البحث الفائق في مصدر الماء الدافق
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ،،
لو رجعت أيها القارئ الكريم لثلاثين سنة وما قبلها تقريبا تجد أنه لو تزوج عشرة رجال بعشر نسوة ففي الغالب أن تسعاً منهن أو ثمان يحملن في بداية الزواج وقد تتأخر الأخريات عدة أيام أو أسابيع ثم يقدر الله لهن الحمل ،، ويندر تأخر الحمل عند الأزواج في العصور الماضية ،،
أما من كان عقيماً أو هناك سبب واضح يمنع من الإنجاب سواء من الرجل أو من المرأة ،، فهذا له شأن آخر ليس هو مجال حديثنا ،،
وفي السنوات القليلة الماضية أصبح تأخر الإنجاب يقلق كثيرا من الرجال والنساء وأصبح أمراً ظاهراً حتى إذا سئل الأطباء عن تأخير الحمل قالوا هذا تأخيرٌ طبيعي ويقصدون بالأمر الطبيعي أنه منتشر بين الناس ولا يوجد له سبب واضح ،، وفي الواقع هذا ليس أمراً طبيعياً بل الأمر الطبيعي أن تحمل النساء حتى تستمر الحياة التي أرادها الله جل وعلا كما قال تعالى
﴿هُوَ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنها زَوجَها لِيَسكُنَ إِلَيها فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَت حَملًا خَفيفًا فَمَرَّت بِهِ فَلَمّا أَثقَلَت دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِن آتَيتَنا صالِحًا لَنَكونَنَّ مِنَ الشّاكِرينَ﴾ [الأعراف: ١٨٩]
وهذا الأمر محيٍّر ، فالطب متطور ، والخيرات تأتينا من كل مكان ،، والعلاج متوفر ، ولا يزال التأخير في الإنجاب منتشراً حتى بدأ الطب يتدخل بين الأزواج ليحصل الحمل عن طريق التلقيح الصناعي وغيره من الطرق الطبية المعروفة ،،،
وهناك أمر آخر منتشر لا تقل الحيرة فيه عما سبق وهو أنك ترى الشباب والشابات في أواخر العشرينات وفي الثلاثينات من العمر يظهر بهم الشيب ويزيد في الانتشار كلما تقدم في العمر فما إن يبلغ أشده ويبلغ أربعين سنة إلا وترى الرأس مشتعلاً شيباً فترى الوجه فيه نضارة الشباب والقوة إلا أنه يدهشك بياض الشعر الذي غزا رأسه ولحيته ،،، ولما يُسألُ الأطباء عن هذا الشيب غالباً يكون الجواب أنه وراثة أو حالة نفسية !!
وهذا قد يقع من البعض لكن بهذا الانتشار ومع أناس يتمتعون برغد من العيش فهنا يقع الإنسان في هم وغم وضيق من تبكير الشيب له ،، والإنسان فيه مُسَيَّر وليس مخيّر وكذلك الأمر فيه محيّر ،،
وقد قال الحسن البصري رحمه الله تعالى في قوله تعالى
(( أَوَلَم نُعَمِّركُم ما يَتَذَكَّرُ فيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذيرُ )) سورة فاطر 37 ،،، إن النذير هو الشيب حيث إن الإنسان طال عمره واقترب أجله فجاءه الشيب نذيراً على نهاية حياته فليغتنم ما تبقى له من حياته بالأعمال الصالحة وهذا يكون عندما يبلغ الإنسان مبلغ الشيخوخة وليس مرحلة القوة والشباب ،،،
على أن أكثر العلماء يقولون إن النذير هوالقرآن الكريم أو الرسول صلى الله عليه وسلم ..،
وتزامن هذان الأمْرانِ المحيِّران مع الرفاهية ورغد العيش التي منّ الله بها على مجتمعاتنا فبدأت الناس تتوسع في البنيان فأصبحت البيوت كأنها الصندوق المغلق لا تشعر بالأحوال الجوية المحيطة بالبيت وليس هناك تعرض للشمس فما تجد ربات المنازل والفتيات يقمن بالغسيل ونشر الملابس في سطوح المنازل ولا يتعرضن للشمس لا في أول النهار ولا آخره كما هو في العصور الماضية ،، وكذلك الشابات يحرصن أشد الحرص على وضع المساحيق والكريمات التي تحمي البشرة من التعرض للشمس والبعض منهن يحرصن على لبس القفازات في النهار ليس لستر الكفين عن الرجال وإنما لحمايتها من الشمس حتى لا تتغير لون البشرة ،، وكذلك حرصت بعض مدارس وزارة التربية على حماية الطلبة والطالبات من الشمس فجعلت ساحات المدارس مظللة من الشمس وباصاتها عليها ستائر ،،،
