محمد يحيى شريف
New member
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
من المعلوم أنّ لورش عن نافع ثلاثة أوجه في مدّ البدل وهي القصر والتوسّط والطول. وله الترقيق والتغليظ في لام { فصالا} و{طال} و{أفطال} و { يصّالحا }.
فذهب بعض أهل الأداء إلى أنّه يمتنع تغليظ اللام في { فصالا } وأخواتها على قصر البدل وممن ذهب إلى هذا القول المنصوري والطباخ نقلاً عن شيوخهما. فعلى هذا القول يكون عدد الأوجه خمسة وهي قصر البدل مع الترقيق في { فصالا} والتوسّط والطول في البدل مع الترقيق والتغليظ جميعاً في { فصالا }. ولذلك قال العلامة الميهي :
[align=center]رقق فصالاً ثلثن للبدل..........فخّم بلا قصر وعن علمٍ سلْ[/align]
وممن أخذ بهذا القول العلامة الخليجي في حلّ المشكلات والشيخ عبد الفتاح القاضي في البدور الزاهرة. وذهب الجمهور إلى عدم المنع أخذاً بظاهر كلام الشاطبي ومن بينهم العلامة الإسقاطي مستدلاً أنّ الشاطبيّ قدّم القصر في البدل والتغليظ في {فصالا} وأخواتها فحينئذ لا وجه لمنع قصر البدل مع تغليظ لام {فصالا} ولذلك قال الإسقاطي ( انظر حل المشكلات للخليجي وهداية المريد للعلامة الضباع) :
[align=center]على القصر اجتلى.........ففخّماً أو رقّقاً لا تسأل[/align]
فعلى هذا القول تكون الأوجه ستة وهي ثلاثة البدل في وجهي اللام في { فصالا} وهما التفخيم والترقيق ولا يمنع منها شيء. وهذا المذهب هو المشهور والمقروء به اليوم أخذاً بظاهر الشاطبية حيث هو الذي جرى عليه شرّاح الشاطبية وإلى ذلك جنح العلامة المتولّي والعلامة مصطفى الأزميري في بدائع البرهان حيث قال " ومنع الشيخ -أي المنصوري- في قوله تعالى { فإن أرادا فصالا } تفخيم اللام مع قصر البدل وكذا قرأت على بعض الشيوخ لكنه يظهر من الشاطبية ستة أوجه وكذلك قرأت على أكثر الشيوخ " ص39.
فالمسألة تحتاج إلى تحقيق وتدقيق ولذلك سنحاول إن شاء الله تعالى أن نرجع إلى الكتب التي روت القصر في البدل وننظر هل أُخِذَ في تلك المصادر وجه التغليظ في نحو { فصالا}.
فكلّما ذكرنا القصر أردنا به قصر البدل وكلّما ذكرنا التغليظ أردنا بذلك التغليظ في { فصالا } وأخواتها وهي { يصالحا} و{ طال } و{أفطال }.
أ - طرق قصر البدل :
قال صاحب النشر " وذهب إلى القصر فيه أبو الحسن طاهر بن غلبون.....وبذلك قرأ الداني عليه وذكره أيضاً بن بليمة في تلخيصه وهو اختيار الشاطبي حسب ما نقله أبو شامة عن أبي الحسن السخاوي عنه.... وهو اختيار مكّي فيما حكاه عنه أبو عبد الله الفارسي وفيه نظر وقد اختاره أبو إسحاق الجعبري وأثبت الثلاثة جميعاً أبو القاسم الصفراوي في إعلانه والشاطبي في قصيدته ..."(النشر 1/340).
إذاً فطرق قصر البدل على ظاهر النشر هي : التذكرة لابن غلبون وقراءة الداني عليه والتلخيص لابن بليمة والشاطبية والإعلان للصفراوي والتبصرة لمكّي القيسي.
