التدرج في المنع والتحريم ، وأثره على المدعو جسدياً ونفسياً

شذى الأترج

New member
إنضم
12/11/2011
المشاركات
383
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مصر / دمياط
[FONT=&quot] لايخفى على ذي لُبٍّ عاقل ، أن منع عادة تأصلت في النفوس لسنين طويلة ، ومحاولة استئصالها من الجذور فجأةً ، ومن غير سابق إنذار ، هي محاولة غير مأمونة العواقب ، بل وربما تأتي بنتائج وخيمة ، وقد تُسفر عن ردود أفعال غير متوقعة بالمرة ، وهذا ما انتهجته الشريعة الإسلامية من بدايتها ، والأحاديث الواردة في تحريم شرب الخمر على ثلاث مراحل : مرة بذمِّها : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ " . ( البقرة / 219) ، وثانيةً : بتحريم الصلاة حال سُكر المصلّي ، بنزول الآية التي في سورة النساء : " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى " . (النساء / 43) ، فكان منادي رسول الله [/FONT]صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة ينادي : " ألا َّيقربن الصلاة سكران " ، فكانوا يتحرون أوقات الصلاة فلا يشربون عندها الخمر ، فاعتادوا تدريجياً على البعد عنها وتركها لفترات طويلة من النهار ، حتى انتهى الأمر بتحريمها نهائياً ، لما نزل قوله سبحانه : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ " . ( المائدة / 90/91) ، ثم طاف منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إن الخمر قد حرمت " ، فانتهَوْا عن شرب الخمر من فورهم ، وامتثلوا الأمر الإلهي من غير جدال ولا مراء ، وهذا هو حال الصحابة في جميع أحوالهم ، سواء تدرج التشريع ، أو شُرِع مرة واحدة ، فإن حالهم كان ينطبق عليه قول الله عز وجل : " إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " . ( النور / 1) ، وهذا من منطلق صدق إيمانهم ويقينهم بالله عز وجل ، وأنّ : " مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " . ( النحل / 96 ) ، أما في زماننا هذا ، فإننا نرى كثيراً من المسلمين الذين وُلِدوا مسلمين ، وترعرعوا في بيوت مسلمة ، بعادات وعبادات إسلامية ، نراهم يتذمرون ويتثاقلون من هذه الأمور التي أصبحت كالهمّ الثقيل على قلوبهم ، فيرى الشاب أباه وأمه يصليان ويدعوانه للوقوف خاشعاً بين يدي الله ، علَّهُ يتذكر الوقوف بين يديه يوم الحساب ، فيتكاسل عنها ويتهاون فيها ، يَحُثّانه على الصيام ويُرغِّبانه فيه ، علّه يتذكر عطش يوم القيامة ، فيؤوب إلى ربه ويتوب عن معاصيه ، فيُعرض ويمتنع ، مُستبدلاً لذّةً خالدة ونعيماً سرمديّاً ، بشهوة عارضة وندماً أبديّاً ، يابنيّ : دعك من الأغاني والأفلام ، واستمع لكلام خالق الأنام ومبدع الأكوان ، لعلّ قلبك المضطرب المتخبط في ظلمات الدنيا يستضيء بنور الرحمن ، فيطمئن بذكر الله ، فيأبى ويمتنع ثم تراه : " ...وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا.... " . ( لقمان / 7 ) ، فلا أمر مباشر ينفع معه ، ولا تدرُّج يجدي شيئاً ، إلاّ من رحم الله عز وجل ، وبقيت جذوة الإيمان تشع نوراً في قلبه ، هدانا الله وسائر المسلمين لما يحب ويرضى سبحانه .

أما من الناحية العلمية ، فإن إدخال الدواء إلى الجسم أوسحب أثره منه يحتاج في الغالب إلى التدرج والتريث ، حتى لاينقلب الأمر إلى ضده ، فتظهر أعراض جانبية آثارها ممتدة ، وتحتاج جهداً مضاعفاً للتخلص منها ، ولهذا نجد أنّ مراكز علاج إدمان المسكرات والكحوليات والمخدرات على مستوى العالم تنتهج هذا العلاج ( الإسلاميّ الأصل ) بالتدرج في سحب الآثار السُّمِّيَّة المدمرة لهذه المواد والتي ترسبت يوماً بعد يوم في أجساد هؤلاء المدمنين وسرت فيها سريان الدم من العروق ، فتُمنع عنهم أنواع من المخدرات ويُسمح لهم ببدائل أقلّ منها تأثيراً حتى يعتادوا استنشاق الهواء النظيف ويعتادوا سريان الدم النقي في عروقهم ، وإن لم يخضع هذا المدمن لعلاج نفسي مكثف ، أو لم تكُن رغبته في العلاج والتخلص من الإدمان صادقة وحقيقية ، فلن يجدي معه علاج جسدي ولا نفسي ، إلاّ إذا استقر في عقله وقلبه أنه حقاً يريد التخلص من الإدمان ، وأنه يعلم يقينا ً أن الشر كل الشر فيه ومنه ، وأن الخير كل الخير في البعد عنه ، إذا تيقّن له ذلك فالعلاج مضمون ، ونجاحه في الصعود من هوة الإدمان أكيد ، باليقين ثم بالاستعانة بالله على ذلك ، فبالإيمان تحيا القلوب ، وباليقين تسمو الأرواح عن شهوات الجسد الفانية ، إلى لذات الأنس بالله والشوق لرؤياه .
 
عودة
أعلى