التضمين في القرآن الكريم

الخطيب

New member
إنضم
24/04/2003
المشاركات
113
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
التضمين في القرآن الكريم
دلالته ومعناه

يطلق مصطلح التضمين في كتب التفسير وعلوم القرآن وكتب العربية إطلاقات متعددة بمعان مختلفة وذلك كالتالي:

* يطلق التضمين على معنى إعطاء الشئ معنى الشئ ، وهو يكون في الأسماء بأن يضمن اسم معنى اسم آخر ، ليفيد معنى الاسمين جميعا ، كما ضمن لفظ { حقيق } معنى : حريص في قوله تعالى : {حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ } (الأعراف:105) ويكون في الأفعال أيضا ، كما ضمن لفظ { يشرب } معنى : يروى في قوله تعالى : { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ } (الإنسان:6)
ويعرف التضمين في الفعل بحرف الجر الذي عدِّي به كما عرفنا تضمين " يشرب " معنى " يروى " لتعديته بالباء دون " من " التي من عادته التعدِّي بها ، إذ الشرب يكون من العين – البئر – لا بها .

وأما التضمين في الحروف ففيه خلاف ، فبعضهم قال به ، وهم الذين يرون أن حروف الجر تتناوب ، فيقولون في مثل الآية التي معنا من سورة الإنسان: إن الباء بمعنى "من" ، ويرى آخرون أن التجوّز في مثل ذلك إنما هو في الفعل ، لا في الحرف0 بأن يكون الفعل " يشرب " قد ضمن معنى " يُروى "

* ومنه التضمين الذي هو من أنواع الإيجاز وهو حصول معنى في لفظ من غير ذكر له باسم هي عبارة منه ، وهذا النوع ذكره الباقلاني في " إعجاز القرآن " قال: وهو على وجهين:
الأول- تضمين توجيه البنية كقولنا: معلوم فإنه يوجب أنه لابد من عالم
والثاني – تضمين يوجبه معنى العبارة من حيث لا يصح إلا به كما ضمن قول : " بسم الله الرحمن الرحيم " معنى تعليم الاستفتاح في الأمور باسمه سبحانه على جهة التعظيم له والتبرك به0

* ومنه التضمين في الفاصلة وهو أن يكون ما بعد الفاصلة متعلقا بها ، كقوله تعالى :
{ َوَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } ( الصافات:137 ، 138) فقوله: { وَبِاللَّيْلِ } هو لتمام معنى الفاصلة قبله ، ولذلك كان تمام الوقف عليه ، وليس على الفاصلة قبله0

* ومنه التضمين الذي هو من المحسنات اللفظية وهو مما يتعلق بالفواصل أيضا، ويسمى أيضا بالالتزام ، ومعناه أن يلتزم حرف أو أكثر قبل الحرف الأخير في الفاصلة وهو حرف الرَوِيّ ومثاله قوله تعالى : { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ } ( الضحى: 9، 10 ) حيث التزم الهاء قبل الراء ومثال التزام حرفين قوله تعالى : { وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } ( الطور: 1، 2 ) حيث التزم الطاء والواو قبل الراء0 ومثال التزام ثلاثة حروف قوله تعالى : { فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } ( الأعراف: 201 ، 202 )
ويسميه أيضا علماء العربية : لزوم ما لا يلزم ، الإعنات ، والتضييق ، والتشديد0 وبدهي أن تعدد هذه الأسماء أو المصطلحات مع اتحاد مدلولها إنما هو متعلق بوصف كلام البشر الذي يضيقون على أنفسهم بالتزام ما يخرج أحيانا عن طوقهم وقدرتهم على التعبير فيقع نتيجة لذلك التكلف في الكلام مما ينتج عنه أن تتبع المعاني الألفاظ بمعنى أن يكون اللفظ هو الأصل والمعنى تابعه وهو لا شك ممقوت.
أما القرآن الكريم فلا تكلف فيه ومعانيه مقصودة لذاتها وقد صيغت في أحسن الأساليب وأقواها وأدق التعبيرات وأعلاها وأكثرها فصاحة وأوفرها بلاغة لأنه كلام رب العالمين المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

* ومنه التضمين الذي هو نوع من البديع وهو: إدراج كلام الغير في أثناء كلامه لقصد تأكيد المعنى ، أو تركيب النظم0
ومنه ما تضمنه القرآن مما هو في التوراة والإنجيل ، كقوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } ( المائدة:45) أو ما هو من قبيل حكايات المخلوقين كالملائكة في قوله سبحانه: { أتجعل فيها من يفسد فيها } (البقرة:30) وكذا ما حكي من أقوال اليهود والنصارى والمنافقين والكافرين وغيرهم ، قال السيوطي في الإتقان: وكذلك ما أودع فيه من اللغات الأعجمية . ولذلك يسمي البعض ذلك " إيداعا " لا " تضمينا "
هذا ويخلط كثيرون بين الاقتباس وبين هذا النوع من التضمين والواقع أن هناك فرقا بينه وبين التضمين ، فالاقتباس هو أخذ كلمات أو عبارات قرآنية مع التغيير فيها، أما التضمين فهو أخذ كلمات أو آيات بنصها دون التغيير فيها ويشتركان معا في عدم الإحالة إلى المصدر الأصل.
 
بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم

جزاك الله خيرًا

ونشرًا للفائدة لو يتم عرض الآيات التي فيها تضمين ...
1 - ( واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ) .
2 - ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ) .
3 - ( سأل سائل بعذاب واقع ) .
4 - ( عينًا يشرب بها عباد الله ) .
5 - ( اهدنا الصراط المستقيم ) .
 
أشكرالأستاذ الدكتور أحمد الخطيب على طرق مثل هذه الموضوعات النفيسة ، والتي تحتاج إلى بسط وتفصيل.
وموضوع التضمين من الموضوعات التي لم تحظ بعناية من قبل الدراسين في تخصص الدراسات القرآنية كما ينبغي ، وهو أسلوب يمكن حمل كثير من الآيات القرآنية عليه دون تكلف. وقد تتبعت كثيراً من نقول المفسرين حوله ، ولاحظت أن الإمام الطبري رحمه الله قد وجه عدداً من الآيات في ضوء أسلوب التضمين ، ولكنه لم يقدمه على القول بتناوب الحروف ، وابن كثير رحمه الله الذي استحسن القول بالتضمين في مواضع من تفسيره أغفله في مواضع أخرى.
ولم أجد عناية كبيرة به من قبل المفسرين الأوائل من أهل اللغة كأبي عبيدة والأخفش الأوسط والفراء وابن قتيبة مكتفين بتوجيه الآيات على القول بتناوب الحروف.
ومعلوم أن القول بتناوب حروف المعاني هو قول جل نحاة الكوفة، والقول بالتضمين قول جل نحاة البصرة وعلى رأسهم الخليل وتلميذه سيبويه رحمهم الله.
وأسلوب التضمين أحد أبرز أساليب العرب التي خرج عليها المفسرون ولا سيما من المتأخرين كثيراً من الآيات القرآنية الكريمة ، وفي كلام العرب ، وهو يأتي بعد أسلوبي الحذف والإضمار في علم البلاغة من حيث الأهمية.
وهو لا يأتي في كلام العرب إلا لفائدة زائدة كما قال السيوطي ، وتؤدي الكلمة فيه مؤدى كلمتين كما قال ابن هشام النحوي ، وهو بحر لا ينضب كما قال ابن جني في خصائصه ، وكتاب ابن جني الخصائص من أكثر المصادر اللغوية القديمة التي عنيت بهذا اللون من التعبير فعليكم به فهو من أنفس الكتب على الإطلاق لطالب العلم. وأعجبني نقله عن المفسرين القول بالتضمين مما يعني سبق المفسرين إلى بحث التضمين ، حيث قال في الخصائص 3/263 :(ومنه - أي التفسير على المعنى دون اللفظ وهو التضمين - قول المفسرين في قوله تعالى :(من أنصاري إلى الله ) أي مع الله ، ليس أنَّ (إلى) في اللغة بمعنى (مع).
ألا تراك لا تقول : سرت إلى زيد ، وأنت تريد : سرت مع زيد ، هذا لا يعرف في كلامهم ، وإنما جاز هذا التفسير في هذا الموضع لأن النبي إذا كان له أنصار فقد انضموا في نصرته إلى الله ، فكأنه قال : من أنصاري منضمين إلى الله ، كما تقول : زيد إلى خير ، وإلى دعة وستر ، أي أوٍ إلى هذه الأشياء ومنضم إليها . فإذا انضم إلى الله فهو معه لا محالة. فعلى هذا فسر المفسرون هذا الموضع).
وأحب أن أشير هنا إلى مسأئل مهمة حول الموضوع لعلنا ننتفع بها إن شاء الله :
الأولى : أن نسبة القول بتضمين الأفعال معاني مناسبة للحروف للبصريين كافة ، ونسبة القول بتناوب الحروف للكوفيين كافة ليس دقيقاً بالقدر الكافي. فقد وجدت إشارات للفراء (207هـ) يقول فيها بالتضمين وهو من كبار نحويي الكوفة. حيث يقول في معانيه 3/215 عند قوله تعالى :(يشرب بها عباد الله):( يشربها ، ويشرب بها سواء في المعنى ، وكأن يشرب بها يروى بها وينقع). وهذا قول واضح بتضمين فعل يشرب معنى الفعل يروى.
