أبو عبد المعز
Active member
- إنضم
- 20/04/2003
- المشاركات
- 588
- مستوى التفاعل
- 25
- النقاط
- 28
التحقيق في قوله تعالى"جدارا يريد أن ينقض فأقامه"
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على رسوله المصطفى الأمين ،وآله وصحبه أجمعين..وبعد
فسيكون الكلام على المجاز في هذه الآية من وجهين..
-الوجه الأول مبني على رأي الشيخ الشنقيطي...في تعليله لإنكار المجاز في هذا الموضع..
-الوجه الثاني مبني على تحليل الإمام ابن قتيبة لفعل" يريد" في كتابه مشكل القرآن.. 1-
قال الشيخ الأمين في الأضواء:
"هذه الآية الكريمة من أكبر الأدلة التي يستدل بها القائلون : بأن المجاز في القرآن . زاعمين أن إرادة الجدار الانقضاض لا يمكن أن تكون حقيقة ، وإنما هي مجاز . وقد دلت آيات من كتاب الله على أنه لا مانع من كون إرادة الجدار حقيقة ، لأن الله تعالى يعلم للجمادات إرادات وافعالاً وأقوالاً لا يدركها الخلق كما صرح تعالى بأنه يعلم من ذلك ما لا يعلمه خلقه في قوله جل وعلا : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [ الإسراء : 44 ] فصرح بأننا لا نفقه تسبيحهم وتسبيحهم واقع عن إرادة لهم يعلمها هو جل وعلا ونحن لا نعلمها . وأمثال ذلك كثيرة في القرآن والسنة ."
نود- قبل تحليل هذا النص- أن نضع مقدمة مدارها على عدم صحة المجاز إذا كانت الحقيقة من عالم الغيب أو مما لا سبيل إلى إدراكه...
هذه القاعدة قريبة من البدهية في علم البيان ،لأنه - باتفاق -لا بد في المجاز من قرينة وعلاقة ...ومقتضى هذين الشرطين استحضار الحقيقة:
فالقرينة تؤشر على امتناع الحقيقة..
والعلاقة هي المناسبة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي..
وفي الحالين لا بد من أن تكون الحقيقة معلومة، فلا يصح المجاز في قولك "جاء الأسد يرمي" إلا إذا كان المخاطب يعلم الحقيقة اللغوية لكلمة "أسد"..ثم يأتي من بعد ذلك اعتبار شرطي المجاز:فيدرك مثلا أن العبارة المستعملة لا تحتمل المعنى الحقيقي، فهذه القرينة..
وأن المراد منها وصف إنسان بالشجاعة وقد انتزعت من الحيوان وأضيفت إلى الإنسان بناء على المشابهة،فهذه العلاقة..
وعند خفاء الحقيقة يستحيل نصب قرينة أو تصور علاقة فلا يقع المجاز..
هذا التقرير لا يحتمل الجدال ، لكنه قد يفهم من عبارات البلاغيين ما يشكك في أصالة الحقيقة:
قال السعد في المختصر:
"هذا بحث الحقيقة والمجاز والمقصود الأصلى بالنظر إلى علم البيان هو المجاز إذ به يتأتى اختلاف الطرق دون الحقيقة الا أنها لما كانت كالاصل للمجاز إذ الاستعمال في غير ما وضع له فرع الاستعمال فيما وضع له جرت العادة بالبحث عن الحقيقة أولا".
لا يخفى ما في كلام السعد من اضطراب- بل تناقض - فقد نفى أولا أن تكون الحقيقة أصلا للمجاز، غير أنه في تعليله أقر بثبوت هذه الأصالة حين قال" إذ الاستعمال في غير ما وضع له فرع الاستعمال فيما وضع له "
فإذا كان الأول فرعا فإن الثاني أصل بلا ريب ،وهو ما أنكره بمفهوم عبارته السالفة ، لأن اعتبار الحقيقة كالأصل يقتضي أن لا تكون أصلا في نفس الأمر..
وقد حاول الدسوقي التوفيق بين الكلامين فقال :
قوله (كالاصل للمجاز) أتى بالكاف إشارة إلى أنها ليست أصلا حقيقة للمجاز وإلا لكان لكل مجاز حقيقة وليس كذلك إذ التحقيق أن المجاز لا يتوقف على الحقيقة ألا ترى أن رحمن استعمل استعمل مجازا في المنعم على العموم ولم يستعمل في المعنى الأصلي الحقيقي أعني:رقيق القلب فلفظ رحمن مجاز لم يتفرع عن حقيقة ،لكن قول الشارح بعد ذلك فرع الاستعمال الخ يقتضي أن المجاز فرع عن الحقيقة وأنه أصل له فينافي ما تقدم إلا أن يقال :إن في قوله فرع الاستعمال حذف مضاف أي :فرع قبول الاستعمال وليس المراد فرع الاستعمال بالفعل أو يقال قوله فرع الاستعمال أي كالفرع عن الاستعمال فهو على حذف الكاف أو المراد أنه فرع بالنظر إلى الغالب إذ الغالب أن كل مجاز يتفرع عن حقيقة-قرره شيخنا العدوي.انتهى
أقول :ما سماه الشارح تحقيقا ليس كذلك عند تأمله .. فقوله ان المجاز لا يتوقف على الحقيقة فإن كان يقصد أن المجاز يتأسس من غير اعتبار مسبق للمعنى الحقيقي فهذا واضح البطلان، وإن كان يقصد أن الاستعمال المجازي غير مشروط باستعمال حقيقي سابق عليه-وهو مراده-فهذا لا ينفعه، لضرورة أن المعنى الحقيقي قد حدده الواضع عند الوضع وهو واجب الاعتبار في أي تجوز ، فلا تأثير للاستعمال أو لعدمه...فضلا عن صعوبة تصور الواضع يضع لفظا لا يحتاج إليه ...فيظل دهرا مهملا حتى يظهر في استعمال مجازي لعمرى ما أشبه هذا بطفرة النظام!!
أما استشهاده باسم الرحمن فهومردود من أربعة وجوه:
الأول:في تعبير الدسوقي شيء من "التدليس المنهجي" ففوله "ألا ترى أن" يشعر أن الشاهد متفرع عن القاعدة ، ومفسر على مقتضاها، لكن التحقيق أن القاعدة وضعت على مقاس الشاهد ..بيانه :أن البلاغيين انطلقوا من قواعد عقلية كلامية –لا بلاغية-سابقة النصوص، فأولوا بموجبها اسم" الرحمن"..فلما أدركوا أن صنيعهم هذا سيفضي إلى منكر من القول وهو وقوع "مجاز لا حقيقة له" اضطروا إلى صياغة تلك القاعدة الفرعية لتمرير تأويلهم لاسم الرحمن..فتناقلوا بينهم أن الحقيقة ليست شرطا للمجاز بدليل اسم الرحمن...مع أن قاعدتهم هذا اختلقت اختلاقا لذلك الشاهد بعينه فيكون الشاهد أصلا والقاعدة فرعا ،فلا يجوز في الاستدلال أن يشهد الأصل للفرع لحصول الحاصل أو للدور..
