رصين الرصين
New member
يقرر النحاة أن " التأنيث فرع التذكير " ومعنى هذا أن " الأصل في الاسم: أن يكون مذكرا" أما التأنيث فهو طارئ عليه. وقد يكون هذا لاعتبارات عرفية اجتماعية قبل الإسلام، ودينية بعده، ولسنا هنا بصدد بحث ذلك، وقد يفسر بميل العربية إلى الإيجاز والاقتضاب.
وأيا ما كان، فالتأنيث إذن عند العرب – قبل النحاة – ضرورة، والضرورة مصطلح فقهي، يتعلق بالاضطرار والحاجة، بمعنى: أنه لا يصار إليها إلا عند الحاجة ليس إلا. ووفقا لما تقدم، فلا يجوز تأنيث ما لايُحتاج إلى تأنيثه، كالصفات التي تنفرد بها الأنثى، مثل (حائض – حامل – كاعب – ناهد- ناشز – طالق – مرضع) ولكن إذا خشي اللبس، فعندئذ يجب – ليس يجوز فقط – أن تخالف القاعدة العامة، فيؤنث ما يلتبس فيه الأمر، وهذه القاعدة ليست قصرا على عصور الاحتجاج فحسب، بل إنها تمتد لشتمل كل زمان ومكان في الحاضر والمستقبل.
ولعل أقدم مثال يشهد للقاعدة السابقة (مرضع – مرضعة) فإذا كانت التي ترضع غريبة عن رضيعها، وإنما أرضعته مقابل أجر (فهي تمتهن الإرضاع) أو بلا أجر، فلا حاجة إلى التأنيث. أما إذا كانت المرضع هي أمه التي ولدته، فحينئذ لابد من التمييز بينهما، فتقول العرب "مرضعة" وعلى ذلك جاءت لغة التنزيل تعالى " يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ" الحج: 2، لتزيد من هول موقف اليوم الحق، حتى إن الأم تتخلى عن ابنها الذي حملته في بطنها، وأرضعته من لبنها.
وكذلك لابد من التفريق بين الأنثى التي تحمل في (بطنها) والتي تحمل في يدها، أو على رأسها؛ فتقول العرب (حاملة) وهي غير (حامل) كقولك "جاءت الطالبة حاملة كتبها". وقس على ذلك ما يستجد من مظاهر الحياة؛ فمثلا (طالق) إذا كانت العصمة بيد الزوجة (بمعنى أن لها حق التطليق) فيجب أن يقال امرأة (طالقة) وإذا صدر قانون يلزم الزوج بلزوم بيت الزوجية فخرج منه أصبح ناشزا و هي (ناشزة) وكذلك عانسة.. وغير ذلك مما يشترك فيه الجنسان.
وإذا استحضرنا ما سبق فلسنا عندئذ بحاجة إلى شواهد شعرية - ولو كانت تعود إلى العصر الجاهلي - كقول الأعشى:
أيا جارتى بيني فإنك طالقه
أو الأموي، كقول الفرزدق:
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي *** كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
وقول ذي الرُّمّة:
أذو زوجة[1] بالمصر أم ذو خصومة *** أراك لها بالبصرة اليوم ثاويا
وإذا كان لم يرد في التنزيل العزيز سوى التذكير لـ (زوج) مفردة مؤنثة "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ" الأنبياء:90، وجمعا مؤنثا (أزواج) " النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ " الأحزاب:6، فلا يعني ذلك أنه لم يرد في فصيح كلام العرب – وفي عصور الاحتجاج – (زوجة).
- يلحق النحاة بهذا الباب وزن (فعول: كسول – غضوب – صبور – حنون..) مما يشترك فيه الجنسان، أما مثل (عروب) فلا داعي لتأنيثها؛ فهي كـ (حائض) مما تختص به الأنثى، وهو لا يؤنث حتى في لغة الإعلام فيقال "أم: حنون – عطوف – رؤوف – رؤوم" وبعض اللهجات العربية - كاليمنية والعراقية - لا تؤنث عجوز، ولاتعبر بها سوى عن المؤنث، كما في التنزيل { قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } هود72 أما المذكر فيقال له في اليمن "شيبة".
- يلحق النحاة بهذا الباب أيضا وزن (فعيل: جريح – قتيل - أسير) وإن كان أقل من سابقه، وأرى أن هذا خطأ، سببه القياس على ما في التنزيل " { إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } الأعراف: 56، وأما سوى ذلك فلا يحظى بما تحظى به شواهد (فعول). ويبدو أنه من بقايا لغة العصر الجاهلي، وإلا فإننا نعرف من ألفاظ العصر الإسلامي (جميلة – عجيبة – طريفة).