كما وجدت للمبرد محمد بن يزيد رحمه الله (285هـ) إشارة للقول بتناوب الحروف شريطة أن يأتي الحرفان في معنى واحد ، وليس دائماً بل أحياناً.
والتعبير الأفضل أن يقال أن القول بالتضمين رأي أكثر البصريين ، والقول بنيابة الحروف قول أكثر الكوفيين. وقد أعجبني تعبير ابن السيد البطليوسي حيث قال في هذا في كتابه الثمين (الاقتضاب في شرح أدب الكتاب) عند تعرضه لموضوع نيابة الحروف بعضها عن بعض:(أجازه قوم من النحويين أكثرهم كوفيون ، ومنع منه قوم أكثرهم بصريون). ص 262 من الاقتضاب.
الثانية : من أفضل من اعتنى به من المتقدمين ابن جني في الخصائص ، والمرادي في الجنى الداني في حروف المعاني ، وابن القيم ولا سيما في بدائع الفوائد ، وابن هشام في مغني اللبيب ، والسيوطي في همع الهوامع.
ومن المتأخرين الطاهر بن عاشور رحمه الله في التحرير والتنوير ، ومن المعاصرين مما اطعلت عليه كتاب (الحروف العاملة في القرآن الكريم) لهادي عطية الهلالي ص 380 وما بعدها.
وعثرت أخيراً على العدد التاسع والأربعون من مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية التي تصدر في الكويت ربيع الأول 1423هـ فوجدت فيها بحثاً ضافياً للدكتور زيد عمر عبدالله بعنوان :(أسلوب التضمين وأثره في التفسير) وصل فيه إلى نتائج من أهمهما مما لم أذكره أعلاه :
- أن ابن عطية في المحرر الوجيز مع ثناءه على أسلوب التضمين ووصفه له بأنه قول الحذاق إلا أنه لم يعن به كثيراً ولم يقدمه على القول بتناوب الحروف.
- أن أبا حيان المفسر وصف القول بتناوب الحروف بأنه زعم ، وبالرغم من ذلك لم يكن القول بالتضمين موضع عنايته في التفسير.
- أن الزمخشري مع كونه امتداداً لمنهج المدرسة البصرية في النحو عند من يرى ذلك إلا أن التضمين لم يحظ بعنايته في كل المواضع ، بل قال به في مواضع وأعرض عنه في أخرى.
وعلى كل حال فليس القول بالتضمين هو الأصل في القرآن ولا في اللغة ، ولكن الذي يبدو لي أنه أسلم من حيث الاعتراضات التي وجهت إلى القول بتناوب الحروف ، ويحتف بكل نص من القرائن الخارجية التي ما يرجح القول بالتضمين أو القول بتناوب الحروف ، والحذق بذلك يحتاج إلى عناية طويلة ، وبصر نافذ بأساليب العرب في شعرها ونثرها للتمرس بالترجيح في مثل هذه المسائل الدقيقة.
ولعله يكون للحديث صلة حول الأمثلة التي حملها المفسرون على القول بالتضمين من الدكتور أحمد إن شاء الله.
وأشير إلى أنه قد كتب في التضمين عند البلاغيين كتب ورسائل ، وعند النحويين كذلك. ولعلي أذكرها لاحقاً إن شاء الله.
 
إشكال

إشكال

التضمين : وهو أن يشرب لفظ معنى لفظ آخر ، فيعطونه حكمه ، ويسمون هذا تضميناً . وفائدته : أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين .
وله أمثلة كثيرة في القرآن ، منها : قوله تعالى ( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ) أي : لا تضموها إليها آكلين . والذي أفاد التضمين : حرف الجر (إلى) .
قالوا : فعل (أكل) لا يتعدى بهذا الحرف ، فينبغي تضمين هذا الفعل معنى يناسبه ويناسب حرف (إلى) ، وهذا المعنى هو الضم .

ومن أمثلة ذلك : قوله تعالى : ( وإذا خلوا إلى شياطينهم ) قالوا : المعنى : رجعوا إلى شياطينهم ؛ لأن خلا لا يتعدى ﺑ (إلى) .




وهاهنا إشكال ؛ وهو: ما حجة القائلين بالتضمين على أن الفعل -الذي ضمنوه معنى آخر- لا يتعدى بالحرف الذي جاء بعده ؟
لماذا لا نقول إن هذا الفعل يتعدى بهذا الحرف بنفسه،من غير حاجة إلى التضمين؟!
 
عودة
أعلى