وفي جانب الشباب والرجال تجد الكثير منهم يضع تظليل على زجاج السيارات وستائر في المكاتب والمجالس ،، ونرى المظلات في كل مكان حماية من لهيب الشمس الحارق والغالبية من الناس مع رفاهية الحياة والتنعم لاتريد التعرض للشمس ولو لمسافات قليلة ،،
فما الذي نتج من هذه الرفاهية !!!؟؟؟
نتج الشعور بالكسل والإرهاق والتعب من بذل أي مجهود ولو قليلا ،،
وعند البحث في التحاليل الطبية للغالبية من الناس كباراً وصغاراً رجالاً ونساءً
يُلاحَظ انخفاض كبير أو حاد لفيتامين ( د ) الذي هو مهم لبناء العظام وهو ضروري لعمل الكالسيوم في العظام ،،
ويقول الأطباء إن المصدر الطبيعي الوحيد لفيتامين د هو التعرض لأشعة الشمس ،،،
فانخفاض مستوى هذا الفيتامين جعل العظام لا تكاد تستفيد من الكالسيوم
وهما عنصران مهمان لقوة العظام وبنائها ولهما فوائد كثيرة يعرفها أهل الإختصاص
وقد أدى ذلك فيما يظهر لوهن العظام فتأخر الحمل واشتعل الرأس شيباً في مرحلة مبكرة من العمر فكما قلت آنفاً كَثُرَ تأخر الحمل وكثر الشيب في سن مبكرة متزامناً مع انخفاض كبير في مستوى فيتامين د ومستوى الكالسيوم الذى أدى إلى ضعف قوة العظام،،
قال تعالى عن قصة زكريا
﴿قالَ رَبِّ إِنّي وَهَنَ العَظمُ مِنّي وَاشتَعَلَ الرَّأسُ شَيبًا وَلَم أَكُن بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنّي خِفتُ المَوالِيَ مِن وَرائي وَكانَتِ امرَأَتي عاقِرًا فَهَب لي مِن لَدُنكَ وَلِيًّا﴾ [مريم: ٤-٥]
و زكريا عليه السلام كبير في السن قال تعالى
﴿قالَ رَبِّ أَنّى يَكونُ لي غُلامٌ وَكانَتِ امرَأَتي عاقِرًا وَقَد بَلَغتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِيًّا﴾ [مريم: ٨]
فلولم تكن لذكرهذه الجملة ( إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا )
على لسان زكريا فائدة لما ذكرت
فهو عن نفسه يقول وهن العظم مني ويعني أن العظام صارت ضعيفة فاشتعل الرأس شيبا والذي يظهر أنه متلازما معه في نفس الوقت وهذا غالبا يحدث عند كبر السن فتجد الرجل إذا كبر سنه وهن عظمه وكَثُرَ شيبه وأصبح في ضعفٍ للإنجاب ،،
فهذه الآية كأنها تشير لتلازم هذه الثلاثة مع بعض
وهي ضعف ووهن العظم ينتج عنه ظهور الشيب وقلة فرص الحمل والإنجاب بين الزوجين ،، وفي هذا الزمن اجتمعن هذه الثلاث في سن مبكرة عند غالبية الشباب والشابات
وقال تعالى ﴿فَليَنظُرِ الإِنسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ يَخرُجُ مِن بَينِ الصُّلبِ وَالتَّرائِبِ﴾ [الطارق: ٥-٧]
يخبر الخالق الرازق أنه خلق الإنسان من ماءٍ دافق وهذا الماء يخرج من بين الصلب وهو عظام ظهرالرجل والترائب عظام صدر المرأة على رأي كثير من المفسرين وعلى رأي آخر أنها ترائب الرجل ،، لكن الراجح أنها ترائب المرأة لأن الإنسان يُخْلقُ من ماء الرجل وماء المرأة وليس من ماء الرجل وحده فقد جاء في حديث الذي رواه البخاري أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء، فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام يأكله أهل الجنة، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه ؟ ......إلى أن قال وأما الولد : فإذا سبق ماء الرجلُ ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجلُ نزعت الولد )
. نزع الولد يعني جذبه له وصار الشبه للرجل ونزعت الولد جذبته وصار الشبه للمرأة ،،،،
فهذا دليل على خلق الإنسان من ماء الرجل والمرأة وفي الآية أن مصدرالماء من عظام الصلب وهو الظهر وعظام الترائب وهي عظام الصدر وهذا واضح أن مصدر الماء الدافق من عظام
وقال ابن جرير الطبري في تفسيره معنى قوله تعالى ( يخرج من بين الصلب والترائب ) أي يخرج منهما
