الأحاديث صحةً وضعفًا باقتضاب، وشرح الغريب.
وسيكون التعريف به على محورين رئيسين: ترجمة المؤلف، والتعريف بالكتاب.
أولا: ترجمة الرُّباعي[1]
هو: الحسن بن أحمد بن يوسف بن محمد بن أحمد الرُّباعي.
والرُّباعِيُّ - بضم الراء المشددة وبعدها موحدة خفيفة -: نسبة إلى جده الأعلى القاضي عبد الله بن محمد بن جابر العَوْدري السَّكْسَكِي (ت 711هـ)، وكان من أعيان القرن السابع الهجري، وعُرِف بالرُّباعي لأن له أربع أصابع[2].
وعائلة المترجَم معروفة بالفضل والعلم، فكما أسلفنا عن جدِّه القاضي عبدالله كان أولاده من بعده، فقد سكنوا جِبْلة[3] وعكفوا على الدراسة وإحياء العلم، وقد تولَّى بعضهم القضاء، ثم انتقل جدُّ المؤلف القاضي يوسف بن محمد بن أحمد إلى صنعاء وسكن بها، وبقيت العائلة بصنعاء إلى عصرنا، ومن معاصريهم السفير محمد بن عبد الرحمن الرُّباعي وغيره.
ولد الرُّباعي تقريبًا على رأس القرن الثاني عشر (نحو1200هـ) بمدينة صنعاء.
وتلقَّى العلم أوَّلاً على والده العلامة أحمد بن يوسف الرُّباعي[4] (ت1231هـ) وكان مبرِّزًا في علوم العربية والفقه والحديث، وله في الحديث رواية واسعة، وقد أخذ المؤلِّف عن والده الإجازة بأغلب كتب الحديث وغيرها من كتب العلم، وقد ذكر أسانيده في ملحق (فتح الغفار). ووالده من تلاميذ الشوكاني، وقد وصفه الشوكاني بـ: قوة الفهم والعرفان التام والإنصاف وعدم الجمود على التقليد.
ثم قرأ على جماعةٍ من شيوخ العصر، كالعلامة محمد بن علي الشوكاني (ت1252) وقد اختصَّ به ولازمه، فقرأ عليه في علم المعاني والبيان، وفي علم التفسير سمع عليه «تفسير الزمخشري»، وفي «الصحيحين» والسنن، وفي مؤلفاته خاصة «شرح المنتقى». وقد لازمه مع أبيه واستمر كذلك بعد وفاته، وحصَّل «نيل الأوطار» بخطّه.
وأخذ عن السيد العلامة الحسن بن يحيى الكبسي[5](ت1238هـ) وقد سمع عليه الكتب الستة، والقاضي العلامة يحيى بن محمد الشوكاني[6](ت 1267هـ)، والقاضي العلامة محمد بن أحمد السُّودي الصنعاني[7] (ت1236هـ)، والعلامة عبدالله بن محمد الأمير الصنعاني[8] (ت1242هـ)، والقاضي حسين بن محمد العنسي[9](ت1235هـ)، والعلامة إبراهيم بن عبد القادر الكوكباني[10] (ت1223هـ)، وغيرهم من مشايخ العلم بصنعاء.
ثناء العلماء عليه:
قال عنه شيخه الشوكاني: واستفاد في جميع العلوم الآلية، وفي علم السنة المطهرة، وله فهم صادق، وإدراك قوي، وتصور صحيح، وإنصاف وعمل بما تقتضيه الأدلة. وهو الآن من أعيان أهل العرفان ومحاسن حَمَلة العلم بمدينة صنعاء.
وقال عند ذكر أبيه: وولده حسن بن أحمد من أذكياء الطلبة، وله سماع عليَّ في المؤلَّفَيْن المذكورَيْن - شرح المنتقى والدرر - فهو مع حداثة سنة يسابق في فهمه. اهـ.
وقال عصْرِيُّه الشجني:القاضي العلامة المدقق والنبيل الفهامة المحقق.
وقال زبارة: صار من أكابر أعيان علماء عصره.
نزوعه إلى الاجتهاد والتحقيق:
ويظهر لنا جليًّا من ترجمة المؤلف رحمه الله نزوعه إلى الاجتهاد، وترك التقليد والجمود، واهتمامه بعلم السنة والحديث رواية ودراية، كما يظهر - أيضًا - من الملحق في آخر (فتح الغفار) الذي كتبه المؤلف في بيان إجازاته من مشايخه، وأسانيده إلى كتب السنة، أو مصنفات الأئمة مدى عنايته بمصنفات المحققين من العلماء والأئمة المشهود لهم بالتقدم في اتباع الدليل وصفاء المشرب كمؤلفات المجد ابن تيمية صاحب المنتقى، وحفيده شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم، والإمام ابن الوزير اليماني، والحافظ ابن حجر العسقلاني، وتلميذه الحافظ السخاوي، وغيرهم.