فأمّا القصر من كتاب التبصرة لمكي القيسي ففيه نظر كما ذكر بن الجزري ولقد رجعنا إلى كتاب التبصرة حيث قال مكي " فقرأ ورش بتمكين المدّ فيما روى المصريون عنه وقرأ الباقون بمدٍ متوسط كما يخرج من اللفظ ، وكذلك روى البغداديون عن ورش وبالمدّ قرأت " (التبصرة ص66) ، فاختلف العلماء في عبار مكي فقرأ صاحب النشر بالإشباع وبه يقول وذهب أبو شامة إلى أنّ عبارته تحتمل الإشباع والتوسط وعن السخاوي الإشباع فقط وعن الفارسي المدّ والقصر وتعقبه بن الجزري والأستاذ يوسف زادة شيخ القرّاء والإقراء باستنبول في وقته. وسبب الخلاف هو حمل المدّ المتوسّط في عبارة التبصرة على التوسّط مع أنّ المراد القصر ( انظر المطلوب للعلامة الضباع ص4). وأمّا الإعلان للصفراوي فليس من طرق الطيّبة في رواية ورش كما حققه مصطفى الأزميري في بدائع البرهان حيث قال "أمّا طريق الوجيز والمنتهى والهادي والإعلان فليست من طريق الطيّبة "ص13 وتبعه المتولي في عزو الطرق والضباع في كتابه المطلوب. وأثبت الأزميري طريقاً آخر لقصر البدل وهو طريق الإرشاد لأبي الطيّب عبد المنعم وهو شيخ طاهر بن غلبون صاحب التذكرة.
إذاً فالعلاّمة الأزميري أسقط طريق الإعلان للصفراوي وأثبت طريق الإرشاد لأبي الطيّب عبد المنعم. فلذلك قال في بدائع البرهان في تحرير قوله تعالى { ومن الناس من يقول آمنا } قال " قصر آمنا والآخر من الشاطبية والتذكرة وتلخيص بن بليمة وبه قرأ الداني على بن غلبون وكذا من الإرشاد أبي الطيّب كما ذكره الشيخ سلطان وكذا قرأت على بعض شيوخي." والشيخ سلطان أظنّه الشيخ سلطان المزّاحي والله أعلم.
فالحاصل أنّ طرق قصر البدل لورش على ماحققه الأزميري هي : الشاطبية والتذكرة والتلخيص لابن بليمة وقراءة الداني على بن غلبون صاحب التذكرة والإرشاد لأبي الطيّب عبد المنعم شيخ صاحب التذكرة، وتبعه في ذلك المتولّي والعلامة الضباع . قال المتولي في عزو الطرق :
[align=center]ولابن بليمة وجه ثانِ......قصرٌ كطاهرٍ وعنه الداني
وبهما قيل لعبد المنعم ........ونقلاً عن نصِّ مكِّيِّهم
والجزري قال بالإشباع من....طريقه فرأت فادرِ يا فطِنْ
والمدّ لا التوسيط نقل الداني.......فيما أفدناه قسطلاني
وقال ذا من جامع البيان.........يُظهِرُ الأزميري دون العرفان
وكلّها الشاطبيّ مكمّلة........[/align]
شرح الأبيات :
البيت الأوّل والثاني : قصر البدل وهو الوجه الثاني من تلخيص بن بليمة ، وهو المأخوذ به من التذكرة لابن غلبون وكذا قراءة الداني عليه ، وهو مذهب عبد المنعم صاحب الإرشاد ، واختلف عن مكّي في التبصرة على إثبات قصر البدل له كما ذكر العلامة الضباع في كتابه المطلوب ص3و4.
البيث الثالث والرابع والخامس :أمّا الداني فقد قرأ بطول البدل لكن من جامع البيان كما أفاد ذلك القسطلاني في كتابه لطائف الإشارات ، فإذاً الداني له القصر من التذكرة والتوسّط من كتابه التيسير والمدّ من كتابه جامع البيان. وأثبت الأوجه الثلاثة الإمام الشاطبي.