ولعل أخطر ما في هذا الصنيع المنهجي هو التشكيك في استقلالية علم البلاغة...فيحق لنا أن نسأل :هل وضعت البلاغة لخدمة النص أم لخدمة علم الكلام!!وقد ثبت عندنا أنه في كل تعارض بين علم الكلام والقرآن تكون البلاغة منحازة إلى صف علم الكلام، ونحن نقول مطمئنين إن البلاغة هي الجناح اللغوي لعلم الكلام...فالمعاني يخترعها الجناح العقلي وتروج في لباس من علم البلاغة للإيهام أن علم الكلام موافق للسان العرب !!!فتامل!
-الثاني لا نسلم زعم البلاغيين أن اسم الرحمن وضع لمعنى أصلي حقيقي هو"رقيق القلب" فيكون الوضع من قسم وضع العام للعام لجواز أن يكون من وضع الخاص للخاص فلا مجاز حينئذ لمواطأة المعنى الوضعي للمعنى المستعمل فيه.
-الثالث :سلمنا معكم " ثبوت" اللفظ الذي يستعمل مجازا دون أن يستعمل حقيقة ولو لمرة... لكن ما سبيلكم إلى "إثباته" لأن اللغة مأخوذة من مستعمل الناس في أشعارها وأمثالها وحكمها ومخاطباتها...فكيف وصلت كلمة غير مستعملة إلى المتجوز ليتجوز فيها ...!!
الرابع-يلزم عن مذهبهم أن واضع اللغة غير حكيم يضع ألفاظا لا يحتاج إليها فهذا عبث...فإن قالوا وضعها للاستعمال المجازي قلنا إن الواضع المزعوم لا شأن له بالاستعمال فدوره ينحصر في تعيين اللفظ للمعنى فقط ولا يشترط خصوصية الاستعمال...مثل البنك المركزي يعين قيمة للورقة النقدية ولا يشترط فيها أن يشترى بها لحم أو يتصدق بها على فقير.
أما قول البيانيين أن الألفاظ قبل الاستعمال ليست حقيقة ولا مجازا فلا يخلو من ضعف .. لانهم يزعمون أن الواضع يضع اللفظ لمعنى فإن استعمل فيه فهو حقيقة وإن استعمل في غيره فهو مجاز...فلا يسعهم أن ينكروا أن للفظ دلالة ما قبل الاستعمال ....فيسألون عن نوع هذه الدلالة إن لم تكن حقيقة أو مجازا، وكيف يسمونهاا!
هب لفظ "أسد" لم يستعمله مستعمل ..وقد وضعه الواضع من قبل للحيوان المعروف..فالبيانيون يقولون إن استعمل للدلالة على هذا الحيوان فهو حقيقة وإن لم يستعمل فلا يسمى حقيقة ولا مجازا ...
والحقيقة عندهم هو اللفظ المستعمل في معناه الحقيقي أي الوضعي..ثم يتناقضون عندما يقولون إن المعنى الوضعي ليس حقيقة ولا مجازا!!!
هنا –على سبيل التنزل-خمسة احتمالات :
-أن لا يكون للفظ معنى قبل الاستعمال..
-أن يكون له معنى حقيقي
-أن يكون له معنى مجازي
-أن يكون له معنى هو حقيقة ومجاز في آن واحد
-أن يكون له معنى كامن محايد يظهره الاستعمال تارة حقيقة وتارة مجاز.
لا يستقيم أي احتمال على أصول البيانيين..فالاول والرابع لا يقولهما احد من البيانيين..والثاني والثالث يتنافيان مع قاعدتهم في أن الحقيقة والمجاز من عوارض الاستعمال ، أما الاحتمال الاخير فهو من أقوال منكري المجاز لا مثبتيه..ومعناه إستبعاد الدلالة الوضعية لكونها غيبا كما هو مذهب ابن تيمية و إرجاع الدلالة كلها إلى السياق وإنكار وجود أي معنى قبله-كما هو مذهب فتجنشتين وابن تيمية أيضا-
2-
فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ
حجم الاختلاف هنا- في إثبات المجاز أو نفيه- يتجاوز مجال البلاغة ليصل إلى عمق الميتافزيقا...!وما الحديث عن المجاز إلا فرعا عن رؤية أصلية لهذا العالم الذي ننتمي إليه:
فنفي الإرادة عن الجدار يقتضي مذهبا "ما ورائيا" مبنيا على رؤية منطقية أرسطية تقسم العالم إلى ثنائيات حادة لا يمكن أن تتقاطع في أي نقطة مفترضة بحسب مبدأ الثالث المرفوع:
فالعاقل في مقابل غير العاقل
والحي في مقابل الجامد..
ولكل كيان مقوماته المميزة، فالإرادة من شأن الحي ولا يمكن أن تكون في الجماد -جدار مثلا-.والناطقية من صفات الحي العاقل ولا يمكن أن تكون في حي غير عاقل...
وأي تداخل بين المقولات إما أن يكون هرطقة عقلية وإما أن يذهب العالم الأرسطي هباء منثورا..وهذا الترديد نفسه أرسطي المشرب( إما و إما) أَما الثالث فقد رفع إلى الأبد!
وإزاء هذا التصور الحاد للعالم يقف تصور آخر أقل صرامة وأكثر مرونة..لا يصدمه أن يكون في غير العاقل عقل وفي غير الحي حس ..!
وأرى أن المقام هنا يقتضي تعجيلا بتنبيه:
فنحن لا نقصد بالتصور الثاني الرؤية الصوفية للعالم في تماثل الكائن الأصغر والكائن الأكبر ،ولا النزعة الرومنطيقية عند الشعراء في أنسنة الأشياء،وإنما نقصد التوصيف الشرعي للعالم انطلاقا من الكتاب والسنة فقط:
"حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{18}"
ألم تقوض هذه النملة "الفصل" في ماهية الإنسان عند المنطقيين!
الانسان حيوان ناطق..
النملة حيوان ناطق
النملة إنسان إذن!!!
من ساءته النتيجة اللازمة فلا مخرج له إلا الطعن في إحدى المقدمتين...ولعل الأوْلى أن يكون الطعن في الأُولى، ولا يجوز لمؤمن أن يحوم حول الثانية لأن الثانية بها قد نطق القرآن...!!
ومما يزيد طين المسألة بلة أن الاستنجاد بالمجاز في هذا المقام هروب ركيك..ففي كلام النملة من التفصيل (وقد أحصى القوم ضمنه من البلاغة وجوها ذوات عدد..) ومن تقرير المعانى ما يجعل العاقل غير ملتفت لمن يقول شبه الحال بلسان القال!
وهاهنا أمر آخر يقطع دابر المجاز ،وهو قول سليمان بعد ذلك: فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا..
وقد تقرر عند البيانيين أن التكرير يرفع المجاز: قَالَتْ نَمْلَةٌ... فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا..
فهو قول حقيقي إذن يستفاد من هذا الموضع...ولا حاجة لنا إلى شهادة علماء العصرمثل (كارل فون فريش) وغيره...
فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ{22}
هذا كلام آخر للهدهد بعد النملة...
أما خرق العادة فسيأتيك نبؤه بعد حين..
{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت : 11]
تكلمت السماء والأرض كما تكلمت بنتا شيخ مدين:
قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ }القصص23
ولم تأت في القرآن صيغة "قالتا" إلا في هذين الموضعين..