مؤلفاته:
أما مؤلفاته فلم يوجد منها إلا كتابان، ووجدتُ له كتابين آخرين ذكرهما في طرره على فتح الغفار، وهذه هي:
1- (فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار-صلى الله عليه وسلم-). وهو كتابنا هذا، وقد مكث في تأليفه أكثر من ثماني سنوات، بدأ فيه عام 1232هـ وانتهى منه عام 1240هـ.
2- رسالة في مسألة هل الحديث يفيد العلم أو الظن؟ منها نسخة في جامع المكتبة الغربية (95 مجاميع) كتبت سنة 1337هـ.
3- رسالة في حكم إسبال الإزار دون الكعبين، ذكرها المؤلف في تعليقٍ له على طرّة النسخة، انظر (1/259) وخلص فيها إلى القول بتحريمه.
4- رسالة في صلاة التسبيح، ذكرها المؤلف في تعليقٍ له على طرّة النسخة، انظر (1/485). تكلم فيها على كل حديث بما في إسناده، وخلص إلى أن كل أسانيده معلولة.
وفاته:
توفي رحمه الله تعالى عام 1276هـ عن نحو ستٍ وسبعين سنة.
ثانيًا: التعريف بالكتاب
اسم الكتاب:
الكتاب سماه مؤلفه على غلاف نسخته التي بخطه، وفي مقدمته بـ: (فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار-صلى الله عليه وسلم-) هذا هو الاسم الصحيح للكتاب. ويؤكده أن معاصر المؤلف الشجني في كتابه «التقصار: 365» ترجم للمؤلف وذكر كتابه هذا بعنوان: (فتح الغفار لجمع أحكام سنة المختار) فعلق المؤلف على حاشية النسخة بتصحيح الاسم إلى (فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار) وخَتَم التعليق بـ (تمت بقلم مؤلفه). فهل المقصود مؤلف (التقصار) أو مؤلف (فتح الغفار)؟ أي الاحتمالين كان فهو تصحيح معتمد للاسم، وإن كنت أُرَجِّح الثاني؛ لأن الرُّباعي له عدد من التعليقات على حاشية نسخة (التقصار) أثبتها المحقق في الهوامش، ولأنها لو كانت لمؤلف (التقصار) لأثبت التصحيح في متن الكتاب وليس في هامشه.
وعليه فتسمية الكتاب في طبعته الأولى بـ (فتح الغفار المشتمل على أحكام سنة نبينا المختار) تصرُّفٌ غير محمود من الناشر!
ووقع في «نيل الوطر» لزبارة: (.. لجمع أحكام..) وهو تصرف في الاسم أيضًا.
تاريخ تأليفه:
انتهى المؤلف من كتابة مسوّدة الكتاب في ثاني عشر رمضان سنة أربعين ومئتين وألف، ثم شرع في تبييضه ونقله من المسوّدة، وانتهى من ذلك في يوم الثلاثاء ثاني عشر شهر ذي الحجة الحرام سنة إحدى وأربعين ومئتين وألف - كما في خاتمة النسخة التي بخطه -. ثم عاد عليه بالتصحيح والقراءة ومراجعة أصوله بحضور بعض الطلبة في صبح يوم الخميس عشرين من شهر ذي الحجة من العام نفسه.
وهذا الكتاب استغرق مؤلفه في جمعه وتأليف ثماني سنوات وسبعة أشهر وعدة أيام، قال في مقدمة الكتاب: (1/8): «وكان الشروع في تأليفه غرة شهر المحرم سنة اثنتين وثلاثين ومئتين وألف بمدينة صنعاء المحمية بالله تعالى، ومَنَّ الله - وله الحمد - بالفراغ من تأليفه في ثاني عشر رمضان سنة أربعين ومئتين وألف». وقد كان عمره حين شرع في تأليفه نحو اثنين وثلاثين عامًا، وانتهى منه وعمره في الأربعين.