ب - البحث هل التغليظ في نحو {فصالا} ثابت من طرق قصر البدل ؟
1- كتاب التذكرة لابن غلبون : لما رجعنا إلى كتاب التذكرة لم نجد وجه النغليظ في نحو {فصالا} فلذلك قال صاحب النشر " فروى كثير منهم ترقيقها من أجل الفاصل بينهما وهو في التيسير والعنوان والتذكرة وتلخيص بن بليمة والنبصرة " النشر (2/114).
2 - كتاب التلخيص بابن بليمة : ذكر صاحب النشر كما نقلناه آنفاً أنّه لم يذكر وجه التغليظ من التلخيص كما قال رحمه الله " فروى كثيرٌ منهم الترقيقها من أجل الفاصل بينهما وهو الذي في التيسير والعنوان والتذكرة وتلخيص بن بليمة والتبصرة " النشر (2/114).
3 - قراءة الداني على طاهر بن غلبون صاحب التذكرة : فبما أنّ صاحب التذكرة لم ينقل التغليظ فلا شكّ أنّ الداني لم يقرأ عليه بالتغليظ. وما ذكره بن الجزري من اختيار الداني التغليظ فهو من طريق جامع البيان وليس من التيسير ولا بما قرأ على صاحب التذكرة لذا قال بن الجزري في تغليظ اللام " وهو اختيار الداني في غير التيسير.وقال في الجامع إنّه الأوجه "(النشر 2/114).
4 - الإرشاد لأبي الطيّب : لم يذكر صاحب النشر وجه التغليظ من الإرشاد ، لكن من المعلوم أنّ مكي اعتمد في كتابه التبصرة على ما تلقاه عن أبي الطيب عبد المنعم صاحب الإرشاد كما ذكر أول الكتاب (التبصرة ص5). قال صاحب التبصرة في باب ترقيق اللام وتغليظها " والذي قرأت به لورش عن شيخنا أبي الطيّب رحمه الله هو تغليظ اللام المفتوحة...." (التبصرة ص151) ، ثم ذكر أحكام اللام ولم يذكر التغليظ. فالشاهد أنّ صاحب التبصرة لم يذكر التغليظ وهو اعتمد في باب اللامات اعتماداً كلّيا على كتاب الإرشاد لأبي الطيّب وهذا يدل أنّ صاحب الإرشاد لم يذكر التغليظ. وهو الذي أيّده العلامة الضباع في كتابه المطلوب ص12.
5 - التبصرة لمكّي القيسي : سبق أن ذكرنا أنّ صاحب التذكرة لم يذكر وجه التغليظ ولذلك قال صاحب النشر " فروى كثير منهم الترقيق من أجل الفاصل بينهما وهو الذي في التيسير والعنوان والتذكرة وتلخيص بن بليمة والتبصرة "(النشر ص2/114).
6 - الشاطبية : ذهب الإمام الشاطبي إلى الأخذ بالأوجه الثلاثة في البدل مع تقديم القصر والتغليظ والترقيق في { فصالا} وأخواتها مع تقديم التغليظ. فعلى هذا لا يمتنع التغليظ مع قصر البدل وهو مذهب الجمهور.فلذلك قال العلامة الضباع في المطلوب ص 12 : " فروى بعضهم ترقيقها من أجل الفاصل وهو في التيسير والكامل وتلخيص العبارات والعنوان والمجتبى والتذكرة والإرشاد والتبصرة . قال والوجهان في الشاطبية "
ت - مناقشة المسألة :
كلّ الكتب التي ذكرناها والتي روت القصر في البدل وُجِدت قبل الشاطبية والإمام الشاطبي روى من بعضها لأنّها هي مصادر قصر البدل لورش.وبما أنّ مصادر قصر البدل لم يثبت فيها وجه التغليظ في { فصالا} وبالأخص كتاب التذكرة الذي هو طريق الشاطبية في قصر البدل لأنّ سند الإمام الشاطبي ينتهي إلى أبي عمرو الداني وهو لم يقرأ بقصر البدل إلاّ من التذكرة وصاحب التذكرة وغيره ممن روى قصر البدل لم يذكروا وجه التغليظ في { فصالا}. إذاً فمذهب الإمام الشاطبي مخالف لمصادر قصر البدل في تغليظ لام { فصالا} ، حتى كتاب التبصرة الذي اختلف فيه في قصر البدل لم يذكر التغليظ .فلذلك يظهر جلياً سبب منع المنصوري قصر البدل مع التغليظ وهو الذي نجنح إليه من خلال بحثنا هذا ولا حرج إن أُخذَ بوجه الإطلاق على مذهب الجمهور ولا ندّعي الكمال فيما ذكرنا والإنسان لا يخلو من الزلل والتقصير كما هو معلوم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
محمد يحي شريف الجزائري
المراجع :
- النشر في القراءات العشر.