فإن قالوا مجاز جادلناهم بقول النملة..فإن ارتقاء الحي غير العاقل إلى رتبة الناطق العاقل ليمهد الطريق لكي يرتقي الجماد إلى رتبة الحي..بل هنا أمور أخرى فضلا عن النطق... من وعي وخشوع وإشفاق وحنين وبكاء وطاعة وسمع وإباء وخشية وترجيع..
- {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان : 29]
-{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب : 72]
-{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر : 21]
{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ : 10]
روى في شعب الإيمان:
3140 - أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ ببغداد ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ، حدثنا إسحاق بن الحسن ، حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا زائدة ، عن منصور ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : أرأيت قول الله عز وجل : ( فما بكت عليهم السماء والأرض (1) ) فهل تبكيالسماء والأرض على أحد ؟ قال : « نعم ، إنه ليس من الخلائق أحد إلا له باب في السماء ينزل منه رزقه ويصعد منه عمله ، فإذا مات المؤمن بكى عليه بابه من السماء الذي كان يصعد منه عمله وينزل منه رزقه ، وإذا فقده مقعده من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله فيها بكت عليه ، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة ، ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير فلم تبك عليهم » وروي ذلك عن علي رضي الله عنه مختصرا
في مسند أبي يعلى:
4022 - حدثنا أحمد بن إسحاق البصري ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن عبيدة الربذي ، أخبرني يزيد الرقاشي ، أخبرني أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « ما من عبد إلا وله في السماء بابان : باب يدخل عمله ، وباب يخرج فيه عمله وكلامه ، فإذا مات فقداه وبكيا عليه ، وتلا هذه الآية : ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) ، فذكر أنهم لم يكونوا يعملون على الأرض عملا صالحا تبكي عليهم ، ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا عملهم كلام طيب ، ولا عمل صالح فتفقدهم ، فتبكي عليهم »
3679 - أخبرنا أبو زكريا العنبري ثنا محمد بن عبد السلام ثنا إسحاق أنبأ جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما :
في قوله عز و جل : { فما بكت عليهم السماء و الأرض } قال : بفقد المؤمن أربعين صباحا
صحيح الإسناد و لم يخرجاه
تعليق الحافظ الذهبي في التلخيص : صحيح
قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أُحُدٍ: " هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ "
والتأويل بمعنىَ يُحِبُّنَا أَهْلُهُ، يَعْنِي الْأَنْصَارَ وَنُحِبُّهُمْ، بعيد جدا لاسيما وقد ذكر الجبل مع الإشارة الحسية إليه..
وفي صحيح البخاري:
3410 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ح و قَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ وَكَهْمَسُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَا حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ قَالَ اثْبُتْ أُحُدُ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدَانِ..
3212 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ فَقَالَ فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ قَالَ فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ..
روى الدارمي وغيره:
ِ 33 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُّ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىِّ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ قَبْلَ أَنْ يُجْعَلَ الْمِنْبَرُ ، فَلَمَّا جُعِلَ الْمِنْبَرُ حَنَّ ذَلِكَ الْجِذْعُ حَتَّى سَمِعْنَا حَنِينَهُ ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ عَلَيْهِ فَسَكَنَ.
والأصل في كل هذا هو قوله تعالى:
{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [ الإسراء : 44 ]
إعمال التأويل في كل هذه النصوص من الباطل المبين ،لاسيما وأن بعضها تحكي وقائع مسموعة مرئية ،وإنما المجاز يكون في اللغة لا في الوقائع..
وقد يقال إن هذه الوقائع معجزات..
قال الشيخ النووي في شرح مسلم:
684 - قَوْله : ( آذَنَتْ بِهِمْ شَجَرَة )
هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَجْعَل فِيمَا يَشَاء مِنْ الْجَمَاد تَمْيِيزًا وَنَظِيره قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه } وَقَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحهمْ } وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَأَعْرِف حَجَرًا بِمَكَّة كَانَ يُسَلِّم عَلَيَّ " وَحَدِيث الشَّجَرَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَتَتَاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي آخِر الْكِتَاب ، وَحَدِيث حَنِين الْجِذْع ، وَتَسْبِيح الطَّعَام ، وَفِرَار حَجَر مُوسَى بِثَوْبِهِ ، وَرُجْعَان حِرَاء وَأُحُد . وَاَللَّه أَعْلَم .
قوله " يَجْعَل " قد يشعر بأن ذلك من الخوارق المؤقتة لكن ظاهر الآية
{ وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحهمْ } يفيد أن التسبيح -وهو فعل عاقل- ثابت لكل شيء فهو "عادي"أما خرق العادة فهو في الشق الثاني من الآية أي في فقه التسبيح...وبناء عليه لا تكون المعجزة في كلام النملة بل في فهم سليمان عنها ولا تكون في حنين الجذع بل في سماع الصحابة ذلك..
جامع الأمر كله أن النصوص تثبت للحيوان "عقل"ا، وللجماد "حسا"، وادعاء المجاز في هذا المقام مطالب بنصب القرينة.. وأنى له قرينة :
-أما عقلية فلأن أساطين الفلسفة مثل (كانط) وغيره قد برهنوا على أن العقل ليس في وسعه إلا إدراك "ظاهر الشيء" أما "الشيء في ذاته "فهو خفي عن المدارك إلى الأبد... وما كنا لنقبل قول الفيلسوف كانط ناقد العقل لولا أنه وافق آية في كتاب الله : يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا..
أما حسية فلإن العلم الحديث قد أثبت أن صفات الظاهر من الأشياء المادية قد تكون ضد صفات باطنها: فما نراه امتلاء فهو فراغ وما ندركه ثباتا فهو حركة وما نلمسه من صلابة فهو تموج الخ!!
وأما شرعية فلأن النصوص التي أوردناها تثبت حقائق خفية عن المخلوقات ، لا يمكن الوصول إليها بحس أو عقل...وتأويلها كلها يفضي إلى قطع صلة معرفية وحيدة بطبائع الأشياء...ومن ثم فالمجاز في هذه المقامات باطل لأن الحقيقة لا سبيل إلى الاطلاع عليها من غير طريق هذه النصوص نفسها ..فمن ادعى أن الجدار لا إرادة له ,يسأل عن مبلغ علمه ..ومن ادعى أن السماء والأرض لم تتكلما مع الله حقيقة فعليه أن يثبت أنه عالم بأحوال المخلوقات مع خالقها، فلا الله قادر على إنطاقها، ولا هي من طبعها الكلام!!!
إذا كان حديث الشنقيطي قد طرح مشكلة "البلاغة وحدود المعرفة البشرية" فإن حديث ابن قتيبة الآتي يطرح قضية أخرى لا تقل خطورة هي قضية "البلاغة والحرية"…
لعله من غير اللائق أن نخوض كثيرا في الاستدلال على أمر واضح من قبيل عدم إمكان اجتماع البلاغة والضرورة…فالتعبير الضروري –الذي لا خيار فيه ، ولا بديل عنه - لا يمكن أن يوصف بحسن أو قبح ،كما لا يمكن أن يحصل فيه تفاوت بين المتكلمين…فالبحث عن الوجه البلاغي في التعبير الضروري من جنس المحال المنطقي ..لأنه إنشاد للحسن في موضع لا يحتمله ،فضلا عن خرق المجال التداولي الإسلامي فمن المقرر فيه أن القرآن معجز والإعجاز يلزم عنه التفاوت في حسن الكلام والطبقية في توزيع المتكلمين.