التعريف بالكتاب وأهم مميزاته:
قال المؤلف في المقدمة شارحًا طبيعة كتابه:
(هذا مختصرٌ جامعٌ لما تفرق في الدفاتر والأسفار من أحاديث الأحكام المسندة عن نبينا المختار، لم يَصْنع مثله من سبق من المؤلفين، ولا نسج على منواله أحدٌ من متقدمي المصنفين، جمعتُ فيه أدلة الأحكام، وعكفتُ على تحريره وتهذيبه مدةً من الشهور والأعوام، رجاء أن أكون ممن شمله قول الشارع: «ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فربَّ مبلِّغٍ أوعى من سامع»، وقوله: «نضر الله امرءًا سمع منّا حديثًا فيبلغه غيره، فرب حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه»، وأن أكون ممن شمله حديث أبي هريرة مرفوعًا عند مسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» وأن أكون ممن فاز بنيل نصيب من ميراث خاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطاهرين).
ثم قال في بيان هدفه من تأليف كتابه:
(وكنت قد سمعت من مشايخي الأعلام طرفًا من السنة صالحًا، وأشرفت في الفروع على أشياء بَعُدت منها بعدًا واضحًا، ورأيت ما وقع من الخلاف بين الأئمة الأعلام، وأخذ كل طائفةٍ بجانب من سنة خير الأنام، وقد أرشدنا الشارع أن نرجع إليه عند الاختلاف، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم متجنبين سلوك طريق الاعتساف، قاصدين الاجتماع والاتفاق والائتلاف، فجمعت أحاديث الأحكام القاطعة للخلاف..).
وقد أوضح المصنف السببَ الداعي إلى تأليف الكتاب بقوله:
(ومما دعاني إلى تأليفه، واقتحام المشاق إلى تصنيفه أمران:
أحدهما: أني لمّا رحلت عن هذه الديار، وجُبْتُ الفيافي والقفار، وأقمت ببلاد لا يوجد فيها مختصرات المؤلفات فضلًا عن مطولات المصنفات، وكنت كثيرًا ما أحتاج في غالب الحالات إلى البحث عن حال شيء من الأحاديث، فلم أظفر بالمقصود، وكان استصحاب شيء من الكتب يحتاج إلى مشقة زائدة على المجهود عزمتُ على صنع هذا المختصر الصغير الحجم، الكبير المقدار، أجعله نديمي في الحضر، ورفيقي في الأسفار، فياله من نديم تشتاق إليه نفوس العارفين، ورفيق لا يُملّ حديثه كل وقت وحين!
الأمر الثاني: ذهاب الكتب من هذه الديار، وتفرق أصول هذا الكتاب في الأنجاد والأمصار، فسارعت إلى جمعه، وكنت عند الشروع أرى نفسي حقيرةً لمثل التصدي لهذا الخطب، ورأيت أن الترك لذلك أقرب، فرغَّبَني بعضُ مشايخي الأعلام، وقال لي: هذه طريقة مُدَّخرة لدار السلام، ولا زال يحثني على تمام ما وقع به الشروع..).
ثم قال في بيان مصادر كتابه:
(وعمدتُ إلى أجمعِ كتابٍ للأحكام، وأنفع تأليفٍ تداولته الأئمة الأعلام، وهو «المنتقى» فجعلته أصلًا لهذا الكتاب... وزدت عليه الجمَّ الغفير من «جامع الأصول»، و«بلوغ المرام»، و«مجمع الزوائد»، و«الترغيب والترهيب» للحافظ المنذري، ومن «الجامع الصغير وذيله»، ومن «الجامع الكبير»، ومن «البدر المنير»، و«جامع المسانيد»، و«المستدرك» للحاكم، و«تلخيص الحافظ ابن حجر»، و«فتح الباري»، و«خلاصة البدر المنير»، وغير ذلك من الكتب، وراجعت تلك الأصول، ونسبت كل حديث إلى أصله المنقول...).
ثم بين طريقة تأليفه وترتيبه ومنهجه فيه بقوله:
(ورتبته - أي «المنتقى» - أحسن ترتيب، وهذَّبته أبلغ تهذيب، وحذفت منه أشياء تكرّرت، وأبدلت منه تراجم صُدِّرَت، وقدّمت ما يحتاج إلى التقديم، وأخَّرت ما تقدَّمَ ورُتْبَتُه التأخير، وجعلتُ كلّ حديث حيث يستحق التصدير...
• وأتْبَعْتُ كلّ حديث ما عليه من الكلام من تصحيح وتحسين، أو تضعيف وتهوين[11]، وعزوت كلّ شيء إلى قائله حسبما وجدته في هذه المصنفات، وإن لم أجد كلامًا لأحد من الأئمة على الحديث نقلت من كتب الرجال ما قيل في راويهِ من التوثيق والتضعيف، وبالغت في العناية في البحث لِمَا يحتاج إليه، وإن بَعُدَت طريق الوصول إلا بعد أيامٍ إليه...).