- المطلوب في بيان الكلمات المختلف فيها عن أبي يعقوب للشيخ الضباع رحمه الله.
- تأمّلات حول تحريرات العلماء للقراءات المتواترة للشيخ عبد الرازق علي إبراهيم موسى حفظه الله.
- بدائع البرهان على عمدة العرفان للعلامة مصطفى الأزميري (مخطوط كُتب بيد الشيخ أبو الحسن الكردي حفظه الله ).
- التبصرة في القراءات السبع لمكي لبقيسي تحقيق جمال الدين محمد شرف حفظه الله.
- التذكرة في القراءات الثمان لابن غلبون تحقيق أيمن سويد حفظه الله.
- عزو الطرق للمتولي عليه رحمة الله.
- البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة للشيخ القاضي رحمه الله.
- حلّ المشكلات وتوضيح التحريرات للخليجي رحمه الله.
- هداية المريد إلى رواية أبي سعيد للشيخ الضباع رحمه الله.
- أتحاف فضلاء البشر للبنا رحمه الله.
- شرح الطيّبة للنويري رحمه الله.
من المعلوم أنّ لورش عن نافع ثلاثة أوجه في مدّ البدل وهي القصر والتوسّط والطول. وله الترقيق والتغليظ في لام { فصالا} و{طال} و{أفطال} و { يصّالحا }.
فذهب بعض أهل الأداء إلى أنّه يمتنع تغليظ اللام في { فصالا } وأخواتها على قصر البدل وممن ذهب إلى هذا القول المنصوري والطباخ نقلاً عن شيوخهما. فعلى هذا القول يكون عدد الأوجه خمسة وهي قصر البدل مع الترقيق في { فصالا} والتوسّط والطول في البدل مع الترقيق والتغليظ جميعاً في { فصالا }. ولذلك قال العلامة الميهي :
[align=center]رقق فصالاً ثلثن للبدل..........فخّم بلا قصر وعن علمٍ سلْ[/align]
وممن أخذ بهذا القول العلامة الخليجي في حلّ المشكلات والشيخ عبد الفتاح القاضي في البدور الزاهرة. وذهب الجمهور إلى عدم المنع أخذاً بظاهر كلام الشاطبي ومن بينهم العلامة الإسقاطي مستدلاً أنّ الشاطبيّ قدّم القصر في البدل والتغليظ في {فصالا} وأخواتها فحينئذ لا وجه لمنع قصر البدل مع تغليظ لام {فصالا} ولذلك قال الإسقاطي ( انظر حل المشكلات للخليجي وهداية المريد للعلامة الضباع) :
[align=center]على القصر اجتلى.........ففخّماً أو رقّقاً لا تسأل[/align]
فعلى هذا القول تكون الأوجه ستة وهي ثلاثة البدل في وجهي اللام في { فصالا} وهما التفخيم والترقيق ولا يمنع منها شيء. وهذا المذهب هو المشهور والمقروء به اليوم أخذاً بظاهر الشاطبية حيث هو الذي جرى عليه شرّاح الشاطبية وإلى ذلك جنح العلامة المتولّي والعلامة مصطفى الأزميري في بدائع البرهان حيث قال " ومنع الشيخ -أي المنصوري- في قوله تعالى { فإن أرادا فصالا } تفخيم اللام مع قصر البدل وكذا قرأت على بعض الشيوخ لكنه يظهر من الشاطبية ستة أوجه وكذلك قرأت على أكثر الشيوخ " ص39.