خذ هذا المثال:
في بلاغة العربية باب "التنكير والتعريف"، ولم يك هذا الباب ممكنا إلا لأن للمتكلم الحرية في استعمال الكلمة معرفة أو منكرة-في حدود ما يسمح به نظام النحو – فمن الجائز أن نبحث عن النكتة البلاغية في قوله تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ..
فيسأل عن الحكمة في تنكير الحياة ،وعن سر العدول عن تعريفها ..
لكن هذا الباب في اللغة اللاتينية غير معقول!!
لأن هذه اللغة خالية من أداة التعريف، ومن ثم يكون أهلها مجبرين على الإتيان بالأسماء نكرات . فهل يعقل أن يسأل اللاتيني عن النكتة البلاغية في نكرة استعملها في كلامه وهي مفروضة عليه فرضا!!
البلاغة إذن لا تنفك عن الحرية…ومن هنا سر تلك الثنائيات في أبواب البلاغة العربية :التقديم والتأخير ،الحقيقة والمجاز، التنكير والتعريف ، الإيجاز والإطناب، الحذف والذكر…وغيرها.
ثنائيات تؤشر على حرية المتكلم واختياره يجوز معها أن يقال:لم "قدم" وكان في وسعه أن" يؤخر"، ولم "حذف" وكان في إمكانه أن "يذكر "وهلم جرا...
بعد هذه التوطئة نورد كلام ابن قتيبة:
"ولو قلنا للمنكر لقوله: جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ كيف كنت أنت قائلا في جدار رأيته على شفا انهيار:
رأيت جدارا ماذا؟
لم يجد بدا من أن يقول:جدارا يهم أن ينقض، أو يكاد أن ينقض، أو يقارب أن ينقض...وأيا ما قال فقد جعله فاعلا،ولا أحسبه يصل إلى هذا المعنى في شيء من لغات العجم إلا بمثل هذه الألفاظ..."
هذا إرغام للطاعنين على الاعتراف بمقبولية مثل قوله تعالى "جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ" فهذا التعبير ليس صحيحا فقط-بشهادة ما يتصف به اللسان العربي من توسع بالمجاز وغيره- ولكنه فوق ذلك ضروري..فمن حكم بتخطئة العبارة لا يستطيع لها تصحيحا فاللغة لا تسعفه بشيء إلا وفيه إسناد الفاعلية للجدار وهو ما أنكره..
إن كان له خيار في أمره فهو بين أن يصمت أو يتكلم،وإذا تكلم فلا بد أن "يفعّل" الجدار...!!
هذا قدر عام للغات البشرية كلها حسب ابن قتيبة ،وهو رأي لا يجادل في صحته...!!
لكن الشاهد عندنا في حجاج ابن قتيبة هو مسألة "المجاز القسري"...
فما الفرق بينه وبين الحقيقة؟
وما قيمته البلاغية وهو من معدن الاضطرار؟
وهل يمكن إجراء المجاز فيه كما تجرى الاستعارة في "رأيت الأسد يرمي؟
من المؤسف أن البيانيين لم يستثمروا نص العلامة ابن قتيبة وإلا لكان في البلاغة العربية نوع من المجاز جديد هو "المجاز القسري" -باصطلاحنا – وهو ما يضاهي La catachrèse في البلاغة الغربية..
Katakhresisتعني في الاغريقية القديمة "الاستعمال" وتعني في اصطلاحهم البلاغي"استعمال شَاطٌّ " أو"استعمال سيء"
عرفها الفرنسي Fontanier في كتابه المشهور صور الخطاب :
أنها تتمثل عموما في لفظ كان قد عين من قبل للدلالة على معنى، فيعين ثانية للدلالة على معنى جديد لم يكن له في اللغة لفظ خاص دال عليه..فهي إذن كل صورة بلاغية ذات استعمال قسري وضروري..
وهو تعريف شبيه بما ذكره الرومي كانتليان Quintilien من قبل :
"في اليونانية واللاتينية أشياء كثيرة لم توضع لها في البداية ألفاظ وأسماء مخصوصة ، فيستعان بالمجاز القسري عند افتقار اللغة إلى ألفاظ مخصوصة عكس الاستعارة التي تقع عند وجودها..
ففي جميع اللغات يمكن أن تأتي لحظات افتقار إلى ألفاظ للدلالة على أفكار أو أشياء جديدة..فيضطر الاستعمال اللغوي الشائع إلى تعيين كلمات متوفرة للدلالة على هذا الجديد...وإنما يفعلون ذلك رغبة في تقليص حجم المعجم وتيسيرا على الذاكرة"
و زعم شيشرون Cicéron- بعد اعترافه بالطابع الاضطراري لهذه الظاهرة - أنه يمكن أن تقترن بالتأنق والمتعة البلاغية، فيرى في" الكتكريز" ما يراه في الثياب:صحيح إن الثوب قد أوجدته الضرورة لحماية الجسم من القر والحر، لكن هذا لا يمنع من أن يعتبر أيضا من مظاهر البذخ والزخرفة..
لكن الحق إن التأنق والزخرفة يعرضان للثوب لما فيه اختيار من تفضيل لون على لون أو شكل على شكل ولكن مبدأ اتخاذ اللباس لحماية الجسد لا جمالية فيه ..فلا يقدح هذا في مسلمتنا عن تلازم الحرية والبلاغة..
"إرادة الجدار" مثل "رجل الطاولة" أو" عين الإبرة" ضرائر في التعبير مفروضة على أي متكلم .. المجازات-إن كانت كذلك- فهي قسرية، فليس في العربية لفظ موضوع للدلالة على ذلك الجزء الذي "تقف" عليه الطاولة..وليس فيها لفظ يدل على ثقب الإبرة بخصوصه..وكلمة ثقب نفسها لا تفي بالغرض بسبب الاشتراك المعنوي والتباس الدلالة فقديراد بالثقب الحاصل من الإبرة باعتبارها آلة كما قد يراد به الحاصل فيها باعتبارها هيئة ولذا لا مفر من عين الإبرة الدالة على محل الخيط قطعا..
الأشبه أن تكون "الرجل" و"الارادة" و"العين "أوضاعا جديدة فهي على حقائقها كما في ظاهرة الاشتراك..
فإن قلت هنا استعارات لوجود علاقة مشابهة بين رجل الإنسان ورجل الطاولة (من حيث الشكل ومن حيث الوظيفة) ولوجود الاستدارة صفة مشتركة بين عين الرجل وعين الإبرة ..
قلنا نحن في مقام الوضع لا في مقام الاستعمال..وللواضع أن يلاحظ أثناء مسار الوضع ما شاء من تناسب بين المعاني والأشياء،فهذا لا يخرجه عن مقام الوضع ومنتهى عمله إيجاد لفظ له معنى ...فإن استعمل اللفظ في هذا المعنى فحقيقة وإن استعمل في غيره فمجاز...
فإن أصر مدعي المجاز على وجود الاستعارة في قوله تعالى "جدارا يريد أن ينقض" فلن يستفيد شيئا ذا بال...لأن غاية ما سيظفر به هو "استعارة غير مفيدة " كما قررها الشيخ في" أسرار البلاغة"..فليراجع هناك الفرق بين المفيدة وغير المفيدة..