• ثم حضَّه بعضُ شيوخه أن يُتْبِعَ كلَّ حديث بما يحتاج إلى تفسيره من الغريب، حتى لا يحتاج إلى شرح، وتكمل به فائدة الكتاب، قال: فامتثلت أمره، وأتْبَعتُ كلَّ بابٍ ما يحتاج إليه نقلًا من شروح الحديث، و«غريب جامع الأصول»، و«مختصر نهاية ابن الأثير»، و«المُغْرِب»، و«صحاح الجوهري»، و«القاموس»، و«مجمع البحار» وغير ذلك.
• ثم إني أتبعتُ هذا الكتاب كتابَ الجامع، اشتمل على عدة أبواب مهمة لا يُستغنى عنها.
• وقد أكرر الحديث الواحد في مواضع من هذا الكتاب لِمَا فيه من الأحكام المتعددة.
• واقتديت بأصل هذا الكتاب - أي «المنتقى» - في جعل العلامة لِمَا رواه البخاري ومسلم: أخرجاه، ولما رواه أحمد وأصحاب السنن: رواه الخمسة، ولهم جميعًا: رواه الجماعة، ولأحمد والبخاري ومسلم: متفق عليه، وما سوى ذلك أذكر من أخرجه باسمه).
أهمّ مميزات الكتاب:
لأهمية الكتاب وبيان قيمته العلمية كَتَبَ العلامة محمد بهجة البيطار مقالاً في التعريف به وبيان مميزاته أولَ ما طُبِع المجلد الأول منه عام 1390هـ، وذلك في (مجلة المجمع العلمي العربي) بدمشق: (34/515-517).
ويمكن أن نذكر أهم ما تميز به الكتاب:
1- أنه مِن أجْـمع كتب أحاديث الأحكام إن لم يكن أجمعها، فقد بلغ عدد أحاديثه (6535 حديثًا) عدا الزيادات والألفاظ المختلفة للحديث الواحد، فبها قد يزيد العدد إلى الضعف.
2- أنه لتأخُّره استوعب الكتبَ المؤلفةَ في الأحكام، وضمّ إليها ما وجده في الكتب الجامعة للأحاديث مما تقدم ذكره قريبًا.
3- أنه يُتْبِع كلَّ حديثٍ بما قيل فيه من تصحيح وتضعيف، وهذه ميزة كبيرة خاصة للفقيه التي ليست صناعته الحديث.
4- شرحه لغريب ألفاظ الحديث من كتب الشروح المعتمدة. فلم يكن مجرّد سردٍ للأحاديث.
نسخ الكتاب الخطية:
للكتاب ثلاث نسخ خطية:
1- أعلاها نسخة بخط المصنف كتبها سنة (1241هـ) في شهر ذي الحجة، وكان قد انتهى من مسودة الكتاب سنة (1240هـ) في شهر رمضان. وهي محفوظة في المكتبة الغربية بالجامع الكبير رقم 137. ولم نستطع الحصول على صورةٍ منها بعد محاولاتٍ شتَّى.
2- ونسخة أخرى من مقتنيات المكتبة السابقة برقم 105 كُتِبت سنة (1311هـ) في شهر جمادى الأولى بخط أحمد بن علي الطير[12]، ثم أعاد مقابلتها على الأم وانتهى من ذلك في شهر شعبان من السنة المذكورة، وقد نُقِلَت هذه النسخة من نسخة المؤلف السالفة الذكر، وهذه النسخة هي التي اعتمدناها في إثبات نص الكتاب.
عدد صفحاتها (652)، يليها ملحق كتبه المؤلف فيه إجازاته بكتب الحديث وبكتب بعض الأئمة كابن تيمية وابن القيم وابن الوزير وابن حجر وغيرهم. في كل صفحة (35) سطرًا، وخطها نسخي واضح، وحالتها جيدة، وعلى صفحة العنوان عدد من التملُّكات، وقد كُتِبَت عناوين الكتب والأبواب بخطٍ كبير، وعلى جوانبها تعليقات كثيرة، غالبها للمصنف، وهي شرح لبعض الأحاديث، أو تعريف ببعض الكتب والأعلام.
3- والنسخة الثالثة فرعٌ عن التي قبلها، كتبت سنة (1390هـ) بخط محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي الطير[13]، وهو حفيد الناسخ السابق. وهذه النسخة هي التي طُبِع عنها الكتاب كما في خاتمة الطبعة.
منهج العمل في الكتاب:
• اعتمدنا النسخةَ الثانيةَ - التي سبق الحديث عنها - أصلاً، وهي نسخةٌ جيدة نادرة الخطأ يُعْتَمَد عليها في إخراج الكتاب؛ إذ هي منقولة من خط المصنف، وناسخها أحمد بن علي الطير عالم معروف، اعتنى بها وقابلها مرَّة أخرى.