فالمسألة تحتاج إلى تحقيق وتدقيق ولذلك سنحاول إن شاء الله تعالى أن نرجع إلى الكتب التي روت القصر في البدل وننظر هل أُخِذَ في تلك المصادر وجه التغليظ في نحو { فصالا}.
فكلّما ذكرنا القصر أردنا به قصر البدل وكلّما ذكرنا التغليظ أردنا بذلك التغليظ في { فصالا } وأخواتها وهي { يصالحا} و{ طال } و{أفطال }.
أ - طرق قصر البدل :
قال صاحب النشر " وذهب إلى القصر فيه أبو الحسن طاهر بن غلبون.....وبذلك قرأ الداني عليه وذكره أيضاً بن بليمة في تلخيصه وهو اختيار الشاطبي حسب ما نقله أبو شامة عن أبي الحسن السخاوي عنه.... وهو اختيار مكّي فيما حكاه عنه أبو عبد الله الفارسي وفيه نظر وقد اختاره أبو إسحاق الجعبري وأثبت الثلاثة جميعاً أبو القاسم الصفراوي في إعلانه والشاطبي في قصيدته ..."(النشر 1/340).
إذاً فطرق قصر البدل على ظاهر النشر هي : التذكرة لابن غلبون وقراءة الداني عليه والتلخيص لابن بليمة والشاطبية والإعلان للصفراوي والتبصرة لمكّي القيسي.
فأمّا القصر من كتاب التبصرة لمكي القيسي ففيه نظر كما ذكر بن الجزري ولقد رجعنا إلى كتاب التبصرة حيث قال مكي " فقرأ ورش بتمكين المدّ فيما روى المصريون عنه وقرأ الباقون بمدٍ متوسط كما يخرج من اللفظ ، وكذلك روى البغداديون عن ورش وبالمدّ قرأت " (التبصرة ص66) ، فاختلف العلماء في عبار مكي فقرأ صاحب النشر بالإشباع وبه يقول وذهب أبو شامة إلى أنّ عبارته تحتمل الإشباع والتوسط وعن السخاوي الإشباع فقط وعن الفارسي المدّ والقصر وتعقبه بن الجزري والأستاذ يوسف زادة شيخ القرّاء والإقراء باستنبول في وقته. وسبب الخلاف هو حمل المدّ المتوسّط في عبارة التبصرة على التوسّط مع أنّ المراد القصر ( انظر المطلوب للعلامة الضباع ص4). وأمّا الإعلان للصفراوي فليس من طرق الطيّبة في رواية ورش كما حققه مصطفى الأزميري في بدائع البرهان حيث قال "أمّا طريق الوجيز والمنتهى والهادي والإعلان فليست من طريق الطيّبة "ص13 وتبعه المتولي في عزو الطرق والضباع في كتابه المطلوب. وأثبت الأزميري طريقاً آخر لقصر البدل وهو طريق الإرشاد لأبي الطيّب عبد المنعم وهو شيخ طاهر بن غلبون صاحب التذكرة.
إذاً فالعلاّمة الأزميري أسقط طريق الإعلان للصفراوي وأثبت طريق الإرشاد لأبي الطيّب عبد المنعم. فلذلك قال في بدائع البرهان في تحرير قوله تعالى { ومن الناس من يقول آمنا } قال " قصر آمنا والآخر من الشاطبية والتذكرة وتلخيص بن بليمة وبه قرأ الداني على بن غلبون وكذا من الإرشاد أبي الطيّب كما ذكره الشيخ سلطان وكذا قرأت على بعض شيوخي." والشيخ سلطان أظنّه الشيخ سلطان المزّاحي والله أعلم.