للموضوع تتمة يسر الله كتابتها..
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على رسوله المصطفى الأمين ،وآله وصحبه أجمعين..وبعد
فسيكون الكلام على المجاز في هذه الآية من وجهين..
-الوجه الأول مبني على رأي الشيخ الشنقيطي...في تعليله لإنكار المجاز في هذا الموضع..
-الوجه الثاني مبني على تحليل الإمام ابن قتيبة لفعل" يريد" في كتابه مشكل القرآن.. 1-
قال الشيخ الأمين في الأضواء:
"هذه الآية الكريمة من أكبر الأدلة التي يستدل بها القائلون : بأن المجاز في القرآن . زاعمين أن إرادة الجدار الانقضاض لا يمكن أن تكون حقيقة ، وإنما هي مجاز . وقد دلت آيات من كتاب الله على أنه لا مانع من كون إرادة الجدار حقيقة ، لأن الله تعالى يعلم للجمادات إرادات وافعالاً وأقوالاً لا يدركها الخلق كما صرح تعالى بأنه يعلم من ذلك ما لا يعلمه خلقه في قوله جل وعلا : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [ الإسراء : 44 ] فصرح بأننا لا نفقه تسبيحهم وتسبيحهم واقع عن إرادة لهم يعلمها هو جل وعلا ونحن لا نعلمها . وأمثال ذلك كثيرة في القرآن والسنة ."
نود- قبل تحليل هذا النص- أن نضع مقدمة مدارها على عدم صحة المجاز إذا كانت الحقيقة من عالم الغيب أو مما لا سبيل إلى إدراكه...
هذه القاعدة قريبة من البدهية في علم البيان ،لأنه - باتفاق -لا بد في المجاز من قرينة وعلاقة ...ومقتضى هذين الشرطين استحضار الحقيقة:
فالقرينة تؤشر على امتناع الحقيقة..
والعلاقة هي المناسبة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي..
وفي الحالين لا بد من أن تكون الحقيقة معلومة، فلا يصح المجاز في قولك "جاء الأسد يرمي" إلا إذا كان المخاطب يعلم الحقيقة اللغوية لكلمة "أسد"..ثم يأتي من بعد ذلك اعتبار شرطي المجاز:فيدرك مثلا أن العبارة المستعملة لا تحتمل المعنى الحقيقي، فهذه القرينة..
وأن المراد منها وصف إنسان بالشجاعة وقد انتزعت من الحيوان وأضيفت إلى الإنسان بناء على المشابهة،فهذه العلاقة..
وعند خفاء الحقيقة يستحيل نصب قرينة أو تصور علاقة فلا يقع المجاز..
هذا التقرير لا يحتمل الجدال ، لكنه قد يفهم من عبارات البلاغيين ما يشكك في أصالة الحقيقة:
قال السعد في المختصر:
"هذا بحث الحقيقة والمجاز والمقصود الأصلى بالنظر إلى علم البيان هو المجاز إذ به يتأتى اختلاف الطرق دون الحقيقة الا أنها لما كانت كالاصل للمجاز إذ الاستعمال في غير ما وضع له فرع الاستعمال فيما وضع له جرت العادة بالبحث عن الحقيقة أولا".
لا يخفى ما في كلام السعد من اضطراب- بل تناقض - فقد نفى أولا أن تكون الحقيقة أصلا للمجاز، غير أنه في تعليله أقر بثبوت هذه الأصالة حين قال" إذ الاستعمال في غير ما وضع له فرع الاستعمال فيما وضع له "
فإذا كان الأول فرعا فإن الثاني أصل بلا ريب ،وهو ما أنكره بمفهوم عبارته السالفة ، لأن اعتبار الحقيقة كالأصل يقتضي أن لا تكون أصلا في نفس الأمر..
وقد حاول الدسوقي التوفيق بين الكلامين فقال :
قوله (كالاصل للمجاز) أتى بالكاف إشارة إلى أنها ليست أصلا حقيقة للمجاز وإلا لكان لكل مجاز حقيقة وليس كذلك إذ التحقيق أن المجاز لا يتوقف على الحقيقة ألا ترى أن رحمن استعمل استعمل مجازا في المنعم على العموم ولم يستعمل في المعنى الأصلي الحقيقي أعني:رقيق القلب فلفظ رحمن مجاز لم يتفرع عن حقيقة ،لكن قول الشارح بعد ذلك فرع الاستعمال الخ يقتضي أن المجاز فرع عن الحقيقة وأنه أصل له فينافي ما تقدم إلا أن يقال :إن في قوله فرع الاستعمال حذف مضاف أي :فرع قبول الاستعمال وليس المراد فرع الاستعمال بالفعل أو يقال قوله فرع الاستعمال أي كالفرع عن الاستعمال فهو على حذف الكاف أو المراد أنه فرع بالنظر إلى الغالب إذ الغالب أن كل مجاز يتفرع عن حقيقة-قرره شيخنا العدوي.انتهى
أقول :ما سماه الشارح تحقيقا ليس كذلك عند تأمله .. فقوله ان المجاز لا يتوقف على الحقيقة فإن كان يقصد أن المجاز يتأسس من غير اعتبار مسبق للمعنى الحقيقي فهذا واضح البطلان، وإن كان يقصد أن الاستعمال المجازي غير مشروط باستعمال حقيقي سابق عليه-وهو مراده-فهذا لا ينفعه، لضرورة أن المعنى الحقيقي قد حدده الواضع عند الوضع وهو واجب الاعتبار في أي تجوز ، فلا تأثير للاستعمال أو لعدمه...فضلا عن صعوبة تصور الواضع يضع لفظا لا يحتاج إليه ...فيظل دهرا مهملا حتى يظهر في استعمال مجازي لعمرى ما أشبه هذا بطفرة النظام!!
أما استشهاده باسم الرحمن فهومردود من أربعة وجوه:
الأول:في تعبير الدسوقي شيء من "التدليس المنهجي" ففوله "ألا ترى أن" يشعر أن الشاهد متفرع عن القاعدة ، ومفسر على مقتضاها، لكن التحقيق أن القاعدة وضعت على مقاس الشاهد ..بيانه :أن البلاغيين انطلقوا من قواعد عقلية كلامية –لا بلاغية-سابقة النصوص، فأولوا بموجبها اسم" الرحمن"..فلما أدركوا أن صنيعهم هذا سيفضي إلى منكر من القول وهو وقوع "مجاز لا حقيقة له" اضطروا إلى صياغة تلك القاعدة الفرعية لتمرير تأويلهم لاسم الرحمن..فتناقلوا بينهم أن الحقيقة ليست شرطا للمجاز بدليل اسم الرحمن...مع أن قاعدتهم هذا اختلقت اختلاقا لذلك الشاهد بعينه فيكون الشاهد أصلا والقاعدة فرعا ،فلا يجوز في الاستدلال أن يشهد الأصل للفرع لحصول الحاصل أو للدور..