على أن بالطب وبالحس ماء الرجل تنتجه الأعضاء التناسلية وهي ليست عظاماً ،، وهذا لا يمنع أن يكون مصدر قوة الأعضاء التناسلية من قوة العظام وقد لاحظه البعض عند تناوله أقراصاً تقوٍّي العظام ،،
وهذا يشبه من بعض الوجوه مقالة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أن العقل في القلب وله تعلق بالدماغ وهنا نقول ماء الرجل والمرأة في الأعضاء التناسلية وله تعلق بالعظام ،،
أما ماء المرأة فوجدت اختلافاً في مصدره ولكن الذي في كتاب ربنا إشارة على أن المصدر من عظامٍ كما هو الحال في الرجل ،،
وقال تعالى ﴿وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَني آدَمَ مِن ظُهورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشهَدَهُم عَلى أَنفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّكُم قالوا بَلى شَهِدنا أَن تَقولوا يَومَ القِيامَةِ إِنّا كُنّا عَن هذا غافِلينَ﴾ [الأعراف: ١٧٢]
وقال تعالى {{ وَحَلائِلُ أَبنائِكُمُ الَّذينَ مِن أَصلابِكُم }} سورة النساء 23
وفي الحديث قالَ إنَّ اللهَ خلقَ آدمَ ثمَّ مسحَ ظهرَهُ بيمينِهِ فاستخرجَ منهُ ذرِّيَّةً
وجاء في معناه أحاديث أخر ،،، والشاهد من الآية والحديث أن الذرية خلقت أو أخذت من الظهر وهو عبارة عن عظام وهو أقوى جزء في جسم الإنسان لقوله تعالى { الذي أنقض ظهرك }
وتطبيقاً لما سبق يقول كاتب هذا البحث إنه ذكر مضمون هذا المقال لبعض الأمهات اللاتي يؤرقها تأخر بنتها في الحمل فاستشارت احداهن طبيبا قالت له هل لفيتامين د علاقة في تأخر الحمل ؟ فقال لا .. والأخرى قامت بتزويد بنتها التي تأخر حملها بأقراص فيتامين د دون أن ترجع للأطباء لاستشارتهم لأنه هناك نقص بهذا العنصر عند البنت فنتج حملها بعد تناول الأقراص بأسابيع ،فلله الحمد حمداً كثيراً ..
وفي رمضان الماضي اشتكى كاتب هذا البحث من آلام بالمفاصل والركبة وتحسس في الأسنان من الماء البارد عند تناوله ،،وقد وصل عمره إلى الثامنة والأربعين ،، وكذلك اشتكت زوجته من نفس الأعراض بحكم السن فهي تصغره بعامين ،، فتناولا بشكل مزدوج أقراص فيتامين د وأقراص تحتوي على فيتامين د أيضاً وكالسيوم وزنك ومغنيسيوم ،،، وهذه الأدوية تصرف من غير وصفة طبية مما يجعلها أدوية آمنة ولكن تؤخذ عند الحاجة وخاصة إذا اجتمع كبر السن مع هذه الأعراض ،، وبعد مدة اختفت هذه الأعراض وهي آلام بالمفاصل والركبة وتحسس الأسنان من الماء البارد ،،،، ولكن المفاجأة التي لم تخطر في بال الزوجين هوالحمل علماً أن آخر حمل للزوجة منذ ما يقرب عشر سنوات ، وهما قد رزقا أولاداً وبناتاً في بداية زواجهما. ،،،
ومن رأى من نفسه تأخر في الإنجاب وفي نفس الوقت رأى نقصاً في هذين العنصرين وتزود بالأقراص المناسبة لا يعني هذا أن الحمل مؤكد وفي نفس الوقت لا يكون هو مخطئاً في تناوله هذه الأقراص فهي إن لم تنفع لا تضر ، إذا تناولها حسب حدود المعيار الطبي للبالغين لفيتامين د وهو من 70 إلى 250 وحدة دولية تقريباً ..
،،، وينصح الباحث أولياء الأمور والأمهات بمراقبة مستوى فيتامين د والكالسيوم وتزويد الشباب والشابات قبل الزواج بهما حتى تكون هناك فرصة كبيرة لإنجاب ما يكون سبباً في سعادتهما ،، وكذلك أطباء مراكز الفحص قبل الزواج المنتشرة في الكويت ليس هناك ما يمنع من أن يقوموا بالنظر في مستوى هذين العنصرين ،، وقد سبقهم الكاتب بهذه الفكرة وكانت ناجحة في محيط العائلة بتزويد المقبلين على الزواج بهذه الأقراص بعد الكشف عن مستوى فيتامين د ،،
وأرجو من الله أني قد وفقت بهذا البحث جعله الله بحثاً نافعاً للناس جالباً لهم ما تقر به أعينهم من الذرية المباركة ،، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ،،
كتبه : أبوسليمان سالم خليفة الهواش.
الكويت
في يوم الجمعة 18 شعبان 1439.
4 مايو 2018
[email protected]