فالحاصل أنّ طرق قصر البدل لورش على ماحققه الأزميري هي : الشاطبية والتذكرة والتلخيص لابن بليمة وقراءة الداني على بن غلبون صاحب التذكرة والإرشاد لأبي الطيّب عبد المنعم شيخ صاحب التذكرة، وتبعه في ذلك المتولّي والعلامة الضباع . قال المتولي في عزو الطرق :
[align=center]ولابن بليمة وجه ثانِ......قصرٌ كطاهرٍ وعنه الداني
وبهما قيل لعبد المنعم ........ونقلاً عن نصِّ مكِّيِّهم
والجزري قال بالإشباع من....طريقه فرأت فادرِ يا فطِنْ
والمدّ لا التوسيط نقل الداني.......فيما أفدناه قسطلاني
وقال ذا من جامع البيان.........يُظهِرُ الأزميري دون العرفان
وكلّها الشاطبيّ مكمّلة........[/align]
شرح الأبيات :
البيت الأوّل والثاني : قصر البدل وهو الوجه الثاني من تلخيص بن بليمة ، وهو المأخوذ به من التذكرة لابن غلبون وكذا قراءة الداني عليه ، وهو مذهب عبد المنعم صاحب الإرشاد ، واختلف عن مكّي في التبصرة على إثبات قصر البدل له كما ذكر العلامة الضباع في كتابه المطلوب ص3و4.
البيث الثالث والرابع والخامس :أمّا الداني فقد قرأ بطول البدل لكن من جامع البيان كما أفاد ذلك القسطلاني في كتابه لطائف الإشارات ، فإذاً الداني له القصر من التذكرة والتوسّط من كتابه التيسير والمدّ من كتابه جامع البيان. وأثبت الأوجه الثلاثة الإمام الشاطبي.
ب - البحث هل التغليظ في نحو {فصالا} ثابت من طرق قصر البدل ؟
1- كتاب التذكرة لابن غلبون : لما رجعنا إلى كتاب التذكرة لم نجد وجه النغليظ في نحو {فصالا} فلذلك قال صاحب النشر " فروى كثير منهم ترقيقها من أجل الفاصل بينهما وهو في التيسير والعنوان والتذكرة وتلخيص بن بليمة والنبصرة " النشر (2/114).
2 - كتاب التلخيص بابن بليمة : ذكر صاحب النشر كما نقلناه آنفاً أنّه لم يذكر وجه التغليظ من التلخيص كما قال رحمه الله " فروى كثيرٌ منهم الترقيقها من أجل الفاصل بينهما وهو الذي في التيسير والعنوان والتذكرة وتلخيص بن بليمة والتبصرة " النشر (2/114).
3 - قراءة الداني على طاهر بن غلبون صاحب التذكرة : فبما أنّ صاحب التذكرة لم ينقل التغليظ فلا شكّ أنّ الداني لم يقرأ عليه بالتغليظ. وما ذكره بن الجزري من اختيار الداني التغليظ فهو من طريق جامع البيان وليس من التيسير ولا بما قرأ على صاحب التذكرة لذا قال بن الجزري في تغليظ اللام " وهو اختيار الداني في غير التيسير.وقال في الجامع إنّه الأوجه "(النشر 2/114).
4 - الإرشاد لأبي الطيّب : لم يذكر صاحب النشر وجه التغليظ من الإرشاد ، لكن من المعلوم أنّ مكي اعتمد في كتابه التبصرة على ما تلقاه عن أبي الطيب عبد المنعم صاحب الإرشاد كما ذكر أول الكتاب (التبصرة ص5). قال صاحب التبصرة في باب ترقيق اللام وتغليظها " والذي قرأت به لورش عن شيخنا أبي الطيّب رحمه الله هو تغليظ اللام المفتوحة...." (التبصرة ص151) ، ثم ذكر أحكام اللام ولم يذكر التغليظ. فالشاهد أنّ صاحب التبصرة لم يذكر التغليظ وهو اعتمد في باب اللامات اعتماداً كلّيا على كتاب الإرشاد لأبي الطيّب وهذا يدل أنّ صاحب الإرشاد لم يذكر التغليظ. وهو الذي أيّده العلامة الضباع في كتابه المطلوب ص12.