ولعل أخطر ما في هذا الصنيع المنهجي هو التشكيك في استقلالية علم البلاغة...فيحق لنا أن نسأل :هل وضعت البلاغة لخدمة النص أم لخدمة علم الكلام!!وقد ثبت عندنا أنه في كل تعارض بين علم الكلام والقرآن تكون البلاغة منحازة إلى صف علم الكلام، ونحن نقول مطمئنين إن البلاغة هي الجناح اللغوي لعلم الكلام...فالمعاني يخترعها الجناح العقلي وتروج في لباس من علم البلاغة للإيهام أن علم الكلام موافق للسان العرب !!!فتامل!
-الثاني لا نسلم زعم البلاغيين أن اسم الرحمن وضع لمعنى أصلي حقيقي هو"رقيق القلب" فيكون الوضع من قسم وضع العام للعام لجواز أن يكون من وضع الخاص للخاص فلا مجاز حينئذ لمواطأة المعنى الوضعي للمعنى المستعمل فيه.
-الثالث :سلمنا معكم " ثبوت" اللفظ الذي يستعمل مجازا دون أن يستعمل حقيقة ولو لمرة... لكن ما سبيلكم إلى "إثباته" لأن اللغة مأخوذة من مستعمل الناس في أشعارها وأمثالها وحكمها ومخاطباتها...فكيف وصلت كلمة غير مستعملة إلى المتجوز ليتجوز فيها ...!!
الرابع-يلزم عن مذهبهم أن واضع اللغة غير حكيم يضع ألفاظا لا يحتاج إليها فهذا عبث...فإن قالوا وضعها للاستعمال المجازي قلنا إن الواضع المزعوم لا شأن له بالاستعمال فدوره ينحصر في تعيين اللفظ للمعنى فقط ولا يشترط خصوصية الاستعمال...مثل البنك المركزي يعين قيمة للورقة النقدية ولا يشترط فيها أن يشترى بها لحم أو يتصدق بها على فقير.
أما قول البيانيين أن الألفاظ قبل الاستعمال ليست حقيقة ولا مجازا فلا يخلو من ضعف .. لانهم يزعمون أن الواضع يضع اللفظ لمعنى فإن استعمل فيه فهو حقيقة وإن استعمل في غيره فهو مجاز...فلا يسعهم أن ينكروا أن للفظ دلالة ما قبل الاستعمال ....فيسألون عن نوع هذه الدلالة إن لم تكن حقيقة أو مجازا، وكيف يسمونهاا!
هب لفظ "أسد" لم يستعمله مستعمل ..وقد وضعه الواضع من قبل للحيوان المعروف..فالبيانيون يقولون إن استعمل للدلالة على هذا الحيوان فهو حقيقة وإن لم يستعمل فلا يسمى حقيقة ولا مجازا ...
والحقيقة عندهم هو اللفظ المستعمل في معناه الحقيقي أي الوضعي..ثم يتناقضون عندما يقولون إن المعنى الوضعي ليس حقيقة ولا مجازا!!!
هنا –على سبيل التنزل-خمسة احتمالات :
-أن لا يكون للفظ معنى قبل الاستعمال..
-أن يكون له معنى حقيقي
-أن يكون له معنى مجازي
-أن يكون له معنى هو حقيقة ومجاز في آن واحد
-أن يكون له معنى كامن محايد يظهره الاستعمال تارة حقيقة وتارة مجاز.
لا يستقيم أي احتمال على أصول البيانيين..فالاول والرابع لا يقولهما احد من البيانيين..والثاني والثالث يتنافيان مع قاعدتهم في أن الحقيقة والمجاز من عوارض الاستعمال ، أما الاحتمال الاخير فهو من أقوال منكري المجاز لا مثبتيه..ومعناه إستبعاد الدلالة الوضعية لكونها غيبا كما هو مذهب ابن تيمية و إرجاع الدلالة كلها إلى السياق وإنكار وجود أي معنى قبله-كما هو مذهب فتجنشتين وابن تيمية أيضا-
2-
فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ
حجم الاختلاف هنا- في إثبات المجاز أو نفيه- يتجاوز مجال البلاغة ليصل إلى عمق الميتافزيقا...!وما الحديث عن المجاز إلا فرعا عن رؤية أصلية لهذا العالم الذي ننتمي إليه:
فنفي الإرادة عن الجدار يقتضي مذهبا "ما ورائيا" مبنيا على رؤية منطقية أرسطية تقسم العالم إلى ثنائيات حادة لا يمكن أن تتقاطع في أي نقطة مفترضة بحسب مبدأ الثالث المرفوع:
فالعاقل في مقابل غير العاقل
والحي في مقابل الجامد..
ولكل كيان مقوماته المميزة، فالإرادة من شأن الحي ولا يمكن أن تكون في الجماد -جدار مثلا-.والناطقية من صفات الحي العاقل ولا يمكن أن تكون في حي غير عاقل...
وأي تداخل بين المقولات إما أن يكون هرطقة عقلية وإما أن يذهب العالم الأرسطي هباء منثورا..وهذا الترديد نفسه أرسطي المشرب( إما و إما) أَما الثالث فقد رفع إلى الأبد!
وإزاء هذا التصور الحاد للعالم يقف تصور آخر أقل صرامة وأكثر مرونة..لا يصدمه أن يكون في غير العاقل عقل وفي غير الحي حس ..!
وأرى أن المقام هنا يقتضي تعجيلا بتنبيه:
فنحن لا نقصد بالتصور الثاني الرؤية الصوفية للعالم في تماثل الكائن الأصغر والكائن الأكبر ،ولا النزعة الرومنطيقية عند الشعراء في أنسنة الأشياء،وإنما نقصد التوصيف الشرعي للعالم انطلاقا من الكتاب والسنة فقط:
"حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{18}"
ألم تقوض هذه النملة "الفصل" في ماهية الإنسان عند المنطقيين!
الانسان حيوان ناطق..
النملة حيوان ناطق
النملة إنسان إذن!!!
من ساءته النتيجة اللازمة فلا مخرج له إلا الطعن في إحدى المقدمتين...ولعل الأوْلى أن يكون الطعن في الأُولى، ولا يجوز لمؤمن أن يحوم حول الثانية لأن الثانية بها قد نطق القرآن...!!
ومما يزيد طين المسألة بلة أن الاستنجاد بالمجاز في هذا المقام هروب ركيك..ففي كلام النملة من التفصيل (وقد أحصى القوم ضمنه من البلاغة وجوها ذوات عدد..) ومن تقرير المعانى ما يجعل العاقل غير ملتفت لمن يقول شبه الحال بلسان القال!
وهاهنا أمر آخر يقطع دابر المجاز ،وهو قول سليمان بعد ذلك: فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا..
وقد تقرر عند البيانيين أن التكرير يرفع المجاز: قَالَتْ نَمْلَةٌ... فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا..
فهو قول حقيقي إذن يستفاد من هذا الموضع...ولا حاجة لنا إلى شهادة علماء العصرمثل (كارل فون فريش) وغيره...
فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ{22}
هذا كلام آخر للهدهد بعد النملة...
أما خرق العادة فسيأتيك نبؤه بعد حين..
{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت : 11]
تكلمت السماء والأرض كما تكلمت بنتا شيخ مدين:
قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ }القصص23
ولم تأت في القرآن صيغة "قالتا" إلا في هذين الموضعين..
فإن قالوا مجاز جادلناهم بقول النملة..فإن ارتقاء الحي غير العاقل إلى رتبة الناطق العاقل ليمهد الطريق لكي يرتقي الجماد إلى رتبة الحي..بل هنا أمور أخرى فضلا عن النطق... من وعي وخشوع وإشفاق وحنين وبكاء وطاعة وسمع وإباء وخشية وترجيع..