- لابد من استثناء شيئين هما دائما فوق اللغة، وهما العلم (رؤوفة – صبورة – حنونة) والمصطلح، خاصة اسم الآلة المعروف عند أصحاب المهن والحرف.
- - علامات التأنيث:
هي في اللغة ثلاث : التاء المربوطة - الألف المقصورة – الألف الممدودة.
وعلى ذلك يقسم النحاة التأنيث إلى ثلاثة أقسام:
1- اللفظي: وهو.. ما اشتمل على علامة تأنيث، ولكنه يدل على المذكر، مثل: حمزة – طلحة – مصطفى.. وهنا نذكر أن (أسماء) استعمل علما مذكرا في التراث، وأحد ولاة بني أمية هو (أسماء بن خارجة الفزاري).
2- المعنوي.. وهو: مادل على مؤنث، وخلا من علامات التأنيث، مثل: هند – زينب – سعاد.. ويمكننا أيضا إضافة الأعلام المشتركة بين الجنسين (صباح – أمل – نضال – وسام – كفاح – جهاد).
3- اللفظي المعنوي.. وهو: مادل على مؤنث، واشتمل على أداة تأنيث، مثل: برة – سلمى – عفراء.. .. ويمكننا أيضا إضافة الأعلام المشتركة بين الجنسين (رجاء – صفاء – هناء - أسماء).
- يفيد التأنيث في العربية القلة، والقلة عادة تدل على الصفوة والنخبة؛ فإن " قال العرب " يستغرق جنس العرب بأكمله، أما " قالت العرب " فيقتصر على الفصحاء المعتمدين منهم فقط، بمعنى أن التأنيث يقلل العدد، ومن هنا نفهم الخطأ الشائع (الفتوحات الإسلامية) فأن (فتوحات) هي من صيغ (منتهى الجموع: جمع الجمع) وهذا يدل على القلة، المكتسبة بالتأنيث، فيعامل معاملة جمع المؤنث السالم، فهو من الملحق به، ونحن نعلم أن الجهاد الإسلامي – على مدى التاريخ – استغرقته مئات المعارك، فهي إذن (فتوح) وتقليل عددها خطأ، ومثل ذلك (كشوفات الناخبين) فالصواب (كشوف) لاسيما إذا كانوا ملايين، وقس على هذا (رجالات – بيوتات) جمع (رجال – بيوت) على التوالي، فلايقال (رجالات الدولة – بيوتات العرب) إلا في العدد القليل، على أن القلة والكثرة نسبية أيضا؛ فقد قرأنا أن عدد المساجين في الصين (خمسون مليونا) وهذا عدد مهول، وكبير كثير بالنسبة لأي بلد، سوى الصين والهند، اللتين يتجاوزعدد سكان كل منهما منفردة المليار نسمة.
- يدل التأنيث أيضا على المبالغة - التي يمكن اعتبارها في إطار الصفوة - مثل (نابغة – طاغية – علّامة) على أننا قد نجد صيغا أصلية لا مذكر لها، مثل (داهية) ومن الصيغ الفريدة: الحديث الشريف " لعن الله رجلة النساء".
- كما يدل التأنيث على القلة، يدل حذفه على الكثرة كما في التنزيل {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن }يوسف:30. فحذف التاء من (قالت) ليدل على انتشار الخبر وذيوعه.