5 - التبصرة لمكّي القيسي : سبق أن ذكرنا أنّ صاحب التذكرة لم يذكر وجه التغليظ ولذلك قال صاحب النشر " فروى كثير منهم الترقيق من أجل الفاصل بينهما وهو الذي في التيسير والعنوان والتذكرة وتلخيص بن بليمة والتبصرة "(النشر ص2/114).
6 - الشاطبية : ذهب الإمام الشاطبي إلى الأخذ بالأوجه الثلاثة في البدل مع تقديم القصر والتغليظ والترقيق في { فصالا} وأخواتها مع تقديم التغليظ. فعلى هذا لا يمتنع التغليظ مع قصر البدل وهو مذهب الجمهور.فلذلك قال العلامة الضباع في المطلوب ص 12 : " فروى بعضهم ترقيقها من أجل الفاصل وهو في التيسير والكامل وتلخيص العبارات والعنوان والمجتبى والتذكرة والإرشاد والتبصرة . قال والوجهان في الشاطبية "
ت - مناقشة المسألة :
كلّ الكتب التي ذكرناها والتي روت القصر في البدل وُجِدت قبل الشاطبية والإمام الشاطبي روى من بعضها لأنّها هي مصادر قصر البدل لورش.وبما أنّ مصادر قصر البدل لم يثبت فيها وجه التغليظ في { فصالا} وبالأخص كتاب التذكرة الذي هو طريق الشاطبية في قصر البدل لأنّ سند الإمام الشاطبي ينتهي إلى أبي عمرو الداني وهو لم يقرأ بقصر البدل إلاّ من التذكرة وصاحب التذكرة وغيره ممن روى قصر البدل لم يذكروا وجه التغليظ في { فصالا}. إذاً فمذهب الإمام الشاطبي مخالف لمصادر قصر البدل في تغليظ لام { فصالا} ، حتى كتاب التبصرة الذي اختلف فيه في قصر البدل لم يذكر التغليظ .فلذلك يظهر جلياً سبب منع المنصوري قصر البدل مع التغليظ وهو الذي نجنح إليه من خلال بحثنا هذا ولا حرج إن أُخذَ بوجه الإطلاق على مذهب الجمهور ولا ندّعي الكمال فيما ذكرنا والإنسان لا يخلو من الزلل والتقصير كما هو معلوم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
محمد يحي شريف الجزائري
المراجع :
- النشر في القراءات العشر.
- المطلوب في بيان الكلمات المختلف فيها عن أبي يعقوب للشيخ الضباع رحمه الله.
- تأمّلات حول تحريرات العلماء للقراءات المتواترة للشيخ عبد الرازق علي إبراهيم موسى حفظه الله.
- بدائع البرهان على عمدة العرفان للعلامة مصطفى الأزميري (مخطوط كُتب بيد الشيخ أبو الحسن الكردي حفظه الله ).
- التبصرة في القراءات السبع لمكي لبقيسي تحقيق جمال الدين محمد شرف حفظه الله.
- التذكرة في القراءات الثمان لابن غلبون تحقيق أيمن سويد حفظه الله.
- عزو الطرق للمتولي عليه رحمة الله.
- البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة للشيخ القاضي رحمه الله.
- حلّ المشكلات وتوضيح التحريرات للخليجي رحمه الله.
- هداية المريد إلى رواية أبي سعيد للشيخ الضباع رحمه الله.
- أتحاف فضلاء البشر للبنا رحمه الله.
- شرح الطيّبة للنويري رحمه الله.