- {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان : 29]
-{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب : 72]
-{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر : 21]
{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ : 10]
روى في شعب الإيمان:
3140 - أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ ببغداد ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ، حدثنا إسحاق بن الحسن ، حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا زائدة ، عن منصور ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : أرأيت قول الله عز وجل : ( فما بكت عليهم السماء والأرض (1) ) فهل تبكيالسماء والأرض على أحد ؟ قال : « نعم ، إنه ليس من الخلائق أحد إلا له باب في السماء ينزل منه رزقه ويصعد منه عمله ، فإذا مات المؤمن بكى عليه بابه من السماء الذي كان يصعد منه عمله وينزل منه رزقه ، وإذا فقده مقعده من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله فيها بكت عليه ، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة ، ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير فلم تبك عليهم » وروي ذلك عن علي رضي الله عنه مختصرا
في مسند أبي يعلى:
4022 - حدثنا أحمد بن إسحاق البصري ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن عبيدة الربذي ، أخبرني يزيد الرقاشي ، أخبرني أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « ما من عبد إلا وله في السماء بابان : باب يدخل عمله ، وباب يخرج فيه عمله وكلامه ، فإذا مات فقداه وبكيا عليه ، وتلا هذه الآية : ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) ، فذكر أنهم لم يكونوا يعملون على الأرض عملا صالحا تبكي عليهم ، ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا عملهم كلام طيب ، ولا عمل صالح فتفقدهم ، فتبكي عليهم »
3679 - أخبرنا أبو زكريا العنبري ثنا محمد بن عبد السلام ثنا إسحاق أنبأ جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما :
في قوله عز و جل : { فما بكت عليهم السماء و الأرض } قال : بفقد المؤمن أربعين صباحا
صحيح الإسناد و لم يخرجاه
تعليق الحافظ الذهبي في التلخيص : صحيح
قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أُحُدٍ: " هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ "
والتأويل بمعنىَ يُحِبُّنَا أَهْلُهُ، يَعْنِي الْأَنْصَارَ وَنُحِبُّهُمْ، بعيد جدا لاسيما وقد ذكر الجبل مع الإشارة الحسية إليه..
وفي صحيح البخاري:
3410 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ح و قَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ وَكَهْمَسُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَا حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ قَالَ اثْبُتْ أُحُدُ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدَانِ..
3212 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ فَقَالَ فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ قَالَ فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ..
روى الدارمي وغيره:
ِ 33 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُّ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىِّ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ قَبْلَ أَنْ يُجْعَلَ الْمِنْبَرُ ، فَلَمَّا جُعِلَ الْمِنْبَرُ حَنَّ ذَلِكَ الْجِذْعُ حَتَّى سَمِعْنَا حَنِينَهُ ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ عَلَيْهِ فَسَكَنَ.
والأصل في كل هذا هو قوله تعالى:
{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [ الإسراء : 44 ]
إعمال التأويل في كل هذه النصوص من الباطل المبين ،لاسيما وأن بعضها تحكي وقائع مسموعة مرئية ،وإنما المجاز يكون في اللغة لا في الوقائع..
وقد يقال إن هذه الوقائع معجزات..
قال الشيخ النووي في شرح مسلم:
684 - قَوْله : ( آذَنَتْ بِهِمْ شَجَرَة )
هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَجْعَل فِيمَا يَشَاء مِنْ الْجَمَاد تَمْيِيزًا وَنَظِيره قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه } وَقَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحهمْ } وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَأَعْرِف حَجَرًا بِمَكَّة كَانَ يُسَلِّم عَلَيَّ " وَحَدِيث الشَّجَرَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَتَتَاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي آخِر الْكِتَاب ، وَحَدِيث حَنِين الْجِذْع ، وَتَسْبِيح الطَّعَام ، وَفِرَار حَجَر مُوسَى بِثَوْبِهِ ، وَرُجْعَان حِرَاء وَأُحُد . وَاَللَّه أَعْلَم .
قوله " يَجْعَل " قد يشعر بأن ذلك من الخوارق المؤقتة لكن ظاهر الآية
{ وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحهمْ } يفيد أن التسبيح -وهو فعل عاقل- ثابت لكل شيء فهو "عادي"أما خرق العادة فهو في الشق الثاني من الآية أي في فقه التسبيح...وبناء عليه لا تكون المعجزة في كلام النملة بل في فهم سليمان عنها ولا تكون في حنين الجذع بل في سماع الصحابة ذلك..
جامع الأمر كله أن النصوص تثبت للحيوان "عقل"ا، وللجماد "حسا"، وادعاء المجاز في هذا المقام مطالب بنصب القرينة.. وأنى له قرينة :
-أما عقلية فلأن أساطين الفلسفة مثل (كانط) وغيره قد برهنوا على أن العقل ليس في وسعه إلا إدراك "ظاهر الشيء" أما "الشيء في ذاته "فهو خفي عن المدارك إلى الأبد... وما كنا لنقبل قول الفيلسوف كانط ناقد العقل لولا أنه وافق آية في كتاب الله : يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا..
أما حسية فلإن العلم الحديث قد أثبت أن صفات الظاهر من الأشياء المادية قد تكون ضد صفات باطنها: فما نراه امتلاء فهو فراغ وما ندركه ثباتا فهو حركة وما نلمسه من صلابة فهو تموج الخ!!
وأما شرعية فلأن النصوص التي أوردناها تثبت حقائق خفية عن المخلوقات ، لا يمكن الوصول إليها بحس أو عقل...وتأويلها كلها يفضي إلى قطع صلة معرفية وحيدة بطبائع الأشياء...ومن ثم فالمجاز في هذه المقامات باطل لأن الحقيقة لا سبيل إلى الاطلاع عليها من غير طريق هذه النصوص نفسها ..فمن ادعى أن الجدار لا إرادة له ,يسأل عن مبلغ علمه ..ومن ادعى أن السماء والأرض لم تتكلما مع الله حقيقة فعليه أن يثبت أنه عالم بأحوال المخلوقات مع خالقها، فلا الله قادر على إنطاقها، ولا هي من طبعها الكلام!!!
إذا كان حديث الشنقيطي قد طرح مشكلة "البلاغة وحدود المعرفة البشرية" فإن حديث ابن قتيبة الآتي يطرح قضية أخرى لا تقل خطورة هي قضية "البلاغة والحرية"…
لعله من غير اللائق أن نخوض كثيرا في الاستدلال على أمر واضح من قبيل عدم إمكان اجتماع البلاغة والضرورة…فالتعبير الضروري –الذي لا خيار فيه ، ولا بديل عنه - لا يمكن أن يوصف بحسن أو قبح ،كما لا يمكن أن يحصل فيه تفاوت بين المتكلمين…فالبحث عن الوجه البلاغي في التعبير الضروري من جنس المحال المنطقي ..لأنه إنشاد للحسن في موضع لا يحتمله ،فضلا عن خرق المجال التداولي الإسلامي فمن المقرر فيه أن القرآن معجز والإعجاز يلزم عنه التفاوت في حسن الكلام والطبقية في توزيع المتكلمين.