- إن التذكير والتـأنيث يتفاوتان في اللغات السامية؛ فمثلا (باب) في العربية مذكر، ولكنه في العبرية مؤنث، وكذا في اللهجات العربية الحديثة، وإذا كنا نجد إجماعا على تأنيث (مصر) فإن الأمر يختلف بالنسبة لـ (العراق واليمن) هل هو (كبير أم كبيرة) بل ربما نجد تفاوتا على مستوى محافظات البلد الواحد، فعلى مستوى (اليمن) نجد (بيت) في اللهجة الصنعانية مذكرا، لكنه في اللهجة الإبية (مؤنث) وعكس ذلك لهجة محافظة (المحويت) فهي لاتكاد تعرف التأنيث، فيقال " امرأة مريض" وتشترك محافظات يمنية كثيرة في وصف السيارة بأنها (جديد) وهذا يذكرنا بالخطأ الشائع في لغة الإعلام، في تذكير بئر، مع أنها مؤنثة في العربية كما في التنزيل { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } الحج45، ومثل ذلك (طريق) (طويل) لا (طويلة).[2] فإنه مذكر
- أعضاء جسم الإنسان المزدوجة– في جميع اللغات السامية[3] - بما فيها العربية – مؤنثة، مثل (يد – عين – رجل)
- يبدو أن أصل علامات التأنيث هو التاء، يجمع بين ثلاثتها فتح آخر الاسم، ومعروف ما بين الممدود والمقصور من تداخل واضطراب وتبادل سبق بيانه تفصيلا، وخلاصته أن مطل الألف المقصورة يستجلب الهاء، كما في قوله تعالى {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ }{هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ }الحاقة: 28-29. والوقوف على الهاء يستجلب التاء، وليس هذا الأمر قصرا على العربية، بل هو كذلك في العبرية (شانا: سنة) إذا وقفت عليها ظهرت التاء (شنت)[4] ومما يعضد ذلك (أ ن ث ت: أنثى) في اليمنية القديمة. والتاء المفتوحة في اليمنية يقابلها (الهاء) كما يسميها القدامى، أو التاء المربوطة كما نسميها نحن، فمعنى هذا أن أصل (أنثى) هو (أنثة).
- لقد تجاوز الأمر اللغات السامية إلى فرع آخر فإن (أيوت) التي انتقلت من التركية إلى جميع اللهجات العربية أصبحت (أيوه) إلا في اللهجة الصنعانية فبقيت كما هو أصلها التركي بالتاء لا بالهاء، وكذلك ورثت العربية عن التركية طريقة نطق الأعلام المؤنثة (حياة – نجاة) ليوقف عليها بالتاء، لا بالهاء كما تقتضي قواعد العربية.
[1] ورد في كتاب (في شعاب العربية:115) للدكتور إبراهيم السامرائي: إذ زوجة، وهو خطأ مطبعي.
[2] يجب هنا أن نميز بين ثلاثة ألفاظ (طرق – طرائق – طرقات) فألأول مذكر وجمعه طرق، والثاني مؤنث وجمعه طرائق ويعني (وسائل: مذاهب : مناهج) أما (طرقات) فيبدو أنه لا مفرد لها من لفظها، وتعني الطرق الصغيرة الفرعية، وهي في اللهجة العراقية (دربونة)
[3] اللغة اليمنية القديمة: 78 والدكتور فاروق إسماعيل يصطلح على اللغات السامية بـ (الشرقية)
[4] في شعاب العربية: 115
وأيا ما كان، فالتأنيث إذن عند العرب – قبل النحاة – ضرورة، والضرورة مصطلح فقهي، يتعلق بالاضطرار والحاجة، بمعنى: أنه لا يصار إليها إلا عند الحاجة ليس إلا. ووفقا لما تقدم، فلا يجوز تأنيث ما لايُحتاج إلى تأنيثه، كالصفات التي تنفرد بها الأنثى، مثل (حائض – حامل – كاعب – ناهد- ناشز – طالق – مرضع) ولكن إذا خشي اللبس، فعندئذ يجب – ليس يجوز فقط – أن تخالف القاعدة العامة، فيؤنث ما يلتبس فيه الأمر، وهذه القاعدة ليست قصرا على عصور الاحتجاج فحسب، بل إنها تمتد لشتمل كل زمان ومكان في الحاضر والمستقبل.
ولعل أقدم مثال يشهد للقاعدة السابقة (مرضع – مرضعة) فإذا كانت التي ترضع غريبة عن رضيعها، وإنما أرضعته مقابل أجر (فهي تمتهن الإرضاع) أو بلا أجر، فلا حاجة إلى التأنيث. أما إذا كانت المرضع هي أمه التي ولدته، فحينئذ لابد من التمييز بينهما، فتقول العرب "مرضعة" وعلى ذلك جاءت لغة التنزيل تعالى " يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ" الحج: 2، لتزيد من هول موقف اليوم الحق، حتى إن الأم تتخلى عن ابنها الذي حملته في بطنها، وأرضعته من لبنها.
وكذلك لابد من التفريق بين الأنثى التي تحمل في (بطنها) والتي تحمل في يدها، أو على رأسها؛ فتقول العرب (حاملة) وهي غير (حامل) كقولك "جاءت الطالبة حاملة كتبها". وقس على ذلك ما يستجد من مظاهر الحياة؛ فمثلا (طالق) إذا كانت العصمة بيد الزوجة (بمعنى أن لها حق التطليق) فيجب أن يقال امرأة (طالقة) وإذا صدر قانون يلزم الزوج بلزوم بيت الزوجية فخرج منه أصبح ناشزا و هي (ناشزة) وكذلك عانسة.. وغير ذلك مما يشترك فيه الجنسان.