• صححنا ما وقع في النسخة من وهم أو سبق قلم – وهو قليل – خاصة إذا كان في ألفاظ الأحاديث النبوية دون إشارةٍ إلى ذلك.
• أثبتنا ما كان على حواشي النسخة من تعليقات منسوبة إلى المؤلف – رحمه الله – أو لم تُنْسَب – وهي قليلة - إذا كانت تفيد غرض الكتاب.
• اعتنينا بتفقير الكتاب، ووضع علامات الترقيم اللازمة، وجعلنا نصوص الأحاديث بخط أثخن تمييزًا له.
• رقمنا جميع الكتب الواردة فبلغت (39) كتابًا، ثم رقَّمْنا الأبواب داخل كل كتاب فوضعنا رقم الكتاب أولاً ويليه رقم الباب هكذا [1/20] يعني: الباب رقم عشرين من الكتاب الأول وهكذا.
• ثم رقمنا الأحاديث رقمًا تسلسليًّا، فبلغ مجموع الأحاديث بحسب ترقيمنا (6535). ولم نرقم ألفاظ الحديث ورواياته المختلفة وإلا لتضاعف العدد.
• أحَلْنا على جميع الكتب الحديثية التي عزا إليها المؤلف بالجزء والصفحة أو بالرقم، وما لم نقف عليه من عزو المؤلف أو كان الكتاب المحال إليه غير مطبوع أغفلنا الإشارة إليه. ونشير هنا إلى أن بعض الكتب لم يكتمل طبعها حال عملنا على الكتاب من نحو سنتين مثل «مسند البزار»، و«المختارة» للضياء فلم تحصل الإحالة إليها.
• قد نحيل على عدد من المصادر التي لم يعزُ لها المصنف تكميلاً للفائدة.
• ما وجدناه من أوهام المؤلف في العزو أو غيره، فما جزمنا به علقناه في الهامش، وما كان محتملاً صنعنا له ملحقًا خاصًّا، فذكرنا ما وقع عند المصنف ثم أتبعناه بالإيراد على كلامه. وأكثر هذه المواضع يكون فيها المؤلف تابعًا لغيره من المخَرِّجين، كصاحب «المنتقى»، أو ابن حجر في «التلخيص»، أو الشوكاني في «النَّيْل».
• ختمنا العمل بفهرس للأحاديث والمراجع وفهرس للكتب والأبواب.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
[1] أهم مصادر ترجمته: «خاتمة فتح الغفار»: (4/2213-2237) للمؤلف، و«البدر الطالع»: (1/133، 194-195) للشوكاني، و«التقصار في جيد زمان علامة الأقاليم والأمصار» (ص364-365) للشجني الذماري، و«نيل الوطر»: (1/318-319) لزبارة، و«معجم البلدان والقبائل اليمنية»: (1/669) للمقحفي، و«ذيل أجود المسلسلات» (ص164)، و«مصادر الفكر الإسلامي في اليمن»: (ص79-80-ط1) و(ص88-ط2) للحبشي، و«مقدمة مطبوعة فتح الغفار»: (1/أ- ب).
[2] ذكره تلميذُه الجَنَدي في «السلوك»: (2/84-85).
[3] بكسر الجيم وإسكان الموحدة وفتح اللام، بلدة تقع في الجنوب الغربي من مدينة إب على مسافة أربعة أميال منها. انظر «مجموع بلدان اليمن»: (1/34)، و «معجم البلدان والقبائل اليمنية»: (1/285).
[4] ترجمته في «البدر الطالع»: (1/133)، و«التقصار»: (ص360-361)، و«نيل الوطر»: (1/ 248-249).
[5] ترجمته في «البدر الطالع»: ( 1/211-213).
[6] «البدر الطالع»: (2/338-339).
[7] «البدر الطالع»: ( 2/103-105).
[8] «البدر الطالع»: (1/396-397).
[9] «البدر الطالع»: (1/228-229).
[10] «البدر الطالع»: (1/17-18).
[11] كذا ولعلها: توهين.
[12] وهو عالم محقق في الفقه، اشتغل بالتدريس في الجامع الكبير وانتفع به الطلبة، ولد سنة (1263هـ) وتوفي سنة (1319هـ). انظر: «نزهة النظر» (ص113)، و«هجر العلم»: (1/33).
[13] وهو من العلماء، ترجمته في «هجر العلم»: (1/33-34).
رابط الموضوع: التعريف بالقاضي الرّباعي وكتابه فتح الغفار
.