خذ هذا المثال:
في بلاغة العربية باب "التنكير والتعريف"، ولم يك هذا الباب ممكنا إلا لأن للمتكلم الحرية في استعمال الكلمة معرفة أو منكرة-في حدود ما يسمح به نظام النحو – فمن الجائز أن نبحث عن النكتة البلاغية في قوله تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ..
فيسأل عن الحكمة في تنكير الحياة ،وعن سر العدول عن تعريفها ..
لكن هذا الباب في اللغة اللاتينية غير معقول!!
لأن هذه اللغة خالية من أداة التعريف، ومن ثم يكون أهلها مجبرين على الإتيان بالأسماء نكرات . فهل يعقل أن يسأل اللاتيني عن النكتة البلاغية في نكرة استعملها في كلامه وهي مفروضة عليه فرضا!!
البلاغة إذن لا تنفك عن الحرية…ومن هنا سر تلك الثنائيات في أبواب البلاغة العربية :التقديم والتأخير ،الحقيقة والمجاز، التنكير والتعريف ، الإيجاز والإطناب، الحذف والذكر…وغيرها.
ثنائيات تؤشر على حرية المتكلم واختياره يجوز معها أن يقال:لم "قدم" وكان في وسعه أن" يؤخر"، ولم "حذف" وكان في إمكانه أن "يذكر "وهلم جرا...
بعد هذه التوطئة نورد كلام ابن قتيبة:
"ولو قلنا للمنكر لقوله: جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ كيف كنت أنت قائلا في جدار رأيته على شفا انهيار:
رأيت جدارا ماذا؟
لم يجد بدا من أن يقول:جدارا يهم أن ينقض، أو يكاد أن ينقض، أو يقارب أن ينقض...وأيا ما قال فقد جعله فاعلا،ولا أحسبه يصل إلى هذا المعنى في شيء من لغات العجم إلا بمثل هذه الألفاظ..."
هذا إرغام للطاعنين على الاعتراف بمقبولية مثل قوله تعالى "جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ" فهذا التعبير ليس صحيحا فقط-بشهادة ما يتصف به اللسان العربي من توسع بالمجاز وغيره- ولكنه فوق ذلك ضروري..فمن حكم بتخطئة العبارة لا يستطيع لها تصحيحا فاللغة لا تسعفه بشيء إلا وفيه إسناد الفاعلية للجدار وهو ما أنكره..
إن كان له خيار في أمره فهو بين أن يصمت أو يتكلم،وإذا تكلم فلا بد أن "يفعّل" الجدار...!!
هذا قدر عام للغات البشرية كلها حسب ابن قتيبة ،وهو رأي لا يجادل في صحته...!!
لكن الشاهد عندنا في حجاج ابن قتيبة هو مسألة "المجاز القسري"...
فما الفرق بينه وبين الحقيقة؟
وما قيمته البلاغية وهو من معدن الاضطرار؟
وهل يمكن إجراء المجاز فيه كما تجرى الاستعارة في "رأيت الأسد يرمي؟
من المؤسف أن البيانيين لم يستثمروا نص العلامة ابن قتيبة وإلا لكان في البلاغة العربية نوع من المجاز جديد هو "المجاز القسري" -باصطلاحنا – وهو ما يضاهي La catachrèse في البلاغة الغربية..
Katakhresisتعني في الاغريقية القديمة "الاستعمال" وتعني في اصطلاحهم البلاغي"استعمال شَاطٌّ " أو"استعمال سيء"
عرفها الفرنسي Fontanier في كتابه المشهور صور الخطاب :
أنها تتمثل عموما في لفظ كان قد عين من قبل للدلالة على معنى، فيعين ثانية للدلالة على معنى جديد لم يكن له في اللغة لفظ خاص دال عليه..فهي إذن كل صورة بلاغية ذات استعمال قسري وضروري..
وهو تعريف شبيه بما ذكره الرومي كانتليان Quintilien من قبل :
"في اليونانية واللاتينية أشياء كثيرة لم توضع لها في البداية ألفاظ وأسماء مخصوصة ، فيستعان بالمجاز القسري عند افتقار اللغة إلى ألفاظ مخصوصة عكس الاستعارة التي تقع عند وجودها..
ففي جميع اللغات يمكن أن تأتي لحظات افتقار إلى ألفاظ للدلالة على أفكار أو أشياء جديدة..فيضطر الاستعمال اللغوي الشائع إلى تعيين كلمات متوفرة للدلالة على هذا الجديد...وإنما يفعلون ذلك رغبة في تقليص حجم المعجم وتيسيرا على الذاكرة"
و زعم شيشرون Cicéron- بعد اعترافه بالطابع الاضطراري لهذه الظاهرة - أنه يمكن أن تقترن بالتأنق والمتعة البلاغية، فيرى في" الكتكريز" ما يراه في الثياب:صحيح إن الثوب قد أوجدته الضرورة لحماية الجسم من القر والحر، لكن هذا لا يمنع من أن يعتبر أيضا من مظاهر البذخ والزخرفة..
لكن الحق إن التأنق والزخرفة يعرضان للثوب لما فيه اختيار من تفضيل لون على لون أو شكل على شكل ولكن مبدأ اتخاذ اللباس لحماية الجسد لا جمالية فيه ..فلا يقدح هذا في مسلمتنا عن تلازم الحرية والبلاغة..
"إرادة الجدار" مثل "رجل الطاولة" أو" عين الإبرة" ضرائر في التعبير مفروضة على أي متكلم .. المجازات-إن كانت كذلك- فهي قسرية، فليس في العربية لفظ موضوع للدلالة على ذلك الجزء الذي "تقف" عليه الطاولة..وليس فيها لفظ يدل على ثقب الإبرة بخصوصه..وكلمة ثقب نفسها لا تفي بالغرض بسبب الاشتراك المعنوي والتباس الدلالة فقديراد بالثقب الحاصل من الإبرة باعتبارها آلة كما قد يراد به الحاصل فيها باعتبارها هيئة ولذا لا مفر من عين الإبرة الدالة على محل الخيط قطعا..
الأشبه أن تكون "الرجل" و"الارادة" و"العين "أوضاعا جديدة فهي على حقائقها كما في ظاهرة الاشتراك..
فإن قلت هنا استعارات لوجود علاقة مشابهة بين رجل الإنسان ورجل الطاولة (من حيث الشكل ومن حيث الوظيفة) ولوجود الاستدارة صفة مشتركة بين عين الرجل وعين الإبرة ..
قلنا نحن في مقام الوضع لا في مقام الاستعمال..وللواضع أن يلاحظ أثناء مسار الوضع ما شاء من تناسب بين المعاني والأشياء،فهذا لا يخرجه عن مقام الوضع ومنتهى عمله إيجاد لفظ له معنى ...فإن استعمل اللفظ في هذا المعنى فحقيقة وإن استعمل في غيره فمجاز...
فإن أصر مدعي المجاز على وجود الاستعارة في قوله تعالى "جدارا يريد أن ينقض" فلن يستفيد شيئا ذا بال...لأن غاية ما سيظفر به هو "استعارة غير مفيدة " كما قررها الشيخ في" أسرار البلاغة"..فليراجع هناك الفرق بين المفيدة وغير المفيدة..
للموضوع تتمة يسر الله كتابتها..