وإذا استحضرنا ما سبق فلسنا عندئذ بحاجة إلى شواهد شعرية - ولو كانت تعود إلى العصر الجاهلي - كقول الأعشى:
أيا جارتى بيني فإنك طالقه
أو الأموي، كقول الفرزدق:
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي *** كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
وقول ذي الرُّمّة:
أذو زوجة[1] بالمصر أم ذو خصومة *** أراك لها بالبصرة اليوم ثاويا
وإذا كان لم يرد في التنزيل العزيز سوى التذكير لـ (زوج) مفردة مؤنثة "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ" الأنبياء:90، وجمعا مؤنثا (أزواج) " النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ " الأحزاب:6، فلا يعني ذلك أنه لم يرد في فصيح كلام العرب – وفي عصور الاحتجاج – (زوجة).
- يلحق النحاة بهذا الباب وزن (فعول: كسول – غضوب – صبور – حنون..) مما يشترك فيه الجنسان، أما مثل (عروب) فلا داعي لتأنيثها؛ فهي كـ (حائض) مما تختص به الأنثى، وهو لا يؤنث حتى في لغة الإعلام فيقال "أم: حنون – عطوف – رؤوف – رؤوم" وبعض اللهجات العربية - كاليمنية والعراقية - لا تؤنث عجوز، ولاتعبر بها سوى عن المؤنث، كما في التنزيل { قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } هود72 أما المذكر فيقال له في اليمن "شيبة".
- يلحق النحاة بهذا الباب أيضا وزن (فعيل: جريح – قتيل - أسير) وإن كان أقل من سابقه، وأرى أن هذا خطأ، سببه القياس على ما في التنزيل " { إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } الأعراف: 56، وأما سوى ذلك فلا يحظى بما تحظى به شواهد (فعول). ويبدو أنه من بقايا لغة العصر الجاهلي، وإلا فإننا نعرف من ألفاظ العصر الإسلامي (جميلة – عجيبة – طريفة).
- لابد من استثناء شيئين هما دائما فوق اللغة، وهما العلم (رؤوفة – صبورة – حنونة) والمصطلح، خاصة اسم الآلة المعروف عند أصحاب المهن والحرف.
- - علامات التأنيث:
هي في اللغة ثلاث : التاء المربوطة - الألف المقصورة – الألف الممدودة.
وعلى ذلك يقسم النحاة التأنيث إلى ثلاثة أقسام:
1- اللفظي: وهو.. ما اشتمل على علامة تأنيث، ولكنه يدل على المذكر، مثل: حمزة – طلحة – مصطفى.. وهنا نذكر أن (أسماء) استعمل علما مذكرا في التراث، وأحد ولاة بني أمية هو (أسماء بن خارجة الفزاري).
2- المعنوي.. وهو: مادل على مؤنث، وخلا من علامات التأنيث، مثل: هند – زينب – سعاد.. ويمكننا أيضا إضافة الأعلام المشتركة بين الجنسين (صباح – أمل – نضال – وسام – كفاح – جهاد).
3- اللفظي المعنوي.. وهو: مادل على مؤنث، واشتمل على أداة تأنيث، مثل: برة – سلمى – عفراء.. .. ويمكننا أيضا إضافة الأعلام المشتركة بين الجنسين (رجاء – صفاء – هناء - أسماء).
- يفيد التأنيث في العربية القلة، والقلة عادة تدل على الصفوة والنخبة؛ فإن " قال العرب " يستغرق جنس العرب بأكمله، أما " قالت العرب " فيقتصر على الفصحاء المعتمدين منهم فقط، بمعنى أن التأنيث يقلل العدد، ومن هنا نفهم الخطأ الشائع (الفتوحات الإسلامية) فأن (فتوحات) هي من صيغ (منتهى الجموع: جمع الجمع) وهذا يدل على القلة، المكتسبة بالتأنيث، فيعامل معاملة جمع المؤنث السالم، فهو من الملحق به، ونحن نعلم أن الجهاد الإسلامي – على مدى التاريخ – استغرقته مئات المعارك، فهي إذن (فتوح) وتقليل عددها خطأ، ومثل ذلك (كشوفات الناخبين) فالصواب (كشوف) لاسيما إذا كانوا ملايين، وقس على هذا (رجالات – بيوتات) جمع (رجال – بيوت) على التوالي، فلايقال (رجالات الدولة – بيوتات العرب) إلا في العدد القليل، على أن القلة والكثرة نسبية أيضا؛ فقد قرأنا أن عدد المساجين في الصين (خمسون مليونا) وهذا عدد مهول، وكبير كثير بالنسبة لأي بلد، سوى الصين والهند، اللتين يتجاوزعدد سكان كل منهما منفردة المليار نسمة.
- يدل التأنيث أيضا على المبالغة - التي يمكن اعتبارها في إطار الصفوة - مثل (نابغة – طاغية – علّامة) على أننا قد نجد صيغا أصلية لا مذكر لها، مثل (داهية) ومن الصيغ الفريدة: الحديث الشريف " لعن الله رجلة النساء".
- كما يدل التأنيث على القلة، يدل حذفه على الكثرة كما في التنزيل {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن }يوسف:30. فحذف التاء من (قالت) ليدل على انتشار الخبر وذيوعه.
- إن التذكير والتـأنيث يتفاوتان في اللغات السامية؛ فمثلا (باب) في العربية مذكر، ولكنه في العبرية مؤنث، وكذا في اللهجات العربية الحديثة، وإذا كنا نجد إجماعا على تأنيث (مصر) فإن الأمر يختلف بالنسبة لـ (العراق واليمن) هل هو (كبير أم كبيرة) بل ربما نجد تفاوتا على مستوى محافظات البلد الواحد، فعلى مستوى (اليمن) نجد (بيت) في اللهجة الصنعانية مذكرا، لكنه في اللهجة الإبية (مؤنث) وعكس ذلك لهجة محافظة (المحويت) فهي لاتكاد تعرف التأنيث، فيقال " امرأة مريض" وتشترك محافظات يمنية كثيرة في وصف السيارة بأنها (جديد) وهذا يذكرنا بالخطأ الشائع في لغة الإعلام، في تذكير بئر، مع أنها مؤنثة في العربية كما في التنزيل { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } الحج45، ومثل ذلك (طريق) (طويل) لا (طويلة).[2] فإنه مذكر
- أعضاء جسم الإنسان المزدوجة– في جميع اللغات السامية[3] - بما فيها العربية – مؤنثة، مثل (يد – عين – رجل)
- يبدو أن أصل علامات التأنيث هو التاء، يجمع بين ثلاثتها فتح آخر الاسم، ومعروف ما بين الممدود والمقصور من تداخل واضطراب وتبادل سبق بيانه تفصيلا، وخلاصته أن مطل الألف المقصورة يستجلب الهاء، كما في قوله تعالى {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ }{هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ }الحاقة: 28-29. والوقوف على الهاء يستجلب التاء، وليس هذا الأمر قصرا على العربية، بل هو كذلك في العبرية (شانا: سنة) إذا وقفت عليها ظهرت التاء (شنت)[4] ومما يعضد ذلك (أ ن ث ت: أنثى) في اليمنية القديمة. والتاء المفتوحة في اليمنية يقابلها (الهاء) كما يسميها القدامى، أو التاء المربوطة كما نسميها نحن، فمعنى هذا أن أصل (أنثى) هو (أنثة).
- لقد تجاوز الأمر اللغات السامية إلى فرع آخر فإن (أيوت) التي انتقلت من التركية إلى جميع اللهجات العربية أصبحت (أيوه) إلا في اللهجة الصنعانية فبقيت كما هو أصلها التركي بالتاء لا بالهاء، وكذلك ورثت العربية عن التركية طريقة نطق الأعلام المؤنثة (حياة – نجاة) ليوقف عليها بالتاء، لا بالهاء كما تقتضي قواعد العربية.
[1] ورد في كتاب (في شعاب العربية:115) للدكتور إبراهيم السامرائي: إذ زوجة، وهو خطأ مطبعي.
[2] يجب هنا أن نميز بين ثلاثة ألفاظ (طرق – طرائق – طرقات) فألأول مذكر وجمعه طرق، والثاني مؤنث وجمعه طرائق ويعني (وسائل: مذاهب : مناهج) أما (طرقات) فيبدو أنه لا مفرد لها من لفظها، وتعني الطرق الصغيرة الفرعية، وهي في اللهجة العراقية (دربونة)
[3] اللغة اليمنية القديمة: 78 والدكتور فاروق إسماعيل يصطلح على اللغات السامية بـ (الشرقية)
[4] في شعاب العربية: 115